٧٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين
توجّه الإمام ¼ من الكوفة باتّجاه الشام فى شهر شوّال من عام ٣٦ هـ ، ولمّا كان الطريق المستقيم بينهما يمرّ عبر صحراء جرداء لا عشب فيها ولا ماء ولم تكن للإمام ¼ المعدّات الكافية لدعم جيشه الذى قوامه مائة ألف ، اختار الطريق المحاذى للفرات (أى مسير الجزيرة) . فمرّ علي كربلاء وهيت و. . . حتي وصل إلي الرقّة قرب صفّين . فالتقت مقدّمة جيش الإمام بقيادة مالك الأشتر مع مقدّمة جيش معاوية واضطرّتهم للفرار ، وهى أوّل مواجهة بين الجيشين فى صفّين ، والذى شرع بهذه المواجهة جيش معاوية . وفى أواخر ذى القعدة وصل جيش الإمام إلي صفّين ، بعد وصول جيش معاوية إليها لقربها من الشام ، واحتلال المناطق الحسّاسة من ٧٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / المدخل
المنطقة . وقد نظّم معاويةُ جيشَه بنحو بحيث لا يتمكّن جيش الإمام من الوصول للماء . فنصحهم الإمام ¼ ، وأرسل اليهم رسولاً فى ذلك ، لكن دون جدوي . فهجم الأشتر والأشعث علي جيش معاوية ـ بعد موافقة الإمام علي ذلك ـ واستولوا علي الماء . فأمر الإمام ¼ بتنظيم الجيش بنحو يتمكّن معه الجيشان من الماء . وبهذا انتصر الإمام ¼ نصراً معنويّاً سجّله التاريخ فى صفحاته بماء الذهب بأنّ الإمام يمنع التوسّل بالسبل غير الإنسانيّة فى مواجهة العدوّ لتحصيل النصر . ثمّ أرسل الإمام ¼ ممثّليه إلي معاوية كى يدفعوا به إلي الاستسلام ، ويحولون دون وقوع الحرب وإراقة الدماء . فلمّا أقبلوا علي معاوية طردهم بغضب . وفى شهر ذى الحجّة حصلت مناوشات ومواجهات متفرّقة بين الجيشين ; إذ كان الإمام فى صدد إنهاء ذلك بالصلح دون الحرب ، ولذا لم تكن المواجهة بين تمام الجيشين . ثمّ انقطعت هذه المواجهات المتفرّقة فى شهر محرّم من عام ٣٧ هـ ، وصارت محادثات الصلح بصورة أكثر جدّية ، لكنّها لم تثمر شيئاً كسابقاتها . فلمّا تقطّعت جميع السبل تهيّأ الإمام ¼ للحرب ، فبدأت الحرب يوم الأربعاء أوّل شهر صفر عام ٣٧ هـ . وكانت الحرب فى الاُسبوع الأوّل بهذه الكيفيّة : يخرج صباح كلّ يوم أحد القادة الأبطال لجيش الإمام ويحارب العدوّ حتي ٧٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / المدخل
المساء ، ثم تنقطع الحرب إلي اليوم التالى دون حصول نصر لأحد الطرفين علي الآخر خلال هذه المدّة . وكان قادة الجيش فى هذه الأيّام : مالك الأشتر ، وعمّار بن ياسر ، ومحمّد ابن الحنفيّة ، وعبد الله بن عبّاس ، وهاشم بن عتبة ، وقيس بن سعد . لكن الحرب اشتدّت فى يوم الأربعاء الثامن من صفر واتّخذت شكلاً آخر ; حيث اشترك فيها تمام الجيشين . وقد استقرّ الإمام ¼ فى القلب ، وتولّي قيادة الجيش بنفسه . واستُشهد عدد كثير من كبار الجيش فى هذا اليوم ويوم الخميس . ولمّا كان قصد الإمام حسم الأمر لم تتوقّف الحرب عند غروب الخميس بل استمرّت ليلة الجمعة أيضاً ، وكانت أشدّ ليلة طوال الحرب ، ولهذا سُمّيت "ليلة الهرير" . وكان الإمام ¼ حاضراً بنفسه فى أرض المعركة يوم الخميس وليلة الجمعة ، وقتل بيده ٥٢٣ شخصاً أكثرهم من شجعان أهل الشام . ولشدّة الحرب صلّي أصحاب الإمام ¼ فى ميدان القتال إيماءً . وفى صباح الجمعة أشرقت الشمس وأطلّت علي ظفر جيش الإمام وانكسار وهزيمة أهل الشام . وأشرف مالك الأشتر والسريّة التى يقودها علي خيمة معاوية ـ التى يقود الجيش منها ـ بحيث صمّم معاوية علي الاستسلام وطلب الأمان ، لكن جري قلم القدر علي شىء آخر ; فتلاقح جهل الخوارج مع حيلة عمرو بن العاص فأنتجا نجاة معاوية ! ٧٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاصطفاف للقتال
٧ / ١ ٢٤٤١ ـ تاريخ الطبرى عن أبى عبد الرحمن السلمى : سمعت عمّار بن ياسر بصفّين وهو يقول لعمرو بن العاص : لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثاً مع رسول الله ½ وهذه الرابعة ، ما هى بأبرّ ولا أتقي(١) . ٢٤٤٢ ـ وقعة صفّين عن أسماء بن الحكم الفزارى : كنّا بصفّين مع علىّ بن أبى طالب تحت راية عمّار بن ياسر ، ارتفاع الضحي ـ استظللنا ببرد أحمر ـ إذ أقبل رجل يستقرى الصف حتي انتهي إلينا فقال : أيّكم عمّار بن ياسر ؟ فقال عمّار بن ياسر : هذا عمّار . قال : أبو اليقظان ؟ قال : نعم . قال : إنّ لى حاجة إليك فأنطق بها علانية أو سرّاً قال : اختر لنفسك أىَّ ذلك شئت . قال : لا ، بل علانية . قال : فانطق . قال : إنّى خرجت من أهلى مستبصراً فى الحقّ الذى نحن عليه لا أشكّ فى ضلالة هؤلاء القوم وأنّهم علي الباطل ، فلم أزل علي ذلك مستبصراً حتي كان ليلتى هذه صباح يومنا هذا ; فتقدّم منادينا فشهد ألاّ إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً ٧٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاصطفاف للقتال
