١٣٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد خزيمة بن ثابت ذى الشهادتين
٩ / ٩ استشهاد خزيمة بن ثابت ذى الشهادتين ٢٥١٤ ـ الطبقات الكبري عن عمارة بن خزيمة بن ثابت : شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسلّ سيفاً ، وشهد صفّين وقال : أنا لا أصلُ أبداً حتي يقتل عمّار ، فأنظر من يقتله ; فإنّى سمعت رسول الله ½ يقول : تقتله الفئة الباغية . فلمّا قُتل عمّار بن ياسر قال خزيمة : قد بانت لى الضلالة ، واقترب فقاتل حتي قُتل(١) . ٩ / ١٠ قتال الأشتر ودوره الأساسى فى الحرب تؤدّى الحوادث العصيبة ومشقّات الحياة وصروف الدهر دوراً مهمّاً فى صقل الناس ، وتبلور رفعتهم وعزّتهم . إنّ هذا النوع من الحوادث كما يُجلّى عظمة الروح الإنسانيّة بنحو بيّن ، فإنّه يترك أثره العميق فى إيجاد الأرضيّة التى تتبلور فيها شخصيّة الإنسان فى بعض الأحيان ، وبها تتجلّي بواطن الناس ; فإنّه فى صروف الدهر وحدثانه تُعرف حقيقة الإنسان ، وقول الإمام أمير المؤمنين ¼ : "فى تقلّب الأحوال تعرف جواهر الرجال" خير آية علي هذه الحقيقة العميقة . وهكذا كانت معركة صفّين مرآةً تجلّت فيها شخصيّة مالك المتألّقة فى تاريخ التشيّع ; فقد كان الوجه البارز ، والبطل الشجاع الباسل فى هذه الحرب . ١ ـ كان دور مالك واضحاً فى تحفيز الكوفيّين الذين كانوا يسمعون كلامه ، ١٣٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الأشتر ودوره الأساسى فى الحرب
وفى إرسالهم إلي المعركة . ٢ ـ كان له دور أساسى فى تنظيم الجيش . ٣ ـ كان مالك علي مقدّمة الجيش ، وكانت هيمنته العظيمة ومواجهته البطوليّة لمقدّمة جيش معاوية ـ التى كان عليها أبو الأعور السلمى ـ قد أرغمتا هؤلاء علي الفرار من الميدان . ٤ ـ كان أهل الرقّة(١) من أنصار عثمان ، فدمّروا الجسور المنصوبة علي نهر الفرات لخلق العقبات أمام الجيش العلوى الذى كان قوامه مائة ألف مقاتل . فعزم الإمام ¼ علي الرجوع والبحث عن معبر آخر ; لأنّه لم يُرد أن يستخدم القوّة العسكريّة ويقسر الناس علي القيام بعمل شاقّ ، وهنا عرّف مالك نفسه لأهل الرقّة وهدّدهم ، فاضطرّوا إلي نصب جسر للعبور ، وعبر الجيش بالفعل . ٥ ـ حال جيش معاوية دون وصول جيش الإمام ¼ إلي الماء ، فاستبسل ومعه الأشعث بن قيس حتي تمكّن الجيش من الحصول علي الماء . ٦ ـ تولّي مالك قيادة الخيّالة عند نشوب الحرب . ٧ ـ كان له الدور الأكبر فى صولات ذى الحجّة . وحين بدأت الحرب فى شهر صفر ودامت ثمانية أيّام ، كان مالك فى يومين منها قائداً عامّاً لها علي الإطلاق . ٨ ـ كان مقاتلاً لا نظير له فى المواجهات الفرديّة ، ولم ينكص قطّ عند مواجهة أحد . ٩ ـ فى الأيّام الأخيرة من المعركة ، كان حلاّلاً للمشاكل العويصة فيها ، وكان (١) الرَّقّة : مدينة مشهورة علي الفرات بينها وبين حرّان ثلاثة أيّام (معجم البلدان : ٣ / ٥٩) . ١٣٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الأشتر ودوره الأساسى فى الحرب
يحضر بأمر مولاه حيثما ظهرت مشكلة فيبادر إلي حلّها . ١٠ ـ تألّق مالك تألّقاً عظيماً فى وقعة الخميس وليلة الهرير . ١١ ـ قاد مع أصحابه جولة مرعبة مهيبة من جولات صفّين ، فتقدّم حتي وصل خيمة معاوية فجرَ يومِ جمعة ، ولم يكن بينه وبين الانتصار الأخير وإخماد نار الفتنة الاُمويّة إلاّ خطوة واحدة ، فتآمر الأشعث والخوارج وأجبروا الإمام ¼ علي إرجاعه ، فابتعد عن خيمة معاوية بقلب ملؤه الأسي ; كى لا يصل إلي مولاه أذي . فيا عجباً لكلّ هذا الإيثار مع ذلك التحجّر ، واسوداد ضمائر المناوئين للإمام ¼ ، وقبح سرائرهم ! ! إنّ أعظم ما تميّز به مالك هو معرفته العميقة للإمام ¼ وتواضعه أمام مولاه ، ذلك التواضع النابع من وعيه الفذّ ، ومعرفته العظيمة . ٢٥١٥ ـ الفتوح : خرج رجل من أهل العراق علي فرس له كميت ـ لا يري منه إلاّ حماليق الحدق ، وفى يده رمح له ـ فجعل يضرب بالرمح علي رؤوس أصحاب علىٍّ ويقول : سوّوا صفوفكم ! والناس لا يعرفونه . حتي إذا اعتدلت الصفوف والرايات ، استقبلهم بوجهه وولّي ظهره إلي أهل الشام ، ثمّ حمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : احمدوا الله عباد الله ، واشكروه ; إذ جعل فيكم ابن عمّ نبيّه محمّد ½ ، ووصيّه ، وأحبّ الخلق إليه ، أقدمهم هجرة ، وأوّلهم إيماناً ، سيف من سيوف الله صبَّه علي أعدائه . فانظروا إذا حمى الوطيس ، وثار القتام ، وتكسّرت الرماح ، وتثلّمت الصفاح ، وجالت الخيل بالأبطال ، ولا أسمع منكم إلاّ غمغمة أو همهمة . قال : ثمّ حمل علي أهل الشام ، فقاتل حتي كُسر رمحه ، ثمّ رجع فإذا هو ١٤٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الأشتر ودوره الأساسى فى الحرب
