٣٤٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً
٤ / ١ خطبة الإمام قبل المسير إلي الشام ٢٦٩٤ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة : لمّا خرجت الخوارج وهرب أبو موسي إلي مكّة وردّ علىٌّ ابنَ عبّاس إلي البصرة ، قام فى الكوفة فخطبهم ، فقال : الحمد لله وإن أتي الدهر بالخطب الفادح ، والحدثان الجليل ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله . أمّا بعد ، فإنّ المعصية تورث الحسرة ، وتُعقب الندم ، وقد كنت أمرتكم فى هذين الرجلين وفى هذه الحكومة أمرى ، ونحلتكم رأيى ، لو كان لقصير أمر ! ولكن أبيتم إلاّ ما أردتم ، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن :
٣٥٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / استنصار الإمام الخوارج فى قتال معاوية
ألا إنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتّبع كلّ واحد منهما هواه بغير هديً من الله ، فحكما بغير حجّة بيّنة ، ولا سنّة ماضية ، واختلفا فى حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ اللهُ منهما ورسولُه وصالحُ المؤمنين . استعدّوا وتأهّبوا للمسير إلي الشام ، وأصبحوا فى معسكركم إن شاء الله يوم الإثنين(١) . ٤ / ٢ استنصار الإمام الخوارج فى قتال معاوية ٢٦٩٥ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة : كتب [علىّ ¼ ] إلي الخوارج بالنهر : بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي زيد بن حصين ، وعبد الله بن وهب ، ومن معهما من الناس . أمّا بعد ، فإنّ هذين الرجلين اللذين ارتضينا حكمهما قد خالفا كتاب الله ، واتّبعا أهواءهما بغير هديً من الله ، فلم يعملا بالسنّة ، ولم يُنفذا للقرآن حكماً ، فبرئ الله ورسوله منهما والمؤمنون ، فإذا بلغكم كتابى هذا فأقبِلوا ; فإنّا سائرون إلي عدوّنا وعدوّكم ، ونحن علي الأمر الأوّل الذى كنّا عليه . والسلام . وكتبوا إليه : أمّا بعد ، فإنّك لم تغضب لربّك ، إنّما غضبت لنفسك ، فإن شهدت علي نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك ، وإلاّ فقد نابذناك علي سواء ، إنّ الله لا يحبّ الخائنين . ٣٥١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / نزول عسكر الإمام بالنّخيلة
فلمّا قرأ كتابهم أيس منهم ، فرأي أن يدَعهم ويمضى بالناس إلي أهل الشام حتي يلقاهم فيناجزهم(١) . ٢٦٩٦ ـ أنساب الأشراف عن أبى مجلز : بعث علىّ إلي الخوارج أن سيروا إلي حيث شئتم ، ولا تفسدوا فى الأرض ; فإنّى غير هائجكم ما لم تحدثوا حدثاً . فساروا حتي أتوا النهروان ، وأجمع علىّ علي إتيان صفّين ، وبلغ معاوية فسار حتي أتي صفّين . وكتب علىّ إلي الخوارج ـ بالنهروان ـ : أمّا بعد ، فقد جاءكم ما كنتم تريدون ، قد تفرّق الحكمان علي غير حكومة ولا اتّفاق ، فارجعوا إلي ما كنتم عليه ، فإنّى اُريد المسير إلي الشام . فأجابوه : أنّه لا يجوز لنا أن نتّخذك إماماً وقد كفرت حتي تشهد علي نفسك بالكفر ، وتتوب كما تبنا ، فإنّك لم تغضب لله ، إنّما غضبت لنفسك . فلمّا قرأ جواب كتابه إليهم يئس منهم ، فرأي أن يمضى من معسكره بالنخيلة وقد كان عسكرَ بها حين