الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الخامس

 

 

١٣١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين

٤ / ١

استشارة الإمام أصحابه فيهم

كان معاوية قد أخضع الشام لسلطته عدّة سنين ، بيد مبسوطة وهيمنة قيصريّة ، ولم يردعه أحد من الخلفاء الماضين عن أعماله قطّ . وكان يعرف أميرَ المؤمنين  ¼ حقّ معرفته ، ويعلم علم اليقين أنّه لا يتساهل معه أبداً . فامتنع عن بيعته ، ورفع قميص عثمان ، ونادي بالثأر له مستغلاًّ جهل الشاميّين ، وتأهّب للحرب(١) . فتجهّز الإمام  ¼ لقمع هذا الباغى ، وعيّن الاُمراء علي الجيش ،و كتب إلي عمّاله فى مصر ، والكوفة ، والبصرة يستظهرهم بإرسال القوّات اللازمة .

وبينا كان يعدّ العدّة لذلك بلغه تواطؤ طلحة والزبير وعائشة فى مكّة ، وإثارتهم


(١) راجع : وقعة صفّين / السياسة العلويّة / استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل .

 ١٣٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / استشارة الإمام أصحابه فيهم

للفتنة ، وتحرّكهم صوب البصرة(١) ، فرأي  ¼ أنّ إخماد هذه الفتنة أولي ، لذلك دعا وجهاء أصحابه واستطلع آراءهم .

ويستوقفنا حقّاً اُسلوب هذا الحوار ، وآراء أصحابه ، وموقفه الحاسم  ¼ من قمع البغاة ، وقد اشترك فى الحوار المذكور : عبد الله بن عبّاس ، ومحمّد بن أبى بكر ، وعمّار بن ياسر ، وسهل بن حُنيف ، واقترح عبد الله بن عبّاس عليه أن يأخذ معه اُمّ سلمة أيضاً ، فرفض صلوات الله عليه ذلك ، وقال : "فإنّى لا أري إخراجها من بيتها كما رأي الرجلان إخراج عائشة"(٢) . ولِمَ ذاك ؟ ذاك لأنّه  ¼ لم يفكّر إلاّ بالحقّ لا بالنصر كيفما كان .

٢١٢٩ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : كتب [علىّ  ¼ ] إلي قيس بن سعد أن يندب الناس إلي الشام ، وإلي عثمان بن حُنيف ، وإلي أبى موسي مثل ذلك ، وأقبَل علي التهيّؤ والتجهّز ، وخطبَ أهلَ المدينة ، فدعاهم إلي النهوض فى قتال أهل الفرقة وقال : . . . انهضوا إلي هؤلاء القوم الذين يريدون يفرّقون جماعتكم ; لعلّ الله يُصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق ، وتقضون الذى عليكم .

فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكّة بنحو آخر وتمام علي خلاف فقام فيهم بذلك فقال : . . . ألا وإنّ طلحة والزبير واُمّ المؤمنين قد تمالؤوا علي سخط إمارتى ، ودَعَوا الناس إلي الإصلاح ، وسأصبر ما لم أخف علي جماعتكم ، وأكفّ إن كفّوا ، وأقتصر علي ما بلغنى عنهم(٣) .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٥٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٢ وص ٣٢٣ .
(٢) الجمل : ٢٣٩ .
(٣) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٤٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١١ و٣١٢ وراجع الإمامة والسياسة : ١ / ٧٤ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٣٠ .

 ١٣٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / استشارة الإمام أصحابه فيهم

٢١٣٠ ـ الجمل : ولمّا اجتمع القوم علي ما ذكرناه من شقاق أمير المؤمنين  ¼ والتأهّب للمسير إلي البصرة ، واتّصل الخبر إليه ، وجاءه كتاب بخبر القوم ، دعا ابن عبّاس ، ومحمّد بن أبى بكر ، وعمّار بن ياسر ، وسهل بن حنيف ، وأخبرهم بالكتاب وبما عليه القوم من المسير .

فقال محمّد بن أبى بكر : ما يريدون يا أمير المؤمنين ؟ فتبسّم  ¼ وقال : يطلبون بدم عثمان ! فقال محمّد : والله ، ما قتل عثمانَ غيرُهم ، ثمّ قال أمير المؤمنين  ¼ : أشيروا علىَّ بما أسمع منكم القول فيه .

فقال عمّار بن ياسر : الرأى المسير إلي الكوفة ; فإنّ أهلها لنا شيعة ، وقد انطلق هؤلاء القوم إلي البصرة .

وقال ابن عبّاس : الرأى عندى يا أمير المؤمنين أن تُقدِّم رجلاً إلي الكوفة فيبايعون لك ، وتكتب إلي الأشعرى أن يبايع لك ، ثمّ بعده المسير حتي نلحق بالكوفة ، وتعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة ، وتكتب إلي اُمّ سلمة فتخرج معك ; فإنّها لك قوّة .

فقال أمير المؤمنين  ¼ : بل أسير بنفسى ومن معى فى اتّباع الطريق وراء القوم ، فإن أدركتهم فى الطريق أخذتهم ، وإن فاتونى كتبت إلي الكوفة واستمددت الجنود من الأمصار وسرت إليهم . وأمّا اُمّ سلمة فإنّى لا أري إخراجها من بيتها كما رأي الرجلان إخراج عائشة .

فبينما هم فى ذلك إذ دخل عليهم اُسامة بن زيد بن حارثة وقال لأمير المؤمنين  ¼ : فداك أبى واُمّى ! لا تسِر سيراً واحداً ، وانطلق إلي يَنْبُع ، وخلِّف علي المدينة رجلاً ، وأقِم بما لَكَ ; فإنّ العرب لهم جولة ثمّ يصيرون إليك .

فقال له ابن عبّاس : إنّ هذا القول منك يا اُسامة إن كان علي غير غِلٍّ فى

 ١٣٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / خطبة الإمام لمّا بلغه خبر الناكثين

صدرك فقد أخطأت وجه الرأى فيه ، ليس هذا برأى بصير ، يكون والله كهيئة الضبع فى مغارتها . فقال اُسامة : فما الرأى ؟ قال : ما أشرتُ به ، أو ما رآه أمير المؤمنين لنفسه .

ثمّ نادي أمير المؤمنين  ¼ فى الناس : تجهّزوا للمسير ; فإنّ طلحة والزبير قد نكثا البيعة ، ونقضا العهد ، وأخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لإثارة الفتنة ، وسفك دماء أهل القبلة .

ثمّ رفع يديه إلي السماء فقال : اللهمّ إنّ هذين الرجلين قد بغيا علىَّ ، ونكثا عهدى ، ونقضا عقدى ، وشقّانى بغير حقّ منهما كان فى ذلك ، اللهمّ خذهما بظلمهما لى ، واظفِرنى بهما ، وانصرنى عليهما(١) .

٢١٣١ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ لمّا اُشير عليه بألاّ يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال ـ : والله لا أكون كالضَّبُع ; تنام علي طول اللَّدْم(٢) حتي يصل إليها طالبها ، ويختلها راصدها ، ولكنّى أضرب بالمقبل إلي الحقّ المدبر عنه ، وبالسامع المطيع العاصىَ المريب أبداً حتي يأتى علىَّ يومى . فوَ الله ما زلت مدفوعاً عن حقّى مستأثَراً علىَّ منذ قبض الله نبيّه  ½ حتي يوم الناس هذا(٣) .

٤ / ٢

خطبة الإمام لمّا بلغه خبر الناكثين

٢١٣٢ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبة له حين بلغه خبر الناكثين ببيعته ـ : ألا وإنّ


(١) الجمل : ٢٣٩ .
(٢) أى ضَرْب جُحرها بحجر ، إذا أرادوا صَيْد الضَّبُع ضربوا جُحْرها بحَجر ، أو بأيديهم ، فتحسبُه شيئاً تصيده ، فتخرج لتأخذه ، فتُصطاد (النهاية : ٤ / ٢٤٦) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٦ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ١٣٥ / ١١٠ .

 ١٣٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / خطبة الإمام لمّا بلغه خبر الناكثين

الشيطان قد ذمّر(١) حزبه ، واستجلب جلبه ; ليعود الجور إلي أوطانه ، ويرجع الباطل إلي نصابه ، والله ما أنكروا علىَّ منكراً ، ولا جعلوا بينى وبينهم نصفاً .

وإنّهم ليطلبون حقّاً هم تركوه ، ودماً هم سفكوه ; فلئن كنت شريكهم فيه ; فإنّ لهم لنصيبهم منه ، ولئن كانوا وَلُوه دونى ، فما التبعة إلاّ عندهم ، وإنّ أعظم حجّتهم لعلي أنفسهم ، يرتضعون اُمّاً قد فَطَمَت ، ويُحيُون بدعة قد اُميتت .

يا خيبة الداعى ! من دعا ! وإلامَ اُجيب ! وإنّى لراض بحجّة الله عليهم ، وعلمه فيهم . فإن أبَوا أعطيتهم حدّ السيف وكفي به شافياً من الباطل ، وناصراً للحقّ .

ومن العجب بعثهم إلىّ أن أبرُز للطعان ! وأن أصبر للجلاد ! هبِلتهم الهَبول ! لقد كنت وما اُهدَّد بالحرب ، ولا اُرَهَّب بالضرب ! وإنّى لعلي يقين من ربّى ، وغير شبهة من دينى(٢) .

٢١٣٣ ـ عنه  ¼ ـ فى خطبته حين نهوضه إلي الجمل ـ : إنّى بُليت بأربعة : أدهي الناس وأسخاهم ; طلحة ، وأشجع الناس ; الزبير ، وأطوع الناس فى الناس ; عائشة ، وأسرع الناس إلي فتنة ; يَعلي بن اُميّة .

والله ، ما أنكروا علىَّ شيئاً منكراً ، ولا استأثرتُ بمال ، ولا مِلتُ بهويً ، وإنّهم ليطلبون حقّاً تركوه ، ودماً سفكوه ، ولقد ولّوه دونى ، وإن كنت شريكهم فى الإنكار لما أنكروه .

وما تبعة عثمان إلاّ عندهم ، وإنّهم لهم الفئة الباغية ; بايَعونى ونكثوا بيعتى ، وما


(١) أى : حضّهم وشجّعهم (النهاية : ٢ / ١٦٧) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٢٢ ، عيون الحكم والمواعظ : ١١٠ / ٢٤٠١ وفيه إلي "لعلي أنفسهم" ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٥٣ / ٣٩ وراجع جواهر المطالب : ١ / ٣٢٤ .