رسول الله ، ونادي بالصلاة ، فنادي مناديهم بمثل ذلك ، ثمّ اُقيمت الصلاة فصلّينا صلاة واحدة ، ودعونا دعوة واحدة ، وتلونا كتاباً واحداً ، ورسولُنا واحد ، فأدركنى الشكّ فى ليلتى هذه ، فبتّ بليلة لا يعلمها إلاّ الله حتي أصبحت ، فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له فقال : هل لقيتَ عمّار بن ياسر ؟ قلت : لا . قال : فالقه فانظر ما يقول لك فاتّبعه . فجئتك لذلك . قال له عمّار : هل تعرف صاحب الراية السوداء المقابلتى فإنّها راية عمرو بن العاص ، قاتلتُها مع رسول الله ½ ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة ما هى بخيرهنّ ولا أبرّهنّ ، بل هى شرّهنّ وأفجرهنّ . أ شَهدت بدراً واُحداً وحنيناً أو شهدها لك أبٌ فيخبرك عنها ؟ قال : لا . قال : فإنّ مراكزنا علي مراكز رايات رسول الله ½ يوم بدر ، ويوم اُحد ، ويوم حنين ، وإنّ هؤلاء علي مراكز رايات المشركين من الأحزاب ، هل تري هذا العسكر ومن فيه ؟ فو الله ، لوددت أنّ جميع من أقبل مع معاوية ممّن يريد قتالنا مفارقاً للذى نحن عليه كانوا خلقاً واحداً فقطّعته وذبحته ، والله ، لدماؤهم جميعاً أحلّ من دم عصفور ، أ فتري دم عصفور حراماً ؟ قال : لا ، بل حلال . قال : فإنّهم كذلك حلال دماؤهم . أ ترانى بيّنتُ لك ؟ قال : قد بيّنتَ لى . ٨٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاصطفاف للقتال
قال : فاختر أىّ ذلك أحببت . قال : فانصرف الرجل ثمّ دعاه عمّار بن ياسر فقال : أما إنّهم سيضربوننا بأسيافهم حتي يرتاب المبطلون منكم فيقولون : لو لم يكونوا علي حقّ ما ظهروا علينا . والله ، ما هم من الحقّ علي ما يُقذى(١) عين ذباب ، والله ، لو ضربونا بأسيافهم حتي يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنّا علي حقّ وهم علي باطل . وايمُ الله ، لا يكون سلماً(٢) سالماً أبداً حتي يبوء أحد الفريقين علي أنفسهم بأنّهم كانوا كافرين ، وحتي يشهدوا علي الفريق الآخر بأنّهم علي الحقّ وأنّ قتلاهم فى الجنّة وموتاهم ، ولا ينصرم أيّام الدنيا حتي يشهدوا بأنّ موتاهم وقتلاهم فى الجنّة ، وأنّ موتي أعدائهم وقتلاهم فى النار ، وكان أحياؤهم علي الباطل(٣) . ٢٤٤٣ ـ مسند ابن حنبل عن عبد الله بن سلمة : رأيت عمّاراً يوم صفّين شيخاً كبيراً آدم طوالاً آخذ الحربة بيده ويده ترعد فقال : والذى نفسى بيده ، لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله ½ ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة ، والذى نفسى بيده ، لو ضربونا حتي يبلغوا بنا شعفات هجر لعرفت أنّ مصلحينا علي الحقّ وأنّهم علي الضلالة(٤) . (١) القَذَي : جمع قَذاة ، وهو ما يقع فى العين والماء والشراب من تراب أو تِبْن أو وَسَخ أو غير ذلك (النهاية : ٤٠ / ٣٠) . ٨١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / حيلولة جيش معاوية دون الماء
٧ / ٢ ٢٤٤٤ ـ الأخبار الطوال : أقبل علىّ ¢ حتي وافي المكان ، فصادف أهل الشام قد احتووا علي القرية والطريق ، فأمر الناس ، فنزلوا بالقرب من عسكر معاوية ، وانطلق السَّقّاؤون والغلمان إلي طريق الماء ، فحال أبو الأعور بينهم وبينه . واُخبر علىّ ¢ بذلك ، فقال لصعصعة بن صوحان : إيت معاوية ، فقل له : إنّا سرنا إليكم لنُعذر قبل القتال ، فإن قبلتم كانت العافية أحبّ إلينا ، وأراك قد حلتَ بيننا وبين الماء ، فإن كان أعجب إليك أن ندع ما جئنا له ، ونذر الناس يقتتلون علي الماء حتي يكون الغالب هو الشارب فعلنا . فقال الوليد : اِمنعهم الماء كما منعوه أمير المؤمنين عثمان ، اقتلهم عطشاً ، قتلهم الله . فقال معاوية لعمرو بن العاص : ما تري ؟ . قال : أري أن تُخلّى عن الماء ، فإنّ القوم لن يعطشوا وأنت ريّان . فقال عبد الله بن أبى سَرْح ، وكان أخا عثمان لأمّه : اِمنعهم الماء إلي الليل ، لعلّهم أن ينصرفوا إلي طرف الغيضة(١) ، فيكون انصرافهم هزيمة . ٨٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / حيلولة جيش معاوية دون الماء
فقال صعصعة لمعاوية : ما الذى تري ؟ . قال معاوية : اِرجع ، فسيأتيكم رأيى . فانصرف صعصعة إلي علىّ ، فأخبره بذلك(١) . ٢٤٤٥ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن عوف بن الأحمر : لمّا قدمنا علي معاوية وأهل الشام بصفّين وجدناهم قد نزلوا منزلاً اختاروه مستوياً بساطاً واسعاً ، أخذوا الشريعة ، فهى فى أيديهم ، وقد صفّ أبو الأعور السلمى عليها الخيل والرجال ، وقد قدّم المرامية أمام من معه ، وصفّ صفّاً معهم من الرماح والدَّرَق(٢) ، وعلي رؤوسهم البيض ، وقد أجمعوا علي أن يمنعونا الماء . ففزعنا إلي أمير المؤمنين ، فخبّرناه بذلك ، فدعا صعصعة بن صوحان فقال له : ائت معاوية وقل له : إنّا سرنا مسيرنا هذا إليكم ، ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنّك قدّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكفّ عنك حتي ندعوك ونحتجّ عليك . وهذه اُخري قد فعلتموها ، قد حلتم بين الناس وبين الماء ، والناس غير منتهين أو يشربوا ، فابعث إلي أصحابك فليخلّوا بين الناس وبين الماء ، ويكفّوا حتي ننظر فيما بيننا وبينكم ، وفيما قدمنا له وقدمتم له ، وإن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له ، ونترك الناس يقتتلون علي الماء حتي يكون الغالب هو الشارب ، فعلنا . فقال معاوية لأصحابه : ما ترون ؟ (١) الأخبار الطوال : ١٦٨ . ٨٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / حيلولة جيش معاوية دون الماء
فقال الوليد بن عقبة : اِمنعهم الماء كما منعوه عثمان بن عفّان ; حصروه أربعين صباحاً يمنعونه برد الماء ، ولين الطعام . اُقتلهم عطشاً ، قتلهم الله عطشاً ! فقال له عمرو بن العاص : خلّ بينهم وبين الماء ، فإنّ القوم لن يعطشوا وأنت ريّان ، ولكن بغير الماء ، فانظر ما بينك وبينهم . فأعاد الوليد بن عقبة مقالته . وقال عبد الله بن أبى سرح : امنعهم الماء إلي الليل ، فإنّهم إن لم يقدروا عليه رجعوا ، ولو قد رجعوا كان رجوعهم فَلاًّ . امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة ! فقال صعصعة : إنّما يمنعه الله عزّ وجلّ يوم القيامة الكفرة الفسقة وشربة الخمر ، ضربك وضرب هذا الفاسق ـ يعنى الوليد بن عقبة ـ . قال : فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهدّدونه ، فقال معاوية : كفّوا عن الرجل فإنّه رسول(١) . ٢٤٤٦ ـ الفتوح : دعا علىّ ¢ بشبث(٢) بن ربعى الرياحى وصعصعة بن صوحان العبدى فقال لهما : انطلقا إلي معاوية فقولا له : إنّ خيلك قد حالت بيننا وبين الماء ، ولو كنا سبقناك لم نحل بينك وبينه ، فإن شئت فخلّ عن الماء حتي نستوى فيه نحن وأنت ، وإن شئت قاتلناك عليه حتي يكون لمن غلب ، وتركنا ما جئنا له (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٧١ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣١٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٤ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٢٤ كلاهما نحوه وفيه "الأشعث" بدل "صعصعة بن صوحان" ; وقعة صفّين : ١٦٠ . ٨٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / حيلولة جيش معاوية دون الماء
من الحرب . قال : فأقبل شبث فقال : يا معاوية ! إنّك لست بأحقّ من هذا الماء منّا فخلّ عن الماء ، فإنّنا لا نموت عطشاً وسيوفنا علي عواتقنا . ثمّ تكلّم صعصعة بن صوحان فقال : يا معاوية ! إنّ أمير المؤمنين على بن أبى طالب يقول لك : إننا قد سرنا مسيرنا هذا وإنّى أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، فإنّك قدّمت خيلك فقاتلتنا من قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكفّ حتي نعذر إليك ونحتجّ عليك ، وهذه مرّة اُخري قد فعلتموها ، حلتم بين الناس والماء ، وايم الله لنشربن منه شئت أم أبيت ! فامنن إن قدرت عليه من قبل أن نغلب فيكون الغالب هو الشارب . فقال لعمرو بن العاص : ما تري أبا عبد الله ؟ فقال : أري أنّ عليّاً لا يظمأ وفى يده أعنّة الخيل وهو ينظر إلي الفرات دون أن يشرب منه ، وإنّما جاء لغير الماء فخلّ عن الماء حتي يشرب ونشرب . قال : فقال الوليد بن عقبة : يا معاوية ! إنّ هؤلاء قد منعوا عثمان بن عفّان الماء أربعين يوماً وحصروه ، فامنعهم إياه حتي يموتوا عطشاً واقتلهم قاتلهم الله أنّي يؤفكون . قال : ثمّ تكلّم عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، فقال : لقد صدق الوليد فى قوله : فامنعهم الماء ، منعهم الله إيّاه يوم القيامة ! فقال صعصعة : إنّما يمنعه الله يوم القيامة الكفرة الفسقة الفجرة مثلك ومثل نظرائك هذا الذى سمّاه الله فى الكتاب فاسقاً الوليد بن عقبة الذى صلّي بالناس الغداة أربعاً وهو سكران ثمّ قال : أزيدكم ؟ فجلد الحدّ فى الإسلام . قال : فثاروا ٨٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / تحريض الإمام أصحابه للاستيلاء علي الماء