جاء خبر الحكمين إلي الشام ، وكتب إلي أهل البصرة فى النهوض معه(٢) . ٤ / ٣ ٢٦٩٧ ـ الأخبار الطوال ـ بعد ذكر رسالة الإمام ¼ إلي الخوارج وجوابهم له ـ : لمّا قرأ علىّ كتابهم يئس منهم ، ورأي أن ى َ دعهم علي حالهم ، ويسير إلي الشام ; (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠١ ، الأخبار الطوال : ٢٠٦ نحوه وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٧ . ٣٥٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / نزول عسكر الإمام بالنّخيلة
ليعاود معاوية الحرب ، فسار بالناس حتي عسكر بالنخيلة ، وقال لأصحابه : تأهّبوا للمسير إلي أهل الشام ، فإنّى كاتب إلي جميع إخوانكم ليقدموا عليكم ، فإذا وافوا شخَصنا إن شاء الله . ثمّ كتب كتابه إلي جميع عمّاله أن يخلّفوا خلفاءهم علي أعمالهم ، ويقدموا عليه(١) . ٢٦٩٨ ـ تاريخ الطبرى عن جبر بن نوف : إنّ عليّاً لمّا نزل بالنخيلة وأيس من الخوارج ، قام فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّه من ترك الجهاد فى الله وأدهن فى أمره كان علي شفا ه ُ ل ْ ك ِ ه ، إلاّ أن يتداركه الله بنعمة ، فاتّقوا الله ، وقاتلوا من حادّ الله ، وحاول أن يطفئ نور الله ، قاتلوا الخاطئين الضالّين ، القاسطين المجرمين ، الذين ليسوا بقرّاء للقرآن ، ولا فقهاء فى الدين ، ولا علماء فى التأويل ، ولا لهذا الأمر بأهل سابقة فى الإسلام . والله, لو ولَوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسري وهرقل ; تيسّروا وتهيّؤوا للمسير إلي عدوّكم من أهل المغرب ، وقد بعثنا إلي إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم ، فإذا قدموا فاجتمعتم شخ َ صنا إن شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله . وكتب علىّ إلي عبد الله بن عبّاس ـ مع عتبة بن الأخنس بن قيس من بنى سعد بن بكر ـ : أمّا بعد ، فإنّا قد خرجنا إلي معسكرنا بالنخيلة ، وقد أجمعنا علي المسير إلي عدوّنا من أهل المغرب ، فاشخص بالناس حتي يأتيك رسولى ، وأق ِ م حتي يأتيك أمرى . والسلام(٢) . (١) الأخبار الطوال : ٢٠٦ . ٣٥٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / إصرار الجيش علي قتال الخوارج قبل المسير
٤ / ٤ إصرار الجيش علي قتال الخوارج قبل المسير ٢٦٩٩ ـ مروج الذهب : نزل علىّ الأنبار(١) ، والتأمَت إليه العساكر ، فخطب الناس ، وحرّضهم علي الجهاد ، وقال : سيروا إلي قتلة المهاجرين والأنصار قدماً ; فإنّهم طالما سعوا فى إطفاء نور الله ، وحرّضوا علي قتال رسول الله ½ ومن معه . ألا إنّ رسول الله أمرنى بقتال القاسطين ; وهم هؤلاء الذين سرنا إليهم ، والناكثين ; وهم هؤلاء الذين فرغنا منهم ، والمارقين ; ولم نلقَهم بعد . فسيروا إلي القاسطين ; فهم أهمّ علينا من الخوارج ، سيروا إلي قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبّارين ، يتّخذهم الناس أرباباً ، ويتّخذون عباد الله خَولاً(٢) ، ومالهم دولاً . فأبوا إلاّ أن يبدؤوا بالخوارج ، فسار علىّ إليهم(٣) . ٢٧٠٠ ـ تاريخ الطبرى عن أبى الصلت التيمى : بلغ عليّاً أنّ الناس يقولون : لو سار بنا إلي هذه الحروريّة فبدأنا بهم ، فإذا فرغنا منهم وجهنا من وجّهنا ذلك إلي المحلّين . فقام فى الناس ، فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّه قد بلغنى (١) الأنْبار : من نواحى بغداد علي شاطئ الفرات علي بعد عشرة فراسخ، كان بها مقام السفّاح أوّل خلفاء بنى العبّاس (تقويم البلدان : ٣٠١). ٣٥٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / إصرار الجيش علي قتال الخوارج قبل المسير