 ١٣٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / خطبة الإمام لمّا بلغه خبر الناكثين

استأنَوا بى حتي يعرفوا جورى من عدلى ، وإنّى لراض بحجّة الله عليهم ، وعلمه فيهم ، وإنّى مع هذا لداعيهم ومعذر إليهم ; فإن قبلوا فالتوبة مقبولة ، والحقّ أولي ما انصُرف إليه ، وإن أبَوا أعطيتهم حدّ السيف ، وكفي به شافياً من باطل وناصراً(١) .

٢١٣٤ ـ عنه  ¼ ـ من كلام له فى معني(٢) طلحة بن عبيد الله حين بلغه خروج طلحة والزبير إلي البصرة لقتاله ـ : قد كنت وما اُهدَّد بالحرب ، ولا اُرَهَّب بالضرب ، وأنا علي ما قد وعدنى ربّى من النصر ، والله ما استعجَلَ متجرّداً للطلب بدم عثمان إلاّ خوفاً من أن يطالَب بدمه ; لأنّه مَظِنّته ، ولم يكن فى القوم أحرص عليه منه ، فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ; ليلتبس الأمر ، ويقع الشكّ .

وو الله ما صنع فى أمر عثمان واحدةً من ثلاث : لئن كان ابن عفّان ظالماً ـ كما كان يزعم ـ لقد كان ينبغى له أن يوازر قاتليه ، وأن ينابذ ناصريه . ولئن كان مظلوماً لقد كان ينبغى له أن يكون من المُنَهْنِهين(٣) عنه ، والمعذّرين فيه ، ولئن كان فى شكّ من الخصلتين ، لقد كان ينبغى له أن يعتزله ويركد جانباً ، ويدع الناس معه . فما فعل واحدة من الثلاث ، وجاء بأمر لم يعرف بابه ، ولم تسلَم معاذيره(٤) .

٢١٣٥ ـ الإرشاد : ولمّا اتّصل به مسير عائشة وطلحة والزبير إلي البصرة من مكّة


(١) الاستيعاب : ٢ / ٣١٨ / ١٢٨٩ عن صالح بن كيسان وعبد الملك بن نوفل بن مساحق والشعبى وابن أبى ليلي ، اُسد الغابة : ٣ / ٨٧ / ٢٦٢٧ .
(٢) معني كلّ شىء : مِحْنته وحالُه التى يصير إليها أمرُه (لسان العرب : ١٥ / ١٠٦) .
(٣) نهنههُ عنه : منعه وكفّه عن الوصول إليه (النهاية : ٥ / ١٣٩) .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ١٧٤ ، الأمالى للطوسى : ١٦٩ / ٢٨٤ نحوه .

 ١٣٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / خروج الإمام من المدينة

حمد الله وأثني عليه ثمّ قال : قد سارت عائشة وطلحة والزبير ; كلّ واحد منهما يدّعى الخلافة دون صاحبه ، لا يدّعى طلحة الخلافة إلاّ أنّه ابن عمّ عائشة ، ولا يدّعيها الزبير إلاّ أنّه صهر أبيها ، والله لئن ظفرا بما يريدان ليضربَنّ الزبيرُ عنقَ طلحة ، وليضربنّ طلحة عنق الزبير ، ينازع هذا علي الملك هذا ، وقد ـ والله ـ علمتُ أنّها الراكبةُ الجملَ ، لا تحلّ عقدة ، ولا تَسير عقبةً ، ولا تنزل منزلا إلاّ إلي معصية ، حتي تورد نفسها ومن معها مورداً يُقتل ثلثهم ، ويهرب ثلثهم ، ويرجع ثلثهم ، والله إنّ طلحة والزبير ليعلمان أنّهما مخطئان وما يجهلان ، ولربّما عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه . والله لينبحنّها كلاب الحوأب ، فهل يعتبر معتبر أو يتفكّر متفكّر ، ثمّ قال : قد قامت الفئة الباغية ; فأين المحسنون ؟(١)

٤ / ٣

خروج الإمام من المدينة

٢١٣٦ ـ المستدرك علي الصحيحين عن أبى الأسود الدؤلى عن الإمام علىّ  ¼ : أتانى عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلى فى الغَرْز(٢) وأنا اُريد العراق فقال : لا تأتِ(٣) العراق ; فإنّك إن أتيته أصابك به ذباب السيف . قال علىّ : وايم الله ، لقد قالها لى رسول الله  ½ قبلك . قال أبو الأسود : فقلت فى نفسى ، يا الله ما رأيت كاليوم رجل محارب يُحدّث الناس بمثل هذا(٤) .


(١) الإرشاد : ١ / ٢٤٦ ، الكافئة : ١٩ / ١٩ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ١١٣ / ٨٨ ; المعيار والموازنة : ٥٣ .
(٢) الغَرْز : رِكاب كور الجملِ إذا كان من جلد أوْ خشب (النهاية : ٣ / ٣٥٩) .
(٣) فى المصدر : "تأتى" ، والصحيح ما أثبتناه .
(٤) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٥١ / ٤٦٧٨ ، صحيح ابن حبّان : ١٥ / ١٢٧ / ٦٧٣٣ ، مسند أبى يعلي : ١ / ٢٥٩ / ٤٨٧ .

 ١٣٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / خروج الإمام من المدينة

٢١٣٧ ـ تاريخ الطبرى : بلغ عليّاً الخبر ـ وهو بالمدينة ـ باجتماعهم علي الخروج إلي البصرة ، وبالذى اجتمع عليه ملؤهم ; طلحة والزبير وعائشة ومن تبعهم ، وبلغه قول عائشة ، وخرج علىّ يبادرهم فى تعبيته التى كان تعبّي بها إلي الشام ، وخرج معه من نشط من الكوفيّين والبصريّين متخفّفين فى سبعمائة رجل ، وهو يرجو أن يدركهم ، فيحول بينهم وبين الخروج ، فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال : يا أمير المؤمنين لا تخرج منها ; فوَ الله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ، ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً ، فسبّوه فقال : دعوا الرجل ; فنعم الرجل من أصحاب محمّد  ½ . وسار حتي انتهي إلي الرَّبَذة فبلغه ممرّهم ، فأقام حين فاتوه يأتمر بالربَذة(١) .

٢١٣٨ ـ الجمل : ثمّ خرج فى سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار ، واستخلف علي المدينة تمّام بن العبّاس ، وبعث قُثَم بن العبّاس إلي مكّة ، ولمّا رأي أمير المؤمنين  ¼ التوجّهَ إلي المسير طالباً للقوم رَكب جملا أحمر وقاد كُميتاً(٢) وسار وهو يقول :

سيروا أبابيل وحثّوا السيراكى نلحق التَّيمىَّ والزبيرا
إذ جلبا الشرّ وعافا الخيرايا ربّ أدخلهم غداً سعيرا

وسار مُجدّاً فى السير حتي بلغ الربذة ، فوجد القوم قد فاتوا ، فنزل بها قليلا ثمّ توجّه نحو البصرة ، والمهاجرون والأنصار عن يمينه وشماله ، محدقون به مع من سمع بمسيرهم ، فاتّبعهم حتي نزل بذى قار فأقام بها(٣) .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٥٥ وراجع تاريخ ابن خلدون : ٢ / ٦١١ .
(٢) الكُمَيت : أقوي الخيل (لسان العرب : ٢ / ٨١) .
(٣) الجمل : ٢٤٠ .

 ١٣٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / كتاب الإمام إلي أهل الكوفة عند المسير من المدينة

٤ / ٤

كتاب الإمام إلي أهل الكوفة عند المسير من المدينة

٢١٣٩ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كتاب له إلي أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلي البصرة ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي أهل الكوفة ; جبهة الأنصار ، وسنام العرب .

أمّا بعد ; إنّى اُخبركم عن أمر عثمان حتي يكون سمعه كعيانه : إنّ الناس طعنوا عليه ، فكنت رجلاً من المهاجرين اُكثر استعتابه ، واُقلّ عتابه ، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف(١) ، وأرفق حِدائهما العنيف ، وكان من عائشة فيه فلتة غضب . فاُتيح له قوم فقتلوه ، وبايعنى الناس غير مُستكرَهين ولا مجبَرين ، بل طائعين مخيَّرين .

واعلموا أنّ دار الهجرة قد قَلَعت بأهلها وقَلعوا بها ، وجاشت جيش المِرجَل(٢) ، وقامت الفتنة علي القُطْب ، فأسرِعوا إلي أميركم ، وبادروا جهاد عدوّكم ، إن شاء الله عزّ وجلّ(٣) .


(١) الوجيف : هو ضَرْبٌ من السير سريعٌ (النهاية : ٥ / ١٥٧) .
(٢) المِرْجَل : قِدرٌ من نحاس ، وقيل : يطلق علي كلّ قدر يُطبخ فيها (المصباح المنير : ٢٢١) .
(٣) نهج البلاغة : الكتاب ١ ، الأمالى للطوسى : ٧١٨ / ١٥١٨ عن عبد الرحمن بن أبى عمرة الأنصارى وليس فيه من "و لا مجبرين . . ." ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٥١ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٨٤ / ٥٦ ; شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٨ وفيه "روي محمّد بن إسحاق عن عمّه عبد الرحمن بن يسار القرشى قال : لمّا نزل علىّ  ¼ الربذة متوجّهاً إلي البصرة بعث إلي الكوفة محمّد بن جعفر بن أبى طالب ، ومحمّد بن أبى بكر الصدّيق ، وكتب إليهم هذا الكتاب ، وزاد فى آخره : فحسبى بكم إخواناً وللدين أنصاراً ، فـ ³ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰ لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ  ²  التوبة : ٤١ .

 ١٤٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / خطبة الإمام لمّا أراد المسير إلي البصرة

٤ / ٥

خطبة الإمام لمّا أراد المسير إلي البصرة

٢١٤٠ ـ شرح نهج البلاغة عن الكلبى : لمّا أراد علىّ  ¼ المسير إلي البصرة ، قام فخطب الناس ، فقال ـ بعد أن حمد الله وصلّي علي رسوله  ½ ـ : إنّ الله لمّا قبض نبيّه استأثرت علينا قريش بالأمر ، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافّة ، فرأيت أنّ الصبر علي ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم . والناس حديثو عهد بالإسلام ، والدين يمخض مخض الوَطْب(١) ، يفسده أدني وهن ، ويعكسه أقلّ خُلف . فولى الأمر قوم لم يألوا فى أمرهم اجتهاداً ، ثمّ انتقلوا إلي دار الجزاء ، والله ولىّ تمحيص سيّئاتهم ، والعفو عن هفواتهم .

