الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد السادس

 

 

 ٧٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين

المدخل

توجّه الإمام  ¼ من الكوفة باتّجاه الشام فى شهر شوّال من عام ٣٦ هـ ، ولمّا كان الطريق المستقيم بينهما يمرّ عبر صحراء جرداء لا عشب فيها ولا ماء ولم تكن للإمام  ¼ المعدّات الكافية لدعم جيشه الذى قوامه مائة ألف ، اختار الطريق المحاذى للفرات (أى مسير الجزيرة) . فمرّ علي كربلاء وهيت و. . . حتي وصل إلي الرقّة قرب صفّين .

فالتقت مقدّمة جيش الإمام بقيادة مالك الأشتر مع مقدّمة جيش معاوية واضطرّتهم للفرار ، وهى أوّل مواجهة بين الجيشين فى صفّين ، والذى شرع بهذه المواجهة جيش معاوية .

وفى أواخر ذى القعدة وصل جيش الإمام إلي صفّين ، بعد وصول جيش معاوية إليها لقربها من الشام ، واحتلال المناطق الحسّاسة من

 ٧٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / المدخل

المنطقة .

وقد نظّم معاويةُ جيشَه بنحو بحيث لا يتمكّن جيش الإمام من الوصول للماء . فنصحهم الإمام  ¼ ، وأرسل اليهم رسولاً فى ذلك ، لكن دون جدوي .

فهجم الأشتر والأشعث علي جيش معاوية ـ بعد موافقة الإمام علي ذلك ـ واستولوا علي الماء . فأمر الإمام  ¼ بتنظيم الجيش بنحو يتمكّن معه الجيشان من الماء . وبهذا انتصر الإمام  ¼ نصراً معنويّاً سجّله التاريخ فى صفحاته بماء الذهب بأنّ الإمام يمنع التوسّل بالسبل غير الإنسانيّة فى مواجهة العدوّ لتحصيل النصر .

ثمّ أرسل الإمام  ¼ ممثّليه إلي معاوية كى يدفعوا به إلي الاستسلام ، ويحولون دون وقوع الحرب وإراقة الدماء . فلمّا أقبلوا علي معاوية طردهم بغضب .

وفى شهر ذى الحجّة حصلت مناوشات ومواجهات متفرّقة بين الجيشين ; إذ كان الإمام فى صدد إنهاء ذلك بالصلح دون الحرب ، ولذا لم تكن المواجهة بين تمام الجيشين .

ثمّ انقطعت هذه المواجهات المتفرّقة فى شهر محرّم من عام ٣٧ هـ ، وصارت محادثات الصلح بصورة أكثر جدّية ، لكنّها لم تثمر شيئاً كسابقاتها .

فلمّا تقطّعت جميع السبل تهيّأ الإمام  ¼ للحرب ، فبدأت الحرب يوم الأربعاء أوّل شهر صفر عام ٣٧ هـ . وكانت الحرب فى الاُسبوع الأوّل بهذه الكيفيّة :

يخرج صباح كلّ يوم أحد القادة الأبطال لجيش الإمام ويحارب العدوّ حتي

 ٧٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / المدخل

المساء ، ثم تنقطع الحرب إلي اليوم التالى دون حصول نصر لأحد الطرفين علي الآخر خلال هذه المدّة .

وكان قادة الجيش فى هذه الأيّام : مالك الأشتر ، وعمّار بن ياسر ، ومحمّد ابن الحنفيّة ، وعبد الله بن عبّاس ، وهاشم بن عتبة ، وقيس بن سعد .

لكن الحرب اشتدّت فى يوم الأربعاء الثامن من صفر واتّخذت شكلاً آخر ; حيث اشترك فيها تمام الجيشين . وقد استقرّ الإمام  ¼ فى القلب ، وتولّي قيادة الجيش بنفسه . واستُشهد عدد كثير من كبار الجيش فى هذا اليوم ويوم الخميس .

ولمّا كان قصد الإمام حسم الأمر لم تتوقّف الحرب عند غروب الخميس بل استمرّت ليلة الجمعة أيضاً ، وكانت أشدّ ليلة طوال الحرب ، ولهذا سُمّيت "ليلة الهرير" .

وكان الإمام  ¼ حاضراً بنفسه فى أرض المعركة يوم الخميس وليلة الجمعة ، وقتل بيده ٥٢٣ شخصاً أكثرهم من شجعان أهل الشام .

ولشدّة الحرب صلّي أصحاب الإمام  ¼ فى ميدان القتال إيماءً .

وفى صباح الجمعة أشرقت الشمس وأطلّت علي ظفر جيش الإمام وانكسار وهزيمة أهل الشام . وأشرف مالك الأشتر والسريّة التى يقودها علي خيمة معاوية ـ التى يقود الجيش منها ـ بحيث صمّم معاوية علي الاستسلام وطلب الأمان ، لكن جري قلم القدر علي شىء آخر ; فتلاقح جهل الخوارج مع حيلة عمرو بن العاص فأنتجا نجاة معاوية !

 ٧٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاصطفاف للقتال

٧ / ١

الاصطفاف للقتال

٢٤٤١ ـ تاريخ الطبرى عن أبى عبد الرحمن السلمى : سمعت عمّار بن ياسر بصفّين وهو يقول لعمرو بن العاص : لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثاً مع رسول الله  ½ وهذه الرابعة ، ما هى بأبرّ ولا أتقي(١) .

٢٤٤٢ ـ وقعة صفّين عن أسماء بن الحكم الفزارى : كنّا بصفّين مع علىّ بن أبى طالب تحت راية عمّار بن ياسر ، ارتفاع الضحي ـ استظللنا ببرد أحمر ـ إذ أقبل رجل يستقرى الصف حتي انتهي إلينا فقال : أيّكم عمّار بن ياسر ؟

فقال عمّار بن ياسر : هذا عمّار .

قال : أبو اليقظان ؟

قال : نعم .

قال : إنّ لى حاجة إليك فأنطق بها علانية أو سرّاً

قال : اختر لنفسك أىَّ ذلك شئت .

قال : لا ، بل علانية .

قال : فانطق .

قال : إنّى خرجت من أهلى مستبصراً فى الحقّ الذى نحن عليه لا أشكّ فى ضلالة هؤلاء القوم وأنّهم علي الباطل ، فلم أزل علي ذلك مستبصراً حتي كان ليلتى هذه صباح يومنا هذا ; فتقدّم منادينا فشهد ألاّ إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٨١ .