الأشتر(١) . ٢٥١٦ ـ تاريخ الطبرى عن الحرّ بن الصيّاح النخعى : إنّ الأشتر يومئذ كان يقاتل علي فرس له فى يده ص فيحة يمانية ; إذا طأطأها خِلتَ فيها ماءً منصبّاً ، وإذا رفعها كاد يعشى البصر شعاعها ، وجعل يضرب بسيفه ويقول : الغمرات ثمّ ينجلينا(٢) . ٢٥١٧ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن عاصم الفائشى : حدّثنى رجل من قومى أنّ الأشتر خرج يوماً يقاتل بصفّين فى رجال من القرّاء ، ورجال من فرسان العرب ، فاشتدّ قتالهم ، فخرج علينا رجل ـ والله لقلّما رأيت رجلاً قطّ هو أطول ولا أعظم منه ـ فدعا إلي المبارزة ، فلم يخرج إليه أحد إلاّ الأشتر ، فاختلفا ضربتين ، فضربه الأشتر ، فقتله . وايم الله ، لقد كنّا أشفقنا عليه ، وسألناه أن لا يخرج إليه ، فلمّا قتله الأشتر نادي مناد من أصحابه :
ـ و"زارة" حىّ من الأزد ـ وقال : اُقسم بالله ، لأقتلنّ قاتلك أو ليقتلنى ، فخرج فحمل علي الأشتر ، وعطف عليه الأشتر فضربه ، فإذا هو بين يدى فرسه ، وحمل عليه أصحابه فاستنقذوه جريحاً . فقال أبو رفيقة الفهمى : هذا كان ناراً ، فصادف إعصاراً(٣) . ٢٥١٨ ـ تاريخ الطبرى عن الحرّ بن الصيّاح النخعى ـ فى الأشتر ـ : رآه منقذُ (١) الفتوح : ٣ / ١٥٧ . ١٤١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الإمام بنفسه
وحميرُ ابنا قيس الناعطيّان ، فقال منقذ لحمير : ما فى العرب مثل هذا إن كان ما أري من قتاله علي نيّته . فقال له حمير : وهل النيّة إلاّ ما تراه يصنع ! قال : إنّى أخاف أن يكون يحاول ملكاً(١) . ٢٥١٩ ـ وقعة صفّين عن عمر بن سعد عن رجاله : إنّ معاوية دعا مروان بن الحكم فقال : يا مروان ، إنّ الأشتر قد غمّنى وأقلقنى ، فاخرج بهذه الخيل فى كلاع ويحصب ، فالقَه فقاتل بها . فقال له مروان : ادعُ لها عمراً فإنّه شعارك دون دثارك . . . . ودعا معاوية عمراً ، وأمره بالخروج إلي الأشتر . . . فخرج عمرو فى تلك الخيل فلقيه الأشتر أمام الخيل . . . فعرف عمرو أنّه الأشتر ، وفشل حَيْلُه وجبن ، واستحيا أن يرجع . . . فلمّا غشيه الأشتر بالرمح زاغ عنه عمرو ، فطعنه الأشتر فى وجهه فلم يصنع الرمح شيئاً ، وثقل عمرو فأمسك عنان فرسه ، وجعل يده علي وجهه ، ورجع راكضاً إلي العسكر(٢) . ٩ / ١١ ٢٥٢٠ ـ وقعة صفّين عن جابر بن عمير الأنصارى ـ فى بيان شجاعة علىّ ¼ فى (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٢٢ ; وقعة صفّين : ٢٥٥ . إرجاعات
٢٧٥ - المجلد الثاني عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام عليّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
٥١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر
١٤٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الإمام بنفسه
حرب صفّين ـ : لا والله الذى بعث محمّداً ½ بالحقّ نبيّاً ، ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده فى يوم واحد ما أصاب ; إنّه قتل فيما ذكر العادّون زيادةً علي خمسمائة من أعلام العرب ، يخرج بسيفه منحنياً فيقول : معذرةً إلي الله عزّ وجلّ وإليكم من هذا ، لقد هممت أن أصقله ولكن حجزنى عنه أنّى سمعت رسول الله ½ يقول كثيراً : "لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتي إلاّ علىّ" وأنا اُقاتل به دونه . قال : فكنّا نأخذه فنقوّمه ، ثمّ يتناوله من أيدينا فيتقحّم به فى عرض الصفّ ، فلا والله ما ليث بأشدّ نكاية فى عدوّه منه ، رحمة الله عليه رحمة واسعة(١) . ٢٥٢١ ـ ذخائر العقبي عن ابن عبّاس ـ وقد سأله رجل : أ كان علىّ ¢ يباشر القتال بنفسه يوم صفّين ؟ ـ : والله ما رأيت رجلاً أطرح لنفسه فى متلف من علىّ ، ولقد رأيته يخرج حاسرَ الرأس ، بيده السيف إلي الرجل الدارع فيقتله(٢) . ٢٥٢٢ ـ تاريخ الطبرى عن أبى عبد الرحمن السلمى : كنّا مع علىّ بصفّين ، فكنّا قد وكّلنا بفرسه رجلين يحفظانه ويمنعانه من أن يحمل ، فكان إذا حانت منهما غفلة يحمل ، فلا يرجع حتي يخضب سيفه . وإنّه حمل ذات يوم فلم يرجع حتي انثني سيفه ، فألقاه إليهم ، وقال : لولا أنّه انثني ما رجعت(٣) . ٢٥٢٣ ـ تاريخ الطبرى عن أبى روق الهمدانى ـ فى شدّة حرب صفّين ـ : . . . (١) وقعة صفّين : ٤٧٧ ; شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢١١ وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٦٤ . ١٤٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الإمام بنفسه
