الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد السادس

 

 

 ١١٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال

٩ / ١

القتال الجماعى

٢٤٨٧ ـ تاريخ الطبرى عن زيد بن وهب : أنّ عليّاً قال : حتي متي لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا ! فقام فى الناس عشيّة الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر ، فقال :

الحمد لله الذى لا يُبرم ما نقض ، وما أبرم لا ينقضه الناقضون ، لو شاء ما اختلف اثنان من خلقه ، ولا تنازعت الاُمّة فى شىء من أمره ، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله . وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار ، فلفّت بيننا فى هذا المكان ، فنحن من ربّنا بمرأي ومسمع ، فلو شاء عجّل النقمة ، وكان منه التغيير ، حتي يكذّب الله الظالم ، ويعلم الحقّ أين مصيره ، ولكنّه جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة عنده هى دار القرار ; ³ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ

 ١١٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / القتال الجماعي

أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَىٰ  ²  (١) .

ألا إنّكم لاقو القوم غداً ، فأطيلوا الليلة القيام ، وأكثروا تلاوة القرآن ، وسلوا الله عزّ وجلّ النصر والصبر ، والقوهم بالجدّ والحزم ، وكونوا صادقين .

ثمّ انصرف ، ووثب الناس إلي سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها ، ومرّ بهم كعب بن جعيل التغلبى وهو يقول :

أصبحتِ الاُمّةُ فى أمر عَجبْ والمُلك مجموعٌ غداً لِمن غَلَبْ
فقلتُ قَولاً صادقاً غيرَ كَذِبْ إنّ غَداً تَهلكُ أعلامُ العربْ(٢)

٢٤٨٨ ـ الأخبار الطوال : حمل حبيب بن مسلمة ـ وكان علي ميسرة معاوية ـ علي ميمنة علىّ   ¢ ، فانكشفوا وجالوا جولة . ونظر علىّ إلي ذلك ، فقال لسهل بن حنيف : انهض فيمن معك من أهل الحجاز حتي تعين أهل الميمنة .

فمضي سهل فيمن كان معه من أهل الحجاز نحو الميمنة ، فاستقبلهم جموع أهل الشام ، فكشفوه ومن معه حتي انتهوا إلي علىّ ـ وهو فى القلب ـ فجال القلب وفيه علىّ جولة ، فلم يبقَ مع علىّ إلاّ أهل الحفاظ والنجدة . فحثّ علىّ فرسه نحو ميسرته ، وهم وقوف يقاتلون من بإزائهم من أهل الشام ـ وكانوا ربيعة ـ .

قال زيد بن وهب : فإنّى لأنظر إلي علىّ وهو يمرّ نحو ربيعة ، ومعه بنوه : الحسن والحسين ومحمّد ، وإنّ النبل ليمرّ بين اُذنيه وعاتقه ، وبنوه يقونه بأنفسهم .


(١) النجم : ٣١ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٢ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٦٢ ; وقعة صفّين : ٢٢٥ عن يزيد بن وهب .

 ١١٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / القتال الجماعي

فلمّا دنا علىّ من الميسرة وفيها الأشتر ، وقد وقفوا فى وجوه أهل الشام يجالدونهم ، فناداه علىّ ، وقال : ائتِ هؤلاء المنهزمين ، فقل : أين فراركم من الموت الذى لم تعجزوه إلي الحياة التى لا تبقي لكم !

فدفع الأشتر فرسه ، فعارض المنهزمين ، فناداهم : أيّها الناس ! إلىَّ إلىَّ ، أنا مالك ابن الحارث ، فلم يلتفتوا إليه ، فظنّ أنّه بالاستعراف ، فقال : أيّها الناس ! أنا الأشتر ، فثابوا(١) إليه ، فزحف بهم نحو ميسرة أهل الشام ، فقاتل بهم قتالاً شديداً حتي انكشف أهل الشام(٢) .

٢٤٨٩ ـ تاريخ الطبرى عن زيد بن وهب : إنّ عليّاً لمّا رأي ميمنته قد عادت إلي مواقعها ومصافّها ، وكشفت من بإزائها من عدوّها حتي ضاربوهم فى مواقفهم ومراكزهم ، أقبل حتي انتهي إليهم ، فقال :

إنّى قد رأيت جولتكم ، وانحيازكم عن صفوفكم ، يحوزكم الطغاة الجفاة وأعراب أهل الشام ، وأنتم لهاميم(٣) العرب ، والسنام الأعظم ، وعُمّار الليل بتلاوة القرآن ، وأهل دعوة الحقّ إذ ضلّ الخاطئون .

فلولا إقبالكم بعد إدباركم ، وكرّكم بعد انحيازكم ، وجب عليكم ما وجب علي المولّى يوم الزحف دبره ، وكنتم من الهالكين ، ولكن هوّنَ وَجْدى وشفي بعض اُحاح(٤) نفسى أنّى رأيتكم بأخرة ، حُزتموهم كما حازوكم ، وأزلتموهم عن


(١) ثاب القوم : أتوا متواترين (لسان العرب : ١ / ٢٤٤) .
(٢) الأخبار الطوال : ١٨٢ وراجع تاريخ الطبرى : ٥ / ١٨ ـ ٢١ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٣ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٦٥ ووقعة صفّين : ٢٤٨ ـ ٢٥٠ .
(٣) هى جمع لُهْمُوم ; وهو الجواد من الناس والخيل (النهاية : ٤ / ٢٨٢) .
(٤) الاُحاح : الغليظ (تاج العروس : ٤ / ٣) .

