٣٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أهداف معاوية فى حرب الدّعاية وحكمة أجوبة الإمام
تأمُّل الرسائل التى تبودلت بين الإمام ومعاوية أثناء الحرب الدعائيّة ، وما ينطوى عليه جواب معاوية من جرأة ووقاحة ; يفضى بالباحث إلي السؤال التالى : لماذا فتح الإمام باب المكاتبة وتبادل الكتب مع شخص مثل معاوية ؟ أ لم يكن الأفضل أن يهمل الإمام جواب معاوية ليكون بمنأي عن كلّ ذلك التعريض والبذاءة ؟ يكتب ابن أبى الحديد بعد نقل شطر من الكتب التى جرت بين الإمام ومعاوية ، ما نصّه : "قلت : وأعجب وأطرب ما جاء به الدهر ـ وإن كانت عجائبه وبدائعه جمّة ـ أن يُفضى أمر علىّ ¼ إلي أن يصير معاوية نِدّاً له ونظيراً مماثلاً ، يتعارضان الكتاب والجواب ، ويتساويان فيما يواجه به أحدهما صاحبه ، ولا يقول له على ¼ كلمة إلاّ قال مثلها ، وأخشن مَسّاً منها ، فليت محمّداً ½ كان شاهد ذلك ! ليري عياناً لا خبراً أنّ الدعوة التى قام بها ، وقاسي أعظم المشاقّ فى ٣٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أهداف معاوية فى حرب الدّعاية وحكمة أجوبة الإمام
تحمّلها ، وكابد الأهوال فى الذبّ عنها ، وضرب بالسيوف عليها لتأييد دولتها ، وشيّد أركانها ، وملأ الآفاق بها ، خلَصت صفواً عفواً لأعدائه الذين كذّبوه ، لمّا دعا إليها ، وأخرجوه عن أوطانه لمّا حضَّ عليها ، وأدموا وجهه ، وقتلوا عمّه وأهله ، فكأنّه كان يسعي لهم ، ويدأب لراحتهم ; كما قال أبو سفيان فى أيّام عثمان ، وقد مرَّ بقبر حمزة ، وضربه برجله ، وقال : يا أبا عُمارة ! إنَّ الأمر الذى اجتلدنا عليه بالسيف أمسي فى يد غلماننا اليوم يتلعّبون به ! ثمّ آل الأمر إلي أن يفاخر معاوية عليّاً ، كما يتفاخر الأكفاء والنظراء ! !
ثمّ أقول ثانياً لأمير المؤمنين ¼ : ليت شعرى ، لماذا فتح باب الكتاب والجواب بينه وبين معاوية ؟ ! وإذا كانت الضرورة قد قادت إلي ذلك فهلاّ اقتصر فى الكتاب إليه علي الموعظة من غير تعرّض للمفاخرة والمنافرة ! وإذا كان لابدّ منهما فهلاّ اكتفي بهما من غير تعرّض لأمر آخر يوجب المقابلة والمعارضة بمثله ، وبأشدّ منه : ³ وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ² (١) . . . ولعلّه ¼ قد كان يظهر له من المصلحة حينئذ ما يغيب عنّا الآن ، ولله أمر هو بالغه !"(٢) . وحقيقة الأمر تؤول إلي ما ذكره ابن أبى الحديد نهاية كلامه بصيغة الاحتمال . ٣٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أهداف معاوية
فالشىء الجزمى أنّ الإمام لم يلج مضمار هذه الحرب الدعائيّة من دون حكمة ، ولكى نتلمّس الحكمة من وراء مكاتبات الإمام يتحتّم أن نعرف فى البدء طبيعة الأهداف التى كان يتوخاها معاوية من إطلاق الحرب الدعائيّة ضدّ الإمام . أهداف معاوية قبل أن ندلف إلي تبيين الأهداف التى كان يصبو إليها معاوية من الحرب الدعائية ، من الضرورى أن نشير إلي أنّ الرسائل السياسيّة كانت تعدّ فى ذلك العصر واحدة من أهمّ أدوات الحرب النفسيّة والدعائيّة . ففى ذلك العهد كانت وسائل الإعلام تقتصر علي الخطب العامّة والرسائل ، ومن الطبيعى أن يكون للرسائل فاعليّة إعلاميّة تفوق ما للخطابة . وربّما استطعنا أن نقارب التأثير الإعلامى للرسائل فى ذلك العصر بما للصحافة المعاصرة من موقع فى وقتنا الحاضر . لقد بادر معاوية إلي شنّ حرب دعائيّة شاملة ضدَّ الإمام قبل أن تبدأ لحظة الاشتباك العسكرى المباشر معه . فبالاستناد إلي مرتكزات نهجه السياسى رام معاوية من وراء حرب الدعاية هذه أن يهيّئ الأرضيّة الاجتماعيّة للالتحام العسكرى المباشر ، حيث وظّف فى هذه الحرب آليّة الخطابة وآليّة الرسالة فى الوقت ذاته . لقد كان يبغى من وراء حربه الدعائيّة تحقيق عدد من الأهداف ، هى : ١ ـ اتّهام الإمام بقتل عثمان يركّز الشطر الأعظم من كتب معاوية إلي الإمام علي هذا الموضوع . أمّا البواعث التى أملت علي معاوية اتّهام الإمام بالتورّط بقتل عثمان ، فقد تمثّلت ـ من جهة ـ بالطعن بأهليّة الإمام فى تسنّم الخلافة ، كما تحرّكت ـ من جهة ثانية ـ ٣٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أهداف معاوية
باتّجاه تمهيد الأجواء للاصطدام العسكرى المباشر معه بذريعة الطلب بدم عثمان ، ومن ثمّ تهيئة المناخ اللازم لوصول معاوية نفسه إلي السلطة . كثيرة هى الوثائق التأريخيّة التى تثبت صحّة هذا الادّعاء(١) . فقد انتهج معاوية هذه السياسة الشيطانيّة بوضوح حتي قبل مقتل عثمان ، حينما تباطأ عن نصرته . وقد بلغ من شدّة جلاء هذا الأمر أنّ عثمان حينما رأي إهمال معاوية لمؤازرته برغم إصراره فى أن يبعث إليه بقوّة تحميه فى مقابل الثائرين ; قال له صراحة : "أردت أن اُقتل فتقول : أنا ولىّ الثأر"(٢) ! ٢ ـ دفع الإمام للحديث ضدّ الخلفاء يعرف معاوية جيّداً أنّ عليّاً ¼ يعدّ نفسه هو الخليفة بلا فصل بعد النبىّ ½ وأنّ الإمام يعتقد بأنّه قد أصابه الظلم فى هذه الواقعة ، ولذلك اعتصم بالمقاومة وامتنع عن بيعة أبى بكر ما كانت زوجته فاطمة الزهراء £ بضعة النبى ½ علي قيد الحياة . بيدَ أنّ الإمام لم يكن يري من المصلحة أن يجهر بهذا الأمر ، لما يفضى إليه ذلك من وقوع الفرقة فى المجتمع الإسلامى ، وتصدّع الكيان السياسى للمسلمين . (١) قال البلاذرى فى أنساب الأشراف : بعث معاوية النعمان بن بشير الأنصارى وأبا هريرة الدوسى بعد أبى مسلم الخولانى إلي علىّ يدعوانه إلي أن يسلّم قتلة عثمان بن عفّان ليُقتلوا به فيصلح أمر الناس ويكفّ الحرب ، وكان معاوية عالماً بأنّ عليّاً لا يفعل ذلك ، ولكنّه أحبّ أن يشهد عليه عند أهل الشام بامتناعه من إسلام اُولئك والتبرّى منهم ، فيشرع له أن يقول : إنّه قتله ، فيزداد أهل الشام غيظاً عليه وحنقاً وبصيرةً فى محاربته وعداوته . فلمّا صارا إليه فأبلغاه ما سأله معاوية امتنع من إجابتهما إلي شىء ممّا قدما له ، فانصرف أبو هريرة إلي الشام ، فأمره معاوية بأن يعلم الناس ما كان بينه وبين علىّ (أنساب الأشراف : ٣ / ٢٠٥) . ٣٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أهداف معاوية
وفى هذا الاتّجاه كانت إحدي أهداف معاوية من حربه الدعائيّة أن يدفع الإمام أمير المؤمنين ¼ للتعريض بالخليفتين الأوّل والثانى ، لكى يصيِّر ذلك ذريعة إلي محاصرته أمام الرأى العام وإحراجه ، ووسيلة إلي بثّ الفرقة بين أنصاره وأتباعه . يقول النقيب أبو جعفر بهذا الشأن : "كان معاوية يتسقّط علياً وينعي عليه ما عساه يذكره من حال أبى بكر وعمر ، وأنّهما غصباه حقّه ، ولا يزال يكيده بالكتاب يكتبه ، والرسالة يبعثها يطلب غِرّته ، لينفث بما فى صدره من حال أبى بكر وعمر ، إمّا مكاتبة أو مراسلة ، فيجعل ذلك حجّة عليه عند أهل الشام . . . فكانت هذه الطامّة الكبري ليست مقتصرة علي فساد أهل الشام عليه ، بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره ; لأنّهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين ، إلاّ القليل الشاذّ من خواصّ الشيعة"(١) . ٣ ـ التعريض بشموليّة بيعة الاُمّة للإمام اتّضح من مقدّمة القسم أنّ سعة بيعة عموم الناس للإمام هى واحدة من نقاط القوّة البارزة التى اقترنت مع بداية حكمه ، إذ لم يحظَ أىّ من الخلفاء السابقين بمثل هذا الشمول . وما كان يرمى إليه معاوية فى حربه الدعائيّة هو تشويه هذه النقطة والنيل من هذا المكسب ، والإيحاء بأنّ عدم مبايعة أهل الشام للإمام هى دليل عدم شرعيّة خلافته . ٤ ـ النيل من قداسة الإمام فى الوجدان الشعبى لقد كان معاوية علي دراية تامّة بأنّه لا يستطيع مواجهة الإمام والوقوف ضدّه ٤٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / حكمة جواب الإمام لمعاوية
