١١٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال
٩ / ١ ٢٤٨٧ ـ تاريخ الطبرى عن زيد بن وهب : أنّ عليّاً قال : حتي متي لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا ! فقام فى الناس عشيّة الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر ، فقال : الحمد لله الذى لا يُبرم ما نقض ، وما أبرم لا ينقضه الناقضون ، لو شاء ما اختلف اثنان من خلقه ، ولا تنازعت الاُمّة فى شىء من أمره ، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله . وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار ، فلفّت بيننا فى هذا المكان ، فنحن من ربّنا بمرأي ومسمع ، فلو شاء عجّل النقمة ، وكان منه التغيير ، حتي يكذّب الله الظالم ، ويعلم الحقّ أين مصيره ، ولكنّه جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة عنده هى دار القرار ; ³ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ ١١٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / القتال الجماعي
أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَىٰ ² (١) .ألا إنّكم لاقو القوم غداً ، فأطيلوا الليلة القيام ، وأكثروا تلاوة القرآن ، وسلوا الله عزّ وجلّ النصر والصبر ، والقوهم بالجدّ والحزم ، وكونوا صادقين . ثمّ انصرف ، ووثب الناس إلي سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها ، ومرّ بهم كعب بن جعيل التغلبى وهو يقول :
٢٤٨٨ ـ الأخبار الطوال : حمل حبيب بن مسلمة ـ وكان علي ميسرة معاوية ـ علي ميمنة علىّ ¢ ، فانكشفوا وجالوا جولة . ونظر علىّ إلي ذلك ، فقال لسهل بن حنيف : انهض فيمن معك من أهل الحجاز حتي تعين أهل الميمنة . فمضي سهل فيمن كان معه من أهل الحجاز نحو الميمنة ، فاستقبلهم جموع أهل الشام ، فكشفوه ومن معه حتي انتهوا إلي علىّ ـ وهو فى القلب ـ فجال القلب وفيه علىّ جولة ، فلم يبقَ مع علىّ إلاّ أهل الحفاظ والنجدة . فحثّ علىّ فرسه نحو ميسرته ، وهم وقوف يقاتلون من بإزائهم من أهل الشام ـ وكانوا ربيعة ـ . قال زيد بن وهب : فإنّى لأنظر إلي علىّ وهو يمرّ نحو ربيعة ، ومعه بنوه : الحسن والحسين ومحمّد ، وإنّ النبل ليمرّ بين اُذنيه وعاتقه ، وبنوه يقونه بأنفسهم . (١) النجم : ٣١ . ١١٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / القتال الجماعي
فلمّا دنا علىّ من الميسرة وفيها الأشتر ، وقد وقفوا فى وجوه أهل الشام يجالدونهم ، فناداه علىّ ، وقال : ائتِ هؤلاء المنهزمين ، فقل : أين فراركم من الموت الذى لم تعجزوه إلي الحياة التى لا تبقي لكم ! فدفع الأشتر فرسه ، فعارض المنهزمين ، فناداهم : أيّها الناس ! إلىَّ إلىَّ ، أنا مالك ابن الحارث ، فلم يلتفتوا إليه ، فظنّ أنّه بالاستعراف ، فقال : أيّها الناس ! أنا الأشتر ، فثابوا(١) إليه ، فزحف بهم نحو ميسرة أهل الشام ، فقاتل بهم قتالاً شديداً حتي انكشف أهل الشام(٢) . ٢٤٨٩ ـ تاريخ الطبرى عن زيد بن وهب : إنّ عليّاً لمّا رأي ميمنته قد عادت إلي مواقعها ومصافّها ، وكشفت من بإزائها من عدوّها حتي ضاربوهم فى مواقفهم ومراكزهم ، أقبل حتي انتهي إليهم ، فقال : إنّى قد رأيت جولتكم ، وانحيازكم عن صفوفكم ، يحوزكم الطغاة الجفاة وأعراب أهل الشام ، وأنتم لهاميم(٣) العرب ، والسنام الأعظم ، وعُمّار الليل بتلاوة القرآن ، وأهل دعوة الحقّ إذ ضلّ الخاطئون . فلولا إقبالكم بعد إدباركم ، وكرّكم بعد انحيازكم ، وجب عليكم ما وجب علي المولّى يوم الزحف دبره ، وكنتم من الهالكين ، ولكن هوّنَ وَجْدى وشفي بعض اُحاح(٤) نفسى أنّى رأيتكم بأخرة ، حُزتموهم كما حازوكم ، وأزلتموهم عن (١) ثاب القوم : أتوا متواترين (لسان العرب : ١ / ٢٤٤) . ١٢٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / القتال الجماعي