انتهت الهزيمة إلي علىّ ، فانصرف يتمشّي نحو الميسرة ، فانكشفت عنه مضر من الميسرة ، وثبتت ربيعة . قال أبو مخنف : حدّثنى مالك بن أعين الجهنى ، عن زيد بن وهب الجهنى قال : مرّ علىّ معه بنوه نحو الميسرة ومعه ربيعة وحدها ، وإنّى لأري النبل يمرّ بين عاتقه ومنكبه ، وما من بنيه أحد إلاّ يقيه بنفسه ، فيكره علىّ ذلك ، فيتقدّم عليه فيحول بين أهل الشام وبينه ، فيأخذه بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه أو من ورائه . فبصر به أحمر ـ مولي أبى سفيان ، أو عثمان ، أو بعض بنى اُميّة ـ فقال علىّ وربّ الكعبة ! قتلنى الله إن لم أقتلك أو تقتلنى ، فأقبل نحوه ، فخرج إليه كيسان مولي علىّ ، فاختلفا ضربتين ، فقتله مولي بنى اُميّة ، وينتهزه علىّ ، فيقع بيده فى جيب درعه ، فيجبذه(١) ، ثمّ حمله علي عاتقه ، فكأنّى أنظر إلي رجيلتيه ، تختلفان علي عنق علىّ ، ثمّ ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضديه ، وشدّ ابنا علىّ عليه حسين ومحمّد ، فضرباه بأسيافهما حتي برد ، فكأنّى أنظر إلي علىّ قائماً ، وإلي شبليه يضربان الرجل . . . . ثمّ إنّ أهل الشام دنوا منه ، وو الله ما يزيده قربهم منه سرعة فى مشيه ، فقال له الحسن : ما ضرّك لو سعيت حتي تنتهى إلي هؤلاء الذين قد صبروا لعدوّك من أصحابك ؟ فقال : يا بنىّ ، إنّ لأبيك يوماً لن يعدوه ، ولا يبطّئ به عنه(٢) السعى ، ولا يعجّل (١) جَبَذ يَجبذ : لغة فى جَذَبَ (لسان العرب : ٣ / ٤٧٨) . ١٤٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الإمام بنفسه
به إليه المشى ، إنّ أباك والله ما يبالى أ وَقع علي الموت ، أو وقع الموت عليه !(١) ٢٥٢٤ ـ الأخبار الطوال : كان فارس معاوية الذى يبتهى(٢) به حريث مولاه ، وكان يلبس بزّة معاوية ، ويستلئم سلاحه ، ويركب فرسه ، ويحمل متشبّهاً بمعاوية ، فإذا حمل قال الناس : هذا معاوية . وقد كان معاوية نهاه عن علىّ ، وقال : اجتنبه ، وضع رمحك حيث شئت . فخلا به عمرو ، وقال : ما يمنعك من مبارزة علىّ ، وأنت له كفء ؟ قال : نهانى مولاى عنه . قال : وإنّى والله لأرجو إن بارزته أن تقتله ، فتذهب بشرف ذلك . فلم يَزل يزيّن له ذلك حتي وقع فى قلب حريث . فلمّا أصبحوا خرج حريث حتي قام بين الصفّين ، وقال : يا أبا الحسن ، ابرز إلىَّ ! أنا حريث . فخرج إليه علىّ ¼ ، فضربه ، فقتله(٣) . ٢٥٢٥ ـ وقعة صفّين عن صعصعة بن صوحان : إنّ علىّ بن أبى طالب صافّ أهل الشام ، حتي برز رجل من حمير من آل ذى يزن ، اسمه : كريب بن الصباح ، ليس فى أهل الشام يومئذ رجل أشهر شدّة بالبأس منه ، ثمّ نادي : من يبارز ؟ فبرز إليه المرتفع بن الوضاح الزبيدى ، فقتل المرتفع . ثمّ نادي : من يبارز ؟ فبرز إليه الحارث بن الجلاح ، فقتل . (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٣ ، شرح نهج البلاغة : ٥ / ١٩٨ كلاهما نحوه ; وقعة صفّين : ٢٤٨ وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٦٥ وكشف الغمّة : ١ / ٢٥١ . ١٤٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الإمام بنفسه
ثمّ نادي : من يبارز ؟ فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمدانى ، فقتل عائذاً . ثمّ رمي بأجسادهم بعضها فوق بعض ، ثمّ قام عليها بغياً واعتداءً . ثمّ نادي : هل بقى من مبارز ؟ فبرز إليه علىّ ثمّ ناداه : ويحك يا كريب ! إنّى اُحذّرك الله وبأسه ونقمته ، وأدعوك إلي سنّة الله وسنّة رسوله ، ويحك ! لا يدخلنّك ابن آكلة الأكباد النار . فكان جوابه أن قال : ما أكثر ما قد سمعنا هذه المقالة منك ، فلا حاجة لنا فيها . أقدم إذا شئت ، من يشترى سيفى وهذا أثره ؟ فقال علىّ ¼ : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، ثمّ مشي إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خرّ منها قتيلاً يتشحّط فى دمه . ثمّ نادي : من يبارز ؟ فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميرى ، فقتل الحارث . ثمّ نادي : من يبارز ؟ فبرز إليه المطاع بن المطّلب القينى ، فقتل مطاعاً . ثمّ نادي : من يبرز ؟ فلم يبرز إليه أحد . ثمّ إنّ عليّاً نادي : يا معشر المسلمين ! ³ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ² (١) ، ويحك يا معاوية هلمّ إلىَّ فبارزنى ، ولا يُقتلنّ الناس فيما بيننا ! فقال عمرو : اغتنمه منتهزاً ، قد قتل ثلاثة من أبطال العرب ، وإنّى أطمع أن يظفرك الله به . (١) البقرة : ١٩٤ . ١٤٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الإمام بنفسه