مع كلّ الرصيد الضخم الذى يحظي به أمير المؤمنين ¼ وما له من سابقة مشرقة فى هذا الدين ، إلاّ بتهديم تلك القداسة فى الأذهان والنيل من هالته فى الوجدان الشعبى ، عبر عمل دعائى مكثّف تتخلّله عناصر التضليل والخداع . وما الرسائل التى بعث بها للإمام إلاّ خطوة فى هذا الاتّجاه ، ثمّ جاء سبّه من علي المنابر استكمالاً لهذا النهج . والآن نتساءل : ما الذى كان سيقع لو أنّ الإمام تراجع فى هذه الحرب الدعائيّة ؟ وماذا لو لم يفتح باب المكاتبة مع معاوية بحسب تفكير ابن أبى الحديد ؟ وماذا سيكون لو أهمل كلام معاوية وبرامجه علي هذا الصعيد ولم يرد عليها ؟ هل كان معاوية يختار الصمت مثلاً ويكفّ عن حربه الدعائية الشعواء ضدَّ الإمام ؟ لا ريب أنّ سياسة السكوت فى مقابل الأمواج الدعائيّة العاتية التى يبثّها معاوية كانت ستنتهى بضرر الإمام . فسكوت الإمام كان معناه تأييداً منه لكلّ تهم معاوية . إنّه من السذاجة بمكان أن نتصوّر بأنّ الإمام لو لم يفتح باب المكاتبة مع معاوية ، لما كان معاوية قد شرع بحربه الدعائيّة ضدّ الإمام أو أنّه كان ينثنى عن إدامتها ، بل الذى لا نشكّ فيه أنّ سكوت الإمام ـ لو حصل ـ كان يستتبع تصعيد وتيرة هذه الحرب وتأجيج نيرانها أكثر . إنّ كتب الإمام وأجوبته لم تعمل علي تعطيل الفعل الدعائى الماكر لمعاوية وحسب ، بل تحوّلت إلي وثيقة فى التأريخ تثبت أحقّية الإمام . فإضافةً إلي ما ٤١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / كتاب محمّد بن أبى بكر إلي معاوية
بادر إليه الإمام من تنوير العقول وتبصير الناس وتوعيتها عبر هذه الرسائل ، فقد عمد فيها للدفاع عن نفسه علي أحسن وجه(١) ، وأتمّ الحجّة علي معاوية والمخدوعين من أتباعه . كما ترك للتأريخ ولمن يأتى بعده وثيقة حوت ما جري بينه وبين معاوية . لقد التزم الإمام جانب الحذر بعمله بحيث لم يدع معاوية يحقّق أيّاً من الأهداف التى كان يصبو إليها من حربه الدعائيّة كما يريد . ٤ / ١٧ كتاب محمّد بن أبى بكر إلي معاوية ٢٤٠٦ ـ وقعة صفّين عن عبد الله بن عوف بن الأحمر : كتب محمّد بن أبى بكر إلي معاوية : بسم الله الرحمن الرحيم . من محمّد بن أبى بكر إلي الغاوى ابن صخر . سلام علي أهل طاعة الله ممّن هو مسلم لأهل ولاية الله . أمّا بعد ; فإنّ الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقاً بلا عَنَت(٢) ولا ضعف فى قوّته ، ولا حاجة به إلي خلقهم ، ولكنّه خلقهم عبيداً ، وجعل منهم شقيّاً وسعيداً ، وغويّاً ورشيداً ، ثمّ اختارهم علي علمه ، فاصطفي وانتخب منهم محمّداً ½ ; فاختصّه برسالته ، واختاره لوحيه ، وائتمنه علي أمره ، وبعثه رسولاً مصدّقاً لما بين يديه من الكتب ، ودليلاً علي الشرائع ، فدعا إلي سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ; فكان أوّل من أجاب وأناب ، وصدق ووافق ، وأسلم وسلّم ـ أخوه وابن عمّه علىّ بن أبى طالب ¼ ، فصدّقه بالغيب المكتوم ، (١) لقد دار كثير من كلام الإمام فى الحرب الدعائيّة هذه حول إثبات فضائله . ٤٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / كتاب محمّد بن أبى بكر إلي معاوية
وآثره علي كلّ حميم ، فوقاه كلّ هول ، وواساه بنفسه فى كلّ خوف ، فحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذّلاً لنفسه فى ساعات الأزْل(١) ومقامات الروع ، حتي برز سابقاً لا نظير له فى جهاده ، ولا مقارب له فى فعله . وقد رأيتك تساميه وأنت أنت ! ! وهو هو المبرّز السابق فى كلّ خير ، أوّل الناس إسلاماً ، وأصدق الناس نيّة ، وأطيب الناس ذرّيّة ، وأفضل الناس زوجة ، وخير الناس ابن عمّ . وأنت اللعين ابن اللعين . ثمّ لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان علي إطفاء نور الله ، وتجمعان علي ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتخالفان فيه القبائل ; علي ذلك مات أبوك ، وعلي ذلك خَلَفْته . والشاهد عليك بذلك من يأوى ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ، ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله ½ . والشاهد لعلىّ ـ مع فضله المبين ، وسبقه القديم ـ أنصاره الذين ذُكروا بفضلهم فى القرآن ، فأثني الله عليهم ، من المهاجرين والأنصار ، فهم معه عصائب وكتائب حوله ، يجالدون بأسيافهم ، ويُهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل فى اتّباعه ، والشقاء فى خلافه . فكيف ـ يا لك الويل ! ! ـ تعدل نفسك بعلىّ ، وهو وارث رسول الله ½ ، ووصيّه ، وأبو ولده ، وأوّل الناس له اتّباعاً ، وآخرهم به عهداً ، يخبره بسرّه ، ويشركه فى أمره ، وأنت عدّوه وابن عدّوه ؟ ! فتمتّع ما استطعت بباطلك ، وليمدد لك ابن العاص فى غوايتك ، فكأنّ أجلك قد انقضي ، وكيدك قد وهي . وسوف ٤٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / جواب معاوية علي كتاب محمّد بن أبى بكر
يستبين لمن تكون العاقبة العليا . واعلم أنّك إنّما تكايد ربّك الذى قد أمنت كيده ، وأيست من رَوْحه(١) . وهو لك بالمرصاد ، وأنت منه فى غرور ، وبالله وأهل رسوله عنك الغَناء ، والسلام علي من اتّبع الهدي(٢) . ٤ / ١٨ ٢٤٠٧ ـ وقعة صفّين عن عبد الله بن عوف بن الأحمر : فكتب إليه معاوية : بسم الله الرحمن الرحيم . من معاوية بن أبى سفيان إلي الزارى علي أبيه محمّد ابن أبى بكر . سلام علي أهل طاعة الله . أمّا بعد ; فقد أتانى كتابك ، تذكر فيه ما الله أهله فى قدرته وسلطانه ، وما أصفي به نبيّه ، مع كلام ألفته ووضعته ، لرأيك فيه تضعيف ، ولأبيك فيه تعنيف . ذكرت حقّ ابن أبى طالب ، وقديم سوابقه وقرابته من نبىّ الله صلّي الله عليه ، ونصرته له ، ومواساته إيّاه فى كلّ خوف وهول ، واحتجاجك علىَّ بفضل غيرك بفضلك . فأحمد إلهاً صرف الفضل عنك ، وجعله لغيرك . وقد كنّا وأبوك معنا فى حياة من نبيّنا صلّي الله عليه نري حقّ ابن أبى طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، فلمّا اختار الله لنبيّه صلّي الله عليه وسلّم ما عنده ، وأتمّ له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأفلج حجّته . قبضه الله إليه ، فكان أبوك (١) رَوْح الله : رحمته (لسان العرب : ٢ / ٤٥٩) . ٤٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / جواب معاوية علي كتاب محمّد بن أبى بكر
