الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد السادس

 

 

 ٣١٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثانى : مواصفات الحرب

٢ / ١

تاريخها

بعدما يقرب من سنة واحدة علي واقعة صفّين، وفى وقت لم تكن قد اُخمدت فيه نيران هذه الحرب الدامية، اندلع لهيب ثالث حرب داخليّة منطلقاً هذه المرّة من داخل جيش الإمام وبزعامة المتطرّفين من المسلمين.

وهكذا كان الإمام منذ تسلّمه لزمام السلطة السياسية يواجه فى كلّ عام حرباً أهليّة.

إنّ تاريخ وقوع معركة النهروان غير محدّد علي وجه الدقّة; فقد ذكر بعض المؤرّخين أنّها وقعت سنة ٣٨ هـ(١) ، بينما ذكر آخرون أنّها وقعت سنة ٣٧ هـ(٢) ،


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٩١ وفيه "و هذا القول عليه أكثر أهل السير" ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٧ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٦١ وص ٤١٥ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٣٦٢ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٥٨٨ .
(٢) اُسد الغابة : ١ / ٧١٤ / ١١٢٧ ، التنبيه والإشراف : ٢٥٦ .

 ٣١٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثانى : مواصفات الحرب / مكانها

وأشار غيرهم الي وقوعها سنة ٣٩ هـ(١) .

ويبدو أنّ الرأى الأوّل أقرب إلي الصواب; فبالإضافة إلي أنّ الكثير من أصحاب السيَر ـ أو أكثرهم كما يقول الطبرى ـ يذهبون إلي هذا القول; فإنَّ التتبّع الدقيق لمجريات الأحداث فى عهد حكومة الإمام علىّ  ¼ يؤيّد هذا الرأى أيضاً.

وأمّا الشهر الذى وقعت فيه معركة النهروان فلم يُشِر إليه أكثر المؤرّخين إلاّ أنّ البعض منهم يري أنّها حدثت فى شهر صفر(٢) سنة ٣٨ هـ ويري آخرون أنّها كانت فى شهر شعبان سنة ٣٨ هـ(٣) ويبدو أنّ القول الصحيح هو الأوّل أى فى شهر صفر سنة ٣٨ هـ ; لأنّ وقت التحكيم كان قد عُيّن فى شهر رمضان، ومن بعده جهّز الإمام جيشاً وسار به نحو الشام، وإذا به يواجه تمرّد الخوارج عليه.

وكانت مدّة الحرب قصيرة جدّاً وما لبثت أن خمدت علي وجه السرعة(٤).

٢ / ٢

مكانها

دارت رحي الحرب فى النهروان وهى كورة واسعة بين بغداد وواسط من


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٣ .
(٢) أنساب الأشراف : ٣ / ١٣٦ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٥٨٨ .
(٣) تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٥٨٨ .
(٤) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٦ وفيه "فاُهمِدوا فى الساعة" ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٦ وفيه "فاُهلكوا فى ساعة" ، الأخبار الطوال : ٢١٠ وفيه "و قتلت الخوارج كلّها ربضة واحدة" ، الفتوح : ٤ / ٢٧٤ وفيه "لم تكن إلاّ ساعة حتي قتلوا بأجمعهم" ; تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٣ وفيه "الْتَحَمَت الحرب بينهم مع زوال الشمس ; فأقامت مقدار ساعتين من النهار" ، كشف الغمّة : ١ / ٢٦٧ وفيه "لم يكن إلاّ ساعة حتي قتلوا" .

 ٣١٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثانى : مواصفات الحرب / عدد المشاركين فيها

الجانب الشرقى(١) علي أربعة فراسخ من بغداد(٢) .

٢ / ٣

عدد المشاركين فيها

شكّل جيش الإمام أمير المؤمنين  ¼ أكثر من ثمانية وستين ألفاً ; وذلك أنّ الإمام  ¼ تهيّأ لقتال أهل الشام ، ولم يكن عزم علي قتال الخوارج(٣) . وأمّا جيش الخوارج فكان أربعة آلاف(٤) ، أو ألفين وثمانمائة(٥) .

٢٦٦٥ ـ تاريخ الطبرى عن جبر بن نوف : جمع [الإمام علي  ¼ ] إليه رؤوس أهل الكوفة ، ورؤوس الأسباع ، ورؤوس القبائل ، ووجوه الناس ، فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : يا أهل الكوفة ! أنتم إخوانى ، وأنصارى ، وأعوانى علي الحقّ ، وصحابتى علي جهاد عدوّى المحلّين بكم ، أضرب المدبر ، وأرجو تمام طاعة المقبل ، وقد بَعثتُ إلي أهل البصرة فاستنفرتُهم إليكم فلم يأتِنى منهم إلاّ ثلاثة آلاف ومائتا رجل ، فأعينونى بمناصحة جليّة ، خليّة من الغش ، إنكم(٦) مخرجنا إلي صفّين ، بل استجمعوا بأجمعكم ، وإنّى أسألكم أن يكتب لى رئيس كلّ قوم ما


(١) معجم البلدان : ٥ / ٣٢٥ .
(٢) مجمع البحرين : ٣ / ١٦٨٩ .
(٣) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٠ ، مروج الذهب : ٢ / ٤١٥ .
(٤) مروج الذهب : ٢ / ٤١٥ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٤٦ ، الفتوح : ٤ / ٢٧٠ وفيه "فاستأمن إليه [الإمام علىّ  ¼ ] منهم ثمانية آلاف وبقى علي حربه أربعة آلاف" ; تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٣ وفيه "فرجع يومئذ من الخوارج ألفان وأقام أربعة آلاف" .
(٥) الكامل للمبرّد : ٣ / ١١٠٥ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٦ وفيه بعد رفع راية الأمان بأمر الإمام علىّ  ¼ "كان الذين بقوا مع عبد الله بن وهب ألفين وثمانمائة" .
(٦) فى هامش المصدر : سقطت كلمات فى الأصل .

 ٣١٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثانى : مواصفات الحرب / عدد المشاركين فيها

فى عشيرته من المقاتلة ، وأبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال ، وعبدان عشيرته ومواليهم ، ثمّ يرفع ذلك إلينا .

فقام سعيد بن قيس الهمدانى فقال : يا أمير المؤمنين سمعاً وطاعة ، وودّاً ونصيحة ، أنا أوّل الناس جاء بما سألت وبما طلبت .

وقام معقل بن قيس الرياحى فقال له نحواً من ذلك . وقام عدىّ بن حاتم وزياد بن خصفة وحجر بن عدىّ وأشراف الناس والقبائل فقالوا مثل ذلك .

ثمّ إنّ الرؤوس كتبوا من فيهم ، ثمّ رفعوهم إليه ، وأمروا أبناءهم وعبيدهم ومواليهم أن يخرجوا معهم ، وألاّ يتخلف منهم عنهم أحد ، فرفعوا إليه أربعين ألف مقاتل ، وسبعة عشر ألفاً من الأبناء ممّن أدرك ، وثمانية آلاف من مواليهم وعبيدهم ، وقالوا : يا أمير المؤمنين أمّا من عندنا من المقاتلة وأبناء المقاتلة ممّن قد بلغ الحلم وأطاق القتال فقد رفعنا إليك منهم ذوى القوّة والجَلَد ، وأمرناهم بالشخوص معنا ، ومنهم ضعفاء وهم فى ضياعنا وأشياء ممّا يصلحنا . وكانت العرب سبعة وخمسين ألفاً من أهل الكوفة ، ومن مواليهم ومماليكهم ثمانية آلاف ، وكان جميع أهل الكوفة خمسة وستّين ألفاً وثلاثة آلاف ومائتى رجل من أهل البصرة ، وكان جميع من معه ثمانية وستين ألفاً ومائتى رجل(١) .

٢٦٦٦ ـ تاريخ الطبرى عن أبى سلمة الزهرى ـ فى ذكر ما بقى من أصحاب النهروان بعد إعطاء الإمام لهم الأمان ـ :

كانوا أربعة آلاف ، فكان الذين بقوا مع عبد الله بن وهب منهم ألفين وثمانمائة(٢) .


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٩ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٦ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٦٩ نحوه وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ١٤٦ .