 ٧٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاصطفاف للقتال

رسول الله ، ونادي بالصلاة ، فنادي مناديهم بمثل ذلك ، ثمّ اُقيمت الصلاة فصلّينا صلاة واحدة ، ودعونا دعوة واحدة ، وتلونا كتاباً واحداً ، ورسولُنا واحد ، فأدركنى الشكّ فى ليلتى هذه ، فبتّ بليلة لا يعلمها إلاّ الله حتي أصبحت ، فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له فقال : هل لقيتَ عمّار بن ياسر ؟

قلت : لا .

قال : فالقه فانظر ما يقول لك فاتّبعه . فجئتك لذلك .

قال له عمّار : هل تعرف صاحب الراية السوداء المقابلتى فإنّها راية عمرو بن العاص ، قاتلتُها مع رسول الله  ½ ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة ما هى بخيرهنّ ولا أبرّهنّ ، بل هى شرّهنّ وأفجرهنّ .

أ شَهدت بدراً واُحداً وحنيناً أو شهدها لك أبٌ فيخبرك عنها ؟

قال : لا .

قال : فإنّ مراكزنا علي مراكز رايات رسول الله  ½ يوم بدر ، ويوم اُحد ، ويوم حنين ، وإنّ هؤلاء علي مراكز رايات المشركين من الأحزاب ، هل تري هذا العسكر ومن فيه ؟ فو الله ، لوددت أنّ جميع من أقبل مع معاوية ممّن يريد قتالنا مفارقاً للذى نحن عليه كانوا خلقاً واحداً فقطّعته وذبحته ، والله ، لدماؤهم جميعاً أحلّ من دم عصفور ، أ فتري دم عصفور حراماً ؟

قال : لا ، بل حلال .

قال : فإنّهم كذلك حلال دماؤهم .

أ ترانى بيّنتُ لك ؟

قال : قد بيّنتَ لى .

 ٨٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاصطفاف للقتال

قال : فاختر أىّ ذلك أحببت .

قال : فانصرف الرجل ثمّ دعاه عمّار بن ياسر فقال : أما إنّهم سيضربوننا بأسيافهم حتي يرتاب المبطلون منكم فيقولون : لو لم يكونوا علي حقّ ما ظهروا علينا . والله ، ما هم من الحقّ علي ما يُقذى(١) عين ذباب ، والله ، لو ضربونا بأسيافهم حتي يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنّا علي حقّ وهم علي باطل .

وايمُ الله ، لا يكون سلماً(٢) سالماً أبداً حتي يبوء أحد الفريقين علي أنفسهم بأنّهم كانوا كافرين ، وحتي يشهدوا علي الفريق الآخر بأنّهم علي الحقّ وأنّ قتلاهم فى الجنّة وموتاهم ، ولا ينصرم أيّام الدنيا حتي يشهدوا بأنّ موتاهم وقتلاهم فى الجنّة ، وأنّ موتي أعدائهم وقتلاهم فى النار ، وكان أحياؤهم علي الباطل(٣) .

٢٤٤٣ ـ مسند ابن حنبل عن عبد الله بن سلمة : رأيت عمّاراً يوم صفّين شيخاً كبيراً آدم طوالاً آخذ الحربة بيده ويده ترعد فقال : والذى نفسى بيده ، لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله  ½ ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة ، والذى نفسى بيده ، لو ضربونا حتي يبلغوا بنا شعفات هجر لعرفت أنّ مصلحينا علي الحقّ وأنّهم علي الضلالة(٤) .


(١) القَذَي : جمع قَذاة ، وهو ما يقع فى العين والماء والشراب من تراب أو تِبْن أو وَسَخ أو غير ذلك (النهاية : ٤٠ / ٣٠) .
(٢) كذا فى المصدر .
(٣) وقعة صفّين : ٣٢١ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٩١ / ٤٢٤ ; شرح نهج البلاغة : ٥ / ٢٥٦ وليس فيه "و ايم الله ، لا يكون . . ." .
(٤) مسند ابن حنبل : ٦ / ٤٨٠ / ١٨٩٠٦ ، مسند أبى يعلي : ٢ / ٢٦٢ / ١٦٠٧ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٤٣٣ / ٥٦٥١ وص ٤٤٣ / ٥٦٧٨ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٢٥٦ ، أنساب الأشراف : ١ / ١٩٥ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ٤٠٨ / ٨٤ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٣٦ وفى الستّة الأخيرة "سعفات" بدل "شعفات" ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٧٢٧ / ٣٦ نحوه ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٦٧ ; الخصال : ٢٧٦ / ١٨ عن حفص بن غياث عن الإمام الصادق  ¼ نحوه .

 ٨١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / حيلولة جيش معاوية دون الماء

٧ / ٢

حيلولة جيش معاوية دون الماء

٢٤٤٤ ـ الأخبار الطوال : أقبل علىّ   ¢ حتي وافي المكان ، فصادف أهل الشام قد احتووا علي القرية والطريق ، فأمر الناس ، فنزلوا بالقرب من عسكر معاوية ، وانطلق السَّقّاؤون والغلمان إلي طريق الماء ، فحال أبو الأعور بينهم وبينه .

واُخبر علىّ   ¢ بذلك ، فقال لصعصعة بن صوحان : إيت معاوية ، فقل له : إنّا سرنا إليكم لنُعذر قبل القتال ، فإن قبلتم كانت العافية أحبّ إلينا ، وأراك قد حلتَ بيننا وبين الماء ، فإن كان أعجب إليك أن ندع ما جئنا له ، ونذر الناس يقتتلون علي الماء حتي يكون الغالب هو الشارب فعلنا .

فقال الوليد : اِمنعهم الماء كما منعوه أمير المؤمنين عثمان ، اقتلهم عطشاً ، قتلهم الله .

فقال معاوية لعمرو بن العاص : ما تري ؟ .

قال : أري أن تُخلّى عن الماء ، فإنّ القوم لن يعطشوا وأنت ريّان .

فقال عبد الله بن أبى سَرْح ، وكان أخا عثمان لأمّه : اِمنعهم الماء إلي الليل ، لعلّهم أن ينصرفوا إلي طرف الغيضة(١) ، فيكون انصرافهم هزيمة .


(١) الغيضة : وهى الشجر الملتَفّ (النهاية : ٣ / ٤٠٢) .

 ٨٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / حيلولة جيش معاوية دون الماء

فقال صعصعة لمعاوية : ما الذى تري ؟ .

قال معاوية : اِرجع ، فسيأتيكم رأيى . فانصرف صعصعة إلي علىّ ، فأخبره بذلك(١) .