 ١٢٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / القتال الجماعي

مصافّهم كما أزالوكم ، تحسّونهم بالسيوف ، تركب اُولاهم اُخراهم كالإبل المطردة الهيم(١) .

فالآن فاصبروا ، نزلت عليكم السكينة ، وثبّتكم الله عزّ وجلّ باليقين ، ليعلم المنهزم أنّه مسخط ربّه ، وموبق نفسه ، إنّ فى الفرار موجدة الله عزّ وجلّ عليه ، والذلّ اللازم ، والعار الباقى ، واعتصار الفىء من يده ، وفساد العيش عليه . وإنّ الفارّ منه لا يزيد فى عمره ، ولا يرضى ربّه ، فموت المرء محقّاً قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتأنيس(٢) لها ، والإقرار عليها(٣) .

٢٤٩٠ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ حين مرّ براية لأهل الشام أصحابها لا يزولون عن مواضعهم ـ : إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دِراك(٤) ، يخرج منه النسيم(٥) ، وضرب يفلق الهام ، ويُطيح العظام ، ويسقط منه المعاصم والأكفّ ، حتي تصدع جباههم بعمد الحديد ، وتنثر حواجبهم علي الصدور والأذقان ! أين أهل الصبر وطلاّب الأجر ؟ !

فسارت إليه عصابة من المسلمين ، فعادت ميمنته إلي موقفها ومصافّها ، وكشفت من بإزائها ، فأقبل حتي انتهي إليهم(٦) .


(١) الهيم : الإبل العطاش (مجمع البحرين : ٣ / ١٨٩٤) .
(٢) الإيناس : خلاف الايحاش ، وكذلك التأنيس (لسان العرب : ٦ / ١٤) .
(٣) تاريخ الطبرى : ٥ / ٢٥ ; وقعة صفّين : ٢٥٦ ، الكافى : ٥ / ٤٠ / ٤ عن مالك بن أعين نحوه وراجع نهج البلاغة : الخطبة ١٠٧ .
(٤) دِراك : متتابع (لسان العرب : ١٠ / ٤٢٠) .
(٥) النَّسيم : العرق (لسان العرب : ١٢ / ٥٧٦) .
(٦) الكافى : ٥ / ٤٠ / ٤ عن مالك بن أعين ، الإرشاد : ١ / ٢٦٧ ، وقعة صفّين : ٣٩١ عن عامر الشعبى وليس فيهما ذيله وراجع نهج البلاغة : الخطبة ١٢٣ .

 ١٢١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عبد الله بن بديل

٩ / ٢

استشهاد عبد الله بن بديل

٢٤٩١ ـ تاريخ الطبرى عن أبى روق الهمدانى : قاتلهم عبد الله بن بديل فى الميمنة قتالاً شديداً ، حتي انتهي إلي قبّة معاوية . ثمّ إنّ الذين تبايعوا علي الموت أقبلوا إلي معاوية ، فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل فى الميمنة ; وبعث إلي حبيب بن مسلمة فى الميسرة ، فحمل بهم وبمن كان معه علي ميمنة الناس فهزمهم ، وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة حتي لم يبقَ منهم إلاّ ابن بديل فى مائتين أو ثلاثمائة من القرّاء ، قد أسند بعضهم ظهره إلي بعض ، وانجفل(١) الناس .

فأمر علىّ سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل المدينة ، فاستقبلتهم جموع لأهل الشام عظيمة ، فاحتملتهم حتي ألحقتهم بالميمنة ، وكان فى الميمنة إلي موقف علىّ فى القلب أهل اليمن ، فلمّا كشفوا انتهت الهزيمة إلي علىّ ، فانصرف يتمشّي نحو الميسرة ، فانكشفت عنه مضر من الميسرة ، وثبتت ربيعة(٢) .

٢٤٩٢ ـ تاريخ الطبرى عن فضيل بن خديج عن مولي للأشتر ـ لمّا كشف الأشتر عن عبد الله بن بديل وأصحابه أهلَ الشام وعلموا أنّ عليّاً  ¼ حىّ صالح فى الميسرة ـ : قال عبد الله بن بديل لأصحابه : استقدموا بنا ، فأرسل الأشتر إليه : ألاّ تفعل ، اثبت مع الناس فقاتل ; فإنّه خير لهم ، وأبقي لك ولأصحابك . فأبي ، فمضي كما هو نحو معاوية ، وحوله كأمثال الجبال ، وفى يده سيفان ، وقد خرج


(١) انجفلَ القومُ : إذا هربوا بسرعة وانقلعوا كلّهم ومضوا (لسان العرب : ١١ / ١١٤) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٣ ; وقعة صفّين : ٢٤٨ .

 ١٢٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عبد الله بن بديل

فهو أمام أصحابه ، فأخذ كلّما دنا منه رجل ضربه فقتله ، حتي قتل سبعة .

ودنا من معاوية ، فنهض إليه الناس من كلّ جانب ، واُحيط به وبطائفة من أصحابه ، فقاتل حتي قتل ، وقتل ناس من أصحابه ، ورجعت طائفة قد جرحوا منهزمين .

فبعث الأشتر ابن جمهان الجعفى فحمل علي أهل الشام الذين يتبعون من نجا من أصحاب ابن بديل حتي نفّسوا عنهم وانتهوا إلي الأشتر(١) .