 ٣١٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثانى : مواصفات الحرب / قادة جيش الإمام

٢ / ٤

قادة جيش الإمام

قائد الميمنة : حجر بن عدىّ الكندى .

قائد الميسرة : شبث بن ربعى أو معقل بن قيس الرياحى .

قائد الخيالة : أبو أيّوب الأنصارى .

قائد الرجّالة : أبو قتادة الأنصارى .

قائد أهل المدينة : قيس بن سعد بن عبادة الأنصارى(١) .

٢ / ٥

قادة جيش المارقين

قائد الميمنة : زيد بن حصين الطائى .

قائد الميسرة : شريح بن أوفي العبسى .

قائد الخيالة : حمزة بن سنان الأسدى .

قائد الرجّالة : حرقوص بن زهير السعدى(٢) .

وقيل : قائد الميمنة : يزيد بن حصين ، وقائد الخيل : عبد الله بن وهب (٣) .


(١) أنساب الأشراف : ٣ / ١٤٦ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٥ ، الأخبار الطوال : ٢١٠ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٦٩ وزاد فى آخره "و وقف علىّ فى القلب فى مضر" ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٩ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٥ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٩ .
(٣) الأخبار الطوال : ٢١٠ .

 ٣٢٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثانى : مواصفات الحرب / قادة جيش المارقين

 ٣٢١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان

٣ / ١

بداية الفرقة

٢٦٦٧ ـ تاريخ الطبرى عن عمارة بن ربيعة ـ فى صفة جيش الإمام  ¼ ـ : خرجوا مع علىّ إلي صفّين وهم متوادّون أحبّاء ، فرجعوا متباغضين أعداء ، ما برحوا من عسكرهم بصفّين حتي فشا فيهم التحكيم ، ولقد أقبلوا يتدافعون الطريق كلّه ، ويتشاتمون ، ويضطربون بالسياط ; يقول الخوارج : يا أعداء الله ! أدهنتم فى أمر الله عزّ وجلّ ، وحكّمتم !

وقال الآخرون : فارقتم إمامنا ، وفرّقتم جماعتنا !

فلمّا دخل علىّ الكوفة لم يدخلوا معه حتي أتوا حروراء ، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً ، ونادي مناديهم : إنّ أمير القتال شبث بن ربعى التميمى ، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوّاء اليشكرى ، والأمر شوري بعد الفتح ، والبيعة لله عزّ وجلّ ،

 ٣٢٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / بداية الفرقة

والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر(١) .

٢٦٦٨ ـ الكامل فى التاريخ : لمّا رجع علىّ من صفّين فارقه الخوارج وأتوا حروراء ، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً ، ونادي مناديهم : إنّ أمير القتال شبث بن ربعى التميمى ، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوّا اليشكرى ، والأمر شوري بعد الفتح ، والبيعة لله عزّ وجلّ ، والأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر .

فلمّا سمع علىّ ذلك وأصحابه قامت الشيعة ، فقالوا له : فى أعناقنا بيعة ثانية ، نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديتَ .

فقالت الخوارج : استَبقتُم أنتم وأهل الشام إلي الكفر كفَرسَى رِهان(٢) ; بايع أهل الشام معاوية علي ما أحبّوا وكرهوا ، وبايعتُم أنتم عليّاً علي أنّكم أولياء من والَي ، وأعداء من عادي .

فقال لهم زياد بن النضر : والله ، ما بسط علىّ يده فبايعناه قطّ إلاّ علي كتاب الله ، وسنّة نبيّه ، ولكنّكم لمّا خالفتموه جاءته شيعته فقالوا له : نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديتَ ، ونحن كذلك ، وهو علي الحقّ والهدي ، ومن خالفه ضالّ مضلّ(٣) .

٢٦٦٩ ـ تاريخ الطبرى عن الزهرى : تفرّق أهل صفّين حين حكّم الحكمان . . . فلمّا انصرف علىّ خالفت الحروريّة وخرجت ـ وكان ذلك أوّل ما ظهرت ـ فآذنوه بالحرب ، وردّوا عليه أنّ حكم بنى آدم فى حكم الله عزّ وجلّ ، وقالوا :


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٦٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١١٤ نحوه .
(٢) هما كفَرَسَى رِهان : يُضرب لاثنين يستبقان إلي غاية فيستويان (تاج العروس : ٨ / ٣٩٤) .
(٣) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٣ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٦٣ وص ٦٤ عن عمارة بن ربيعة .

 ٣٢٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / احتجاجات الإمام علي زرعة وحرقوص

لا حكم إلاّ لله سبحانه ! وقاتلوا(١) .

٣ / ٢

احتجاجات الإمام علي زرعة وحرقوص

٢٦٧٠ ـ تاريخ الطبرى عن عون بن أبى جحيفة : إنّ عليّاً لمّا أراد أن يبعث أبا موسي للحكومة أتاه رجلان من الخوارج : زرعة بن البرج الطائى ، وحرقوص بن زهير السعدى ، فدخلا عليه ، فقالا له : لا حكم إلاّ لله !

فقال علىّ : لا حكم إلاّ لله .

فقال له حرقوص : تُب من خطيئتكَ ، وارجع عن قضيّتكَ ، واخرج بنا إلي عدوّنا نقاتلهم حتي نلقي ربّنا !

فقال لهم علىّ : قد أردتُكم علي ذلك فعصيتمونى ، وقد كتبنا بيننا وبينهم كتاباً ، وشرطنا شروطاً ، وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا ، وقد قال الله عزّ وجلّ : ³ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الاَْيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ  ²  (٢) .

فقال له حرقوص : ذلك ذنب ينبغى أن تتوب منه .

فقال علىّ : ما هو ذنب ، ولكنّه عجز من الرأى ، وضعف من الفعل ، وقد تقدّمتُ إليكم فيما كان منه ، ونهيتُكم عنه .

فقال له زرعة بن البرج : أما والله يا علىّ لئن لم تدَع تحكيم الرجال فى كتاب


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٥٧ وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٠ .
(٢) النحل : ٩١ .

 ٣٢٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

الله عزّ وجلّ قاتلتك ; أطلب بذلك وجه الله ورضوانه !

فقال له علىّ : بؤساً لك ، ما أشقاك ! كأنّى بك قتيلاً تُسفى عليك الريح .

قال : وددتُ أن قد كان ذلك .

فقال له علىّ : لو كنت محقّاً كان فى الموت علي الحقّ تعزية عن الدنيا ، إنّ الشيطان قد استهواكم ، فاتّقوا الله عزّ وجلّ ، إنّه لا خير لكم فى دنيا تقاتلون عليها .

فخرجا من عنده يحكّمان(١) .

٣ / ٣

إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

٢٦٧١ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من وصيّته لعبد الله بن العبّاس لمّا بعثه للاحتجاج علي الخوارج ـ : لا تخاصمهم بالقرآن ; فإنّ القرآن حمّال ذو وجوه ; تقول ويقولون ، ولكن حاجِجهم بالسُّنّة ، فإنّهم لن يجدوا عنها محيصاً(٢) .

٢٦٧٢ ـ الفتوح ـ فى ذكر ابتداء أخبار الخوارج من الشراة وخروجهم علي علىّ  ¼ ـ : بينا علىّ كرّم الله وجهه مقيم بالكوفة ينتظر انقضاء المدّة التى كانت بينه وبين معاوية ثمّ يرجع إلي محاربة أهل الشام ، إذ تحركت طائفة من خاصّة أصحابه فى أربعة آلاف فارس ، وهم من النسّاك العبّاد أصحاب البرانس ، فخرجوا عن الكوفة وتحزّبوا ، وخالفوا عليّاً كرّم الله وجهه وقالوا : لا حُكم إلاّ لله ،


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٨ وليس فيه من "لو كنت محقّاً" إلي "تقاتلون عليها" ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٢٩ عن الزهرى ; المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٨٨ كلاهما نحوه .
(٢) نهج البلاغة : الكتاب ٧٧ ، بحار الأنوار : ٢ / ٢٤٥ / ٥٦ ; ربيع الأبرار : ١ / ٦٩١ وفيه "خاصِمهم" بدل "حاجِجهم" .

 ٣٢٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

ولا طاعة لمن عصي الله .