وفاروقه أوّل من ابتزّه وخالفه ; علي ذلك اتّفقا واتّسقا ، ثمّ دعواه إلي أنفسهم ; فأبطأ عنهما ، وتلكّأ عليهما ; فهمّا به الهموم ، وأرادا به العظيم ; فبايع وسلّم لهما ; لا يشركانه فى أمرهما ، ولا يطلعانه علي سرّهما ، حتي قُبِضا وانقضي أمرهما . ثمّ قام بعدهما ثالثهما عثمان بن عفّان ، يهتدى بهديهما ، ويسير بسيرتهما ، فعبته أنت وصاحبك ، حتي طمع فيه الأقاصى من أهل المعاصى ، وبطنتما له وأظهرتما ، وكشفتما عداوتكما وغلّكما ، حتي بلغتما منه مُناكما . فخُذْ حِذْرك يابن أبى بكر ! فستري وبال أمرك . وقِسْ شبرك بفِترك(١) تقصر عن أن تساوى أو توازى من يزن الجبال حلمه ، ولا تلين علي قَسْر قناتُه ، ولا يدرك ذو مديً أناتَه . أبوك مهَّدَ مهادَه ، وبني ملكه وشاده ، فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك أوّله ، وإن يك جوراً فأبوك أسَسُه . ونحن شركاؤه ، وبهديه أخذنا ، وبفعله اقتدينا . ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبى طالب وأسلمنا له ، ولكنّا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله ، واقتدينا بفعاله . فعِب أباك ما بدا لك أو دَعْ ، والسلام علي من أناب ، ورجع عن غوايته وتاب(٢) . (١) الفِتْر : ما بين طرف الإبهام وطرف السبّابة (لسان العرب : ٥ / ٤٤) . ٤٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب
٥ / ١ ٢٤٠٨ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى شرح كلامه ¼ فى اليوم الثانى من بيعته بالمدينة ، حيث أمر ¼ بردّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان وكلّ مال أعطاه من بيت المال ـ : قال الكلبى : ثمّ أمر ¼ بكلّ سلاح وُجِد لعثمان فى داره مما تقوّي به علي المسلمين فقُبض ، وأمر بقبض نجائب كانت فى داره من إبل الصدقة فقُبضت ، وأمر بقبض سيفه ودرعه ، وأمر ألاّ يعرض لسلاح وُجِد له لم يقاتل به المسلمون ، وبالكفّ عن جميع أمواله التى وُجِدت فى داره وفى غير داره ، وأمر أن تُرتجع الأموال التى أجاز بها عثمان حيث اُصيبت أو اُصيب أصحابها . فبلغ ذلك عمرو بن العاص وكان بأيلة من أرض الشام ، أتاها حيث وثب الناس علي عثمان فنزلها فكتب إلي معاوية : ما كنت صانعاً فاصنع . إذ قَشَرَك ابن ٤٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / الاستعانة بعمرو بن العاص
أبى طالب من كلّ مال تملكه كما تُقشَر عن العصا لِحاها(١) . ٥ / ٢ ٢٤٠٩ ـ وقعة صفّين عن عمر بن سعد ومحمّد بن عبيد الله : كتب معاوية إلي عمرو وهو بالبيع من فلسطين : أمّا بعد ; فإنّه كان من أمر على وطلحة والزبير ما قد بلغك . وقد سقط إلينا مروان بن الحكم فى رافضة أهل البصرة ، وقدم علينا جرير بن عبد الله فى بيعة على ، وقد حبست نفسى عليك حتي تأتينى . أقبل اُذاكرك أمراً . فلما قرئ الكتاب علي عمرو استشار ابنيه عبد الله ومحمّداً فقال : ابنىَّ ، ما تريان ؟ فقال عبد الله : أري أنّ نبىّ الله ½ قُبض وهو عنك راض ، والخليفتان من بعده ، وقُتل عثمان وأنت عنه غائب . فقرَّ فى منزلك فلست مجعولاً خليفة ، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية علي دنيا قليلة ، أوشك أن تهلك فتشقي فيها . وقال محمّد : أري أنك شيخ قريش وصاحب أمرها ، وإن تصرّم هذا الأمر وأنت فيه خامل تصاغر أمرك ، فالحق بجماعة أهل الشام فكن يداً من أياديها ، واطلب بدم عثمان ، فإنّك قد استنمت فيه إلي بنى اُميّة . فقال عمرو : أمّا أنت يا عبد الله فأمرتنى بما هو خير لى فى دينى ، وأمّا أنت يا محمّد فأمرتنى بما هو خير لى فى دنياى ، وأنا ناظر فيه(٢) . (١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٧٠ . ٤٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / وعد المؤازرة المشروطة
٥ / ٣ ٢٤١٠ ـ تاريخ الطبرى : خرج عمرو بن العاص ومعه ابناه حتي قدم علي معاوية ، فوجد أهل الشام يحضّون معاوية علي الطلب بدم عثمان ، فقال عمرو بن العاص : أنتم علي الحقّ ، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم . ومعاوية لا يلتفت إلي قول عمرو(١) . ٢٤١١ ـ تاريخ اليعقوبى ـ فى ذكر قدوم عمرو بن العاص علي معاوية وبيعته له ـ : فقدم علي معاوية ، فذاكره أمره ، فقال له : أمّا علىّ ، فو الله ، لا تساوى العرب بينك وبينه فى شىء من الأشياء ، وإنّ له فى الحرب لحظّاً ما هو لأحد من قريش إلاّ أن تظلمه . قال : صدقت ، ولكنّا نقاتله علي ما فى أيدينا ، ونلزمه قتل عثمان . قال عمرو : وا سوأتاه ! إنّ أحقّ الناس ألاّ يذكر عثمان لا أنا ولا أنت . قال : ولِمَ ويحك ؟ قال : أمّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتي استغاث بيزيد بن أسد البجلى ، فسار إليه ; وأمّا أنا فتركته عياناً ، وهربت إلي فلسطين . فقال معاوية : دعنى من هذا مدّ يدك فبايعنى ! قال : لا ، لعمر الله ، لا اُعطيك دينى حتي آخذ من دنياك . قال له معاوية : لك مص ر طعمة ، فغضب مروان بن الحكم ، وقال : ما لى لا اُستشار ؟ ٤٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / وعد المؤازرة المشروطة
فقال معاوية : اسكت ، فانما يستشار بك . فقال له معاوية : يا أبا عبد الله ، بت عندنا الليلة . وكره أن يُفسد عليه الناس ، فبات عمرو ، وهو يقول :
فكتب له بمصر شرطاً ، وأشهد له شهوداً ، وختم الشرط ، وبايعه عمرو ، وتعاهدا علي الوفاء(١) . ٢٤١٢ ـ سير أعلام النبلاء عن يزيد بن أبى حبيب وعبد الواحد بن أبى عون : لمّا صار الأمر فى يد معاوية ، استكثر مصر طعمة لعمرو ما عاش ، ورأي عمرو أنّ الأمر كلّه قد صلح به وبتدبيره ، وظنّ أنّ معاوية سيزيده الشام ، فلم يفعل ، فتنكّر له عمرو . فاختلفا وتغالظا ، فأصلح بينهما معاوية بن حديج ، وكتب بينهما كتاباً بأنّ : لعمرو ولاية مصر سبع سنين ، وأشهد عليهما شهوداً ، وسار عمرو إلي مصر سنة تسع وثلاثين ، فمكث نحو ثلاث سنين ، ومات(٢) . ٢٤١٣ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى ذكر عمرو بن العاص ـ : إنّه لم يبايع معاوية حتي (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٦ وراجع وقعة صفّين : ٣٨ وتاريخ دمشق : ٤٦ / ١٧٠ والعقد الفريد : ٣ / ٣٣٩ . ٤٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / استغلال قميص عثمان
شرط أن يؤتيه أتيّة ، ويرضخ له علي ترك الدين رضيخة(١) . ٥ / ٤ ٢٤١٤ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : كان أهل الشام لمّا قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الذى قتل فيه مخضّباً بدمه ، وبأصابع نائلة زوجته مقطوعة بالبراجم ; إصبعان منها ، وشىء من الكفّ ، وإصبعان مقطوعتان من اُصولهما ، ونصف الإبهام ، وضع معاوية القميص علي المنبر ، وكتب بالخبر إلي الأجناد . وثاب إليه الناس ، وبكوا سنة(٢) وهو علي المنبر والأصابع معلّقة فيه ، وآلي الرجال من أهل الشام ألاّ يأتوا النساء ، ولا يمسّهم الماء للغسل إلاّ من احتلام ، ولا يناموا علي الفرش حتي يقتلوا قتلة عثمان ، ومن عرض دونهم بشىء أو تفني أرواحهم . فمكثوا حول القميص سنة ، والقميص يوضع كلّ يوم علي المنبر ويجلّله أحياناً فيلبسه ، وعلّق فى أردانه أصابع نائلة(٣) . ٢٤١٥ ـ وقعة صفّين عن عمر بن سعد : لمّا بلغ معاوية بن أبى سفيان مكان علىّ ¼ بالنخيلة ومعسكره بها ـ ومعاوية بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان ـ (١) نهج البلاغة : الخطبة ٨٤ ، الاحتجاج : ١ / ٤٣٤ / ٩٦ ، شرح المائة كلمة : ١٦٢ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٢٢١ / ٥٠٩ . إرجاعات