إليه بالسيوف ، فقال معاوية : كفّوا عنه فإنّه رسول(١) . ٧ / ٣ تحريض الإمام أصحابه للاستيلاء علي الماء ٢٤٤٧ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من خطبة له ¼ لمّا غلب أصحاب معاوية أصحابه ¼ علي شريعة الفرات بصفّين ومنعوهم الماء ـ : قد استطعموكم القتال ، فأقرّوا علي مذلّة ، وتأخير محلّة ، أو روّوا السيوف من الدماء ترووا من الماء ، فالموت فى حياتكم مقهورين ، والحياة فى موتكم قاهرين . ألا وإنّ معاوية قادَ لُمّةً من الغواة ، وعمّس(٢) عليهم الخبر ، حتي جعلوا نحورهم أغراض المنيّة(٣) . ٧ / ٤ استيلاءُ أصحاب الإمام علي الماء ٢٤٤٨ ـ الأخبار الطوال : ظلّ أهل العراق يومهم ذلك وليلتهم بلا ماء إلاّ من كان ينصرف من الغلمان إلي طرف الغيضة ، فيمشى مقدار فرسخين فيستقى ، فغمّ عليّاً ¢ أمرُ الناس غمّاً شديداً ، وضاق بما أصابهم من العطش ذرعاً ; فأتاه الأشعث ابن قيس فقال : يا أمير المؤمنين ، أ يمنعنا القوم الماء وأنت فينا ومعنا (١) الفتوح : ٣ / ٥ وراجع المعيار والموازنة : ١٤٦ . ٨٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / استيلاءُ أصحاب الإمام علي الماء
سيوفنا ؟ وَلِّنى الزحف إليه ، فو الله لا أرجع أو أموت ، ومُر الأشتر فلينضمّ إلىّ فى خيله . فقال له علىّ : إيت فى ذلك ما رأيت . فلمّا أصبح زاحف أبا الأعور ، فاقتتلوا ، وصدقهم الأشتر والأشعث حتي نفيا الأعور وأصحابه عن الشريعة ، وصارت فى أيديهما(١) . ٢٤٤٩ ـ وقعة صفّين عن زيد بن حسين : نادي الأشعث عمرو بن العاص قال : ويحك يابن العاص ! خلّ بيننا وبين الماء ، فو الله ، لئن لم تفعل ليأخذنا وإيّاكم السيوف . فقال عمرو : والله ، لا نخلّى عنه حتي تأخذنا السيوف وإيّاكم ، فيعلم ربّنا أيّنا اليوم أصبر . فترجّل الأشعث والأشتر وذوو البصائر من أصحاب علىّ ، وترجّل معهما اثنا عشر ألفاً ، فحملوا علي عمرو ومن معه من أهل الشام ، فأزالوهم عن الماء حتي غمست خيل علىّ سنابكها فى الماء(٢) . ٢٤٥٠ ـ الكامل فى التاريخ ـ بعد ذكر إرسال الإمام ¼ صعصعة لمعاوية كى يكلّمه بشأن الشريعة ـ : فرجع صعصعة [حين بعثه الإمام ¼ إلي معاوية] فأخبره بما كان ، وأنَّ معاوية قال : سيأتيكم رأيى ، فسرّب الخيل إلي أبى الأعور ليمنعهم الماء . (١) الأخبار الطوال : ١٦٨ . ٨٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / استيلاءُ أصحاب الإمام علي الماء
فلمّا سمع علىّ ذلك قال : قاتلوهم علي الماء . فقال الأشعث بن قيس الكندى : أنا أسير إليهم . فسار إليهم ، فلمّا دنوا منهم ثاروا فى وجوههم فرموهم بالنبل ، فتراموا ساعة ثمّ تطاعنوا بالرماح ، ثمّ صاروا إلي السيوف فاقتتلوا ساعة . وأرسل معاوية يزيد بن أسد البجلى القسرى ـ جدّ خالد بن عبد الله القسرى ـ فى الخيل إلي أبى الأعور ، فأقبلوا . فأرسل علىّ شبث بن ربعى الرياحى ، فازداد القتال . فأرسل معاوية عمرو بن العاص فى جند كثير ، فأخذ يمدّ أبا الأعور ويزيد بن أسد . وأرسل علىّ الأشتر فى جمع عظيم ، وجعل يمدّ الأشعث وشبثاً ، فاشتدّ القتال . فقال عبد الله بن عوف الأزدى الأحمرى :
وقاتلوهم حتي خلّوا بينهم وبين الماء ، وصار فى أيدى أصحاب علىّ(١) . ٢٤٥١ ـ وقعة صفّين عن صعصعة بن صوحان : قتل الأشتر فى تلك المعركة سبعة . . . فأوّل قتيل قتل الأشتر ذلك اليوم بيده من أهل الشام رجل يقال له : ٨٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / استيلاءُ أصحاب الإمام علي الماء
صالح بن فيروز ـ وكان مشهوراً بشدّة البأس ـ . . . فبرز إليه الأشتر . . . ثمّ شدّ عليه بالرمح فقتله ، وفلق ظهره ، ثمّ رجع إلي مكانه . ثمّ خرج إليه فارس آخر يقال له : مالك بن أدهم السلمانى ـ وكان من فرسان أهل الشام ـ . . . ثمّ شدّ علي الأشتر ، فلمّا رهقه التوي الأشتر علي الفرس ، ومار السنان فأخطأه ، ثمّ استوي علي فرسه وشدّ عليه بالرمح . . . فقتله . ثمّ خرج فارس آخر يقال له : رياح بن عتيك . . . فخرج إليه الأشتر . . . فشدّ عليه فقتله . ثمّ خرج إليه فارس آخر يقال له : إبراهيم بن الوضّاح . . . فخرج إليه الأشتر . . . فقتله . ثمّ خرج إليه فارس آخر يقال له : زامل بن عتيك الحِزامى ـ وكان من أصحاب الألوية ـ فشدّ عليه . . . فطعن الأشتر فى موضع الجوشن فصرعه عن فرسه ولم يصب مقتلاً ، وشدّ عليه الأشتر راجلاً فكسف(١) قوائم الفرس بالسيف . . . ثمّ ضربه بالسيف وهما رَجلان(٢) . ثمّ خرج إليه فارس يقال له : الأجلح ـ وكان من أعلام العرب وفرسانها ، وكان علي فرس يقال له : لاحق ـ فلمّا استقبله الأشتر كره لقاءه واستحيا أن يرجع ، فخرج إليه . . . فشدّ عليه الأشتر . . . فضربه . ثمّ خرج إليه محمّد بن روضة وهو يضرب فى أهل العراق ضرباً منكراً . . . فشدّ عليه الأشتر . . . ثمّ ضربه فقتله . . . . (١) كسفه : قطعه (القاموس المحيط : ٣ / ١٩٠) . ٨٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / مكافأة الإساءة بالإحسان