فقال معاوية : ويحك يا عمرو ! والله ، إن تريد إلاّ أن اُقتل فتصيب الخلافة بعدى ، اذهب إليك ، فليس مثلى يُخدع(١) . ٢٥٢٦ ـ وقعة صفّين عن صعصعة بن صوحان والحارث بن أدهم : برز يومئذ عروة بن داود الدمشقى فقال : إن كان معاوية كره مبارزتك يا أبا الحسن فهلمّ إلىَّ . فتقدّم إليه علىّ ، فقال له أصحابه : ذر هذا الكلب فإنّه ليس لك بخطر . فقال : والله ، ما معاوية اليوم بأغيظ لى منه ، دعونى وإيّاه ، ثمّ حمل عليه فضربه فقطعه قطعتين ، سقطت إحداهما يمنة ، والاُخري يسرة ، فارتجّ العسكران لهول الضربة . ثمّ قال : اذهب يا عروة فأخبر قومك ، أما والذى بعث محمّداً بالحقّ لقد عاينت النار وأصبحت من النادمين . وقال ابن عمّ لعروة : وا سوء صباحاه ، قبّح الله البقاء بعد أبى داود . . . . وحمل ابن عمّ أبى داود علي علىّ فطعنه فضرب الرمح فبراه ، ثمّ قنّعه ضربة فألحقه بأبى داود ، ومعاوية واقف علي التلّ يبصر ويشاهد ، فقال : تبّاً لهذه الرجال وقبحاً ; أ ما فيهم من يقتل هذا مبارزة أو غيلة ، أو فى اختلاط الفيلق وثوران النقع ! فقال الوليد بن عقبة : ابرز إليه أنت فإنّك أولي الناس بمبارزته . فقال : والله ، لقد دعانى إلي البراز حتي استحييت من قريش ، وإنّى والله لا أبرز إليه ، ما جُعل العسكر بين يدى الرئيس إلاّ وقاية له . فقال عتبة بن أبى سفيان : الهوا عن هذا ; كأنّكم لم تسمعوا نداءه ، فقد علمتم أنّه قتل حريثاً ، وفضح عمراً ، ولا أري أحداً يتحكّك(٢) به إلاّ قتله . (١) وقعة صفّين : ٣١٥ ; الفتوح : ٣ / ١١٢ ، الفصول المهمّة : ٨٨ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٦٤ كلّها نحوه وراجع جواهر المطالب : ١ / ٢٦٥ . ١٤٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الإمام بنفسه
فقال معاوية لبسر بن أرطاة :أ تقوم لمبارزته ؟ فقال : ما أحد أحقّ بها منك ، وإذ أبيتموه فأنا له . . . فاستقبله بسر قريباً من التلّ وهو مقنّع فى الحديد لا يعرف ، فناداه : ابرز إلىَّ أبا حسن ! فانحدر إليه علي تؤدَة غير مكترث ، حتي إذا قاربه طعنه وهو دارع ، فألقاه علي الأرض ، ومنع الدرع السنان أن يصل إليه ، فاتّقاه بسر بعورته وقصد أن يكشفها يستدفع بأسه ، فانصرف عنه علىّ ¼ مستدبراً له ، فعرفه الأشتر حين سقط ، فقال : يا أمير المؤمنين هذا بسر بن أرطاة ، عدوّ الله وعدوّك . فقال : دعه عليه لعنة الله ، أبعد أن فعلها . . . . وقام بسر من طعنة علىّ مولّياً ، وولّت خيله ، وناداه علىّ : يا بسر ، معاوية كان أحقّ بهذا منك . فرجع بسر إلي معاوية ، فقال له معاوية : ارفع طرفك قد أدال الله عمراً منك . . . . فكان بسر بعد ذلك إذا لقى الخيل التى فيها علىّ تنحّي ناحية . وتحامي فرسان أهل الشام عليّاً(١) . ٢٥٢٧ ـ الفتوح : خرج رجل من أصحاب معاوية يقال له : المخارق بن عبد الرحمن ـ وكان فارساً بطلاً ـ حتي وقف بين الجمعين ، ثمّ سأل النزال ، فخرج إليه المؤمّل بن عبيد المرادى ، فقتله الشامى . . . فلم يزل كذلك حتي قتل أربعة نفر ، واحتزَّ رؤوسهم ، وكشف عوراتهم . قال : فتحاماه الناس خوفاً منه . قال : ونظر إليه علىّ ¢ وقد فعل ما فعل فخرج إليه متنكّراً ، وحمل عليه (١) وقعة صفّين : ٤٥٨ ; شرح نهج البلاغة : ٨ / ٩٥ وراجع الفتوح : ٣ / ١٠٥ والمناقب للخوارزمى : ٢٤٠ / ٢٤٠ . ١٤٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / قتال الإمام بنفسه
الشامى وهو لم يعرفه ، فبدره علىّ بضربة علي حبل عاتقه فرمي بشقّه ، ثمّ نزل إليه فاحتزّ رأسه ، وقلب وجهه إلي السماء ، ولم يكشف عورته . ثمّ نادي : هل من مبارز ؟ فخرج إليه آخر ، فقتله علىّ ¢ ، وفعل به كما فعل بالأوّل . فلم يزَل كذلك حتي قتل منهم سبعة أم ثمانية وهو يفعل بهم كما يفعل بالأوّل ، ولا يكشف عوراتهم . فأحجم الناس عنه وتحامته الأبطال من أصحاب معاوية ، وردها عن معاوية عبد له يقال له : حرب ، فكان فارساً لا يُصطلي بناره . فقال له معاوية : ويحك يا حرب ، اخرج إلي هذا الفارس فاكفنى أمره ، فإنّه قد قتل من أصحابى من قد علمت ! قال : فقال حرب : جعلت فداك إنّى والله أري مقام فارس بطل لو برز إليه أهل عسكرك لأفناهم عن آخرهم ، فإن شئت برزت إليه وأنا أعلم أنّه قاتلى ، وإن شئت فأبقنى لغيره . فقال معاوية : لا والله ، ما أحبّ أن تقتل ، فقف مكانك حتي يخرج إليه غيرك . قال : وجعل يناديهم ولا يخرج إليه واحد منهم ، فرفع المغفر عن رأسه ثمّ قال : أنا أبو الحسن ثمّ رجع إلي عسكره . فقال حرب لمعاوية : جعلت فداك أ لم أقُل لك إنّى أعرف مقام الفارس البطل(١) . إرجاعات
١٧٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام
٤٢١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الخامس : الخصائص الحربيّة
