الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد السادس

 

 

 ٣٤٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً

٤ / ١

خطبة الإمام قبل المسير إلي الشام

٢٦٩٤ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة : لمّا خرجت الخوارج وهرب أبو موسي إلي مكّة وردّ علىٌّ ابنَ عبّاس إلي البصرة ، قام فى الكوفة فخطبهم ، فقال :

الحمد لله وإن أتي الدهر بالخطب الفادح ، والحدثان الجليل ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله .

أمّا بعد ، فإنّ المعصية تورث الحسرة ، وتُعقب الندم ، وقد كنت أمرتكم فى هذين الرجلين وفى هذه الحكومة أمرى ، ونحلتكم رأيى ، لو كان لقصير أمر ! ولكن أبيتم إلاّ ما أردتم ، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن :

أمَرتُهم أمرى بمُنعرجِ اللوي فلم يَستَبينوا الرُّشدَ إلاّ ضُحَي الغَدِ

 ٣٥٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / استنصار الإمام الخوارج فى قتال معاوية

ألا إنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتّبع كلّ واحد منهما هواه بغير هديً من الله ، فحكما بغير حجّة بيّنة ، ولا سنّة ماضية ، واختلفا فى حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ اللهُ منهما ورسولُه وصالحُ المؤمنين . استعدّوا وتأهّبوا للمسير إلي الشام ، وأصبحوا فى معسكركم إن شاء الله يوم الإثنين(١) .

٤ / ٢

استنصار الإمام الخوارج فى قتال معاوية

٢٦٩٥ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة : كتب [علىّ  ¼ ] إلي الخوارج بالنهر :

بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي زيد بن حصين ، وعبد الله بن وهب ، ومن معهما من الناس .

أمّا بعد ، فإنّ هذين الرجلين اللذين ارتضينا حكمهما قد خالفا كتاب الله ، واتّبعا أهواءهما بغير هديً من الله ، فلم يعملا بالسنّة ، ولم يُنفذا للقرآن حكماً ، فبرئ الله ورسوله منهما والمؤمنون ، فإذا بلغكم كتابى هذا فأقبِلوا ; فإنّا سائرون إلي عدوّنا وعدوّكم ، ونحن علي الأمر الأوّل الذى كنّا عليه . والسلام .

وكتبوا إليه : أمّا بعد ، فإنّك لم تغضب لربّك ، إنّما غضبت لنفسك ، فإن شهدت علي نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك ، وإلاّ فقد نابذناك علي سواء ، إنّ الله لا يحبّ الخائنين .


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٠ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٤٠ عن عامر الشعبى وجبر بن نوف وغيرهما ، مروج الذهب : ٢ / ٤١٢ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٧ عن الشعبى وفيه إلي "ضحي الغد" ; نهج البلاغة : الخطبة ٣٥ وفيه من "الحمد لله" إلي "ضحي الغد" والأربعة الأخيرة نحوه .

 ٣٥١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / نزول عسكر الإمام بالنّخيلة

فلمّا قرأ كتابهم أيس منهم ، فرأي أن يدَعهم ويمضى بالناس إلي أهل الشام حتي يلقاهم فيناجزهم(١) .

٢٦٩٦ ـ أنساب الأشراف عن أبى مجلز : بعث علىّ إلي الخوارج أن سيروا إلي حيث شئتم ، ولا تفسدوا فى الأرض ; فإنّى غير هائجكم ما لم تحدثوا حدثاً .

فساروا حتي أتوا النهروان ، وأجمع علىّ علي إتيان صفّين ، وبلغ معاوية فسار حتي أتي صفّين .

وكتب علىّ إلي الخوارج ـ بالنهروان ـ : أمّا بعد ، فقد جاءكم ما كنتم تريدون ، قد تفرّق الحكمان علي غير حكومة ولا اتّفاق ، فارجعوا إلي ما كنتم عليه ، فإنّى اُريد المسير إلي الشام .

فأجابوه : أنّه لا يجوز لنا أن نتّخذك إماماً وقد كفرت حتي تشهد علي نفسك بالكفر ، وتتوب كما تبنا ، فإنّك لم تغضب لله ، إنّما غضبت لنفسك .

فلمّا قرأ جواب كتابه إليهم يئس منهم ، فرأي أن يمضى من معسكره بالنخيلة وقد كان عسكرَ بها حين جاء خبر الحكمين إلي الشام ، وكتب إلي أهل البصرة فى النهوض معه(٢) .

