الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الخامس

 

 

١٨٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة

٧ / ١

أخذ البيعة علي من حضر

٢١٨٢ ـ الإرشاد عن ابن عبّاس : لمّا نزل [الإمام علىّ  ¼ ] بذى قار أخذ البيعة علي من حضره ، ثمّ تكلّم فأكثر من الحمد لله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله  ½ ثمّ قال :

قد جرت اُمور صبرنا عليها ـ وفى أعيننا القذي ـ تسليماً لأمر الله تعالي فيما امتحننا به رجاء الثواب علي ذلك ، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون وتُسفك دماؤهم .

نحن أهل بيت النبوّة ، وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة ، ومعدن الكرامة التى ابتدأ الله بها هذه الاُمّة .

وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوّة ولا من ذرّية الرسول ، حين رأيا أنّ الله

 ١٩٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / خطب الإمام بذى قار

قد ردّ علينا حقّنا بعد أعصر ، فلم يصبرا حولا واحداً ولا شهراً كاملا حتي وثبا علي دأب الماضين قبلهما ، ليذهبا بحقّى ، ويفرّقا جماعة المسلمين عنّى . ثمّ دعا عليهما(١) .

٧ / ٢

خطب الإمام بذي قار

٢١٨٣ ـ نهج البلاغة ـ فى ذكر خطبة له  ¼ عند خروجه لقتال أهل البصرة ـ : قال عبد الله بن عبّاس : دخلت علي أمير المؤمنين  ¼ بذى قار وهو يخصف نعله ، فقال لى : ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها . فقال  ¼ : والله لهى أحبّ إلىّ من إمرتكم إلاّ أن اُقيم حقّاً أو أدفع باطلا . ثمّ خرج فخطب الناس فقال :

إنّ الله بعث محمّداً  ½ وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدّعى نبوّة ، فساق الناس حتي بوّأهم محلّتهم وبلّغهم منجاتهم ، فاستقامت قناتهم واطمأنّت صفاتهم .

أما والله ، إن كنت لفى ساقتها(٢) حتي تولّت بحذافيرها ، ما عجَزتُ ولا جبنتُ ، وإنّ مسيرى هذا لمثلها ، فَلأنقُبنَّ الباطل حتي يخرج الحقّ من جنبه .

مالى ولقريش ! والله ، لقد قاتلتهم كافرين ولاُقاتلنّهم مفتونين ، وإنّى لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم ، والله ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم ، فأدخلناهم فى حيّزنا فكانوا كما قال الأوّل :


(١) الإرشاد : ١ / ٢٤٩ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ١١٤ / ٩١ وراجع الاحتجاج : ١ / ٣٧٤ / ٦٨ .
(٢) السَّاقةُ : جمعُ سائق ، وهم الذين يَسوقون جيش الغُزاة ويكونون من ورائه يحفظونه (النهاية : ٢ / ٤٢٤) .

 ١٩١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / خطب الإمام بذى قار

أدَمتَ لَعَمرى شُربَكَ المحضَ صابحاً وأكلَكَ بالزبد المقشّرةَ البُجرا
ونحن وهبناك العلاءَ ولم تكن عليّاً وحُطنا حولك الجُردَ والسُّمرا(١)

٢١٨٤ ـ شرح نهج البلاغة عن زيد بن صوحان ـ من خطبته بذى قار ـ : قد علم الله سبحانه أنّى كنت كارهاً للحكومة بين اُمّة محمّد  ½ ، ولقد سمعته يقول : "ما من وال يلى شيئاً من أمر اُمّتى إلاّ اُتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلي عنقه علي رؤوس الخلائق ، ثمّ يُنشر كتابه ، فإن كان عادلاً نجا ، وإن كان جائراً هوي" .

حتي اجتمع علىَّ ملؤكم ، وبايعنى طلحة والزبير ، وأنا أعرف الغدر فى أوجههما ، والنكث فى أعينهما ، ثمّ استأذنانى فى العمرة ، فأعلمتُهما أن ليس العمرة يريدان ، فسارا إلي مكّة واستخفّا عائشة وخدعاها ، وشخص معهما أبناءُ الطلقاء ، فقدموا البصرة ، فقتلوا بها المسلمين ، وفعلوا المنكر . ويا عجباً لاستقامتهما لأبى بكر وعمر وبغيهما علىَّ ! وهما يعلمان أنّى لست دون أحدهما ، ولو شئت أن أقول لقلت ، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه ، فكتماه عنّى ، وخرجا يوهمان الطَّغام(٢) أنّهما يطلبان بدم عثمان .

والله ، ما أنكرا علىّ منكراً ، ولا جعلا بينى وبينهم نِصْفاً(٣) ، وإنّ دم عثمان لمعصوب بهما ، ومطلوب منهما .

يا خيبة الداعى ! إلامَ دعا ؟ وبماذا اُجيبَ ؟ والله ، إنّهما لعلي ضلالة صمّاء ، وجهالة عمياء ، وإنّ الشيطان قد ذمر لهما حزبه ، واستجلب منهما خيله ورجله ، ليعيد الجور إلي أوطانه ، ويردّ الباطل إلي نصابه .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٣٣ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٧٦ / ٥٠ وراجع الإرشاد : ١ / ٢٤٧ .
(٢) الطَّغام : من لا عقل له ولا معرفة ، وقيل : هم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية : ٣ / ١٢٨) .
(٣) النِّصْف : الانْتِصاف . وَقد أنْصَفَه من خَصْمِه ، يُنْصِفُه إنْصافاً (النهاية : ٥ / ٦٦) .

 ١٩٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / خطب الإمام بذى قار

ثمّ رفع يديه ، فقال :

اللهمّ إنّ طلحة والزبير قطعانى ، وظلمانى ، وألّبا علىَّ ، ونكثا بيعتى ، فاحلل ما عقدا ، وانكث ما أبرما ، ولا تغفر لهما أبداً ، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا !(١)

٢١٨٥ ـ الإرشاد : من كلامه  ¼ ـ وقد نهض من ذى قار متوجّهاً إلي البصرة ـ بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله  ½ :

أمّا بعد ، فإنّ الله تعالي فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصرة له ، والله ، ما صلحت دنيا قطّ ولا دين إلاّ به ، وإنّ الشيطان قد جمع حزبه واستجلب خيله وشبّه فى ذلك وخدع ، وقد بانت الاُمور وتمخّضت ، والله ما أنكروا علىّ منكراً ، ولا جعلوا بينى وبينهم نَصِفاً ، وإنّهم ليطلبون حقّاً تركوه ودماً هم سفكوه ، ولئن كنت شركتهم فيه ، إنّ لهم لنصيبهم منه ، ولَئن كانوا ولوه دونى فما تبعته إلاّ قِبلهم ، وإنّ أعظم حجّتهم لعلي أنفسهم ، وإنّى لعلي بصيرتى ما لُبِّست علىَّ ، وإنّها لَلفئة الباغية فيها الحُمّي والحُمة(٢) ، قد طالت هلبتها(٣) وأمكنت درّتها(٤) ، يرضعون اُمّاً فطمت ، ويحيون بيعة تركت ; ليعود الضلال إلي نصابه .

ما أعتذر ممّا فعلت ، ولا أتبرّأ ممّا صنعت ، فخيبة للداعى ومن دعا ، لو قيل له : إلي من دعواك ؟ وإلي من أجبت ؟ ومن إمامك ؟ وما سنّته ؟ إذاً لزاح الباطل عن مقامه ، ولصمت لسانه فما نطق . وايم الله ، لأفرُطنّ(٥) لهم حوضاً أنا


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٣١٠ ; الجمل : ٢٦٧ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٦٣ وراجع نهج البلاغة : الخطبة ٢٢ .
(٢) الحُمَة : سَمُّ كلّ شىء يَلدَغ أو يَلسَع (لسان العرب : ١٤ / ٢٠١) .
(٣) الهُلْب : الشَّعَر . وقيل : هو ما غلُظ من شعر الذَّنَب وغيره (النهاية : ٥ / ٢٦٩) .
(٤) الدِّرَّة : كثرة اللبن وسيلانه (لسان العرب : ٤ / ٢٧٩) .
(٥) أفرط الحوض أى ملأه . يُفرط فيه أى يكثر فى صبّ الماء فيه (لسان العرب : ٧ / ٣٦٦) .

