٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة
٤ / ١ كتاب الإمام إلي معاوية يعظه فيه ٢٣٨٠ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر بعض ما دار بين علىّ ¼ ومعاوية من الكتب وأوّل هذا الكتاب ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي معاوية بن أبى سفيان : أما بعد ; فإنّ الدنيا دار تجارة ، وربحها أو خُسرها الآخرة ; فالسعيد من كانت بضاعته فيها الأعمال الصالحة ، ومن رأي الدنيا بعينها وقدّرها بقدرها . وإنّى لأعظك مع علمى بسابق العلم فيك ممّا لا مردّ له دون نفاذه ; ولكن الله تعالي أخذ علي العلماء أن يؤدّوا الأمانة وأن ينصحوا الغوىّ والرشيد ، فاتّقِ الله ولا تكن ممّن لا يرجو لله وقاراً ، ومن حقّت عليه كلمة العذاب فإنّ الله بالمرصاد . وإنّ دنياك ستدبر عنك وستعود حسرة عليك ، فأقلع عمّا أنت عليه من الغىّ والضلال علي كبر سنّك وفناء عمرك ; فإنّ حالك اليوم كحال الثوب المهيل الذى لا يصلح ٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / جوابه بكلّ وقاحة
من جانب إلاّ فسد من آخر ، وقد أرديت جيلاً من الناس كثيراً خدعتهم بغيّك ، وألقيتهم فى موج بحرك تغشاهم الظلمات وتتلاطم بهم الشبهات ، فجازوا عن وجهتهم ، ونكصوا علي أعقابهم ، وتولّوا علي أدبارهم ، وعوّلوا علي أحسابهم ، إلاّ من فاء من أهل البصائر فإنّهم فارقوك بعد معرفتك ، وهربوا إلي الله من مُوَازرتك إذ حملتهم علي الصعب وعدلت بهم عن القصد . فاتقِ الله يا معاوية فى نفسك ، وجاذبِ الشيطانَ قيادَك ، فإنّ الدنيا منقطعة عنك والآخرةَ قريبة منك ، والسلام(١) . ٤ / ٢ ٢٣٨١ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى الحسن على بن محمّد المدائنى : فكتب إليه معاوية : من معاوية بن أبى سفيان إلي علىّ بن أبى طالب : أمّا بعد ; فقد وقفتُ علي كتابك ، وقد أبيتَ علي الفتن إلاّ تمادياً ، وإنّى لعالم أنّ الذى يدعوك إلي ذلك مصرعك الذى لا بدّ لك منه ، وإن كنت موائلاً فازدد غيّاً إلي غيّك ، فطالما خفّ عقلك ، ومنّيت نفسك ما ليس لك ، والتويت علي من هو خير منك ، ثمّ كانت العاقبة لغيرك ، واحتملت الوزر بما أحاط بك من خطيئتك ، والسلام(٢) . (١) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٣٣ ; نهج البلاغة : الكتاب ٣٢ وفيه من "أرديت جيلاً . . ." ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٨٥ / ٤٠٠ . ٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / كتاب الإمام إليه يحذّره من الحرب
٤ / ٣ كتاب الإمام إليه يحذّره من الحرب ٢٣٨٢ ـ شرح نهج البلاغة عن المدائنى : فكتب علىّ ¼ إليه : أمّا بعد ; فإنّ ما أتيت به من ضلالك ليس ببعيد الشبه ممّا أتي به أهلك وقومك الذين حملهم الكفر وتمنّي الأباطيل علي حسد محمّد ½ حتي صُرعوا مصارعهم حيث علمت ; لم يمنعوا حريماً ولم يدفعوا عظيماً ، وأنا صاحبهم فى تلك المواطن ، الصالى بحربهم ، والفالّ لحدّهم ، والقاتل لرؤوسهم ورؤوس الضلالة ، والمتبع إن شاء الله خلفهم بسلفهم ، فبئس الخلف خلف أتبع سلفاً محلّه ومحطّه النار ، والسلام(١) . ٤ / ٤ ٢٣٨٣ ـ شرح نهج البلاغة عن المدائنى : فكتب إليه معاوية : أمّا بعد ; فقد طال فى الغىّ ما استمررت أدراجك ، كما طالما تمادي عن الحرب نكوصك وإبطاؤك ، فتُوعِد وعيد الأسد وتروغ رَوغان الثعلب ، فحتّام تحيد عن لقاء مباشرة الليوث الضارية والأفاعى القاتلة ، ولا تستبعدنّها فكلّ ما هو آت قريب إن شاء الله ، والسلام(٢) . (١) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٣٤ ; بحار الأنوار : ٣٣ / ٨٦ / ٤٠١ . ٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / كتاب الإمام إليه يخبر فيه بما سيقع فى الحرب
٤ / ٥ كتاب الإمام إليه يخبر فيه بما سيقع فى الحرب ٢٣٨٤ ـ شرح نهج البلاغة عن المدائنى : فكتب إليه علىّ ¼ : أمّا بعد ; فما أعجب ما يأتينى منك ، وما أعلمنى بما أنت اليه صائر ! وليس إبطائى عنك إلاّ ترقّباً لما أنت له مكذّب وأنا به مصدّق ، وكأنّى بك غداً وأنت تضجّ من الحرب ضجيج الجمال من الأثقال ، وستدعونى أنت وأصحابك إلي كتاب تعظّمونه بألسنتكم وتجحدونه بقلوبكم ، والسلام(١) . ٤ / ٦ ٢٣٨٥ ـ شرح نهج البلاغة عن المدائنى : فكتب إليه معاوية : أمّا بعد ; فدعنى من أساطيرك واكففْ عنّى من أحاديثك ، واقصر عن تقوّلك علي رسول الله ½ وافترائك من الكذب ما لم يقل ، وغرور من معك والخداع لهم فقد استغويتهم ، ويوشك أمرك أن ينكشف لهم فيعتزلوك ويعلموا أنّ ما جئت به باطل مضمحلّ ، والسلام(٢) . ٤ / ٧ كتاب الإمام إليه يخبر فيه بمصيره ٢٣٨٦ ـ شرح نهج البلاغة عن المدائنى : فكتب إليه علىّ ¼ : (١) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٣٤ . ٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / جوابه بكلّ وقاحة يدعو الإمام للتشمير للحرب
أمّا بعد ; فطالما دعوت أنت وأولياؤك أولياء الشيطان الرجيم الحقَّ أساطير الأوّلين ، ونبذتموه وراء ظهوركم ، وجهدتم بإطفاء نور الله بأيديكم وأفواهكم ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون . ولعمرى ليَتمّنّ النور علي كرهك ، ولينفذنّ العلم بصغارك ، ولتجازينّ بعملك ، فعث فى دنياك المنقطعة عنك ما طاب لك ; فكأنّك بباطلك وقد انقضي وبعملك وقد هوي ثمّ تصير إلي لظي ، لم يظلمك الله شيئاً ، وما ربّك بظلاّم للعبيد(١) . ٤ / ٨ جوابه بكلّ وقاحة يدعو الإمام للتشمير للحرب ٢٣٨٧ ـ شرح نهج البلاغة عن المدائنى : فكتب إليه معاوية : أمّا بعد ; فما أعظم الرين علي قلبك والغطاء علي بصرك ! الشره من شيمتك والحسد من خليقتك ، فشمّر للحرب واصبر للضرب ، فو الله ، ليرجعنّ الأمر إلي ما علمت ، والعاقبة للمتقين . هيهات هيهات ! أخطأك ما تمنّي ، وهوي قلبك مع من هوي ، فاربَعْ علي ظَلْعِك ، وقس شبرك بفترك ; لتعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه ، ويفصل بين أهل الشك علمه ، والسلام(٢) . ٤ / ٩ ٢٣٨٨ ـ شرح نهج البلاغة عن النقيب أبى جعفر : كان معاوية يتسقّط عليّاً وينعي عليه ما عساه يذكره من حال أبى بكر وعمر وأنّهما غصباه حقّه ، ولا يزال يكيده (١) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٣٥ ; بحار الأنوار : ٣٣ / ٨٦ / ٤٠١ وراجع شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٨٣ . ١٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / كيد معاوية فى حرب الدعاية