٤ / ٣

نزول عسكر الإمام بالنّخيلة

٢٦٩٧ ـ الأخبار الطوال ـ بعد ذكر رسالة الإمام  ¼ إلي الخوارج وجوابهم له ـ : لمّا قرأ علىّ كتابهم يئس منهم ، ورأي أن ى َ دعهم علي حالهم ، ويسير إلي الشام ;


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠١ ، الأخبار الطوال : ٢٠٦ نحوه وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٧ .
(٢) أنساب الأشراف : ٣ / ١٤١ .

 ٣٥٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / نزول عسكر الإمام بالنّخيلة

ليعاود معاوية الحرب ، فسار بالناس حتي عسكر بالنخيلة ، وقال لأصحابه : تأهّبوا للمسير إلي أهل الشام ، فإنّى كاتب إلي جميع إخوانكم ليقدموا عليكم ، فإذا وافوا شخَصنا إن شاء الله .

ثمّ كتب كتابه إلي جميع عمّاله أن يخلّفوا خلفاءهم علي أعمالهم ، ويقدموا عليه(١) .

٢٦٩٨ ـ تاريخ الطبرى عن جبر بن نوف : إنّ عليّاً لمّا نزل بالنخيلة وأيس من الخوارج ، قام فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّه من ترك الجهاد فى الله وأدهن فى أمره كان علي شفا ه ُ ل ْ ك ِ ه ، إلاّ أن يتداركه الله بنعمة ، فاتّقوا الله ، وقاتلوا من حادّ الله ، وحاول أن يطفئ نور الله ، قاتلوا الخاطئين الضالّين ، القاسطين المجرمين ، الذين ليسوا بقرّاء للقرآن ، ولا فقهاء فى الدين ، ولا علماء فى التأويل ، ولا لهذا الأمر بأهل سابقة فى الإسلام . والله, لو ولَوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسري وهرقل ; تيسّروا وتهيّؤوا للمسير إلي عدوّكم من أهل المغرب ، وقد بعثنا إلي إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم ، فإذا قدموا فاجتمعتم شخ َ صنا إن شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله .

وكتب علىّ إلي عبد الله بن عبّاس ـ مع عتبة بن الأخنس بن قيس من بنى سعد بن بكر ـ : أمّا بعد ، فإنّا قد خرجنا إلي معسكرنا بالنخيلة ، وقد أجمعنا علي المسير إلي عدوّنا من أهل المغرب ، فاشخص بالناس حتي يأتيك رسولى ، وأق ِ م حتي يأتيك أمرى . والسلام(٢) .


(١) الأخبار الطوال : ٢٠٦ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠١ وراجع الأخبار الطوال : ٢٠٦ .

 ٣٥٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / إصرار الجيش علي قتال الخوارج قبل المسير

٤ / ٤

إصرار الجيش علي قتال الخوارج قبل المسير

٢٦٩٩ ـ مروج الذهب : نزل علىّ الأنبار(١) ، والتأمَت إليه العساكر ، فخطب الناس ، وحرّضهم علي الجهاد ، وقال : سيروا إلي قتلة المهاجرين والأنصار قدماً ; فإنّهم طالما سعوا فى إطفاء نور الله ، وحرّضوا علي قتال رسول الله  ½ ومن معه .

ألا إنّ رسول الله أمرنى بقتال القاسطين ; وهم هؤلاء الذين سرنا إليهم ، والناكثين ; وهم هؤلاء الذين فرغنا منهم ، والمارقين ; ولم نلقَهم بعد .

فسيروا إلي القاسطين ; فهم أهمّ علينا من الخوارج ، سيروا إلي قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبّارين ، يتّخذهم الناس أرباباً ، ويتّخذون عباد الله خَولاً(٢) ، ومالهم دولاً .

فأبوا إلاّ أن يبدؤوا بالخوارج ، فسار علىّ إليهم(٣) .