فما بال طلحة والزبير ، وليسا من هذا الأمر بسبيل ! لم يصبرا علىَّ حولا ولا شهراً حتي وثبا ومرَقا ، ونازعانى أمراً لم يجعل الله لهما إليه سبيلا ، بعد أن بايعا طائعَين غير مكرهَين ، يرتضعان اُمّاً قد فَطمت ، ويُحييان بدعة قد اُميتت . أ دمَ عثمان زعما ! والله ما التبعة إلاّ عندهم وفيهم ، وإنّ أعظم حجّتهم لعلي أنفسهم ، وأنا راض بحجّة الله عليهم وعمله فيهم ، فإن فاءا وأنابا فحظّهما أحرزا ، وأنفسهما غنما ، وأعظِم بها غنيمة ! وإن أبَيا أعطيتهما حدّ السيف ، وكفي به ناصراً لحقّ ، وشافياً لباطل ، ثمّ نزل(٢) .


(١) الوَطْب : الزقّ الذى يكون فيه السمن واللبن ، وهو جلد الجذع ـ الشابّ الفتى من الحيوانات ـ فما فوقه (النهاية : ٥ / ٢٠٣) .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٣٠٨ ; بحار الأنوار : ٣٢ / ٦٢ .

 ١٤١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / نزول الإمام بالربذة

٤ / ٦

نزول الإمام بالربذة

٢١٤١ ـ الإرشاد : لمّا توجّه أمير المؤمنين  ¼ إلي البصرة نزل الرَّبَذة(١) ، فلقيه بها آخر الحاج فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه وهو فى خبائه ، قال ابن عبّاس : فأتيته فوجدته يخصف نعلا ، فقلت له : نحن إلي أن تُصلح أمرنا أحوج منّا إلي ما تصنع ، فلم يكلّمنى حتي فرغ من نعله ، ثمّ ضمّها إلي صاحبتها ثمّ قال لى : قومّها ؟ فقلت : ليس لها قيمة . قال : علي ذاك ! قلت : كسر درهم ، قال : والله لهما أحبّ إلىّ من أمركم هذا إلاّ أن اُقيم حقّاً أو أدفع باطلا .

قلت : إنّ الحاجّ قد اجتمعوا ليسمعوا من كلامك ، فتأذن لى أن أتكلّم ; فإن كان حسناً كان منك ، وإن كان غير ذلك كان منّى ؟ قال : لا ، أنا أتكلّم . ثمّ وضع يده علي صدرى ـ وكان شَثْن(٢) الكفّين ـ فآلمنى ، ثمّ قام فأخذت بثوبه فقلت : نشدتك الله والرحم ؟ قال : لا تنشدنى . ثمّ خرج فاجتمعوا عليه ، فحمد الله وأثني عليه ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّ الله تعالي بعث محمّداً  ½ وليس فى العرب أحد يقرأ كتاباً ولا يدّعى نبوّة ، فساق الناس إلي منجاتهم ، أمَ والله ما زلت فى ساقتها ; ما غيّرت ولا خُنتُ حتي تولّت بحذافيرها .

مالى ولقريش ؟ أمَ والله لقد قاتلتهم كافرين ، ولاُقاتلنّهم مفتونين ، وإنّ مسيرى


(١) الرَّبَذَة : من قري المدينة علي ثلاثة أيّام ، قريبة من ذات عرق علي طريق الحجاز . خربت الربذة باتّصال الحروب بين أهلها . . . وكانت من أحسن منزل فى طريق مكّة (معجم البلدان : ٣ / ٢٤) .
(٢) الشَّثَن بالتحريك مصدر شَثِنَت كفّه بالكسر أى خَشُنَت وغَلُظَت (لسان العرب : ١٣ / ٢٣٢) .

 ١٤٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / كتاب الإمام إلي والى البصرة

هذا عن عهد إلىّ فيه ، أمَ والله : لأبقرنّ الباطل حتي يخرج الحقّ من خاصرته . ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم فأدخلناهم فى حيِّزنا وأنشد :

أدمتَ(١) لعمرى شربَك المحض خالصاً وأكلك بالزبد المقشّرة البُجرا
ونحن وهبناك العلاء ولم تكنعليّاً وحطنا حولك الجُرْدَ والسُّمْرا(٢)

٤ / ٧

كتاب الإمام إلي والى البصرة

٢١٤٢ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى كتابه إلي عثمان لمّا بلغه مشارفة القوم البصرة ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي عثمان بن حُنيف ، أمّا بعد ; فإنّ البغاة عاهدوا الله ثمّ نكثوا وتوجّهوا إلي مصرك ، وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضي الله به . والله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلا ، فإذا قدموا عليك فادعُهم إلي الطاعة والرجوع إلي الوفاء بالعهد والميثاق الذى فارقونا عليه ، فإن أجابوا فأحسِن جوارهم ما داموا عندك ، وإن أبَوْا إلاّ التمسّك بحبل النكث والخلاف فناجزهم القتال حتي يحكم الله بينك وبينهم وهو خير الحاكمين ، وكتبت كتابى هذا إليك من الربذة ، وأنا معجّل المسير إليك إن شاء الله . وكتبه عبيد الله بن أبى رافع فى سنة ستّ وثلاثين(٣) .

٤ / ٨

التباس الأمر علي من لا بصيرة له

٢١٤٣ ـ تاريخ اليعقوبى : وقال له [لعلىّ  ¼ ] الحارث بن حوط الرانى : أظنّ طلحة


(١) فى المصدر : "ذنب" وهو كما تري !
(٢) الإرشاد : ١ / ٢٤٧ ، نهج البلاغة : الخطبة ٣٣ وفيه من "قال ابن عبّاس . . ." وراجع شرح المائة كلمة : ٢٢٨ .
(٣) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٣١٢ .

 ١٤٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / التباس الأمر علي من لا بصيرة له

والزبير وعائشة اجتمعوا علي باطل ؟

فقال : يا حارث ! إنّه ملبوس عليك ، وإنّ الحقّ والباطل لا يعرفان بالناس ، ولكن اعرف الحقّ تعرفْ أهله ، واعرف الباطل تعرفْ من أتاه(١) .

٢١٤٤ ـ الأمالى للطوسى عن أبى بكر الهذلى : دخل الحارث بن حوط الليثى علي أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ فقال : يا أمير المؤمنين ، ما أري طلحة والزبير وعائشة احتجّوا إلاّ علي حقّ ؟ فقال : يا حارث ، إنّك إن نظرت تحتك ولم تنظر فوقك جزتَ عن الحقّ ; إنّ الحقّ والباطل لا يُعرفان بالناس ، ولكن اعرف الحقّ باتّباع من اتّبعه ، والباطل باجتناب من اجتنبه .

قال : فهلاّ أكون كعبد الله بن عمر وسعد بن مالك ؟ فقال أمير المؤمنين  ¼ : إنّ عبد الله بن عمر وسعد أخذلا الحقّ ولم ينصرا الباطل ، متي كانا إمامين فى الخير فيُتّبعان ؟ !(٢)

٢١٤٥ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى مخنف : وقام رجل إلي علىّ  ¼ فقال : يا أمير المؤمنين ، أىّ فتنة أعظم من هذه ؟ إن البدريّة ليمشى بعضها إلي بعض بالسيف ، فقال علىّ  ¼ : ويحَك أ تكون فتنة أنا أميرها وقائدها ؟ ! والذى بعث محمّداً بالحقّ وكرّم وجهه ، ما كذبت ولا كُذِّبت ، ولا ضللت ولا ضُلّ بى ولا زللت ولا زُلّ بى ، وإنّى لعلي بيّنة من ربّى ; بيّنها الله لرسوله ، وبيّنها رسوله لى ،


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢١٠ ، الأمالى للطوسى : ١٣٤ ; أنساب الأشراف : ٣ / ٦٤ ، البيان والتبيين : ٣ / ٢١١ كلّها نحوه وفيها "الليثى" بدل "الرانى" .
(٢) الأمالى للطوسى : ١٣٤ / ٢١٦ ، وفى الطرائف : ١٣٦ / ٢١٥ : ومن ذلك ما ذكره الغزالى فى كتاب "المنقذ من الضلال" ما هذا لفظه : العاقل يقتدى بسيّد العقلاء علىّ  ¼ حيث قال : "لا يُعرف الحقّ بالرجال ، اعرِف الحقّ تعرف أهله" فشهد أنّ عليّاً سيّد العقلاء .

 ١٤٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الرابع : تأهّب الإمام لمواجهة الناكثين / التباس الأمر علي من لا بصيرة له

وساُدعي يوم القيامة ولا ذنب لى ، ولو كان لى ذنب لكفّر عنّى ذنوبى ما أنا فيه من قتالهم(١) .

٢١٤٦ ـ شرح نهج البلاغة : خرج طارق بن شهاب الأحمسى يستقبل عليّاً  ¼ وقد صار بالربذة طالباً عائشة وأصحابها ، وكان طارق من صحابة علىّ  ¼ وشيعته ، قال : فسألت عنه قبل أن ألقاه ما أقدمه ؟ فقيل : خالفه طلحة والزبير وعائشة ، فأتوا البصرة ، فقلت فى نفسى : إنّها الحرب ! أ فاُقاتل اُمّ المؤمنين وحوارىّ رسول الله  ½ ؟ إنّ هذا لعظيم ! ثمّ قلت : أ أَدع عليّاً وهو أوّل المؤمنين إيماناً بالله وابن عمّ رسول الله  ½ ووصيّه ؟ ! هذا أعظم ، ثمّ أتيته فسلّمت عليه ، ثمّ جلست إليه فقصّ علىَّ قصّة القوم وقصّته(٢) .

٢١٤٧ ـ فتح الب ارى عن العلاء أبى محمّد عن أبيه : جاء رجل إلي علىّ وهو بالزاوية ، فقال : عَلامَ تُقاتل هؤلاء ؟ قال : علي الحقّ ، قال : فإنّهم يقولون إنّهم علي الحقّ ؟ قال : اُقاتلهم علي الخروج من الجماعة ، ونكث البيعة(٣) .

راجع : القسم الخامس / السياسة الثقافيّة / الإلتزام بالحقّ فى معرفة الرجال .


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٦٥ .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٢٦ .
(٣) فتح البارى : ١٣ / ٥٧ .