٣٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أهداف معاوية في حرب الدّعاية وحكمة أجوبة الإمام
٥٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / المصالحة مع الروم
وهو مخضّب بالدم ، وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون حوله لا تجفّ دموعهم علي عثمان ـ خطب معاوية أهل الشام فقال : يا أهل الشام ! قد كنتم تكذّبونى فى علىّ ، وقد استبان لكم أمره ، والله ، ما قتل خليفتكم غيره ، وهو أمر بقتله ، وألّب الناس عليه ، وآوي قتلته ، وهم جنده وأنصاره وأعوانه ، وقد خرج بهم قاصداً بلادكم ودياركم لإبادتكم . يا أهل الشام ! اللهَ اللهَ فى عثمان ! فأنا ولىّ عثمان وأحقّ من طلب بدمه ، وقد جعل الله لولىّ المظلوم سلطاناً ، فانصروا خليفتكم المظلوم ; فقد صنع به القوم ما تعلمون ، قتلوه ظلماً وبغياً ، وقد أمر الله بقتال الفئة الباغية حتي تفىء إلي أمر الله . ثمّ نزل(١) . ٥ / ٥ ٢٤١٦ ـ تاريخ الطبرى عن حرملة بن عمران : أتي معاوية فى ليلة أنّ قيصر قصد له فى الناس ، وأنّ ناتل بن قيس الجذامى غلب فلسطين وأخذ بيت مالها ، وأنّ المصريّين الذين كان سجنهم هربوا ، وأنّ على بن أبى طالب قصد له فى الناس ، فقال لمؤذّنه : أذّن هذه الساعة ، ـ وذلك نصف الليل ـ فجاءه عمرو بن العاص فقال : لِمَ أرسلتَ إلىَّ ؟ قال : أنا ما أرسلتُ إليك ، قال : ما أذّن المؤذّن هذه الساعة إلاّ من أجلى ، قال : رُميتُ بالقِسىّ الأربع ! قال عمرو : أمّا هؤلاء الذين خرجوا من سجنك ، فإنهم إن خرجوا من سجنك فهم فى سجن الله عزّ وجلّ وهم قوم شُراة لا رحلة بهم ، فاجعل لمن أتاك برجل منهم أو برأسه ديته فإنّك ستؤتي بهم ، (١) وقعة صفّين : ١٢٧ وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٠ . إرجاعات
٣٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع : حرب الدعاية / أهداف معاوية في حرب الدّعاية وحكمة أجوبة الإمام
٥١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / الاستنصار من مكّة والمدينة
وانظر قيصر فوادعه وأعطه مالاً وحُللاً من حُلل مصر فإنّه سيرضي منك بذاك ، وانظر ناتل بن قيس فلعمرى ما أغضبه الدين ولا أراد إلاّ ما أصاب ، فاكتب إليه وهب له ذلك وهنّئه إيّاه ، فإن كانت لك قدرة عليه وإن لم تكن لك فلا تأس عليه ، واجعل حدّك وحديدَك لهذا الذى عنده دُم ابن عمّك(١) . ٢٤١٧ ـ مروج الذهب : قد كان معاوية صالح ملك الروم علي مال يحمله إليه لشغله بعلىّ(٢) . ٥ / ٦ ٢٤١٨ ـ وقعة صفّين عن صالح بن صدقة : لمّا أراد معاوية السير إلي صفّين قال لعمرو بن العاص : إنّى قد رأيت أن نُلقى إلي أهل مكّة وأهل المدينة كتاباً نذكر لهم فيه أمر عثمان ، فإمّا أن ندرك حاجتنا ، وإمّا أن يكفّ القوم عنّا . قال عمرو : إنّما نكتب إلي ثلاثة نفر : راض بعلىّ فلا يزيده ذلك إلاّ بصيرة ، أو رجل يهوي عثمان فلن نزيده علي ما هو عليه ، أو رجل معتزل فلست بأوثق فى نفسه من علىّ . قال : علىَّ ذلك . فكتبا : أمّا بعد ; فإنّه مهما غابت عنا من الاُمور فلن يغيب عنا أنّ عليّاً قتل عثمان ، والدليل علي ذلك مكان قَتلته منه . وإنّما نطلب بدمه حتي يدفعوا إلينا قَتلته فنقتلهم بكتاب الله ، فإن دفعهم علىٌّ إلينا كففنا عنه ، وجعلناها شوري بين المسلمين علي ما جعلها عليه عمر بن الخطاب . وأمّا الخلافة فلسنا نطلبها ، فأعينونا علي أمرنا هذا وانهضوا من ناحيتكم ، فإنّ أيدينا وأيديكم إذا اجتمعت علي أمر واحد ، هاب علىٌّ ما هو فيه . ٥٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / إعلان الحرب
فكتب إليهما عبد الله بن عمر : أمّا بعد فلعمرى لقد أخطأتما موضع البصيرة ، وتناولتُماها من مكان بعيد ، وما زاد الله من شاكٍّ فى هذا الأمر بكتابكما إلاّ شكّاً . وما أنتما والخلافة ؟ وأمّا أنت يا معاوية فطليق ، وأمّا أنت يا عمرو فظنون . ألا فكفّا عنّى أنفسكما ، فليس لكما ولا لى نصير . وكتب رجل من الأنصار معكتاب عبد الله بن عمر :
٢٤١٩ ـ وقعة صفّين عن زياد بن رستم : كتب معاوية بن أبى سفيان إلي عبد الله بن عمر بن الخطّاب خاصّة ، وإلي سعد بن أبى وقّاص ، ومحمّد بن مسلمة ، دون كتابه إلي أهل المدينة ، فكان فى كتابه إلي ابن عمر : أمّا بعد ; فإنّه لم يكن أحد من قريش أحبّ إلىَّ أن يجتمع عليه الاُمّة بعد قتل عثمان منك . ثمّ ذكرت خذلك إيّاه وطعنك علي أنصاره فتغيّرت لك ، وقد هوّن ذلك علىَّ خلافُك علي علىّ ، ومحا عنك بعض ما كان منك ، فأعنّا ـ رحمك الله ـ علي حقّ هذا الخليفة المظلوم ، فإنّى لست اُريد الإمارة عليك ، ولكنّى اُريدها لك ، فإن أبيت كانت شوري بين المسلمين (٢) . ٥ / ٧ ٢٤٢٠ ـ وقعة صفّين عن محمّد وصالح بن صدقة : كتب علىّ ¼ إلي جرير [رسوله إلي معاوية] بعد ذلك : (١) وقعة صفّين : ٦٢ ; شرح نهج البلاغة : ٣ / ١٠٩ . ٥٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / إعلان الحرب
أمّا بعد ; فإذا أتاك كتابى هذا ، فاحمل معاوية علي الفصل ، وخذه بالأمر الجزم ، ثمّ خيّره بين حرب مجلية ، أو سلم محظية ، فإن اختار الحرب فانبذ له ، وإن اختار السلم فخذ بيعته . فلمّا انتهي الكتاب إلي جرير أتي معاوية فأقرأه الكتاب ، فقال له : يا معاوية ، إنّه لا يُطبع علي قلب إلاّ بذنب ، ولا يُشرح صدر إلاّ بتوبة ، ولا أظنّ قلبك إلاّ مطبوعاً . أراك قد وقفت بين الحقّ والباطل كأنّك تنتظر شيئاً فى يدى غيرك . فقال معاوية : ألقاك بالفيصل أوّل مجلس إن شاء الله . فلمّا بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال : يا جرير ! الحق بصاحبك . وكتب إليه بالحرب ، وكتب فى أسفل كتابه بقول كعب بن جعيل :
٥٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / إعلان الحرب
٥٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين
٦ / ١ استشارة الإمام فى المسير إلي صفّين ٢٤٢١ ـ تاريخ الطبرى عن أبى بكر الهذلى : إنّ عليّاً لمّا استخلف عبد الله بن عبّاس علي البصرة سار منها إلي الكوفة فتهيّأ فيها إلي صفّين ، فاستشار الناس فى ذلك فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم وأشار آخرون بالمسير ، فأبي إلاّ المباشرة فجهّز الناس . فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فاستشاره فقال : أمّا إذ بلغك أنّه يسير فسر بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك . قال : أمّا إذاً يا أبا عبد الله فجهّز الناس . فجاء عمرو فحضّض الناس وضعّف عليّاً وأصحابه وقال : إنّ أهل العراق قد فرّقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم وفلوا حدّهم ، ثمّ إنّ أهل البصرة مخالفون لعلىّ قد وترهم وقتلهم ، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل ، وإنما سار فى شرذمة قليلة ، ومنهم من قد قتل خليفتكم ، فاللهَ ٥٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / خطبة الإمام قبل الشخوص