ثمّ أقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتي كشف أهل الشام عن الماء(١) . ٢٤٥٢ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا ملك عسكر معاوية عليه [علي الإمام علىّ ¼ ] الماء ، وأحاطوا بشريعة الفرات ، وقالت رؤساء الشام له : اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً ، سألهم علىّ ¼ وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء ، فقالوا : لا والله ، ولا قطرة حتي تموت ظمأً كما مات ابن عفّان . فلمّا رأي ¼ أنّه الموت لا محالة تقدّم بأصحابه ، وحمل علي عساكر معاوية حملات كثيفة ، حتي أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع ; سقطت منه الرؤوس والأيدى ، وملكوا عليهم الماء ، وصار أصحاب معاوية فى الفلاة ، لا ماء لهم(٢) . ٧ / ٥ ٢٤٥٣ ـ الكامل فى التاريخ ـ فى ذكر القتال علي الماء ـ : قاتلوهم حتي خلّوا بينهم وبين الماء ، وصار فى أيدى أصحاب علىّ ، فقالوا : والله ، لا نسقيه أهل الشام ! فأرسل علىّ إلي أصحابه : أن خذوا من الماء حاجتكم ، وخلّوا عنهم ، فإنّ الله نصركم ببغيهم وظلمهم(٣) . (١) وقعة صفّين : ١٧٤ ـ ١٧٩ ; المناقب للخوارزمى : ٢١٦ ـ ٢١٨ عن أبى هانى بن معمر السدوسى وفيه "رياح ابن عبيدة الغسّانى" بدل "رياح بن عتيك" . ٩٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / مكافأة الإساءة بالإحسان
٢٤٥٤ ـ مروج الذهب ـ بعد أن كشف جند الإمام علىّ ¼ جند معاوية عن الماء ـ : قال معاوية لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله ، ما ظنّك بالرجل ،أ تراه يمنعنا الماء لمنعنا إيّاه ؟ وقد كان انحاز بأهل الشام إلي ناحية فى البرّ نائية عن الماء . فقال له عمرو : لا ، إنّ الرجل جاء لغير هذا ، وإنّه لا يرضي حتي تدخل فى طاعته ، أو يقطع حبل عاتقك . فأرسل إليه معاوية يستأذنه فى وروده مشرعته ، واستقاء الناس مِن طريقه ، ودخول رسله فى عسكره . فأباحه علىّ كلَّ ما سأل وطلب منه(١) . ٢٤٥٥ ـ الأخبار الطوال ـ بعد منع معاوية الماء علي جيش الإمام علىّ ¼ ـ : فلمّا أصبح زاحف أبا الأعور ، فاقتتلوا ، وصدقهم الأشتر والأشعث حتي نفيا أبا الأعور وأصحابه عن الشريعة ، وصارت فى أيديهما . فقال عمرو بن العاص لمعاوية : ما ظنّك بالقوم اليوم إن منعوك الماء كما منعتهم أمس ؟ فقال معاوية : دع ما مضي ، ما ظنّك بعلىّ ؟ قال : ظنّى أنّه لا يستحلّ منك ما استحللت منه ; لأنّه أتاك فى غير أمر الماء . ثمّ توادع الناس ، وكفّ بعضهم عن بعض ، وأمر علىّ ألاّ يُمنع أهل الشام من الماء ، فكانوا يسقون جميعاً(٢) . ٢٤٥٦ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر القتال علي الماء واستيلاء أصحاب الإمام عليه ـ : فقال له أصحابه وشيعته : امنعهم الماء يا أمير المؤمنين ! كما منعوك ، (١) مروج الذهب : ٢ / ٣٨٦ . ٩١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / إقامة الحجّة فى ساحة القتال
ولا تسقهم منه قطرة ، واقتلهم بسيوف العطش ، وخذهم قبضاً بالأيدى فلا حاجة لك إلي الحرب . فقال : لا والله ، لا اُكافئُهم بمثل فعلهم ، أفسحوا لهم عن بعض الشريعة ، ففى حدّ السيف ما يغنى عن ذلك(١) . ٧ / ٦ ٢٤٥٧ ـ تاريخ اليعقوبى : وجّه علىّ إلي معاوية يدعوه ويسأله الرجوع ، وألاّ يفرّق الاُمّة بسفك الدماء ، فأبي إلاّ الحرب(٢) . ٢٤٥٨ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة الحنفى ـ بعد ذكر القتال علي الماء ـ : مَكث علىّ يومين لا يرسل إلي معاوية أحداً ، ولا يرسل إليه معاوية . ثمّ إنّ عليّاً دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصارى ، وسعيد بن قيس الهمدانى ، وشبث بن ربعى التميمى ، فقال : ائتوا هذا الرجل ، فادعوه إلي الله ، وإلي الطاعة والجماعة . فقال له شبث بن ربعى : يا أمير المؤمنين !أ لا تُطمعه فى سلطان تولّيه إيّاه ، ومنزلة يكون له بها اُثرة عندك إن هو بايعك ؟ فقال علىّ : ائتوه فالقوه واحتجّوا عليه ، وانظروا ما رأيه . ـ وهذا فى أوّل ذى الحجّة ـ . فأتوه ، ودخلوا عليه ، فحمد الله وأثني عليه أبو عمرة بشير بن عمرو ، وقال : يا (١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٤ وج٣ / ٣٣١ نحوه ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٥١ ; بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٤٣ . ٩٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / إقامة الحجّة فى ساحة القتال