مصافّهم كما أزالوكم ، تحسّونهم بالسيوف ، تركب اُولاهم اُخراهم كالإبل المطردة الهيم(١) . فالآن فاصبروا ، نزلت عليكم السكينة ، وثبّتكم الله عزّ وجلّ باليقين ، ليعلم المنهزم أنّه مسخط ربّه ، وموبق نفسه ، إنّ فى الفرار موجدة الله عزّ وجلّ عليه ، والذلّ اللازم ، والعار الباقى ، واعتصار الفىء من يده ، وفساد العيش عليه . وإنّ الفارّ منه لا يزيد فى عمره ، ولا يرضى ربّه ، فموت المرء محقّاً قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتأنيس(٢) لها ، والإقرار عليها(٣) . ٢٤٩٠ ـ الإمام علىّ ¼ ـ حين مرّ براية لأهل الشام أصحابها لا يزولون عن مواضعهم ـ : إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دِراك(٤) ، يخرج منه النسيم(٥) ، وضرب يفلق الهام ، ويُطيح العظام ، ويسقط منه المعاصم والأكفّ ، حتي تصدع جباههم بعمد الحديد ، وتنثر حواجبهم علي الصدور والأذقان ! أين أهل الصبر وطلاّب الأجر ؟ ! فسارت إليه عصابة من المسلمين ، فعادت ميمنته إلي موقفها ومصافّها ، وكشفت من بإزائها ، فأقبل حتي انتهي إليهم(٦) . (١) الهيم : الإبل العطاش (مجمع البحرين : ٣ / ١٨٩٤) . ١٢١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عبد الله بن بديل
٩ / ٢ ٢٤٩١ ـ تاريخ الطبرى عن أبى روق الهمدانى : قاتلهم عبد الله بن بديل فى الميمنة قتالاً شديداً ، حتي انتهي إلي قبّة معاوية . ثمّ إنّ الذين تبايعوا علي الموت أقبلوا إلي معاوية ، فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل فى الميمنة ; وبعث إلي حبيب بن مسلمة فى الميسرة ، فحمل بهم وبمن كان معه علي ميمنة الناس فهزمهم ، وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة حتي لم يبقَ منهم إلاّ ابن بديل فى مائتين أو ثلاثمائة من القرّاء ، قد أسند بعضهم ظهره إلي بعض ، وانجفل(١) الناس . فأمر علىّ سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل المدينة ، فاستقبلتهم جموع لأهل الشام عظيمة ، فاحتملتهم حتي ألحقتهم بالميمنة ، وكان فى الميمنة إلي موقف علىّ فى القلب أهل اليمن ، فلمّا كشفوا انتهت الهزيمة إلي علىّ ، فانصرف يتمشّي نحو الميسرة ، فانكشفت عنه مضر من الميسرة ، وثبتت ربيعة(٢) . ٢٤٩٢ ـ تاريخ الطبرى عن فضيل بن خديج عن مولي للأشتر ـ لمّا كشف الأشتر عن عبد الله بن بديل وأصحابه أهلَ الشام وعلموا أنّ عليّاً ¼ حىّ صالح فى الميسرة ـ : قال عبد الله بن بديل لأصحابه : استقدموا بنا ، فأرسل الأشتر إليه : ألاّ تفعل ، اثبت مع الناس فقاتل ; فإنّه خير لهم ، وأبقي لك ولأصحابك . فأبي ، فمضي كما هو نحو معاوية ، وحوله كأمثال الجبال ، وفى يده سيفان ، وقد خرج (١) انجفلَ القومُ : إذا هربوا بسرعة وانقلعوا كلّهم ومضوا (لسان العرب : ١١ / ١١٤) . ١٢٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عبد الله بن بديل