اللهَ فى حقّكم أن تضيّعوه وفى دمكم أن تُبطلوه(١) . ٦ / ٢ ٢٤٢٢ ـ وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبى الكنود : لمّا أراد علىّ ¼ الشخوص من النخيلة ، قام فى الناس ـ لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء ـ فقال : الحمد لله غير مفقود النعم ، ولا مكافأِ الإفضال ، وأشهد ألاّ إله إلاّ الله ونحن علي ذلكم من الشاهدين ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ½ . أمّا بعد ذلكم ; فإنّى قد بعثت مقدّماتى ، وأمرتهم بلزوم هذا المِلطاط(٢) ، حتي يأتيهم أمرى ، فقد أردت أن أقطع هذه النُّطفة(٣) إلي شرذمة منكم مُوطّنين بأكناف(٤) دجلة ، فاُنهضهم معكم إلي أعداء الله إن شاء الله ، وقد أمّرت علي المصر عقبة بن عمرو الأنصارى ، ولم آلُكم ولا نفسى ، فإيّاكم والتخلّف والتربّص ; فإنّى قد خلّفت مالك بن حبيب اليربوعى ، وأمرته ألاّ يترك متخلّفاً إلاّ ألحقه بكم (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٦٣ . إرجاعات
٣٤٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / أصحاب الإمام يُشيرون عليه بالاستعداد للحرب
٥٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / خطبة الإمام قبل الشخوص
عاجلاً إن شاء الله . فقام اليه معقل بن قيس الرياحى فقال : يا أمير المؤمنين ! والله لا يتخلّف عنك إلاّ ظنين ، ولا يتربص بك إلاّ منافق . فأْمُر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلّفين . قال علىّ ¼ : قد أمرته بأمرى ، وليس مقصّراً فى أمرى إن شاء الله . وأراد قوم أن يتكلّموا فدعا بدابّته فجاءته ، فلمّا أراد أن يركب وضع رجله فى الركاب وقال : "بسم الله" . فلما جلس علي ظهرها قال : ³ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ± وَإِنَّـا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ² (١) . ثمّ قال : اللهمّ إنّى أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحيرة بعد اليقين ، وسوء المنظر فى الأهل والمال والولد . اللهمّ أنت الصاحب فى السفر ، والخليفة فى الأهل ، ولا يجمعهما غيرك ; لأنّ المستخلَف لا يكون مستصحَباً ، والمستصحَب لا يكون مستخلَفاً(٢) . ٢٤٢٣ ـ الأخبار الطوال : لمّا أجمع علىّ ¼ علي المسير إلي أهل الشام ، وحضرت الجمعة ، صعد المنبر ، فحمد الله وأثني عليه ، وصلّي علي النبىّ ½ ، ثمّ قال : أيّها الناس ! سيروا إلي أعداء السنن والقرآن ، سيروا إلي قتلة المهاجرين والأنصار ، سيروا إلي الجفاة الطغام الذين كان إسلامهم خوفاً وكرهاً ، سيروا إلي المؤلّفة قلوبهم ليكفّوا عن المسلمين بأسهم(٣) . ٢٤٢٤ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من خطبة له عند المسير إلي الشام ، وقيل : هو بالنخيلة (١) الزخرف : ١٣ و١٤ . ٥٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / ردّ الشمس بدعاء الإمام
خارجاً من الكوفة إلي صفّين ـ : الحمد لله كلّما وقبَ ليلٌ وغسقَ ، والحمد لله كلّما لاحَ نجمٌ وخفقَ ، والحمد لله غير مفقود الإنعام ، ولا مكافأِ الإفضال . أمّا بعد ; فقد بعثت مقدّمتى ،و أمرتهم بلزوم هذا الملطاط ، حتي يأتيهم أمرى ، وقد رأيت أن أقطع هذه النطفة إلي شرذمة منكم ، مُوطّنين أكناف دجلة ، فاُنهضهم معكم إلي عدوّكم ، وأجعلهم من أمداد القوّة لكم(١) . ٦ / ٣ ٢٤٢٥ ـ وقعة صفّين عن ابن مخنف : إنّى لأنظر إلي أبى ، مخنف بن سُليم وهو يساير عليّاً ببابل ، وهو يقول : إنّ ببابل أرضاً قد خُسِف بها ، فحرّك دابتك لعلّنا أن نصلّى العصر خارجاً منها . فحرّك دابته وحرّك الناس دوابّهم فى أثره ، فلمّا جاز جسر الصراة نزل فصلّي بالناس العصر . [و] عن عبد خير : كنت مع علىّ أسير فى أرض بابل . وحضرت الصلاة صلاة العصر . فجعلنا لا نأتى مكاناً إلاّ رأيناه أفيح(٢) من الآخر ، حتي أتينا علي مكانأحسن ما رأينا ، وقد كادت الشمس أن تغيب . فنزل علىٌّ ونزلت معه ،فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر ، فصلّينا العصر ، ثمّ غابت الشمس(٣) . (١) نهج البلاغة : الخطبة ٤٨ وراجع وقعة صفّين : ١٣٤ . إرجاعات
٨٤ - المجلد الحادي عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام عليّ / الفصل الثاني : ردّ الشمس له / ردّ الشمس أيّام إمارة الإمام
٥٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / بكاءُ الإمام لمّا وصل إلي كربلاء
٦ / ٤ بكاءُ الإمام لمّا وصل إلي كربلاء ٢٤٢٦ ـ وقعة صفّين عن الحسن بن كثير عن أبيه : إنّ عليّاً أتي كربلاء فوقف بها ، فقيل : يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء . قال : ذات كرب وبلاء . ثمّ أومأ بيده إلي مكان فقال :هاهنا موضع رحالهم ، ومُناخ ركابهم . وأومأ بيده إلي موضع آخر فقال : هاهنا مُهراق دمائهم(١) . ٢٤٢٧ ـ الفتوح : سار [علىّ ¼ ] حتي نزل بدير كعب فأقام هنالك باقى يومه وليلته . وأصبح سائراً حتي نزل بكربلاء ، ثمّ نظر إلي شاطئ الفرات وأبصر هنالك نخيلا فقال : يابن عبّاس ! أ تعرف هذا الموضع ؟ فقال : لا يا أمير المؤمنين ! ما أعرفه . فقال : أما إنّك لو عرفته كمعرفتى لم تكن تجاوزه حتي تبكى لبكائى . قال : ثمّ بكي علىّ ¢ بكاءً شديداً ، حتي اخضلّت لحيته بدموعه وسالت الدموع علي صدره ، ثمّ جعل يقول : اواه ! ما لى ولآل أبى سفيان ! ثمّ التفت إلي الحسين ¢ فقال : اِصبر أبا عبد الله ! فلقد لقى أبوك منهم مثل الذى تلقي من بعدى . ٦٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / بكاءُ الإمام لمّا وصل إلي كربلاء
قال : ثمّ جعل على ¢ يجول فى أرض كربلاء كأنّه يطلب شيئاً ، ثمّ نزل ودعا بماء فتوضّأ وضوء الصلاة ، ثمّ قام فصلّي ما شاء أن يصلّى والناس قد نزلوا هنالك من قرب نينوي(١) إلي شاطئ الفرات . قال : ثمّ خفق برأسه خفقة فنام وانتبه فزعاً فقال : يابن عبّاس ! أ لا اُحدّثك بما رأيت الساعة فى منامى ؟ فقال : بلي يا أمير المؤمنين ! فقال : رأيت رجالا بيض الوجوه ، فى أيديهم أعلام بيض ، وهم متقلّدون بسيوف لهم ، فخطّوا حول هذه الأرض خطّة ، ثمّ رأيت هذه النخيل وقد ضربت بسعفها الأرض ، ورأيت نهراً يجرى بالدم العَبيط ، ورأيت ابنى الحسين وقد غرق فى ذلك الدم وهو يستغيث فلا يغاث ، ثمّ إنّى رأيت اُولئك الرجال البيض الوجوه الذين نزلوا من السماء وهم ينادون : صبراً آل الرسول صبراً ! فإنّكم تُقتلون علي أيدى أشرار الناس ، وهذه الجنّة مشتاقة إليك يا أبا عبد الله ! ثمّ تقدّموا إلىّ فعزّونى وقالوا : أبشر يا أبا الحسن ! فقد أقرّ الله عينك بابنك الحسين غداً يوم يقوم الناس لربّ العالمين . ثمّ إنّى انتبهت ; فهذا ما رأيت ، فوَ الذى نفس علىّ بيده ! لقد حدّثنى الصادق المصدوق أبو القاسم ½ أنّى سأري هذه الرؤيا بعينها فى خروجى إلي قتال أهل البغى علينا ، وهذه أرض كربلاء الذى يُدفن فيها ابنى الحسين وشيعته وجماعة من ولد فاطمة بنت محمّد ½ ، وأنّ هذه البقعة المعروفة فى أهل السماوات تذكر بأرض كرب وبلاء ، وليُحشرنّ منها قوم يدخلون الجنّة ٦١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / مرور الجيش بالمدائن