٢٧٠٠ ـ تاريخ الطبرى عن أبى الصلت التيمى : بلغ عليّاً أنّ الناس يقولون : لو سار بنا إلي هذه الحروريّة فبدأنا بهم ، فإذا فرغنا منهم وجهنا من وجّهنا ذلك إلي المحلّين . فقام فى الناس ، فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّه قد بلغنى


(١) الأنْبار : من نواحى بغداد علي شاطئ الفرات علي بعد عشرة فراسخ، كان بها مقام السفّاح أوّل خلفاء بنى العبّاس (تقويم البلدان : ٣٠١).
(٢) أى خَدَماً وعبيداً (لسان العرب : ١١ / ٢٢٥) .
(٣) مروج الذهب : ٢ / ٤١٥ ، مسند ابن حنبل : ١ / ١٩٨ / ٧٠٦ وفيه "عن زيد بن وهب : لمّا خرجت الخوارج بالنهروان قام علىّ   ¢ فى أصحابه فقال : إنّ هؤلاء القوم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا فى سَرْح الناس ، وهم أقرب العدوّ إليكم ، وإن تسيروا إلي عدوّكم أنا أخاف أن يخلفكم هؤلاء فى أعقابكم" .

 ٣٥٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الرابع : عزم الإمام علي قتال معاوية ثانياً / إصرار الجيش علي قتال الخوارج قبل المسير

قولكم : لو أنّ أمير المؤمنين سار بنا إلي هذه الخارجة التى خرجت عليه فبدأنا بهم ، فإذا فرغنا منهم وجّهنا إلي المحلّين ، وإنّ غير هذه الخارجة أهمّ إلينا منهم ، فدعوا ذكرهم ، وسيروا إلي قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبّارين ملوكاً ، ويتّخذوا عباد الله خَولاً .

فتنادي الناس من كلّ جانب : سِر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت(١) .

٢٧٠١ ـ الإمامة والسياسة : قام علىّ فيهم [أهل الكوفة] خطيباً ، فقال : أمّا بعد ، فقد بلغنى قولكم : لو أنّ أمير المؤمنين سار بنا إلي هذه الخارجة التى خرجت علينا ، فبدأنا بهم ، إلاّ أنّ غير هذه الخارجة أهمّ علي أمير المؤمنين ، سيروا إلي قوم يقاتلونكم كيما يكونوا فى الأرض جبّارين ملوكاً ، ويتّخذهم المؤمنون أرباباً ، ويتّخذون عباد الله خَولاً ، ودعوا ذكر الخوارج .

قال : فنادي الناس من كلّ جانب : سِر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت ، فنحن حزبك وأنصارك ; نعادى من عاداك ، ونُشايع من أناب إليك وإلي طاعتك ، فسِر بنا إلي عدوّك كائناً من كان ، فإنّك لن تؤتي من قلّة ولا ضعف ; فإنّ قلوب شيعتك كقلب رجل واحد فى الاجتماع علي نصرتك ، والجدّ فى جهاد عدوّك ، فأبشر يا أمير المؤمنين بالنصر ، واشخص إلي أىّ الفريقين أحببت ، فإنّا شيعتك التى ترجو فى طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب من الله ، تخاف من الله فى خذلانك والتخلّف عنك شديد الوبال .

فبايعوه علي التسليم والرضا ، وشرط عليهم كتاب الله وسنّة رسوله  ½ (٢) .


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٢ .
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ١٦٦ .

 ٣٥٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان

 
 

٥ / ١

ما أدّي إلي تطوّر موقف الإمام فى مواجهة الخوارج

٢٧٠٢ ـ تاريخ الطبرى عن حميد بن هلال ـ بعد أن ذكر أنّ الخوارج قتلوا عبد الله ابن خبّاب وامرأته ـ : وقتلوا ثلاث نسوة من طىء ، وقتلوا اُمّ سنان الصيداويّة ، فبلغ ذلك عليّاً ومن معه من المسلمين من قتلهم عبد الله بن خبّاب واعتراضهم الناس ، فبعث إليهم الحارث بن مرّة العبدى ليأتيهم فينظر فيما بلغه عنهم ، ويكتب به إليه علي وجهه ، ولا يكتمه .

فخرج حتي انتهي إلي النهر ليسائلهم ، فخرج القوم إليه فقتلوه . وأتي الخبر أمير المؤمنين والناس ، فقام إليه الناس فقالوا : يا أمير المؤمنين علامَ تدَع هؤلاء وراءنا يخلفوننا فى أموالنا وعيالنا ؟ ! سِر بنا إلي القوم ، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينهم سرنا إلي عدوّنا من أهل الشام .

 ٣٥٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إشخاص الإمام قيس بن سعد إليهم قبل المسير

وقام إليه الأشعث بن قيس الكندى فكلّمه بمثل ذلك ـ وكان الناس يرون أنّ الأشعث يري رأيهم ; لأنّه كان يقول يوم صفّين أنصفنا قومٌ يدعون إلي كتاب الله ، فلمّا أمر عليّاً بالمسير إليهم علم الناس أنّه لم يكن يري رأيهم ـ فأجمع علي ذلك ، فنادي بالرحيل(١) .