٢٤٤٥ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن عوف بن الأحمر : لمّا قدمنا علي معاوية وأهل الشام بصفّين وجدناهم قد نزلوا منزلاً اختاروه مستوياً بساطاً واسعاً ، أخذوا الشريعة ، فهى فى أيديهم ، وقد صفّ أبو الأعور السلمى عليها الخيل والرجال ، وقد قدّم المرامية أمام من معه ، وصفّ صفّاً معهم من الرماح والدَّرَق(٢) ، وعلي رؤوسهم البيض ، وقد أجمعوا علي أن يمنعونا الماء .

ففزعنا إلي أمير المؤمنين ، فخبّرناه بذلك ، فدعا صعصعة بن صوحان فقال له : ائت معاوية وقل له : إنّا سرنا مسيرنا هذا إليكم ، ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنّك قدّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكفّ عنك حتي ندعوك ونحتجّ عليك .

وهذه اُخري قد فعلتموها ، قد حلتم بين الناس وبين الماء ، والناس غير منتهين أو يشربوا ، فابعث إلي أصحابك فليخلّوا بين الناس وبين الماء ، ويكفّوا حتي ننظر فيما بيننا وبينكم ، وفيما قدمنا له وقدمتم له ، وإن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له ، ونترك الناس يقتتلون علي الماء حتي يكون الغالب هو الشارب ، فعلنا .

فقال معاوية لأصحابه : ما ترون ؟


(١) الأخبار الطوال : ١٦٨ .
(٢) الدَّرَق : ضرب من التِّرَسةِ ، الواحدة دَرَقة تتّخذ من الجلود (لسان العرب : ١٠ / ٩٥) .

 ٨٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / حيلولة جيش معاوية دون الماء

فقال الوليد بن عقبة : اِمنعهم الماء كما منعوه عثمان بن عفّان ; حصروه أربعين صباحاً يمنعونه برد الماء ، ولين الطعام . اُقتلهم عطشاً ، قتلهم الله عطشاً !

فقال له عمرو بن العاص : خلّ بينهم وبين الماء ، فإنّ القوم لن يعطشوا وأنت ريّان ، ولكن بغير الماء ، فانظر ما بينك وبينهم .

فأعاد الوليد بن عقبة مقالته . وقال عبد الله بن أبى سرح : امنعهم الماء إلي الليل ، فإنّهم إن لم يقدروا عليه رجعوا ، ولو قد رجعوا كان رجوعهم فَلاًّ . امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة !

فقال صعصعة : إنّما يمنعه الله عزّ وجلّ يوم القيامة الكفرة الفسقة وشربة الخمر ، ضربك وضرب هذا الفاسق ـ يعنى الوليد بن عقبة ـ .

قال : فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهدّدونه ، فقال معاوية : كفّوا عن الرجل فإنّه رسول(١) .

٢٤٤٦ ـ الفتوح : دعا علىّ   ¢ بشبث(٢) بن ربعى الرياحى وصعصعة بن صوحان العبدى فقال لهما : انطلقا إلي معاوية فقولا له : إنّ خيلك قد حالت بيننا وبين الماء ، ولو كنا سبقناك لم نحل بينك وبينه ، فإن شئت فخلّ عن الماء حتي نستوى فيه نحن وأنت ، وإن شئت قاتلناك عليه حتي يكون لمن غلب ، وتركنا ما جئنا له


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٧١ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣١٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٤ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٢٤ كلاهما نحوه وفيه "الأشعث" بدل "صعصعة بن صوحان" ; وقعة صفّين : ١٦٠ .
(٢) كما فى تاريخ الطبرى : ٥ / ٢٤٠ وبالأصل "شبيب" وهو خطأ . ولم يرد ذكره فيمن أرسله علىّ إلي معاوية بل ذكر فقط صعصعة بن صوحان (تاريخ الطبرى : ٥ / ٢٣٩ ، ابن الأثير : ٢ / ٣٦٤ ، وقعة صفّين : ١٦١) وفى الإمامة والسياسة ١ / ١٢٥ : أنّ عليّاً أرسل الأشعث بن قيس لمناقشة معاوية فى أمر منع الماء .

 ٨٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / حيلولة جيش معاوية دون الماء

من الحرب .

قال : فأقبل شبث فقال : يا معاوية ! إنّك لست بأحقّ من هذا الماء منّا فخلّ عن الماء ، فإنّنا لا نموت عطشاً وسيوفنا علي عواتقنا .

ثمّ تكلّم صعصعة بن صوحان فقال : يا معاوية ! إنّ أمير المؤمنين على بن أبى طالب يقول لك : إننا قد سرنا مسيرنا هذا وإنّى أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، فإنّك قدّمت خيلك فقاتلتنا من قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكفّ حتي نعذر إليك ونحتجّ عليك ، وهذه مرّة اُخري قد فعلتموها ، حلتم بين الناس والماء ، وايم الله لنشربن منه شئت أم أبيت ! فامنن إن قدرت عليه من قبل أن نغلب فيكون الغالب هو الشارب .

فقال لعمرو بن العاص : ما تري أبا عبد الله ؟ فقال : أري أنّ عليّاً لا يظمأ وفى يده أعنّة الخيل وهو ينظر إلي الفرات دون أن يشرب منه ، وإنّما جاء لغير الماء فخلّ عن الماء حتي يشرب ونشرب .

قال : فقال الوليد بن عقبة : يا معاوية ! إنّ هؤلاء قد منعوا عثمان بن عفّان الماء أربعين يوماً وحصروه ، فامنعهم إياه حتي يموتوا عطشاً واقتلهم قاتلهم الله أنّي يؤفكون .

قال : ثمّ تكلّم عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، فقال : لقد صدق الوليد فى قوله : فامنعهم الماء ، منعهم الله إيّاه يوم القيامة !

فقال صعصعة : إنّما يمنعه الله يوم القيامة الكفرة الفسقة الفجرة مثلك ومثل نظرائك هذا الذى سمّاه الله فى الكتاب فاسقاً الوليد بن عقبة الذى صلّي بالناس الغداة أربعاً وهو سكران ثمّ قال : أزيدكم ؟ فجلد الحدّ فى الإسلام . قال : فثاروا

 ٨٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / تحريض الإمام أصحابه للاستيلاء علي الماء

إليه بالسيوف ، فقال معاوية : كفّوا عنه فإنّه رسول(١) .