بلا حساب(١) . ٦ / ٥ ٢٤٢٨ ـ وقعة صفّين عن عمر بن سعد : ثمّ مضي نحو ساباط(٢) حتي انتهي إلي مدينة بهرسير(٣) ، وإذا رجل من أصحابه يقال له حرّ بن سهم بن طريف من بنى ربيعة بن مالك ، ينظر إلي آثار كسري ، وهو يتمثّلقول ابن يعفر التميمى :
فقال علىّ : أ فلا قلت : ³ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ± وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ± وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ± كَذَ لِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ± فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ² (٤) ؟ إنّ هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين ، إنّ هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية . إيّاكم وكفر النعم لا تحلّ بكم النِّقم . ثمّ قال : انزلوا بهذه النَّجوة(٥)(٦) . (١) الفتوح : ٢ / ٥٥١ وراجع وقعة صفّين : ١٤٠ . إرجاعات
١٠٧ - المجلد الحادي عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام عليّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة
٦٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / مرور الجيش بالأنبار
٢٤٢٩ ـ وقعة صفّين عن الأصبغ بن نباتة : إنّ رجلاً سأل عليّاً بالمدائن عن وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فدعا بمِخْضَب(١) من بِرام قد نَصَفَه الماء . قال علىّ : مَن السائل عن وضوء رسول الله ½ ؟ فقام الرجل ،فتوضّأ علىٌّ ثلاثاً ثلاثاً ، ومسح برأسه واحدة ، وقال : هكذا رأيت رسول الله يتوضّأ(٢) . ٢٤٣٠ ـ وقعة صفّين عن حَبّة العُرَنى :أمر علىّ بن أبى طالب الحارث الأعور فصاح فى أهل المدائن : من كان من المقاتلة فليوافِ أمير المؤمنين صلاة العصر . فوافوه فى تلك الساعة ، فحمد الله وأثني عليه وقال : أمّا بعد فإنّى قد تعجبت من تخلّفكم عن دعوتكم ، وانقطاعكم عن أهل مصركم فى هذه المساكن الظالم أهلُها ، والهالك أكثر سكانها ، لا معروفاً تأمر ونبه ، ولا منكراً تنهون عنه . قالوا : يا أمير المؤمنين ! إنّا كنّا ننتظر أمرك ورأيك ، مُرنا بما أحببت . فسار وخلّف عليهم عدىّ بن حاتم ، فأقام عليهم ثلاثاً ثمّ خرج فى ثمانمائة ، وخلّف ابنه يزيد فلحقه فى أربعمائة رجل منهم ، ثمّ لحق عليّاً(٣) . ٦ / ٦ ٢٤٣١ ـ وقعة صفّين عن حبّة العُرَنى : وجاء علىّ حتي مرّ بالأنبار ، فاستقبله (١) المِخضَب : هى إجّانةٌ تُغْسَلُ فيها الثياب (النهاية : ٢ / ٣٩) . ٦٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / مرور الجيش بالأنبار
بنو خُشنوشك(١) دهاقنتها . فلما استقبلوه نزلوا ثمّ جاؤوا يشتدّون معه قال : ما هذه الدوابّ التى معكم ؟ وما أردتم بهذا الذى صنعتم ؟ قالوا : أمّا هذا الذى صنعنا فهو خُلق منّا نعظّم به الاُمراء . وأمّا هذه البراذين فهديّة لك . وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاماً ، وهيّأنا لدوابّكم علفاً كثيراً . قال : أمّا هذا الذى زعمتم أنّه منكم خُلق تعظّمون به الاُمراء فو الله ، ما ينفع هذا الاُمراء ، وإنّكم لتشقّون به علي أنفسكم وأبدانكم ، فلا تعودوا له . وأمّا دوابّكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم . وأمّا طعامكم الذى صنعتم لنا فإنّا نكره أن نأكل من أموالكم شيئاً إلاّ بثمن . قالوا : يا أمير المؤمنين ، نحن نقوِّمه ثمّ نقبل ثمنه . قال : إذاً لا تقوّمونه قيمته ، نحن نكتفى بما دونه . قالوا : يا أمير المؤمنين ، فإنّ لنا من العرب موالىَ ومعارفَ ، فتمنعنا أن نهدى لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا ؟ قال : كلّ العرب لكم موال ، وليس ينبغى لأحد من المسلمين أن يقبل هديّتكم . وإن غصبكم أحدٌ فأعلمونا . قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنّا نحبّ أن تقبل هديّتنا وكرامتنا . قال لهم : ويحكم ، نحن أغني منكم . فتركهم ثمّ سار(٢) . (١) قال سليمان بن الربيع بن هشام النهدى أحد رواة كتاب صفّين : خُشْ : طيب . نُوشَك : راض . يعنى بنى الطيّب الراضى ، بالفارسيّة (انظر وقعة صفّين : ١٤٤) . ٦٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / خبر ماء الدير
٦ / ٧ ٢٤٣٢ ـ الفتوح : أقام علىّ ¢ بالأنبار يومين ، فلمّا كان فى اليوم الثالث سار بالناس فى بريّة ملساء ، وعطش الناس واحتاجوا إلي الماء . قال : وإذا براهب فى صومعته ، فدنا منه علىّ ¢ وصاح به فأشرف عليه ، فقال له علىّ ¢ : هل تعلم بالقرب منك ماء نشرب منه ؟ فقال : ما أعلم ذلك ، وإنّ الماء ليُحمل إلينا من قريب من فرسخين . قال : فتركه علىّ ¢ وأقبل إلي موضع من الأرض فطاف به ، ثمّ أشار إلي مكان منه فقال : احفروا ههنا . فحفروا قليلا وإذا هم بصخرة صفراء كأنّما طليت بالذهب ، وإذا هى علي سبيل الرحي لا ينتقلها إلاّ مائة رجل . فقال علىّ ¢ : اقلبوها فالماء من تحتها . فاجتمع الناس عليها فلم يقدروا علي قلبها . قال : فنزل علىّ ¢ عن فرسه ، ثمّ دنا من الصخرة وحرّك شفتيه بشىء لم يُسمع ، ثمّ دنا من الصخرة وقال : باسم الله ، ثمّ حرّكها ورفعها فدحاها ناحية . قال : فإذا بعين من الماء لم تر الناس أعذب منها ولا أصفي ولا أبرد ، فنادي فى الناس أن "هلمّوا إلي الماء" . قال : فورد الناس فنزلوا وشربوا وسقوا ما معهم من الظَّهر ، وملؤوا أسقيتهم ، وحملوا من الماء ما أرادوا . ثمّ حمل علي الصخرة وهو يحرّك شفتيه بمثل كلامه الأوّل حتي ردّ الصخرة إلي موضعها . ٦٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / خبر ماء الدير
ثمّ سار حتي نزل فى الماء الذى أرادوا وإذا ماؤه متغيّر ، فقال على ¢ لأصحابه : أ فيكم من يعرف مكان الماء الذى يتم عليه ؟ فقالوا : نعم يا أمير المؤمنين . قال : فانطلَقوا إليه ، فطلبوا مكان الصخرة فلم يقدروا عليه ; فانطلقوا إلي الراهب فصاحوا به : يا راهب ! فأشرف عليهم ، فقالوا : أين هذا الماء الذى هو بالقرب من ديرك ؟ فقال الراهب : إنّه ما بقُربى شىء من الماء ! فقالوا : بلي ! قد شربنا منه . نحن وصاحبنا ، وهو الذى استخرج لنا الماء وقد شربنا منه . فقال الراهب : والله ما بُنى هذا الدير إلاّ بذلك الماء ، وإنّ لى فى هذه الصومعة منذ كذا سنة ما علمت بمكان هذا الماء ، وإنّها عين يقال لها عين راحوما ، ما استخرجها إلاّ نبىّ أو وصىّ نبىّ ، ولقد شرب منها سبعون نبيّاً وسبعون وصيّاً . قال : فرجعوا إلي علىّ ¢ فأخبروه بذلك ، فسكت ولم يقل شيئاً(١) . ٢٤٣٣ ـ الإرشاد ـ فى بيان قصّة عطش أصحاب الإمام ¼ لمّا توجّه إلي صفّين ولقائهم مع الراهب ـ : فقال ¼ : اكشفوا الأرض فى هذا المكان . فعدل جماعة منهم إلي الموضع فكشفوه بالمساحى ، فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، هنا صخرة لا تعمل فيها المساحى . ٦٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / النزول ببليخ
