١٨٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة
٧ / ١ ٢١٨٢ ـ الإرشاد عن ابن عبّاس : لمّا نزل [الإمام علىّ ¼ ] بذى قار أخذ البيعة علي من حضره ، ثمّ تكلّم فأكثر من الحمد لله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله ½ ثمّ قال : قد جرت اُمور صبرنا عليها ـ وفى أعيننا القذي ـ تسليماً لأمر الله تعالي فيما امتحننا به رجاء الثواب علي ذلك ، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون وتُسفك دماؤهم . نحن أهل بيت النبوّة ، وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة ، ومعدن الكرامة التى ابتدأ الله بها هذه الاُمّة . وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوّة ولا من ذرّية الرسول ، حين رأيا أنّ الله ١٩٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / خطب الإمام بذى قار
قد ردّ علينا حقّنا بعد أعصر ، فلم يصبرا حولا واحداً ولا شهراً كاملا حتي وثبا علي دأب الماضين قبلهما ، ليذهبا بحقّى ، ويفرّقا جماعة المسلمين عنّى . ثمّ دعا عليهما(١) . ٧ / ٢ ٢١٨٣ ـ نهج البلاغة ـ فى ذكر خطبة له ¼ عند خروجه لقتال أهل البصرة ـ : قال عبد الله بن عبّاس : دخلت علي أمير المؤمنين ¼ بذى قار وهو يخصف نعله ، فقال لى : ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها . فقال ¼ : والله لهى أحبّ إلىّ من إمرتكم إلاّ أن اُقيم حقّاً أو أدفع باطلا . ثمّ خرج فخطب الناس فقال : إنّ الله بعث محمّداً ½ وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدّعى نبوّة ، فساق الناس حتي بوّأهم محلّتهم وبلّغهم منجاتهم ، فاستقامت قناتهم واطمأنّت صفاتهم . أما والله ، إن كنت لفى ساقتها(٢) حتي تولّت بحذافيرها ، ما عجَزتُ ولا جبنتُ ، وإنّ مسيرى هذا لمثلها ، فَلأنقُبنَّ الباطل حتي يخرج الحقّ من جنبه . مالى ولقريش ! والله ، لقد قاتلتهم كافرين ولاُقاتلنّهم مفتونين ، وإنّى لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم ، والله ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم ، فأدخلناهم فى حيّزنا فكانوا كما قال الأوّل : (١) الإرشاد : ١ / ٢٤٩ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ١١٤ / ٩١ وراجع الاحتجاج : ١ / ٣٧٤ / ٦٨ . ١٩١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / خطب الإمام بذى قار
٢١٨٤ ـ شرح نهج البلاغة عن زيد بن صوحان ـ من خطبته بذى قار ـ : قد علم الله سبحانه أنّى كنت كارهاً للحكومة بين اُمّة محمّد ½ ، ولقد سمعته يقول : "ما من وال يلى شيئاً من أمر اُمّتى إلاّ اُتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلي عنقه علي رؤوس الخلائق ، ثمّ يُنشر كتابه ، فإن كان عادلاً نجا ، وإن كان جائراً هوي" . حتي اجتمع علىَّ ملؤكم ، وبايعنى طلحة والزبير ، وأنا أعرف الغدر فى أوجههما ، والنكث فى أعينهما ، ثمّ استأذنانى فى العمرة ، فأعلمتُهما أن ليس العمرة يريدان ، فسارا إلي مكّة واستخفّا عائشة وخدعاها ، وشخص معهما أبناءُ الطلقاء ، فقدموا البصرة ، فقتلوا بها المسلمين ، وفعلوا المنكر . ويا عجباً لاستقامتهما لأبى بكر وعمر وبغيهما علىَّ ! وهما يعلمان أنّى لست دون أحدهما ، ولو شئت أن أقول لقلت ، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه ، فكتماه عنّى ، وخرجا يوهمان الطَّغام(٢) أنّهما يطلبان بدم عثمان . والله ، ما أنكرا علىّ منكراً ، ولا جعلا بينى وبينهم نِصْفاً(٣) ، وإنّ دم عثمان لمعصوب بهما ، ومطلوب منهما . يا خيبة الداعى ! إلامَ دعا ؟ وبماذا اُجيبَ ؟ والله ، إنّهما لعلي ضلالة صمّاء ، وجهالة عمياء ، وإنّ الشيطان قد ذمر لهما حزبه ، واستجلب منهما خيله ورجله ، ليعيد الجور إلي أوطانه ، ويردّ الباطل إلي نصابه . (١) نهج البلاغة : الخطبة ٣٣ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٧٦ / ٥٠ وراجع الإرشاد : ١ / ٢٤٧ . ١٩٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / خطب الإمام بذى قار
ثمّ رفع يديه ، فقال : اللهمّ إنّ طلحة والزبير قطعانى ، وظلمانى ، وألّبا علىَّ ، ونكثا بيعتى ، فاحلل ما عقدا ، وانكث ما أبرما ، ولا تغفر لهما أبداً ، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا !(١) ٢١٨٥ ـ الإرشاد : من كلامه ¼ ـ وقد نهض من ذى قار متوجّهاً إلي البصرة ـ بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله ½ : أمّا بعد ، فإنّ الله تعالي فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصرة له ، والله ، ما صلحت دنيا قطّ ولا دين إلاّ به ، وإنّ الشيطان قد جمع حزبه واستجلب خيله وشبّه فى ذلك وخدع ، وقد بانت الاُمور وتمخّضت ، والله ما أنكروا علىّ منكراً ، ولا جعلوا بينى وبينهم نَصِفاً ، وإنّهم ليطلبون حقّاً تركوه ودماً هم سفكوه ، ولئن كنت شركتهم فيه ، إنّ لهم لنصيبهم منه ، ولَئن كانوا ولوه دونى فما تبعته إلاّ قِبلهم ، وإنّ أعظم حجّتهم لعلي أنفسهم ، وإنّى لعلي بصيرتى ما لُبِّست علىَّ ، وإنّها لَلفئة الباغية فيها الحُمّي والحُمة(٢) ، قد طالت هلبتها(٣) وأمكنت درّتها(٤) ، يرضعون اُمّاً فطمت ، ويحيون بيعة تركت ; ليعود الضلال إلي نصابه . ما أعتذر ممّا فعلت ، ولا أتبرّأ ممّا صنعت ، فخيبة للداعى ومن دعا ، لو قيل له : إلي من دعواك ؟ وإلي من أجبت ؟ ومن إمامك ؟ وما سنّته ؟ إذاً لزاح الباطل عن مقامه ، ولصمت لسانه فما نطق . وايم الله ، لأفرُطنّ(٥) لهم حوضاً أنا (١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٣١٠ ; الجمل : ٢٦٧ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٦٣ وراجع نهج البلاغة : الخطبة ٢٢ . ١٩٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / خطب الإمام بذى قار