معاوية ! إنّ الدنيا عنك زائلة ، وإنّك راجع إلي الآخرة ، وإنّ الله عزّ وجلّ محاسبك بعملك ، وجازيك بما قدّمت يداك ، وإنّى أنشدك الله عزّ وجلّ أنْ تفرّق جماعة هذه الاُمّة ، وأن تسفك دماءها بينها ! فقطع عليه الكلام ، وقال : هلاّ أوصيت بذلك صاحبك ؟ فقال أبو عمرة : إنّ صاحبى ليس مثلك ، صاحبى أحقّ البريّة كلّها بهذا الأمر فى الفضل والدين والسابقة فى الإسلام ، والقرابة من الرسول ½ . قال : فيقول ماذا ؟ قال : يأمرك بتقوي الله عزّ وجلّ ، وإجابة ابن عمّك إلي ما يدعوك إليه من الحقّ ، فإنّه أسلم لك فى دنياك ، وخير لك فى عاقبة أمرك . قال معاوية : ونُطلّ(١) دم عثمان ! لا والله ، لا أفعل ذلك أبداً . فذهب سعيد بن قيس يتكلّم ، فبادره شبث بن ربعى فتكلّم ، فحمد الله وأثني عليه ، وقال : يا معاوية ! إنّى قد فهمت ما رددت علي ابن محصن ، إنّه والله ، لا يخفي علينا ما تغزو وما تطلب ، إنّك لم تجد شيئاً تستغوى به الناس وتستميل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم ، إلاّ قولك : "قتل إمامكم مظلوماً ، فنحن نطلب بدمه" ، فاستجاب له سفهاء طغام ، وقد علمنا أن قد أبطأتَ عنه بالنصر ، وأحببت له القتل ، لهذه المنزلة التى أصبحت تطلب ، ورُبّ متمنّى أمر وطالبه ، اللهُ عزّ وجلّ يحول دونه بقدرته ، وربّما اُوتى المتمنّى اُمنيته وفوق اُمنيته . وو الله ، ما لك فى واحدة منهما خير ، لئن أخطأت ما ترجو إنّك لشرّ العرب حالا فى ذلك ، ولئن أصبت ما تمنّي لا تصيبه حتي تستحقّ من ربّك صُلِىَّ النار ، ٩٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / بداية القتال
فاتّقِ الله يا معاوية ، ودع ما أنت عليه ، ولا تنازع الأمر أهله . فحمد الله [معاوية] وأثني عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّ أوّل ما عرفتُ فيه سفهَك وخفّة حلمك ، قطعُك علي هذا الحسيب الشريف سيّد قومه منطقَه ، ثمّ عنيت بعد فيما لا علم لك به ، فقد كذبت ولؤمت أيُّها الأعرابى الجلف الجافى فى كلّ ما ذكرت ووصفت . انصرفوا من عندى ، فإنّه ليس بينى وبينكم إلاّ السيف(١) . ٧ / ٧ ٢٤٥٩ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة الحنفى ـ فى بيان ابتداء الحرب فى ذى الحجّة ـ : أخذ علىّ يأمر الرجل ذا الشرف فيخرج معه جماعة ، ويخرج اليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة ، فيقتتلان فى خيلهما ورجالهما ثمّ ينصرفان ، وأخذوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشام لما يتخوّفون أن يكون فى ذلك من الاستئصال والهلاك ، فكان علىّ يُخرج مرّة الأشتر ، ومرّة حجر بن عدىّ الكندى ، ومرّة شبث بن ربعى ، ومرّة خالد بن المعمر ، ومرّة زياد بن النضر الحارثى ، ومرّة زياد بن خصفة التيمى ، ومرّة سعيد بن قيس ، ومرّة معقل بن قيس الرياحى ، ومرّة قيس بن سعد ، وكان أكثر القوم خروجاً اليهم الأشتر ، وكان معاوية يُخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد المخزومى وأبا الأعور السلمى ، ومرّة حبيب بن مسلمة الفهرى ، ومرّة ابن ذى الكلاع الحميرى ، ومرّة عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، ومرّة شرحبيل بن السمط الكندى ، ومرّة حمزة بن ٩٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الهدنة رجاء الصلح
مالك الهمدانى ، فاقتتلوا من ذى الحجّة كلّها وربما اقتتلوا فى اليوم الواحد مرّتين أوّله وآخره . قال أبو مخنف : حدّثنى عبد الله بن عاصم الفائشى قال : حدثنى رجل من قومى أنّ الأشتر خرج يوماً يقاتل بصفّين فى رجال من القراء ورجال من فرسان العرب ، فاشتدّ قتالهم فخرج علينا رجل والله لقلّما رأيت رجلاً قطّ هو أطول ولا أعظم منه ، فدعا إلي المبارزة فلم يخرج إليه أحد إلاّ الأشتر ، فاختلفا ضربتين فضربه الأشتر فقتله ، وايمُ الله ، لقد كنا أشفقنا عليه ، وسألناه ألاّ يخرج إليه ، فلمّا قتله الأشتر نادي مناد من أصحابه :
وزارة : حىّ من الأزد . وقال : أقسم بالله لأقتلنّ قاتلك أو ليقتلنى . فخرج فحمل علي الأشتر وعطف عليه الأشتر فضربه ، فإذا هو بين يدى فرسه ، وحمل عليه أصحابه فاستنقذوه جريحاً . فقال أبو رفيقة الفهمى : هذا كان ناراً فصادف إعصاراً . واقتتل الناس ذا الحجّة كلّه ، فلما انقضي ذو الحجّة تداعي الناس إلي أن يكفّ بعضهم عن بعض المحرم ، لعلّ الله أن يجرى صلحاً أو اجتماعاً ، فكفّ بعضهم عن بعض(١) . ٧ / ٨ ٢٤٦٠ ـ تاريخ الطبرى ـ فى أخبار سنة ٣٧ ـ : كان فى أول شهر منها وهو المحرّم موادعة الحرب بين علىّ ومعاوية ، قد توادعا علي ترك الحرب فيه إلي انقضائه ٩٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الهدنة رجاء الصلح
طمعاً فى الصلح(١) . ٢٤٦١ ـ تاريخ الطبرى عن المحلّ بن خليفة الطائى : لما توادع علىّ ومعاوية يوم صفين اختلف فيما بينهما الرسل رجاء الصلح ، فبعث علىٌّ عدىَّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبى وشبث بن ربعى وزياد بن خصفة إلي معاوية . فلما دخلوا حمد الله عدىّ بن حاتم ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّا أتيناك ندعوك إلي أمر يجمع الله عزّ وجلّ به كلمتنا واُمتّنا ، ويحقن به الدماء ويؤمِّن به السبل ويصلح به ذات البين . إنّ ابن عمّك سيّد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها فى الإسلام أثراً ، وقد استجمع له الناس ، وقد أرشدهم الله عزّ وجلّ بالذى رأوا ، فلم يبق أحد غيرك وغير مَن معك ، فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل . فقال معاوية : كأنّك إنما جئت متهدّداً لم تأتِ مصلحاً ، هيهات يا عدىّ ! كلاّ والله ، إنّى لابنُ حرب ما يُقعقع لى بالشنان(٢) ، أما والله إنّك لمن المجلِبين علي ابن عفان ، وإنّك لمن قتلته ، وإنّى لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عزّ وجلّ به ، هيهات يا عدى ابن حاتم ! قد حلبت بالساعد الأشدّ . فقال له شبث بن ربعى وزياد بن خصفة ـ وتنازعا جواباً واحداً ـ : أتيناك فيما يصلحنا وإياك ، فأقبلت تضرب لنا الأمثال ، دع ما لا يُنتفع به من القول والفعل ، وأجبنا فيما يعمّنا وإيّاك نفعه . وتكلّم يزيد بن قيس فقال : إنّا لم نأتك إلاّ لنبلّغك ما بُعثنا به إليك ، ولنؤدّى (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٥ . ٩٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الهدنة رجاء الصلح
عنك ما سمعنا منك ، ونحن علي ذلك لم ندع أن ننصح لك ، وأن نذكر ما ظننا أنّ لنا عليك به حجة ، وأنّك راجع به إلي الألفة والجماعة . إنّ صاحبنا مَن قد عرفت وعرف المسلمون فضله ، ولا أظنّه يخفي عليك ، إنّ أهل الدين والفضل لن يعدلوا بعلىّ ، ولن يميّلوا بينك وبينه ، فاتّقِ الله يا معاوية ولا تخالف عليّاً ، فإنّا والله ما رأينا رجلاً قطّ أعمل بالتقوي ولا أزهد فى الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلّها منه . فحمد الله معاوية وأثني عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّكم دعوتم إلي الطاعة والجماعة ، فأمّا الجماعة التى دعوتم إليها فمعنا هى . وأمّا الطاعة لصاحبكم فإنّا لا نراها ، إنّ صاحبكم قتل خليفتنا وفرّق جماعتنا وآوي ثأرنا وقتلتنا ، وصاحبكم يزعم أنّه لم يقتله فنحن لا نردّ ذلك عليه ، أرأيتم قتلة صاحبنا ؟أ لستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم ؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ، ثمّ نحن نجيبكم إلي الطاعة والجماعة . فقال له شبث : أ يسرّك يا معاوية أنّك اُمكنت من عمّار تقتله ؟ فقال معاوية : وما يمنعنى من ذلك ؟ ! والله لو اُمكنتُ من ابن سميّة ما قتلته بعثمان ولكن كنت قاتله بناتل مولي عثمان . فقال له شبث : وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلاً ، لا والذى لا إله إلاّ هو لا تصل إلي عمّار حتي تندر الهام عن كواهل الأقوام ، وتضيق الأرض الفضاء عليك برُحبها . فقال له معاوية : إنّه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك أضيق . وتفرّق القوم عن معاوية ، فلما انصرفوا بعث معاوية إلي زياد بن خصفة التيمى ٩٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / مناقشات وفد معاوية
فخلا به ، فحمد الله وأثني عليه وقال : أمّا بعد يا أخا ربيعة فإنّ عليّاً قطع أرحامنا وآوي قتلة صاحبنا ، وإنّى أسألك النصر عليه باُسرتك وعشيرتك ، ثمّ لك عهد الله عزّ وجلّ وميثاقه أن أولّيك إذا ظهرتُ أىَّ المصرين أحببت . قال أبو مخنف : فحدثنى سعد أبو المجاهد عن المحل بن خليفة ، قال : سمعت زياد بن خصفة يحدّث بهذا الحديث . قال : فلما قضي معاوية كلامه ، حمدت الله عزّ وجلّ وأثنيت عليه ، ثمّ قلت : أمّا بعد ، فإنّى علي بينة من ربّى وبما أنعم علىَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين ، ثمّ قمت . فقال معاوية لعمرو بن العاص ـ وكان إلي جنبه جالساً ـ : ليس يكلّم رجل منّا رجلاً منهم فيجيب إلي خير ، ما لهم عضبهم(١) الله بشرّ ! ما قلوبهم إلاّ كقلب رجل واحد (٢) . ٧ / ٩ ٢٤٦٢ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الرحمن بن عبيد أبى الكنود : إنّ معاوية بعث إلي علىّ حبيب بن مسلمة الفهرى وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس ، فدخلوا عليه وأنا عنده ، فحمد الله حبيب وأثني عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّ عثمان بن عفان كان خليفة مهديّاً يعمل بكتاب الله عزّ وجلّ وينيب إلي أمر الله تعالي ، فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه (١) عضبه الله : يدعون عليه بقطع يديه ورجليه (تاج العروس : ٢ / ٢٤١) . ٩٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / مناقشات وفد معاوية