قال : وانحاز إليهم نيّف عن ثمانية آلاف رجل ممن يري رأيهم . قال : فصار القوم فى اثنى عشر ألفاً ، وساروا حتي نزلوا بحروراء ، وأمّروا عليهم عبد الله بن الكوّاء .

قال : فدعا علىّ   ¢ بعبد الله بن عبّاس ، فأرسله إليهم ، وقال : يابن عبّاس امضِ إلي هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا .

قال : فأقبل عليهم ابن عبّاس ، حتي إذا أشرف عليهم ونظروا إليه ناداه بعضهم وقال : ويلك يابن عبّاس ، أ كفرتَ بربّك كما كفر صاحبك علىّ بن أبى طالب ؟

فقال ابن عبّاس : إنّى لا أستطيع أن اُكلّمكم كلّكم ، ولكن انظروا أيّكم أعلم بما يأتى ويذَر فليخرج إلىّ ; حتي اُكلّمه .

قال : فخرج إليه رجل منهم يقال له : عتاب بن الأعور الثعلبى حتي وقف قبالته ـ وكأنّ القرآن إنّما كان ممثّلا بين عينيه ـ فجعل يقول ويحتجّ ويتكلّم بما يريد ، وابن عبّاس ساكت لا يكلّمه بشىء ، حتي إذا فرغ من كلامه أقبل عليه ابن عبّاس فقال : إنّى اُريد أن أضرب لك مثلا ، فإن كنت عاقلا فافهم .

فقال الخارجى : قل ما بدا لك .

فقال له ابن عبّاس : خبّرنى عن دار الإسلام هذه هل تعلم لمن هى ، ومن بناها ؟

فقال الخارجى : نعم ، هى لله عزّ وجلّ ، وهو الذى بناها علي أنبيائه وأهل طاعته ، ثمّ أمر من بعثه إليها من الأنبياء أن يأمروا الاُمم أن لا تعبدوا إلاّ إيّاه ، فآمن قوم ، وكفر قوم ، وآخر من بعثه إليها من الأنبياء محمد  ½ .

 ٣٢٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

فقال ابن عبّاس : صدقت . ولكن خبّرنى عن محمّد حين بَعث إلي دار الإسلام فبناها ـ كما بناها غيره من الأنبياء ـ هل أحكمَ عمارتَها ، وبيّن حدودها ، وأوقف الاُمّة علي سبلها وعملها وشرائع أحكامها ومعالم دينها ؟

قال الخارجى : نعم ، قد فعل محمّد ذلك .

قال ابن عبّاس : فخبّرنى الآن عن محمّد هل بقى فيها ، أو رحل عنها ؟

قال الخارجى : بل رحل عنها .

قال ابن عبّاس : فخبّرنى رحل عنها وهى كاملة العمارة بيّنة الحدود ، أم رحل عنها وهى خربة لا عمران فيها ؟

قال الخارجى : بل رحل عنها وهى كاملة العمارة ، بيّنة الحدود ، قائمة المنَار .

قال ابن عبّاس : صدقت الآن ، فخبّرنى هل كان لمحمّد  ½ أحد يقوم بعمارة هذه الدار من بعده أم لا ؟

قال الخارجى : بلي ، قد كان له صحابة وأهل بيت ووصىّ وذريّة يقومون بعمارة هذه الدار من بعده .

قال ابن عبّاس : ففعلوا أم لم يفعلوا ؟

قال الخارجى : بلي ، قد فعلوا وعمّروا هذه الدار من بعده .

قال ابن عبّاس : فخبّرنى الآن عن هذه الدار من بعده هل هى اليوم علي ما تركها محمّد  ½ من كمال عمارتها وقوام حدودها ، أم هى خربة عاطلة الحدود ؟

قال الخارجى : بل هى عاطلة الحدود خربة .

قال ابن عبّاس : أ فذريّته وَليت هذه الخراب ، أم اُمّته ؟

قال : بل اُمّته .

 ٣٢٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

قال : قال ابن عبّاس : أ فأنت من الاُمّة أو من الذرّيّة ؟

قال : أنا من الاُمّة .

قال ابن عبّاس : يا عتاب فخبّرنى الآن عنك كيف ترجو النجاة من النار وأنت من اُمّة قد أخربت دار الله ودار رسوله ، وعطّلت حدودها ؟

فقال الخارجى : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ويحك يابن عبّاس ! احتلتَ والله حتي أوقعتَنى فى أمر عظيم ، وألزمتَنى الحجّة ، حتي جعلتَنى ممّن أخرب دار الله . ولكن ويحك يابن عبّاس فكيف الحيلة فى التخليص مما أنا فيه ؟

قال ابن عبّاس : الحيلة فى ذلك أن تسعي فى عمارة ما أخربته الاُمة من دار الإسلام .

قال : فدلّنى علي السعى فى ذلك .

قال ابن عبّاس : إنّ أوّل ما يجب عليك فى ذلك أن تعلم من سعي فى خراب هذه الدار فتعاديه ، وتعلم من يريد عمارتها فتواليه .

قال : صدقت يابن عبّاس ، والله ما أعرف أحداً فى هذا الوقت يحبّ عمارة دار الإسلام غير ابن عمّك علىّ بن أبى طالب لولا أنّه حكّم عبد الله بن قيس فى حقّ هو له .

قال ابن عبّاس : ويحك يا عتاب ، إنّا وجدنا الحكومة فى كتاب الله عزّ وجلّ ; إنّه قال تعالي : ³ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا  ²  (١) ، وقال تعالي : ³ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ  ²  (٢) .


(١) النساء : ٣٥ .
(٢) المائدة : ٩٥ .

 ٣٢٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

قال : فصاحت الخوارج من كلّ ناحية وقالوا : فكأنّ عمرو بن العاص عندك من العدول ، وأنت تعلم أنّه كان فى الجاهليّة رأساً ، وفى الإسلام ذنباً ، وهو الأبتر ابن الأبتر ، ممّن قاتل محمّداً  ½ ، وفتن اُمّته من بعده !

قال : فقال ابن عبّاس : يا هؤلاء ! إنّ عمرو بن العاص لم يكن حَكَماً ، أ فتحتَجّون به علينا ؟ إنّما كان حكماً لمعاوية ، وقد أراد أمير المؤمنين علىّ   ¢ أن يعبثنى أنا فأكون له حكماً ، فأبيتُم عليه وقلتُم : قد رضينا بأبى موسي الأشعرى ، وقد كان أبو موسي ـ لعمرى ـ رضى فى نفسه وصحبته وإسلامه وسابقته ، غير أنّه خُدع فقال ما قال ، وليس يلزمنا من خديعة عمرو بن العاص لأبى موسي ، فاتّقوا ربّكم ، وارجعوا إلي ما كنتُم عليه من طاعة أمير المؤمنين ، فإنّه وإن كان قاعداً عن طلب حقّه فإنّما ينتظر انقضاء المدّة ثمّ يعود إلي محاربة القوم ، وليس علىّ   ¢ ممن يقعد عن حقّ جعله الله له .

قال : فصاحت الخوارج ; قالوا : هيهات يابن عبّاس ! نحن لا نتولّي عليّاً بعد هذا اليوم أبداً ، فارجع إليه وقل له فليخرج إلينا بنفسه ; حتي نحتجّ عليه ، ونسمع كلامه ، ويسمع من كلامنا ، فلعلّنا إن سمعنا منه شيئاً يعلق إمّا(١) أن نرجع عمّا اجتمعنا عليه من حربه .

قال : فخرج عبد الله بن عبّاس إلي علىّ   ¢ فخبّره بذلك(٢) .

٢٦٧٣ ـ شرح نهج البلاغة عن عمر مولي غفرة : لمّا رجع علىّ  ¼ من صفّين إلي الكوفة ، أقام الخوارج حتي جمّوا(٣) ، ثمّ خرجوا إلي صحراء بالكوفة تسمّي


(١) كذا فى المصدر ، ولعل "إمّا" زائدة .
(٢) الفتوح : ٤ / ٢٥١ وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٨٨ .
(٣) جمّ الشىء : كثر (لسان العرب : ١٢ / ١٠٥) .

 ٣٢٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

حروراء ، فنادوا : لا حكم إلاّ لله ولو كره المشركون . ألا إنّ عليّاً ومعاوية أشركا فى حكم الله .