ماتحه(١) ، لا يصدرون عنه ولا يلقون بعده ريّاً أبداً ، وإنّى لراض بحجّة الله عليهم وعذره فيهم ، إذ أنا داعيهم فمُعذر إليهم ، فإن تابوا وأقبلوا فالتوبة مبذولة والحقّ مقبول ، وليس علي الله كفران ، وإن أبوا أعطيتهم حدّ السيف وكفي به شافياً من باطل وناصراً لمؤمن(٢) . ٢١٨٦ ـ الإرشاد عن سلمة بن كهيل : لمّا التقي أهل الكوفة وأمير المؤمنين ¼ بذى قار رحبّوا به وقالوا : الحمد لله الذى خصّنا بجوارك وأكرمنا بنصرتك . فقام أمير المؤمنين ¼ فيهم خطيباً فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : يا أهل الكوفة ! إنّكم من أكرم المسلمين وأقصدهم تقويماً ، وأعدلهم سنّة ، وأفضلهم سهماً فى الإسلام ، وأجودهم فى العرب مُرَكّباً(٣) ونصاباً(٤) ، أنتم أشدّ العرب ودّاً للنبىّ ½ ولأهل بيته ، وإنّما جئتكم ثقةً ـ بعد الله ـ بكم للذى بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما طاعتى ، وإقبالهما بعائشة للفتنة ، وإخراجهما إيّاها من بيتها حتي أقدماها البصرة ، فاستغووا طغامها وغوغاءها ، مع أنّه قد بلغنى أنّ أهل الفضل منهم وخيارهم فى الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنع طلحة والزبير . ثمّ سكت ، فقال أهل الكوفة : نحن أنصارك وأعوانك علي عدوّك ، ولو دعوتنا إلي أضعافهم من الناس احتسبنا فى ذلك الخير ورجوناه(٥) . (١) الماتح : المستقى من البئر بالدَّلْو من أعلي البئر (النهاية : ٤ / ٢٩١) . ١٩٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / قدوم عثمان بن حنيف
٧ / ٣ ٢١٨٧ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : لمّا نزل علىّ الثعلبيّة(١) أتاه الذى لقي عثمان بن حنيف وحرسه ، فقام وأخبر القوم الخبر وقال : اللهمّ عافنى ممّا ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين وسلّمنا منهم أجمعين . ولما انتهي إلي الإساد(٢) أتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفان ، فقال : الله أكبر ما ينجينى من طلحة والزبير إذ أصابا ثأرهما أو ينجيهما ؟ وقرأ : ³ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ² (٣) وقال :
ولمّا انتهوا إلي ذى قار انتهي إليه فيها عثمان بن حنيف وليس فى وجهه شعر ، فلمّا رآه علىّ نظر إلي أصحابه فقال : انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجع إلينا وهو شاب(٤) . ٢١٨٨ ـ الجمل : خرج ابن حنيف حتي أتي أمير المؤمنين ¼ وهو بذى قار ، فلمّا نظر إليه أمير المؤمنين ¼ ، وقد نكّل به القوم ، بكي وقال : يا عثمان بعثتك شيخاً (١) الثَّعْلَبيَّة : من منازل طريق مكّة من الكوفة وقد كانت قرية عامرة سابقاً ثمّ خربت بعد ذلك (راجع : معجم البلدان : ٢/٧٨) . ١٩٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ
ألحي فردّوك أمرد إلى ، اللهمّ إنّك تعلم أنّهم اجترؤا عليك واستحلّوا حرماتك ، اللهمّ اقتلهم بمن قتلوا من شيعتى ، وعجّل لهم النقمة بما صنعوا بخليفتى(١) . ٧ / ٤ ٢١٨٩ ـ نهج البلاغة : من كلامه ¼ فى وجوب اتّباع الحقّ عند قيام الحجّة كلّم به بعض العرب ، وقد أرسله قوم من أهل البصرة لمّا قرب ¼ منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم ، فبيّن له ¼ من أمره معهم ما علم به أنّه علي الحقّ ، ثمّ قال له : بايع . فقال : إنّى رسول قوم ، ولا اُحدث حدثاً حتي أرجع إليهم . فقال ¼ : أ رأيت لو أنّ الذين وراءك بعثوك رائداً تبتغى لهم مساقط الغيث ، فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الكلأ والماء ، فخالفوا إلي المعاطش والمجادب ، ما كنتَ صانعاً ؟ قال : كنت تاركهم ومخالفهم إلي الكلأ والماء . فقال ¼ : فامدد إذاً يدك . فقال الرجل : فوَ الله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة علىَّ ، فبايعته ¼ . والرجل يُعرف بكُليب الجرمى(٢) . (١) الجمل : ٢٨٥ وراجع تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٢ وشرح نهج البلاغة : ١٤ / ١٨ ونهاية الأرب : ٢٠ / ٤٥ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٣٦ . ١٩٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ
٢١٩٠ ـ الجمل عن كليب : لمّا قتل عثمان ما لبثنا إلاّ قليلاً حتي قدم طلحة والزبير البصرة ، ثمّ ما لبثنا بعد ذلك إلاّ يسيراً حتي أقبل علىّ بن أبى طالب ¼ فنزل بذى قار ، فقال شيخان من الحىّ : اِذهب بنا إلي هذا الرجل فننظر ما يدعو إليه ، فلمّا أتينا ذا قار قدمنا علي أذكي العرب ، فوَ الله لدخل علي نسب قومى ، فجعلت أقول : هو أعلم به منّى وأطوع فيهم . فقال : من سيّد بنى راسب ؟ فقلت : فلان . قال : فمن سيّد بنى قدامة ؟ قلت : فلان ، لرجل آخر . فقال : أنت مبلغهما كتابين منّى ؟ قلت : نعم . قال : أ فلا تبايعونى ؟ فبايعه الشيخان اللذان كانا معى وتوقّفت عن بيعته ، فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون : بايع بايع . فقال ¼ : دعوا الرجل . فقلت : إنّما بعثنى قومى رائداً وساُنهى إليهم ما رأيتُ ، فإن بايعوا بايعت ، وإن اعتزلوا اعتزلت . فقال لى : أ رأيت لو أنّ قومك بعثوك رائداً فرأيت روضةً وغديراً ، فقلتَ : يا قومى النجعة(١) النجعة ! فأبوا ، ما كنت بمُستنجح بنفسك ؟ (١) النُجْعَةُ : طلب الكلأ ومَساقطِ الغَيْث (النهاية : ٥ / ٢٢) . ١٩٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ
فأخذت بإصبع من أصابعه وقلت : اُبايعك علي أن اُطيعك ما أطعتَ الله ، فإذا عصيتَه فلا طاعة لك علىَّ . فقال : نعم . وطوّل بها صوته ، فضربت علي يده . ثمّ التفتَ إلي محمّد بن حاطب ، وكان فى ناحية القوم ، فقال : إذا انطلقت إلي قومك فأبلغهم كتبى وقولى . فتحوّل إليه محمّد حتي جلس بين يديه وقال : إنّ قومى إذا أتيتهم يقولون : ما يقول صاحبك فى عثمان ؟ فسبّ عثمان الذين حوله ، فرأيت عليّاً قد كره ذلك حتي رشح جبينه وقال : أيّها القوم ! كفّوا ما إيّاكم يَسأل . قال : فلم أبرح عن العسكر حتي قدم علي علىّ ¼ أهل الكوفة فجعلوا يقولون : نري إخواننا من أهل البصرة يقاتلوننا ، وجعلوا يضحكون ويعجبون ويقولون : والله لو التقينا لتعاطينا الحقّ ، كأنّهم يرون أنّهم لا يقتتلون . وخرجت بكتابَى علىّ ¼ فأتيت أحد الرجلين فقبل الكتاب وأجابه ، ودُللت علي الآخر ، وكان متوارياً ، فلو أنّهم قالوا له : كليب ، ما أذن لى ، فدخلت عليه ودفعت الكتاب إليه وقلت : هذا كتاب علىّ وأخبرته الخبر وقلت : إنّى أخبرت عليّاً أنّك سيّد قومك ، فأبي أن يقبل الكتاب ولم يجبه إلي ما سأله وقال : لا حاجة لى اليوم فى السؤدد ، فوَ الله ، إنّى لبالبصرة ما رجعت إلي علىّ حتي نزل العسكر ، ورأيت القوم الذين مع علىّ ¼ فطلع القوم(١) . ١٩٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / قدوم الإمام البصرة
تعليق تشير الأكثريّة القريبة من الاتّفاق من النصوص التاريخيّة إلي أنّ عثمان بن حنيف قدم علي الإمام وهو فى ذى قار ، غير أنّ بعض المصادر تذكر بأنّه قدم عليه حينما كان فى الرَّبَذة(١) . ويبدو أنّ القول الأوّل أقرب إلي الواقع ; لأنّ الإمام علىّ ¼ كان يلاحق أصحاب الجمل ، ولم تكن تفصله عنهم مسافة كبيرة . علماً أنّ الإمام ¼ كان قد كتب من الرَّبَذة رسالة إلي عثمان بن حُنيف يُعلمه فيها بمسير أصحاب الجمل صوب البصرة . ونظراً لبعد الرَّبَذة عن البصرة ، يُستبعد أن يكون الإمام توقّف هناك أكثر من شهر واحد ، بحيث يكون أصحاب الجمل قد ساروا نحو البصرة ، وبعد التصالح والقتال وحبس عثمان بن حنيف وإخراجه من الحبس ، ثمّ يكون عثمان قطع هذا الطريق الطويل والتحق بالإمام فى الرَّبَذة ! ولكنّ الإمام ¼ كان قد سار من الرَّبَذة ، وعندما كان فى ذى قار بانتظار قدوم مدد أهل الكوفة ، دخل عليه عثمان بن حنيف . ٧ / ٥ ٢١٩١ ـ مروج الذهب عن المنذر بن الجارود : لمّا قدم علىّ ¼ البصرة دخل ممّا يلى الطفّ ـ إلي أن قال ـ : فساروا حتي نزلوا الموضع المعروف بالزاوية ، فصلّي أربع ركعات ، وعفّر خدّيه علي التراب ، وقد خالط ذلك دموعه ، ثمّ رفع يديه يدعو : ١٩٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / قدوم الإمام البصرة
اللهمّ ربّ السموات وما أظلّت والأرضين وما أقلّت ، وربّ العرش العظيم ، هذه البصرة أسألك من خيرها ، وأعوذ بك من شرّها ، اللهمّ أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين ، اللهمّ إنّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتى وبغوا علىّ ونكثوا بيعتى ، اللهمّ أحقن دماء المسلمين(١) . ٢١٩٢ ـ الإرشاد ـ من كلامه ¼ حين دخل البصرة وجمع أصحابه فحرّضهم علي الجهاد ـ : عباد الله ! انهدوا(٢) إلي هؤلاء القوم منشرحةً صدوركم بقتالهم ، فإنّهم نكثوا بيعتى وأخرجوا ابن حنيف عاملى بعد الضرب المبرّح والعقوبة الشديدة ، وقتلوا السيابجة(٣) وقتلوا حكيم بن جبلة العبدى وقتلوا رجالا صالحين ، ثمّ تتبّعوا منهم من نجا يأخذونهم فى كلّ حائط وتحت كلّ رابية ، ثمّ يأتون بهم فيضربون رقابهم صبراً ، ما لهم قاتلهم الله أنّي يؤفكون ؟ ! انهدوا إليهم وكونوا أشدّاء عليهم ، والقوهم صابرين محتسبين ، تعلمون أنّكم منازلوهم ومقاتلوهم ، وقد وطّنتم أنفسكم علي الطعن الدعسى(٤) والضرب الطلخفى(٥) ومبارزة الأقران ، وأىّ امرئ منكم أحسّ من نفسه رَباطة جأش عند اللقاء ، ورأي من أحد من إخوانه فشلاً ، فليذُبّ عن أخيه الذى فضّل عليه كما (١) مروج الذهب : ٢ / ٣٦٨ و٣٧٠ . ٢٠٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل السابع : من ذى قار إلي البصرة / قدوم الإمام البصرة
يذبّ عن نفسه ، فلو شاء الله لجعله مثله(١) . (١) الإرشاد : ١ / ٢٥٢ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ١٧١ / ١٣١ وراجع الجمل : ٣٣١ . ٢٠١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال
عندما تحرّك الإمام أمير المؤمنين ¼ مع قوّاته من ذى قار ، بعث صَعْصَعة بن صُوحان إلي طلحة والزبير وعائشة ، ومعه كتاب تحدّث فيه عن إثارتهم للفتنة ، وذكر فيه موقفهم الحاقد الماكر من عثمان بن حُنيف ، وحذّرهم من مغبّة عملهم ، وعاد صعصعة فأخبره قائلاً : "رأيتُ قوماً ما يريدون إلاّ قتالك"(١) . وتأهّبت قوّات الطرفين للحرب ، بيد أنّ الإمام سلام الله عليه منع أصحابه من أن يبدؤوهم بقتال ، وحاول فى بادئ أمره أن يردع اُولى الفتنة عن الحرب . وإنّ حديثه ¼ مع قادة جيش الجمل ، ومع الجيش نفسه يجلب الانتباه(٢) . وبذل قصاري جهوده فى سبيل المحافظة علي الهدوء ، والحؤول دون اشتعال نار الحرب ، فبعث إلي قادة الجيش رسائل يحثّهم فيها علي عدم الاصطدام(٣) ، ثمّ (١) الجمل : ٣١٣ و٣١٤ وراجع الأخبار الطوال : ١٤٧ . ٢٠٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / رسائل الإمام إلي رُؤساء الفتنة