١٤٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / طمأنينة الإمام فى ساحة القتال
٩ / ١٢ ٢٥٢٨ ـ وقعة صفّين عن أبى إسحاق : خرج علىّ يوم صفّين وفى يده عنزة ، فمرّ علي سعيد بن قيس الهمدانى ، فقال له سعيد : أ ما تخشي يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قرب عدوّك ؟ فقال له علىّ : إنّه ليس من أحد إلاّ عليه من الله حَفَظة يحفظونه من أن يتردّي فى قليب(١) ، أو يخرّ عليه حائط ، أو تصيبه آفة ، فإذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه(٢) . ٢٥٢٩ ـ الكافى عن سعيد بن قيس الهمدانى : نظرت يوماً فى الحرب إلي رجل عليه ثوبان فحرّكت فرسى فإذا هو أمير المؤمنين ¼ ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، فى مثل هذا الموضع ؟ ! فقال : نعم ، يا سعيد بن قيس ، إنّه ليس من عبد إلاّ وله من الله حافظ وواقية ، معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل ، أو يقع فى بئر ، فإذا نزل القضاء خلّيا بينه وبين كلّ شىء(٣) . ٢٥٣٠ ـ الإمام علىّ ¼ ـ وهو يطوف بين الصفّين بصفّين فى غلالة(٤) لمّا قال له الحسن ابنه : ما هذا زىّ الحرب ـ : يا بنىَّ إنّ أباك لا يُبالى وقع علي الموت ، أو (١) القَلِيب : البئر التى لم تطو (النهاية : ٤ / ٩٨) . ١٥٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / فضيحة عمرو بن العاص
وقع الموت عليه(١) . ٢٥٣١ ـ العقد الفريد : كان علىّ بن أبى طالب ¢ يخرج كلّ يوم بصفّين حتي يقف بين الصفّين ويقول :
٩ / ١٣ ٢٥٣٢ ـ الإمامة والسياسة : ذكروا أنّ عمراً قال لمعاوية :أ تجبن عن علىّ ، وتتّهمنى فى نصيحتى إليك ؟ ! والله لاُبارزنّ عليّاً ولو متّ ألف موتة فى أوّل لقائه . فبارزه عمرو ، فطعنه علىّ فصرعه ، فاتّقاه بعورته ، فانصرف عنه علىّ ، وولّي بوجهه دونه . وكان علىّ ¢ لم ينظر قطّ إلي عورة أحد ; حياءً وتكرّماً ، وتنزّهاً عمّا لا يحلّ ولا يجمل بمثله(٣) . ٢٥٣٣ ـ البداية والنهاية : ذكروا أنّ عليّاً حمل علي عمرو بن العاص يوماً فضربه (١) مجمع البيان : ١ / ٣٢٠ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٩ وراجع وقعة صفّين : ٢٥٠ وتاريخ الطبرى : ٥ / ١٩ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٤ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٦٥ . إرجاعات
٢٢٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل التاسع : القتال / السكينة العلويّة في الحرب
١٥١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / فضيحة عمرو بن العاص
بالرمح ، فألقاه إلي الأرض ، فبدت سَوءته ، فرجع عنه . فقال له أصحابه : ما لك يا أمير المؤمنين رجعت عنه ؟ فقال :أ تدرون ما هو ؟ قالوا : لا ! قال : هذا عمرو بن العاص تلقّانى بسَوءته ، فذكّرنى بالرحم ، فرجعت عنه . فلمّا رجع عمرو إلي معاوية قال له : احمد الله واحمد إستك(١) . ٢٥٣٤ ـ وقعة صفّين : حمل عمرو بن العاص معلّماً وهو يقول :
فاعترضه علىّ وهو يقول :
بِصارم ليسَ بذى فلولِ ثمّ طعنه فصرعه ، واتّقاه عمرو برجله ، فبدت عورته ، فصرف علىّ وجهه عنه وارتثّ ، فقال القوم : أفلت الرجل يا أمير المؤمنين . قال : وهل تدرون من هو ؟ ١٥٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / كتاب معاوية إلي الإمام يهدّده بالقتال
قالوا : لا . قال : فإنّه عمرو بن العاص تلقّانى بعورته فصرفت وجهى عنه . ورجع عمرو إلي معاوية فقال له : ما صنعت يا عمرو ؟ قال : لقينى علىّ فصرعنى . قال : احمد الله وعورتك ، أما والله أن لو عرفته ما أقحمت عليه(١) . ٢٥٣٥ ـ عيون الأخبار عن المدائنى : رأي عمرو بن العاص معاوية يوماً يضحك ، فقال له : ممّ تضحك يا أمير المؤمنين ، أضحك الله سنّك ؟ قال : أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سَوءتك يوم ابن أبى طالب ! أما والله لقد وافقته منّاناً كريماً ، ولو شاء أن يقتلك لقتلك . قال عمرو : يا أمير المؤمنين ، أما والله إنّى لعن يمينك حين دعاك إلي البراز فاحوَلَّت عيناك ، وربا سحرك ، وبدا منك ما أكره ذكره لك ، فمن نفسك فاضحك أو دَع ! !(٢) . ٩ / ١٤ كتاب معاوية إلي الإمام يهدّده بالقتال ٢٥٣٦ ـ كنز الفوائد : نسخة كتاب معاوية بن أبى سفيان إلي أمير المؤمنين علىّ بن (١) وقعة صفّين : ٤٠٦ و٤٠٧ ، شرح نهج البلاغة : ٨ / ٦٠ عن ابن عبّاس وليس فيه الشعر . ١٥٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / جواب الإمام لكتاب معاوية