إرجاعات 
١٦٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي / الفصل الرابع : السياسة الثقافيّة / الالتزام بالحقّ في معرفة الرجال

 ١٤٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة

 

٥ / ١

كتاب الإمام إلي أهل الكوفة من الربذة

٢١٤٨ ـ تاريخ الطبرى : عن يزيد الضخم قال : لمّا أتي عليّاً الخبر وهو بالمدينة بأمر عائشة وطلحة والزبير أنّهم قد توجّهوا نحو العراق ، خرج يبادر وهو يرجو أن يدركهم ويردّهم ، فلمّا انتهي إلي الربَذة أتاه عنهم أنّهم قد أمعنوا(١) ، فأقام بالربذة أيّاماً ، وأتاه عن القوم أنّهم يُريدون البصرة ، فسُرِّىَ(٢) بذلك عنه ، وقال : إنّ أهل الكوفة أشدّ إلىّ حبّاً ، وفيهم رؤوس العرب وأعلامهم . . . .

[و] عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبى ليلي عن أبيه قال : كتب علىّ إلي أهل الكوفة : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ; فإنّى اخترتكم والنزول بين أظهركم


(١) أمعنوا فى الطلب : أى جَدُّوا وأبعدوا (النهاية : ٤ / ٣٤٤) .
(٢) سُرِّى عنه : أى كُشف عنه الخوف (النهاية : ٢ / ٣٦٥) .

 ١٤٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / كتاب الإمام إلي أهل الكوفة من الربذة

لما أعرف من مودّتكم وحبّكم لله عزّ وجلّ ولرسوله  ½ ، فمن جاءنى ونصرنى فقد أجاب الحقّ وقضي الذى عليه(١) .

٢١٤٩ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : لمّا قدم علىّ الربذة أقام بها ، وسرّح منها إلي الكوفة محمّد بن أبى بكر ، ومحمّد بن جعفر وكتب إليهم :

إنّى اخترتكم علي الأمصار ، وفزعت إليكم لما حدث ; فكونوا لدين الله أعواناً وأنصاراً ، وأيِّدونا وانهضوا إلينا ; فالإصلاح ما نريد ; لتعود الاُمّة إخواناً ، ومن أحبّ ذلك وآثره فقد أحبّ الحقّ وآثره ، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ وغَمِصه(٢) .

فمضي الرجلان وبقى علىّ بالربذة يتهيّأ ، وأرسل إلي المدينة ، فلحقه ما أراد من دابّة وسلاح ، وأمِر(٣) أمرُه وقام فى الناس فخطبهم وقال :

إنّ الله عزّ وجلّ أعزّنا بالإسلام ، ورفعنا به ، وجعلنا به إخواناً بعد ذلّة وقلّة وتباغض وتباعد ، فجري الناس علي ذلك ما شاء الله ; الإسلام دينهم ، والحقّ فيهم ، والكتاب إمامهم ، حتي اُصيب هذا الرجل بأيدى هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الاُمّة ، ألا إنّ هذه الاُمّة لابدّ مفترقة كما افترقت الاُمم قبلهم ، فنعوذ بالله من شرّ ما هو كائن .

ثمّ عاد ثانية فقال : إنّه لابدّ ممّا هو كائن أن يكون ، ألا وإنّ هذه الاُمّة ستفترق علي ثلاث وسبعين فرقة ; شرّها فرقة تنتحلنى ولا تعمل بعملى ، فقد أدركتم


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٧٧ .
(٢) غَمِصَه : احتقره ولم يره شيئاً (النهاية : ٣ / ٣٨٦) .
(٣) أمِرَ أمرُه : أى كثُر وارتفع شأنه (النهاية ١ / ٦٥) .

 ١٤٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / كتاب الإمام إلي أهل الكوفة من الربذة

ورأيتم ، فالزموا دينكم واهدوا بهدى نبيّكم  ½ ، واتّبعوا سنّته واعرُضوا ما أشكل عليكم علي القرآن ; فما عرفه القرآن فالزموه ، وما أنكره فردّوه ، وارضوا بالله عزّ وجلّ ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمّد  ½ نبيّاً ، وبالقرآن حَكَماً وإماماً(١) .

٢١٥٠ ـ شرح نهج البلاغة عن عبد الرحمن بن يسار القرشى ـ فى ذكر كتاب علىّ  ¼ إلي أهل الكوفة ـ : لمّا نزل علىّ  ¼ الربذة متوجّهاً إلي البصرة بعث إلي الكوفة محمّد بن جعفر بن أبى طالب ، ومحمّد بن أبى بكر الصديق ، وكتب إليهم هذا الكتاب(٢) وزاد فى آخره :

فحسبى بكم إخواناً ، وللدين أنصاراً ف ـ ³ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰ لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ  ²  (٣) . . . .

قال : لمّا قدم محمّد بن جعفر ، ومحمّد بن أبى بكر الكوفة استنفرا الناس ، فدخل قوم منهم علي أبى موسي ليلا فقالوا له : أشِر علينا برأيك فى الخروج مع هذين الرجلين إلي علىّ  ¼ ، فقال : أمّا سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم ، وأمّا سبيل الدنيا فاشخصوا معهما ! فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج ، وبلغ ذلك المحمّدَين ، فأغلظا لأبى موسي ، فقال أبو موسي : والله إنّ بيعة عثمان لفى عنق علىّ وعنقى وأعناقكما ، ولو أردنا قتالاً ما كنّا لنبدأ بأحد قبل قتلة عثمان ، فخرجا من عنده ، فلحقا بعلىّ  ¼ فأخبراه الخبر(٤) .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٧٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٤ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٥ كلاهما نحوه .
(٢) الكتاب الأوّل من نهج البلاغة .
(٣) التوبة : ٤١ .
(٤) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٨ وراجع الإمامة والسياسة : ١ / ٨٤ و٨٥ .

 ١٤٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بعثُ الإمام هاشم بن عتبة إلي أبى موسي لينفر الناس

٥ / ٢

بعثُ الإمام هاشم بن عتبة إلي أبى موسي لينفر الناس

٢١٥١ ـ تاريخ الطبرى عن أبى ليلي : خرج هاشم بن عتبة إلي علىّ بالربذة ، فأخبره بقدوم محمّد بن أبى بكر وقول أبى موسي ، فقال : لقد أردت عزله وسألنى الأشتر أن اُقرّه ، فردّ علىٌّ هاشماً إلي الكوفة وكتب إلي أبى موسي :

إنّى وجّهت هاشم بن عتبة ليُنهض مَن قِبَلك من المسلمين إلىّ ، فأشخص الناس ; فإنّى لم أولّك الذى أنت به إلاّ لتكون من أعوانى علي الحقّ .

فدعا أبو موسي السائب بن مالك الأشعرى ، فقال له : ما تري ؟ قال : أري أن تتّبع ما كتب به إليك . قال : لكنّى لا أري ذلك ! فكتب هاشم إلي علىّ : إنّى قد قدمت علي رجل غال مشاقّ ظاهر الغلّ والشنآن . وبعث بالكتاب مع المحلّ بن خليفة الطائى(١) .

٢١٥٢ ـ الجمل : خرج [الإمام علىّ  ¼ ] فى سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار . . . ثمّ دعا هاشم بن عتبة المرقال ، وكتب معه كتاباً إلي أبى موسي الأشعرى ـ وكان بالكوفة من قبل عثمان ـ وأمره أن يوصِل الكتاب إليه ليستنفر الناس منها إلي الجهاد معه ، وكان مضمون الكتاب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من علىّ أمير المؤمنين إلي عبد الله بن قيس .

أمّا بعد ; فإنّى أرسلت إليك هاشم بن عتبة المرقال لتُشخص معه مَن قِبَلك من المسلمين ليتوجّهوا إلي قوم نكثوا بيعتى ، وقتلوا شيعتى ، وأحدثوا فى هذه الاُمّة الحدث العظيم ، فأشخِص بالناس إلىّ معه حين يقدم بالكتاب عليك ولا تحبسه ;


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٩٩ .

 ١٤٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بعثُ الإمام هاشم بن عتبة إلي أبى موسي لينفر الناس

فإنّى لم اُقرّك فى المصر الذى أنت فيه إلاّ أن تكون من أعوانى وأنصارى علي هذا الأمر ، والسلام .

فقدم هاشم بالكتاب علي أبى موسي الأشعرى ، فلمّا وقف عليه دعا السائب ابن مالك الأشعرى ، فأقرأه الكتاب ، وقال له : ما تري ؟ فقال له السائب : اتّبعْ ما كتب به إليك ، فأبي أبو موسي ذلك ، وكسر الكتاب ومحاه ، وبعث إلي هاشم بن عتبة يخوّفه ويتوعّده بالسجن ، فقال السائب بن مالك : فأتيت هاشماً فأخبرته بأمر أبى موسي ، فكتب هاشم إلي علىّ بن أبى طالب  ¼ :

أمّا بعد ; يا أمير المؤمنين ! فإنّى قدمت بكتابك علي امرئ عاقّ شاقّ ، بعيد الرحم ، ظاهر الغلّ والشقاق ، وقد بعثت إليك بهذا الكتاب مع المُحِلّ بن خليفة أخى طيّئ ، وهو من شيعتك وأنصارك ، وعنده علم ما قِبَلنا ، فأسأله عمّا بدا لك ، واكتب إلىّ برأيك أتّبعْه ، والسلام .

فلمّا قدم الكتاب إلي علىّ  ¼ وقرأه ، دعا الحسن ابنه ، وعمّار بن ياسر ، وقيس بن سعد وبعثهم إلي أبى موسي ، وكتب معهم :

من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي عبد الله بن قيس: أمّا بعد ; يابن الحائك ! ! والله إنّى كنت لأري أنّ بُعدك من هذا الأمر ـ الذى لم يجعلك الله له أهلا ، ولا جعل لك فيه نصيباً ـ سيمنعك من ردّ أمرى ، وقد بعثت إليك الحسن وعمّاراً وقيساً ، فأخلِ لهم المصر وأهله ، واعتزل عملنا مذموماً مدحوراً ، فإن فعلتَ وإلاّ فإنّى أمرتهم أن ينابذوك علي سواء ، إنّ الله لا يحبّ الخائنين ، فإن ظهروا عليك قطّعوك إرباً إرباً ، والسلام علي من شكر النعمة ورضى بالبيعة ، وعمل لله رجاء العاقبة(١) .


(١) الجمل : ٢٤٠ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٨٥ ; شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٨ و٩ نحوه وراجع فتح البارى : ١٣ / ٥٨ .

 ١٥٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / إرسال الإمام ابنه إلي الكوفة

٥ / ٣

إرسال الإمام ابنه إلي الكوفة

٢١٥٣ ـ تاريخ الطبرى عن أبى ليلي : بعث علىٌّ الحسنَ بن علىّ وعمّار بن ياسر يستنفران الناس ، وبعث قرظة بن كعب الأنصارى أميراً علي الكوفة ، وكتب معه إلي أبى موسي :

أمّا بعد ; فقد كنت أري أنّ بُعدك من هذا الأمر الذى لم يجعل الله عزّ وجلّ لك منه نصيباً سيمنعك من ردّ أمرى ، وقد بعثت الحسن بن علىّ وعمّار بن ياسر يستنفران الناس ، وبعثت قرظة بن كعب والياً علي المصر ، فاعتزل مذموماً مدحوراً ; فإن لم تفعل فإنّى قد أمرته أن ينابذك ; فإن نابذته فظفر بك أن يقطّعك آراباً .