فقتلتموه ، فادفع إلينا قتلة عثمان ـ إن زعمت أنّك لم تقتله ـ نقتلهم به ، ثمّ اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شوري بينهم ، يولى الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم . فقال له علىّ بن أبى طالب : وما أنت لا أمّ لك والعزل وهذا الأمر ، اِسكت فإنّك لست هناك ولا بأهل له . فقام وقال له : والله لترينّى بحيث تكره . فقال علىّ : وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورَجلك لا أبقي الله عليك إن أبقيت علىّ ، أ حقرةً وسوءًا ؟ ! اِذهب فصوّب وصعّد ما بدا لك . وقال شرحبيل بن السمط : إنّى إن كلمتك فلعمرى ما كلامى إلاّ مثل كلام صاحبى قبل ، فهل عندك جواب غير الذى أجبته به ؟ فقال علىّ : نعم لك ولصاحبك جواب غير الذى أجبتُه به . فحمد الله وأثني عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّ الله جلّ ثناؤه بعث محمّداً ½ بالحقّ فأنقذ به من الضلالة وانتاش(١) به من الهلكة وجمع به من الفرقة ، ثمّ قبضه الله إليه وقد أدّي ما عليه ½ ثمّ استخلف الناس أبا بكر واستخلف أبو بكر عمر فأحسنا السيرة وعدلا فى الأمّة ، وقد وجدنا عليهما أن تولّيا علينا ونحن آل رسول الله ½ فغفرنا ذلك لهما ، وولى عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه ، فساروا إليه فقتلوه ، ثمّ أتانى الناس وأنا معتزل أمورهم فقالوا لى : بايع فأبيتُ عليهم ، فقالوا لى : بايع فإنّ الأمّة لا ترضي إلاّ بك وإنّا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس ، فبايعتهم فلم يرعنى إلاّ شقاق رجلين قد بايعانى ، وخلاف معاوية الذى لم يجعل الله عزّ وجلّ له سابقة (١) نَتَشْتُ الشيءَ بالمِنْتاشِ : أى استخرجتُه (لسان العرب : ٦ / ٣٥٠) . ٩٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاستئناء رجاء الاهتداء
فى الدين ولا سلف صدق فى الإسلام ، طليق ابن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل لله عزّ وجلّ ولرسوله ½ وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتي دخلا فى الإسلام كارهين . فلا غرو إلاّ خلافكم معه وانقيادكم له وتدعون آل نبيّكم ½ الذين لا ينبغى لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحداً ، ألا إنّى أدعوكم إلي كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيه ½ وإماتة الباطل وإحياء معالم الدين ، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم ولكلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة . فقالا : اشهد أنّ عثمان قتل مظلوماً . فقال لهما : لا أقول : إنّه قتل مظلوماً ولا إنّه قتل ظالماً . قالا : فمن لم يزعم أنّ عثمان قتل مظلوماً فنحن منه برآء ، ثمّ قاما فانصرفا . فقال علىّ : ³ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ± وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ² (١) . ثمّ أقبل علىّ علي أصحابه فقال : لا يكن هؤلاء أولي بالجِدّ فى ضلالهم منكم بالجِدّ فى حقّكم وطاعة ربّكم(٢) . ٧ / ١٠ ٢٤٦٣ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا ملك أمير المؤمنين ¼ الماء بصفّين ، ثمّ سمح (١) النمل : ٨٠ و٨١ . ١٠٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاستئناء رجاء الاهتداء
لأهل الشام بالمشاركة فيه والمساهمة ، رجاء أن يعطفوا إليه ، واستمالةً لقلوبهم وإظهاراً للمعدلة وحسن السيرة فيهم ، مكث أيّاماً لا يرسل إلي معاوية ، ولا يأتيه من عند معاوية أحد . واستبطأ أهل العراق إذنه لهم فى القتال ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ! خلّفنا ذرارينا ونساءنا بالكوفة ، وجئنا إلي أطراف الشام لنتّخذها وطناً ؟ ! ائذن لنا فى القتال ، فإنّ الناس قد قالوا . قال لهم ¼ : ما قالوا ؟ فقال منهم قائل : إنّ الناس يظنّون أنّك تكره الحرب كراهية للموت ، وإنّ من الناس من يظنّ أنّك فى شكٍّ من قتال أهل الشام . فقال ¼ : ومتي كنت كارهاً للحرب قطّ ؟ إنّ من العجب حبّى لها غلاماً ويفعاً ، وكراهيتى لها شيخاً بعد نفاد العمر وقرب الوقت ! وأمّا شكّى فى القوم فلو شككت فيهم لشككت فى أهل البصرة ، والله ، لقد ضربت هذا الأمر ظهراً وبطناً ، فما وجدت يسعُنى إلاّ القتال ، أو أن أعصى الله ورسوله ، ولكنّى أستأنى بالقوم ، عسي أن يهتدوا أو تهتدى منهم طائفة ، فإنّ رسول الله ½ قال لى يوم خيبر : لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس(١) . ٢٤٦٤ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كلام له ¼ وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم فى القتال بصفّين ـ : أمّا قولكم : أ كُلّ ذلك كراهية الموت ؟ فو الله ما اُبالى ، دخلت إلي الموت أو خرج الموت إلىَّ . ١٠١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل السابع : مواجهة الجيشين / الاستئناء رجاء الاهتداء
وأمّا قولكم : شكّاً فى أهل الشام ، فو الله ما دفعت الحرب يوماً إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بى طائفة فتهتدى بى ، وتعشو(١) إلي ضوئى ، وذلك أحبّ إلىَّ من أن أقتلها علي ضلالها ، وإن كانت تبوء بآثامها(٢) . (١) يعشو : يُبْصِرُ بها بَصَراً ضَعيفاً (النهاية : ٣ / ٢٤٣) . |
||||||||