قولكم : لو أنّ أمير المؤمنين سار بنا إلي هذه الخارجة التى خرجت عليه فبدأنا بهم ، فإذا فرغنا منهم وجّهنا إلي المحلّين ، وإنّ غير هذه الخارجة أهمّ إلينا منهم ، فدعوا ذكرهم ، وسيروا إلي قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبّارين ملوكاً ، ويتّخذوا عباد الله خَولاً . فتنادي الناس من كلّ جانب : سِر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت(١) . ٢٧٠١ ـ الإمامة والسياسة : قام علىّ فيهم [أهل الكوفة] خطيباً ، فقال : أمّا بعد ، فقد بلغنى قولكم : لو أنّ أمير المؤمنين سار بنا إلي هذه الخارجة التى خرجت علينا ، فبدأنا بهم ، إلاّ أنّ غير هذه الخارجة أهمّ علي أمير المؤمنين ، سيروا إلي قوم يقاتلونكم كيما يكونوا فى الأرض جبّارين ملوكاً ، ويتّخذهم المؤمنون أرباباً ، ويتّخذون عباد الله خَولاً ، ودعوا ذكر الخوارج . قال : فنادي الناس من كلّ جانب : سِر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت ، فنحن حزبك وأنصارك ; نعادى من عاداك ، ونُشايع من أناب إليك وإلي طاعتك ، فسِر بنا إلي عدوّك كائناً من كان ، فإنّك لن تؤتي من قلّة ولا ضعف ; فإنّ قلوب شيعتك كقلب رجل واحد فى الاجتماع علي نصرتك ، والجدّ فى جهاد عدوّك ، فأبشر يا أمير المؤمنين بالنصر ، واشخص إلي أىّ الفريقين أحببت ، فإنّا شيعتك التى ترجو فى طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب من الله ، تخاف من الله فى خذلانك والتخلّف عنك شديد الوبال . فبايعوه علي التسليم والرضا ، وشرط عليهم كتاب الله وسنّة رسوله ½ (٢) . (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٢ . ٣٥٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان
٥ / ١ ما أدّي إلي تطوّر موقف الإمام فى مواجهة الخوارج ٢٧٠٢ ـ تاريخ الطبرى عن حميد بن هلال ـ بعد أن ذكر أنّ الخوارج قتلوا عبد الله ابن خبّاب وامرأته ـ : وقتلوا ثلاث نسوة من طىء ، وقتلوا اُمّ سنان الصيداويّة ، فبلغ ذلك عليّاً ومن معه من المسلمين من قتلهم عبد الله بن خبّاب واعتراضهم الناس ، فبعث إليهم الحارث بن مرّة العبدى ليأتيهم فينظر فيما بلغه عنهم ، ويكتب به إليه علي وجهه ، ولا يكتمه . فخرج حتي انتهي إلي النهر ليسائلهم ، فخرج القوم إليه فقتلوه . وأتي الخبر أمير المؤمنين والناس ، فقام إليه الناس فقالوا : يا أمير المؤمنين علامَ تدَع هؤلاء وراءنا يخلفوننا فى أموالنا وعيالنا ؟ ! سِر بنا إلي القوم ، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينهم سرنا إلي عدوّنا من أهل الشام . ٣٥٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إشخاص الإمام قيس بن سعد إليهم قبل المسير