 ١٩٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / خطب الإمام بذى قار

ماتحه(١) ، لا يصدرون عنه ولا يلقون بعده ريّاً أبداً ، وإنّى لراض بحجّة الله عليهم وعذره فيهم ، إذ أنا داعيهم فمُعذر إليهم ، فإن تابوا وأقبلوا فالتوبة مبذولة والحقّ مقبول ، وليس علي الله كفران ، وإن أبوا أعطيتهم حدّ السيف وكفي به شافياً من باطل وناصراً لمؤمن(٢) .

٢١٨٦ ـ الإرشاد عن سلمة بن كهيل : لمّا التقي أهل الكوفة وأمير المؤمنين  ¼ بذى قار رحبّوا به وقالوا : الحمد لله الذى خصّنا بجوارك وأكرمنا بنصرتك . فقام أمير المؤمنين  ¼ فيهم خطيباً فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال :

يا أهل الكوفة ! إنّكم من أكرم المسلمين وأقصدهم تقويماً ، وأعدلهم سنّة ، وأفضلهم سهماً فى الإسلام ، وأجودهم فى العرب مُرَكّباً(٣) ونصاباً(٤) ، أنتم أشدّ العرب ودّاً للنبىّ  ½ ولأهل بيته ، وإنّما جئتكم ثقةً ـ بعد الله ـ بكم للذى بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما طاعتى ، وإقبالهما بعائشة للفتنة ، وإخراجهما إيّاها من بيتها حتي أقدماها البصرة ، فاستغووا طغامها وغوغاءها ، مع أنّه قد بلغنى أنّ أهل الفضل منهم وخيارهم فى الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنع طلحة والزبير .

ثمّ سكت ، فقال أهل الكوفة : نحن أنصارك وأعوانك علي عدوّك ، ولو دعوتنا إلي أضعافهم من الناس احتسبنا فى ذلك الخير ورجوناه(٥) .


(١) الماتح : المستقى من البئر بالدَّلْو من أعلي البئر (النهاية : ٤ / ٢٩١) .
(٢) الإرشاد : ١ / ٢٥١ .
(٣) المُرَكَّب : الأصل والمنبت ; تقول : فلانٌ كريم المُرَكّب ; أى كريم أصل منصبه فى قومه (لسان العرب : ١ / ٤٣٢) .
(٤) نصاب كلُّ شىء اصله (لسان العرب : ١/٧٦١) .
(٥) الإرشاد : ١ / ٢٤٩ ، الجمل : ٢٦٦ نحوه .

 ١٩٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / قدوم عثمان بن حنيف

٧ / ٣

قدوم عثمان بن حنيف

٢١٨٧ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : لمّا نزل علىّ الثعلبيّة(١) أتاه الذى لقي عثمان بن حنيف وحرسه ، فقام وأخبر القوم الخبر وقال : اللهمّ عافنى ممّا ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين وسلّمنا منهم أجمعين . ولما انتهي إلي الإساد(٢) أتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفان ، فقال : الله أكبر ما ينجينى من طلحة والزبير إذ أصابا ثأرهما أو ينجيهما ؟ وقرأ : ³ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا  ²  (٣) وقال :

دعا حكيم دعوة الزماع حلّ بها منزلة النزاع

ولمّا انتهوا إلي ذى قار انتهي إليه فيها عثمان بن حنيف وليس فى وجهه شعر ، فلمّا رآه علىّ نظر إلي أصحابه فقال : انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجع إلينا وهو شاب(٤) .

٢١٨٨ ـ الجمل : خرج ابن حنيف حتي أتي أمير المؤمنين  ¼ وهو بذى قار ، فلمّا نظر إليه أمير المؤمنين  ¼ ، وقد نكّل به القوم ، بكي وقال : يا عثمان بعثتك شيخاً


(١) الثَّعْلَبيَّة : من منازل طريق مكّة من الكوفة وقد كانت قرية عامرة سابقاً ثمّ خربت بعد ذلك (راجع : معجم البلدان : ٢/٧٨) .
(٢) كذا فى المصدر ، ولعلّ الصحيح "الأَساوِد" : وهو اسم ماء علي يسار الطريق للقاصد إلي مكّة من الكوفة (معجم البلدان : ١/١٧١) .
(٣) الحديد : ٢٢ .
(٤) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٦ نحوه وراجع شرح نهج البلاغة : ٩ / ٣٢١ وتذكرة الخواصّ : ٦٨ .

 ١٩٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ

ألحي فردّوك أمرد إلى ، اللهمّ إنّك تعلم أنّهم اجترؤا عليك واستحلّوا حرماتك ، اللهمّ اقتلهم بمن قتلوا من شيعتى ، وعجّل لهم النقمة بما صنعوا بخليفتى(١) .

٧ / ٤

اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ

٢١٨٩ ـ نهج البلاغة : من كلامه  ¼ فى وجوب اتّباع الحقّ عند قيام الحجّة كلّم به بعض العرب ، وقد أرسله قوم من أهل البصرة لمّا قرب  ¼ منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم ، فبيّن له  ¼ من أمره معهم ما علم به أنّه علي الحقّ ، ثمّ قال له : بايع .

فقال : إنّى رسول قوم ، ولا اُحدث حدثاً حتي أرجع إليهم .

فقال  ¼ : أ رأيت لو أنّ الذين وراءك بعثوك رائداً تبتغى لهم مساقط الغيث ، فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الكلأ والماء ، فخالفوا إلي المعاطش والمجادب ، ما كنتَ صانعاً ؟

قال : كنت تاركهم ومخالفهم إلي الكلأ والماء .

فقال  ¼ : فامدد إذاً يدك .

فقال الرجل : فوَ الله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة علىَّ ، فبايعته  ¼ .

والرجل يُعرف بكُليب الجرمى(٢) .


(١) الجمل : ٢٨٥ وراجع تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٢ وشرح نهج البلاغة : ١٤ / ١٨ ونهاية الأرب : ٢٠ / ٤٥ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٣٦ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٧٠ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٨٣ / ٥٥ ; ربيع الأبرار : ١ / ٧١٠ نحوه وراجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٩١ والمناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٤٦ .

 ١٩٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ

٢١٩٠ ـ الجمل عن كليب : لمّا قتل عثمان ما لبثنا إلاّ قليلاً حتي قدم طلحة والزبير البصرة ، ثمّ ما لبثنا بعد ذلك إلاّ يسيراً حتي أقبل علىّ بن أبى طالب  ¼ فنزل بذى قار ، فقال شيخان من الحىّ : اِذهب بنا إلي هذا الرجل فننظر ما يدعو إليه ، فلمّا أتينا ذا قار قدمنا علي أذكي العرب ، فوَ الله لدخل علي نسب قومى ، فجعلت أقول : هو أعلم به منّى وأطوع فيهم .

فقال : من سيّد بنى راسب ؟

فقلت : فلان .

قال : فمن سيّد بنى قدامة ؟

قلت : فلان ، لرجل آخر .

فقال : أنت مبلغهما كتابين منّى ؟

قلت : نعم .

قال : أ فلا تبايعونى ؟

فبايعه الشيخان اللذان كانا معى وتوقّفت عن بيعته ، فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون : بايع بايع .

فقال  ¼ : دعوا الرجل .

فقلت : إنّما بعثنى قومى رائداً وساُنهى إليهم ما رأيتُ ، فإن بايعوا بايعت ، وإن اعتزلوا اعتزلت .

فقال لى : أ رأيت لو أنّ قومك بعثوك رائداً فرأيت روضةً وغديراً ، فقلتَ : يا قومى النجعة(١) النجعة ! فأبوا ، ما كنت بمُستنجح بنفسك ؟


(١) النُجْعَةُ : طلب الكلأ ومَساقطِ الغَيْث (النهاية : ٥ / ٢٢) .

 ١٩٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ

فأخذت بإصبع من أصابعه وقلت : اُبايعك علي أن اُطيعك ما أطعتَ الله ، فإذا عصيتَه فلا طاعة لك علىَّ .

فقال : نعم . وطوّل بها صوته ، فضربت علي يده .

ثمّ التفتَ إلي محمّد بن حاطب ، وكان فى ناحية القوم ، فقال :

إذا انطلقت إلي قومك فأبلغهم كتبى وقولى .

فتحوّل إليه محمّد حتي جلس بين يديه وقال : إنّ قومى إذا أتيتهم يقولون : ما يقول صاحبك فى عثمان ؟ فسبّ عثمان الذين حوله ، فرأيت عليّاً قد كره ذلك حتي رشح جبينه وقال :

أيّها القوم ! كفّوا ما إيّاكم يَسأل .