أبى طالب ¼ : أمّا بعد ، فإنّ الهوي يُضلّ من اتّبعه ، والحرص يُتعب الطالب المحروم ، وأحمد العاقبتين ما هدي إلي سبيل الرشاد . ومن العجب العجيب ذامّ ومادح ، وزاهد وراغب ، ومتوكّل وحريص ، كلاماً ضربته لك مثلاً لتدبّر حكمته بجميع الفهم ، ومباينة الهوي ، ومناصحة النفس . فلعمرى يابن أبى طالب ، لولا الرحم التى عطفتنى عليك ، والسابقة التى سلفت لك ، لقد كان اختطفتك بعض عقبان أهل الشام ، فصعد بك فى الهواء ثمّ قذفك علي دكادك شوامخ الأبصار ، فاُلفيتَ كسحيق الفِهر(١) علي صن(٢) الصلابة لا يجد الذرّ(٣) فيك مرتعاً . ولقد عزمت عزمة من لا يعطفه رقّة الإنذار ، إن لم تباين ما قربتَ به أملك وطال له طلبُك ، لاُوردنّك(٤) مورداً تستمرّ الندامة إن فُسح لك فى الحياة ، بل أظنّك قبل ذلك من الهالكين ، وبئس الرأى رأى يورد أهله إلي المهالك ، ويُمنّيهم العطب إلي حين لات مناص . وقد قذف بالحقّ علي الباطل ، وظهر أمر الله وهم كارهون ، ولله الحجّة البالغة والمنّة الظاهرة . والسلام(٥) . ٩ / ١٥ ٢٥٣٧ ـ كنز الفوائد : من عبد الله أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب إلي معاوية بن (١) الفِهر : الحجر قدر ما يدقّ به الجوز ونحوه (لسان العرب : ٥ / ٦٦) . ١٥٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / جواب الإمام لكتاب معاوية
أبى سفيان . أمّا بعد ، فقد أتانا كتابك بتنويق المقال ، وضرب الأمثال ، وانتحال الأعمال ، تصف الحكمةَ ولستَ من أهلها ، وتذكر التقوي وأنتَ علي ضدّها ، قد اتّبعتَ هواكَ فحادَ بك عن الحجّة(١) ، وألحج(٢) بك عن سواء السبيل . فأنت تسحب أذيال لذّات الفتن ، وتحيط(٣) فى زهرة الدنيا ، كأنّك لستَ توقن بأوبة البعث ، ولا برجعة المنقلب ، قد عقدتَ التاج ، ولبستَ الخزّ ، وافترشتَ الديباج ، سُنّة هرقليّة ، وملكاً فارسيّاً ، ثمّ لم يقنعك ذلك حتي يبلغنى أنّك تعقد الأمر من بعدك لغيرك ، فيملك(٤) دونك فتحاسب دونه . ولعمرى لئن فعلتَ ذلك فما ورثتَ الضلالة عن كلالة ، وإنّك لابن من كان يبغى علي أهل الدين ، ويحسد المسلمين . وذكرتَ رحماً عطفتكَ عَلَىّ ، فاُقسم بالله الأعزّ الأجلّ أن لو نازعك هذا الأمر فى حياتك من أنتَ تمهد له بعد وفاتك لقطعتَ حبلَه ، وأبنتَ أسبابه . وأمّا تهديدك لى بالمشارب الوبيئة(٥) والموارد المهلكة ، فأنا عبد الله علىّ بن أبى طالب ، أبرز إلىّ صفحتك ، كلاّ وربّ البيت ما أنت بأبى عذر عند القتال ، ولا عند مناطحة الأبطال ، وكأنّى بك لو شهدتَ الحرب وقد قامت علي ساق ، (١) فى بحار الأنوار : "المحجّة" ، ولعلّه أنسب . ١٥٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / جواب الإمام لكتاب معاوية
وكشرت عن منظر كريه ، والأرواح تُختطف اختطاف البازى زُغْب(١) القطا ، لصِرتَ كالمُولَهة الحيرانة تصربها(٢) العبرة بالصدمة ، لا تعرف أعلا الوادى عن أسفله . فدَع عنك ما لستَ أهله ; فإنّ وقع الحسام غير تشقيق الكلام ، فكم عسكر قد شهدته ، وقَرن نازلته ، [و رأيت] اصطكاك قريش بين يدى رسول الله ½ ، إذ أنت وأبوك و[من] هو [أعلا منكما لي](٣) تبع ، وأنت اليوم تهدّدنى ! فاُقسم بالله أن لو تُبدى الأيّام عن صفحتك لنشب فيك مخلب ليث هصور(٤) ، لا يفوته فريسة بالمراوغة ، كيف وأنّى لك بذلك وأنت قعيدة بنت البكر المخدرة ; يُفزعها صوت الرعد ، وأنا علىّ بن أبى طالب الذى لا اُهدّد بالقتال ، ولا اُخوّف بالنزال ، فإن شئت يا معاوية فابرز . والسلام . فلما وصل هذا الجواب إلي معاوية بن أبى سفيان جمع جماعة من أصحابه وفيهم عمرو بن العاص فقرأه عليهم . فقال له عمرو : قد أنصفك الرجل ، كم رجل أحسن فى الله قد قتل بينكما ، ابرز إليه . فقال له : أبا عبد الله أخطأت استك الحفرة ، أنا أبرز إليه مع علمى أنّه ما برز إليه أحد قط إلاّ وقتله ! لا والله ، ولكنّى ساُبرزك إليه(٥) . (١) الزغب : الفِراخ (لسان العرب : ١ / ٤٥٠) . ١٥٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / التأكيد علي الدعوة إلي البراز