٧ / ٣

تحريض الإمام أصحابه للاستيلاء علي الماء

٢٤٤٧ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبة له  ¼ لمّا غلب أصحاب معاوية أصحابه  ¼ علي شريعة الفرات بصفّين ومنعوهم الماء ـ :

قد استطعموكم القتال ، فأقرّوا علي مذلّة ، وتأخير محلّة ، أو روّوا السيوف من الدماء ترووا من الماء ، فالموت فى حياتكم مقهورين ، والحياة فى موتكم قاهرين .

ألا وإنّ معاوية قادَ لُمّةً من الغواة ، وعمّس(٢) عليهم الخبر ، حتي جعلوا نحورهم أغراض المنيّة(٣) .

٧ / ٤

استيلاءُ أصحاب الإمام علي الماء

٢٤٤٨ ـ الأخبار الطوال : ظلّ أهل العراق يومهم ذلك وليلتهم بلا ماء إلاّ من كان ينصرف من الغلمان إلي طرف الغيضة ، فيمشى مقدار فرسخين فيستقى ، فغمّ عليّاً   ¢ أمرُ الناس غمّاً شديداً ، وضاق بما أصابهم من العطش ذرعاً ; فأتاه الأشعث ابن قيس فقال : يا أمير المؤمنين ، أ يمنعنا القوم الماء وأنت فينا ومعنا


(١) الفتوح : ٣ / ٥ وراجع المعيار والموازنة : ١٤٦ .
(٢) عمّس عليهم الخبر : أى لبّس الحال عليهم وجعل الأمر مظلماً (مجمع البحرين : ٢ / ١٢٧٢) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٥١ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٤٢ نقلاً عن وقعة صفّين وزاد فيه "حيث منعوكم الماء" بعد "القتال" .

 ٨٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / استيلاءُ أصحاب الإمام علي الماء

سيوفنا ؟ وَلِّنى الزحف إليه ، فو الله لا أرجع أو أموت ، ومُر الأشتر فلينضمّ إلىّ فى خيله .

فقال له علىّ : إيت فى ذلك ما رأيت .

فلمّا أصبح زاحف أبا الأعور ، فاقتتلوا ، وصدقهم الأشتر والأشعث حتي نفيا الأعور وأصحابه عن الشريعة ، وصارت فى أيديهما(١) .

٢٤٤٩ ـ وقعة صفّين عن زيد بن حسين : نادي الأشعث عمرو بن العاص قال : ويحك يابن العاص ! خلّ بيننا وبين الماء ، فو الله ، لئن لم تفعل ليأخذنا وإيّاكم السيوف .

فقال عمرو : والله ، لا نخلّى عنه حتي تأخذنا السيوف وإيّاكم ، فيعلم ربّنا أيّنا اليوم أصبر .

فترجّل الأشعث والأشتر وذوو البصائر من أصحاب علىّ ، وترجّل معهما اثنا عشر ألفاً ، فحملوا علي عمرو ومن معه من أهل الشام ، فأزالوهم عن الماء حتي غمست خيل علىّ سنابكها فى الماء(٢) .

٢٤٥٠ ـ الكامل فى التاريخ ـ بعد ذكر إرسال الإمام  ¼ صعصعة لمعاوية كى يكلّمه بشأن الشريعة ـ : فرجع صعصعة [حين بعثه الإمام  ¼ إلي معاوية] فأخبره بما كان ، وأنَّ معاوية قال : سيأتيكم رأيى ، فسرّب الخيل إلي أبى الأعور ليمنعهم الماء .


(١) الأخبار الطوال : ١٦٨ .
(٢) وقعة صفّين : ١٦٧ وص ١٧٠ وفيه "فلقى عمرو بن العاص بعد ذلك الأشعث بن قيس ، فقال : أى أخا كندة ! أما والله ، لقد أبصرت صواب قولك يوم الماء ولكنّى كنت مقهوراً علي ذلك الرأى فكايدتك بالتهدّد ، والحرب خدعة" ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٤٢ ; شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣٢٤ .

 ٨٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / استيلاءُ أصحاب الإمام علي الماء

فلمّا سمع علىّ ذلك قال : قاتلوهم علي الماء .

فقال الأشعث بن قيس الكندى : أنا أسير إليهم . فسار إليهم ، فلمّا دنوا منهم ثاروا فى وجوههم فرموهم بالنبل ، فتراموا ساعة ثمّ تطاعنوا بالرماح ، ثمّ صاروا إلي السيوف فاقتتلوا ساعة .

وأرسل معاوية يزيد بن أسد البجلى القسرى ـ جدّ خالد بن عبد الله القسرى ـ فى الخيل إلي أبى الأعور ، فأقبلوا .

فأرسل علىّ شبث بن ربعى الرياحى ، فازداد القتال .

فأرسل معاوية عمرو بن العاص فى جند كثير ، فأخذ يمدّ أبا الأعور ويزيد بن أسد .

وأرسل علىّ الأشتر فى جمع عظيم ، وجعل يمدّ الأشعث وشبثاً ، فاشتدّ القتال .

فقال عبد الله بن عوف الأزدى الأحمرى :

خلّوا لنا ماء الفرات الجارى أو اثبتوا لجحفل جرَّار
لكلِّ قرم مستميت شارى مطاعن برمحه كرّار
ضرّاب هامات العدي مغوار لم يخشَ غير الواحد القهّار

وقاتلوهم حتي خلّوا بينهم وبين الماء ، وصار فى أيدى أصحاب علىّ(١) .

٢٤٥١ ـ وقعة صفّين عن صعصعة بن صوحان : قتل الأشتر فى تلك المعركة سبعة . . . فأوّل قتيل قتل الأشتر ذلك اليوم بيده من أهل الشام رجل يقال له :


(١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٤ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٦٩ نحوه وراجع الفتوح : ٣ / ٩ ـ ١٣ ووقعة صفّين : ١٦٢ .

 ٨٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / استيلاءُ أصحاب الإمام علي الماء

صالح بن فيروز ـ وكان مشهوراً بشدّة البأس ـ . . . فبرز إليه الأشتر . . . ثمّ شدّ عليه بالرمح فقتله ، وفلق ظهره ، ثمّ رجع إلي مكانه .

ثمّ خرج إليه فارس آخر يقال له : مالك بن أدهم السلمانى ـ وكان من فرسان أهل الشام ـ . . . ثمّ شدّ علي الأشتر ، فلمّا رهقه التوي الأشتر علي الفرس ، ومار السنان فأخطأه ، ثمّ استوي علي فرسه وشدّ عليه بالرمح . . . فقتله .

ثمّ خرج فارس آخر يقال له : رياح بن عتيك . . . فخرج إليه الأشتر . . . فشدّ عليه فقتله .