فهو أمام أصحابه ، فأخذ كلّما دنا منه رجل ضربه فقتله ، حتي قتل سبعة . ودنا من معاوية ، فنهض إليه الناس من كلّ جانب ، واُحيط به وبطائفة من أصحابه ، فقاتل حتي قتل ، وقتل ناس من أصحابه ، ورجعت طائفة قد جرحوا منهزمين . فبعث الأشتر ابن جمهان الجعفى فحمل علي أهل الشام الذين يتبعون من نجا من أصحاب ابن بديل حتي نفّسوا عنهم وانتهوا إلي الأشتر(١) . ٢٤٩٣ ـ وقعة صفّين عن الشعبى : كان عبد الله بن بديل الخزاعى مع علىّ يومئذ ، وعليه سيفان ودرعان ، فجعل يضرب الناس بسيفه قُدماً . . . فلم يزَل يحمل حتي انتهي إلي معاوية والذين بايعوه علي الموت ، فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل ، وبعث إلي حبيب بن مسلمة الفهرى ـ وهو فى الميسرة ـ أن يحمل عليه بجميع من معه ، واختلط الناس واضطرم الفيلقان ; ميمنة أهل العراق ، وميسرة أهل الشام ، وأقبل عبد الله بن بديل يضرب الناس بسيفه قُدماً حتي أزال معاوية عن موقفه . وجعل ينادى : يا لثارات عثمان ! يعنى أخاً كان له قد قُتل وظنّ معاوية وأصحابه أنّه إنّما يعنى عثمان بن عفّان . وتراجع معاوية عن مكانه القهقري كثيراً ، وأشفق علي نفسه ، وأرسل إلي حبيب بن مسلمة مرّة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه . ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية علي ميمنة العراق فكشفها ، حتي لم يبقَ مع ابن بديل إلاّ نحو مائة إنسان من القرّاء ، فاستند بعضهم إلي بعض يحمون أنفسهم ، ولجّج ابن ١٢٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد أبى الهيثم بن التيّهان
بديل فى الناس وصمّم علي قتل معاوية ، وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتي انتهي إليه [و مع معاوية](١) عبد الله بن عامر واقفاً . فنادي معاوية بالناس : ويلكم ، الصخر والحجارة إذا عجزتم عن السلاح ! فأقبل أصحاب معاوية علي عبد الله بن بديل يرضخونه بالصخر ، حتي أثخنوه وقُتل الرجل ، وأقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر حتي وقفا عليه ، فأمّا عبد الله بن عامر فألقي عمامته علي وجهه وترحّم عليه ، وكان له من قبل أخاً وصديقاً ، فقال معاوية : اكشف عن وجهه . فقال : لا والله ، لا يمثّل به وفىَّ روح . فقال معاوية : اكشف عن وجهه ، فإنّا لا نمثّل به ، فقد وهبته لك . فكشف ابن عامر عن وجهه ، فقال معاوية : هذا كبش القوم(٢) وربّ الكعبة(٣) . ٩ / ٣ استشهاد أبى الهيثم بن التيّهان ٢٤٩٤ ـ شرح نهج البلاغة عن نصر : أقبل أبو الهيثم بن التيّهان ـ وكان من أصحاب رسول الله ½ ، بدريّاً ، نقيباً عقبيّاً ـ يسوّى صفوف أهل العراق ، ويقول : يا معشر أهل العراق ! إنّه ليس بينكم وبين الفتح فى العاجل والجنّة فى الآجل إلاّ ساعة من النهار ، فأرسوا أقدامكم ، وسوّوا صفوفكم ، وأعيروا ربّكم جماجمكم .استعينوا (١) ما بين المعقوفين أثبتناه من شرح نهج البلاغة . إرجاعات
١٨٢ - المجلد الثاني عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام عليّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ الأَهْتَمِّ
١٢٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد اُويس بن عامر القرني
بالله إلهكم ، وجاهدوا عدوّ الله وعدوّكم ، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم ، واصبروا فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين(١) (٢) . ٢٤٩٥ ـ المناقب لابن شهر آشوب ـ فى ذكر حرب صفّين ـ : قال أمير المؤمنين : فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنّة ؟ ! فبرز أبو الهيثم بن التيّهان قائلاً :