فقال لهم : إنّ هذه الصخرة علي الماء فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء . فاجتهدوا فى قلبها ، فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلي ذلك سبيلاً واستصعبت عليهم ، فلمّا رآهم ¼ قد اجتمعوا وبذلوا الجهد فى قلع الصخرة فاستصعبت عليهم ، لوي ¼ رجله عن سرجه حتي صار علي الأرض ، ثمّ حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرّكها ، ثمّ قلعها بيده ودحا بها أذرعاً كثيرة ، فلمّا زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء ، فتبادروا إليه فشربوا منه ، فكان أعذب ماء شربوا منه فى سفرهم وأبرده وأصفاه . فقال لهم : تزوّدوا وارتووا . ففعلوا ذلك . ثمّ جاء إلي الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت(١) . ٢٤٣٤ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى صفة قوّة الإمام ¼ ـ : وهو الذى قلع باب خيبر واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقلبوه ، وهو الذى اقتلع هُبل من أعلي الكعبة ، وكان عظيماً جدّاً وألقاه إلي الأرض ، وهو الذى اقتلع الصخرة العظيمة فى أيّام خلافته ¼ بيده بعد عجز الجيش كلّه عنها وأنبط الماء من تحتها(٢) . ٦ / ٨ ٢٤٣٥ ـ الفتوح : ونظر إليه [علىٍّ ¼ ] راهبٌ قد كان هنالك فى صومعة له ، فنزل من (١) الإرشاد : ١ / ٣٣٥ ، إعلام الوري : ١ / ٣٤٦ نحوه وراجع خصائص الأئمّة ¥ : ٥٠ والخرائج والجرائح : ١ / ٢٢٢ / ٦٧ والفضائل لابن شاذان : ٨٩ . ٦٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / النزول ببليخ
الصومعة وأقبل إلي علىّ ¢ ، فأسلم علي يده ; ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ! إنّ عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا ، يذكرون أنّ عيسي بن مريم ¼ كتبه ، أ فأعرضه عليك ؟ قال علىّ ¢ : نعم فهاته . فرجع الراهب إلي الصومعة وأقبل بكتاب عتيق قد كاد أن يندرس ، فأخذه علىّ وقبله ثمّ دفعه إلي الراهب ، فقال : اقرأه علىَّ ! فقرأه الراهب علي علىّ ¢ ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، الذى قضي فيما قضي وسطر فيما سطر ، أنّه باعث فى الاُمّيّين رسولا منهم يعلّمهم الكتاب والحكمة ، ويدلّهم علي سبيل الرشاد ، لا فَظّ(١) ولا غليظ ولا صَخّاب(٢) فى الأسواق ، لا يجزى السيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، اُمّته الحامدون الذين يَحمدون الله علي كلّ حال فى هبوط الأرض وصعود الجبال ، ألسنتهم مذلّلة بالتسبيح والتقديس والتكبير والتهليل ، ينصر الله هذا النبىّ علي من ناواه ; فإذا توفّاه الله اختلفت اُمّته من بعده ، ثمّ يلبثون بذلك ما شاء الله ; فيمرّ رجل من اُمّته بشاطئ هذا النهر ، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، يقضى بالحقّ ولا يرتشى فى الحكم ، الدنيا عليه أهون من شرب الماء علي الظمآن ، يخاف الله عزّ وجلّ فى السِرّ وينصح الله فى العلانية ، ولا يأخذه فى الله لومة لائم ، فمن أدرك ذاك النبىّ فليؤمن به ، فمن آمن به كان له رضوان الله والجنّة ، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإنّه وصىّ خاتم الأنبياء ، والقتل معه شهادة . قال : ثمّ إنّه أقبل هذا الراهب علي علىّ فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّى صاحبك (١) فظّ : سَيِّئ الخُلق (لسان العرب : ٧ / ٤٥١) . ٦٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / الوصول إلي الرقّة
لا اُفارقك أبداً حتي يصيبنى ما أصابك . قال : فبكي علىّ ¢ ثمّ قال : الحمد لله الذى ذكرنى عنده فى كتب الأبرار . قال : ثمّ سار وهذا الراهب معه ، فكان يتغدّي ويتعشّي مع علىّ ; حتي صار إلي صفّين ، فقاتل فقُتل ، فقال علىّ لأصحابه : اطلبوه ! فطلبوه فوجدوه ، فصلّي عليه علىّ ¢ ودفنه واستغفر له ، ثمّ قال : هذا منّا أهل البيت(١) . ٦ / ٩ ٢٤٣٦ ـ وقعة صفّين عن يزيد بن قيس الأرحبى : ثمّ سار أمير المؤمنين حتي أتي الرقّة وجلّ أهلها العثمانيّة ، الذينفرّوا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلي معاوية ، فغلّقوا أبوابها وتحصّنوا فيها ،و كان أميرهم سماك بن مخرمة الأسدى فى طاعة معاوية ، وقد كان فارق عليّاً فى نحو من مائة رجل من بنى أسد ، ثمّ أخذ يكاتب قومه حتي لحق به منهم سبعمائة رجل(٢) . ٢٤٣٧ ـ الفتوح : دعا [علىّ ¼ ] علي أهل الرقّة فقال : اعقدوا لى جسراً علي هذا الفرات حتي أعبر عليه أنا وأصحابى إلي قتال معاوية . فأبوا ذلك ; وعلم علىّ ¢ هوي أهل الرقّة فى معاوية ، فتركهم ونادي فى أصحابه : نمضى لكى نعبر علي جسر منبج(٣) . (١) الفتوح : ٢ / ٥٥٦ ; وقعة صفّين : ١٤٧ نحوه . ٦٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / كتاب الإمام إلي معاوية وجوابه
قال : فخرج الأشتر إلي أهل الرقّة مغضباً وقال : والله يا أهل الرقّة ! لئن لم تعقدوا لأمير المؤمنين جسراً لاُجرّدن فيكم السيف ولأقتلنّ الرجال ولأحوينّ الأموال . فلمّا سمع أهل الرقّة ذلك قال بعضهم لبعض : إنّ الأشتر والله يوفى بما يقول ; ثمّ إنّهم ركبوا خلف علىّ بن أبى طالب فردّوه وقالوا : ارجع يا أمير المؤمنين ! فإنّنا عاقدون لك جسراً . قال : فرجع علىّ إلي الرقّة ، وعقدوا له جسراً علي الفرات ، ونادي فى أصحابه أن اركبوا ! فركبت الناس وعبرت الأثقال كلّها ، وعبر الناس بأجمعهم ، وعلىّ واقف فى ألف فارس من أصحابه ، ثمّ عبر آخر الناس(١) . ٦ / ١٠ ٢٤٣٨ ـ وقعة صفّين عن أبى الوداك : إنّ طائفة من أصحاب علىّ قالوا له : اكتب إلي معاوية وإلي من قِبَله من قومك بكتاب تدعوهم فيه إليك وتأمرهم بترك ما هم فيه من الخطأ فإنّ الحجّة لن تزداد عليهم بذلك إلاّ عظماً ، فكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي معاوية وإلي من قِبَله من قريش . سلام عليكم فإنّى أحمد الله إليكم الله الذى لا إله إلاّ هو . أمّا بعد ، فإنّ لله عباداً آمنوا بالتنزيل ، وعرفوا التأويل ، وفُقهوا فى الدين ، وبيّن الله فضلهم فى القرآن الحكيم ، وأنتم فى ذلك الزمان أعداء لرسول الله صلّي الله ٧٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / كتاب الإمام إلي معاوية وجوابه