قال : فلم أبرح عن العسكر حتي قدم علي علىّ  ¼ أهل الكوفة فجعلوا يقولون : نري إخواننا من أهل البصرة يقاتلوننا ، وجعلوا يضحكون ويعجبون ويقولون : والله لو التقينا لتعاطينا الحقّ ، كأنّهم يرون أنّهم لا يقتتلون . وخرجت بكتابَى علىّ  ¼ فأتيت أحد الرجلين فقبل الكتاب وأجابه ، ودُللت علي الآخر ، وكان متوارياً ، فلو أنّهم قالوا له : كليب ، ما أذن لى ، فدخلت عليه ودفعت الكتاب إليه وقلت : هذا كتاب علىّ وأخبرته الخبر وقلت : إنّى أخبرت عليّاً أنّك سيّد قومك ، فأبي أن يقبل الكتاب ولم يجبه إلي ما سأله وقال : لا حاجة لى اليوم فى السؤدد ، فوَ الله ، إنّى لبالبصرة ما رجعت إلي علىّ حتي نزل العسكر ، ورأيت القوم الذين مع علىّ  ¼ فطلع القوم(١) .


(١) الجمل : ٢٩٠ وراجع المصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٧٠٣ / ١ .

 ١٩٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / قدوم الإمام البصرة

تعليق

تشير الأكثريّة القريبة من الاتّفاق من النصوص التاريخيّة إلي أنّ عثمان بن حنيف قدم علي الإمام وهو فى ذى قار ، غير أنّ بعض المصادر تذكر بأنّه قدم عليه حينما كان فى الرَّبَذة(١) .

ويبدو أنّ القول الأوّل أقرب إلي الواقع ; لأنّ الإمام علىّ  ¼ كان يلاحق أصحاب الجمل ، ولم تكن تفصله عنهم مسافة كبيرة .

علماً أنّ الإمام  ¼ كان قد كتب من الرَّبَذة رسالة إلي عثمان بن حُنيف يُعلمه فيها بمسير أصحاب الجمل صوب البصرة . ونظراً لبعد الرَّبَذة عن البصرة ، يُستبعد أن يكون الإمام توقّف هناك أكثر من شهر واحد ، بحيث يكون أصحاب الجمل قد ساروا نحو البصرة ، وبعد التصالح والقتال وحبس عثمان بن حنيف وإخراجه من الحبس ، ثمّ يكون عثمان قطع هذا الطريق الطويل والتحق بالإمام فى الرَّبَذة ! ولكنّ الإمام  ¼ كان قد سار من الرَّبَذة ، وعندما كان فى ذى قار بانتظار قدوم مدد أهل الكوفة ، دخل عليه عثمان بن حنيف .

٧ / ٥

قدوم الإمام البصرة

٢١٩١ ـ مروج الذهب عن المنذر بن الجارود : لمّا قدم علىّ  ¼ البصرة دخل ممّا يلى الطفّ ـ إلي أن قال ـ : فساروا حتي نزلوا الموضع المعروف بالزاوية ، فصلّي أربع ركعات ، وعفّر خدّيه علي التراب ، وقد خالط ذلك دموعه ، ثمّ رفع يديه يدعو :


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٠ .

 ١٩٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / قدوم الإمام البصرة

اللهمّ ربّ السموات وما أظلّت والأرضين وما أقلّت ، وربّ العرش العظيم ، هذه البصرة أسألك من خيرها ، وأعوذ بك من شرّها ، اللهمّ أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين ، اللهمّ إنّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتى وبغوا علىّ ونكثوا بيعتى ، اللهمّ أحقن دماء المسلمين(١) .

٢١٩٢ ـ الإرشاد ـ من كلامه  ¼ حين دخل البصرة وجمع أصحابه فحرّضهم علي الجهاد ـ :

عباد الله ! انهدوا(٢) إلي هؤلاء القوم منشرحةً صدوركم بقتالهم ، فإنّهم نكثوا بيعتى وأخرجوا ابن حنيف عاملى بعد الضرب المبرّح والعقوبة الشديدة ، وقتلوا السيابجة(٣) وقتلوا حكيم بن جبلة العبدى وقتلوا رجالا صالحين ، ثمّ تتبّعوا منهم من نجا يأخذونهم فى كلّ حائط وتحت كلّ رابية ، ثمّ يأتون بهم فيضربون رقابهم صبراً ، ما لهم قاتلهم الله أنّي يؤفكون ؟ !

انهدوا إليهم وكونوا أشدّاء عليهم ، والقوهم صابرين محتسبين ، تعلمون أنّكم منازلوهم ومقاتلوهم ، وقد وطّنتم أنفسكم علي الطعن الدعسى(٤) والضرب الطلخفى(٥) ومبارزة الأقران ، وأىّ امرئ منكم أحسّ من نفسه رَباطة جأش عند اللقاء ، ورأي من أحد من إخوانه فشلاً ، فليذُبّ عن أخيه الذى فضّل عليه كما


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٦٨ و٣٧٠ .
(٢) نَهَدَ القوم لعدوّهم : إذا صمدوا له وشرعوا فى قتاله (النهاية : ٥ / ١٣٤) .
(٣) كذا فى المصدر ، والظاهر أنّ الصحيح : "السَّبابجة" كما فى بقيّة المصادر . والسَّبابجة : كانوا قوماً من الزُطّ قد استبصروا وأكل السجود جباههم وائتمنهم عثمان [بن حنيف] علي بيت المال ودار الإمارة (الجمل : ٢٨١) .
(٤) الدَّعْسِىِّ : الطعن الشديد (لسان العرب : ٦ / ٨٣) .
(٥) الطِّلَخْف والطِّلَّخف والطَّلَخْف : الشديد من الضرب والطعن (لسان العرب : ٩ / ٢٢٣) .

 ٢٠٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / قدوم الإمام البصرة

يذبّ عن نفسه ، فلو شاء الله لجعله مثله(١) .


(١) الإرشاد : ١ / ٢٥٢ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ١٧١ / ١٣١ وراجع الجمل : ٣٣١ .

 ٢٠١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال

عندما تحرّك الإمام أمير المؤمنين  ¼ مع قوّاته من ذى قار ، بعث صَعْصَعة بن صُوحان إلي طلحة والزبير وعائشة ، ومعه كتاب تحدّث فيه عن إثارتهم للفتنة ، وذكر فيه موقفهم الحاقد الماكر من عثمان بن حُنيف ، وحذّرهم من مغبّة عملهم ، وعاد صعصعة فأخبره قائلاً : "رأيتُ قوماً ما يريدون إلاّ قتالك"(١) .

وتأهّبت قوّات الطرفين للحرب ، بيد أنّ الإمام سلام الله عليه منع أصحابه من أن يبدؤوهم بقتال ، وحاول فى بادئ أمره أن يردع اُولى الفتنة عن الحرب . وإنّ حديثه  ¼ مع قادة جيش الجمل ، ومع الجيش نفسه يجلب الانتباه(٢) . وبذل قصاري جهوده فى سبيل المحافظة علي الهدوء ، والحؤول دون اشتعال نار الحرب ، فبعث إلي قادة الجيش رسائل يحثّهم فيها علي عدم الاصطدام(٣) ، ثمّ


(١) الجمل : ٣١٣ و٣١٤ وراجع الأخبار الطوال : ١٤٧ .
(٢) قرب الإسناد : ٩٦ / ٣٢٧ ، تفسير العيّاشى : ٢ / ٧٧ / ٢٣ .
(٣) نهج البلاغة : الكتاب ٥٤ ، كشف الغمّة : ١ / ٢٣٩ ; الإمامة والسياسة : ١ / ٩٠ ، الفتوح : ٢ / ٤٦٥ .

 ٢٠٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / رسائل الإمام إلي رُؤساء الفتنة

أوفد مبعوثيه للتفاوض معهم(١) . ولمّا لم تثمر جهوده شيئاً ، ذهب بنفسه إليهم(٢) . ونلحظ أنّ الإمام  ¼ قد ترجم لنا فى تلك الرسائل والمحاورات شخصيّته وأبان عظيم قدره ، وأماط اللثام عن الموقف السابق الذى كان عليه مساعير الحرب ، وتحدّث مرّة اُخري عن قتل عثمان وكيفيّته بدقّة تامّة ، وكشف أبعاد ذلك الحادث ، وأغلق علي مثيرى الفتنة تشبّثهم بالمعاذير الواهية . ولمّا وجد ذلك عقيماً وتأهّب الفريقان للقتال ، أوصي  ¼ أصحابه بمَلْك أنفسهم والمحافظة علي الهدوء ، وقال : "لا تعجلوا حتي اُعذِر إلي القوم . . ." . فقام إليهم فاحتجّ عليهم فلم يجد عند القوم إجابة .