٢٤٩٣ ـ وقعة صفّين عن الشعبى : كان عبد الله بن بديل الخزاعى مع علىّ يومئذ ، وعليه سيفان ودرعان ، فجعل يضرب الناس بسيفه قُدماً . . . فلم يزَل يحمل حتي انتهي إلي معاوية والذين بايعوه علي الموت ، فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل ، وبعث إلي حبيب بن مسلمة الفهرى ـ وهو فى الميسرة ـ أن يحمل عليه بجميع من معه ، واختلط الناس واضطرم الفيلقان ; ميمنة أهل العراق ، وميسرة أهل الشام ، وأقبل عبد الله بن بديل يضرب الناس بسيفه قُدماً حتي أزال معاوية عن موقفه .

وجعل ينادى : يا لثارات عثمان ! يعنى أخاً كان له قد قُتل وظنّ معاوية وأصحابه أنّه إنّما يعنى عثمان بن عفّان .

وتراجع معاوية عن مكانه القهقري كثيراً ، وأشفق علي نفسه ، وأرسل إلي حبيب بن مسلمة مرّة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه . ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية علي ميمنة العراق فكشفها ، حتي لم يبقَ مع ابن بديل إلاّ نحو مائة إنسان من القرّاء ، فاستند بعضهم إلي بعض يحمون أنفسهم ، ولجّج ابن


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٢٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٥ .

 ١٢٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد أبى الهيثم بن التيّهان

بديل فى الناس وصمّم علي قتل معاوية ، وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتي انتهي إليه [و مع معاوية](١) عبد الله بن عامر واقفاً .

فنادي معاوية بالناس : ويلكم ، الصخر والحجارة إذا عجزتم عن السلاح ! فأقبل أصحاب معاوية علي عبد الله بن بديل يرضخونه بالصخر ، حتي أثخنوه وقُتل الرجل ، وأقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر حتي وقفا عليه ، فأمّا عبد الله بن عامر فألقي عمامته علي وجهه وترحّم عليه ، وكان له من قبل أخاً وصديقاً ، فقال معاوية : اكشف عن وجهه . فقال : لا والله ، لا يمثّل به وفىَّ روح . فقال معاوية : اكشف عن وجهه ، فإنّا لا نمثّل به ، فقد وهبته لك . فكشف ابن عامر عن وجهه ، فقال معاوية : هذا كبش القوم(٢) وربّ الكعبة(٣) .

راجع : القسم السادس عشر / عبد الله بن بديل .

٩ / ٣

استشهاد أبى الهيثم بن التيّهان

٢٤٩٤ ـ شرح نهج البلاغة عن نصر : أقبل أبو الهيثم بن التيّهان ـ وكان من أصحاب رسول الله  ½ ، بدريّاً ، نقيباً عقبيّاً ـ يسوّى صفوف أهل العراق ، ويقول : يا معشر أهل العراق ! إنّه ليس بينكم وبين الفتح فى العاجل والجنّة فى الآجل إلاّ ساعة من النهار ، فأرسوا أقدامكم ، وسوّوا صفوفكم ، وأعيروا ربّكم جماجمكم .استعينوا


(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من شرح نهج البلاغة .
(٢) كبش القوم : رئيسهم وسيّدهم وقيل : حاميتهم والمنظور إليه فيهم . (لسان العرب : ٦ / ٣٣٨) .
(٣) وقعة صفّين : ٢٤٥ ; شرح نهج البلاغة : ٥ / ١٩٦ وراجع الأخبار الطوال : ١٧٥ والاستيعاب : ٣ / ٩ / ١٤٨٩ وتاريخ الطبرى : ٥ / ٢٣ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٥ وتاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٥٦٧ .


إرجاعات 
١٨٢ - المجلد الثاني عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام عليّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ الأَهْتَمِّ

 ١٢٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد اُويس بن عامر القرني

بالله إلهكم ، وجاهدوا عدوّ الله وعدوّكم ، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم ، واصبروا فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين(١) (٢) .

٢٤٩٥ ـ المناقب لابن شهر آشوب ـ فى ذكر حرب صفّين ـ : قال أمير المؤمنين : فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنّة ؟ ! فبرز أبو الهيثم بن التيّهان قائلاً :

أحمَدُ ربّى فَهوَ الحَميدُ ذاكَ الذى يَفعلُ ما يُريدُ

دِينٌ قويمٌ وهو الرشيدٌ

فقاتل حتي قُتل(٣) .

٩ / ٤

استشهاد اُويس بن عامر القرنى

٢٤٩٦ ـ رجال الكشّى عن الأصبغ بن نباتة : كنّا مع علىّ  ¼ بصفّين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً ، ثمّ قال : أين تمام المائة ; لقد عهد إلىَّ رسول الله  ½ أن يبايعنى فى هذا اليوم مائة رجل !

قال : إذ جاء رجل عليه قباء صوف ، متقلّداً بسيفين ، فقال : ابسط يدك اُبايعك . قال علىّ  ¼ : علامَ تبايعنى ؟

قال : علي بذل مهجة نفسى دونك .

قال : من أنت ؟


(١) إشارة إلي الآية ١٢٨ من سورة الأعراف .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٥ / ١٩٠ ; بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٦٧ / ٤٠٥ .
(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٨٠ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٥٨٧ .

 ١٢٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال هاشم بن عتبة وتوبة شابّ

قال : أنا اُويس القرنى .