٩ / ١٦ ٢٥٣٨ ـ شرح نهج البلاغة عن المدائنى : كتب إليه[معاوية] علىٌ ¼ : أمّا بعد ، فإنّ مساوئك مع علم الله تعالي فيك حالت بينك وبين أن يصلح لك أمرك ، وأن يرعوى قلبك ، يابن الصخر اللعين ! زعمت أن يَزِن الجبالَ حلمُك ، ويفصلَ بين أهل الشكّ علمُك ، وأنت الجلف المنافق ، الأغلف القلب ، القليل العقل ، الجبان الرذل ، فان كنتَ صادقاً فيما تسطر ويعينك عليه أخو بنى سهم ، فدَع الناس جانباً وتيسّر لما دعوتنى إليه من الحرب والصبر علي الضرب ، واعفُ الفريقين من القتال ; ليُعلم أيّنا المرين علي قلبه ، المغطّي علي بصره ، فأنا أبو الحسن قاتل جدّك وأخيك وخالك ، وما أنت منهم ببعيد . والسلام(١) . ٢٥٣٩ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له ¼ إلي معاوية ـ : وكيف أنت صانع إذا تكشّفت عنك جلابيبَ ما أنت فيه من دنيا قد تبهجتَ بزينتها ، وخُدعتَ ، بلذّتها ، دعتكَ فأجبتَها ، وقادتكَ فاتّبعتَها ، وأمرتكَ فأطعتَها . وإنّه يوشك أن يقِفك واقف علي ما لا يُنجيك منه مجن ، فاقعس عن هذا الأمر ، وخذ اُهبة الحساب ، وشمّر لما قد نزل بك ، ولا تُمكن الغواة من سمعك ، وإلاّ تفعل اُعلمك ما أغفلتَ من نفسك ; فإنّك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه ، وبلغ فيك أمله ، وجري منك مجري الروح والدم . ومتي كنتم ـ يا معاوية ـ ساسة الرعيّة ، وولاة أمر الاُمة ، بغير قدم سابق ، ولا شرف باسق ؟ ! ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء ، واُحذّرك أن تكون متمادياً فى (١) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٣٥ ; بحار الأنوار : ٣٣ / ٨٧ / ٤٠١ وراجع شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٨٢ . ١٥٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / التأكيد علي الدعوة إلي البراز
غرّة الاُمنية ، مختلف العلانية والسريرة . وقد دعوتَ إلي الحرب ، فدَع الناسَ جانباً ، واخرج إلىّ واعفُ الفريقين من القتال ; ليُعلم أيّنا المرين علي قلبه ، والمغطّي علي بصره ، فأنا أبو حسن قاتل جدّك وأخيك وخالك شدخاً(١) يوم بدر ، وذلك السيف معى ، وبذلك القلب ألقي عدوّى ، ما استبدلت ديناً ، ولا استحدثت نبيّاً . وإنّى لعلي المنهاج الذى تركتموه طائعين ، ودخلتُم فيه مكرَهين . وزعمتَ أنّك جئتَ ثائراً بدم عثمان ، ولقد علمتَ حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالباً ، فكأنّى قد رأيتُك تضجّ من الحرب إذا عضّتك ضجيج الجمال بالأثقال ، وكأنّى بجماعتك تدعونى ـ ; جزعاً من الضرب المتتابع ، والقضاء الواقع ، ومصارع بعد مصارع ـ إلي كتاب الله ، وهى كافرة جاحدة ، أو مبايعة حائدة(٢) . ٢٥٤٠ ـ وقعة صفّين عن الشعبى : أرسل علىّ إلي معاوية : أن ابرز لى واعفُ الفريقين من القتال ، فأيّنا قتل صاحبه كان الأمر له . قال عمرو : لقد أنصفك الرجل . فقال معاوية : إنّى لأكره أن اُبارز الأهوج الشجاع ، لعلّك طمعت فيها يا عمرو . فلمّا لم يجُب قال علىّ : وا نفساه ، أ يُطاع معاوية واُعصي ؟ ! ما قاتلت اُمّة قطّ أهل بيت نبيّها وهى مقرّة بنبيّها إلاّ هذه الاُمّة(٣) . (١) الشدخ : كسرك الشىء الأجوف كالرأس ونحوه (لسان العرب : ٣ / ٢٨) . ١٥٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / التأكيد علي الدعوة إلي البراز
٢٥٤١ ـ وقعة صفّين عن عمرو بن شمر : قام علىّ بين الصفّين ثمّ نادي : يا معاوية ، يكرّرها . فقال معاوية : اسألوه ، ما شأنه ؟ قال : اُحبّ أن يظهر لى فاُكلّمه كلمة واحدة . فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص ، فلمّا قارباه لم يلتفت إلي عمرو ، وقال لمعاوية : ويحك ، علامَ يقتتل الناس بينى وبينك ، ويضرب بعضهم بعضاً ؟ ! ابرز إلىَّ ; فأيّنا قتل صاحبه فالأمر له . فالتفتَ معاوية إلي عمرو فقال : ما تري يا أبا عبد الله فيما ها هنا ، اُبارزه ؟ فقال عمرو : لقد أنصفك الرجل ، واعلم أنّه إن نكلتَ عنه لم تزَل سَبّة عليك وعلي عقبك ما بقى عربىّ . فقال معاوية : يا عمرو بن العاص ، ليس مثلى يخدع عن نفسه ، والله ما بارز ابنُ أبى طالب رجلاً قطّ إلاّ سقي الأرض من دمه ! ثمّ انصرف راجعاً حتي انتهي إلي آخر الصفوف ، وعمرو معه . فلمّا رأي علىّ ¼ ذلك ضحك ، وعاد إلي موقفه(١) . ٢٥٤٢ ـ تاريخ الطبرى عن أبى جعفر : قال علىّ لربيعة وهمدان : أنتم درعى ورمحى ، فانتدب له نحو من اثنى عشر ألفاً ، وتقدّمهم علىّ علي بغلته ، فحمل وحملوا معه حملة رجل واحد ، فلم يبقَ لأهل الشام صفّ إلاّ انتقض ، وقتلوا كلّ من انتهوا إليه ، حتي بلغوا معاوية ، وعلىّ يقول :
١٥٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / ذكري دعوة الإمام إلي المبارزة