فأرسل علىّ  ¼ إليهم عبد الله بن عبّاس ، فنظر فى أمرهم ، وكلّمهم ، ثمّ رجع إلي علىّ  ¼ ، فقال له : ما رأيتَ ؟

فقال ابن عبّاس : والله ، ما أدرى ما هم !

فقال له علىّ  ¼ : رأيتَهم منافقين ؟

قال : والله ، ما سيماهم بسيما المنافقين ، إنّ بين أعينهم لأثر السجود ، وهم يتأوّلون القرآن .

فقال علىّ  ¼ : دعوهم ما لم يسفكوا دماً ، أو يغصبوا مالاً . وأرسل إليهم : ما هذا الذى أحدثتُم ، وما تريدون ؟

قالوا : نريد أن نخرج نحن وأنت ومن كان معنا بصفّين ثلاث ليال ، ونتوب إلي الله من أمر الحَكَمين ، ثمّ نسير إلي معاوية فنقاتله ، حتي يحكم الله بيننا وبينه .

فقال علىّ  ¼ : فهلاّ قلتم هذا حين بعثنا الحكمين ، وأخذنا منهم العهد ، وأعطيناهموه ! أ لا قلتم هذا حينئذ !

قالوا : كنّا قد طالت الحرب علينا ، واشتدّ البأس ، وكثر الجراح ، وخلا الكُراع والسلاح .

فقال لهم : أ فحين اشتدّ البأس عليكم عاهدتُم ، فلمّا وجدتُم الجَمام(١) قلتُم : ننقض العهد ! إنّ رسول الله كان يفى للمشركين ، أ فتأمروننى بنقضه !(٢)


(١) الجَمام : الراحة (لسان العرب : ١٢ / ١٠٥) .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٣١٠ ; بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٤٣ / ٥٨٧ .

 ٣٣٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

٢٦٧٤ ـ الكامل للمبرّد : ذكر أهل العلم من غير وجه أنّ عليّاً   ¢ لمّا وجّه إليهم عبد الله بن العبّاس ليناظرهم ، قال لهم : ما الذى نقمتُم علي أمير المؤمنين ؟

قالوا : قد كان للمؤمنين أميراً ، فلمّا حكّم فى دين الله خرج من الإيمان ، فليَتُب بعد إقراره بالكفر نَعُد له .

فقال ابن عبّاس : ما ينبغى لمؤمن لم يشُب إيمانه شكّ أن يُقرّ علي نفسه بالكفر .

قالوا : إنّه قد حكّم .

قال : إنّ الله عزّ وجلّ قد أمرنا بالتحكيم فى قتل صيد ، فقال عزّ وجلّ : ³ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ  ²  ، فكيف فى إمامة قد أشكلت علي المسلمين ؟ !

فقالوا : إنّه قد حكّم عليه فلم يرضَ .

فقال : إنّ الحكومة كالإمامة ، ومتي فسق الإمام وجبت معصيته ، وكذلك الحكمان ، لمّا خالفا نُبذت أقاويلهما .

فقال بعضهم لبعض : لا تجعلوا احتجاج قريش حجّةً عليكم ; فإنّ هذا من القوم الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم : ³ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ  ²  (١) ، وقال عزّ وجلّ : ³ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا  ²  (٢) (٣) .

٢٦٧٥ ـ الكامل للمبرّد : كان أصحاب النخيلة(٤) قالوا لابن عبّاس : إن كان علىّ


(١) الزخرف : ٥٨ .
(٢) مريم : ٩٧ .
(٣) الكامل للمبرّد : ٣ / ١٠٧٩ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٧٣ ; بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٤٩ .
(٤) النُّخَيلَة ـ تصغير نخلة ـ : موضع قرب الكوفة علي سمت الشام، وهو الموضع الذى خرج إليه الإمام على  ¼ (معجم البلدان : ٥/٢٧٨).

 ٣٣١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

علي حقّ لم يُشكّك فيه وحكّم مضطرّاً ، فما باله حيث ظفر لم يَسْبِ ؟

فقال لهم ابن عبّاس : قد سمعتُم الجواب فى التحكيم ، فأمّا قولكم فى السباء أ فكنتم سابين اُمّكم عائشة ؟ ! فوضعوا أصابعهم فى آذانهم ، وقالوا : أمسك عنّا غَرْب لسانك(١) يابن عبّاس ; فإنّه طَلْق ذَلْق(٢) ، غوّاص علي موضع الحجّة(٣) .

٢٦٧٦ ـ تاريخ الطبرى عن عمارة بن ربيعة ـ فى ذكر الخوارج ـ : بعث علىٌّ ابنَ عبّاس إليهم ، فقال : لا تعجل إلي جوابهم وخصومتهم حتي آتيك . فخرج إليهم حتي أتاهم ، فأقبلوا يكلّمونه ، فلم يصبر حتي راجعهم فقال : ما نقمتُم من الحكمين ; وقد قال الله عزّ وجلّ : ³ إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا  ²  ، فكيف باُمّة محمّد  ½

فقالت الخوارج : قلنا : أمّا ما جعل حكمه إلي الناس وأمر بالنظر فيه والإصلاح له ، فهو إليهم كما أمر به ، وما حكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه ; حكم فى الزانى مائة جلدة ، وفى السارق بقطع يده ، فليس للعباد أن ينظروا فى هذا .

قال ابن عبّاس : فإنّ الله عزّ وجلّ يقول : ³ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ  ²  .

فقالوا :أ وَتجعل الحكم فى الصيد ، والحَدَث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم فى دماء المسلمين !

وقالت الخوارج : قلنا له : فهذه الآية بيننا وبينك ، أ عَدلٌ عندك ابن العاص وهو


(١) غرب اللسان : حدّته (لسان العرب : ١ / ٦٤١) .
(٢) لسان ذَلْقٌ طَلْق : فصيح (لسان العرب : ١٠ / ١١٠) .
(٣) الكامل للمبرّد : ٣ / ١١٦٢ .

 ٣٣٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / إشخاص عبد الله بن عبّاس إليهم

بالأمس يقاتلنا ويسفك دماءنا ! فإن كان عدلاً فلسنا بعدول ، ونحن أهل حربه ، وقد حكّمتم فى أمر الله الرجال ، وقد أمضي الله عزّ وجلّ حكمه فى معاوية وحزبه أن يُقتلوا أو يرجعوا ، وقبل ذلك ما دعوناهم إلي كتاب الله عزّ وجلّ فأبوه ، ثمّ كتبتم بينكم وبينه كتاباً ، وجعلتم بينكم وبينه الموادعة والاستفاضة ، وقد قطع عزّ وجلّ الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة ، إلاّ من أقرّ بالجزية(١) .

٢٦٧٧ ـ شرح الأخبار عن عبد الله بن عبّاس : أرسلنى علىّ أمير المؤمنين  ¼ إلي الخوارج الحروريّة لاُكلّمهم ، فكلّمتهم . فقالوا : لا حكم إلاّ لله . فقلت : أجل ، ولكن أ ما تقرؤون القرآن وقول الله عزّ وجلّ : ³ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ  ²  (٢) ، وقوله : ³ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ  ²  (٣) ، وقوله : ³ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِه ِوَ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا  ²  (٤) ! وقد شهد من شهد منكم رسولَ الله  ½ إذ حكّم سعداً فى بنى قريظة ، فلمّا حكم فيهم بالحقّ أجاز حكمه ، وقال : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرفعة ، فهل تقولون إنّ رسول الله  ½ أخطأ فى تحكيم سعد فى بنى قريظة ؟ ! وأيّهم عندكم أوجب أن يحكم فيه : أمر ما بين رجل وبين امرأته ، أو جزاء صيد يصيبه محرم ، أو الحكم فى اُمّة قد اختلفت وقتل بعضها بعضاً ; ليرجع منها إلي حكم الكتاب من خالفه ، فتحقن دماء الاُمّة ويلمّ شعثها ؟


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٦٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٢٢ ، المعيار والموازنة : ١٩٤ كلاهما نحوه .
(٢) المائدة : ٩٥ .
(٣) المائدة : ٤٩ .
(٤) النساء : ٣٥ .

 ٣٣٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج

فقال لهم ابن الكوّا : دعوا ما يقول هذا وأصحابه ، واقبلوا علي ما أنتم عليه ; فإنّ الله عزّ وجلّ قد أخبر أنّ هؤلاء قوم خصِمون(١) .