أوفد مبعوثيه للتفاوض معهم(١) . ولمّا لم تثمر جهوده شيئاً ، ذهب بنفسه إليهم(٢) . ونلحظ أنّ الإمام ¼ قد ترجم لنا فى تلك الرسائل والمحاورات شخصيّته وأبان عظيم قدره ، وأماط اللثام عن الموقف السابق الذى كان عليه مساعير الحرب ، وتحدّث مرّة اُخري عن قتل عثمان وكيفيّته بدقّة تامّة ، وكشف أبعاد ذلك الحادث ، وأغلق علي مثيرى الفتنة تشبّثهم بالمعاذير الواهية . ولمّا وجد ذلك عقيماً وتأهّب الفريقان للقتال ، أوصي ¼ أصحابه بمَلْك أنفسهم والمحافظة علي الهدوء ، وقال : "لا تعجلوا حتي اُعذِر إلي القوم . . ." . فقام إليهم فاحتجّ عليهم فلم يجد عند القوم إجابة . وبعد اللتيا والتى ، بعث ابن عبّاس ثانية من أجل التفاوض الأخير ; لعلّه يردعهم عن الحرب ; ، لئلاّ تُسفك دماء المسلمين هدراً ، بيد أنّ القوم خُتم علي سمعهم ، فلم يصغوا إلي رسول الإمام ، كما لم يصغوا إلي الإمام ¼ من قبل(٣) . وقد كان لعائشة وعبد الله بن الزبير خاصّة الدور الأكبر فى ذلك . ٨ / ١ رسائل الإمام إلي رُؤساء الفتنة ٢١٩٣ ـ الأخبار الطوال : أقام علىّ ¢ ثلاثة أيّام يبعث رسله إلي أهل البصرة ، فيدعوهم إلي الرجوع إلي الطاعة والدخول فى الجماعة ، فلم يجد عند القوم (١) نهج البلاغة : الخطبة ٣١ ; البيان والتبيين : ٣ / ٢٢١ . ٢٠٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / رسائل الإمام إلي رُؤساء الفتنة
إجابة(١) . ٢١٩٤ ـ الجمل : لمّا سار أمير المؤمنين ¼ من ذى قار قدّم صعصعة بن صوحان بكتاب إلي طلحة والزبير وعائشة ، يعظّم عليهم حرمة الإسلام ، ويخوّفهم فيما صنعوه ، ويذكر لهم قبيح ما ارتكبوه من قتل مَن قتلوا من المسلمين ، وما صنعوا بصاحب رسول الله ½ عثمان بن حنيف ، وقتلهم المسلمين صبراً ، ويعظهم ويدعوهم إلي الطاعة . قال صعصعة : فقدمت عليهم فبدأت بطلحة فأعطيته الكتاب وأدّيت إليه الرسالة ، فقال : الآن ؟ ! حين عضّت ابن أبى طالب الحرب يرفق لنا ! ثمّ جئتُ إلي الزبير فوجدته ألين من طلحة ، ثمّ جئت إلي عائشة فوجدتها أسرع الناس إلي الشرّ ، فقالت : نعم قد خرجت للطلب بدم عثمان ، والله لأفعلنّ وأفعلنّ ! فعدت إلي أمير المؤمنين ¼ فلقيته قبل أن يدخل البصرة ، فقال : ما وراءك يا صعصعة ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، رأيت قوماً ما يريدون إلاّ قتالك ! فقال : الله المستعان . ثمّ دعا عبد الله بن عبّاس فقال : انطلق إليهم فناشدهم وذكّرهم العهد الذى لى فى رقابهم(٢) . (١) الأخبار الطوال : ١٤٧ . ٢٠٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / رسائل الإمام إلي رُؤساء الفتنة
٢١٩٥ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي طلحة والزبير ـ : أمّا بعد ، فقد علمتُما وإن كتمتما ، أنّى لم اُرد الناس حتي أرادونى ، ولم اُبايعهم حتي بايعونى . وإنّكما ممّن أرادنى وبايعنى ، وإنّ العامّة لم تبايعنى لسلطان غالب ، ولا لعرض حاضر ، فإن كنتما بايعتُمانى طائعين ، فارجعا وتوبا إلي الله من قريب ، وإن كنتما بايعتُمانى كارهين ، فقد جعلتما لى عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة ، وإسراركما المعصية . ولعمرى ، ما كنتما بأحقّ المهاجرين بالتقيّة والكتمان ، وإنّ دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه ، كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به . وقد زعمتما أنّى قتلت عثمان ، فبينى وبينكما من تخلّف عنّى وعنكما من أهل المدينة ، ثمّ يُلزم كلّ امرئ بقدر ما احتمل . فارجعا أيّها الشيخان عن رأيكما ، فإنّ الآن أعظم أمركما العار ، من قبل أن يتجمّع العار والنار ، والسلام(١) . ٢١٩٦ ـ عنه ¼ ـ فى كتابه إلي عائشة قبل الحرب ـ : أمّا بعد ، فإنّكِ خرجتِ غاضبة لله ولرسوله ، تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً ، ما بال النساء والحرب والإصلاح بين الناس ؟ تطالبين بدم عثمان ، ولعمرى لَمَن عرّضكِ للبلاء ، وحملك علي المعصية ، أعظمُ إليكِ ذنباً من قتْلةِ عثمان ! وما غضبتِ حتي أغضَبتِ ، وما هجتِ حتي هَيَّجتِ ، فاتّقى الله وارجعى إلي بيتك(٢) . (١) نهج البلاغة : الكتاب ٥٤ ، كشف الغمّة : ١ / ٢٣٩ ; الإمامة والسياسة : ١ / ٩٠ ، الفتوح : ٢ / ٤٦٥ كلّها نحوه . ٢٠٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / إشخاص ابن عبّاس إلي الزبير
٨ / ٢ ٢١٩٧ ـ البيان والتبيين عن عبد الله بن مصعب : أرسل علىّ بن أبى طالب § عبد الله بن عبّاس لمّا قدم البصرة فقال له : ايتِ الزبير ولا تأت طلحة فإنّ الزبير ألين ، وإنّك تجد طلحة كالثور عاقصاً(١) قرنه ، يركب الصعوبة ويقول : هى أسهل ، فأقرئه السلام ، وقل له : يقول لك ابن خالك : عرفتنى بالحجاز وأنكرتنى بالعراق ، فما عدا ممّا بدا لك ؟ قال : فأتيت الزبير ، فقال : مرحباً يابن لبابة ، أ زائراً جئت أم سفيراً ؟ قلت : كلّ ذلك . وأبلغته ما قال علىّ . فقال الزبير : أبلغه السلام وقل له : بيننا وبينك عهد خليفة ، ودم خليفة ، واجتماع ثلاثة وانفراد واحد ، واُمّ مبرورة ، ومشاورة العشيرة ، ونشر المصاحف ، فنحلّ ما أحلّت ، ونحرّم ما حرّمت(٢) . ٨ / ٣ ٢١٩٨ ـ الفتوح : فلمّا كان من الغد دعا علىّ ¢ زيد(٣) بن صوحان وعبد الله بن (١) العَقِصُ : الألوي الصعْبُ الأخلاقِ ، تشبيهاً بالقرن المُلتوى (النهاية : ٣/٢٧٦) . ٢٠٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الاحتجاجات علي عائشة
عبّاس ، فقال لهما : امضيا إلي عائشة فقولا لها : أ لم يأمرك الله تبارك وتعالي أن تقرّى فى بيتك ؟ فخدعت وانخدعت ، واستنفرت فنفرت ، فاتّقى الله الذى إليه مرجعك ومعادك ، وتوبى إليه فإنّه يقبل التوبة عن عباده ، ولا يحملنّك قرابة طلحة وحبّ عبد الله بن الزبير علي الأعمال التى تسعي بك إلي النار . قال : فانطلقا إليها وبلّغاها رسالة علىّ ¢ ، فقالت عائشة : ما أنا برادّة عليكم شيئاً فإنّى أعلم أنّى لا طاقة لى بحجج علىّ بن أبى طالب ; فرجعا إليه وأخبراه بالخبر(١) . ٢١٩٩ ـ تاريخ الطبرى عن القاسم بن محمّد : أقبل جارية بن قدامة السعدى ، فقال : يا اُمّ المؤمنين ! والله ، لقتل عثمان بن عفّان أهون من خروجك من بيتك علي هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ! إنّه قد كان لك من الله ستر وحرمة ، فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنّه من رأي قتالك فإنّه يري قتلك ، وإن كنتِ أتيتنا طائعة فارجعى إلي منزلكِ ، وإن كنتِ أتيتنا مستكرهة فاستعينى بالناس(٢) . ٢٢٠٠ ـ المحاسن والمساوئ عن الحسن البصرى : إنّ الأحنف بن قيس قال لعائشة يوم الجمل : يا اُمّ المؤمنين هل عهد عليك رسول الله ½ هذا المسير ؟ قالت : اللهمّ لا . قال : فهل وجدته فى شىء من كتاب الله جلّ ذكره ؟ قالت : ما نقرأ إلاّ ما تقرؤون . قال : فهل رأيت رسول الله ½ استعان بشىء من نسائه إذا كان فى (١) الفتوح : ٢ / ٤٦٧ . ٢٠٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الاحتجاجات علي عائشة