٥ / ٢

إشخاص الإمام قيس بن سعد إليهم قبل المسير

٢٧٠٣ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن عوف : لمّا أراد علىّ المسير إلي أهل النهر من الأنبار قدّم قيس بن سعد بن عبادة ، وأمره أن يأتى المدائن فينزلها حتي يأمره بأمره . ثمّ جاء مقبلاً إليهم ، ووافاه قيس وسعد بن مسعود الثقفى بالنهر ، وبعث إلي أهل النهر : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم ، ثمّ أنا تارككم وكافّ عنكم حتي ألقي أهل الشام ، فلعلّ الله يقلّب قلوبكم ، ويردّكم إلي خير ممّا أنتم عليه من أمركم .

فبعثوا إليه ، فقالوا : كلّنا قتلتهم ، وكلّنا نستحلّ دماءهم ودماءكم(٢) .

٢٧٠٤ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الرحمن بن أبى الكنود : إنّ قيس بن سعد بن عبادة قال لهم [أهل النهروان] : عباد الله ! أخرجوا إلينا طلبتنا منكم ، وادخلوا فى هذا الأمر الذى منه خرجتم ، وعودوا بنا إلي قتال عدوّنا وعدوّكم ، فإنّكم ركبتم عظيماً من الأمر ; تشهدون علينا بالشرك ، والشرك ظلم عظيم ، وتسفكون دماء


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٤٢ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٦٨ كلاهما نحوه وراجع الأخبار الطوال : ٢٠٧ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٨٨ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٤ ، مروج الذهب : ٢ / ٤١٥ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٦٨ وفيها من "بعث إلي أهل النهر . . ." ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٨ .

 ٣٥٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / نزول الإمام علي فرسخين من النهروان

المسلمين وتعدّونهم مشركين .

فقال عبد الله بن شجرة السلمى : إنّ الحقّ قد أضاء لنا فلسنا نتابعكم ، أو تأتونا بمثل عمر . فقال : ما نعلمه فينا غير صاحبنا ، فهل تعلمونه فيكم ؟ وقال : نشدتكم بالله فى أنفسكم أن تهلكوها : فإنّى لأري الفتنة قد غلبت عليكم .

وخطبهم أبو أيّوب خالد بن زيد الأنصارى ، فقال : عباد الله ! إنّا وإيّاكم علي الحال الاُولي التى كنّا عليها ، ليست بيننا وبينكم فرقة ، فعلامَ تقاتلوننا ؟

فقالوا إنّا لو بايعناكم اليوم حكمتم غداً .

قال : فإنّى أنشدكم الله أن تعجّلوا فتنة العام مخافة ما يأتى فى قابل(١) .

٥ / ٣

نزول الإمام علي فرسخين من النهروان

٢٧٠٥ ـ الفتوح : سار علىّ   ¢ حتي نزل علي فرسخين من النهروان ، ثمّ دعا بغلامه فقال له : اركب إلي هؤلاء القوم ، وقل لهم عنّى : ما الذى حملكم علي الخروج علىَّ ، أ لم أقصد فى حكمكم ؟ أ لم أعدل فى قسمكم ؟ أ لم أقسم فيكم فيئكم ؟ أ لم أرحم صغيركم ؟ أ لم اُوقّر كبيركم ؟ أ لم تعلموا أنّى لم أتّخذكم خَولاً ، ولم أجعل مالكم نفلاً ؟ وانظر ماذا يردّون عليك ، وإن شتموك فاحتمل ، وإيّاك أن تردّ علي أحد منهم شيئاً .

فأقبل غلام علىّ حتي أشرف علي القوم بالنهروان ، فقال لهم ما أمره به ، فقالت له الخوارج : ارجع إلي صاحبك ; فلسنا نجيبه إلي شىء يريده أبداً ، وإنّا


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٤ ، الأخبار الطوال : ٢٠٧ نحوه .

 ٣٥٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب

نخاف أن يردّنا بكلامه الحسن كما ردّ إخواننا بحروراء عبد الله بن الكوّاء وأصحابه ، والله تعالي يقول : ³ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ  ²  (١) ، ومولاك علىّ منهم ، فارجع إليه وخبّره بأنّ اجتماعنا هاهنا لجهاده ومحاربته ، لا لغير ذلك(٢) .