٣ / ٤

خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج

٢٦٧٨ ـ الفتوح ـ بعد ذكر رجوع عبد الله بن عبّاس من حروراء وإخباره الإمام بما جري بينه وبين الخوارج ـ : ركب علىّ إلي القوم فى مائة رجل من أصحابه ، حتي وافاهم بحروراء ، فلمّا بلغ ذلك الخوارج ركب عبد الله بن الكوّاء فى مائة رجل من أصحابه حتي واقفه .

فقال له علىّ : يابن الكوّاء إنّ الكلام كثير ، ابرز إلىّ من أصحابك حتي أكلّمك . قال ابن الكوّاء : وأنا آمن من سيفك .

قال علىّ : نعم ، وأنت آمن من سيفى .

قال : فخرج ابن الكوّاء فى عشرة من أصحابه ودنوا من علىّ   ¢ . قال : وذهب ابن الكوّاء ليتكلّم فصاح به رجل من أصحاب علىّ وقال : اسكت ; حتي يتكلّم من هو أحقّ بالكلام منك .

قال : فسكت ابن الكوّاء ، وتكلّم علىّ بن أبى طالب ، فذكر الحرب الذى كان بينه وبين معاوية ، وذكر اليوم الذى رفعت فيه المصاحف ، وكيف اتّفقوا علي الحكمين ، ثمّ قال له علىّ : ويحك يابن الكوّاء ، أ لم أقُل لكم فى ذلك اليوم الذى رفعت فيه المصاحف : كيف أهل الشام يريدون أن يخدعوكم بها ؟ أ لم أقُل لكم


(١) شرح الأخبار : ٢ / ٤٦ / ٤١٣ وراجع تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٦٦ .

 ٣٣٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج

بأنّهم قد عضّهم السلاح وكاعوا(١) عن الحرب ، فذرونى اُناجزهم ، فأبيتُم علىَّ وقلتم : إنّ القوم قد دعونا إلي كتاب الله عزّ وجلّ فأجبهم إلي ذلك ، وإلاّ لم نقاتل معك ، وإلاّ دفعناك إليهم ! فلما أجبتُكم إلي ذلك وأردتُ أن أبعث ابن عمّى عبد الله بن عبّاس ليكون لى حكماً ، فإنّه رجل لا يبتغى بشىء من عرض هذه الدنيا ولا يطمع أحد من الناس فى خديعته ، فأبي علىَّ منكم من أبي ، وجئتمونى بأبى موسي الأشعرى وقلتم : قد رضينا بهذا . فأجبتكم إليه وأنا كاره ، ولو أصبت أعواناً غيركم فى ذلك الوقت لما أجبتكم . ثمّ إنّى اشترطت علي الحكمين بحضرتكم أن يحكما بما أنزل الله من فاتحته إلي خاتمته أو السنّة الجامعة ، فإن هما لم يفعلا ذلك فلا طاعة لهما علىَّ ، أ كان ذلك أم لم يكن ؟

فقال ابن الكوّاء : صدقت ، قد كان هذا بعينه ، فلم لا ترجع إلي حرب القوم إذ قد علمت إنّ الحكمين لم يحكما بالحقّ، وأنّ أحدهما خدع صاحبه ؟

فقال علىٌ : إنّه ليس إلي حرب القوم سبيل إلي انقضاء المدّة التى ضُربت بينى وبينهم .

قال ابن الكوّاء : فأنت مُجمع علي ذلك ؟

قال : وهل يسَعنى إلاّ ذلك ؟ انظر يابن الكوّاء أنّى أصبت أعواناً وأقعد عن حقّى ؟

قال : فعندها بَطَن(٢) ابن الكوّاء فرسَه وصار إلي علىّ مع العشرة الذين كانوا معه ، ورجعوا عن رأى الخوارج ، وانصرفوا مع علىّ إلي الكوفة ، وتفرّق الباقون


(١) كاعَ : جبُن (لسان العرب : ٨ / ٣١٧) .
(٢) بَطَنَه : ضرب بطنه (لسان العرب : ١٣ / ٥٤) .

 ٣٣٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج

وهم يقولون : لا حكم إلاّ لله ، ولا طاعة لمن عصي الله (١) .

٢٦٧٩ ـ الأخبار الطوال ـ فى ذكر احتجاجات الإمام علىّ  ¼ الخوارج ـ : قال : ليخرج إلىّ رجل منكم ترضون به حتي أقول ويقول ، فإن وجبت علىّ الحجّة أقررت لكم وتبت إلي الله ، وإن وجبت عليكم فاتّقوا الذى مردّكم إليه .

فقالوا لعبد الله بن الكوّاء ـ وكان من كبرائهم ـ : اخرج إليه حتي تحاجّه ، فخرج إليه . فقال علىّ : هل رضيتم ؟ قالوا : نعم . قال : اللهمّ اشهد ; فكفي بك شهيداً .

فقال علىّ   ¢ : يابن الكوّاء ، ما الذى نقمتُم علىّ بعد رضاكم بولايتى ، وجهادكم معى ، وطاعتكم لى ؟ فهلاّ برئتم منى يوم الجمل ؟

قال ابن الكوّاء : لم يكُن هناك تحكيم .

فقال علىّ : يابن الكوّاء ، أنا أهدي أم رسول الله  ½ ؟

قال ابن الكوّاء : بل رسول الله  ½ .

قال : فما سمعت قول الله عزّ وجلّ : ³ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ  ²  (٢) ، أ كان الله يشكّ أنّهم هم الكاذبون ؟

قال : إنّ ذلك احتجاج عليهم ، وأنت شككتَ فى نفسك حين رضيت بالحكمين ، فنحن أحري أن نشكّ فيك .

قال : وإنّ الله تعالي يقول : ³ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ  ²  (٣) .


(١) الفتوح : ٤ / ٢٥٣ وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٨٩ وكشف الغمّة : ١ / ٢٦٤ .
(٢) آل عمران : ٦١ .
(٣) القصص : ٤٩ .

 ٣٣٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج

قال ابن الكوّاء : ذلك أيضاً احتجاج منه عليهم .

فلم يزَل علىّ  ¼ يحاجّ ابن الكوّاء بهذا وشبهه ، فقال ابن الكوّاء : أنت صادق فى جميع ما تقول ، غير أنّك كفرت حين حكّمت الحكمين .

قال علىّ : ويحك يابن الكوّاء ، إنّى إنّما حكّمت أبا موسي وحده ، وحكّم معاوية عمراً .

قال ابن الكوّاء : فإنّ أبا موسي كان كافراً .

قال علىّ : ويحك ، متي كفر ، أحين بعثتُه ، أم حين حكم ؟

قال : لا ، بل حين حكم .

قال : أ فلا تري أنّى إنّما بعثته مسلماً ، فكفر ـ فى قولك ـ بعد أن بعثته ، أرأيت لو أنّ رسول الله  ½ بعث رجلا من المسلمين إلي اُناس من الكافرين ليدعوهم إلي الله ، فدعاهم إلي غيره ، هل كان علي رسول الله  ½ من ذلك شىء ؟

قال : لا .

قال : ويحك ، فما كان علىّ إن ضلّ أبو موسي ؟ أ فيحلّ لكم بضلالة أبى موسي أن تضعوا سيوفكم علي عواتقكم فتعترضوا بها الناس ؟ !

فلمّا سمع عظماء الخوارج ذلك قالوا لابن الكوّاء : انصرف ، ودَع مخاطبة الرجل .

فانصرف إلي أصحابه ، وأبي القوم إلاّ التمادى فى الغىّ(١) .

٢٦٨٠ ـ الكامل للمبرّد ـ فى ذكر الخوارج ـ : يروي أنّ عليّاً فى أوّل خروج القوم


(١) الأخبار الطوال : ٢٠٨ .

 ٣٣٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج

عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدى ـ وقد كان وجّهه إليهم ـ وزياد بن النضر الحارثى مع عبد الله بن العبّاس ، فقال لصعصعة : بأىّ القوم رأيتهم أشدّ إطافة ؟

فقال : بيزيد بن قيس الأرحبى .