فبايعه ، فلم يزَل يقاتل بين يديه حتي قُتل ، فوجد فى الرجّالة(١) .

٢٤٩٧ ـ المستدرك علي الصحيحين عن أبى مكين : رأيت امرأة فى مسجد اُويس القرنى قالت : كان يجتمع هو وأصحاب له فى مسجدهم هذا يصلّون ، ويقرؤون فى مصاحفهم ، فآتى غداءهم وعشاءهم هاهنا حتي يصلّوا الصلوات .

قالت : وكان ذلك دأبهم ما شهدوا حتي غزوا ، فاستشهد اُويس وجماعة من أصحابه فى الرجّالة بين يدى علىّ بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين(٢) .

٢٤٩٨ ـ المستدرك علي الصحيحين عن علىّ بن حكيم عن شريك : ذكروا فى مجلسه اُويس القرنى ، فقال : قتل مع علىّ بن أبى طالب   ¢ فى الرجّالة(٣) .

٢٤٩٩ ـ تاريخ دمشق عن سعيد بن المسيب ـ فى ذكر اُويس القرنى ـ : عاد فى أيّام علىّ فقاتل بين يديه ، فاستشهد فى صفّين أمامه ، فنظروا فإذا عليه نيّف وأربعون جراحة ، من طعنة ، وضربة ، ورمية(٤) .

٩ / ٥

قتال هاشم بن عتبة وتوبة شابّ

٢٥٠٠ ـ تاريخ الطبرى عن أبى سلمة : إنّ هاشم بن عتبة الزهرى دعا الناس عند


(١) رجال الكشّى : ١ / ٣١٥ / ١٥٦ ، خصائص الأئمّة    ¥ : ٥٣ وراجع المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٤٥٥ / ٥٧١٨ وشرح الأخبار : ٢ / ١٢ / ٤٠٠ .
(٢) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٤٦١ / ٥٧٢٨ .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٤٦٠ / ٥٧٢٧ .
(٤) تاريخ دمشق : ٩ / ٤٣٤ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ٣٢ / ٥نحوه .

 ١٢٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال هاشم بن عتبة وتوبة شابّ

المساء : ألا من كان يريد الله والدار الآخرة فإلىّ . فأقبل إليه ناس كثير ، فشدّ فى عصابة من أصحابه علي أهل الشام مراراً ، فليس من وجه يحمل عليه إلاّ صبر له وقاتل فيه قتالاً شديداً .

فقال لأصحابه : لا يهولنّكم ما ترون من صبرهم ، فو الله ما ترون فيهم إلاّ حميّة العرب ، وصبراً تحت راياتها وعند مراكزها ، وإنّهم لعلي الضلال وإنّكم لعلي الحقّ ، يا قوم اصبروا ، وصابروا ، واجتمعوا ، وامشوا بنا إلي عدوّنا علي تؤدَة(١) رويداً ، ثمّ اثبتوا ، وتناصروا ، واذكروا الله ، ولا يسأل رجل أخاه ، ولا تُكثروا الالتفات ، واصمدوا صمدهم ، وجاهدوهم محتسبين حتي يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين .

ثمّ إنّه مضي فى عصابة معه من القرّاء فقاتل قتالاً شديداً هو وأصحابه عند المساء ، حتي رأوا بعض ما يسرّون به . فإنّهم لكذلك إذ خرج عليهم فتي شابّ وهو يقول :

أنا ابنُ أربابِ الملوك غسّان والدائن اليوم بدينِ عثمان
إنّى أتانى خبرٌ فأشجان أنّ عليّاً قتلَ ابن عفّان

ثمّ يشدّ فلا ينثنى حتي يضرب بسيفه ، ثمّ يشتم ويلعن ويكثر الكلام .

فقال له هاشم بن عتبة : يا عبد الله ، إنّ هذا الكلام بعده الخصام ، وإن هذا القتال بعده الحساب ، فاتّقِ الله فإنّك راجع إلي الله فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به .

قال : فإنّى اُقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّى ـ كما ذكر لى ـ وأنتم لا تصلّون


(١) التؤدَة : التأنّى (لسان العرب : ٢ / ١٠١) .

 ١٢٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال هاشم بن عتبة وتوبة شابّ

أيضاً ، واُقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم أردتموه علي قتله .

فقال له هاشم : وما أنت وابن عفّان ! إنّما قتله أصحاب محمّد وأبناء أصحابه وقرّاء الناس حين أحدث الأحداث وخالف حكم الكتاب ، وهم أهل الدين وأولي بالنظر فى اُمور الناس منك ومن أصحابك ، وما أظنّ أمر هذه الاُمّة وأمر هذا الدين اُهمل طرفة عين .

فقال له : أجل ، والله لا أكذب ; فإنّ الكذب يضرّ ولا ينفع

قال : فإنّ أهل هذا الأمر أعلم به ، فخلّه وأهل العلم به .

قال : ما أظنّك والله إلاّ نصحت لى .

قال : وأمّا قولك : "إنّ صاحبنا لا يصلّى" فهو أوّل من صلّي مع رسول الله ، وأفقه خلق الله فى دين الله ، وأولي بالرسول . وأمّا كلّ من تري معى فكلّهم قارئ لكتاب الله ، لا ينام الليل تهجّداً ، فلا يغوينّك عن دينك هؤلاء الأشقياء المغرورون .