فلمّا قدم الكتاب علي أبى موسي اعتزل ، ودخل الحسن وعمّار المسجد ، فقالا :

أيّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين يقول : إنّى خرجت مخرجى هذا ظالماً أو مظلوماً ، وإنّى اُذكّر الله عزّ وجلّ رجلا رعي لله حقّاً إلاّ نفر ; فإن كنت مظلوماً أعاننى ، وإن كنت ظالماً أخذ منّى . والله إنّ طلحة والزبير لاَوّل من بايعنى ، وأوّل من غدر ، فهل استأثرت بمال أو بدلّت حكماً ؟ فانفروا ; فمُروا بمعروف ، وانهَوا عن منكر(١) .

٢١٥٤ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى مخنف عن موسي بن عبد الرحمن بن أبى ليلي


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٩٩ وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٨ ، وشرح نهج البلاغة : ١٤ / ١٠ ـ ١٢ والجمل : ٢٤٣ و٢٤٤ .

 ١٥١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / إرسال الإمام ابنه إلي الكوفة

عن أبيه قال : أقبلنا مع الحسن وعمّار بن ياسر من ذى قار(١) حتي نزلنا القادسيّة ، فنزل الحسن وعمّار ونزلنا معهما ، فاحتبي(٢) عمّار بحمائل سيفه ، ثمّ جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم ، ثمّ سمعته يقول : ما تركت فى نفسى حزّة أهمّ إلىّ من ألاّ نكون نبشنا عثمان من قبره ، ثمّ أحرقناه بالنار .

قال : فلمّا دخل الحسن وعمّار الكوفة اجتمع إليهما الناس ، فقام الحسن فاستنفر الناس ، فحمد الله وصلّي علي رسوله ، ثمّ قال :

أيّها الناس ! إنّا جئنا ندعوكم إلي الله ، وإلي كتابه ، وسنّة رسوله ، وإلي أفقه من تفقّه من المسلمين ، وأعدل من تُعدّلون ، وأفضل من تُفضّلون ، وأوفي مَن تُبايعون ، من لم يعِبْه القرآن ، ولم تُجَهِّلْه السنّة ، ولم تقعد به السابقة . إلي من قرّبه الله تعالي إلي رسوله قرابتين : قرابة الدين ، وقرابة الرحم . إلي من سبق الناس إلي كلّ مأثره . إلي من كفي الله به رسوله والناس متخاذلون ، فقرب منه وهم متباعدون ، وصلّي معه وهم مشركون ، وقاتل معه وهم منهزمون ، وبارز معه وهم مُحجِمون ، وصدّقه وهم يُكذّبون . إلي من لم تُردّ له رواية ولا تُكافأ له سابقة ، وهو يسألكم النصر ، ويدعوكم إلي الحقّ ، ويأمركم بالمسير إليه لتوازروه وتنصروه علي قوم نكثوا بيعته ، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه ، ومثّلوا بعمّاله ، وانتهبوا بيت ماله ، فاشخصوا إليه رحمكم الله ، فمُروا بالمعروف ، وانهَوا عن المنكر ، واحضروا بما يحضر به الصالحون .


(١) ذُوقار : موضع بين الكوفة وواسط ، وهو إلي الكوفة أقرب ، فيه كان "يوم ذى قار" بين الفرس والعرب (تقويم البلدان : ٢٩٢) .
(٢) الاحتباء : هو أن يضمّ الإنسان رجليه إلي بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ، ويشدّه عليها (النهاية : ١ / ٣٣٥) .

 ١٥٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / إرسال الإمام ابنه إلي الكوفة

قال أبو مخنف : حدّثنى جابر بن يزيد قال : حدّثنى تميم بن حذيم الناجى قال : قدم علينا الحسن بن علىّ  ¼ وعمّار بن ياسر يستنفران الناس إلي علىّ  ¼ ومعهما كتابه ، فلمّا فرغا من قراءة كتابه قام الحسن ـ وهو فتيً حَدَث والله إنّى لاُرثى له من حداثة سنّه وصعوبة مقامه ـ فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون : اللهمّ سدّد منطق ابن بنت نبيّنا ، فوضع يده علي عمود يتساند إليه ـ وكان عليلا من شكوي به ـ فقال :

الحمد لله العزيز الجبّار ، الواحد القهّار ، الكبير المتعال ³ سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ  ²  (١) أحمده علي حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، وعلي ما أحببنا وكرهنا من شدّة ورخاء ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، امتنّ علينا بنبوّته ، واختصّه برسالته وأنزل عليه وحيه ، واصطفاه علي جميع خلقه ، وأرسله إلي الإنس والجنّ حين عُبدت الأوثان ، واُطيع الشيطان ، وجُحد الرحمن ، فصلّي الله عليه وعلي آله ، وجزاه أفضل ما جزي المسلمين .

أمّا بعد ; فإنّى لا أقول لكم إلاّ ما تعرفون ; إنّ أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب أرشد اللهُ أمره ، وأعزّ نصره ، بعثنى إليكم يدعوكم إلي الصواب ، وإلي العمل بالكتاب ، والجهاد فى سبيل الله ، وإن كان فى عاجل ذلك ما تكرهون ; فإنّ فى آجله ما تُحبّون إن شاء الله ، ولقد علمتم أنّ عليّاً صلّي مع رسول الله  ½ وحده ، وأنّه يوم صدّق به لفى عاشرة من سنّة ، ثمّ شهد مع رسول الله  ½ جميع مشاهده ، وكان من اجتهاده فى مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة فى الإسلام ما قد بلغكم ، ولم يزل رسول الله  ½ راضياً عنه حتي غمّضه بيده ، وغسله وحده ،


(١) الرعد : ١٠ .

 ١٥٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / إرسال الإمام ابنه إلي الكوفة

والملائكة أعوانه ، والفضل ابن عمّه ينقل إليه الماء ، ثمّ أدخله حفرته ، وأوصاه بقضاء دينه وعداته وغير ذلك من اُموره ، كلّ ذلك مِن منّ الله عليه ، ثمّ والله ما دعا إلي نفسه ، ولقد تداكّ الناس عليه تداكّ الإبل الهيم عند ورودها ، فبايعوه طائعين ، ثمّ نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ، ولا خلاف أتاه ، حسداً له وبغياً عليه .

فعليكم عباد الله بتقوي الله وطاعته ، والجدّ والصبر والاستعانة بالله ، والخفوف إلي ما دعاكم إليه أمير المؤمنين ، عصمنا الله وإيّاكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته ، وألهمنا وإيّاكم تقواه ، وأعاننا وإيّاكم علي جهاد أعدائه ، وأستغفر الله العظيم لى ولكم . ثمّ مضي إلي الرحبة(١) فهيّأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين .

قال جابر : فقلت لتميم : كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه ؟ فقال : ولَما سقط عنّى من قوله أكثر ، ولقد حفظت بعض ما سمعت .

قال أبو مخنف : ولمّا فرغ الحسن بن علىّ  ¼ من خطبته ، قام بعده عمّار ، فحمد الله وأثني عليه ، وصلّي علي رسوله ، ثمّ قال :

أيّها الناس ! أخو نبيّكم وابن عمّه يستنفركم لنصر دين الله ، وقد بلاكم الله بحقّ دينكم وحرمة اُمّكم ، فحقّ دينكم أوجب وحرمته أعظم .

أيّها الناس ! عليكم بإمام لا يؤدَّب ، وفقيه لا يعلَّم ، وصاحب بأس لا ينكل ، وذى سابقة فى الإسلام ليست لأحد ، وإنّكم لو قد حضرتموه بيّن لكم أمركم إن شاء الله(٢) .


(١) الرُّحْبَة : قرية بحذاء القادسيَّة علي مرحلة من الكوفة ، علي يسار الحجّاج إذا أرادوا مكّة (معجم البلدان : ٣/٣٣) .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ١١ وراجع الإمامة والسياسة : ١ / ٨٦ و٨٧ وبحار الأنوار : ٣٢ / ٨٨ .

 ١٥٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / موقف أبى موسي من مندوبى الإمام

٥ / ٤

موقف أبى موسي من مندوبى الإمام

٢١٥٥ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : خرج أبو موسي فلقى الحسن ، فضمّه إليه وأقبل علي عمّار ، فقال : يا أبا اليقظان أ عَدوتَ فيمن عدا علي أمير المؤمنين ; فأحللت نفسك مع الفجّار ! فقال : لم أفعل ولِمَ تسوؤنى ؟ وقطع عليهما الحسن فأقبل علي أبى موسي فقال : يا أبا موسي ! لِمَ تُثبّط الناس عنّا ؟ فوَ الله ما أردنا إلاّ الإصلاح ، ولا مثل أمير المؤمنين يُخاف علي شىء ، فقال : صدقت بأبى أنت واُمّى ، ولكنّ المستشار مؤتمن ، سمعت رسول الله  ½ يقول : إنّها ستكون فتنة ; القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشى ، والماشى خير من الراكب ، قد جعلنا الله عزّ وجلّ إخواناً ، وحرّم علينا أموالنا ودماءنا وقال : ³ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِـلِ . . . وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا  ²  (١) وقال عزّ وجلّ : ³ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ  ²  (٢) .

فغضب عمّار وساءه وقام وقال : يا أيّها الناس ! إنّما قال له خاصّة : "أنت فيها قاعداً خير منك قائماً" . . .

وقام أبو موسي فقال : أيّها الناس ! أطيعونى تكونوا جرثومة من جراثيم العرب ; يأوى إليكم المظلوم ، ويأمن فيكم الخائف ، إنّا أصحابَ محمّد  ½ أعلم بما سمعنا ، إنّ الفتنة إذا أقبلت شبّهت ، وإذا أدبرت بيّنت ، وإنّ هذه الفتنة باقرة


(١) النساء : ٢٩ .
(٢) النساء : ٩٣ .