فركب علىّ إليهم إلي حروراء ، فجعل يتخلّلهم حتي صار إلي مضرب يزيد بن قيس ، فصلّي فيه ركعتين ، ثمّ خرج فاتّكأ علي قوسه ، وأقبل علي الناس ، ثمّ قال : هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة ، أنشدكم الله ، أعلمتُم أحداً منكم كان أكره للحكومة منّى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : أ فعلمتم أنّكم أكرهتمونى حتي قبلتها ؟

قالوا : اللهمّ نعم .

قال : فعلامَ خالفتمونى ونابذتمونى ؟

قالوا : إنّا أتينا ذنباً عظيماً ، فتبنا إلي الله ، فتب إلي الله منه واستغفره نُعد لك .

فقال علىّ : إنّى أستغفر الله من كلّ ذنب . فرجعوا معه ، وهم ستّة آلاف . فلمّا استقرّوا بالكوفة أشاعوا أنّ عليّاً رجع عن التحكيم ورآه ضلالاً ، وقالوا : إنّما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمن الكراع ، ويُجبي المال ، فينهض إلي الشام .

فأتي الأشعث بن قيس عليّاً فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ الناس قد تحدّثوا أنّك رأيتَ الحكومة ضلالاً ، والإقامة عليها كفراً !

فخطب علىّ الناس فقال : من زعم أنّى رجعت عن الحكومة فقد كذب ، ومن رآها ضلالاً فهو أضلّ . فخرجت الخوارج من المسجد ، فحكّمت ، فقيل لعلىّ : إنّهم خارجون عليك .

 ٣٣٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج

فقال : لا اُقاتلهم حتي يقاتلونى ، وسيفعلون(١) .

٢٦٨١ ـ تاريخ الطبرى عن عمارة بن ربيعة ـ فى ذكر الخوارج ـ : بعث علىٌّ زيادَ ابن النضر إليهم فقال : انظر بأىّ رؤوسهم هم أشدّ إطافة . فنظر ، فأخبره أنّه لم يَرهم عند رجل أكثر منهم عند يزيد بن قيس .

فخرج علىّ فى الناس حتي دخل إليهم ، فأتي فسطاط يزيد بن قيس ، فدخله فتوضّأ فيه ، وصلّي ركعتين ، وأمّره علي أصبهان(٢) والرىّ(٣) . ثمّ خرج حتي انتهي إليهم وهم يخاصمون ابن عبّاس ، فقال : انتهِ عن كلامهم ، أ لم أنهَك رحمك الله ! ثمّ تكلّم فحمد الله عزّ وجلّ وأثني عليه ، ثمّ قال : اللهمّ إنّ هذا مقام من أفلج فيه كان أولي بالفَلَج يوم القيامة ، ومن نطق فيه وأوعث(٤) فهو فى الآخرة أعمي وأضلّ سبيلاً . ثمّ قال لهم : من زعيمكم ؟

قالوا : ابن الكوّاء .

قال علىّ : فما أخرجكم علينا ؟

قالوا : حكومتكم يوم صفّين .

قال : أنشدكم بالله ، أ تعلمون أنّهم حيث رفعوا المصاحف ، فقلتُم : نُجيبهم إلي


(١) الكامل للمبرّد : ٣ / ١١٣٠ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٧٨ نحوه ; بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٥٣ وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ١٣٠ .
(٢) إصبهان : هى مركز محافظة اصفهان وتعدّ واحدة من المدن الكبيرة والقديمة فى إيران ، تقع هذه المدينة علي بعد ٤٠٠ كيلو متر من جنوب طهران . وكانت عاصمة ايران إبّان العهد الصفوى .
(٣) الرّى : واحدة من المدن الإيرانية القديمة وتعدّ الآن إحدي مناطق مدينة طهران ، وكان لها في السابق مكانة متميّزة وقد تخرّج منها عدد وفير من العلماء الأفاضل .
(٤) أوعثَ فلان : إذا خلّطَ ، والوعث : فساد الأمر واختلاطه (لسان العرب : ٢ / ٢٠٢) .

 ٣٣٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج

كتاب الله ، قلتُ لكم : إنّى أعلم بالقوم منكم ، إنّهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إنّى صحبتهم وعرفتهم أطفالاً ورجالاً ، فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال . امضوا علي حقّكم وصدقكم ، فإنّما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ودهناً(١) ومكيدة ، فرددتم علىَّ رأيى ، وقلتم : لا ، بل نقبل منهم . فقلت لكم : اذكروا قولى لكم ، ومعصيتكم إيّاى ، فلمّا أبيتم إلاّ الكتاب اشترطتُ علي الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن ، وأن يُميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حَكَماً يحكم بما فى القرآن ، وإن أبَيا فنحن من حكمهما برآء .

قالوا له : فخبّرنا أ تراه عدلاً تحكيم الرجال فى الدماء ؟

فقال : إنّا لسنا حكّمنا الرجال ، إنّما حكّمنا القرآن ، وهذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق ، إنّما يتكلّم به الرجال .

قالوا : فخبّرنا عن الأجل ، لِمَ جعلته فيما بينك وبينهم ؟

قال : ليعلم الجاهل ، ويتثبّت العالم ، ولعلّ الله عزّ وجلّ يصلح فى هذه الهدنة هذه الاُمّة . ادخلوا مصركم رحمكم الله . فدخلوا من عند آخرهم(٢) .

٢٦٨٢ ـ العقد الفريد ـ فى ذكر كلام الإمام مع ابن الكوّاء ـ : فقال له علىّ : يابن الكوّاء ، إنّه من أذنب فى هذا الدين ذنباً يكون فى الإسلام حدثاً استتبناه من ذلك الذنب بعينه ، وإنّ توبتك أن تعرف هدي ما خرجتَ منه ، وضلال ما دخلتَ فيه .

قال ابن الكوّاء : إنّنا لا ننكر أنّا قد فُتنّا . فقال له عبد الله بن عمرو بن جرموز :


(١) دَهَنَ الرجل : إذا نافق (لسان العرب : ١٣ / ١٦٢) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٦٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٣ ; الإرشاد : ١ / ٢٧٠ نحوه وفيه من "فحمد الله عزّ وجلّ . . ." .

 ٣٤٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / صبر الإمام علي أذاهم ورفقه بهم

أدرَكنا والله هذه الآية : ³ الم  ± أَ حَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ  ²  (١) ـ وكان عبد الله من قرّاء أهل حروراء ـ . فرجعوا فصلّوا خلف علىّ الظهر ، وانصرفوا معه إلي الكوفة . ثمّ اختلفوا بعد ذلك فى رجعتهم ، ولامَ بعضهم بعضاً(٢) .

٣ / ٥

صبر الإمام علي أذاهم ورفقه بهم

٢٦٨٣ ـ تاريخ الطبرى عن أبى رزين : لمّا وقع التحكيم ورجع علىّ من صفّين رجعوا مباينين له ، فلمّا انتهوا إلي النهر أقاموا به ، فدخل علىّ فى الناس الكوفة ، ونزلوا بحروراء ، فبعث إليهم عبد الله بن عبّاس ، فرجع ولم يصنع شيئاً . فخرج إليهم علىّ فكلّمهم حتي وقع الرضا بينه وبينهم ، فدخلوا الكوفة .

فأتاه رجل فقال : إنّ الناس قد تحدّثوا أنّك رجعت لهم عن كفرك .

فخطب الناسَ فى صلاة الظهر ، فذكر أمرهم ، فعابه ، فوثبوا من نواحى المسجد يقولون : لا حُكم إلاّ لله .

واستقبله رجل منهم واضع إصبعيه فى اُذنيه ، فقال : ³ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَـئـِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  ²  (٣) .

فقال علىّ : ³ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ  ²  (٤) (٥) .


(١) العنكبوت : ١ و٢ .
(٢) العقد الفريد : ٣ / ٣٤٥ ، جواهر المطالب : ٢ / ٦٩ .
(٣) الزمر : ٦٥ .
(٤) الروم : ٦٠ .
(٥) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٣ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٥ .