قلّة والمشركون فى كثرة ؟ قالت : اللهمّ لا . قال الأحنف : فإذاً ما هو ذنبنا ؟ !(١) ٢٢٠١ ـ فتح البارى عن الحسن : إنّ عائشة أرسلت إلي أبى بكرة فقال : إنّكِ لاُمّ ، وإنّ حقّكِ لعظيم ، ولكن سمعت رسول الله ½ يقول : لن يفلح قوم تملكهم امرأة(٢) . ٢٢٠٢ ـ مروج الذهب : قام عمّار بن ياسر بين الصفّين فقال : أيّها الناس ! ما أنصفتم نبيّكم حين كففتم عقائلكم فى الخدور وأبرزتم عقيلته للسيوف ، وعائشة علي جمل فى هودج من دفوف الخشب قد ألبسوه المسوح وجلود البقر ، وجعلوا دونه اللبود ، وقد غشى علي ذلك بالدروع ، فدنا عمّار من موضعها ، فنادي : إلي ماذا تدعين ؟ قالت : إلي الطلب بدم عثمان ، فقال : قاتل الله فى هذا اليوم الباغى والطالب بغير الحقّ ، ثمّ قال : أيّها الناس ! إنّكم لتعلمون أيّنا الممالئ فى قتل عثمان(٣) . ٢٢٠٣ ـ مجمع الزوائد عن سعيد بن كوز : كنت مع مولاى يوم الجمل ، فأقبل فارس فقال : يا اُمّ المؤمنين ، فقالت عائشة : سلوه من هو ؟ قيل : من أنت ؟ قال : أنا عمّار بن ياسر ، قالت : قولوا له : ما تريد ؟ قال : أنشدك بالله الذى أنزل الكتاب علي رسول الله ½ فى بيتك ، أ تعلمين أنّ رسول الله ½ جعل عليّاً وصيّاً علي أهله ، وفى أهله ؟ قالت : اللهمّ نعم . قال : فما لك ؟ قالت : أطلب بدم عثمان أمير المؤمنين . قال : فتكلّم . ثمّ جاء فوارس أربعة فهتف بهم رجل منهم . ثم قال : تقول عائشة : (١) المحاسن والمساوئ : ٤٩ . ٢٠٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الاحتجاجات علي عائشة
ابن أبى طالب وربّ الكعبة ، سلوه من هو ؟ ما يريد ؟ قالوا : من أنت ؟ قال : أنا علىّ بن أبى طالب . قالت : سلوه ما يريد ؟ قالوا : ما تريد ؟ قال : أنشدك بالله الذى أنزل الكتاب علي رسول الله ½ فى بيتك ، أ تعلمين أنّ رسول الله ½ جعلنى وصيّاً علي أهله ، وفى أهله ؟ قالت : اللهمّ نعم . قال : فما لك ؟ قالت : أطلب بدم أمير المؤمنين عثمان ! قال : أرينى قتلة عثمان ! ! ثمّ انصرف والتحم القتال(١) . ٢٢٠٤ ـ المحاسن والمساوئ عن سالم بن أبى الجعد : فلمّا كان حرب الجمل أقبلت [عائشة] فى هودج من حديد وهى تنظر من منظر قد صُيّرَ لها فى هودجها ، فقالت لرجل من ضبّة وهو آخذ بخطام جملها أو بعيرها : أين تري علىّ بن أبى طالب ؟ قال : ها هو ذا واقف رافع يده إلي السماء ، فنظرت فقالت : ما أشبهه بأخيه ! قال الضبّى : ومن أخوه ؟ قالت : رسول الله ½ . قال : فلا أرانى اُقاتل رجلا هو أخو رسول الله ½ . فنبذ خطام راحلتها من يده (١) مجمع الزوائد : ٧ / ٤٧٩ / ١٢٠٣٨ وراجع الإيضاح : ٧٧ وسعد السعود : ٢٣٧ . ٢٠٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / خطبة الامام لمّا رجعت رسله
ومال إليه(١) . ٨ / ٤ ٢٢٠٥ ـ الأمالى للطوسى عن إسماعيل بن رجاء الزبيدى : لمّا رجعت رسل أمير المؤمنين ¼ من عند طلحة والزبير وعائشة ، يؤذنونه بالحرب ، قام فحمد الله وأثني عليه ، وصلّي علي محمّد وآله ، ثمّ قال : يا أيّها الناس ! إنّى قد راقبت هؤلاء القوم كيما يرعووا أو يرجعوا ، وقد وبّختهم بنكثهم وعرّفتهم بغيهم ، فليسوا يستجيبون ، ألا وقد بعثوا إلىّ أن أبرز للطعان ،أصبر للجلاد ، فإنّما منّتك نفسك من أبنائنا الأباطيل ، هَبِلَتْهم الهَبول(٢) ، قد كنت وما اُهدّد بالحرب ولا اُرهب بالضرب ، وأنا علي ما وعدنى ربّى من النصر والتأييد والظفر ، وإنّى لعلي يقين من ربّى ، وفى غير شبهة من أمرى . أيّها الناس ! إنّ الموت لا يفوته المقيم ، ولا يعجزه الهارب ، ليس عن الموت محيص ، من لم يمت يُقتل ، إنّ أفضل الموت القتل ، والذى نفس ابن أبى طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علىّ من موت علي فراش ! يا عجباً لطلحة ! ألّب علي ابن عفّان حتي إذا قُتل أعطانى صفقة يمينه طائعاً ، ثمّ نكث بيعتى ، وطفق ينعي ابن عفّان ظالماً ، وجاء يطلبنى يزعم بدمه ، والله ، ما صنع فى أمر عثمان واحدة من ثلاث : لئن كان ابن عفّان ظالماً ، كما كان يزعم حين حصره وألّب عليه ، إنّه لينبغى أن يؤازر قاتليه وأن ينابذ ناصريه ، وإن كان (١) المحاسن والمساوئ : ٤٩ . ٢١٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / تحذير شباب قريش من الحرب