دِينٌ قويمٌ وهو الرشيدٌ فقاتل حتي قُتل(٣) . ٩ / ٤ ٢٤٩٦ ـ رجال الكشّى عن الأصبغ بن نباتة : كنّا مع علىّ ¼ بصفّين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً ، ثمّ قال : أين تمام المائة ; لقد عهد إلىَّ رسول الله ½ أن يبايعنى فى هذا اليوم مائة رجل ! قال : إذ جاء رجل عليه قباء صوف ، متقلّداً بسيفين ، فقال : ابسط يدك اُبايعك . قال علىّ ¼ : علامَ تبايعنى ؟ قال : علي بذل مهجة نفسى دونك . قال : من أنت ؟ (١) إشارة إلي الآية ١٢٨ من سورة الأعراف . ١٢٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال هاشم بن عتبة وتوبة شابّ
قال : أنا اُويس القرنى . فبايعه ، فلم يزَل يقاتل بين يديه حتي قُتل ، فوجد فى الرجّالة(١) . ٢٤٩٧ ـ المستدرك علي الصحيحين عن أبى مكين : رأيت امرأة فى مسجد اُويس القرنى قالت : كان يجتمع هو وأصحاب له فى مسجدهم هذا يصلّون ، ويقرؤون فى مصاحفهم ، فآتى غداءهم وعشاءهم هاهنا حتي يصلّوا الصلوات . قالت : وكان ذلك دأبهم ما شهدوا حتي غزوا ، فاستشهد اُويس وجماعة من أصحابه فى الرجّالة بين يدى علىّ بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين(٢) . ٢٤٩٨ ـ المستدرك علي الصحيحين عن علىّ بن حكيم عن شريك : ذكروا فى مجلسه اُويس القرنى ، فقال : قتل مع علىّ بن أبى طالب ¢ فى الرجّالة(٣) . ٢٤٩٩ ـ تاريخ دمشق عن سعيد بن المسيب ـ فى ذكر اُويس القرنى ـ : عاد فى أيّام علىّ فقاتل بين يديه ، فاستشهد فى صفّين أمامه ، فنظروا فإذا عليه نيّف وأربعون جراحة ، من طعنة ، وضربة ، ورمية(٤) . ٩ / ٥ ٢٥٠٠ ـ تاريخ الطبرى عن أبى سلمة : إنّ هاشم بن عتبة الزهرى دعا الناس عند (١) رجال الكشّى : ١ / ٣١٥ / ١٥٦ ، خصائص الأئمّة ¥ : ٥٣ وراجع المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٤٥٥ / ٥٧١٨ وشرح الأخبار : ٢ / ١٢ / ٤٠٠ . ١٢٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال هاشم بن عتبة وتوبة شابّ
المساء : ألا من كان يريد الله والدار الآخرة فإلىّ . فأقبل إليه ناس كثير ، فشدّ فى عصابة من أصحابه علي أهل الشام مراراً ، فليس من وجه يحمل عليه إلاّ صبر له وقاتل فيه قتالاً شديداً . فقال لأصحابه : لا يهولنّكم ما ترون من صبرهم ، فو الله ما ترون فيهم إلاّ حميّة العرب ، وصبراً تحت راياتها وعند مراكزها ، وإنّهم لعلي الضلال وإنّكم لعلي الحقّ ، يا قوم اصبروا ، وصابروا ، واجتمعوا ، وامشوا بنا إلي عدوّنا علي تؤدَة(١) رويداً ، ثمّ اثبتوا ، وتناصروا ، واذكروا الله ، ولا يسأل رجل أخاه ، ولا تُكثروا الالتفات ، واصمدوا صمدهم ، وجاهدوهم محتسبين حتي يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين . ثمّ إنّه مضي فى عصابة معه من القرّاء فقاتل قتالاً شديداً هو وأصحابه عند المساء ، حتي رأوا بعض ما يسرّون به . فإنّهم لكذلك إذ خرج عليهم فتي شابّ وهو يقول :
ثمّ يشدّ فلا ينثنى حتي يضرب بسيفه ، ثمّ يشتم ويلعن ويكثر الكلام . فقال له هاشم بن عتبة : يا عبد الله ، إنّ هذا الكلام بعده الخصام ، وإن هذا القتال بعده الحساب ، فاتّقِ الله فإنّك راجع إلي الله فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به . قال : فإنّى اُقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّى ـ كما ذكر لى ـ وأنتم لا تصلّون ١٢٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال هاشم بن عتبة وتوبة شابّ