بالكتاب يكتبه والرسالة يبعثها يطلب غرّته(١) ; لينفث بما فى صدره من حال أبى بكر وعمر إمّا مكاتبة أو مراسلة ، فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام ، ويضيفه إلي ما قرّره فى أنفسهم من ذنوبه كما زعم ، فقد كان غمصه(٢) عندهم بأنّه قتل عثمان ومالأ علي قتله ، وأنّه قتل طلحة والزبير وأسر عائشة وأراق دماء أهل البصرة ، وبقيت خصلة واحدة وهو أن يثبت عندهم أنّه يتبرّأ من أبى بكر وعمر ، وينسبهما إلي الظلم ومخالفة الرسول فى أمر الخلافة ، وأنّهما وثبا عليها غلبة وغصباه إياها . فكانت هذه الطامة الكبري ليست مقتصرة علي فساد أهل الشام عليه ، بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره ; لأنهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين إلاّ القليل الشاذّ من خواص الشيعة . فلمّا كتب ذلك الكتاب مع أبى مسلم الخولانى(٣) قصد أن يُغضب عليّاً ويحرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر أبى بكر وأنّه أفضل المسلمين إلي أن يخلط خطه فى الجواب بكلمة تقتضى طعناً فى أبى بكر ، فكان الجواب مُجمجماً غير بيّن ليس فيه تصريح بالتظليم لهما ولا التصريح ببراءتهما وتارةً يترحّم عليهما وتارةً يقول : أخذا حقّى وقد تركته لهما . فأشار عمرو بن العاص علي معاوية أن يكتب كتاباً ثانياً مناسباً للكتاب الأوّل ; ليستفزّا فيه عليّاً ¼ ويستخِفّاه ، ويحمله الغضب منه أن يكتب كلاماً يتعلّقان به فى تقبيح حاله وتهجين مذهبه . (١) الغِرَّة : الغَفلة (النهاية : ٣ / ٣٥٥) . ١١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / كيد معاوية فى حرب الدعاية
وقال له عمرو : إنّ عليّاً ¼ رجل نزق تَيّاه ، وما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبى بكر وعمر فاكتب . فكتب كتاباً أنفذه إليه مع أبى اُمامة الباهلى وهو من الصحابة بعد أن عزم علي بعثته مع أبى الدرداء ونسخة الكتاب : من عبد الله معاوية بن أبى سفيان إلي علىّ بن أبى طالب : أمّا بعد ; فإنّ الله تعالي جدّه اصطفي محمّداً ¼ لرسالته واختصّه بوحيه وتأدية شريعته ، فأنقذ به من العماية وهدي به من الغواية ، ثمّ قبضه اليه رشيداً حميداً قد بلّغ الشرع ومحق الشرك وأخمد نار الإفك ، فأحسن الله جزاءه وضاعف عليه نعمه وآلاءه ، ثمّ إنّ الله سبحانه اختصّ محمّداً ¼ بأصحاب أيّدوه وآزروه ونصروه ، وكانوا كما قال الله سبحانه لهم : ³ أَشِدَّاءُ عَلَي الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ² (١) فكان أفضلهم مرتبة وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة الخليفة الأوّل ، الذى جمع الكلمة ولمّ الدعوة وقاتل أهل الردة ، ثمّ الخليفة الثانى الذى فتح الفتوح ومصّر الأمصار وأذل رقاب المشركين ، ثمّ الخليفة الثالث المظلوم الذى نشر الملّة وطبّق الآفاق بالكلمة الحنيفيّة . فلمّا استوثق الإسلام وضرب بجِرانه(٢) عدوت عليه فبغيته الغوائل ونصبت له المكايد ، وضربت له بطن الأمر وظهره ودسَست عليه وأغريت به ، وقعدت حيث استنصرك عن نصره وسألك أن تدركه قبل أن يمزّق فما أدركته ، وما يوم المسلمين منك بواحد . لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه ورمت إفساد أمره ، وقعدتَ فى بيتك ، (١) الفتح : ٢٩ . ١٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / كيد معاوية فى حرب الدعاية
واستغويت عصابة من الناس حتي تأخروا عن بيعته ، ثمّ كرهت خلافة عمر وحسدته واستطلت مدته ، وسررت بقتله وأظهرت الشماتة بمصابه حتي إنّك حاولت قتل ولده ; لأنه قتل قاتل أبيه ، ثمّ لم تكن أشدّ منك حسداً لإبن عمّك عثمان نشرت مقابحه وطويت محاسنه ، وطعنت فى فقهه ثمّ فى دينه ثمّ فى سيرته ثمّ فى عقله ، وأغريت به السفهاء من أصحابك وشيعتك حتي قتلوه بمحضر منك لا تدفع عنه بلسان ولا يد ، وما من هؤلاء إلاّ من بغيت عليه وتلكّأت فى بيعته حتي حُملت إليه قهراً تُساق بخزائم(١) الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش ، ثمّ نهضت الآن تطلب الخلافة ، وقتلةُ عثمان خلصاؤك وسُجراؤك والمحدقون بك ، وتلك من أمانىّ النفوس وضلالات الأهواء . فدع اللجاج والعبث جانباً وادفع إلينا قتلة عثمان ، وأعد الأمر شوري بين المسلمين ليتّفقوا علي من هو لله رضاً . فلا بيعة لك فى أعناقنا ولا طاعة لك علينا ولا عتبي لك عندنا ، وليس لك ولأصحابك عندى إلاّ السيف ، والذى لا إله إلاّ هو لأطلبنّ قتلة عثمان أين كانوا وحيث كانوا حتي أقتلهم أو تلتحق روحى بالله . فأمّا ما لا تزال تمنّ به من سابقتك وجهادك فإنّى وجدت الله سبحانه يقول : ³ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِْيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ² (٢) ولو نظرت فى حال نفسك لوجدتها أشدّ الأنفس امتناناً علي الله بعملها ، وإذا كان الامتنان علي السائل يبطل أجر الصدقة فالامتنان علي الله يبطل أجر الجهاد ويجعله ³ كَصَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ (١) الخِزَام : جمع خِزامة ، وهى حَلقة من شعر تُجعل فى أحد جانبى مَنخِرَى البعير (النهاية : ٢ / ٢٩) . ١٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / الأجوبة الواعية للإمام
فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَىْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ² (١) .قال النقيب أبو جعفر : فلمّا وصل هذا الكتاب إلي علىّ ¼ مع أبى اُمامة الباهلى ، كلّم أبا اُمامة بنحو ممّا كلّم به أبا مسلم الخولانى وكتب معه هذا الجواب . قال النقيب : وفى كتاب معاوية هذا ذكر لفظ الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش ، لا فى الكتاب الواصل مع أبى مسلم وليس فى ذلك هذه اللفظة وإنّما فيه : "حسدت الخلفاء وبغيت عليهم عرفنا ذلك من نظرك الشَّزْر(٢) وقولك الهُجْر(٣) وتنفّسك الصعداء وإبطائك عن الخلفاء" . قال : وإنّما كثير من الناس لا يعرفون الكتابين ، والمشهور عندهم كتاب أبى مسلم فيجعلون هذه اللفظة فيه ، والصحيح أنّها فى كتاب أبى اُمامة ، أ لا تراها عادت فى جوابه ؟ ولو كانت فى كتاب أبى مسلم لعادت فى جوابه(٤) . ٤ / ١٠ ٢٣٨٩ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية جواباً ، وهو من محاسن الكتب ـ : أمّا بعد ; فقد أتانى كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمّداً ½ لدينه وتأييده (١) البقرة : ٢٦٤ . ١٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / الأجوبة الواعية للإمام
إيّاه بمن أيّده من أصحابه ، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجباً ، إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالي عندنا ونعمته علينا فى نبيّنا ، فكنت فى ذلك كناقل التمر إلي هَجَر أو داعى مُسدِّده إلي النِّضال . وزعمت أنّ أفضل الناس فى الإسلام فلان وفلان ، فذكرت أمراً إن تمّ اعتزلك كلّه ، وإن نقص لم يلحقك ثلمه . وما أنت والفاضل والمفضول ، والسائس والمسوس ؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأوّلين ، وترتيب درجاتهم ، وتعريف طبقاتهم . هيهات لقد حَنَّ قِدْحٌ ليس منها ، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها . ألا تربَع ـ أيّها الإنسان ـ علي ظَلْعِك ، وتعرف قصور ذَرْعك ؟ وتتأخّر حيث أخّرك القدر ؟ فما عليك غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر ، وإنّك لذَهَّاب فى التيهِ ، روّاغ عن القصد . ألا تري ـ غير مخبر لك ولكن بنعمة الله اُحدِّث ـ أنّ قوماً استُشهدوا فى سبيل الله تعالي من المهاجرين والأنصار ـ ولكلّ فضل ـ حتي إذا استُشهد شهيدنا قيل : سيّد الشهداء ، وخصّه رسول الله ½ بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه . أ وَلا تري أنّ قوماً قُطعت أيديهم فى سبيل الله ـ ولكلّ فضل ـ حتي إذا فُعل بواحدنا ما فعل بواحدهم قيل : الطيّار فى الجنّة وذو الجناحين ، ولولا ما نهي الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجّها آذان السامعين ، فدعْ عنك من مالت به الرمية ; فإنّا صنائع ربّنا ، والناس بعدُ صنائع لنا . لم يمنعنا قديم عزّنا ولا عادى طَوْلنا علي قومك أن خلطناكم بأنفسنا ، فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ، ولستم هناك . وأنّي يكون ذلك ومنّا النبىّ ومنكم المكذِّب ، ومنّا أسد الله ومنكم أسد ١٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / الأجوبة الواعية للإمام
الأحلاف ، ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ومنكم صبية النار ، ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب فى كثير ممّا لنا وعليكم ; فإسلامنا قد سُمع ، وجاهليّتنا لا تُدفع ، وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنّا وهو قوله سبحانه وتعالي : ³ وَأُولُوا الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ² (١) وقوله تعالي : ³ إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ² (٢) فنحن مرّة أولي بالقرابة ، وتارة أولي بالطاعة . ولمّا احتجّ المهاجرون علي الأنصار يوم السقيفة برسول الله ½ فلجوا عليهم ، فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم ، وإن يكن بغيره فالأنصار علي دعواهم . وزعمت أنّى لكلّ الخلفاء حسدت وعلي كلّهم بغيت ، فإن يكن ذلك كذلك فليست الجناية عليك فيكون العذر إليك : وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارُها وقلت إنّى كنت اُقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتي اُبايع ، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وأن تفضح فافتَضحت ! وما علي المسلم من غضاضة فى أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً فى دينه ، ولا مرتاباً بيقينه . وهذه حجّتى إلي غيرك قصدها ، ولكنّى أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها . ثمّ ذكرت ما كان من أمرى وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لِرَحِمِك منه ، فأيّنا كان أعدي له وأهدي إلي مَقاتله . أ مَن بذل له نصرته فاستقعده واستكفَّه ، أم من استنصره فتراخي عنه وبثَّ المنون إليه حتي أتي قدره عليه ؟ (١) الأنفال : ٧٥ . ١٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / الأجوبة الواعية للإمام
كلا والله لـ ³ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائـِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً ² (١) وما كنت لأعتذر من أنّى كنت أنقم عليه أحداثاً ، فإن كان الذنب إليه إرشادى وهدايتى له فرُبَّ ملوم لا ذنب له : وقد يستفيد الظِّنَّة المتنصِّحُ . وما أردت إلاّ الاصلاح ما استطعت وما توفيقى إلاّ بالله عليه توكلت وإليه اُنيب . وذكرت أنّه ليس لى ولاصحابى عندك إلاّ السيف فلقد أضحكتَ بعد استعبار ! متي ألفيت بنى عبد المطلب عن الأعداء ناكلين ، وبالسيف مُخَوَّفين ؟ ! فَـ لَبِّثْ قليلاً يلحقِ الهيجا حَمَل فسيطلبك من تطلب ، ويقرب منك ما تستبعد ، وأنا مرقلٌ نحوك فى جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، شديدٌ زحامُهم ، ساطع قَتامهم ، متسربلين سرابيل الموت ، أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم ، وقد صَحِبَتْهم ذرّيّةٌ بدريّةٌ وسيوف هاشميّة ، قد عَرَفْتَ مواقع نِصالها فى أخيك وخالك وجدّك وأهلك(٢) (١) الأحزاب : ١٨ . ١٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / رسائل معاوية إلي الإمام فى دم عثمان
³ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ² (١) (٢) . ٤ / ١١ رسائل معاوية إلي الإمام فى دم عثمان ٢٣٩٠ ـ الكامل للمبرّد : كتب [معاوية] إلي علىّ ¢ : من معاوية بن صخر إلي علىّ بن أبى طالب : أمّا بعد ; فلعمرى لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت بريءٌ من دم عثمان كنت كأبى بكر وعمر وعثمان ، ولكنّك أغريت بعثمان المهاجرين ، وخذّلت عنه الأنصار ، فأطاعك الجاهل ، وقوى بك الضعيف . وقد أبي أهل الشام إلاّ قتالك حتي تدفع إليهم قتلة عثمان ، فإن فعلت كانت شوري بين المسلمين . ولعمرى ما حجّتك علىَّ كحجّتك علي طلحة والزبير ، لأنّهما بايعاك ولم اُبايعك . وما حجّتك علي أهل الشام كحجّتك علي أهل البصرة ; لأنّ أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام . وأمّا شرفك فى الإسلام وقرابتك من (١) هود : ٨٣ . ١٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / رسائل معاوية إلي الإمام فى دم عثمان
رسول الله ½ وموضعك من قريش فلست أدفعه (١) . ٢٣٩١ ـ وقعة صفّين عن أبى ورق : إنّ أبا مسلم الخولانى قدم إلي معاوية فى اُناس من قرّاء أهل الشام ، قبل مسير أمير المؤمنين ¼ إلي صفّين ، فقالوا له : يا معاوية علام تقاتل عليّاً ، وليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته ؟ قال لهم : ما اُقاتل عليّاً وأنا أدّعى أنّ لى فى الإسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته ، ولكن خبّرونى عنكم ; أ لستم تعلمون أنّ عثمان قُتل مظلوماً ؟ قالوا : بلي . قال : فليَدَعْ إلينا قتلته فنقتلهم به ، ولا قتال بيننا وبينه . قالوا : فاكتب إليه كتاباً يأتيه به بعضنا . فكتب إلي علىّ هذا الكتاب مع أبى مسلم الخولانى . . . . من معاوية بن أبى سفيان إلي علىّ بن أبى طالب : سلام عليك ، فإنّى أحمد إليك الله الذى لا إله إلاّ هو . أمّا بعد ; فإنّ الله اصطفي محمّداً بعلمه ، وجعله الأمين علي وحيه ، والرسول إلي خلقه ، واجتبي له من المسلمين أعواناً أيّده الله بهم ، فكانوا فى منازلهم عنده علي قدر فضائلهم فى الإسلام ; فكان أفضلهم فى إسلامه ، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة من بعده ، وخليفة خليفته ، والثالث الخليفة المظلوم عثمان ، فكلّهم حسدتَ ، وعلي كلّهم بغيتَ . عرفنا ذلك فى نظرك الشَّزْر ، وفى قولك الهجر ، وفى تنفسّك الصُّعَداء ، وفى إبطائك عن الخلفاء ، تقاد إلي كلّ منهم كما يقاد الفحل ١٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / رسائل معاوية إلي الإمام فى دم عثمان
المخشوش(١) حتي تبايع وأنت كاره . ثمّ لم تكن لأحد منهم بأعظم حسداً منك لابن عمّك عثمان ، وكان أحقَّهم ألاّ تفعل به ذلك فى قرابته وصهره ; فقطعت رحمه ، وقبَّحت محاسنه ، وألّبت الناس عليه ، وبطنت وظهرت ، حتي ضرِبَتْ إليه آباط الإبل ، وقِيدت إليه الخيل العِراب ، وحُمل عليه السلاح فى حرم رسول الله ، فقُتل معك فى المحلّة وأنت تسمع فى داره الهائعة ، لا تردع الظنّ والتُّهَمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل . فاُقسم صادقاً أن لو قمتَ فيما كان من أمره مقاماً واحداً تُنَهْنِه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحداً ، ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغى عليه . واُخري أنت بها عند أنصار عثمان ظَنين(٢) : إيواؤك ; قتلة عثمان ، فهم عضدك وأنصارك ويدك وبطانتك . وقد ذُكِر لى أنّك تَنَصَّلُ من دمه ، فإن كنت صادقاً فأمكِنّا من قتلته نقتلهم به ، ونحن أسرع الناس إليك . وإلاّ فإنّه فليس لك ولا لأصحابكَ إلاّ السيف . والذى لا إله إلاّ هو لنطلبنّ قتلة عثمان فى الجبال والرمال ، والبرّ والبحر ، حتي يقتلهم الله ، أو لتلحقنّ أرواحنا بالله . والسلام(٣) . ٢٣٩٢ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر كتاب كتبه معاوية إلي الإمام ¼ ـ : من معاوية (١) هو الذى جُعل فى أنفه الخِشاش ; وهو عُوَيد يُجعل فى أنف البعير يشدُّ به الزِّمام ; ليكون أسرع لانقياده (النهاية : ٢ / ٣٤ وص ٣٣) . ٢٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / رسائل معاوية إلي الإمام فى دم عثمان
ابن أبى سفيان إلي علىّ بن أبى طالب : أمّا بعد ; فإنّا بنى عبد مناف لم نزل نَنْزع من قَلِيب واحد ، ونجرى فى حلبة واحدة ليس لبعضنا علي بعض فضل ، ولا لقائمنا علي قاعدنا فخر ، كلمتنا مؤتلفة ، واُلفَتُنا جامعة ، ودارنا واحدة ، يجمعنا كرم العرق ، ويحوينا شرف النِّجار(١) ، ويحنو قويّنا علي ضعيفنا ، ويواسى غنيّنا فقيرنا ، قد خلصت قلوبنا من وغل الحسد ، وطهرت أنفسنا من خبث النيّة . فلم نزل كذلك حتي كان منك ما كان من الإدهان فى أمر ابن عمّك والحسد له ونصرة الناس عليه ، حتي قتل بمشهد منك لا تدفع عنه بلسان ولا يد ، فليتك أظهرت نصره حيث أسررت خبره ، فكنت كالمتعلّق بين الناس بعذر وإن ضعف ، والمتبرّئ من دمه بدَفع وإن وهن ولكنّك جلست فى دارك تدسّ إليه الدواهى ، وترسل إليه الأفاعى ، حتي إذا قضيت وطرك منه أظهرت شماتة ، وأبديت طلاقة ، وحسرت للأمر عن ساعدك ، وشمّرت عن ساقك ، ودعوت الناس إلي نفسك ، وأكرهت أعيان المسلمين علي بيعتك . ثمّ كان منك بعد ما كان من قتلك شيخى المسلمين أبى محمّد طلحة ، وأبى عبد الله الزبير ، وهما من الموعودين بالجنّة والمبشَّر قاتل أحدهما بالنار فى الآخرة . هذا إلي تشريدك باُمّ المؤمنين عائشة ، وإحلالها محلّ الهون متبذّلة بين أيدى الأعراب وفسقة أهل الكوفة ، فمن بين مشهر لها ، وبين شامت بها ، وبين ساخر منها ، تري ابن عمّك كان بهذه لو رآه راضياً أم كان يكون عليك ساخطاً ، ولك عنه ٢١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / رسائل معاوية إلي الإمام فى دم عثمان