فى تلك الحال مظلوماً ، إنّه لينبغى أن يكون معه ، وإن كان فى شكّ من الخصلتين ، لقد كان ينبغى أن يعتزله ويلزم بيته ويدع الناس جانباً ، فما فعل من هذه الخصال واحدة ، وها هو ذا قد أعطانى صفقة يمينه غير مرّة ثمّ نكث بيعته ، اللهمّ فخذه ولا تمهله . ألا وإنّ الزبير قطع رحمى وقرابتى ، ونكث بيعتى ، ونصب لى الحرب ، وهو يعلم أنّه ظالم لى ، اللهمّ فاكفنيه بما شئت (١) . ٨ / ٥ ٢٢٠٦ ـ الجمل عن صفوان : لمّا تصافّ الناس يوم الجمل صاح صائح من أصحاب أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب : يا معاشر شباب قريش ! أراكم قد لججتم وغلبتم علي أمركم هذا ، وإنّى أنشدكم الله أن تحقنوا دماءكم ولا تقتلوا أنفسكم ، اتّقوا الأشتر النخعى وجندب بن زهير العامرى ، فإنّ الأشتر نشر درعه حتي يعفو أثره ، وإنّ جندباً يخرم درعه حتي يشمّر عنه ، وفى رايته علامة حمراء ، فلمّا التقي الناس أقبل الأشتر وجندب قبال الجمل يرفلان فى السلاح حتي قتلا عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد ومعبد بن زهير بن خلف بن اُميّة ، وعمد جندب لابن الزبير فلمّا عرفه قال : أتركك لعائشة . . . وروي محمّد بن موسي عن محمّد بن إبراهيم عن أبيه قال : سمعت معاذ بن عبيد الله التميمى ، وكان قد حضر الجمل يقول : لمّا التقينا واصطففنا نادي منادى علىّ بن أبى طالب ¼ : يا معاشر قريش ! اتّقوا الله علي أنفسكم ، فإنّى أعلم أنّكم (١) الأمالى للطوسى : ١٦٩ / ٢٨٤ وراجع نهج البلاغة : الخطبة ١٧٤ . ٢١١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / تحذير شباب قريش من الحرب
قد خرجتم وظننتم أنّ الأمر لا يبلغ إلي هذا ، فالله الله فى أنفسكم ! فإنّ السيف ليس له بُقياً ، فإن أحببتم فانصرفوا حتي نحاكم هؤلاء القوم ، وإن أحببتم فإلىّ فإنّكم آمنون بأمان الله . فاستحيينا أشدّ الحياء وأبصرنا ما نحن فيه ، ولكنّ الحِفاظ(١) حملنا علي الصبر مع عائشة حتي قُتل من قُتل منّا ، فوَ الله ، لقد رأيت أصحاب علىّ ¼ وقد وصلوا إلي الجمل وصاح منهم صائح : اِعقروه ، فعقروه فوقع ، فنادي علىّ ¼ : "من طرح السلاح فهو آمن ، ومن دخل بيته فهو آمن" . فوَ الله ما رأيت أكرم عفواً منه . وروي سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمى قال : قال ابن الزبير : إنّى لواقف فى يمين رجل من قريش إذ صاح صائح : يا معشر قريش ! اُحذّركم الرجلين : جندباً العامرى والأشتر النخعى . وسمعت عمّاراً يقول لأصحابنا : ما تريدون وما تطلبون ؟ فناديناه : نطلب بدم عثمان ، فإن خلّيتم بيننا وبين قتلته رجعنا عنكم . فقال عمّار : لو سألتمونا أن ترجعوا عنّا بئس الفحل ، فإنّه ألأم الغنم فحلاً وشرّها لجماً ما أعطيناكموه . ثمّ التحم القتال وناديناهم : مكّنونا من قتلة عثمان ونرجع عنكم . فنادانا عمّار : قد فعلنا ، هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عطشاً ، فابدؤوا بهم ، فإذا فرغتم منهم تعالوا إلينا نبذل لكم الحقّ . فأسكت والله أصحاب الجمل كلّهم(٢) . (١) الحِفَاظ : الذبُّ عن المحارم والمنع لها عند الحروب ، والاسم الحفيظة . والحفاظ : المحافظة علي العهد . (لسان العرب : ٧ / ٤٤٢) . ٢١٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / اعتزال شابّين من الحرب
٨ / ٦ ٢٢٠٧ ـ تاريخ الطبرى عن القاسم بن محمّد : خرج غلام شابّ من بنى سعد إلي طلحة والزبير ، فقال : أمّا أنت يا زبير فحوارىّ رسول الله ½ ، وأمّا أنت يا طلحة فوقيت رسول الله ½ بيدك ، وأري اُمّكما معكما فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا ، قال : فما أنا منكما فى شىء ، واعتزل . وقال السعدى فى ذلك :
وأقبل غلام من جهينة علي محمّد بن طلحة ـ وكان محمّد رجلاً عابداً ـ فقال : أخبرنى عن قتلة عثمان ! فقال : نعم ، دم عثمان ثلاثة أثلاث ، ثلث علي صاحبة الهودج ـ يعنى عائشة ـ وثلث علي صاحب الجمل الأحمر ـ يعنى طلحة ـ وثلث علي علىّ ابن أبى طالب . وضحك الغلام وقال : أ لا أرانى علي ضلال ؟ ! ولحق بعلىّ ، وقال فى ذلك شعراً :
٢١٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ
٨ / ٧ ٢٢٠٨ ـ مروج الذهب : خرج علىّ بنفسه حاسراً علي بغلة رسول الله ½ لا سلاح عليه ، فنادي : يا زبير ، اخرج إلىّ ، فخرج إليه الزبير شاكّاً فى سلاحه ، فقيل ذلك لعائشة ، فقالت : وا ثكلك يا أسماء ، فقيل لها : إنّ عليّاً حاسر ، فاطمأنّت . واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه . فقال له علىّ : ويحك يا زبير ! ما الذى أخرجك ؟ قال : دم عثمان ، قال : قتل الله أولانا بدم عثمان ، أ ما تذكر يوم لقيت رسول الله ½ فى بنى بياضة وهو راكب حماره ، فضحك إلىّ رسول الله ، وضحكت إليه ، وأنت معه ، فقلت أنت : يا رسول الله ، ما يدع علىّ زهوه . فقال لك : ليس به زهو ، أ تحبّه يا زبير ؟ فقلت : إنّى والله لأحبّه . فقال لك : إنّك والله ستقاتله وأنت له ظالم . فقال الزبير : أستغفر الله ، والله لو ذكرتها ما خرجت . ٢١٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ
فقال له ¼ : يا زبير ، ارجع ، فقال : وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان(١) ؟ هذا والله العار الذى لا يغسل . فقال ¼ : يا زبير ، ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار . فرجع الزبير وهو يقول :
فقلت : حسبك من عدل أبا حسن فبعض هذا الذى قد قلتَ يكفينى . فقال ابنه عبد الله : أين تذهب وتدعنا ؟ فقال : يا بنىّ ، أذكرنى أبو الحسن بأمر كنت قد أنسيته ، فقال : لا والله ، ولكنّك فررت من سيوف بنى عبد المطّلب ; فإنّها طوال حداد ، تحملها فتية أنجاد ، قال : لا والله ، ولكنّى ذكرت ما أنسانيه الدهر ، فاخترت العار علي النار ، أ بالجبن تعيّرنى لا أبا لك ؟ ثمّ أمال سنانه وشدّ فى الميمنة . فقال علىّ : افرجوا له فقد هاجوه . ثمّ رجع فشدّ فى الميسرة ، ثمّ رجع فشدّ فى القلب ، ثمّ عاد إلي ابنه ، فقال : أ يفعل هذا جبان ؟ ثمّ مضي منصرفاً(٢) . ٢٢٠٩ ـ تاريخ الطبرى عن الزهرى : خرج علىّ علي فرسه ، فدعا الزبير ، فتواقفا ، فقال علىّ للزبير : (١) البِطان : الحزامُ الذى يَلى البَطْنَ . وأيضاً : حِزام الرَّحل والقَتَب (لسان العرب : ١٣ / ٥٦) . ٢١٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ
ما جاء بك ؟ قال : أنت ، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً ، ولا أولي به منّا . فقال علىّ : لست له أهلاً بعد عثمان ! قد كنّا نعدّك من بنى عبد المطّلب حتي بلغ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك . وعظّم عليه أشياء ، فذكر أنّ النبىّ ½ مرّ عليهما فقال لعلىّ ¼ : ما يقول ابن عمّتك ؟ ليقاتلنّك وهو لك ظالم . فانصرف عنه الزبير ، وقال : فإنّى لا اُقاتلك . فرجع إلي ابنه عبد الله فقال : ما لى فى هذه الحرب بصيرة ، فقال له ابنه : إنّك قد خرجت علي بصيرة ، ولكنّك رأيت رايات ابن أبى طالب ، وعرفت أنّ تحتها الموت ، فجبنت . فأحفظه(١) حتي أرعد وغضب ، وقال : ويحك ! إنّى قد حلفت له ألاّ اُقاتله ، فقال له ابنه : كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس ، فأعتقه ، وقام فى الصفّ معهم . وكان علىّ قال للزبير : أ تطلب منّى دم عثمان وأنت قتلته ؟ ! سلّط الله علي أشدّنا عليه اليوم ما يكره(٢) . ٢٢١٠ ـ تاريخ الطبرى عن قتادة : سار علىّ من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة وساروا من الفرضة يريدون عليّاً ، فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد فى النصف من جمادي الآخرة سنة ستّ وثلاثين يوم الخميس ، فلمّا تراءي (١) أحفَظَه : أغضبه ، من الحفيظة : الغضب (النهاية : ١ / ٤٠٨) . ٢١٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ
الجمعان خرج الزبير علي فرس عليه سلاح ، فقيل لعلّى : هذا الزبير ، قال : أما إنّه أحري الرجلين إن ذكّر بالله أن يذكره ، وخرج طلحة ، فخرج إليهما علىّ فدنا منهما حتي اختلفت أعناق دوابّهم ، فقال علىّ : لعمرى لقد أعددتما سلاحاً وخيلا ورجالا ، إن كنتما أعددتما عند الله عذراً فاتّقيا الله سبحانه ، ولا تكونا كالتى نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، أ لم أكن أخاكما فى دينكما ؟ تحرّمان دمى وأحرّم دماءكما ! فهل من حدث أحلّ لكما دمى ؟ قال طلحة : ألّبت الناس علي عثمان ، قال علىّ : ³ يَوْمَـئـِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ² (١) يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان(٢) . ٢٢١١ ـ شرح نهج البلاغة : برز علىّ ¼ يوم الجمل ، ونادي بالزبير : يا أبا عبد الله ، مراراً ، فخرج الزبير ، فتقاربا حتي اختلفت أعناق خيلهما . فقال له علىّ ¼ : إنّما دعوتك لاُذكّرك حديثاً قاله لى ولك رسول الله ½ ، أ تذكر يوم رآك وأنت معتنقى ، فقال لك : أ تحبّه ؟ قلت : وما لى لا اُحبّه وهو أخى وابن خالى ؟ ! فقال : أما إنّك ستحاربه وأنت ظالم له . فاسترجع الزبير ، وقال : أذكرتنى ما أنسانيه الدهر ، ورجع إلي صفوفه ، فقال له عبد الله ابنه : لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذى فارقتنا به ! فقال : أذكرنى علىّ حديثاً أنسانيه الدهر ، فلا اُحاربه أبداً ، وإنّى لراجع (١) النور : ٢٥ . ٢١٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ
وتارككم منذ اليوم . فقال له عبد الله : ما أراك إلاّ جبنت عن سيوف بنى عبد المطّلب ، إنّها لسيوف حداد ، تحملها فتية أنجاد . فقال الزبير : ويلك ! أ تهيجنى علي حربه ! أما إنّى قد حلفت ألاّ اُحاربه . قال : كفّر عن يمينك ، لا تتحدّث نساء قريش أنّك جبنت ، وما كنت جباناً . فقال الزبير : غلامى مكحول حرّ كفّارة عن يمينى ، ثمّ أنصل سنان رمحه ، وحمل علي عسكر علىّ ¼ برمح لا سنان له . فقال علىّ ¼ : أفرجوا له ، فإنّه محرج . ثمّ عاد إلي أصحابه ، ثمّ حمل ثانية ، ثمّ ثالثة ، ثمّ قال لابنه : أ جبناً ويلك تري ؟ ! فقال : لقد أعذرت(١) . ٢٢١٢ ـ تاريخ اليعقوبى : قال علىّ بن أبى طالب للزبير : يا أبا عبد الله ، ادنُ إلىّ اُذكّرك كلاما سمعته أنا وأنت من رسول الله ! فقال الزبير لعلىّ : لى الأمان ؟ قال علىّ : عليك الأمان ، فبرز إليه فذكّره الكلام . فقال : اللهمّ إنّى ما ذكرت هذا إلاّ هذه الساعة ، وثني عنان فرسه لينصرف ، فقال له عبد الله : إلي أين ؟ قال : ذكّرنى علىّ كلاماً قاله رسول الله . قال : كلاّ ، ولكنّك رأيت سيوف بنى هاشم حداداً تحملها شداد . قال : ويلك ! ومثلى يعيّر ٢١٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / عاقبة الزبير
بالجبن ؟ هلم إلىّ الرمح . وأخذ الرمح وحمل علي أصحاب علىّ . فقال علىّ : افرجوا للشيخ ، إنّه محرج . فشقّ الميمنة والميسرة والقلب ثمّ رجع فقال لابنه : لا اُمّ لك ! أ يفعل هذا جبان ؟ وانصرف(١) . ٨ / ٨ ٢٢١٣ ـ الجمل عن مروان بن الحكم : هرب الزبير فارّاً إلي المدينة حتي أتي وادى السباع ، فرفع الأحنف صوته وقال : ما أصنع بالزبير ! قد لفّ بين غارين(٢) من الناس حتي قتل بعضهم بعضاً ، ثمّ هو يريد اللحاق بأهله . فسمع ذلك ابن جرموز ، فخرج فى طلبه واتّبعه رجل من مجاشع حتي لحقاه ، فلمّا رآهما الزبير حذّرهما . فقالا : يا حوارىّ رسول الله ، أنت فى ذمّتنا لا يصل إليك أحد ، وسايره ابن جرموز ، فبينا هو يسايره ويستأخر ، والزبير يفارقه ، قال : يا أبا عبد الله ، انزع درعك فاجعلها علي فرسك فإنّها تثقلك وتُعييك ، فنزعها الزبير وجعل عمرو بن جرموز ينكص ويتأخّر ، والزبير يناديه أن يلحقه وهو يجرى بفرسه ، ثمّ ينحاز عنه حتي اطمأنّ إليه ولم ينكر تأخّره عنه ، فحمل عليه وطعنه بين كتفيه فأخرج السنان من ثدييه ، ونزل فاحتزّ رأسه وجاء به إلي الأحنف ، فأنفذه إلي أمير المؤمنين ¼ . فلمّا رأي رأس الزبير وسيفه قال : ناولنى السيف ، فناوله ، فهزّه وقال : (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٢ . ٢١٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / مناقشات الإمام وطلحة