أيضاً ، واُقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم أردتموه علي قتله . فقال له هاشم : وما أنت وابن عفّان ! إنّما قتله أصحاب محمّد وأبناء أصحابه وقرّاء الناس حين أحدث الأحداث وخالف حكم الكتاب ، وهم أهل الدين وأولي بالنظر فى اُمور الناس منك ومن أصحابك ، وما أظنّ أمر هذه الاُمّة وأمر هذا الدين اُهمل طرفة عين . فقال له : أجل ، والله لا أكذب ; فإنّ الكذب يضرّ ولا ينفع قال : فإنّ أهل هذا الأمر أعلم به ، فخلّه وأهل العلم به . قال : ما أظنّك والله إلاّ نصحت لى . قال : وأمّا قولك : "إنّ صاحبنا لا يصلّى" فهو أوّل من صلّي مع رسول الله ، وأفقه خلق الله فى دين الله ، وأولي بالرسول . وأمّا كلّ من تري معى فكلّهم قارئ لكتاب الله ، لا ينام الليل تهجّداً ، فلا يغوينّك عن دينك هؤلاء الأشقياء المغرورون . فقال الفتي : يا عبد الله إنّى أظنّك امرأً صالحاً ، فتخبرنى هل تجد لى من توبة ؟ فقال : نعم يا عبد الله ، تب إلي الله يتُب عليك ; فإنّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ويحب المتطهّرين . قال : فجشر والله الفتي الناس راجعاً . فقال له رجل من أهل الشام : خدعك العراقى ، خدعك العراقى . قال : لا ، ولكن نصح لى(١) . (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢ ; وقعة صفّين : ٣٥٣ ، الدرجات الرفيعة : ٣٧٨ . ١٢٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد هاشم بن عتبة
٩ / ٦ ٢٥٠١ ـ وقعة صفّين عن حبيب بن أبى ثابت : لمّا كان قتال صفّين والراية مع هاشم بن عتبة ـ قال : ـ جعل عمّار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول : أقدم يا أعور ! لا خير فى أعور لا يأتى الفزع فجعل يستحيى من عمّار ، وكان عالماً بالحرب ، فيتقدّم فيركز الراية ، فإذا تتامّت إليه الصفوف قال عمّار : أقدم يا أعور ! لا خير فى أعور لا يأتى الفزع فجعل عمرو بن العاص يقول : إنّى لأري لصاحب الراية السوداء عملاً ، لئن دام علي هذا لتُفنَينّ العرب اليوم . فاقتتلوا قتالاً شديداً ، وجعل عمّار يقول : صبراً عباد الله ! الجنّة تحت ظلال البيض ، وكان لواء الشام مع أبى الأعور السلمى . ولم يزل عمّار بهاشم ينخسه حتي اشتدّ القتال ، وزحف هاشم بالراية يرقل بها إرقالاً ، وكان يسمّي : المرقال(١) . ٢٥٠٢ ـ وقعة صفّين : إنّ عليّاً دعا فى هذا اليوم هاشم بن عتبة ومعه لواؤه ـ وكان أعور ـ فقال له : يا هاشم ، حتي متي تأكل الخبز ، وتشرب الماء ؟ فقال هاشم : لأجهدنّ علي ألاّ أرجع إليك أبداً . ١٢٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد هاشم بن عتبة
قال علىّ : إنّ بإزائك ذا الكلاع ، وعنده الموت الأحمر ؟ فتقدّم هاشم ، فلمّا أقبل قال معاوية : من هذا المقبل ؟ فقيل : هاشم المرقال . فقال : أعور بنى زهرة ؟ قاتله الله ! وقال : إنّ حماة اللواء ربيعة ، فأجيلوا القداح فمن خرج سهمه عبّيته لهم ، فخرج سهم ذى الكلاع لبكر بن وائل ، فقال : ترّحك الله من سهم كرهت الضراب . وإنّما كان جلّ أصحاب علىّ أهل اللواء من ربيعة ; لأنّه أمر حماة منهم أن يحاموا عن اللواء . فأقبل هاشم . . . وحمل صاحب لواء ذى الكلاع وهو رجل من عذرة . . . فاختلفا طعنتين ، فطعنه هاشم فقتله ، وكثرت القتلي ، وحمل ذو الكلاع فاجتلد الناس ، فقتلا جميعاً ، وأخذ ابن هاشم اللواء(١) . ٢٥٠٣ ـ مروج الذهب : صمد هاشم بن عتبة المرقال لذى الكلاع وهو فى حمير ، فحمل عليه صاحب لواء ذى الكلاع . . . فاختلفا طعنتين ، فطعنه هاشم المرقال فقتله ، وقتل بعده تسعة عشر رجلاً . وحمل هاشم المرقال وحمل ذو الكلاع ، ومع المرقال جماعة من أسلم قد آلوا ألاّ يرجعوا أو يفتحوا أو يقتلوا . فاجتلد الناس ، فقُتل هاشم المرقال ، وقُتل ذو الكلاع جميعاً ، فتناول ابن المرقال اللواء حين قُتل أبوه فى وسط المعركة(٢) . ٢٥٠٤ ـ مروج الذهب : إنّ هاشماً المرقال لمّا وقع إلي الأرض وهو يجود بنفسه (١) وقعة صفّين : ٣٤٦ ، الدرجات الرفيعة : ٣٨ نحوه ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٤ / ٣٨٠ ; شرح نهج البلاغة : ٨ / ٢٨ . ١٣٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر
رفع رأسه ، فإذا عبيد الله بن عمر مطروحاً إلي قربه جريحاً ، فحَبا حتي دنا منه ، فلم يَزل يعضّ علي ثدييه حتي ثبتت فيه أسنانه لعدم السلاح والقوّة(١) . ٢٥٠٥ ـ الأخبار الطوال : دفع [علىّ ¼ ] رايته العظمي إلي هاشم بن عتبة ، فقاتل بها نهاره كلّه ، فلمّا كان العشى انكشف أصحابه انكشافة ، وثبت هاشم فى أهل الحفاظ منهم والنجدة ، فحمل عليهم الحارث بن المنذر التنوخى فطعنه طعنة جائفة ، فلم ينتهِ عن القتال . ووافاه رسول علىّ يأمره أن يقدّم رايته ، فقال للرسول : انظر إلي ما بى ! فنظر إلي بطنه فرآه منشقّاً ، فرجع إلي علىّ فأخبره ، ولم يلبث هاشم أن سقط(٢) . ٢٥٠٦ ـ مروج الذهب : وقف علىّ ¢ عند مصرع المرقال ومن صرع حوله من الأسلميّين وغيرهم ، فدعا لهم ، وترحّم عليهم ، وقال من أبيات :
٩ / ٧ كان عمّار بن ياسر صحابيّاً ، حليف الحقّ ، مؤازراً لرسول الله ½ . وكان مهذّب (١) مروج الذهب : ٢ / ٣٩٧ ; وقعة صفّين : ٣٥٥ ، الدرجات الرفيعة : ٣٨١ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٧ / ٣٨٠ . ١٣١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر
النفس ، طاهر النقيبة ، محمود السريرة ، سليم القلب ، مفعماً بحبّ الله تعالي . إنّ عمّاراً وما تحمّله من مشاقّ وجهود فى سبيل الدين وإرساء دعائم المجتمع الإسلامى الفتىّ صفحة مشرقة تتألّق فى التأريخ الإسلامى ; فكان ذا بصيرة ثاقبة ، ورؤية نافذة ، وخطوات وطيدة ، فقد كان يري الشرك علي حقيقته من بين ركام المكر والخديعة والظواهر المموّهة بالإسلام والتوحيد . وكان يقف وقفة مهيبة أمام راية أهل الشام ويقول : والذى نفسى بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله ½ ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة . والذى نفسى بيده لو ضربونا حتي يبلغوا بنا شعفات هجر لعرفت أنّ مصلحينا علي الحقّ ، وأنّهم علي الضلالة(١) . وهكذا كان وجود عمّار فى صفّين باعثاً علي زهو البعض ، ومولّداً الذعر فى نفوس البعض الآخر ، ومثيراً للتأمّل عند آخرين . ولمّا علم الزبير بحضوره فى معركة الجمل ، طفق يتضعضع(٢) . وأرابَ وجودُه فى صفّين كثيراً من أصحاب معاوية ، وذلك أنّ رسول الله ½ كان قد قال له : "تقتلك الفئة الباغية"(٣) ، وقال : "يلتقى أهل الشام وأهل العراق ، وعمّار فى أهل (١) مسند ابن حنبل : ٦ / ٤٨٠ / ١٨٩٠٦ ، مسند أبى يعلي : ٢ / ٢٦٢ / ١٦٠٧ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٣٦ وفيه "سعفات" بدل "شعفات" . ١٣٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر
الحقّ تقتله الفئة الباغية"(١) ، وقال : "ليس ينبغى لعمّار أن يفارق الحقّ ، ولن تأكل النار منه شيئاً"(٢) ، وقال : "إذا اختلف الناس كان ابن سميّة مع الحقّ . . ."(٣) . وحاول الكثيرون أن يروا عمّاراً ، ويسمعوا كلامه ; كى يستزيدوا من التعرّف علي حقّانيّة أمير المؤمنين ¼ من خلال كلام هذا الشيخ الجليل الفتىّ القلب . . . الذى ينبع حديثه من أعماق قلبه ، من أجل أن يتثبّتوا من مواضع أقدامهم . ولمّا تجندل ذلك الشيخ المتفانى ذو القدّ الممشوق ، وتضمّخ بدمه ، وشرب كأس المنون . . . كبر ذلك علي كلا الجيشين . ورأي مثيرو الفتنة ومسعّروا الحرب ما أخبر به رسول الله ½ باُمّ أعينهم ، وإذ شقّ عليهم وصمة "الفئة الباغية" فلابدّ أن يحتالوا بتنميق فتنة اُخري وخديعة ثانية ; ليحولوا دون تضعضع جندهم ، وهذا ما فعله معاوية(٤) . فقد إمامنا العظيم صلوات الله عليه أخلص أصحابه وأفضلهم ، وقُطع عضده المقتدر ، واغتمّت نفسه المقدّسة وضاق صدره ، فقال : رحم الله عمّاراً يوم أسلم ، (١) وقعة صفّين : ٣٣٥ . ١٣٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر
ورحم الله عمّاراً يوم قُتل ، ورحم الله عمّاراً يوم يُبعث حيّاً . ٢٥٠٧ ـ تاريخ بغداد عن أبى أيّوب : سمعت رسول الله ½ يقول لعمّار : يا عمّار ، تقتلك الفئة الباغية ، وأنت إذ ذاك مع الحقّ والحقّ معك ، يا عمّار بن ياسر ، إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلُك مع علىّ ; فإنّه لن يدليك فى ردي ، ولن يخرجك من هدي . يا عمّار ، من تقلّد سيفاً أعان به عليّاً علي عدوّه قلّده الله يوم القيامة وشاحين(١) من درّ ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّ علىّ قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار"(٢) . ٢٥٠٨ ـ الفتوح ـ فيما قاله عمّار بن ياسر لعمرو بن العاص ـ : لقد أمرنى رسول الله ½ أن اُقاتل الناكثين ، فقد فعلت ، وأمرنى أن اُقاتل القاسطين ، فأنتم هم ، وأمّا المارقون فلا أدرى اُدركهم أم لا . أيّها الأبتر !أ لست تعلم أنّ النبىّ ½ قال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ! فأنا مولي لله ولرسوله ، وعلىّ مولاى من بعده ، وأنت فلا مولي لك(٣) . ٢٥٠٩ ـ تاريخ الطبرى عن أبى عبد الرحمن السلمى : رأيت عمّاراً لا يأخذ وادياً من أودية صفّين إلاّ تبعه من كان هناك من أصحاب محمّد ½ ، ورأيته جاء إلي المرقال هاشم بن عتبة ـ وهو صاحب راية علىّ ـ فقال : يا هاشم ، أ عَوراً وجُبناً ! لا خير فى أعور لا يغشي البأس ، فإذا رجلٌ بين الصفّين قال : هذا والله ليخلفنّ (١) الوِشاح : حلى النساء كِرسانِ من لؤلؤ وجوهر منظومان مخالف بينهما ، معطوف أحدهما علي الآخر تتوشّح المرأة به (لسان العرب : ٢ / ٦٣٢) . ١٣٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر
إمامه ، وليخذلنّ جنده ، وليصبرنّ جهده ، اركب يا هاشم ، فركب ومضي هاشم يقول :
لابدّ أن يَفلّ أو يُفلاّ وعمّار يقول : تقدّم يا هاشم ; الجنّة تحت ظلال السيوف ، والموت فى أطراف الأسل ، وقد فتحت أبواب السماء ، وتزيّنت الحور العين