فقال الفتي : يا عبد الله إنّى أظنّك امرأً صالحاً ، فتخبرنى هل تجد لى من توبة ؟

فقال : نعم يا عبد الله ، تب إلي الله يتُب عليك ; فإنّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ويحب المتطهّرين .

قال : فجشر والله الفتي الناس راجعاً .

فقال له رجل من أهل الشام : خدعك العراقى ، خدعك العراقى .

قال : لا ، ولكن نصح لى(١) .


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٢ ; وقعة صفّين : ٣٥٣ ، الدرجات الرفيعة : ٣٧٨ .

 ١٢٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد هاشم بن عتبة

٩ / ٦

استشهاد هاشم بن عتبة

٢٥٠١ ـ وقعة صفّين عن حبيب بن أبى ثابت : لمّا كان قتال صفّين والراية مع هاشم بن عتبة ـ قال : ـ جعل عمّار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول : أقدم يا أعور !

لا خير فى أعور لا يأتى الفزع

فجعل يستحيى من عمّار ، وكان عالماً بالحرب ، فيتقدّم فيركز الراية ، فإذا تتامّت إليه الصفوف قال عمّار : أقدم يا أعور !

لا خير فى أعور لا يأتى الفزع

فجعل عمرو بن العاص يقول : إنّى لأري لصاحب الراية السوداء عملاً ، لئن دام علي هذا لتُفنَينّ العرب اليوم .

فاقتتلوا قتالاً شديداً ، وجعل عمّار يقول : صبراً عباد الله ! الجنّة تحت ظلال البيض ، وكان لواء الشام مع أبى الأعور السلمى .

ولم يزل عمّار بهاشم ينخسه حتي اشتدّ القتال ، وزحف هاشم بالراية يرقل بها إرقالاً ، وكان يسمّي : المرقال(١) .

٢٥٠٢ ـ وقعة صفّين : إنّ عليّاً دعا فى هذا اليوم هاشم بن عتبة ومعه لواؤه ـ وكان أعور ـ فقال له : يا هاشم ، حتي متي تأكل الخبز ، وتشرب الماء ؟

فقال هاشم : لأجهدنّ علي ألاّ أرجع إليك أبداً .


(١) وقعة صفّين : ٣٢٨ ، الدرجات الرفيعة : ٣٧٨ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٢٦ / ٣٨٠ ; شرح نهج البلاغة : ٨ / ١٢ وليس فيه "يرقل بهاء إرقالاً . . ." .

 ١٢٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد هاشم بن عتبة

قال علىّ : إنّ بإزائك ذا الكلاع ، وعنده الموت الأحمر ؟

فتقدّم هاشم ، فلمّا أقبل قال معاوية : من هذا المقبل ؟ فقيل : هاشم المرقال . فقال : أعور بنى زهرة ؟ قاتله الله ! وقال : إنّ حماة اللواء ربيعة ، فأجيلوا القداح فمن خرج سهمه عبّيته لهم ، فخرج سهم ذى الكلاع لبكر بن وائل ، فقال : ترّحك الله من سهم كرهت الضراب .

وإنّما كان جلّ أصحاب علىّ أهل اللواء من ربيعة ; لأنّه أمر حماة منهم أن يحاموا عن اللواء .

فأقبل هاشم . . . وحمل صاحب لواء ذى الكلاع وهو رجل من عذرة . . . فاختلفا طعنتين ، فطعنه هاشم فقتله ، وكثرت القتلي ، وحمل ذو الكلاع فاجتلد الناس ، فقتلا جميعاً ، وأخذ ابن هاشم اللواء(١) .

٢٥٠٣ ـ مروج الذهب : صمد هاشم بن عتبة المرقال لذى الكلاع وهو فى حمير ، فحمل عليه صاحب لواء ذى الكلاع . . . فاختلفا طعنتين ، فطعنه هاشم المرقال فقتله ، وقتل بعده تسعة عشر رجلاً .

وحمل هاشم المرقال وحمل ذو الكلاع ، ومع المرقال جماعة من أسلم قد آلوا ألاّ يرجعوا أو يفتحوا أو يقتلوا .

فاجتلد الناس ، فقُتل هاشم المرقال ، وقُتل ذو الكلاع جميعاً ، فتناول ابن المرقال اللواء حين قُتل أبوه فى وسط المعركة(٢) .

٢٥٠٤ ـ مروج الذهب : إنّ هاشماً المرقال لمّا وقع إلي الأرض وهو يجود بنفسه


(١) وقعة صفّين : ٣٤٦ ، الدرجات الرفيعة : ٣٨ نحوه ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٤ / ٣٨٠ ; شرح نهج البلاغة : ٨ / ٢٨ .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٩٣ .

 ١٣٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر

رفع رأسه ، فإذا عبيد الله بن عمر مطروحاً إلي قربه جريحاً ، فحَبا حتي دنا منه ، فلم يَزل يعضّ علي ثدييه حتي ثبتت فيه أسنانه لعدم السلاح والقوّة(١) .

٢٥٠٥ ـ الأخبار الطوال : دفع [علىّ  ¼ ] رايته العظمي إلي هاشم بن عتبة ، فقاتل بها نهاره كلّه ، فلمّا كان العشى انكشف أصحابه انكشافة ، وثبت هاشم فى أهل الحفاظ منهم والنجدة ، فحمل عليهم الحارث بن المنذر التنوخى فطعنه طعنة جائفة ، فلم ينتهِ عن القتال .