 ٣٤١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / صبر الإمام علي أذاهم ورفقه بهم

٢٦٨٤ ـ الإمام الصادق  ¼ : إنّ عليّاً  ¼ كان فى صلاة الصبح فقرأ ابن الكوّا وهو خلفه : ³ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَـئـِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  ²  . فأنصتَ علىّ  ¼ ; تعظيماً للقرآن حتي فرغ من الآية ، ثمّ عاد فى قراءته ، ثمّ أعاد ابن الكوّا الآية ، فأنصت علىّ  ¼ أيضاً ، ثمّ قرأ ، فأعاد ابن الكوّا فأنصت علىّ  ¼ ، ثمّ قال : ³ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ  ²  ، ثمّ أتمّ السورة ، ثمّ ركع(١) .

٢٦٨٥ ـ مروج الذهب عن الصلت بن بهرام : لمّا قدم علىّ الكوفة جعلت الحروريّة تناديه وهو علي المنبر : جزعتَ من البليّة ، ورضيتَ بالقضيّة ، وقبلتَ الدنيّة ، لا حكم إلاّ لله . فيقول : حكم الله أنتظر فيكم .

فيقولون : ³ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَـئـِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  ²  .

فيقول علىّ : ³ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ  ²  (٢) .

٢٦٨٦ ـ تاريخ الطبرى عن كثير بن بهز الحضرمى : قام علىّ فى الناس يخطبهم ذات يوم ، فقال رجل ـ من جانب المسجد ـ : لا حكم إلاّ لله . فقام آخر فقال مثل ذلك ، ثمّ توالي عدّة رجال يحكّمون .

فقال علىّ : الله أكبر ، كلمة حقّ يلتمس بها باطل ! أما إنّ لكم عندنا ثلاثاً ما


(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٥ / ١٢٧ عن معاوية بن وهب ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٣ من دون إسناد إلي المعصوم ; المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٥٨ / ٤٧٠٤ ، السنن الكبري : ٢ / ٣٤٨ / ٣٣٢٧ كلاهما عن أبى يحيي نحوه وليس فيهما "ابن الكوّاء" .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٤٠٦ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٢٨ وراجع تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٣ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٨٢ .

 ٣٤٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / صبر الإمام علي أذاهم ورفقه بهم

صحبتمونا : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ، ولا نمنعكم الفىء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نقاتلكم حتي تبدؤونا . ثمّ رجع إلي مكانه الذى كان فيه من خطبته(١) .

٢٦٨٧ ـ دعائم الإسلام : خطب [علىّ  ¼ ] بالكوفة فقام رجل من الخوارج فقال : لا حكم إلاّ لله . فسكت علىّ ، ثمّ قام آخر وآخر ، فلمّا أكثروا عليه قال : كلمة حقّ يراد بها باطل ، لكم عندنا ثلاث خصال : لا نمنعكم مساجد الله أن تصلّوا فيها ، ولا نمنعكم الفىء ما كانت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بحرب حتي تبدؤونا به ، وأشهد لقد أخبرنى النبىّ الصادق عن الروح الأمين عن ربّ العالمين أنّه لا يخرج علينا منكم فرقة ـ قلّت أو كثرت إلي يوم القيامة ـ إلاّ جعل الله حتفها علي أيدينا ، وأنّ أفضل الجهاد جهادكم ، وأفضل الشهداء مَن قتلتموه ، وأفضل المجاهدين من قتلكم ; فاعملوا ما أنتم عاملون ، فيوم القيامة يخسر المبطلون ، و ³ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ  ²  (٢)(٣) .

٢٦٨٨ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة الحنفى : إنّ عليّاً خرج ذات يوم يخطب ، فإنّه لفى خطبته إذ حكّمت المحكّمة فى جوانب المسجد ، فقال علىّ : الله أكبر ، كلمة حقّ يُراد بها باطل ! إن سكتوا عمّمناهم ، وإن تكلّموا حججناهم ، وإن خرجوا علينا قاتلناهم .


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٣ ، السنن الكبري : ٨ / ٣١٩ / ١٦٧٦٣ عن كثير بن نمر ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٨ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٢ ; الإيضاح : ٤٧٤ ، المناقب للكوفى : ٢ / ٣٤١ / ٨١٨ عن كثير بن نمر وكلّها نحوه وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٥ .
(٢) الأنعام : ٦٧ .
(٣) دعائم الإسلام : ١ / ٣٩٣ وراجع تاريخ ابن خلدون : ٢ / ٦٣٧ .

 ٣٤٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / صبر الإمام علي أذاهم ورفقه بهم

فوثب يزيد بن عاصم المحاربى فقال : الحمد لله غير مودَّع ربّنا ، ولا مستغنيً عنه . اللهمّ ، إنّا نعوذ بك من إعطاء الدنيّة فى ديننا ; فإنّ إعطاء الدنيّة فى الدين إدهان فى أمر الله عزّ وجلّ ، وذلّ راجع بأهله إلي سخط الله . يا علىّ ، أ بِالقتل تخوّفنا ؟ أما والله ، إنّى لأرجو أن نضربكم بها عمّا قليل غير مصفحات ، ثمّ لتعلمنّ أيّنا أولي بها صليّاً . ثمّ خرج بهم هو وإخوة له ثلاثة هو رابعهم فاُصيبوا مع الخوارج بالنهر ، واُصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة(١) .

٢٦٨٩ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلام له فى الخوارج لمّا سمع قولهم : لا حكم إلاّ لله ـ : كلمة حقّ يراد بها باطل ! نعم ، إنّه لا حكم إلاّ لله ، ولكن هؤلاء يقولون : لا إمرة إلاّ لله ، وإنّه لابدّ للناس من أمير ; بَرٍّ أو فاجر ; يعمل فى إمرته المؤمن ، ويستمتع فيها الكافر ، ويبلّغ الله فيها الأجل ، ويجمع به الفىء ، ويقاتل به العدوّ ، وتأمن به السبل ، ويؤخذ به للضعيف من القوىّ ، حتي يستريح برّ ، ويستراح من فاجر(٢) .

٢٦٩٠ ـ نهج البلاغة : روى أنّه  ¼ كان جالساً فى أصحابه ، فمرّت بهم امرأة جميلة ، فرمقها القوم بأبصارهم ، فقال  ¼ : إنّ أبصار هذه الفحول طوامح ، وإنّ ذلك سبب هِبابها(٣) ، فإذا نظر أحدكم إلي امرأة تعجبه فليلامس أهله ، فإنّما هى امرأة كامرأته .

فقال رجل من الخوارج : قاتله الله ، كافراً ما أفقهه !

فوثب القوم ليقتلوه . فقال  ¼ : رويداً ; إنّما هو سبٌّ بسبّ ، أو عفوٌ عن ذنب(٤) .


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٨ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٤٠ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٥٨ / ٥٩٣ وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ١٣٥ .
(٣) الهِبّة ـ بالكسر ـ : هياج الفحل ، وهَبَّ التيس هِبابا : هاجَ ونَبّ للسّفاد (لسان العرب : ١ / ٧٧٨) .
(٤) نهج البلاغة : الحكمة ٤٢٠ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٣ وفيه "هناتها" بدل "هِبابها" .

 ٣٤٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / بيعتهم عبد الله بن وهب

٣ / ٦

بيعتهم عبد الله بن وهب

٢٦٩١ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة : إنّ عليّاً لمّا بعث أبا موسي لإنفاذ الحكومة لقيت الخوارج بعضها بعضاً ، فاجتمعوا فى منزل عبد الله بن وهب الراسبى ، فحمد الله عبدُ الله بن وهب وأثني عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فوَ الله ما ينبغى لقوم يؤمنون بالرحمن وينيبون إلي حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا ـ التى الرضا بها والركون بها والإيثار إيّاها عناء وتبار ـ آثر عندهم من الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، والقول بالحقّ ، وإن منّ وضُرّ فإنّه مَن يُمنّ ويُضرّ فى هذه الدنيا فإنّ ثوابه يوم القيامة رضوان الله عزّ وجلّ والخلود فى جنّاته . فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلي بعض كور الجبال ، أو إلي بعض هذه المدائن ، منكرين لهذه البدع المضلّة .

فقال له حرقوص بن زهير : إنّ المتاع بهذه الدنيا قليل ، وإنّ الفراق لها وشيك ، فلا تدعونّكم زينتها وبهجتها إلي المقام بها ، ولا تلفتنّكم عن طلب الحقّ ، وإنكار الظلم ، فإنّ الله مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون .

فقال حمزة بن سنان الأسدى : يا قوم ! إنّ الرأى ما رأيتم ، فولّوا أمركم رجلاً منكم ، فإنّه لابدّ لكم من عماد وسناد وراية تحفّون بها ، وترجعون إليها . فعرضوها علي زيد بن حصين الطائى ، فأبي ، وعرضوها علي حرقوص بن زهير ، فأبي ، وعلي حمزة بن سنان وشريح بن أوفي العبسى ، فأبيا ، وعرضوها علي عبد الله بن وهب ، فقال : هاتوها ، أما والله لا آخذها رغبة فى الدنيا ، ولا

 ٣٤٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / بيعتهم عبد الله بن وهب

أدَعها فَرَقاً(١) مِنَ الموت . فبايعوه لعشر خلونَ من شوّال ، وكان يقال له : ذو الثفنات .

ثمّ اجتمعوا فى منزل شريح بن أوفي العبسى ، فقال ابن وهب : اشخصوا بنا إلي بلدة نجتمع فيها لإنفاذ حكم الله ، فإنّكم أهل الحقّ .

قال شريح : نخرج إلي المدائن فننزلها ، ونأخذ بأبوابها ، ونُخرج منها سكّانها ، ونبعث إلي إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا .

فقال زيد بن حصين : إنّكم إن خرجتم مجتمعين اتُّبعتم ، ولكن اخرجوا وحداناً مستخفين ، فأمّا المدائن فإنّ بها من يمنعكم ، ولكن سيروا حتي تنزلوا جسر النهروان وتُكاتِبوا إخوانكم من أهل البصرة . قالوا : هذا الرأى .

وكتب عبد الله بن وهب إلي من بالبصرة منهم يُعلمهم ما اجتمعوا عليه ، ويحثّهم علي اللحاق بهم ، وسيّر الكتاب إليهم ، فأجابوه أنّهم علي اللحاق به .

فلمّا عزموا علي المسير تعبّدوا ليلتهم ; وكانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة ، وساروا يوم السبت ، فخرج شريح بن أوفي العبسى وهو يتلو قول الله تعالي : ³ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائـِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  ± وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ  ²  (٢) (٣) .


(١) الفَرَق : الخوف (لسان العرب : ١٠ / ٣٠٤) .
(٢) القصص : ٢١ و٢٢ .
(٣) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٨ ، الأخبار الطوال : ٢٠٢ نحوه وفيه "حمزة بن سيّار ويزيد بن حصين" بدل "حمزة بن سنان وزيد بن حصين" وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ١٣٧ .

 ٣٤٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / قتلهم ابن خباب وامرأته وهى حبلى

٣ / ٧

قتلهم ابن خباب وامرأته وهى حبلي

٢٦٩٢ ـ مسند ابن حنبل عن أيّوب عن حميد بن هلال عن رجل من عبد القيس كان من الخوارج ثمّ فارقهم قال : دخلوا قرية ، فخرج عبد الله بن خبّاب ، ذعراً يجرّ رداءه ، فقالوا : لم تُرَعْ ؟ قال : والله لقد رعتمونى !

قالوا : أنت عبد الله بن خبّاب صاحب رسول الله  ½ ؟

قال : نعم . قالوا(١) : فهل سمعت من أبيك حديثاً يحدّثه عن رسول الله  ½ تحدّثناه ؟

قال : نعم ، سمعته يحدّث عن رسول الله  ½ أنّه ذكر فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشى ، والماشى فيها خير من الساعى . قال : فإن أدركتَ ذلك فكُن عبد الله المقتول ـ قال أيّوب : ولا أعلمه إلاّ قال : ولا تكُن عبد الله القاتل ـ .

قالوا : أ أنت سمعت هذا من أبيك يحدّثه عن رسول الله  ½ ؟

قال : نعم .

قال : فقدّموه علي ضفّة النهر ، فضربوا عنقه ، فسال دمه كأنّه شراك نعل ما ابذقرّ(٢) ، وبقروا اُمّ ولده عمّا فى بطنها(٣) .


(١) فى المصدر : "قال" ، والتصحيح من تاريخ الطبرى .
(٢) ما ابذقرّ دمُه : ما تفرّق ولا تمذّر (لسان العرب : ٤ / ٥١) .
(٣) مسند ابن حنبل : ٧ / ٤٥٢ / ٢١١٢١ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٨١ ، الطبقات الكبري : ٥ / ٢٤٥ وفيه "أيّوب بن حميد بن هلال" ، مسند أبى يعلي : ٦ / ٣٧٤ / ٧١٨٠ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٤٣ نحوه ، تاريخ بغداد : ١ / ٢٠٥ / ٤٦ نحوه وذكر فيه أيضاً "إنّ عبد الله بن خبّاب ولد فى زمان رسول الله  ½ ; وكان موصوفاً بالخير والصلاح والفضل" وفى ج ٧ / ٢٣٧ : إنّ عبد الله بن خبّاب كان عامل الإمام علىّ  ¼ علي النهروان .

 ٣٤٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / قتلهم ابن خباب وامرأته وهى حبلى

٢٦٩٣ ـ تاريخ الطبرى عن حميد بن هلال : إنّ الخارجة التى أقبلت من البصرة جاءت حتي دنت من إخوانها بالنهر ، فخرجت عصابة منهم ، فإذا هم برجل يسوف بامرأة علي حمار ، فعبروا إليه ، فدعوه ، فتهدّدوه وأفزعوه ، وقالوا له : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله بن خبّاب صاحب رسول الله  ½ . ثمّ أهوي إلي ثوبه يتناوله من الأرض ، وكان سقط عنه لمّا أفزعوه .

فقالوا له : أفزعناك ؟

قال : نعم .

قالوا له : لا رَوع عليك ، فحدّثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبىّ  ½ ; لعلّ الله ينفعنا به .

قال : حدّثنى أبى عن رسول الله  ½ أنّ فتنة تكون ، يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه ، يمسى فيها مؤمناً ويُصبح فيها كافراً ، ويصبح فيها كافراً ويمسى فيها مؤمناً .

فقالوا : لهذا الحديث سألناك ، فما تقول فى أبى بكر وعمر ؟

فأثني عليهما خيراً .

قالوا : ما تقول فى عثمان ، فى أوّل خلافته وفى آخرها ؟

قال : إنّه كان محقّاً فى أوّلها وفى آخرها .

 ٣٤٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلي النهروان / قتلهم ابن خباب وامرأته وهى حبلى

قالوا : فما تقول فى علىّ قبل التحكيم وبعده ؟

قال : إنّه أعلم بالله منكم ، وأشدّ توقّياً علي دينه ، وأنفذ بصيرة .

فقالوا : إنّك تتّبع الهوي ، وتوالى الرجال علي أسمائها لا علي أفعالها ، والله لنقتلنّك قتلة ما قتلناها أحداً . فأخذوه فكتّفوه ، ثمّ أقبلوا به وبامرأته وهى حُبلي متمّ(١) ، حتي نزلوا تحت نخل مواقر ، فسقطت منه رطبة ، فأخذها أحدهم فقذف بها فى فمه ، فقال أحدهم : بغير حلّها وبغير ثمن ! فلفظها وألقاها من فمه . ثمّ أخذ سيفه ; فأخذ يمينه فمرّ به خنزير لأهل الذمّة ، فضربه بسيفه ، فقالوا : هذا فساد فى الأرض ! فأتي صاحب الخنزير فأرضاه من خنزيره .

فلمّا رأي ذلك منهم ابن خبّاب قال : لئن كنتُم صادقين فيما أري فما علىَّ منكم بأسٌ ، إنّى لمسلم ، ما أحدثتُ فى الإسلام حَدَثاً ، ولقد أمّنتمونى ; قلتم : لا رَوع عليك .

فجاؤوا به فأضجعوه ، فذبحوه ، وسال دمه فى الماء . وأقبلوا إلي المرأة ، فقالت : أنّى إنّما أنا امرأة ، أ لا تتّقون الله ! فبقروا بطنها ، وقتلوا ثلاث نسوة من طىء ، وقتلوا اُمّ سنان الصيداويّة(٢) .


(١) أتمّت الحُبلي فهى مُتِمِّ : إذا تمّت أيّام حملها (لسان العرب : ١٢ / ٦٨) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٤٢ عن أبى مجلز ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٦٧ كلاهما نحوه .