 ١٥٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / موقف أبى موسي من مندوبى الإمام

كداء البطن ، تجرى بها الشمال والجنوب والصبا والدبور ، فتسكن أحياناً فلا يُدري من أين تؤتي ، تذر الحليم كابن أمس ، شيموا سيوفكم ، وقصّدوا رماحكم ، وأرسلوا سهامكم ، واقطعوا أوتاركم ، والزموا بيوتكم ، خلّوا قريشاً ـ إذا أبَوا إلاّ الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالإمرة ـ ترتق فتقها ، وتشعب صدعها ; فإن فعلت فلأنفسها سَعَت ، وإن أبت فعلي أنفسها مَنَت ، سمنُها تُهريق فى أديمها(١) ، استنصحونى ولا تستغشّونى ، وأطيعونى يسلمْ لكم دينكم ودنياكم ، ويشقي بحرّ هذه الفتنة مَن جناها .

فقام زيد فشال يده المقطوعة(٢) ، فقال : يا عبد الله بن قيس ، رُدّ الفرات عن دِراجه(٣) ، اردده من حيث يجىء حتي يعود كما بدأ ، فإن قدرت علي ذلك فستقدر علي ما تريد ، فدع عنك ما لست مدركه ، ثمّ قرأ : ³ الم  ± أَ حَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا  ²  (٤) ـ إلي آخر الآيتين ـ سيروا إلي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ، وانفروا إليه أجمعين تُصيبوا الحقّ .

فقام القعقاع بن عمرو فقال : إنّى لكم ناصح ، وعليكم شفيق ، اُحبّ أن ترشدوا ، ولأقولنّ لكم قولا هو الحقّ ; أمّا ما قال الأمير فهو الأمر لو أنّ إليه سبيلاً ، وأمّا ما قال زيد فزيدٌ فى الأمر فلا تستَنْصِحوه ; فإنّه لا يتنزع أحدٌ من


(١) قال الميدانى : سمنكُم هُريق فى أديمكم : يُضرب للرجل ينفق ماله علي نفسه ثمّ يريد أن يمتنّ به (مجمع الأمثال : ٢ / ١١٢ / ١٧٩٩) والأديم ـ هنا ـ هو طعامهم المأدوم .
(٢) قُطعت فى معركة اليرموك .
(٣) قال الميدانى : "مَن يردّ الفراتَ عن دِراجه" هو جمع دَرَج ; أى وجْهه الذى توجّه له . يعنى أنّ الأمر خرج من يده وأنّ الناس عزموا علي الخروج من الكوفة ، فهو لا يقدر أن يردّهم من فورهم هذا (مجمع الأمثال : ٣ / ٣٣٦ / ٤٠٩٤) .
(٤) العنكبوت : ١ و٢ .

 ١٥٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / موقف أبى موسي من مندوبى الإمام

الفتنة طعن فيها وجري إليها . والقول الذى هو القول إنّه لابدّ من إمارة تنظّم الناس ، وتزع الظالم ، وتُعزّ المظلوم ، وهذا علىّ يلى بما ولى ، وقد أنصف فى الدعاء ، وإنّما يدعو إلي الإصلاح ، فانفروا وكونوا من هذا الأمر بمرأي ومسمع .

وقال سيحان : أيّها الناس ! إنّه لابدّ لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال ; يدفع الظالم ، ويُعزّ المظلوم ، ويجمع الناس ، وهذا واليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه ، وهو المأمون علي الاُمّة ، الفقيه فى الدين ; فمن نهض إليه فإنّا سائرون معه(١) .

٢١٥٦ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى مخنف : لمّا سمع أبو موسي خطبة الحسن وعمّار قام فصعد المنبر ، وقال : الحمد لله الذى أكرمنا بمحمّد ; فجمعنا بعد الفرقة ، وجعلنا إخواناً متحابّين بعد العداوة ، وحرّم علينا دماءنا وأموالنا ، قال الله سبحانه : ³ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِـلِ  ²  (٢) وقال تعالي : ³ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا  ²  فاتّقوا الله عباد الله ، وضعوا أسلحتكم وكفّوا عن قتال إخوانكم .

أمّا بعد ; يا أهل الكوفة ! إن تطيعوا الله بادياً ، وتطيعونى ثانياً تكونوا جُرثومة(٣) من جراثيم العرب ، يأوى إليكم المضطرّ ، ويأمن فيكم الخائف ، إنّ عليّاً إنّما يستنفركم لجهاد اُمّكم عائشة وطلحة والزبير حوارىّ رسول الله ومن معهم من المسلمين ، وأنا أعلم بهذه الفتن ; إنّها إذا أقبلت شبّهت ، وإذا أدبرت


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٧ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٦ كلاهما نحوه .
(٢) البقرة : ١٨٨ .
(٣) الجُرثومة : الأصل (النهاية : ١ / ٢٥٤) .

 ١٥٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / موقف أبى موسي من مندوبى الإمام

أسفرت . إنّى أخاف عليكم أن يلتقى غارّان منكم فيقتتلا ، ثمّ يُتركا كالأحلاس(١) الملقاة بنجوة(٢) من الأرض ، ثمّ يبقي رِجْرِجة(٣) من الناس لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن منكر ، إنّها قد جاءتكم فتنة كافرة لا يُدري من أين تؤتي ! تترك الحليم حيران ، كأنّى أسمع رسول الله  ½ بالأمس يذكر الفتن فيقول : "أنت فيها نائماً خير منك قاعداً ، وأنت فيها جالساً خيرٌ منك قائماً ، وأنت فيها قائماً خير منك ساعياً" . فثلّموا سيوفكم ، وقصّفوا رماحكم ، وانصلوا سهامكم ، وقطّعوا أوتاركم ، وخلّوا قريشاً ترتق فتقها وترأب صدعها ; فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت ، وإن أبت فعلي أنفسها ما جنت ، سمنُها فى أديمها ، استنصحونى ولا تستغشّونى ، وأطيعونى ولا تعصونى ، يتبيّنْ لكم رشدكم ، ويصلي هذه الفتنة من جناها .

فقام إليه عمّار بن ياسر ، فقال : أنت سمعت رسول الله  ½ يقول ذلك ؟ قال : نعم ، هذه يدى بما قلت ، فقال : إن كنت صادقاً فإنّما عناك بذلك وحدك ، واتّخذ عليك الحجّة ، فالزم بيتك ولا تدخلنّ فى الفتنة ، أما إنّى أشهد أنّ رسول الله  ½ أمر عليّاً بقتال الناكثين ، وسمّي له فيهم من سمّي ، وأمره بقتال القاسطين ، وإن شئت لاُقيمنّ لك شهوداً يشهدون أنّ رسول الله  ½ إنّما نهاك وحدك ، وحذّرك من الدخول فى الفتنة ، ثمّ قال له : أعطنى يدك علي ما سمعت ، فمدّ إليه يده ، فقال له عمّار : غلب الله من غالبه وجاهده . ثمّ جذبه فنزل عن المنبر (٤) .


(١) الأحلاس : جمع حِلْس ; وهو الكساء الذى يلى ظهر البعير تحت القَتَب (النهاية : ١ / ٤٢٣) .
(٢) النجوة : ما ارتفع من الأرض (لسان العرب : ١٥ / ٣٠٧) .
(٣) الرِّجْرِجة ـ فى الأصل ـ : بقيّة الماء الكَدِرة فى الحوض المختلطة بالطين ، فلا ينتفع بها . والمراد هنا : رُذالة الناس ورَعاعَهم الذين لا عقول لهم (انظر النهاية : ٢ / ١٩٨) .
(٤) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ١٤ ; الدرجات الرفيعة : ٢٦٥ وراجع الأخبار الطوال : ١٤٥ والجمل : ٢٤٧ .

 ١٥٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / إشخاص الأشتر لمواجهة فتنة أبى موسى

٢١٥٧ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : قام الحسن بن علىّ فقال : يا أيّها الناس ! أجيبوا دعوة أميركم ، وسيروا إلي إخوانكم ; فإنّه سيُوجد لهذا الأمر من ينفر إليه ، والله لأن يليه أولو النهي أمثلُ فى العاجلة ، وخير فى العاقبة ، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا علي ما ابتُلينا وابتُليتم .

فسامح الناس وأجابوا ورضوا به ، وأتي قوم من طيّئ عديّاً فقالوا : ماذا تري وما تأمر ؟ فقال : ننتظر ما يصنع الناس ، فاُخبر بقيام الحسن وكلام من تكلّم فقال : قد بايعْنا هذا الرجل ، وقد دعانا إلي جميل ، وإلي هذا الحدث العظيم لننظر فيه ، ونحن سائرون وناظرون .

وقام هند بن عمرو فقال : إنّ أمير المؤمنين قد دعانا ، وأرسل الينا رسله حتي جاءنا ابنه ، فاسمعوا إلي قوله ، وانتهوا إلي أمره ، وانفروا إلي أميركم ، فانظروا معه فى هذا الأمر ، وأعينوه برأيكم .

وقام حجر بن عدىّ فقال : أيّها الناس ! أجيبوا أمير المؤمنين ، وانفروا خفافاً وثقالاً ، مُروا أنا أوّلكم(١) .

٥ / ٥

إشخاص الأشتر لمواجهة فتنة أبى موسي

كان الإمام بحاجة إلي وجود جيش الكوفة إلي جانب سائر الجيش للتصدّى بحزم لحركة الناكثين ، إلاّ أنّ تثبيط أبى موسي لأهالى الكوفة حال دون نهوضهم لنصرته . وكان مالك الأشتر قادراً علي حلّ هذه العقدة ; إذ أنّه هو الذى اقترح علي أمير المؤمنين  ¼ إبقاءه فى منصبه علي ولاية الكوفة بعد أن كان الإمام قد هَمّ بعزله فيمن عزله من ولاة عثمان .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٨ و٣٢٩ نحوه .

 ١٥٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / إشخاص الأشتر لمواجهة فتنة أبى موسى

وتصرّح بعض الوثائق التاريخيّة بأنّ الإمام قال له : "أنت شفعت فى أبى موسي أن اُقرّهُ علي الكوفة ; فاذهب فأصلحْ ما أفسدت"(١) ، بيد أنّ الرواية التى أوردها نصر بن مزاحم تفيد أنّ الأشتر هو الذى عرض علي الإمام فكرة المسير إلي الكوفة لمعالجة ما أفسده الأشعري .

٢١٥٨ ـ تاريخ الطبرى عن نصر بن مزاحم : قد كان الأشتر قام إلي علىّ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّى قد بعثت إلي أهل الكوفة رجلاً قبل هذين ، فلم أرَه أحكمَ شيئاً ولا قدر عليه ، وهذان أخلق من بعثت أن يُنشَب(٢) بهم الأمر علي ما تحبّ ، ولست أدرى ما يكون ; فإن رأيت ـ أكرمك الله يا أمير المؤمنين ـ أن تبعثنى فى أثرهم ; فإنّ أهل المصر أحسن شىء لى طاعة ، وإن قدمت عليهم رجوت ألاّ يخالفنى منهم أحد . فقال له علىّ : الحقْ بهم .