ووافاه رسول علىّ يأمره أن يقدّم رايته ، فقال للرسول : انظر إلي ما بى ! فنظر إلي بطنه فرآه منشقّاً ، فرجع إلي علىّ فأخبره ، ولم يلبث هاشم أن سقط(٢) .

٢٥٠٦ ـ مروج الذهب : وقف علىّ   ¢ عند مصرع المرقال ومن صرع حوله من الأسلميّين وغيرهم ، فدعا لهم ، وترحّم عليهم ، وقال من أبيات :

جزَي اللهُ خَيراً عُصبةً أسلميّة صِباح الوجوهِ صُرّعوا حولَ هاشمِ
يَزيدُ وعبدُ اللهِ بشرُ بن معبد وسُفيانُ وابنا هاشم ذى المكارِمِ
وعروةُ لا ينفد ثَناهُ وذِكرهُ إذا اختُرطت يوماً خِفافُ الصوارمِ(٣)

٩ / ٧

استشهاد عمّار بن ياسر

كان عمّار بن ياسر صحابيّاً ، حليف الحقّ ، مؤازراً لرسول الله  ½ . وكان مهذّب


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٩٧ ; وقعة صفّين : ٣٥٥ ، الدرجات الرفيعة : ٣٨١ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٧ / ٣٨٠ .
(٢) الأخبار الطوال : ١٨٣ ; وقعة صفّين : ٣٥٥ نحوه .
(٣) مروج الذهب : ٢ / ٣٩٣ ، شرح نهج البلاغة : ٨ / ٣٥ ; وقعة صفّين : ٣٥٦ ، الدرجات الرفيعة : ٣٨١ كلّها نحوه .

 ١٣١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر

النفس ، طاهر النقيبة ، محمود السريرة ، سليم القلب ، مفعماً بحبّ الله تعالي .

إنّ عمّاراً وما تحمّله من مشاقّ وجهود فى سبيل الدين وإرساء دعائم المجتمع الإسلامى الفتىّ صفحة مشرقة تتألّق فى التأريخ الإسلامى ; فكان ذا بصيرة ثاقبة ، ورؤية نافذة ، وخطوات وطيدة ، فقد كان يري الشرك علي حقيقته من بين ركام المكر والخديعة والظواهر المموّهة بالإسلام والتوحيد . وكان يقف وقفة مهيبة أمام راية أهل الشام ويقول :

والذى نفسى بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله  ½ ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة . والذى نفسى بيده لو ضربونا حتي يبلغوا بنا شعفات هجر لعرفت أنّ مصلحينا علي الحقّ ، وأنّهم علي الضلالة(١) .

وهكذا كان وجود عمّار فى صفّين باعثاً علي زهو البعض ، ومولّداً الذعر فى نفوس البعض الآخر ، ومثيراً للتأمّل عند آخرين .

ولمّا علم الزبير بحضوره فى معركة الجمل ، طفق يتضعضع(٢) . وأرابَ وجودُه فى صفّين كثيراً من أصحاب معاوية ، وذلك أنّ رسول الله  ½ كان قد قال له : "تقتلك الفئة الباغية"(٣) ، وقال : "يلتقى أهل الشام وأهل العراق ، وعمّار فى أهل


(١) مسند ابن حنبل : ٦ / ٤٨٠ / ١٨٩٠٦ ، مسند أبى يعلي : ٢ / ٢٦٢ / ١٦٠٧ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٣٦ وفيه "سعفات" بدل "شعفات" .
(٢) الأخبار الطوال : ١٤٧ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٥١٠ .
(٣) نقل سبعة وعشرون صحابيّاً هذا الحديث بألفاظ مختلفة ، راجع : صحيح البخارى : ١ / ١٧٢ / ٤٣٦ وج ٣ / ١٠٣٥ / ٢٦٥٧ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٢٣٥ / ٧٠ وص ٢٢٣٦ / ٧٢ ، سنن الترمذى : ٥ / ٦٦٩ / ٣٨٠٠ ، مسند ابن حنبل : ٢ / ٦٥٤ / ٦٩٤٣ وج ٦ / ٢٢٩ / ١٧٧٨١ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٤٣٥ / ٥٦٥٧ وص ٤٣٦ / ٥٦٥٩ وح ٥٦٦٠ وص ٤٤٢ / ٥٦٧٦ ، مسند البزّار : ٤ / ٢٥٦ / ١٤٢٨ ، المعجم الكبير : ٥ / ٢٢١ / ٥١٤٦ وج ٢٣ / ٣٦٣ / ٨٥٢ ـ ٨٥٧ ، مسند أبى يعلي : ٦ / ٣٥٥ / ٧١٣٩ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٢٥١ ـ ٢٥٣ ، تاريخ الإسلام للذهبى :٣ / ٥٧١ وص ٥٧٧ ـ ٥٧٩ ، الاستيعاب :٣ / ٢٣١ / ١٨٨٣ ، الإصابة : ٤ / ٤٧٤ / ٥٧٢٠ وفيهما "تواترت الآثار عن النبىّ  ½ أنّه قال : تقتل عمّاراً الفئة الباغية" ، الأزهار المتناثرة فى الأخبار المتواترة : ٧٦ / ١٠٤ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٦٧ ـ ٢٧٠ .