فلم يرجعا وقُتلا(١) . ٢٥١٠ ـ تاريخ الطبرى عن حبّة بن جوين العرنى : انطلقت أنا وأبو مسعود إلي حذيفة ـ بالمدائن(٢) ـ فدخلنا عليه ، فقال : مرحباً بكما ، ما خلّفتما من قبائل العرب أحداً أحبّ إلىَّ منكما . فأسندته إلي أبى مسعود ، فقلنا : يا أبا عبد الله ، حدّثنا ; فإنّا نخاف الفتن . فقال : عليكما بالفئة التى فيها ابن سميّة ; إنّى سمعت رسول الله ½ يقول : تقتله الفئة الباغية ، الناكبة عن الطريق ، وإنّ آخر رزقه ضياح من لبن . قال حبّة : فشهدتُه يوم صفّين وهو يقول : ائتونى بآخر رزق لى من الدنيا . فاُتى بضياح من لبن فى قدح أروح له حلقة حمراء ، فما أخطأ حذيفة مقياس (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٧٠ وراجع شرح الأخبار : ١ / ٤٠٨ / ٣٦٠ . ١٣٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / اضطراب جيش معاوية بعد استشهاد عمّار
شعرة ، فقال :
والله ، لو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ وأنّهم علي الباطل ، وجعل يقول : الموت تحت الأسل ، والجنّة تحت البارقة(١) . ٩ / ٨ اضطراب جيش معاوية بعد استشهاد عمّار ٢٥١١ ـ شرح نهج البلاغة : قال معاوية لمّا قُتل عمّار ـ واضطرب أهل الشام لرواية عمرو بن العاص كانت لهم : "تقتله الفئة الباغية" ـ : إنّما قتله من أخرجه إلي الحرب وعرّضه للقتل ! فقال أمير المؤمنين ¼ : فرسول الله ½ إذَن قاتل حمزة ! !(٢) ٢٥١٢ ـ الكامل فى التاريخ عن أبى عبد الرحمن السلمى : قال عبد الله لأبيه [عمرو بن العاص] : يا أبه ، قتلتم هذا الرجل فى يومكم هذا ، وقد قال رسول الله ½ ما قال ! قال : وما قال ؟ قال :أ لم يكن المسلمون والناس ينقلون فى بناء مسجد النبىّ ½ لبنة لبنة ، (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٨١ ; كشف الغمّة : ١ / ٢٥٩ كلاهما نحوه وراجع المناقب للخوارزمى : ٢٣٣ / ٢٤٠ . ١٣٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / اضطراب جيش معاوية بعد استشهاد عمّار
وعمّار لبنتين لبنتين ، فغُشى عليه ، فأتاه رسول الله ½ فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : ويحك يابن سميّة ! الناس ينقلون لبنة لبنة ، وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة فى الأجر ! وأنت مع ذلك تقتلك الفئة الباغية . فقال عمرو لمعاوية : أ ما تسمع ما يقول عبد الله ! قال : وما يقول ؟ فأخبره . فقال معاوية : أ نحن قتلناه ؟ إنّما قتله من جاء به . فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون : إنّما قتل عمّاراً من جاء به . فلا أدرى من كان أعجب أ هو أم هم(١) . ٢٥١٣ ـ الكامل فى التاريخ : قد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله ½ لعمّار بن ياسر : "تقتلك الفئة الباغية ، وآخر شربة تشربها ضياح من لبن" ، فكان ذو الكلاع يقول لعمرو :ما هذا ويحك يا عمرو ؟ فيقول عمرو : إنّه سيرجع إلينا . فقُتل ذو الكلاع قبل عمّار مع معاوية ، واُصيب عمّار بعده مع علىّ . فقال عمرو لمعاوية : ما أدرى بقتل أيّهما أنا أشدّ فرحاً ; بقتل عمّار ، أو بقتل ذى الكلاع ! والله لو بقى ذو الكلاع بعد قتل عمّار لمال بعامّة أهل الشام إلي علىّ(٢) . (١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٨٢ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٧٠ كلاهما نحوه وزاد فيهما "فقال معاوية : إنّك شيخ أخرق ، ولا تزال تحدّث بالحديث وأنت تدحض فى بولك ؟" قبل "أ نحن قتلناه ؟" ، وقد وردت قضيّة عمّار وبناء المسجد فى صحيح البخارى : ١ / ١٧٢ / ٤٣٦ ومسند ابن حنبل : ٤ / ١١ / ١١٠١١ والمستدرك علي الصحيحين : ٢ / ١٦٢ / ٢٦٥٣ . |
||||||||||||||||||||||