وبعد اللتيا والتى ، بعث ابن عبّاس ثانية من أجل التفاوض الأخير ; لعلّه يردعهم عن الحرب ; ، لئلاّ تُسفك دماء المسلمين هدراً ، بيد أنّ القوم خُتم علي سمعهم ، فلم يصغوا إلي رسول الإمام ، كما لم يصغوا إلي الإمام  ¼ من قبل(٣) . وقد كان لعائشة وعبد الله بن الزبير خاصّة الدور الأكبر فى ذلك .

٨ / ١

رسائل الإمام إلي رُؤساء الفتنة

٢١٩٣ ـ الأخبار الطوال : أقام علىّ   ¢ ثلاثة أيّام يبعث رسله إلي أهل البصرة ، فيدعوهم إلي الرجوع إلي الطاعة والدخول فى الجماعة ، فلم يجد عند القوم


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٣١ ; البيان والتبيين : ٣ / ٢٢١ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٠٨ و٥٠٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٣٤ و٣٣٥ ، مسند أبى يعلي : ١ / ٣٢٠ / ٦٦٢ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٧١ .
(٣) الجمل : ٣٣٦ ـ ٣٣٨ .

 ٢٠٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / رسائل الإمام إلي رُؤساء الفتنة

إجابة(١) .

٢١٩٤ ـ الجمل : لمّا سار أمير المؤمنين  ¼ من ذى قار قدّم صعصعة بن صوحان بكتاب إلي طلحة والزبير وعائشة ، يعظّم عليهم حرمة الإسلام ، ويخوّفهم فيما صنعوه ، ويذكر لهم قبيح ما ارتكبوه من قتل مَن قتلوا من المسلمين ، وما صنعوا بصاحب رسول الله  ½ عثمان بن حنيف ، وقتلهم المسلمين صبراً ، ويعظهم ويدعوهم إلي الطاعة .

قال صعصعة : فقدمت عليهم فبدأت بطلحة فأعطيته الكتاب وأدّيت إليه الرسالة ، فقال : الآن ؟ ! حين عضّت ابن أبى طالب الحرب يرفق لنا !

ثمّ جئتُ إلي الزبير فوجدته ألين من طلحة ، ثمّ جئت إلي عائشة فوجدتها أسرع الناس إلي الشرّ ، فقالت : نعم قد خرجت للطلب بدم عثمان ، والله لأفعلنّ وأفعلنّ !

فعدت إلي أمير المؤمنين  ¼ فلقيته قبل أن يدخل البصرة ، فقال :

ما وراءك يا صعصعة ؟

قلت : يا أمير المؤمنين ، رأيت قوماً ما يريدون إلاّ قتالك !

فقال : الله المستعان .

ثمّ دعا عبد الله بن عبّاس فقال : انطلق إليهم فناشدهم وذكّرهم العهد الذى لى فى رقابهم(٢) .


(١) الأخبار الطوال : ١٤٧ .
(٢) الجمل : ٣١٣ .

 ٢٠٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / رسائل الإمام إلي رُؤساء الفتنة

٢١٩٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كتاب له إلي طلحة والزبير ـ : أمّا بعد ، فقد علمتُما وإن كتمتما ، أنّى لم اُرد الناس حتي أرادونى ، ولم اُبايعهم حتي بايعونى . وإنّكما ممّن أرادنى وبايعنى ، وإنّ العامّة لم تبايعنى لسلطان غالب ، ولا لعرض حاضر ، فإن كنتما بايعتُمانى طائعين ، فارجعا وتوبا إلي الله من قريب ، وإن كنتما بايعتُمانى كارهين ، فقد جعلتما لى عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة ، وإسراركما المعصية . ولعمرى ، ما كنتما بأحقّ المهاجرين بالتقيّة والكتمان ، وإنّ دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه ، كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به .

وقد زعمتما أنّى قتلت عثمان ، فبينى وبينكما من تخلّف عنّى وعنكما من أهل المدينة ، ثمّ يُلزم كلّ امرئ بقدر ما احتمل . فارجعا أيّها الشيخان عن رأيكما ، فإنّ الآن أعظم أمركما العار ، من قبل أن يتجمّع العار والنار ، والسلام(١) .

٢١٩٦ ـ عنه  ¼ ـ فى كتابه إلي عائشة قبل الحرب ـ : أمّا بعد ، فإنّكِ خرجتِ غاضبة لله ولرسوله ، تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً ، ما بال النساء والحرب والإصلاح بين الناس ؟ تطالبين بدم عثمان ، ولعمرى لَمَن عرّضكِ للبلاء ، وحملك علي المعصية ، أعظمُ إليكِ ذنباً من قتْلةِ عثمان ! وما غضبتِ حتي أغضَبتِ ، وما هجتِ حتي هَيَّجتِ ، فاتّقى الله وارجعى إلي بيتك(٢) .


(١) نهج البلاغة : الكتاب ٥٤ ، كشف الغمّة : ١ / ٢٣٩ ; الإمامة والسياسة : ١ / ٩٠ ، الفتوح : ٢ / ٤٦٥ كلّها نحوه .
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٩٠ ، الفتوح : ٢ / ٤٦٥ ، المناقب للخوارزمى : ١٨٤ / ٢٢٣ ; كشف الغمّة : ١ / ٢٣٩ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٥٢ كلّها نحوه .

 ٢٠٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / إشخاص ابن عبّاس إلي الزبير

٨ / ٢

إشخاص ابن عبّاس إلي الزبير

٢١٩٧ ـ البيان والتبيين عن عبد الله بن مصعب : أرسل علىّ بن أبى طالب  § عبد الله بن عبّاس لمّا قدم البصرة فقال له :

ايتِ الزبير ولا تأت طلحة فإنّ الزبير ألين ، وإنّك تجد طلحة كالثور عاقصاً(١) قرنه ، يركب الصعوبة ويقول : هى أسهل ، فأقرئه السلام ، وقل له : يقول لك ابن خالك : عرفتنى بالحجاز وأنكرتنى بالعراق ، فما عدا ممّا بدا لك ؟

قال : فأتيت الزبير ، فقال : مرحباً يابن لبابة ، أ زائراً جئت أم سفيراً ؟ قلت : كلّ ذلك . وأبلغته ما قال علىّ .

فقال الزبير : أبلغه السلام وقل له : بيننا وبينك عهد خليفة ، ودم خليفة ، واجتماع ثلاثة وانفراد واحد ، واُمّ مبرورة ، ومشاورة العشيرة ، ونشر المصاحف ، فنحلّ ما أحلّت ، ونحرّم ما حرّمت(٢) .

٨ / ٣

الاحتجاجات علي عائشة

٢١٩٨ ـ الفتوح : فلمّا كان من الغد دعا علىّ   ¢ زيد(٣) بن صوحان وعبد الله بن


(١) العَقِصُ : الألوي الصعْبُ الأخلاقِ ، تشبيهاً بالقرن المُلتوى (النهاية : ٣/٢٧٦) .
(٢) البيان والتبيين : ٣ / ٢٢١ ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ١ / ١٩٥ ، العقد الفريد : ٣ / ٣١٤ وراجع نهج البلاغة : الخطبة ٣١ . قال السيّد الشريف : وهو  ¼ أوّل من سمعت منه هذه الكلمة : أعنى "فما عدا مما بدا" (نهج البلاغة : ذيل الخطبة ٣١) .
(٣) فى المصدر : "يزيد" ، والصحيح ما أثبتناه .

 ٢٠٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الاحتجاجات علي عائشة

عبّاس ، فقال لهما :

امضيا إلي عائشة فقولا لها : أ لم يأمرك الله تبارك وتعالي أن تقرّى فى بيتك ؟ فخدعت وانخدعت ، واستنفرت فنفرت ، فاتّقى الله الذى إليه مرجعك ومعادك ، وتوبى إليه فإنّه يقبل التوبة عن عباده ، ولا يحملنّك قرابة طلحة وحبّ عبد الله بن الزبير علي الأعمال التى تسعي بك إلي النار .

قال : فانطلقا إليها وبلّغاها رسالة علىّ   ¢ ، فقالت عائشة : ما أنا برادّة عليكم شيئاً فإنّى أعلم أنّى لا طاقة لى بحجج علىّ بن أبى طالب ; فرجعا إليه وأخبراه بالخبر(١) .