 ١٣٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر

الحقّ تقتله الفئة الباغية"(١) ، وقال : "ليس ينبغى لعمّار أن يفارق الحقّ ، ولن تأكل النار منه شيئاً"(٢) ، وقال : "إذا اختلف الناس كان ابن سميّة مع الحقّ . . ."(٣) .

وحاول الكثيرون أن يروا عمّاراً ، ويسمعوا كلامه ; كى يستزيدوا من التعرّف علي حقّانيّة أمير المؤمنين  ¼ من خلال كلام هذا الشيخ الجليل الفتىّ القلب . . . الذى ينبع حديثه من أعماق قلبه ، من أجل أن يتثبّتوا من مواضع أقدامهم .

ولمّا تجندل ذلك الشيخ المتفانى ذو القدّ الممشوق ، وتضمّخ بدمه ، وشرب كأس المنون . . . كبر ذلك علي كلا الجيشين . ورأي مثيرو الفتنة ومسعّروا الحرب ما أخبر به رسول الله  ½ باُمّ أعينهم ، وإذ شقّ عليهم وصمة "الفئة الباغية" فلابدّ أن يحتالوا بتنميق فتنة اُخري وخديعة ثانية ; ليحولوا دون تضعضع جندهم ، وهذا ما فعله معاوية(٤) .

فقد إمامنا العظيم صلوات الله عليه أخلص أصحابه وأفضلهم ، وقُطع عضده المقتدر ، واغتمّت نفسه المقدّسة وضاق صدره ، فقال : رحم الله عمّاراً يوم أسلم ،


(١) وقعة صفّين : ٣٣٥ .
(٢) وقعة صفّين : ٣٣٥ عن عمرو بن العاص .
(٣) المعجم الكبير : ١٠ / ٩٦ / ١٠٠٧١ ، دلائل النبوّة للبيهقى : ٦ / ٤٢٢ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٧١ .
(٤) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٣٧ ، الفتوح : ٣ / ١٥٩ ، شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٣٣٤ / ٨٣٥ ; وقعة صفّين : ٣٤٣ .

 ١٣٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر

ورحم الله عمّاراً يوم قُتل ، ورحم الله عمّاراً يوم يُبعث حيّاً .

٢٥٠٧ ـ تاريخ بغداد عن أبى أيّوب : سمعت رسول الله  ½ يقول لعمّار : يا عمّار ، تقتلك الفئة الباغية ، وأنت إذ ذاك مع الحقّ والحقّ معك ، يا عمّار بن ياسر ، إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلُك مع علىّ ; فإنّه لن يدليك فى ردي ، ولن يخرجك من هدي . يا عمّار ، من تقلّد سيفاً أعان به عليّاً علي عدوّه قلّده الله يوم القيامة وشاحين(١) من درّ ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّ علىّ قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار"(٢) .

٢٥٠٨ ـ الفتوح ـ فيما قاله عمّار بن ياسر لعمرو بن العاص ـ : لقد أمرنى رسول الله  ½ أن اُقاتل الناكثين ، فقد فعلت ، وأمرنى أن اُقاتل القاسطين ، فأنتم هم ، وأمّا المارقون فلا أدرى اُدركهم أم لا .

أيّها الأبتر !أ لست تعلم أنّ النبىّ  ½ قال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ! فأنا مولي لله ولرسوله ، وعلىّ مولاى من بعده ، وأنت فلا مولي لك(٣) .

٢٥٠٩ ـ تاريخ الطبرى عن أبى عبد الرحمن السلمى : رأيت عمّاراً لا يأخذ وادياً من أودية صفّين إلاّ تبعه من كان هناك من أصحاب محمّد  ½ ، ورأيته جاء إلي المرقال هاشم بن عتبة ـ وهو صاحب راية علىّ ـ فقال : يا هاشم ، أ عَوراً وجُبناً ! لا خير فى أعور لا يغشي البأس ، فإذا رجلٌ بين الصفّين قال : هذا والله ليخلفنّ


(١) الوِشاح : حلى النساء كِرسانِ من لؤلؤ وجوهر منظومان مخالف بينهما ، معطوف أحدهما علي الآخر تتوشّح المرأة به (لسان العرب : ٢ / ٦٣٢) .
(٢) تاريخ بغداد : ١٣ / ١٨٧ / ٧١٦٥ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٧٢ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٠٧ .
(٣) الفتوح : ٣ / ٧٧ ، شرح نهج البلاغة : ٨ / ٢١ ; وقعة صفّين : ٣٣٨ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٠ / ٣٨٠ .

 ١٣٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عمّار بن ياسر

إمامه ، وليخذلنّ جنده ، وليصبرنّ جهده ، اركب يا هاشم ، فركب ومضي هاشم يقول :

أعورُ يَبغى أهلَه محلاّقد عالجَ الحياةَ حتي مَلاّ

لابدّ أن يَفلّ أو يُفلاّ

وعمّار يقول : تقدّم يا هاشم ; الجنّة تحت ظلال السيوف ، والموت فى أطراف الأسل ، وقد فتحت أبواب السماء ، وتزيّنت الحور العين

اليوم ألقَي الأحِبّه محمّداً وحِزبَه

فلم يرجعا وقُتلا(١) .

٢٥١٠ ـ تاريخ الطبرى عن حبّة بن جوين العرنى : انطلقت أنا وأبو مسعود إلي حذيفة ـ بالمدائن(٢) ـ فدخلنا عليه ، فقال : مرحباً بكما ، ما خلّفتما من قبائل العرب أحداً أحبّ إلىَّ منكما . فأسندته إلي أبى مسعود ، فقلنا : يا أبا عبد الله ، حدّثنا ; فإنّا نخاف الفتن .