ثمّ خرج إليه فارس آخر يقال له : إبراهيم بن الوضّاح . . . فخرج إليه الأشتر . . . فقتله .

ثمّ خرج إليه فارس آخر يقال له : زامل بن عتيك الحِزامى ـ وكان من أصحاب الألوية ـ فشدّ عليه . . . فطعن الأشتر فى موضع الجوشن فصرعه عن فرسه ولم يصب مقتلاً ، وشدّ عليه الأشتر راجلاً فكسف(١) قوائم الفرس بالسيف . . . ثمّ ضربه بالسيف وهما رَجلان(٢) .

ثمّ خرج إليه فارس يقال له : الأجلح ـ وكان من أعلام العرب وفرسانها ، وكان علي فرس يقال له : لاحق ـ فلمّا استقبله الأشتر كره لقاءه واستحيا أن يرجع ، فخرج إليه . . . فشدّ عليه الأشتر . . . فضربه .

ثمّ خرج إليه محمّد بن روضة وهو يضرب فى أهل العراق ضرباً منكراً . . . فشدّ عليه الأشتر . . . ثمّ ضربه فقتله . . . .


(١) كسفه : قطعه (القاموس المحيط : ٣ / ١٩٠) .
(٢) الرَّجلان : الراجِل (لسان العرب : ١١ / ٢٦٩) .

 ٨٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / مكافأة الإساءة بالإحسان

ثمّ أقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتي كشف أهل الشام عن الماء(١) .

٢٤٥٢ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا ملك عسكر معاوية عليه [علي الإمام علىّ  ¼ ] الماء ، وأحاطوا بشريعة الفرات ، وقالت رؤساء الشام له : اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً ، سألهم علىّ  ¼ وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء ، فقالوا : لا والله ، ولا قطرة حتي تموت ظمأً كما مات ابن عفّان .

فلمّا رأي  ¼ أنّه الموت لا محالة تقدّم بأصحابه ، وحمل علي عساكر معاوية حملات كثيفة ، حتي أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع ; سقطت منه الرؤوس والأيدى ، وملكوا عليهم الماء ، وصار أصحاب معاوية فى الفلاة ، لا ماء لهم(٢) .

٧ / ٥

مكافأة الإساءة بالإحسان

٢٤٥٣ ـ الكامل فى التاريخ ـ فى ذكر القتال علي الماء ـ : قاتلوهم حتي خلّوا بينهم وبين الماء ، وصار فى أيدى أصحاب علىّ ، فقالوا : والله ، لا نسقيه أهل الشام !

فأرسل علىّ إلي أصحابه : أن خذوا من الماء حاجتكم ، وخلّوا عنهم ، فإنّ الله نصركم ببغيهم وظلمهم(٣) .


(١) وقعة صفّين : ١٧٤ ـ ١٧٩ ; المناقب للخوارزمى : ٢١٦ ـ ٢١٨ عن أبى هانى بن معمر السدوسى وفيه "رياح ابن عبيدة الغسّانى" بدل "رياح بن عتيك" .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٥٠ ; بحار الأنوار : ٤١ / ١٤٥ .
(٣) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٥ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٧٢ ; وقعة صفّين : ١٦٢ كلاهما نحوه وراجع الفتوح : ١٠ و١١ .

 ٩٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / مكافأة الإساءة بالإحسان

٢٤٥٤ ـ مروج الذهب ـ بعد أن كشف جند الإمام علىّ  ¼ جند معاوية عن الماء ـ : قال معاوية لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله ، ما ظنّك بالرجل ،أ تراه يمنعنا الماء لمنعنا إيّاه ؟ وقد كان انحاز بأهل الشام إلي ناحية فى البرّ نائية عن الماء .

فقال له عمرو : لا ، إنّ الرجل جاء لغير هذا ، وإنّه لا يرضي حتي تدخل فى طاعته ، أو يقطع حبل عاتقك .

فأرسل إليه معاوية يستأذنه فى وروده مشرعته ، واستقاء الناس مِن طريقه ، ودخول رسله فى عسكره . فأباحه علىّ كلَّ ما سأل وطلب منه(١) .

٢٤٥٥ ـ الأخبار الطوال ـ بعد منع معاوية الماء علي جيش الإمام علىّ  ¼ ـ : فلمّا أصبح زاحف أبا الأعور ، فاقتتلوا ، وصدقهم الأشتر والأشعث حتي نفيا أبا الأعور وأصحابه عن الشريعة ، وصارت فى أيديهما .

فقال عمرو بن العاص لمعاوية : ما ظنّك بالقوم اليوم إن منعوك الماء كما منعتهم أمس ؟

فقال معاوية : دع ما مضي ، ما ظنّك بعلىّ ؟

قال : ظنّى أنّه لا يستحلّ منك ما استحللت منه ; لأنّه أتاك فى غير أمر الماء .

ثمّ توادع الناس ، وكفّ بعضهم عن بعض ، وأمر علىّ ألاّ يُمنع أهل الشام من الماء ، فكانوا يسقون جميعاً(٢) .

٢٤٥٦ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر القتال علي الماء واستيلاء أصحاب الإمام عليه ـ : فقال له أصحابه وشيعته : امنعهم الماء يا أمير المؤمنين ! كما منعوك ،


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٨٦ .
(٢) الأخبار الطوال : ١٦٩ ، الفتوح : ٣ / ١١ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٢٦ ; وقعة صفّين : ١٨٦ كلّها نحوه .

 ٩١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / إقامة الحجّة فى ساحة القتال

ولا تسقهم منه قطرة ، واقتلهم بسيوف العطش ، وخذهم قبضاً بالأيدى فلا حاجة لك إلي الحرب .

فقال : لا والله ، لا اُكافئُهم بمثل فعلهم ، أفسحوا لهم عن بعض الشريعة ، ففى حدّ السيف ما يغنى عن ذلك(١) .

٧ / ٦

إقامة الحجّة فى ساحة القتال

٢٤٥٧ ـ تاريخ اليعقوبى : وجّه علىّ إلي معاوية يدعوه ويسأله الرجوع ، وألاّ يفرّق الاُمّة بسفك الدماء ، فأبي إلاّ الحرب(٢) .

٢٤٥٨ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة الحنفى ـ بعد ذكر القتال علي الماء ـ : مَكث علىّ يومين لا يرسل إلي معاوية أحداً ، ولا يرسل إليه معاوية . ثمّ إنّ عليّاً دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصارى ، وسعيد بن قيس الهمدانى ، وشبث بن ربعى التميمى ، فقال : ائتوا هذا الرجل ، فادعوه إلي الله ، وإلي الطاعة والجماعة .