٢١٩٩ ـ تاريخ الطبرى عن القاسم بن محمّد : أقبل جارية بن قدامة السعدى ، فقال : يا اُمّ المؤمنين ! والله ، لقتل عثمان بن عفّان أهون من خروجك من بيتك علي هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ! إنّه قد كان لك من الله ستر وحرمة ، فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنّه من رأي قتالك فإنّه يري قتلك ، وإن كنتِ أتيتنا طائعة فارجعى إلي منزلكِ ، وإن كنتِ أتيتنا مستكرهة فاستعينى بالناس(٢) .

٢٢٠٠ ـ المحاسن والمساوئ عن الحسن البصرى : إنّ الأحنف بن قيس قال لعائشة يوم الجمل : يا اُمّ المؤمنين هل عهد عليك رسول الله  ½ هذا المسير ؟ قالت : اللهمّ لا . قال : فهل وجدته فى شىء من كتاب الله جلّ ذكره ؟ قالت : ما نقرأ إلاّ ما تقرؤون . قال : فهل رأيت رسول الله  ½ استعان بشىء من نسائه إذا كان فى


(١) الفتوح : ٢ / ٤٦٧ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٦٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٨ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٨٨ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٣ وفيه "حارثة" بدل "جارية" وكلاهما نحوه .

 ٢٠٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الاحتجاجات علي عائشة

قلّة والمشركون فى كثرة ؟ قالت : اللهمّ لا . قال الأحنف : فإذاً ما هو ذنبنا ؟ !(١)

٢٢٠١ ـ فتح البارى عن الحسن : إنّ عائشة أرسلت إلي أبى بكرة فقال : إنّكِ لاُمّ ، وإنّ حقّكِ لعظيم ، ولكن سمعت رسول الله  ½ يقول : لن يفلح قوم تملكهم امرأة(٢) .

٢٢٠٢ ـ مروج الذهب : قام عمّار بن ياسر بين الصفّين فقال : أيّها الناس ! ما أنصفتم نبيّكم حين كففتم عقائلكم فى الخدور وأبرزتم عقيلته للسيوف ، وعائشة علي جمل فى هودج من دفوف الخشب قد ألبسوه المسوح وجلود البقر ، وجعلوا دونه اللبود ، وقد غشى علي ذلك بالدروع ، فدنا عمّار من موضعها ، فنادي : إلي ماذا تدعين ؟ قالت : إلي الطلب بدم عثمان ، فقال : قاتل الله فى هذا اليوم الباغى والطالب بغير الحقّ ، ثمّ قال : أيّها الناس ! إنّكم لتعلمون أيّنا الممالئ فى قتل عثمان(٣) .

٢٢٠٣ ـ مجمع الزوائد عن سعيد بن كوز : كنت مع مولاى يوم الجمل ، فأقبل فارس فقال : يا اُمّ المؤمنين ، فقالت عائشة : سلوه من هو ؟ قيل : من أنت ؟ قال : أنا عمّار بن ياسر ، قالت : قولوا له : ما تريد ؟ قال : أنشدك بالله الذى أنزل الكتاب علي رسول الله  ½ فى بيتك ، أ تعلمين أنّ رسول الله  ½ جعل عليّاً وصيّاً علي أهله ، وفى أهله ؟ قالت : اللهمّ نعم . قال : فما لك ؟ قالت : أطلب بدم عثمان أمير المؤمنين . قال : فتكلّم .

ثمّ جاء فوارس أربعة فهتف بهم رجل منهم . ثم قال : تقول عائشة :


(١) المحاسن والمساوئ : ٤٩ .
(٢) فتح البارى : ١٣ / ٥٦ .
(٣) مروج الذهب : ٢ / ٣٧٠ .

 ٢٠٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الاحتجاجات علي عائشة

ابن أبى طالب وربّ الكعبة ، سلوه من هو ؟ ما يريد ؟ قالوا : من أنت ؟

قال : أنا علىّ بن أبى طالب .

قالت : سلوه ما يريد ؟

قالوا : ما تريد ؟

قال : أنشدك بالله الذى أنزل الكتاب علي رسول الله  ½ فى بيتك ، أ تعلمين أنّ رسول الله  ½ جعلنى وصيّاً علي أهله ، وفى أهله ؟

قالت : اللهمّ نعم .

قال : فما لك ؟

قالت : أطلب بدم أمير المؤمنين عثمان !

قال : أرينى قتلة عثمان ! ! ثمّ انصرف والتحم القتال(١) .

٢٢٠٤ ـ المحاسن والمساوئ عن سالم بن أبى الجعد : فلمّا كان حرب الجمل أقبلت [عائشة] فى هودج من حديد وهى تنظر من منظر قد صُيّرَ لها فى هودجها ، فقالت لرجل من ضبّة وهو آخذ بخطام جملها أو بعيرها : أين تري علىّ بن أبى طالب ؟ قال : ها هو ذا واقف رافع يده إلي السماء ، فنظرت فقالت : ما أشبهه بأخيه !

قال الضبّى : ومن أخوه ؟

قالت : رسول الله  ½ .

قال : فلا أرانى اُقاتل رجلا هو أخو رسول الله  ½ . فنبذ خطام راحلتها من يده


(١) مجمع الزوائد : ٧ / ٤٧٩ / ١٢٠٣٨ وراجع الإيضاح : ٧٧ وسعد السعود : ٢٣٧ .

 ٢٠٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / خطبة الامام لمّا رجعت رسله

ومال إليه(١) .

٨ / ٤

خطبة الامام لمّا رجعت رسله

٢٢٠٥ ـ الأمالى للطوسى عن إسماعيل بن رجاء الزبيدى : لمّا رجعت رسل أمير المؤمنين  ¼ من عند طلحة والزبير وعائشة ، يؤذنونه بالحرب ، قام فحمد الله وأثني عليه ، وصلّي علي محمّد وآله ، ثمّ قال :

يا أيّها الناس ! إنّى قد راقبت هؤلاء القوم كيما يرعووا أو يرجعوا ، وقد وبّختهم بنكثهم وعرّفتهم بغيهم ، فليسوا يستجيبون ، ألا وقد بعثوا إلىّ أن أبرز للطعان ،أصبر للجلاد ، فإنّما منّتك نفسك من أبنائنا الأباطيل ، هَبِلَتْهم الهَبول(٢) ، قد كنت وما اُهدّد بالحرب ولا اُرهب بالضرب ، وأنا علي ما وعدنى ربّى من النصر والتأييد والظفر ، وإنّى لعلي يقين من ربّى ، وفى غير شبهة من أمرى .

أيّها الناس ! إنّ الموت لا يفوته المقيم ، ولا يعجزه الهارب ، ليس عن الموت محيص ، من لم يمت يُقتل ، إنّ أفضل الموت القتل ، والذى نفس ابن أبى طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علىّ من موت علي فراش !

يا عجباً لطلحة ! ألّب علي ابن عفّان حتي إذا قُتل أعطانى صفقة يمينه طائعاً ، ثمّ نكث بيعتى ، وطفق ينعي ابن عفّان ظالماً ، وجاء يطلبنى يزعم بدمه ، والله ، ما صنع فى أمر عثمان واحدة من ثلاث : لئن كان ابن عفّان ظالماً ، كما كان يزعم حين حصره وألّب عليه ، إنّه لينبغى أن يؤازر قاتليه وأن ينابذ ناصريه ، وإن كان


(١) المحاسن والمساوئ : ٤٩ .
(٢) هَبِلَتْهم الهَبُول : أى ثَكِلَتْهم الثَّكُول ; وهى من النساء التى لا يَبْقي لها وَلَدٌ (النهاية : ٥ / ٢٤٠) .

 ٢١٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / تحذير شباب قريش من الحرب

فى تلك الحال مظلوماً ، إنّه لينبغى أن يكون معه ، وإن كان فى شكّ من الخصلتين ، لقد كان ينبغى أن يعتزله ويلزم بيته ويدع الناس جانباً ، فما فعل من هذه الخصال واحدة ، وها هو ذا قد أعطانى صفقة يمينه غير مرّة ثمّ نكث بيعته ، اللهمّ فخذه ولا تمهله .

ألا وإنّ الزبير قطع رحمى وقرابتى ، ونكث بيعتى ، ونصب لى الحرب ، وهو يعلم أنّه ظالم لى ، اللهمّ فاكفنيه بما شئت (١) .