زاجراً ! أن تؤذى أهله ، وتُشَرّد بحليلته ، وتسفك دماء أهل ملّته . ثمّ تركك دار الهجرة التى قال رسول الله ½ عنها : "إنّ المدينة لتنفى خبثها كما ينفى الكيرُ خبث الحديد" فلعمرى لقد صحّ وعده ، وصدق قوله ، ولقد نفت خبثها ، وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها ، فأقمتَ بين المِصْرين ، وبعدت عن بركة الحرمين ، ورضيت بالكوفة بدلاً من المدينة ، وبمجاورة الخورْنق والحيرة عوضاً عن مجاورة خاتم النبوّة ، ومن قبل ذلك ما عبتَ خليفتَى رسول الله ½ أيّام حياتهما ، فقعدت عنهما ، وألّبتَ عليهما ، وامتنعت من بيعتهما ، ورمت أمراً لم يرَك الله تعالي له أهلاً ، ورقِيت سُلِّماً وعراً وحاولت مقاماً دحضاً ، وادّعيت ما لم تجد عليه ناصراً ولعمرى لو وَليتها حينئذ لما ازدادت إلاّ فساداً واضطراباً ، ولا أعقبت ولايتكها إلاّ انتشاراً وارتداداً ; لأنّك الشامخ بأنفه ، الذاهب بنفسه ، المستطيل علي الناس بلسانه ويده ، وها أنا سائر إليك فى جمع من المهاجرين والأنصار تحفّهم سيوف شاميّة ، ورماح قحطانيّة ، حتي يحاكموك إلي الله . فانظر لنفسك وللمسلمين ، وادفع إلىَّ قتلة عثمان ; فإنّهم خاصّتك وخلصاؤك والمحدقون بك ، فإن أبيت إلاّ سلوك سبيل اللجاج والإصرار علي الغىّ والضلال فاعلم أنّ هذه الآية إنّما نزلت فيك وفى أهل العراق معك : ³ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئـِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ² (١) (٢) . (١) النحل : ١١٢ . ٢٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه
٤ / ١٢ أجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه ٢٣٩٣ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : من علىّ إلي معاوية بن صخر : أمّا بعد ; فقد أتانى كتاب امرئ ليس له نظر يهديه ، ولا قائد يُرشده ، دعاه الهوي فأجابه ، وقاده فاتّبعه . زعمت أنّه أفسد عليك بيعتى خطيئتى فى عثمان . ولعمرى ما كنتُ إلاّ رجلاً من المهاجرين ; أوردت كما أوردوا ، وأصدرت كما أصدروا . وما كان الله ليجمعهم علي ضلالة ، ولا ليضربهم بالعمي ، وما أمرت فيلزمنى خطيئة الآمر ، ولا قتلت فيجب علىّ القصاص . وأمّا قولك إنّ أهل الشام هم الحكّام علي أهل الحجاز ، فهاتِ رجلاً من قريش الشام يقبل فى الشوري أو تحلّ له الخلافة . فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون والأنصار ، وإلاّ أتيتك به من قريش الحجاز . وأمّا قولك : ادفع إلينا قتلة عثمان ، فما أنت وعثمان ؟ إنّما أنت رجل من بنى اُميّة ، وبنو عثمان أولي بذلك منك . فإن زعمت أنّك أقوي علي دم أبيهم منهم فادخل فى طاعتى ، ثمّ حاكم القومَ إلىّ أحملْك وإيّاهم علي المحجّة . وأمّا تمييزك بين الشام والبصرة وبين طلحة والزبير فلعمرى ما الأمر فيما هناك إلاّ واحد ; لأنّها بيعة عامّة لا يُثني فيها النظر ، ولا يُستأنف فيها الخيار . وأمّا ولوعك بى فى أمر عثمان فما قلت ذلك عن حقّ العيان ، ولا يقين الخبر . وأمّا فضلى فى الإسلام وقرابتى من النبىّ ½ وشرفى فى قريش فلعمرى لو ٢٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه
استطعتَ دفع ذلك لدفعته (١) . ٢٣٩٤ ـ عنه ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي معاوية بن أبى سفيان : أمّا بعد ; فإنّ أخا خولان قدم علىَّ بكتاب منك تذكر فيه محمّداً ½ ، وما أنعم الله عليه به من الهدي والوحى . والحمد لله الذى صدقه الوعد ، وتمّم له النصر ، ومكّن له فى البلاد ، وأظهره علي أهل العداء والشنآن من قومه الذين وثبوا به ، وشنفوا له ، وأظهروا له التكذيب ، وبارزوه بالعداوة ، وظاهروا علي إخراجه وعلي إخراج أصحابه وأهله ، وألّبوا عليه العرب ، وجامعوهم علي حربه ، وجهدوا فى أمره كلّ الجهد ، وقلّبوا له الاُمور حتي ظهر أمر الله وهم كارهون . وكان أشدّ الناس عليه ألبةً اُسرته ، والأدني فالأدني من قومه إلاّ من عصمه الله . يا بن هند ! فلقد خبأ لنا الدهر منك عجباً ! ولقد قدمت فأفحشت ; إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تعالي فى نبيّه محمّد ½ وفينا ، فكنت فى ذلك كجالب التمر إلي هَجَر ، أو كداعى مسدِّده إلي النِّضال . وذكرت أنّ الله اجتبي له من المسلمين أعواناً أيّده الله بهم ، فكانوا فى منازلهم عنده علي قدر فضائلهم فى الإسلام ، فكان أفضلهم ـ زعمتَ ـ فى الإسلام ، وأنصحهم لله ورسوله الخليفة ، وخليفة الخليفة . ولعمرى إنّ مكانهما من الإسلام لعظيم ، وإنّ المصاب بهما لجرح فى الإسلام شديد . رحمهما الله وجزاهما ٢٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه
بأحسن الجزاء . وذكرت أنّ عثمان كان فى الفضل ثالثاً ; فإن يكن عثمان محسناً فسيجزيه الله بإحسانه ، وإن يك مسيئاً فسيلقي ربّاً غفوراً لا يتعاظمه ذنب أن يغفره . ولعمر الله إنّى لأرجو ـ إذا أعطي الله الناس علي قدر فضائلهم فى الإسلام ونصيحتهم لله ورسوله ـ أن يكون نصيبنا فى ذلك الأوفر . إنّ محمّداً ½ لمّا دعا إلي الإيمان بالله والتوحيد كنّا ـ أهلَ البيت ـ أوّل من آمن به ، وصدّق بما جاء به ، فلبثنا أحوالاً مجرَّمة ، وما يَعبد الله فى رَبع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبيّنا ، واجتياح أصلنا ، وهمُّوا بنا الهمومَ ، وفعلوا بنا الأفاعيل ; فمنعونا المِيرةً ، وأمسكوا عنّا العَذْب ، وأحلسونا الخوف(١) ، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون ، واضطرونا إلي جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، وكتبوا علينا بينهم كتاباً لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتي ندفع النبىّ ½ فيقتلوه ويُمثّلوا به . فلم نكن نأمن فيهم إلاّ من موسم إلي موسم ، فعزم الله لنا علي منعه ، والذبّ عن حوزته ، والرمى من وراء حرمته ، والقيام بأسيافنا دونه ، فى ساعات الخوف بالليل والنهار ، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب ، وكافرنا يحامى به عن الأصل . فأمّا من أسلم من قريش بعدُ فإنّهم ممّا نحن فيه أخلياء ; فمنهم حليف ممنوع ، أو ذو عشيرة تدافع عنه ; فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن . فكان ذلك ما شاء الله أن يكون . ثمّ أمر الله رسوله بالهجرة ، وأذِن له بعد ذلك فى قتال المشركين ، فكان إذا ٢٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه
احمرّ البأس ودُعِيَت نَزالِ أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقي بهم أصحابه حرّ الأسنّة والسيوف ، فقُتل عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم اُحد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد للهِِ مَن لو شئتُ ذكرت اسمه مثلَ الذى أرادوا من الشهادة مع النبىّ ½ غير مرّة ، إلاّ أنّ آجالهم عُجّلت ، ومنيّته اُخّرت . والله مولى الإحسان إليهم ، والمنّان عليهم بما قد أسلفوا من الصالحات . فما سمعت بأحد ولا رأيت فيهم من هو أنصح لله فى طاعة رسوله ، ولا أطوع لرسوله فى طاعة ربّه ، ولا أصبر علي اللأْواء والضرّاء وحين البأس ومواطن المكروه مع النبىّ ½ من هؤلاء النفر الذين سمّيتُ لك . وفى المهاجرين خير كثير نعرفه ، جزاهم الله بأحسن أعمالهم ! وذكرتَ حسدى الخلفاء ، وإبطائى عنهم ، وبغيى عليهم ; فأمّا البغى فمعاذ الله أن يكون ، وأمّا الإبطاء عنهم والكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلي الناس ، لأنّ الله جلّ ذكره لمّا قبض نبيّه ½ قالت قريش : منّا أمير ، وقالت الأنصار : منّا أمير . فقالت قريش : منّا محمّد رسول الله ½ ، فنحن أحقّ بذلك الأمر ، فعرفت ذلك الأنصار ، فسلّمت لهم الولاية والسلطان . فإذا استحقّوها بمحمّد ½ دون الأنصار فإنّ أولي الناس بمحمّد ½ أحقّ بها منهم . وإلاّ فإنّ الأنصار أعظم العرب فيها نصيباً ، فلا أدرى أصحابى سَلموا من أن يكونوا حقّى أخذوا ، أو الأنصار ظلموا ، بل عرفت أنّ حقّى هو المأخوذ ، وقد تركته لهم ، تجاوزَ الله عنهم ! وأمّا ما ذكرت من أمر عثمان وقطيعتى رحمَه ، وتأليبى عليه ; فإنّ عثمان عمل ما قد بلغك ، فصنع الناس به ما قد رأيت وقد علمتَ أنّى كنت فى عزلة عنه ، إلاّ أن تتجنّي ، فتجنّ ما بدا لك . وأمّا ما ذكرت من أمر قتلة عثمان ; فإنّى نظرت فى هذا الأمر ، وضربت أنفه وعينيه ، فلم أرَ دفعهم إليك ولا إلي غيرك . ٢٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه
ولعمرى لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك ، ولا يكلِّفونك أن تطلبهم فى برّ ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل . وقد كان أبوك أتانى حين ولى الناسَ أبا بكر فقال : أنت أحقّ بعد محمّد ½ بهذا الأمر ، وأنا زعيم لك بذلك علي من خالف عليك . ابسُط يدك اُبايعْك ، فلم أفعل وأنت تعلم أنّ أباك قد كان قال ذلك وأراده حتي كنت أنا الذى أبيتُ ، لقرب عهد الناس بالكفر ، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام . فأبوك كان أعرف بحقّى منك . فإن تعرف من حقّى ما كان يعرف أبوك تُصِبْ رشدك ، وإن لم تفعل فسيُغنى الله عنك والسلام(١) . ٢٣٩٥ ـ عنه ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية جواباً ـ : أمّا بعد ; فإنّا كنّا نحن وأنتم علي ما ذكرت من الاُلفة والجماعة ، ففرّق بيننا وبينكم أمسِ أنّا آمنا وكفرتم ، واليوم أنّا استقمنا وفُتِنتم . وما أسلم مسلمكم إلاّ كَرهاً ، وبعد أن كان أنف الإسلام كلّه لرسول الله ½ حِزباً . وذكرت أنّى قتلت طلحة والزبير ، وشرّدت بعائشة ونزلت بين المِصرين ، وذلك أمر غبتَ عنه فلا عليك ، ولا العذر فيه إليك . وذكرت أنّك زائرى فى المهاجرين والأنصار ، وقد انقطعت الهجرة يوم اُسِر أخوك ، فإن كان فيك عَجَل فاسْتَرْفِهْ ; فإنّى إن أزُرْك فذلك جدير أن يكون الله إنّما بعثنى إليك للنقمة منك ! وإن تزرنى فكما قال أخو بنى أسد :
٢٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه
وعندى السيف الذى أعضضته بجدّك وخالك وأخيك فى مقام واحد . وإنّك والله ـ ما علمتُ ـ الأغلفُ القلبِ ، المقاربُ العقل ، والأولي أن يقال لك : إنّك رقيت سُلَّماً أطلعك مطلع سوء عليك لا لك ، لأنّك نشدت غير ضالّتك ، ورعيت غير سائمتك ، وطلبت أمراً لست من أهله ولا فى معدنه ، فما أبعد قولك من فعلك ! وقريبٌ ما أشبهتَ(١) من أعمام وأخوال ! حملَتْهم الشقاوة وتمنّى الباطل علي الجحود بمحمّد ½ ، فصُرِعوا مصارعَهم حيث علمتَ ، لم يدفعوا عظيماً ، ولم يمنعوا حريماً ، بوقع سيوف ما خلا منها الوغَي ، ولم تماشِها الهُوَيْني(٢) . وقد أكثرتَ فى قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه الناس ، ثمّ حاكم القوم إلىّ أحملْك وإيّاهم علي كتاب الله تعالي . وأمّا تلك التى تريد(٣) فإنّها خدعة الصبى عن اللبن فى أوّل الفصال ، والسلام لأهله(٤) . ٢٣٩٦ ـ عنه ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : أمّا بعد ; فانّ الدنيا حلوة خَضِرة ، ذات زينة وبهجة ، لم يصبُ اليها أحدٌ إلاّ وشغلته بزينتها عمّا هو أنفع له منها ، وبالآخرة اُمِرْنا ، وعليها حُثِثْنا ; فدعْ يا معاوية ما يفني ، واعمل لما يبقي ، واحذر الموت الذى إليه مصيرك ، والحساب الذى إليه عاقبتك ، واعلم أنّ الله تعالي إذا أراد بعبد خيراً حال بينه وبين ما يكره ، ووفّقه لطاعته ، وإذا أراد الله بعبد سوءاً أغراه بالدنيا ، وأنساه الآخرة وبسط له أمله ، وعاقه عمّا فيه صلاحه . (١) ما : مصدرية ; أى وقريب شبهك (شرح نهج البلاغه : ١٨ / ٢٠) . ٢٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه
وقد وصلنى كتابك ، فوجدتك ترمى غير غرضك ، وتنشد غير ضالّتك وتخبط فى عماية ، وتتيه فى ضلالة ، وتعتصم بغير حجّة ، وتلوذ بأضعف شبهة . فأمّا سؤالك المتاركة والإقرار لك علي الشام ; فلو كنت فاعلاً ذلك اليوم لفعلته أمسِ . وأمّا قولك إنّ عمر ولاّكه فقد عزل من كان ولاّه صاحبه ، وعزل عثمان من كان عمر ولاّه ، ولم يُنصّب للناس إمام إلاّ ليري من صلاح الاُمّة إماماً قد كان ظهر لمن قبله ، أو اُخفى عنهم عيبه ، والأمر يحدث بعده الأمر ، ولكلّ وال رأى واجتهاد . فسبحان الله ! ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة ، والحيرة المتَّبعة مع تضييع الحقائق واطّراح الوثائق التى هى لله تعالي طلبة ، وعلي عباده حجّة فأمّا إكثارك الحِجاج علي عثمان وقتلته فإنّك إنّما نصرت عثمان حيث كان النصر لك ، وخذلته حيث كان النصر له ، والسلام(١) . ٢٣٩٧ ـ عنه ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : بسم الله الرحمن الرحيم . أمّا بعد ; فإنّ بيعتى بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ; لأنّه بايعنى القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان علي ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يردّ ، وإنّما الشوري للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا علي رجل فسمَّوه إماماً ، كان ذلك لله رضي ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردّوه إلي ما خرج منه ، فإن أبي قاتلوه علي اتّباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاّه الله ما تولّي ويُصليه جهنّم وساءت مصيراً . ٢٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / كتاب الإمام إليه يحذّره من طلب ما ليس له بحقّ
وإنّ طلحة والزبير بايعانى ، ثمّ نقضا بيعتى ، وكان نقضهما كردّهما ، فجاهدتهما علي ذلك ، حتي جاء الحقّ ، وظهر أمر الله وهم كارهون . فادخل فيما دخل فيه المسلمون ; فإنّ أحبّ الاُمور إلىَّ فيك العافية ، إلاّ أن تتعرّض للبلاء ; فإن تعرّضت له قاتلتك ، واستعنت الله عليك . وقد أكثرتَ فى قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، ثمّ حاكمِ القوم إلىَّ أحملك وإيّاهم علي كتاب الله . فأمّا تلك التى تريدها فخدعة الصبى عن اللبن ، ولعمرى لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّى أبرأ قريش من دم عثمان . واعلم أنّك من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة ، ولا تعرض فيهم الشوري ، وقد أرسلت إليك وإلي من قِبَلك : جرير بن عبد الله ; وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايِع ، ولا قوّة إلاّ بالله(١) . ٤ / ١٣ كتاب الإمام إليه يحذّره من طلب ما ليس له بحقّ ٢٣٩٨ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي معاوية بن أبى سفيان : سلام علي من اتّبع الهدي ، فإنّى أحمد الله إليك الذى لا إله إلاّ هو . أمّا بعد ; فإنّك قد رأيت من الدنيا وتصرّفها بأهلها وإلي ما مضي منها ، وخير ما ٣٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / جوابه بكلّ وقاحة
بقى من الدنيا ما أصاب العباد الصادقون فيما مضي . ومن نسى الدنيا نسيان الآخرة يجد بينهما بوناً بعيداً . واعلم يا معاوية أنّك قد ادّعيت أمراً لست من أهله لا فى القدم ولا فى الولاية ، ولست تقول فيه بأمر بيّن تعرف لك به أثرة ، ولا لك عليه شاهد من كتاب الله ، ولا عهد تدّعيه من رسول الله ، فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت بزينتها وركنت إلي لذّتها ، وخُلّى فيها بينك وبين عدوٍّ جاهد ملحّ ، مع ما عرض فى نفسك من دنيا قد دعتك فأجبتها ، وقادتك فاتّبعتها ، وأمرتك فأطعتها . فاقعَس عن هذا الأمر ، وخذ اُهبة الحساب ; فإنّه يوشك أن يقفك واقف علي ما لا يُجنِّك منه مِجَنّ . ومتي كنتم يا معاوية ساسة للرعيّة ، أو ولاة لأمر هذه الاُمّة بغير قدم حسن ، ولا شرف سابق علي قومكم . فشمّر لما قد نزل بك، ولا تمكّن الشيطان من بغيته فيك، مع أنّى أعرف أنّ الله ورسوله صادقان . فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء . وإلاّ تفعلْ اُعلمك ما أغفلك من نفسك ; فإنّك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه ، فجري منك مجري الدم فى العروق . واعلم أنّ هذا الأمر لو كان إلي الناس أو بأيديهم لحسدونا وامتنّوا به علينا ، ولكنّه قضاء ممّن امتنّ به علينا علي لسان نبيّه الصادق المصدّق . لا أفلح من شكّ بعد العرفان والبيّنة . اللهمّ احكم بيننا وبين عدوّنا بالحقّ وأنت خير الحاكمين(١) . ٤ / ١٤ ٢٣٩٩ ـ وقعة صفّين : كتب معاوية [إلي الإمام ¼ ] : من معاوية بن أبى سفيان إلي ٣١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / رسائل اُخري من الإمام إليه