وقام إليه الأشعث بن قيس الكندى فكلّمه بمثل ذلك ـ وكان الناس يرون أنّ الأشعث يري رأيهم ; لأنّه كان يقول يوم صفّين أنصفنا قومٌ يدعون إلي كتاب الله ، فلمّا أمر عليّاً بالمسير إليهم علم الناس أنّه لم يكن يري رأيهم ـ فأجمع علي ذلك ، فنادي بالرحيل(١) . ٥ / ٢ إشخاص الإمام قيس بن سعد إليهم قبل المسير ٢٧٠٣ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن عوف : لمّا أراد علىّ المسير إلي أهل النهر من الأنبار قدّم قيس بن سعد بن عبادة ، وأمره أن يأتى المدائن فينزلها حتي يأمره بأمره . ثمّ جاء مقبلاً إليهم ، ووافاه قيس وسعد بن مسعود الثقفى بالنهر ، وبعث إلي أهل النهر : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم ، ثمّ أنا تارككم وكافّ عنكم حتي ألقي أهل الشام ، فلعلّ الله يقلّب قلوبكم ، ويردّكم إلي خير ممّا أنتم عليه من أمركم . فبعثوا إليه ، فقالوا : كلّنا قتلتهم ، وكلّنا نستحلّ دماءهم ودماءكم(٢) . ٢٧٠٤ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الرحمن بن أبى الكنود : إنّ قيس بن سعد بن عبادة قال لهم [أهل النهروان] : عباد الله ! أخرجوا إلينا طلبتنا منكم ، وادخلوا فى هذا الأمر الذى منه خرجتم ، وعودوا بنا إلي قتال عدوّنا وعدوّكم ، فإنّكم ركبتم عظيماً من الأمر ; تشهدون علينا بالشرك ، والشرك ظلم عظيم ، وتسفكون دماء (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٤٢ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٦٨ كلاهما نحوه وراجع الأخبار الطوال : ٢٠٧ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٨٨ . ٣٥٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / نزول الإمام علي فرسخين من النهروان
المسلمين وتعدّونهم مشركين . فقال عبد الله بن شجرة السلمى : إنّ الحقّ قد أضاء لنا فلسنا نتابعكم ، أو تأتونا بمثل عمر . فقال : ما نعلمه فينا غير صاحبنا ، فهل تعلمونه فيكم ؟ وقال : نشدتكم بالله فى أنفسكم أن تهلكوها : فإنّى لأري الفتنة قد غلبت عليكم . وخطبهم أبو أيّوب خالد بن زيد الأنصارى ، فقال : عباد الله ! إنّا وإيّاكم علي الحال الاُولي التى كنّا عليها ، ليست بيننا وبينكم فرقة ، فعلامَ تقاتلوننا ؟ فقالوا إنّا لو بايعناكم اليوم حكمتم غداً . قال : فإنّى أنشدكم الله أن تعجّلوا فتنة العام مخافة ما يأتى فى قابل(١) . ٥ / ٣ نزول الإمام علي فرسخين من النهروان ٢٧٠٥ ـ الفتوح : سار علىّ ¢ حتي نزل علي فرسخين من النهروان ، ثمّ دعا بغلامه فقال له : اركب إلي هؤلاء القوم ، وقل لهم عنّى : ما الذى حملكم علي الخروج علىَّ ، أ لم أقصد فى حكمكم ؟ أ لم أعدل فى قسمكم ؟ أ لم أقسم فيكم فيئكم ؟ أ لم أرحم صغيركم ؟ أ لم اُوقّر كبيركم ؟ أ لم تعلموا أنّى لم أتّخذكم خَولاً ، ولم أجعل مالكم نفلاً ؟ وانظر ماذا يردّون عليك ، وإن شتموك فاحتمل ، وإيّاك أن تردّ علي أحد منهم شيئاً . فأقبل غلام علىّ حتي أشرف علي القوم بالنهروان ، فقال لهم ما أمره به ، فقالت له الخوارج : ارجع إلي صاحبك ; فلسنا نجيبه إلي شىء يريده أبداً ، وإنّا (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٤ ، الأخبار الطوال : ٢٠٧ نحوه . ٣٥٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب
نخاف أن يردّنا بكلامه الحسن كما ردّ إخواننا بحروراء عبد الله بن الكوّاء وأصحابه ، والله تعالي يقول : ³ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ² (١) ، ومولاك علىّ منهم ، فارجع إليه وخبّره بأنّ اجتماعنا هاهنا لجهاده ومحاربته ، لا لغير ذلك(٢) . ٥ / ٤ إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب ٢٧٠٦ ـ الكامل فى التاريخ : إنّ الخوارج قصدوا جسر النهر وكانوا غربه ، فقال لعلىّ أصحابُه : إنّهم قد عبروا النهر ! فقال : لن يعبروا . فأرسلوا طليعة ، فعاد وأخبرهم أنّهم عبروا النهر ، وكان بينهم وبينه نطفة من النهر ، فلخوف الطليعة منهم لم يقربهم ، فعاد فقال : إنّهم قد عبروا النهر . فقال علىٌّ : والله ما عبروه ، وإنّ مصارعهم لدون الجسر ، وو الله لا يُقتل منكم عشرة ، ولا يسلم منهم عشرة . وتقدّم علىّ إليهم فرآهم عند الجسر لم يعبروه ، وكان الناس قد شكّوا فى قوله ، وارتاب به بعضهم ، فلمّا رأوا الخوارج لم يعبروا كبّروا ، وأخبروا عليّاً بحالهم . فقال : والله ، ما كذبتُ ولا كُذّبت(٣) . ٢٧٠٧ ـ الإمام علىّ ¼ ـ لمّا عزم علي حرب الخوارج ، وقيل له : إنّ القوم عبروا (١) الزخرف : ٥٨ . ٣٥٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب
جسر النهروان ـ : مصارعهم دون النطفة(١) ، والله ، لا يُفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة(٢) . ٢٧٠٨ ـ الكامل للمبرّد : قد قال علىٌّ وقيل له : إنّهم يريدون الجسر ، فقال : لن يبلغوا النطفة . وجعل الناس يقولون له فى ذلك ، حتي كادوا يشكّون ، ثمّ قالوا : قد رجعوا يا أمير المؤمنين ! فقال : والله ، ما كذبتُ ولا كُذّبت . ثمّ خرج إليهم فى أصحابه وقد قال لهم : إنّه والله ما يُقتل منكم عشرة ، ولا يُفلت منهم عشرة . فقُتل من أصحابه تسعة ، وأفلت منهم ثمانية(٣) . ٢٧٠٩ ـ كنز العمّال عن أبى سليمان المرعش : لمّا سار علىٌّ إلي النهروان سرت معه ، فقال علىٌّ : والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة لا يقتلون منكم عشرةً ، ولا يبقي منهم عشرةٌ . فلمّا سمع الناس ذلك حملوا عليهم ، فقتلوهم(٤) . ٢٧١٠ ـ الإرشاد عن جندب بن عبد الله الأزدى : شهدت مع علىّ ¼ الجمل وصفّين لا أشكّ فى قتال من قاتله ، حتي نزلنا النهروان ، فدخلنى شكّ ، وقلت : قرّاؤنا وخيارنا نقتلهم ؟ ! إنّ هذا لأمر عظيم . فخرجت غدوة أمشى ومعى إداوة(٥) ماء ، حتي برزت عن الصفوف ، فركزت رمحى ، ووضعت تُرْسى إليه ، واستترت من الشمس ، فإنّى لجالس حتي ورد (١) قال الشريف الرضى : يعنى بالنطفة ماء النهر ، وهى أفصح كناية عن الماء ، وإن كان كثيراً جمّاً . ٣٦٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب
علىّ أمير المؤمنين ¼ ، فقال لى : يا أخا الأزد ، أ معك طَهور ؟ قلت : نعم ، فناولته الإداوة ، فمضي حتي لم أرَه ، ثمّ أقبل وقد تطهّر فجلس فى ظلّ التُّرس ، فإذا فارس يسأل عنه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هذا فارس يريدك ، قال : فأشر إليه ، فأشرت إليه ، فجاء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عبر القوم وقد قطعوا النهر ! فقال : كلاّ ، ما عبروا . قال : بلي ، والله لقد فعلوا . قال : كلاّ ، ما فعلوا . قال : فإنّه لكذلك إذ جاء آخر فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عبر القوم ! قال : كلاّ ، ما عبروا . قال : والله ، ما جئتك حتي رأيت الرايات فى ذلك الجانب ، والأثقال . قال : والله ما فعلوا ، وإنّه لمصرعهم ومهراق دمائهم . ثمّ نهض ونهضت معه ، فقلت فى نفسى : الحمد لله الذى بصّرنى هذا الرجل ، وعرّفنى أمره ، هذا أحد رجلين : إمّا رجل كذّاب جرىء ، أو علي بيّنة من ربّه وعهد من نبيّه ، اللهمّ ! إنّى اُعطيك عهداً تسألنى عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أوّل من يقاتله ، وأوّل من يطعن بالرمح فى عينه ، وإن كانوا لم يعبروا أن اُقيم علي المناجزة والقتال . فدفعنا(١) إلي الصفوف ، فوجدنا الرايات والأثقال كما هى ، قال : فأخذ بقفاى ودفعنى ، ثمّ قال : يا أخا الأزد ، أ تَبيّنَ لك الأمر ؟ قلت : أجل يا أمير المؤمنين . ٣٦١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب
قال : فشأنك بعدوّك . فقتلت رجلاً ، ثمّ قتلت آخر ، ثمّ اختلفت أنا ورجل آخر أضربه ويضربنى فوقعنا جميعاً ، فاحتملنى أصحابى ، فأفقت حين أفقت وقد فرغ القوم(١) . ٢٧١١ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا خرج علىّ ¼ إلي أهل النهر أقبل رجل من أصحابه ممّن كان علي مقدّمته يركض ، حتي انتهي إلي علىّ ¼ فقال : البشري يا أمير المؤمنين ! قال : ما بشراك ؟ قال : إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك ، فأبشر ; فقد منحك الله أكتافهم . فقال له : أ الله أنت رأيتهم قد عبروا ! قال : نعم . فأحلفه ثلاث مرّات ، فى كلّها يقول : نعم . فقال علىّ : والله ، ما عبروه ، ولن يعبروه ، وإنّ مصارعهم لدون النطفة ، والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوازن حتي يقتلهم الله ، وقد خاب من افتري . قال : ثمّ أقبل فارس آخر يركض ، فقال كقول الأوّل ، فلم يكترث علىّ ¼ بقوله وجاءت الفرسان تركض ، كلّها تقول مثل ذلك . فقام علىّ ¼ فجال فى متن فرسه . قال : فيقول شابّ من الناس : والله ، لأكوننّ قريباً منه ، فإن كانوا عبروا النهر ٣٦٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب
لأجعلنّ سنان هذا الرمح فى عينه ; أ يدّعى علم الغيب ! فلمّا انتهي ¼ إلي النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم ، وعرقبوا خيلهم ، وجثوا علي ركبهم ، وحكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل .(١) فنزل ذلك الشابّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّى كنت شككت فيك آنفاً ، وإنّى تائب إلي الله وإليك ، فاغفر لى ! فقال علىّ ¼ : إنّ الله هو الذى يغفر الذنوب ، فاستغفره(٢) . (١) الزَّجَل : رفع الصوت الطَّرِب (لسان العرب : ١١ / ٣٠٢) . إرجاعات
١١٥ - المجلد الحادي عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام عليّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / مصير الخوارج
|
||