٥ / ٤

إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب

٢٧٠٦ ـ الكامل فى التاريخ : إنّ الخوارج قصدوا جسر النهر وكانوا غربه ، فقال لعلىّ أصحابُه : إنّهم قد عبروا النهر !

فقال : لن يعبروا .

فأرسلوا طليعة ، فعاد وأخبرهم أنّهم عبروا النهر ، وكان بينهم وبينه نطفة من النهر ، فلخوف الطليعة منهم لم يقربهم ، فعاد فقال : إنّهم قد عبروا النهر .

فقال علىٌّ : والله ما عبروه ، وإنّ مصارعهم لدون الجسر ، وو الله لا يُقتل منكم عشرة ، ولا يسلم منهم عشرة .

وتقدّم علىّ إليهم فرآهم عند الجسر لم يعبروه ، وكان الناس قد شكّوا فى قوله ، وارتاب به بعضهم ، فلمّا رأوا الخوارج لم يعبروا كبّروا ، وأخبروا عليّاً بحالهم .

فقال : والله ، ما كذبتُ ولا كُذّبت(٣) .

٢٧٠٧ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ لمّا عزم علي حرب الخوارج ، وقيل له : إنّ القوم عبروا


(١) الزخرف : ٥٨ .
(٢) الفتوح : ٤ / ٢٦١ .
(٣) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٥ . راجع : القتال / استبشار الناس بظهور آية من آيات النبوّة .

 ٣٥٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب

جسر النهروان ـ : مصارعهم دون النطفة(١) ، والله ، لا يُفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة(٢) .

٢٧٠٨ ـ الكامل للمبرّد : قد قال علىٌّ وقيل له : إنّهم يريدون الجسر ، فقال : لن يبلغوا النطفة . وجعل الناس يقولون له فى ذلك ، حتي كادوا يشكّون ، ثمّ قالوا : قد رجعوا يا أمير المؤمنين ! فقال : والله ، ما كذبتُ ولا كُذّبت .

ثمّ خرج إليهم فى أصحابه وقد قال لهم : إنّه والله ما يُقتل منكم عشرة ، ولا يُفلت منهم عشرة . فقُتل من أصحابه تسعة ، وأفلت منهم ثمانية(٣) .

٢٧٠٩ ـ كنز العمّال عن أبى سليمان المرعش : لمّا سار علىٌّ إلي النهروان سرت معه ، فقال علىٌّ : والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة لا يقتلون منكم عشرةً ، ولا يبقي منهم عشرةٌ . فلمّا سمع الناس ذلك حملوا عليهم ، فقتلوهم(٤) .

٢٧١٠ ـ الإرشاد عن جندب بن عبد الله الأزدى : شهدت مع علىّ  ¼ الجمل وصفّين لا أشكّ فى قتال من قاتله ، حتي نزلنا النهروان ، فدخلنى شكّ ، وقلت : قرّاؤنا وخيارنا نقتلهم ؟ ! إنّ هذا لأمر عظيم .

فخرجت غدوة أمشى ومعى إداوة(٥) ماء ، حتي برزت عن الصفوف ، فركزت رمحى ، ووضعت تُرْسى إليه ، واستترت من الشمس ، فإنّى لجالس حتي ورد


(١) قال الشريف الرضى : يعنى بالنطفة ماء النهر ، وهى أفصح كناية عن الماء ، وإن كان كثيراً جمّاً .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٥٩ ، كشف الغمّة : ١ / ٢٦٧ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٦٣ ، إعلام الوري : ١ / ٣٣٨ كلّها نحوه وليس فيها "مصارعهم دون النطفة" .
(٣) الكامل للمبرّد : ٣ / ١١٠٥ وراجع مروج الذهب : ٢ / ٤١٦ .
(٤) كنز العمّال :١١ / ٣٢٢ / ٣١٦٢٥ نقلاً عن يعقوب بن شيبة فى كتابه "مسير علىّ" .
(٥) الإداوة : إناء صغير من جلد يتّخذ للماء كالسطيحة ونحوها (لسان العرب : ١٤ / ٢٥) .

 ٣٦٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب

علىّ أمير المؤمنين  ¼ ، فقال لى : يا أخا الأزد ، أ معك طَهور ؟ قلت : نعم ، فناولته الإداوة ، فمضي حتي لم أرَه ، ثمّ أقبل وقد تطهّر فجلس فى ظلّ التُّرس ، فإذا فارس يسأل عنه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هذا فارس يريدك ، قال : فأشر إليه ، فأشرت إليه ، فجاء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عبر القوم وقد قطعوا النهر !