٨ / ٥

تحذير شباب قريش من الحرب

٢٢٠٦ ـ الجمل عن صفوان : لمّا تصافّ الناس يوم الجمل صاح صائح من أصحاب أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب : يا معاشر شباب قريش ! أراكم قد لججتم وغلبتم علي أمركم هذا ، وإنّى أنشدكم الله أن تحقنوا دماءكم ولا تقتلوا أنفسكم ، اتّقوا الأشتر النخعى وجندب بن زهير العامرى ، فإنّ الأشتر نشر درعه حتي يعفو أثره ، وإنّ جندباً يخرم درعه حتي يشمّر عنه ، وفى رايته علامة حمراء ، فلمّا التقي الناس أقبل الأشتر وجندب قبال الجمل يرفلان فى السلاح حتي قتلا عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد ومعبد بن زهير بن خلف بن اُميّة ، وعمد جندب لابن الزبير فلمّا عرفه قال : أتركك لعائشة . . .

وروي محمّد بن موسي عن محمّد بن إبراهيم عن أبيه قال : سمعت معاذ بن عبيد الله التميمى ، وكان قد حضر الجمل يقول : لمّا التقينا واصطففنا نادي منادى علىّ بن أبى طالب  ¼ : يا معاشر قريش ! اتّقوا الله علي أنفسكم ، فإنّى أعلم أنّكم


(١) الأمالى للطوسى : ١٦٩ / ٢٨٤ وراجع نهج البلاغة : الخطبة ١٧٤ .

 ٢١١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / تحذير شباب قريش من الحرب

قد خرجتم وظننتم أنّ الأمر لا يبلغ إلي هذا ، فالله الله فى أنفسكم ! فإنّ السيف ليس له بُقياً ، فإن أحببتم فانصرفوا حتي نحاكم هؤلاء القوم ، وإن أحببتم فإلىّ فإنّكم آمنون بأمان الله .

فاستحيينا أشدّ الحياء وأبصرنا ما نحن فيه ، ولكنّ الحِفاظ(١) حملنا علي الصبر مع عائشة حتي قُتل من قُتل منّا ، فوَ الله ، لقد رأيت أصحاب علىّ  ¼ وقد وصلوا إلي الجمل وصاح منهم صائح : اِعقروه ، فعقروه فوقع ، فنادي علىّ  ¼ : "من طرح السلاح فهو آمن ، ومن دخل بيته فهو آمن" . فوَ الله ما رأيت أكرم عفواً منه .

وروي سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمى قال : قال ابن الزبير : إنّى لواقف فى يمين رجل من قريش إذ صاح صائح : يا معشر قريش ! اُحذّركم الرجلين : جندباً العامرى والأشتر النخعى . وسمعت عمّاراً يقول لأصحابنا : ما تريدون وما تطلبون ؟ فناديناه : نطلب بدم عثمان ، فإن خلّيتم بيننا وبين قتلته رجعنا عنكم . فقال عمّار : لو سألتمونا أن ترجعوا عنّا بئس الفحل ، فإنّه ألأم الغنم فحلاً وشرّها لجماً ما أعطيناكموه . ثمّ التحم القتال وناديناهم : مكّنونا من قتلة عثمان ونرجع عنكم . فنادانا عمّار : قد فعلنا ، هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عطشاً ، فابدؤوا بهم ، فإذا فرغتم منهم تعالوا إلينا نبذل لكم الحقّ . فأسكت والله أصحاب الجمل كلّهم(٢) .


(١) الحِفَاظ : الذبُّ عن المحارم والمنع لها عند الحروب ، والاسم الحفيظة . والحفاظ : المحافظة علي العهد . (لسان العرب : ٧ / ٤٤٢) .
(٢) الجمل : ٣٦٤ وراجع تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٣ وأنساب الأشراف : ٣ / ٥٧ والأخبار الطوال : ١٥١ .

 ٢١٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / اعتزال شابّين من الحرب

٨ / ٦

اعتزال شابّين من الحرب

٢٢٠٧ ـ تاريخ الطبرى عن القاسم بن محمّد : خرج غلام شابّ من بنى سعد إلي طلحة والزبير ، فقال : أمّا أنت يا زبير فحوارىّ رسول الله  ½ ، وأمّا أنت يا طلحة فوقيت رسول الله  ½ بيدك ، وأري اُمّكما معكما فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا ، قال : فما أنا منكما فى شىء ، واعتزل . وقال السعدى فى ذلك :

صنتم حلائلكم وقُدتُم اُمّكم هذا لعمرك قلّة الإنصاف
اُمرت بجرِّ ذيولها فى بيتها فهوت تشقّ البيد بالإيجاف(١)
غرضاً يقاتل دونها أبناؤها بالنبل والخطِّىِّ والأسياف
هُتكت بطلحة والزبير ستورها هذا المخبّر عنهم والكافى

وأقبل غلام من جهينة علي محمّد بن طلحة ـ وكان محمّد رجلاً عابداً ـ فقال : أخبرنى عن قتلة عثمان !

فقال : نعم ، دم عثمان ثلاثة أثلاث ، ثلث علي صاحبة الهودج ـ يعنى عائشة ـ وثلث علي صاحب الجمل الأحمر ـ يعنى طلحة ـ وثلث علي علىّ ابن أبى طالب .

وضحك الغلام وقال : أ لا أرانى علي ضلال ؟ ! ولحق بعلىّ ، وقال فى ذلك شعراً :

سألت ابن طلحة عن هالك بجوف المدينة لم يقبر
فقال : ثلاثة رهط هم أماتوا ابن عفّان واستعبر

(١) الإيجاف : سُرْعَة السَّيْر ، وقد أَوْجَفَ دَابَّتَه يُوجِفُها إيجافاً ، إذا حَثَّها (النهاية : ٥ / ١٥٧) .

 ٢١٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ

فثلث علي تلك فى خدرها وثلث علي راكب الأحمر
وثلث علي ابن أبى طالب ونحن بدَوّية قرقر
فقلت : صدقت علي الأوّلين وأخطأت فى الثالث الأزهر(١)

٨ / ٧

الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ

٢٢٠٨ ـ مروج الذهب : خرج علىّ بنفسه حاسراً علي بغلة رسول الله  ½ لا سلاح عليه ، فنادي : يا زبير ، اخرج إلىّ ، فخرج إليه الزبير شاكّاً فى سلاحه ، فقيل ذلك لعائشة ، فقالت : وا ثكلك يا أسماء ، فقيل لها : إنّ عليّاً حاسر ، فاطمأنّت . واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه .

فقال له علىّ : ويحك يا زبير ! ما الذى أخرجك ؟ قال : دم عثمان ، قال : قتل الله أولانا بدم عثمان ، أ ما تذكر يوم لقيت رسول الله  ½ فى بنى بياضة وهو راكب حماره ، فضحك إلىّ رسول الله ، وضحكت إليه ، وأنت معه ، فقلت أنت : يا رسول الله ، ما يدع علىّ زهوه .

فقال لك : ليس به زهو ، أ تحبّه يا زبير ؟

فقلت : إنّى والله لأحبّه .

فقال لك : إنّك والله ستقاتله وأنت له ظالم .

فقال الزبير : أستغفر الله ، والله لو ذكرتها ما خرجت .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٦٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٨ وفيه إلي "و الكافى" وراجع تاريخ المدينة : ٤ / ١١٧٣ والإمامة والسياسة : ١ / ٨٤ .

 ٢١٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ

فقال له  ¼ : يا زبير ، ارجع ، فقال : وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان(١) ؟ هذا والله العار الذى لا يغسل .

فقال  ¼ : يا زبير ، ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار .

فرجع الزبير وهو يقول :

اخترت عاراً علي نار مؤجّجة ما إن يقوم لها خلق من الطين
نادي علىّ بأمر لست أجهله عار لعمرك فى الدنيا وفى الدين

فقلت : حسبك من عدل أبا حسن فبعض هذا الذى قد قلتَ يكفينى .

فقال ابنه عبد الله : أين تذهب وتدعنا ؟ فقال : يا بنىّ ، أذكرنى أبو الحسن بأمر كنت قد أنسيته ، فقال : لا والله ، ولكنّك فررت من سيوف بنى عبد المطّلب ; فإنّها طوال حداد ، تحملها فتية أنجاد ، قال : لا والله ، ولكنّى ذكرت ما أنسانيه الدهر ، فاخترت العار علي النار ، أ بالجبن تعيّرنى لا أبا لك ؟ ثمّ أمال سنانه وشدّ فى الميمنة .

فقال علىّ : افرجوا له فقد هاجوه .