فقال له شبث بن ربعى : يا أمير المؤمنين !أ لا تُطمعه فى سلطان تولّيه إيّاه ، ومنزلة يكون له بها اُثرة عندك إن هو بايعك ؟

فقال علىّ : ائتوه فالقوه واحتجّوا عليه ، وانظروا ما رأيه . ـ وهذا فى أوّل ذى الحجّة ـ .

فأتوه ، ودخلوا عليه ، فحمد الله وأثني عليه أبو عمرة بشير بن عمرو ، وقال : يا


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٤ وج٣ / ٣٣١ نحوه ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٥١ ; بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٤٣ .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٨ .

 ٩٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / إقامة الحجّة فى ساحة القتال

معاوية ! إنّ الدنيا عنك زائلة ، وإنّك راجع إلي الآخرة ، وإنّ الله عزّ وجلّ محاسبك بعملك ، وجازيك بما قدّمت يداك ، وإنّى أنشدك الله عزّ وجلّ أنْ تفرّق جماعة هذه الاُمّة ، وأن تسفك دماءها بينها !

فقطع عليه الكلام ، وقال : هلاّ أوصيت بذلك صاحبك ؟

فقال أبو عمرة : إنّ صاحبى ليس مثلك ، صاحبى أحقّ البريّة كلّها بهذا الأمر فى الفضل والدين والسابقة فى الإسلام ، والقرابة من الرسول  ½ .

قال : فيقول ماذا ؟

قال : يأمرك بتقوي الله عزّ وجلّ ، وإجابة ابن عمّك إلي ما يدعوك إليه من الحقّ ، فإنّه أسلم لك فى دنياك ، وخير لك فى عاقبة أمرك .

قال معاوية : ونُطلّ(١) دم عثمان ! لا والله ، لا أفعل ذلك أبداً .

فذهب سعيد بن قيس يتكلّم ، فبادره شبث بن ربعى فتكلّم ، فحمد الله وأثني عليه ، وقال : يا معاوية ! إنّى قد فهمت ما رددت علي ابن محصن ، إنّه والله ، لا يخفي علينا ما تغزو وما تطلب ، إنّك لم تجد شيئاً تستغوى به الناس وتستميل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم ، إلاّ قولك : "قتل إمامكم مظلوماً ، فنحن نطلب بدمه" ، فاستجاب له سفهاء طغام ، وقد علمنا أن قد أبطأتَ عنه بالنصر ، وأحببت له القتل ، لهذه المنزلة التى أصبحت تطلب ، ورُبّ متمنّى أمر وطالبه ، اللهُ عزّ وجلّ يحول دونه بقدرته ، وربّما اُوتى المتمنّى اُمنيته وفوق اُمنيته .

وو الله ، ما لك فى واحدة منهما خير ، لئن أخطأت ما ترجو إنّك لشرّ العرب حالا فى ذلك ، ولئن أصبت ما تمنّي لا تصيبه حتي تستحقّ من ربّك صُلِىَّ النار ،


(١) الطَّلُّ : هَدْرُ الدَّم (لسان العرب : ١١ / ٤٠٥) .

 ٩٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / بداية القتال

فاتّقِ الله يا معاوية ، ودع ما أنت عليه ، ولا تنازع الأمر أهله .

فحمد الله [معاوية] وأثني عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّ أوّل ما عرفتُ فيه سفهَك وخفّة حلمك ، قطعُك علي هذا الحسيب الشريف سيّد قومه منطقَه ، ثمّ عنيت بعد فيما لا علم لك به ، فقد كذبت ولؤمت أيُّها الأعرابى الجلف الجافى فى كلّ ما ذكرت ووصفت . انصرفوا من عندى ، فإنّه ليس بينى وبينكم إلاّ السيف(١) .

٧ / ٧

بداية القتال

٢٤٥٩ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة الحنفى ـ فى بيان ابتداء الحرب فى ذى الحجّة ـ : أخذ علىّ يأمر الرجل ذا الشرف فيخرج معه جماعة ، ويخرج اليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة ، فيقتتلان فى خيلهما ورجالهما ثمّ ينصرفان ، وأخذوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشام لما يتخوّفون أن يكون فى ذلك من الاستئصال والهلاك ، فكان علىّ يُخرج مرّة الأشتر ، ومرّة حجر بن عدىّ الكندى ، ومرّة شبث بن ربعى ، ومرّة خالد بن المعمر ، ومرّة زياد بن النضر الحارثى ، ومرّة زياد بن خصفة التيمى ، ومرّة سعيد بن قيس ، ومرّة معقل بن قيس الرياحى ، ومرّة قيس بن سعد ، وكان أكثر القوم خروجاً اليهم الأشتر ، وكان معاوية يُخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد المخزومى وأبا الأعور السلمى ، ومرّة حبيب بن مسلمة الفهرى ، ومرّة ابن ذى الكلاع الحميرى ، ومرّة عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، ومرّة شرحبيل بن السمط الكندى ، ومرّة حمزة بن


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٧٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٥ ; وقعة صفّين : ١٨٧ وفيه "شهر ربيع الآخر" بدل "أوّل ذى الحجّة" وراجع مروج الذهب : ٢ / ٣٨٧ .

 ٩٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الهدنة رجاء الصلح

مالك الهمدانى ، فاقتتلوا من ذى الحجّة كلّها وربما اقتتلوا فى اليوم الواحد مرّتين أوّله وآخره .

قال أبو مخنف : حدّثنى عبد الله بن عاصم الفائشى قال : حدثنى رجل من قومى أنّ الأشتر خرج يوماً يقاتل بصفّين فى رجال من القراء ورجال من فرسان العرب ، فاشتدّ قتالهم فخرج علينا رجل والله لقلّما رأيت رجلاً قطّ هو أطول ولا أعظم منه ، فدعا إلي المبارزة فلم يخرج إليه أحد إلاّ الأشتر ، فاختلفا ضربتين فضربه الأشتر فقتله ، وايمُ الله ، لقد كنا أشفقنا عليه ، وسألناه ألاّ يخرج إليه ، فلمّا قتله الأشتر نادي مناد من أصحابه :

يا سهمُ سهم بن أبى العيزار يا خير مَن نعلمه من زار

وزارة : حىّ من الأزد . وقال : أقسم بالله لأقتلنّ قاتلك أو ليقتلنى . فخرج فحمل علي الأشتر وعطف عليه الأشتر فضربه ، فإذا هو بين يدى فرسه ، وحمل عليه أصحابه فاستنقذوه جريحاً . فقال أبو رفيقة الفهمى : هذا كان ناراً فصادف إعصاراً . واقتتل الناس ذا الحجّة كلّه ، فلما انقضي ذو الحجّة تداعي الناس إلي أن يكفّ بعضهم عن بعض المحرم ، لعلّ الله أن يجرى صلحاً أو اجتماعاً ، فكفّ بعضهم عن بعض(١) .