فقال : كلاّ ، ما عبروا .

قال : بلي ، والله لقد فعلوا .

قال : كلاّ ، ما فعلوا .

قال : فإنّه لكذلك إذ جاء آخر فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عبر القوم !

قال : كلاّ ، ما عبروا .

قال : والله ، ما جئتك حتي رأيت الرايات فى ذلك الجانب ، والأثقال .

قال : والله ما فعلوا ، وإنّه لمصرعهم ومهراق دمائهم .

ثمّ نهض ونهضت معه ، فقلت فى نفسى : الحمد لله الذى بصّرنى هذا الرجل ، وعرّفنى أمره ، هذا أحد رجلين : إمّا رجل كذّاب جرىء ، أو علي بيّنة من ربّه وعهد من نبيّه ، اللهمّ ! إنّى اُعطيك عهداً تسألنى عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أوّل من يقاتله ، وأوّل من يطعن بالرمح فى عينه ، وإن كانوا لم يعبروا أن اُقيم علي المناجزة والقتال .

فدفعنا(١) إلي الصفوف ، فوجدنا الرايات والأثقال كما هى ، قال : فأخذ بقفاى ودفعنى ، ثمّ قال : يا أخا الأزد ، أ تَبيّنَ لك الأمر ؟ قلت : أجل يا أمير المؤمنين .


(١) دَفَع إلي المكان ودُفِع : انتهي (لسان العرب : ٨ / ٨٩) .

 ٣٦١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب

قال : فشأنك بعدوّك . فقتلت رجلاً ، ثمّ قتلت آخر ، ثمّ اختلفت أنا ورجل آخر أضربه ويضربنى فوقعنا جميعاً ، فاحتملنى أصحابى ، فأفقت حين أفقت وقد فرغ القوم(١) .

٢٧١١ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا خرج علىّ  ¼ إلي أهل النهر أقبل رجل من أصحابه ممّن كان علي مقدّمته يركض ، حتي انتهي إلي علىّ  ¼ فقال : البشري يا أمير المؤمنين !

قال : ما بشراك ؟

قال : إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك ، فأبشر ; فقد منحك الله أكتافهم .

فقال له : أ الله أنت رأيتهم قد عبروا !

قال : نعم .

فأحلفه ثلاث مرّات ، فى كلّها يقول : نعم . فقال علىّ : والله ، ما عبروه ، ولن يعبروه ، وإنّ مصارعهم لدون النطفة ، والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوازن حتي يقتلهم الله ، وقد خاب من افتري .

قال : ثمّ أقبل فارس آخر يركض ، فقال كقول الأوّل ، فلم يكترث علىّ  ¼ بقوله وجاءت الفرسان تركض ، كلّها تقول مثل ذلك .

فقام علىّ  ¼ فجال فى متن فرسه .

قال : فيقول شابّ من الناس : والله ، لأكوننّ قريباً منه ، فإن كانوا عبروا النهر


(١) الإرشاد : ١ / ٣١٧ ، إعلام الوري : ١ / ٣٣٩ وراجع الكافى : ١ / ٣٤٥ / ٢ ، والمناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٦٨ والمعجم الأوسط : ٤ / ٢٢٧ / ٤٠٥١ .

 ٣٦٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلي النهروان / إخبار الإمام بما سيقع فى الحرب

لأجعلنّ سنان هذا الرمح فى عينه ; أ يدّعى علم الغيب ! فلمّا انتهي  ¼ إلي النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم ، وعرقبوا خيلهم ، وجثوا علي ركبهم ، وحكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل .(١)

فنزل ذلك الشابّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّى كنت شككت فيك آنفاً ، وإنّى تائب إلي الله وإليك ، فاغفر لى !

فقال علىّ  ¼ : إنّ الله هو الذى يغفر الذنوب ، فاستغفره(٢) .

راجع : القسم الثالث عشر / اخباره بالاُمور الغيبيّة / مصير الخوارج .


(١) الزَّجَل : رفع الصوت الطَّرِب (لسان العرب : ١١ / ٣٠٢) .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٧١ ; بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٤٨ / ٥٨٧ .


إرجاعات 
١١٥ - المجلد الحادي عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام عليّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / مصير الخوارج