ثمّ رجع فشدّ فى الميسرة ، ثمّ رجع فشدّ فى القلب ، ثمّ عاد إلي ابنه ، فقال : أ يفعل هذا جبان ؟ ثمّ مضي منصرفاً(٢) .

٢٢٠٩ ـ تاريخ الطبرى عن الزهرى : خرج علىّ علي فرسه ، فدعا الزبير ، فتواقفا ، فقال علىّ للزبير :


(١) البِطان : الحزامُ الذى يَلى البَطْنَ . وأيضاً : حِزام الرَّحل والقَتَب (لسان العرب : ١٣ / ٥٦) .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٧١ وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ٥١ والفتوح : ٢ / ٤٦٩ والإمامة والسياسة : ١ / ٩٢ والمناقب للخوارزمى : ١٧٩ / ٢١٦ وتاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٢ .

 ٢١٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ

ما جاء بك ؟

قال : أنت ، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً ، ولا أولي به منّا .

فقال علىّ : لست له أهلاً بعد عثمان ! قد كنّا نعدّك من بنى عبد المطّلب حتي بلغ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك . وعظّم عليه أشياء ، فذكر أنّ النبىّ  ½ مرّ عليهما فقال لعلىّ  ¼ : ما يقول ابن عمّتك ؟ ليقاتلنّك وهو لك ظالم .

فانصرف عنه الزبير ، وقال : فإنّى لا اُقاتلك .

فرجع إلي ابنه عبد الله فقال : ما لى فى هذه الحرب بصيرة ، فقال له ابنه : إنّك قد خرجت علي بصيرة ، ولكنّك رأيت رايات ابن أبى طالب ، وعرفت أنّ تحتها الموت ، فجبنت . فأحفظه(١) حتي أرعد وغضب ، وقال : ويحك ! إنّى قد حلفت له ألاّ اُقاتله ، فقال له ابنه : كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس ، فأعتقه ، وقام فى الصفّ معهم .

وكان علىّ قال للزبير : أ تطلب منّى دم عثمان وأنت قتلته ؟ ! سلّط الله علي أشدّنا عليه اليوم ما يكره(٢) .

٢٢١٠ ـ تاريخ الطبرى عن قتادة : سار علىّ من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة وساروا من الفرضة يريدون عليّاً ، فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد فى النصف من جمادي الآخرة سنة ستّ وثلاثين يوم الخميس ، فلمّا تراءي


(١) أحفَظَه : أغضبه ، من الحفيظة : الغضب (النهاية : ١ / ٤٠٨) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٠٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٣٥ نحوه وراجع اُسد الغابة : ٢ / ٣١٠ / ١٧٣٢ ومسند أبى يعلي : ١ / ٣٢٠ / ٦٦٢ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٤١ والأمالى للطوسى : ١٣٧ / ٢٢٣ والصراط المستقيم : ٣ / ١٢٠ .

 ٢١٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ

الجمعان خرج الزبير علي فرس عليه سلاح ، فقيل لعلّى : هذا الزبير ، قال : أما إنّه أحري الرجلين إن ذكّر بالله أن يذكره ، وخرج طلحة ، فخرج إليهما علىّ فدنا منهما حتي اختلفت أعناق دوابّهم ، فقال علىّ : لعمرى لقد أعددتما سلاحاً وخيلا ورجالا ، إن كنتما أعددتما عند الله عذراً فاتّقيا الله سبحانه ، ولا تكونا كالتى نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، أ لم أكن أخاكما فى دينكما ؟ تحرّمان دمى وأحرّم دماءكما ! فهل من حدث أحلّ لكما دمى ؟ قال طلحة : ألّبت الناس علي عثمان ، قال علىّ : ³ يَوْمَـئـِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ  ²  (١) يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان(٢) .

٢٢١١ ـ شرح نهج البلاغة : برز علىّ  ¼ يوم الجمل ، ونادي بالزبير : يا أبا عبد الله ، مراراً ، فخرج الزبير ، فتقاربا حتي اختلفت أعناق خيلهما .

فقال له علىّ  ¼ : إنّما دعوتك لاُذكّرك حديثاً قاله لى ولك رسول الله  ½ ، أ تذكر يوم رآك وأنت معتنقى ، فقال لك : أ تحبّه ؟

قلت : وما لى لا اُحبّه وهو أخى وابن خالى ؟ !

فقال : أما إنّك ستحاربه وأنت ظالم له .

فاسترجع الزبير ، وقال : أذكرتنى ما أنسانيه الدهر ، ورجع إلي صفوفه ، فقال له عبد الله ابنه : لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذى فارقتنا به !

فقال : أذكرنى علىّ حديثاً أنسانيه الدهر ، فلا اُحاربه أبداً ، وإنّى لراجع


(١) النور : ٢٥ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٣ / ٥٠١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٣٤ وفيه من "فلمّا تراءي الجمعان" وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٤١ .

 ٢١٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ

وتارككم منذ اليوم .

فقال له عبد الله : ما أراك إلاّ جبنت عن سيوف بنى عبد المطّلب ، إنّها لسيوف حداد ، تحملها فتية أنجاد .

فقال الزبير : ويلك ! أ تهيجنى علي حربه ! أما إنّى قد حلفت ألاّ اُحاربه .

قال : كفّر عن يمينك ، لا تتحدّث نساء قريش أنّك جبنت ، وما كنت جباناً .

فقال الزبير : غلامى مكحول حرّ كفّارة عن يمينى ، ثمّ أنصل سنان رمحه ، وحمل علي عسكر علىّ  ¼ برمح لا سنان له .

فقال علىّ  ¼ : أفرجوا له ، فإنّه محرج .

ثمّ عاد إلي أصحابه ، ثمّ حمل ثانية ، ثمّ ثالثة ، ثمّ قال لابنه : أ جبناً ويلك تري ؟ ! فقال : لقد أعذرت(١) .

٢٢١٢ ـ تاريخ اليعقوبى : قال علىّ بن أبى طالب للزبير : يا أبا عبد الله ، ادنُ إلىّ اُذكّرك كلاما سمعته أنا وأنت من رسول الله !

فقال الزبير لعلىّ : لى الأمان ؟

قال علىّ : عليك الأمان ، فبرز إليه فذكّره الكلام .

فقال : اللهمّ إنّى ما ذكرت هذا إلاّ هذه الساعة ، وثني عنان فرسه لينصرف ، فقال له عبد الله : إلي أين ؟ قال : ذكّرنى علىّ كلاماً قاله رسول الله . قال : كلاّ ، ولكنّك رأيت سيوف بنى هاشم حداداً تحملها شداد . قال : ويلك ! ومثلى يعيّر


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٣٣ وراجع الأخبار الطوال : ١٤٧ والفصول المختارة : ١٤٢ والأمالى للطوسى : ١٣٧ / ٢٢٣ وبشارة المصطفي : ٢٤٧ .

 ٢١٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / عاقبة الزبير

بالجبن ؟ هلم إلىّ الرمح . وأخذ الرمح وحمل علي أصحاب علىّ .

فقال علىّ : افرجوا للشيخ ، إنّه محرج .

فشقّ الميمنة والميسرة والقلب ثمّ رجع فقال لابنه : لا اُمّ لك ! أ يفعل هذا جبان ؟ وانصرف(١) .

٨ / ٨

عاقبة الزبير

٢٢١٣ ـ الجمل عن مروان بن الحكم : هرب الزبير فارّاً إلي المدينة حتي أتي وادى السباع ، فرفع الأحنف صوته وقال : ما أصنع بالزبير ! قد لفّ بين غارين(٢) من الناس حتي قتل بعضهم بعضاً ، ثمّ هو يريد اللحاق بأهله .

فسمع ذلك ابن جرموز ، فخرج فى طلبه واتّبعه رجل من مجاشع حتي لحقاه ، فلمّا رآهما الزبير حذّرهما .

فقالا : يا حوارىّ رسول الله ، أنت فى ذمّتنا لا يصل إليك أحد ، وسايره ابن جرموز ، فبينا هو يسايره ويستأخر ، والزبير يفارقه ، قال : يا أبا عبد الله ، انزع درعك فاجعلها علي فرسك فإنّها تثقلك وتُعييك ، فنزعها الزبير وجعل عمرو بن جرموز ينكص ويتأخّر ، والزبير يناديه أن يلحقه وهو يجرى بفرسه ، ثمّ ينحاز عنه حتي اطمأنّ إليه ولم ينكر تأخّره عنه ، فحمل عليه وطعنه بين كتفيه فأخرج السنان من ثدييه ، ونزل فاحتزّ رأسه وجاء به إلي الأحنف ، فأنفذه إلي أمير المؤمنين  ¼ .