فأقبل الأشتر حتي دخل الكوفة وقد اجتمع الناس فى المسجد الأعظم ، فجعل لا يمرّ بقبيلة يري فيها جماعة فى مجلس أو مسجد إلاّ دعاهم ويقول : اتّبعونى إلي القصر ، فانتهي إلي القصر فى جماعة من الناس ، فاقتحم القصر ، فدخله وأبو موسي قائم فى المسجد يخطب الناس ويثبّطهم ; يقول :

أيّها الناس ! إنّ هذه فتنة عمياء صمّاء تطأ خِطامها(٣) ، النائم فيها خير من القاعد ، والقاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشى ، والماشى فيها خير من الساعى ، والساعى فيها خير من الراكب . إنّها فتنة باقرة كداء البطن ، أتتكم من قِبَل مأمنكم ، تدع الحليم فيها حيران كابن أمس . إنّا معاشرَ أصحاب


(١) شرح نهج البلاغة : ٤١ / ٢٠ ; تاريخ الطبري : ٤ / ٤٨٢ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٦ كلاهما نحوه .
(٢) نَشِب فى الشىء : إذا وقع فيما لا مخلص له منه (النهاية : ٥ / ٥٢) .
(٣) الخِطام : الحبل الذى يُقاد به البعير (النهاية : ٢ / ٥١) وقال المجلسى : الوطء فى الخطام كناية عن نقد القائد وإذا خلت الناقة من القائد تعثر وتخبط وتفسد ما تمرّ عليه بقوائمها (بحار الأنوار : ٦٩ / ٢٣٤) .

 ١٦٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / وصول قوّات الكوفة إلي الإمام

محمّد  ½ أعلم بالفتنة ; إنّها إذا أقبلت شبّهت ، وإذا أدبرت أسفرت .

وعمّار يخاطبه ، والحسن يقول له : اعتزل عملنا لا اُمّ لك ! وتنحَّ عن منبرنا . وقال له عمّار : أنت سمعت هذا من رسول الله  ½ ؟ فقال أبو موسي : هذه يدى بما قلت .

فقال له عمّار : إنّما قال لك رسول الله  ½ هذا خاصّة ، فقال : "أنت فيها قاعداً خير منك قائماً" . ثمّ قال عمّار : غلب الله من غالبه وجاحده .

قال نصر بن مزاحم : حدّثنا عمر بن سعيد قال : حدّثنى رجل عن نعيم عن أبى مريم الثقفى قال : والله إنّى لفى المسجد يومئذ وعمّار يخاطب أبا موسي ويقول له ذلك القول ، إذ خرج علينا غلمان لأبى موسي يشتدّون ينادون : يا أبا موسي ! هذا الأشتر قد دخل القصر فضربَنا وأخرجنا . فنزل أبو موسي ، فدخل القصر ، فصاح به الأشتر : اخرج من قصرنا لا اُمّ لك ! أخرج الله نفسك ! فوَ الله إنّك لمن المنافقين قديماً . قال : أجّلنى هذه العشيّة . فقال : هى لك ، ولا تبيتنّ فى القصر الليلة .

ودخل الناس ينتهبون متاع أبى موسي ، فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر ، وقال : إنّى قد أخرجته ، فكفّ الناس عنه(١) .

٥ / ٦

وصول قوّات الكوفة إلي الإمام

انتهي الموقف الحاسم الذى اتّخذه مالك الأشتر من أبى موسي الأشعرى بحلّ


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٦ ; الجمل : ٢٥١ نحوه وراجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٢ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٩ وشرح نهج البلاغة : ١٤ / ٢١ .

 ١٦١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / وصول قوّات الكوفة إلي الإمام

مشكلة إرسال جيش من الكوفة ، فانطلقت القوّات من هناك والتحقت بالإمام فى ذى قار . وممّا يسترعى الاهتمام فى هذا الصدد هو أنّه  ¼ أخبر أصحابه بعدد الجيش القادم من الكوفة قبل وصوله إليه .

٢١٥٩ ـ تاريخ الطبرى عن أبى الطفيل : قال علىّ : "يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل" ، فقعدت علي نجفة ذى قار ، فأحصيتهم ، فما زادوا رجلاً ، ولا نقصوا رجلاً (١) .

٢١٦٠ ـ الإرشاد : قال [علىّ  ¼ ] بذى قار وهو جالس لأخذ البيعة : يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل ; لا يزيدون رجلاً ، ولا ينقصون رجلاً ، يبايعونى علي الموت .

قال ابن عبّاس : فجزعت لذلك ، وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه ; فيفسد الأمر علينا ، ولم أزل مهموماً دأبى إحصاء القوم ، حتي ورد أوائلهم ، فجعلت اُحصيهم ، فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعة وتسعين رجلاً ، ثمّ انقطع مجىء القوم .

فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ماذا حمله علي ما قال ؟ فبينا أنا مفكّر فى ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل ، حتي دنا ; فإذا هو راجل عليه قَباء صوف معه سيفه وتُرْسُه وإداوته(٢) ، فقرب من أمير المؤمنين  ¼ فقال له : امدد يدك اُبايعْك .

فقال له أمير المؤمنين  ¼ : وعلام تبايعُنى ؟ قال : علي السمع والطاعة ، والقتال بين يديك حتي أموت أو يفتح الله عليك .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٠٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٩ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٢١ .
(٢) الإداوة : إناء صغير من جلد يُتّخذ للماء (النهاية : ١ / ٣٣) .

 ١٦٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / وصول قوّات الكوفة إلي الإمام

فقال له : ما اسمك ؟ قال : اُوَيْس .

قال : أنت اُويس القَرَنى ؟ قال : نعم .

قال : الله أكبر ، أخبرنى حبيبى رسول الله  ½ أنّى اُدرك رجلاً من اُمّته يقال له : اُويس القرنى ، يكون من حزب الله ورسوله ، يموت علي الشهادة ، يدخل فى شفاعته مثل ربيعة ومضر .

قال ابن عبّاس : فسُرّى عنّى(١) (٢) .

راجع : القسم الثالث عشر / إخباره بالاُمور الغيبيّة / مصير الحرب فى وقعة الجمل .


(١) سُرِّى عنه : أى كُشف عنه الخوف (النهاية : ٢ / ٣٦٤) .
(٢) الإرشاد : ١ / ٣١٥ ، الخرائج والجرائح : ١ / ٢٠٠ / ٣٩ ، الثاقب فى المناقب : ٢٦٦ / ٢٣٠ ، إعلام الوري : ١ / ٣٣٧ وليس فيه من "فجزعت لذلك" إلي "حتي ورد أوائلهم" وراجع إرشاد القلوب : ٢٢٤ .


إرجاعات 
١١٣ - المجلد الحادي عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام عليّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / استشهاد الرضا في خراسان

 ١٦٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بحث حول مبعوثي الإمام إلي الكوفة

كان الإمام علىّ  ¼ بحاجة إلي قوّات إضافيّة لمحاربة جيش أصحاب الجمل ، وكانت الكوفة أفضل ولاية قادرة علي إمداده بمثل تلك القوّات ; وذلك لأنّها كانت حاضرة عسكريّة ، وكان فيها عدد كبير جدّاً من المقاتلين ; خلافاً لما كانت عليه مكّة أو المدينة أو اليمن أو . . . .

وفضلاً عن ذلك فقد كانت الكوفة أقرب ولاية إلي البصرة ، وهذا يعنى أنّها كانت أفضل مكان لإرسال القوّات ، إلاّ أنّ وجود أبى موسي الأشعرى والياً علي الكوفة ، كان يحول دون استقدام القوّات من هناك .

وعلي ضوء تلك الظروف كتب أمير المؤمنين  ¼ رسالة إلي أهل الكوفة ، وأرسلها مع مبعُوثين عنه لاستنفار أهاليها وتحريضهم علي الالتحاق به . ولابدّ وأن يكون لهؤلاء المبعوثين وجاهة عند أهل الكوفة ، ومقدرة علي محاجّة أبى موسي الأشعرى .

بيد أنّ هناك اختلافاً كبيراً بين المصادر التاريخيّة حول عدد مبعوثى الإمام إلي الكوفة وترتيبهم :

 ١٦٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بحث حول مبعوثي الإمام إلي الكوفة

١ ـ ذكر الطبرى مبعوثى الإمام وترتيبهم علي الأنحاء التالية :

أ : محمّد بن أبى بكر ومحمّد بن عون ، الإمام الحسن  ¼ وعمّار بن ياسر ، مالك الأشتر(١) .

ب : رواية سيف بن عمر : محمّد بن أبى بكر ومحمّد بن جعفر ، مالك الأشتر وعبد الله بن عبّاس ، الإمام الحسن  ¼ وعمّار بن ياسر .

ج : محمّد بن أبى بكر ، هاشم بن عتبة ، الإمام الحسن  ¼ وعمّار بن ياسر(٢) .

٢ ـ وردت أسماؤهم فى "الكامل فى التاريخ" علي نحو مشابه تقريباً لما أورده الطبرى(٣) .

٣ ـ أمّا كتاب البداية والنهاية فقد اقتصر علي ذكر روايات سيف بن عمر عن الطبرى(٤) .

٤ ـ وسرد كتاب أنساب الأشراف أسماء اُولئك المبعوثين علي النحو التالى : هاشم بن عتبة ، عبد الله بن عبّاس ومحمّد بن أبى بكر ، الإمام الحسن  ¼ وعمّار ابن ياسر ; وأنّ الإمام الحسن  ¼ قدم علي الإمام علىّ  ¼ فى عشرة آلاف مقاتل (و لم يرد اسم مالك الأشتر بينهم)(٥) .

٥ ـ وورد ذكرهم فى كتاب "الجمل" علي النحو الآتى :


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٧٧ ـ ٤٨٦ .
(٢) تاريخ الطبري : ٤ / ٤٩٩ .
(٣) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٤ ـ ٣٢٩ .
(٤) البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٥ ـ ٢٣٧ .
(٥) أنساب الاشراف : ٣ / ٣١ و٣٢ .

 ١٦٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بحث حول مبعوثي الإمام إلي الكوفة

هاشم بن عتبة (من الربذة) ، الإمام الحسن  ¼ وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد ، مالك الأشتر .

وجاء فى نقل آخر عن الواقدى : محمّد ابن الحنفيّة ومحمّد بن أبى بكر ، الإمام الحسن وعمّار (أو برفقة ابن عبّاس)(١) .