فقال : عليكما بالفئة التى فيها ابن سميّة ; إنّى سمعت رسول الله  ½ يقول : تقتله الفئة الباغية ، الناكبة عن الطريق ، وإنّ آخر رزقه ضياح من لبن .

قال حبّة : فشهدتُه يوم صفّين وهو يقول : ائتونى بآخر رزق لى من الدنيا . فاُتى بضياح من لبن فى قدح أروح له حلقة حمراء ، فما أخطأ حذيفة مقياس


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٧٠ وراجع شرح الأخبار : ١ / ٤٠٨ / ٣٦٠ .
(٢) المَدَائِن : أصل تسميتها هى : المدائن السبعة ، وكانت مقرّ ملوك الفرس . وهى تقع علي نهر دجلة من شرقيّها تحت بغداد علي مرحلة منها . وفيها إيوان كسري . فُتحت هذه المدينة فى (١٤ هـ . ق ) علي يد المسلمين (راجع تقويم البلدان : ٣٠٢).

 ١٣٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / اضطراب جيش معاوية بعد استشهاد عمّار

شعرة ، فقال :

اليوم ألقَي الأحبّه محمّداً وحزبه

والله ، لو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ وأنّهم علي الباطل ، وجعل يقول : الموت تحت الأسل ، والجنّة تحت البارقة(١) .

٩ / ٨

اضطراب جيش معاوية بعد استشهاد عمّار

٢٥١١ ـ شرح نهج البلاغة : قال معاوية لمّا قُتل عمّار ـ واضطرب أهل الشام لرواية عمرو بن العاص كانت لهم : "تقتله الفئة الباغية" ـ : إنّما قتله من أخرجه إلي الحرب وعرّضه للقتل !

فقال أمير المؤمنين  ¼ : فرسول الله  ½ إذَن قاتل حمزة ! !(٢)

٢٥١٢ ـ الكامل فى التاريخ عن أبى عبد الرحمن السلمى : قال عبد الله لأبيه [عمرو بن العاص] : يا أبه ، قتلتم هذا الرجل فى يومكم هذا ، وقد قال رسول الله  ½ ما قال !

قال : وما قال ؟

قال :أ لم يكن المسلمون والناس ينقلون فى بناء مسجد النبىّ  ½ لبنة لبنة ،


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٨١ ; كشف الغمّة : ١ / ٢٥٩ كلاهما نحوه وراجع المناقب للخوارزمى : ٢٣٣ / ٢٤٠ .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٣٣٤ / ٨٣٥ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٣٧ وفيه "فلمّا بلغ عليّاً  ¼ قال : ونحن قتلنا أيضاً حمزة لأنّا أخرجناه" ، الفتوح : ٣ / ١٥٩ كلاهما نحوه وفيه "فقال عبد الله بن عمرو : وكذلك حمزة بن عبد المطّلب يوم اُحد إنّما قتله النبىّ  ½ ولم يقتله وحشى ؟!" بدل "فقال أمير المؤمنين  ¼ . . ." .

 ١٣٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / اضطراب جيش معاوية بعد استشهاد عمّار

وعمّار لبنتين لبنتين ، فغُشى عليه ، فأتاه رسول الله  ½ فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : ويحك يابن سميّة ! الناس ينقلون لبنة لبنة ، وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة فى الأجر ! وأنت مع ذلك تقتلك الفئة الباغية .

فقال عمرو لمعاوية : أ ما تسمع ما يقول عبد الله !

قال : وما يقول ؟ فأخبره .

فقال معاوية : أ نحن قتلناه ؟ إنّما قتله من جاء به .

فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون : إنّما قتل عمّاراً من جاء به . فلا أدرى من كان أعجب أ هو أم هم(١) .

٢٥١٣ ـ الكامل فى التاريخ : قد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله  ½ لعمّار بن ياسر : "تقتلك الفئة الباغية ، وآخر شربة تشربها ضياح من لبن" ، فكان ذو الكلاع يقول لعمرو :ما هذا ويحك يا عمرو ؟

فيقول عمرو : إنّه سيرجع إلينا .

فقُتل ذو الكلاع قبل عمّار مع معاوية ، واُصيب عمّار بعده مع علىّ . فقال عمرو لمعاوية : ما أدرى بقتل أيّهما أنا أشدّ فرحاً ; بقتل عمّار ، أو بقتل ذى الكلاع ! والله لو بقى ذو الكلاع بعد قتل عمّار لمال بعامّة أهل الشام إلي علىّ(٢) .


(١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٨٢ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٧٠ كلاهما نحوه وزاد فيهما "فقال معاوية : إنّك شيخ أخرق ، ولا تزال تحدّث بالحديث وأنت تدحض فى بولك ؟" قبل "أ نحن قتلناه ؟" ، وقد وردت قضيّة عمّار وبناء المسجد فى صحيح البخارى : ١ / ١٧٢ / ٤٣٦ ومسند ابن حنبل : ٤ / ١١ / ١١٠١١ والمستدرك علي الصحيحين : ٢ / ١٦٢ / ٢٦٥٣ .
(٢) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٨١ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٦٨ عن الأحنف بن قيس ; وقعة صفّين : ٣٤١ عن عمر بن سعد وراجع المناقب للخوارزمى : ٢٣٣ / ٢٤٠ .