٧ / ٨

الهدنة رجاء الصلح

٢٤٦٠ ـ تاريخ الطبرى ـ فى أخبار سنة ٣٧ ـ : كان فى أول شهر منها وهو المحرّم موادعة الحرب بين علىّ ومعاوية ، قد توادعا علي ترك الحرب فيه إلي انقضائه


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٧٤ ; وقعة صفّين : ١٩٥ .

 ٩٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الهدنة رجاء الصلح

طمعاً فى الصلح(١) .

٢٤٦١ ـ تاريخ الطبرى عن المحلّ بن خليفة الطائى : لما توادع علىّ ومعاوية يوم صفين اختلف فيما بينهما الرسل رجاء الصلح ، فبعث علىٌّ عدىَّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبى وشبث بن ربعى وزياد بن خصفة إلي معاوية .

فلما دخلوا حمد الله عدىّ بن حاتم ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّا أتيناك ندعوك إلي أمر يجمع الله عزّ وجلّ به كلمتنا واُمتّنا ، ويحقن به الدماء ويؤمِّن به السبل ويصلح به ذات البين . إنّ ابن عمّك سيّد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها فى الإسلام أثراً ، وقد استجمع له الناس ، وقد أرشدهم الله عزّ وجلّ بالذى رأوا ، فلم يبق أحد غيرك وغير مَن معك ، فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل .

فقال معاوية : كأنّك إنما جئت متهدّداً لم تأتِ مصلحاً ، هيهات يا عدىّ ! كلاّ والله ، إنّى لابنُ حرب ما يُقعقع لى بالشنان(٢) ، أما والله إنّك لمن المجلِبين علي ابن عفان ، وإنّك لمن قتلته ، وإنّى لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عزّ وجلّ به ، هيهات يا عدى ابن حاتم ! قد حلبت بالساعد الأشدّ .

فقال له شبث بن ربعى وزياد بن خصفة ـ وتنازعا جواباً واحداً ـ : أتيناك فيما يصلحنا وإياك ، فأقبلت تضرب لنا الأمثال ، دع ما لا يُنتفع به من القول والفعل ، وأجبنا فيما يعمّنا وإيّاك نفعه .

وتكلّم يزيد بن قيس فقال : إنّا لم نأتك إلاّ لنبلّغك ما بُعثنا به إليك ، ولنؤدّى


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٥ .
(٢) الشنان : جمع شنّ ; وهو الخلق من كلّ آنية صنعت من جلد (تاج العروس : ١٨ / ٣٢٧) .

 ٩٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الهدنة رجاء الصلح

عنك ما سمعنا منك ، ونحن علي ذلك لم ندع أن ننصح لك ، وأن نذكر ما ظننا أنّ لنا عليك به حجة ، وأنّك راجع به إلي الألفة والجماعة .

إنّ صاحبنا مَن قد عرفت وعرف المسلمون فضله ، ولا أظنّه يخفي عليك ، إنّ أهل الدين والفضل لن يعدلوا بعلىّ ، ولن يميّلوا بينك وبينه ، فاتّقِ الله يا معاوية ولا تخالف عليّاً ، فإنّا والله ما رأينا رجلاً قطّ أعمل بالتقوي ولا أزهد فى الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلّها منه .

فحمد الله معاوية وأثني عليه ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّكم دعوتم إلي الطاعة والجماعة ، فأمّا الجماعة التى دعوتم إليها فمعنا هى . وأمّا الطاعة لصاحبكم فإنّا لا نراها ، إنّ صاحبكم قتل خليفتنا وفرّق جماعتنا وآوي ثأرنا وقتلتنا ، وصاحبكم يزعم أنّه لم يقتله فنحن لا نردّ ذلك عليه ، أرأيتم قتلة صاحبنا ؟أ لستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم ؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ، ثمّ نحن نجيبكم إلي الطاعة والجماعة .

فقال له شبث : أ يسرّك يا معاوية أنّك اُمكنت من عمّار تقتله ؟

فقال معاوية : وما يمنعنى من ذلك ؟ ! والله لو اُمكنتُ من ابن سميّة ما قتلته بعثمان ولكن كنت قاتله بناتل مولي عثمان .

فقال له شبث : وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلاً ، لا والذى لا إله إلاّ هو لا تصل إلي عمّار حتي تندر الهام عن كواهل الأقوام ، وتضيق الأرض الفضاء عليك برُحبها .

فقال له معاوية : إنّه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك أضيق .

وتفرّق القوم عن معاوية ، فلما انصرفوا بعث معاوية إلي زياد بن خصفة التيمى

 ٩٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / مناقشات وفد معاوية

فخلا به ، فحمد الله وأثني عليه وقال : أمّا بعد يا أخا ربيعة فإنّ عليّاً قطع أرحامنا وآوي قتلة صاحبنا ، وإنّى أسألك النصر عليه باُسرتك وعشيرتك ، ثمّ لك عهد الله عزّ وجلّ وميثاقه أن أولّيك إذا ظهرتُ أىَّ المصرين أحببت .

قال أبو مخنف : فحدثنى سعد أبو المجاهد عن المحل بن خليفة ، قال : سمعت زياد بن خصفة يحدّث بهذا الحديث .

قال : فلما قضي معاوية كلامه ، حمدت الله عزّ وجلّ وأثنيت عليه ، ثمّ قلت : أمّا بعد ، فإنّى علي بينة من ربّى وبما أنعم علىَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين ، ثمّ قمت .

فقال معاوية لعمرو بن العاص ـ وكان إلي جنبه جالساً ـ : ليس يكلّم رجل منّا رجلاً منهم فيجيب إلي خير ، ما لهم عضبهم(١) الله بشرّ ! ما قلوبهم إلاّ كقلب رجل واحد (٢) .

٧ / ٩

مناقشات وفد معاوية

٢٤٦٢ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الرحمن بن عبيد أبى الكنود : إنّ معاوية بعث إلي علىّ حبيب بن مسلمة الفهرى وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس ، فدخلوا عليه وأنا عنده ، فحمد الله حبيب وأثني عليه ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّ عثمان بن عفان كان خليفة مهديّاً يعمل بكتاب الله عزّ وجلّ وينيب إلي أمر الله تعالي ، فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه


(١) عضبه الله : يدعون عليه بقطع يديه ورجليه (تاج العروس : ٢ / ٢٤١) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٥ ; وقعة صفّين : ١٩٧ .