٦ ـ وجاء فى شرح نهج البلاغة ذكرهم علي النحو الآتى :

هاشم بن عتبة ، عبد الله بن عبّاس ومحمّد بن أبى بكر (أو : محمّد بن جعفر بن أبى طالب ومحمّد بن أبى بكر كما فى رواية محمّد بن إسحاق) ، الإمام الحسن  ¼ وعمّار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد(٢) .

ثمّ استطرد مُورداً نصّ كلام الطبرى(٣) .

٧ ـ وجاء فى كتاب الإمامة والسياسة : عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبى بكر ، الإمام الحسن  ¼ وعبد الله بن عبّاس وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد(٤) .

وهكذا يلاحظ وجود اختلافات شاسعة فى عدد المبعوثين وترتيبهم . ويبدو أنّ ترتيبهم الصحيح كان علي النحو التالى :

أ : هاشم بن عتبة

بعث الإمام على  ¼ وهو فى الربذة ـ قرب المدينة ـ هاشم بن عتبة بكتاب إلي أبى موسي الأشعرى ـ والى الكوفة ـ لاستنفار الناس ودعوتهم لمحاربة


(١) الجمل : ٢٤٢ ـ ٢٥٧ .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٨ ـ ١٠ .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ١٦ .
(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ٨٥ و٨٦ .

 ١٦٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بحث حول مبعوثي الإمام إلي الكوفة

جيش أصحاب الجمل . وسبب اختياره لهاشم بن عتبة واضح ; فهو كان من قادة جيش المسلمين ، وكانت له وجاهة عند أهل الكوفة .

سار هاشم بن عتبة إلي الكوفة وأبلغ كتاب الإمام  ¼ ، لكنّه واجه معارضة من قِبل أبى موسي الأشعرى ، فبعث هاشم رسالة من الكوفة إلي الإمام  ¼ بيّن له فيها طبيعة الأوضاع هناك . وفى أعقاب ذلك سار بنفسه إلي الإمام وشرح له مجريات الاُمور بالتفصيل .

ب : محمّد بن أبى بكر

المبعوث الثانى للإمام هو محمّد بن أبى بكر الذى كانت له وجاهة عند جميع المسلمين ، وخاصّة عند الثوّار المناهضين لعثمان .

وتتّفق المصادر التاريخيّة علي وجود محمّد بن أبى بكر بين المبعوثين ، إلاّ أنّها تختلف فى ترتيب إيفاده ; فبعضها يُفيد أنّه اُوفد قبل هاشم بن عتبة(١) ، بينما يري البعض الآخر منها أنّه اُوفد إلي الكوفة بعد رجوع هاشم بن عتبة منها(٢) . وهناك مصادر اُخري لم تذكر زمناً معيّناً لأىّ منهما(٣) .

كما يوجد ثَمّة اختلاف آخر حول أعضاء الوفد المرافق لمحمّد بن أبى بكر ، فبعض المصادر ذكرت اسم محمّد بن عون(٤) ، وذكرت مصادر اُخري محمّد بن جعفر(٥) ، وبعضها ذكرت محمّد ابن الحنفيّة(٦) ، وذكر غيرها عبد الله بن عبّاس(٧) .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٩٩ .
(٢) أنساب الأشراف : ٣ / ٣١ ; شرح نهج البلاغة : ١٤ / ١٠ .
(٣) الجمل : ٢٥٧ .
(٤) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٧٧ .
(٥) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٧٨ من طريق سيف بن عمر ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٨ .
(٦) الجمل : ٢٥٧ .
(٧) أنساب الأشراف : ٣ / ٣١ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٨ .

 ١٦٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بحث حول مبعوثي الإمام إلي الكوفة

وسنتحدّث لاحقاً عن هؤلاء الأشخاص كلّ علي حدة .

ج : الإمام الحسن وعمّار بن ياسر

يمكن الجزم بأنّ الإمام الحسن  ¼ وعمّار بن ياسر كانا من جملة المندوبين الذين أرسلهم أمير المؤمنين  ¼ إلي الكوفة . فبعد ما عجز الموفَدون الآخرون عن إقناع أبى موسي الأشعرى وأهالى الكوفة بالنهوض والالتحاق بالإمام  ¼ بعث هذين الرجلين إلي هناك . وقد أوردت كتب التاريخ والحديث نصوص خطبهما فى الكوفة واحتجاجاتهما مع أبى موسي الأشعرى .

وفى نهاية المطاف سارا برفقة جيش الكوفة والتحقوا بجيش الإمام علىّ  ¼ . وقد عزت بعض المصادر التاريخيّة إرسال جيش الكوفة إلي دور هذين الرجلين(١) . بينما تحدّثت مصادر اُخري عن مسير مالك الأشتر إلي هناك وطرده لأبى موسي الأشعرى من قصر الإمارة(٢) .

د : مالك الأشتر

ورد اسم مالك الأشتر بصفته مبعوثاً للإمام  ¼ إلي الكوفة ، واعتبرته معظم المصادر هو آخر المبعوثين ، وقالت : إنّ جهوده قد أثمرت فى استنفار أهالى الكوفة وإرسال جيش منهم لمؤازرة الإمام (راجع النصّ السابق) .

وذكرت مصادر اُخري بأنّ الأشتر قد اُوفد إلي الكوفة فى مستهلّ الأمر ،


(١) أنساب الأشراف : ٣ / ٣٢ ; الجمل : ٢٦١ و٢٦٢ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٦ ; الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٩ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ١٧ كلاهما عن تاريخ الطبرى .

 ١٦٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بحث حول مبعوثي الإمام إلي الكوفة

ولكنّ جهوده باءت بالفشل(١) .

وتجدر الإشارة إلي أنّ الأشتر كانت له وجاهة لا نظير لها بين أهالى الكوفة . وقد استطاع فى عهد عثمان ، وفى ذروة هيمنة الخليفة أن يسيطر علي الكوفة ويُثير أهلها ضدّ عثمان . وفى ضوء ذلك يكون الاحتمال الأقوي هو أنّ الأشتر كان الموفد الأخير ، وأنّه سار إلي هناك لحسم الاُمور .

أمّا الرواية التى أشارت إلي أنّه كان أوّل المبعوثين ، وأنّه قد فشل فى مهمّته فهى رواية سيف بن عمر الذى يلاحظ بوضوح عداؤه الصريح للأشتر فى مواضع لا حصر لها من كتاب تاريخ الطبرى .

وذكرت مصادر اُخري أنّ الأشتر نفسه أعرب عن رغبته فى المسير إلي الكوفة(٢) .

لأنّ أبا موسي كان والياً لعثمان علي الكوفة ، وأنّ الإمام قد رام عزله ولكنّه أبقاه فى منصبه هذا نزولاً عند رغبة مالك الأشتر . وقد يُفهم أنّ عمله هذا قد جاء رغبة منه فى التكفير عن خطئه الأوّل .

نكتة جديرة بالملاحظة :

ذكرت بعض المصادر أسماء اُخري لمبعوثى الإمام  ¼ ممّا نستريب بصحته ، وهم كالآتى :

أ : عبد الله بن عبّاس

ورد اسم عبد الله بن عبّاس بصفته مبعوثاً آخر للإمام علىّ  ¼ إلي الكوفة ، إلاّ


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٢ من طريق سيف بن عمر ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٧ .
(٢) الجمل : ٢٥١ ; تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٩ .

 ١٦٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بحث حول مبعوثي الإمام إلي الكوفة

أنّه لم ترد أيّة تفاصيل عن دوره هناك . ولكن من المستبعد أن يذهب ابن عبّاس مبعوثاً لأمير المؤمنين  ¼ إلي الكوفة ولا تأتى المصادر التاريخيّة علي ذكر كلامه ; فالرجل كان معروفاً بقوّة الاستدلال ورصانة المنطق .

بيد أنّ بعض المصادر أشارت إلي مرافقة ابن عبّاس لمحمّد بن أبي بكر ، فيما أشارت اُخري إلي ذهابه برفقة الأشتر(١) ، فى حين نصّت مصادر اُري علي ذهابه إلي هناك برفقة الإمام الحسن  ¼ وعمّار بن ياسر(٢) .

كما صرّحت المصادر التاريخيّة ـ باستثناء كتاب الجمل ـ بأنّ ابن عبّاس كان من جملة المبعوثين الأوائل .

ب : قيس بن سعد وزيد بن صوحان

أورد ابن أبى الحديد(٣) اسمى قيس بن سعد ، وزيد بن صوحان فى عداد المبعوثين . ولكن هذا النقل غير صحيح ; لأنّ قيس بن سعد عُيّن والياً علي مصر فى بداية خلافة أمير المؤمنين  ¼ وذهب إلي مصر ، ولم يشارك فى معركة الجمل(٤) .

أمّا زيد بن صوحان فقد كان من الشخصيّات البارزة فى الكوفة ، وقد كتبت له عائشة رسالة تستميله فيها إلي جانبها أو اعتزال القتال علي الأقلّ . وقد قرأ زيد رسالة عائشة فى مسجد الكوفة وردّ عليها ردّاً جميلاً . وفضلاً عن احتجاجاته مع أبي موسي الأشعرى ، كانت له مداولات ونقاشات اُخري مع بعض معارضى


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٧ .
(٢) الجمل : ٢٦١ .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ١٠ .
(٤) راجع : تحليل البلاذرى فى أنساب الأشراف : ٣ / ٣٢ .

 ١٧٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / بحث حول مبعوثي الإمام إلي الكوفة

الإمام  ¼ .

ج : محمّد بن عون ومحمّد ابن الحنفيّة

جاء اسم محمّد بن عون ، ومحمّد ابن الحنفيّة فى مصدر تاريخى واحد فقط ; فقد ورد اسم محمّد ابن الحنفيّة فى كتاب الجمل(١) ، وذكر الطبرى اسم محمّد بن عون(٢) . ومن الطبيعى أنّ تفرّد هذين المصدرين بذكرهما مدعاة لعدم التعويل عليهما . فضلاً عن أنّ الشخصيّة السياسيّة والعسكريّة لكلّ واحد من هذين الرجلين لم تصل إلي حدّ يؤهّلهما ليكونا مبعوثين للإمام إلي أهل الكوفة .

وكذا الحال فى محمّد بن جعفر ; فعلي الرغم من تعدّد المصادر التى تحدّثت عنه بصفته واحداً من المبعوثين(٣) إلاّ أنّ عدم شهرته السياسيّة والاجتماعيّة والعسكريّة ، تجعل من عدّه بينهم موضع شكّ .


(١) الجمل : ٢٥٧ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٧٧ .
(٣) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٧ من طريق سيف بن عمر ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٧ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٨ .