سيف طالما قاتل به بين يدى رسول الله ½ ولكنّ الحين ومصارع السوء ! ثمّ تفرّس فى وجه الزبير وقال : لقد كان لك برسول الله ½ صحبة ومنه قرابة ، ولكنّ الشيطان دخل منخريك ، فأوردك هذا المورد !(١) ٨ / ٩ ٢٢١٤ ـ مروج الذهب : ثمّ نادي علىّ ¢ طلحة حين رجع الزبير : يا أبا محمّد ، ما الذى أخرجك ؟ قال : الطلب بدم عثمان . قال علىّ : قتل الله أولانا بدم عثمان ، أ ما سمعت رسول الله ½ يقول : "اللهمّ ! والِ من والاه ، وعادِ من عاداه" ؟ وأنت أوّل من بايعنى ثمّ نكثت ، وقد قال الله عزّ وجلّ : ³ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ² (٢) (٣) . ٢٢١٥ ـ الإمامة والسياسة ـ فى ذكر مخاطبة الإمام ¼ لطلحة ـ : قال طلحة : اعتزل هذا الأمر ، ونجعله شوري بين المسلمين ، فإن رضوا بك دخلت فيما دخل فيه الناس ، وإن رضوا غيرك كنت رجلاً من المسلمين . (١) الجمل : ٣٩٠ وص ٣٨٧ عن محمّد بن إبراهيم ; الطبقات الكبري : ٣ / ١١١ عن خالد بن سمير وكلاهما نحوه وراجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٩٨ وص٥٣٤ وأنساب الأشراف : ٣ / ٤٩ ـ ٥٤ ومروج الذهب : ٢ / ٣٧٢ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٣٨ . ٢٢٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / فشل آخر الجهود
قال علىّ : أولم تبايعنى يا أبا محمّد طائعاً غير مكره ؟ فما كنت لأترك بيعتى . قال طلحة : بايعتك والسيف فى عنقى . قال : أ لم تعلم أنّى ما أكرهت أحداً علي البيعة ؟ ولو كنتُ مكرهاً أحداً لأكرهت سعداً ، وابن عمر ، ومحمّد بن مسلمة ، أبوا البيعة واعتزلوا ، فتركتهم . قال طلحة : كنّا فى الشوري ستّة ، فمات اثنان وقد كرهناك ، ونحن ثلاثة . قال علىّ : إنّما كان لكما ألاّ ترضيا قبل الرضي وقبل البيعة ، وأمّا الآن فليس لكما غير ما رضيتما به ، إلاّ أن تخرجا ممّا بويعت عليه بحدث ، فإن كنت أحدثت حدثاً فسمّوه لى . وأخرجتم اُمّكم عائشة ، وتركتم نساءكم ، فهذا أعظم الحدث منكم ، أ رضي هذا لرسول الله ½ أن تهتكوا ستراً ضربه عليها ، وتخرجوها منه ؟ ! فقال طلحة : إنّما جاءت للإصلاح . قال علىّ ¼ : هى لعمر الله إلي من يصلح لها أمرها أحوج . أيّها الشيخ اقبل النصح وارضَ بالتوبة مع العار ، قبل أن يكون العار والنار(١) . ٨ / ١٠ ٢٢١٦ ـ الجمل : قال ابن عبّاس : قلت [لأمير المؤمنين ¼ ] : ما تنتظر ؟ والله ، ما يعطيك القوم إلاّ السيف ، فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليك . فقال : نستظهر بالله عليهم . قال ابن عبّاس : فوَ الله ، ما رمت من مكانى حتي طلع علىَّ نشّابهم كأنّه جراد منتشر ، فقلت : أ ما تري يا أمير المؤمنين إلي ما يصنع القوم ؟ مرنا ندفعهم . ٢٢١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / فشل آخر الجهود
فقال : حتي اُعذر إليهم ثانية . ثمّ قال : من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له علي الله الجنّة ؟ فلم يقم أحد إلاّ غلام عليه قباء أبيض ، حدث السنّ من عبد القيس يقال له مسلم كأنّى أراه ، فقال : أنا أعرضه عليهم يا أمير المؤمنين ، وقد احتسبت نفسى عند الله تعالي . فأعرض عنه إشفاقاً عليه ونادي ثانية : من يأخذ هذا المصحف ويعرضه علي القوم وليعلم أنّه مقتول وله الجنّة ؟ فقام مسلم بعينه وقال : أنا أعرضه . فأعرض ، ونادي ثالثة فلم يقم غير الفتي ، فدفع إليه المصحف . وقال : امض إليهم واعرضه عليهم وادعهم إلي ما فيه . فأقبل الغلام حتي وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف ، وقال : هذا كتاب الله عزّ وجلّ ، وأمير المؤمنين ¼ يدعوكم إلي ما فيه . فقالت عائشة : اشجروه بالرماح قبّحه الله ! فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كلّ جانب ، وكانت اُمّه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرّته من موضعه ، ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين ¼ أعانوها علي حمله حتي طرحوه بين يدى أمير المؤمنين ¼ واُمّه تبكى وتندبه وتقول :
تأمرهم بالقتل لا تنهاهم(١) ٢٢٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / فشل آخر الجهود
٢٢١٧ ـ المناقب للخوارزمى عن مجزأة السدوسى : لمّا تقابل العسكران : عسكر أمير المؤمنين علىّ ¼ وعسكر أصحاب الجمل ، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علىّ بالنبل حتي عقروا منهم جماعة ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، إنّه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم ؟ فقال علىّ : اللهمّ إنّى اُشهدك أنّى قد أعذرت وأنذرت ، فكن لى عليهم من الشاهدين . ثمّ دعا علىّ بالدرع ، فأفرغها عليه ، وتقلّد بسيفه واعتجر بعمامته واستوي علي بغلة النبىّ ½ ، ثمّ دعا بالمصحف فأخذه بيده ، وقال : يا أيّها الناس ، من يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلي ما فيه ؟ فوثب غلام من مجاشع يقال له : مسلم ، عليه قباء أبيض ، فقال له : أنا آخذه يا أمير المؤمنين ، فقال له علىّ : يا فتي إنّ يدك اليمني تقطع ، فتأخذه باليسري فتقطع ، ثمّ تضرب عليه بالسيف حتي تقتل . فقال الفتي : لا صبر لى علي ذلك يا أمير المؤمنين . فنادي علىّ ثانية والمصحف فى يده ، فقام إليه ذلك الفتي وقال : أنا آخذه يا أمير المؤمنين . فأعاد عليه علىّ مقالته الاُولي ، فقال الفتي : لا عليك يا أمير المؤمنين ، فهذا قليل فى ذات الله ، ثمّ أخذ الفتي المصحف وانطلق به إليهم ، فقال : يا هؤلاء ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم . فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمني فقطعها ، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله ، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتي قتل ـ رحمة الله عليه ـ (١) . |
||||||||||||||||||||||||||||||||