فلمّا رأي رأس الزبير وسيفه قال : ناولنى السيف ، فناوله ، فهزّه وقال :


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٢ .
(٢) الغار : الجمع الكثير من الناس ، والقبيلة العظيمة (المحيط فى اللغة : ٥ / ١٢٤) .

 ٢١٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / مناقشات الإمام وطلحة

سيف طالما قاتل به بين يدى رسول الله  ½ ولكنّ الحين ومصارع السوء !

ثمّ تفرّس فى وجه الزبير وقال :

لقد كان لك برسول الله  ½ صحبة ومنه قرابة ، ولكنّ الشيطان دخل منخريك ، فأوردك هذا المورد !(١)

٨ / ٩

مناقشات الإمام وطلحة

٢٢١٤ ـ مروج الذهب : ثمّ نادي علىّ   ¢ طلحة حين رجع الزبير : يا أبا محمّد ، ما الذى أخرجك ؟

قال : الطلب بدم عثمان .

قال علىّ : قتل الله أولانا بدم عثمان ، أ ما سمعت رسول الله  ½ يقول : "اللهمّ ! والِ من والاه ، وعادِ من عاداه" ؟ وأنت أوّل من بايعنى ثمّ نكثت ، وقد قال الله عزّ وجلّ : ³ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ  ²  (٢) (٣) .

٢٢١٥ ـ الإمامة والسياسة ـ فى ذكر مخاطبة الإمام  ¼ لطلحة ـ : قال طلحة : اعتزل هذا الأمر ، ونجعله شوري بين المسلمين ، فإن رضوا بك دخلت فيما دخل فيه الناس ، وإن رضوا غيرك كنت رجلاً من المسلمين .


(١) الجمل : ٣٩٠ وص ٣٨٧ عن محمّد بن إبراهيم ; الطبقات الكبري : ٣ / ١١١ عن خالد بن سمير وكلاهما نحوه وراجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٩٨ وص٥٣٤ وأنساب الأشراف : ٣ / ٤٩ ـ ٥٤ ومروج الذهب : ٢ / ٣٧٢ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٣٨ .
(٢) الفتح : ١٠ .
(٣) مروج الذهب : ٢/٣٧٣ وراجع المستدرك علي الصحيحين: ٣/٤١٩/٥٥٩٤ والمناقب للخوارزمى : ١٨٢ / ٢٢١ .

 ٢٢٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / فشل آخر الجهود

قال علىّ : أولم تبايعنى يا أبا محمّد طائعاً غير مكره ؟ فما كنت لأترك بيعتى .

قال طلحة : بايعتك والسيف فى عنقى .

قال : أ لم تعلم أنّى ما أكرهت أحداً علي البيعة ؟ ولو كنتُ مكرهاً أحداً لأكرهت سعداً ، وابن عمر ، ومحمّد بن مسلمة ، أبوا البيعة واعتزلوا ، فتركتهم .

قال طلحة : كنّا فى الشوري ستّة ، فمات اثنان وقد كرهناك ، ونحن ثلاثة .

قال علىّ : إنّما كان لكما ألاّ ترضيا قبل الرضي وقبل البيعة ، وأمّا الآن فليس لكما غير ما رضيتما به ، إلاّ أن تخرجا ممّا بويعت عليه بحدث ، فإن كنت أحدثت حدثاً فسمّوه لى . وأخرجتم اُمّكم عائشة ، وتركتم نساءكم ، فهذا أعظم الحدث منكم ، أ رضي هذا لرسول الله  ½ أن تهتكوا ستراً ضربه عليها ، وتخرجوها منه ؟ !

فقال طلحة : إنّما جاءت للإصلاح .

قال علىّ  ¼ : هى لعمر الله إلي من يصلح لها أمرها أحوج . أيّها الشيخ اقبل النصح وارضَ بالتوبة مع العار ، قبل أن يكون العار والنار(١) .

٨ / ١٠

فشل آخر الجهود

٢٢١٦ ـ الجمل : قال ابن عبّاس : قلت [لأمير المؤمنين  ¼ ] : ما تنتظر ؟ والله ، ما يعطيك القوم إلاّ السيف ، فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليك .

فقال : نستظهر بالله عليهم .

قال ابن عبّاس : فوَ الله ، ما رمت من مكانى حتي طلع علىَّ نشّابهم كأنّه جراد منتشر ، فقلت : أ ما تري يا أمير المؤمنين إلي ما يصنع القوم ؟ مرنا ندفعهم .


(١) الإمامة والسياسة : ١ / ٩٥ .

 ٢٢١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / فشل آخر الجهود

فقال : حتي اُعذر إليهم ثانية . ثمّ قال : من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له علي الله الجنّة ؟

فلم يقم أحد إلاّ غلام عليه قباء أبيض ، حدث السنّ من عبد القيس يقال له مسلم كأنّى أراه ، فقال : أنا أعرضه عليهم يا أمير المؤمنين ، وقد احتسبت نفسى عند الله تعالي .

فأعرض عنه إشفاقاً عليه ونادي ثانية : من يأخذ هذا المصحف ويعرضه علي القوم وليعلم أنّه مقتول وله الجنّة ؟

فقام مسلم بعينه وقال : أنا أعرضه . فأعرض ، ونادي ثالثة فلم يقم غير الفتي ، فدفع إليه المصحف .

وقال : امض إليهم واعرضه عليهم وادعهم إلي ما فيه .

فأقبل الغلام حتي وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف ، وقال : هذا كتاب الله عزّ وجلّ ، وأمير المؤمنين  ¼ يدعوكم إلي ما فيه .

فقالت عائشة : اشجروه بالرماح قبّحه الله ! فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كلّ جانب ، وكانت اُمّه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرّته من موضعه ، ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين  ¼ أعانوها علي حمله حتي طرحوه بين يدى أمير المؤمنين  ¼ واُمّه تبكى وتندبه وتقول :

يا ربّ إنّ مسلماً دعاهميتلو كتاب الله لا يخشاهم
فخضبوا من دمه قناهم واُمّهم قائمة تراهم

تأمرهم بالقتل لا تنهاهم(١)


(١) الجمل : ٣٣٩ ، إرشاد القلوب : ٣٤١ ; تاريخ الطبرى : ٤ / ٥١١ عن عمّار بن معاوية الدهنى نحوه وراجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٠٩ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٥٠ ومروج الذهب : ٢ / ٣٧٠ .

 ٢٢٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / فشل آخر الجهود

٢٢١٧ ـ المناقب للخوارزمى عن مجزأة السدوسى : لمّا تقابل العسكران : عسكر أمير المؤمنين علىّ  ¼ وعسكر أصحاب الجمل ، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علىّ بالنبل حتي عقروا منهم جماعة ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، إنّه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم ؟

فقال علىّ : اللهمّ إنّى اُشهدك أنّى قد أعذرت وأنذرت ، فكن لى عليهم من الشاهدين .

ثمّ دعا علىّ بالدرع ، فأفرغها عليه ، وتقلّد بسيفه واعتجر بعمامته واستوي علي بغلة النبىّ  ½ ، ثمّ دعا بالمصحف فأخذه بيده ، وقال : يا أيّها الناس ، من يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلي ما فيه ؟

فوثب غلام من مجاشع يقال له : مسلم ، عليه قباء أبيض ، فقال له : أنا آخذه يا أمير المؤمنين ، فقال له علىّ : يا فتي إنّ يدك اليمني تقطع ، فتأخذه باليسري فتقطع ، ثمّ تضرب عليه بالسيف حتي تقتل .

فقال الفتي : لا صبر لى علي ذلك يا أمير المؤمنين .

فنادي علىّ ثانية والمصحف فى يده ، فقام إليه ذلك الفتي وقال : أنا آخذه يا أمير المؤمنين . فأعاد عليه علىّ مقالته الاُولي ، فقال الفتي : لا عليك يا أمير المؤمنين ، فهذا قليل فى ذات الله ، ثمّ أخذ الفتي المصحف وانطلق به إليهم ، فقال : يا هؤلاء ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم . فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمني فقطعها ، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله ، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتي قتل ـ رحمة الله عليه ـ (١) .


(١) المناقب للخوارزمى : ١٨٦ / ٢٢٣ ، الفتوح : ٢ / ٤٧٢ وفيه من "ثمّ دعا علىّ بالدرع . . ." ، شرح نهج البلاغة : ٩ / ١١١ عن أبى مخنف وكلاهما نحوه .