عليه ، تكذّبون بالكتاب ، مجمعون علي حرب المسلمين ، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذّبتموه أو قتلتموه ، حتي أراد الله إعزاز دينه وإظهار رسوله ، ودخلت العرب فى دينه أفواجاً ، وأسلمت له هذه الاُمّة طوعاً وكرهاً ، وكنتم ممّن دخل فى هذا الدين إمّا رغبة وإمّا رهبة ، علي حين فاز أهل السبق بسبقهم وفاز المهاجرون الأولون بفضلهم . فلا ينبغى لمن ليست له مثل سوابقهم فى الدين ولا فضائلهم فى الإسلام ، أن ينازعهم الأمر الذى هم أهله وأولي به ، فيحوب(١) بظلم . ولا ينبغى لمن كان له عقل أن يجهل قدره ، ولا أن يعدو طوره ، ولا أن يُشقى نفسه بالتماس ما ليس له . ثمّ إنّ أولي الناس بأمر هذه الاُمّة قديماً وحديثاً ، أقربها من رسول الله صلّي الله عليه ، وأعلمها بالكتاب وأفقهها فى الدين ، وأوّلها إسلاماً وأفضلها جهاداً وأشدّها بما تحمله الرعية من أمورها اضطلاعاً . فاتقوا الله الذى إليه ترجعون ، ³ وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِـلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ² (٢) . واعلموا أنّ خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون ، وأنّ شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ، فإنّ للعالم بعلمه فضلاً ، وإنّ الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلاّ جهلاً . ألا وإنّى أدعوكم إلي كتاب الله وسنّة نبيه صلّي الله عليه ، وحقن دماء هذه الاُمّة . فإن قبلتم أصبتم رشدكم ، واهتديتم لحظّكم . وإن أبيتم إلاّ الفرقة وشقّ عصا هذه الاُمّة فلن تزدادوا من الله إلاّ بعداً ، ولن يزداد الربّ عليكم إلاّ سُخطاً . والسلام . فكتب إليه معاوية : أمّا بعد ; فإنّه : (١) الحُوب : الإثم ، وفلان يَتحوَّب من كذا ; أى يتأثّم (لسان العرب : ١ / ٣٤٠) . ٧١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / الأشتر علي مقدّمة جيش الإمام
فقال على : ³ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ² (١) (٢) . ٦ / ١١ ٢٤٣٩ ـ تاريخ الطبرى عن خالد بن قطن الحارثى : إنّ عليّاً لما قطع الفرات دعا زياد بن النضر وشريح بن هانئ فسرّحهما أمامه نحو معاوية علي حالهما التى كانا خرجا عليها من الكوفة . قال : وقد كانا حيث سرّحهما من الكوفة أخذا علي شاطئ الفرات من قبل البرّ ممّا يلى الكوفة حتي بلغا عانات(٣) ، فبلغهما أخذ علىّ علي طريق الجزيرة ، وبلغهما أنّ معاوية قد أقبل من دمشق فى جنود أهل الشام لاستقبال علىّ فقالا : لا والله ، ما هذا لنا برأى أن نسير وبيننا وبين المسلمين وأمير المؤمنين هذا البحر ! وما لنا خير فى أن نلقي جنود أهل الشام بقلّة من معنا منقطعين من العدد والمدد . فذهبوا ليعبروا من عانات ، فمنعهم أهل عانات وحبسوا عنهم السفن ، فأقبلوا راجعين حتي عبروا من هيت(٤) ، ثمّ لحقوا عليّاً (١) القصص : ٥٦ . ٧٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / الأشتر علي مقدّمة جيش الإمام
بقرية دون قرقيسياء(١) وقد أرادوا أهل عانات فتحصّنوا وفرّوا ، ولما لحقت المقدّمة عليّاً قال : مقدّمتى تأتينى من ورائى ! فتقدم إليه زياد بن النضر الحارثى وشريح بن هانئ فأخبراه بالذى رأيا حين بلغهما من الأمر ما بلغهما . فقال : سددتما . ثمّ مضي علىّ فلما عبر الفرات قدّمهما أمامه نحو معاوية ، فلمّا انتهيا إلي سور الروم لقيهما أبو الأعور السلمى عمرو بن سفيان فى جند من أهل الشام ، فأرسلا إلي علىّ : إنّا قد لقينا أبا الأعور السلمى فى جند من أهل الشام وقد دعوناهم فلم يجبنا منهم أحد فمرنا بأمرك . فأرسل علىّ إلي الأشتر فقال : يا مالك ، إنّ زياداً وشريحاً أرسلا إلىّ يعلمانى أنّهما لقيا أبا الأعور السلمى فى جمع من أهل الشام ، وأنبأنى الرسول أنّه تركهم متواقفين ، فالنجاء إلي أصحابك النجاء ، فإذا قدمت عليهم فأنت عليهم وإيّاك أن تبدأ القوم بقتال إلاّ أن يبدؤوك حتي تلقاهم فتدعوهم وتسمع ، ولا يَجرمنّك شنآنهم علي قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم مرّة بعد مرّة ، واجعل علي ميمنتك زياداً وعلي ميسرتك شريحاً وقف من أصحابك وسطاً ، ولا تدنُ منهم دنوّ من يريد أن يُنشب الحرب ، ولا تباعد منهم بُعد من يهاب البأس حتي أقدم عليك ، فإنّى حثيث السير فى أثرك إن شاء الله . قال : وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفى فكتب علىّ إلي زياد وشريح : أمّا بعد ، فإنّى قد أمّرت عليكما مالكاً فاسمعا له وأطيعا ، فإنّه ممّن لا يخاف ٧٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / مقابلة مقدّمة الجيشين
رهقه ولا سقاطه ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم ، ولا الإسراع إلي ما الإبطاء عنه أمثل ، وقد أمرته بمثل الذى كنت أمرتكما به ألاّ يبدأ القوم حتي يلقاهم فيدعوهم ويُعذر إليهم(١) . ٦ / ١٢ ٢٤٤٠ ـ تاريخ الطبرى عن خالد بن قطن الحارثى : خرج الأشتر حتي قدم علي القوم ، فاتّبع ما أمره علىّ وكفّ عن القتال ، فلم يزالوا متواقفين حتي إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمى ، فثبتوا له واضطربوا ساعة ، ثمّ إنّ أهل الشام انصرفوا . ثمّ خرج إليهم من الغد هاشم بن عتبة الزهرى فى خيل ورجال حسن عددها وعُدّتها ، وخرج إليه أبو الأعور فاقتتلوا يومهم ذلك ، تحمل الخيل علي الخيل والرجال علي الرجال ، وصبر القوم بعضهم لبعض ثمّ انصرفوا ، وحمل عليهم الأشتر فقتل عبد الله بن المنذر التنوخى قتله يومئذ ظبيان بن عمار التميمى وما هو إلاّ فتي حدث وإن كان التنوخى لفارس أهل الشام ، وأخذ الأشتر يقول : ويحكم ! أرونى أبا الأعور . ثمّ إنّ أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه ، فوقف من وراء المكان الذى كان فيه أول مرّة ، وجاء الأشتر حتي صفّ أصحابه فى المكان الذى كان فيه أبو الأعور ، فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعى : انطلق إلي أبى الأعور فادعه إلي المبارزة ، فقال : إلي مبارزتى أو مبارزتك ؟ فقال له الأشتر : لو أمرتك بمبارزته فعلت ؟ قال : نعم والله ، لو أمرتنى أن أعترض صفّهم ٧٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السادس : مسير الإمام إلي صفّين / مقابلة مقدّمة الجيشين
بسيفى ما رجعت أبداً حتي أضرب بسيفى فى صفّهم ، قال له الأشتر : يابن أخى ، أطال الله بقاءك ! قد والله ، ازددت رغبة فيك لا أمرتك بمبارزته إنّما أمرتك أن تدعوه إلي مبارزتى ، إنّه لا يبرز إن كان ذلك من شأنه إلاّ لذوى الأسنان والكفاءة والشرف ، وأنت ـ لربّك الحمد ـ من أهل الكفاءة والشرف غير أنّك فتيً حدث السن ، فليس بمبارز الأحداث ولكن ادعه إلي مبارزتى . فأتاه فنادي : آمنونى فإنّى رسول فأومن ، فجاء حتي انتهي إلي أبى الأعور . قال أبو مخنف : فحدّثنى النضر بن صالح أبو زهير العبسى قال : حدّثنى سنان قال : فدنوت منه فقلت : إنّ الأشتر يدعوك إلي مبارزته . قال : فسكت عنّى طويلا ثمّ قال : إنّ خفّة الأشتر وسوء رأيه هو حمله علي إجلاء عمّال ابن عفان من العراق ، وانتزاؤه عليه يقبّح محاسنه ، ومن خفّة الأشتر وسوء رأيه أن سار إلي ابن عفّان فى داره وقراره حتي قتله ، فيمن قتله فأصبح متّبعاً بدمه ، ألا لا حاجة لى فى مبارزته . قال : قلت : إنّك قد تكلّمت فاسمع حتي اُجيبك ، فقال : لا ، لا حاجة لى فى الاستماع منك ولا فى جوابك ، اذهب عنّى . فصاح بى أصحابه فانصرفت عنه ، ولو سمع إلىّ لأخبرته بعذر صاحبى وحجّته . فرجعت إلي الأشتر فأخبرته أنّه قد أبي المبارزة ، فقال : لنفسه نظر . فواقفناهم حتي حجز الليل بيننا وبينهم وبتنا متحارسين ، فلمّا أصبحنا نظرنا فإذا القوم قد انصرفوا من تحت ليلتهم ، ويصبّحنا علىّ بن أبى طالب غدوة . فقدم الأشتر فيمن كان معه فى تلك المقدّمة حتي انتهي إلي معاوية فواقفه ، وجاء علىّ فى أثره فلحق بالأشتر سريعاً فوقف وتواقفوا طويلا (١) . |
||||||||||||||||||||||||||||||