 ٩٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / مناقشات وفد معاوية

فقتلتموه ، فادفع إلينا قتلة عثمان ـ إن زعمت أنّك لم تقتله ـ نقتلهم به ، ثمّ اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شوري بينهم ، يولى الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم .

فقال له علىّ بن أبى طالب : وما أنت لا أمّ لك والعزل وهذا الأمر ، اِسكت فإنّك لست هناك ولا بأهل له .

فقام وقال له : والله لترينّى بحيث تكره .

فقال علىّ : وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورَجلك لا أبقي الله عليك إن أبقيت علىّ ، أ حقرةً وسوءًا ؟ ! اِذهب فصوّب وصعّد ما بدا لك .

وقال شرحبيل بن السمط : إنّى إن كلمتك فلعمرى ما كلامى إلاّ مثل كلام صاحبى قبل ، فهل عندك جواب غير الذى أجبته به ؟

فقال علىّ : نعم لك ولصاحبك جواب غير الذى أجبتُه به .

فحمد الله وأثني عليه ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّ الله جلّ ثناؤه بعث محمّداً  ½ بالحقّ فأنقذ به من الضلالة وانتاش(١) به من الهلكة وجمع به من الفرقة ، ثمّ قبضه الله إليه وقد أدّي ما عليه  ½ ثمّ استخلف الناس أبا بكر واستخلف أبو بكر عمر فأحسنا السيرة وعدلا فى الأمّة ، وقد وجدنا عليهما أن تولّيا علينا ونحن آل رسول الله  ½ فغفرنا ذلك لهما ، وولى عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه ، فساروا إليه فقتلوه ، ثمّ أتانى الناس وأنا معتزل أمورهم فقالوا لى : بايع فأبيتُ عليهم ، فقالوا لى : بايع فإنّ الأمّة لا ترضي إلاّ بك وإنّا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس ، فبايعتهم فلم يرعنى إلاّ شقاق رجلين قد بايعانى ، وخلاف معاوية الذى لم يجعل الله عزّ وجلّ له سابقة


(١) نَتَشْتُ الشيءَ بالمِنْتاشِ : أى استخرجتُه (لسان العرب : ٦ / ٣٥٠) .

 ٩٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاستئناء رجاء الاهتداء

فى الدين ولا سلف صدق فى الإسلام ، طليق ابن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل لله عزّ وجلّ ولرسوله  ½ وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتي دخلا فى الإسلام كارهين .

فلا غرو إلاّ خلافكم معه وانقيادكم له وتدعون آل نبيّكم  ½ الذين لا ينبغى لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحداً ، ألا إنّى أدعوكم إلي كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيه  ½ وإماتة الباطل وإحياء معالم الدين ، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم ولكلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة .

فقالا : اشهد أنّ عثمان قتل مظلوماً .

فقال لهما : لا أقول : إنّه قتل مظلوماً ولا إنّه قتل ظالماً .

قالا : فمن لم يزعم أنّ عثمان قتل مظلوماً فنحن منه برآء ، ثمّ قاما فانصرفا .

فقال علىّ : ³ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ  ± وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ  ²  (١) .

ثمّ أقبل علىّ علي أصحابه فقال : لا يكن هؤلاء أولي بالجِدّ فى ضلالهم منكم بالجِدّ فى حقّكم وطاعة ربّكم(٢) .

٧ / ١٠

الاستئناء رجاء الاهتداء

٢٤٦٣ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا ملك أمير المؤمنين  ¼ الماء بصفّين ، ثمّ سمح


(١) النمل : ٨٠ و٨١ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٥٩ نحوه وليس فيه من "و قال شرحبيل" إلي "و مسلم ومسلمة" ; وقعة صفّين : ٢٠٠ وراجع تاريخ ابن خلدون : ٢ / ٦٢٨ .

 ١٠٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاستئناء رجاء الاهتداء

لأهل الشام بالمشاركة فيه والمساهمة ، رجاء أن يعطفوا إليه ، واستمالةً لقلوبهم وإظهاراً للمعدلة وحسن السيرة فيهم ، مكث أيّاماً لا يرسل إلي معاوية ، ولا يأتيه من عند معاوية أحد .

واستبطأ أهل العراق إذنه لهم فى القتال ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ! خلّفنا ذرارينا ونساءنا بالكوفة ، وجئنا إلي أطراف الشام لنتّخذها وطناً ؟ ! ائذن لنا فى القتال ، فإنّ الناس قد قالوا .

قال لهم  ¼ : ما قالوا ؟

فقال منهم قائل : إنّ الناس يظنّون أنّك تكره الحرب كراهية للموت ، وإنّ من الناس من يظنّ أنّك فى شكٍّ من قتال أهل الشام .

فقال  ¼ : ومتي كنت كارهاً للحرب قطّ ؟ إنّ من العجب حبّى لها غلاماً ويفعاً ، وكراهيتى لها شيخاً بعد نفاد العمر وقرب الوقت !

وأمّا شكّى فى القوم فلو شككت فيهم لشككت فى أهل البصرة ، والله ، لقد ضربت هذا الأمر ظهراً وبطناً ، فما وجدت يسعُنى إلاّ القتال ، أو أن أعصى الله ورسوله ، ولكنّى أستأنى بالقوم ، عسي أن يهتدوا أو تهتدى منهم طائفة ، فإنّ رسول الله  ½ قال لى يوم خيبر : لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس(١) .

٢٤٦٤ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلام له  ¼ وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم فى القتال بصفّين ـ : أمّا قولكم : أ كُلّ ذلك كراهية الموت ؟ فو الله ما اُبالى ، دخلت إلي الموت أو خرج الموت إلىَّ .


(١) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٣ ; بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٤٧ .

 ١٠١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاستئناء رجاء الاهتداء

وأمّا قولكم : شكّاً فى أهل الشام ، فو الله ما دفعت الحرب يوماً إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بى طائفة فتهتدى بى ، وتعشو(١) إلي ضوئى ، وذلك أحبّ إلىَّ من أن أقتلها علي ضلالها ، وإن كانت تبوء بآثامها(٢) .


(١) يعشو : يُبْصِرُ بها بَصَراً ضَعيفاً (النهاية : ٣ / ٢٤٣) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٥٥ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٥٥٦ / ٤٦٤ .