علىّ بن أبى طالب : أمّا بعد ; فدع الحسد ; فإنّك طالما لم تنتفع به ، ولا تُفسد سابقة قدمك بشَره نخوتك ; فإنّ الأعمال بخواتيمها ، ولا تمحق سابقتك فى حقّ مَن لا حقّ لك فى حقّه ، فإنّك إن تفعل لا تضرّ بذلك إلاّ نفسك ، ولا تمحق إلاّ عملك ، ولا تُبطل إلاّ حجّتك . ولعمرى ما مضي لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقاً ; لِمَا اجترأت عليه من سفك الدماء ، وخلاف أهل الحقّ . فاقرأ سورة الفلق ، وتعوّذ بالله من شرّ نفسك ; فإنّك الحاسد إذا حسد ! ! !(١) ٤ / ١٥ ٢٤٠٠ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : فاتّقِ الله فيما لديك ، وانظر فى حقّه عليك ، وارجع إلي معرفة ما لا تُعذر بجهالته ; فإنّ للطاعة أعلاماً واضحة ، وسبلاً نيّرة ، ومحجّةً نَهْجةً ، وغاية مُطَّلَبة ، يَرِدُها الأكياس ، ويخالفها الأنكاس ; من نكب عنها جار عن الحقّ ، وخَبَط فى التِّيْه ، وغَيَّرَ الله نعمته ، وأحلَّ به نِقْمَته . فنفسَك نفسَك ! فقد بيّن الله لك سبيلك . وحيث تناهت بك اُمورك فقد أجريت إلي غايةِ خُسْر ومحلّةِ كفر ; فإنَّ نفسك قد أولجتك شرّاً ، وأقحمتك غيّاً ، وأوردتك المهالك ، وأوعرت عليك المسالك(٢) . ٢٤٠١ ـ عنه ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : أمّا بعد ، فإنّ الدنيا مَشْغَلة عن غيرها ، ولم يُصِبْ صاحبها منها شيئاً إلاّ فتحت له حرصاً عليها ولَهَجاً بها ، ولن يستغنى صاحبها بما نال فيها عمّا لم يبلغه منها . ومن وراء ذلك فراق ما جمع ، ونقض ما (١) وقعة صفّين : ١١٠ ; شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٨٧ . ٣٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / رسائل اُخري من الإمام إليه
أبرم ! ولو اعتبرتَ بما مضي حفظتَ ما بقى . والسلام(١) . ٢٤٠٢ ـ عنه ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : أمّا بعد ; فإنّ الله سبحانه قد جعل الدنيا لما بعدها ، وابتلي فيها أهلها ; ليعلم أيُّهم أحسنُ عملاً . ولسنا للدنيا خُلِقنا ، ولا بالسعى فيها اُمِرنا ، وإنّما وُضِعنا فيها لنبتلى بها ، وقد ابتلانى الله بك ، وابتلاك بى ، فجعل أحدنا حجّة علي الآخر ، فعدوت علي الدنيا بتأويل القرآن ، فطلبتنى بما لم تَجْنِ يدى ولا لسانى ، وعصيته أنت وأهل الشام بى وألَّبَ عالمُكم جاهلَكم ، وقائمُكم قاعدَكم ; فاتّقِ الله فى نفسك ، ونازعِ الشيطان قيادك ، واصرف إلي الآخرة وجهك ; فهى طريقنا وطريقك . واحذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة تمسّ الأصل وتقطع الدابر ; فإنّى اُولى لك بالله ألِيّةً غيرَ فاجرة ، لئن جمعتنى وإيّاك جوامع الأقدار لا أزال بباحَتك ³ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ² (٢) (٣) . ٢٤٠٣ ـ عنه ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : أمّا بعد ; فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عِيان الاُمور ، فقد سلكتَ مدارجَ أسلافك بادّعائك الأباطيل ، واقتحامك غرور المَينِ والأكاذيب ، وبانتحالك ما قد علا عنك ، وابتزازك لما قد اختُزِن دونك ، فراراً من الحقّ ، وجحوداً لما هو ألزم لك من لحمك ودمك ، ممّا قد وعاه سمعك ، وملئ به صدرك ، فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال المبين ، وبعد البيان إلاّ اللَّبْس . (١) نهج البلاغة : الكتاب ٤٩ ، وقعة صفّين : ٤٩٨ نحوه وفى صدره "كتب علىّ إلي عمرو بن العاص" بدل "إلي معاوية" ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٤٨٣ / ٦٨٨ . ٣٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / رسائل اُخري من الإمام إليه
فاحذر الشبهة واشتمالها علي لُبْستها ; فإنّ الفتنة طالما أغدفت جلابيبها وأغشت الأبصار ظلمتها . وقد أتانى كتاب منك ذو أفانين من القول ، ضعفت قواها عن السِّلْم ، وأساطير لم يحُكها منك علم ولا حلم ، أصبحت منها كالخائض فى الدَّهاس(١) ، والخابط فى الدِّيماس(٢) ، وترقّيت إلي مرقَبة بعيدة المرام ، نازحة الأعلام ، تقصر دونها الأنُوق ، ويحاذي بها العَيُّوق(٣) . وحاشَ لله أن تلى للمسلمين بعدى صدراً أو وِرداً ، أو اُجرى لك علي أحد منهم عقداً أو عهداً ، فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها ; فإنّك إن فرَّطت حتي ينهدَ(٤) إليك عباد الله اُرْتِجَتْ عليك الاُمورُ ، ومُنِعت أمراً هو منك اليوم مقبول . والسلام(٥) . ٢٤٠٤ ـ الأمالى للطوسى عن ثعلبة بن يزيد الحمّانى : كتب أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ إلي معاوية بن أبى سفيان : أمّا بعد ; فإنّ الله تعالي أنزل إلينا كتابه ، ولم يدعنا فى شبهة ولا عذر لمن ركب ذنباً بجهالة ، والتوبة مبسوطة ³ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ² (٦) وأنت ممّن شرع (١) الدهاس : من رواها بالكسر فهو جمع دَهْس ، ومن قرأها بالفتح فهو مفرد ، يقول : هذا دَهسٌ ودَهاس ـ بالفتح ـ للمكان السهل الذى لا يبلغ أن يكون رملا ، وليس هو بتراب ولا طين .(شرح نهج البلاغة : ١٨ / ٢٦) . ٣٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / نقد الإمام رأيه وفراسته فى مكاتبة معاوية
الخلاف متمادياً فى غرّة الأمل مختلف السرّ والعلانية ، رغبة فى العاجل ، وتكذيباً بعدُ بالآجل ، وكأنّك قد تذكّرت ما مضي منك ، فلم تجد إلي الرجوع سبيلاً(١) . ٤ / ١٦ نقد الإمام رأيه وفراسته فى مكاتبة معاوية ٢٤٠٥ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : أمّا بعد ; فإنّى علي التردّد فى جوابك ، والاستماع إلي كتابك ; لَمُوَهِّنٌ رأيى ، ومُخَطِّئ فِراستى . وإنّك إذ تحاولنى الاُمور ، وتُراجعنى السطور ، كالمستثقل النائم ; تَكذبه أحلامه . والمتحيّر القائم يبهظه مقامه . لا يدرى أ لهُ ما يأتى أم عليه ، ولستَ به ، غيرَ أنّه بك شبيهٌ . واُقسم بالله إنّه لولا بعض الاستبقاء ، لوصلت إليك منى قوارع تقرع العظم ، وتَهْلِس اللحم ! واعلم أنّ الشيطان قد ثَبَّطك عن أن تُراجع أحسن اُمورك ، وتأذن لمقال نصيحتك ، والسلام لأهله(٢) . (١) الأمالى للطوسى : ٢١٧ / ٣٨١ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٧٥ / ٣٩٩ ; المعيار والموازنة : ١٠٢ نحوه . |
||