ثمّ نادي معاوية ، فقال علىّ : علامَ يُقتل الناس بيننا ! هلمّ اُحاكمك إلي الله ، فأيّنا قتل صاحبه استقامت له الاُمور . فقال له عمرو : أنصفك الرجل . فقال معاوية : ما أنصف ، وإنّك لتعلم أنّه لم يبارزه رجل قطّ إلاّ قتله . قال له عمرو : وما يجمل بك إلاّ مبارزتَه . فقال معاوية : طمعتَ فيها بعدى(١) . ٩ / ١٧ ٢٥٤٣ ـ الأمالى للصدوق عن عدى بن أرطاة : قال معاوية يوماً لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله ، أيّنا أدهي ؟ قال عمرو أنا للبديهة ، وأنت للرويّة . قال معاوية : قضيت لى علي نفسك ، وأنا أدهي منك فى البديهة . قال عمرو : فأين كان دهاؤك يوم رفعت المصاحف ؟ قال : بها غلبتنى يا أبا عبد الله ، فلا أسألك عن شىء تصدّقنى فيه . قال : والله إنّ الكذب لقبيح ، فسَل عمّا بدا لك أصدقك . فقال : هل غششتَنى منذ نصحتَنى ؟ قال : لا . قال : بلي والله ، لقد غششتنى ، أما إنّى لا أقول فى كلّ المواطن ولكن فى موطن واحد . قال : وأىّ موطن هذا ؟ قال : يوم دعانى علىّ بن أبى طالب للمبارزة ، فاستشرتُك ، فقلتُ : ما تري يا أبا عبد الله ، فقلتَ : كفؤ كريم ، فأشرت علىّ بمبارزته ، وأنتَ تعلم من هو ، فعلمتُ أنّك غششتَنى . (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٩٦ نحوه ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٧٢ . ١٦٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / هجوم الإمام علي المجموعة التى فيها معاوية
قال : يا أمير المؤمنين ، دعاك رجل إلي مبارزته ، عظيم الشرف ، جليل الخطر ، فكنتَ من مبارزته علي إحدي الحسنيين ; إمّا أن تقتَله فتكون قد قتلت قتّال الأقران ، وتزداد به شرفاً إلي شرفك وتخلو بملكك ، وإمّا أن تعجّل إلي مرافقة الشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً . قال معاوية : هذه شرّ من الأول ، والله إنّى لأعلم أنّى لو قتلته دخلت النار ، ولو قتلنى دخلت النار . قال عمرو : فما حملك علي قتاله ؟ قال : الملك عقيم ، ولن يسمعها منّى أحد بعدك(١) . ٩ / ١٨ هجوم الإمام علي المجموعة التى فيها معاوية ٢٥٤٤ ـ الأخبار الطوال : حمل علىّ ¢ علي الجمع الذى كان فيه معاوية فى أهل الحجاز من قريش والأنصار وغيرهم ، وكانوا زهاء اثنى عشر ألف فارس ، وعلىّ أمامهم ، وكبّروا وكبّر الناس تكبيرة ارتجّت لها الأرض ، فانتقضت صفوف أهل الشام ، واختلفت راياتهم ، وانتهوا إلي معاوية وهو جالس علي منبره معه عمرو ابن العاص ينظران إلي الناس ، فدعا بفرس ليركبه . ثمّ إنّ أهل الشام تداعوا بعد جولتهم ، وثابوا(٢) ، ورجعوا علي أهل العراق ، وصبر القوم بعضهم لبعض إلي أن حجز بينهم الليل(٣) . (١) الأمالى للصدوق : ١٣٢ / ١٢٥ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٤٩ / ٣٩٣ . ١٦١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / هجوم الإمام علي المجموعة التى فيها معاوية
٢٥٤٥ ـ وقعة صفّين : ركب علىّ ¼ فرسه الذى كان لرسول الله ، وكان يقال له : المرتجز ، فركبه ثمّ تقدّم أمام الصفوف ، ثمّ قال : بل البغلة ، بل البغلة . فقُدّمت له بغلة رسول الله ½ الشهباء ، فركبها ، ثمّ تعصّب بعمامة رسول الله السوداء ، ثمّ نادي : أيّها الناس ! من يشرِ نفسه للهِ يربح ; هذا يوم له ما بعده ، إنّ عدوّكم قد مسّه القرح كما مسّكم . فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلي اثنى عشر ألفاً قد وضعوا سيوفهم علي عواتقهم ، وتقدّمهم علىّ منقطعاً علي بغلة رسول الله ½ . . . وتبعه ابن عدىّ بن حاتم بلوائه . . . وتقدّم الأشتر . . . وحمل الناس حملة واحدة ، فلم يبقَ لأهل الشام صفّ إلاّ انتقض ، وأهمدوا ما أتوا عليه ، حتي أفضي الأمر إلي مضرب معاوية ، وعلىّ يضربهم بسيفه ويقول :
هَوَت بهِ فى النارِ اُمٌّ هاوِيَه فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه ، فلمّا وضع رجله فى الركاب تمثّل بأبيات عمرو بن الإطنابة :
وقال : يابن العاص ، اليومَ صبرٌ ، وغداً فخر ، صدقتَ ، إنّا وما نحن فيه كما قال ١٦٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / كتاب معاوية إلي الإمام فى أثناء الحرب
ابن أبى الأقلح :
فثني معاوية رجله من الركاب ونزل ، واستصرخ بعَكٍّ والأشعريّين ، فوقفوا دونه ، وجالدوا عنه ، حتي كره كلّ من الفريقين صاحبه ، وتحاجز الناس(١) . ٢٥٤٦ ـ الأخبار الطوال : إنّ عليّاً ¢ لينغمس فى القوم فيضرب بسيفه حتي ينثنى ، ثمّ يخرج متخضّباً بالدم حتي يسوّي له سيفه ، ثمّ يرجع ، فينغمس فيهم ، وربيعة لا تترك جهداً فى القتال معه والصبر ، وغابت الشمس ، وقربوا من معاوية ، فقال لعمرو : ما تري ؟ قال : أن تُخلى سرادقك . فنزل معاوية عن المنبر الذى كان يكون عليه ، وأخلي السرادق ، وأقبلت ربيعة ، وأمامها علىّ ¢ حتي غشوا السرادق ، فقطعوه ، ثمّ انصرفوا . وبات علىّ تلك الليلة فى ربيعة(٢) . ٩ / ١٩ كتاب معاوية إلي الإمام فى أثناء الحرب ٢٥٤٧ ـ شرح نهج البلاغة : كتب معاوية إليه [الإمام علىّ ¼ ]فى أثناء حرب (١) وقعة صفّين : ٤٠٣ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٥١٠ / ٤٣٦ ; شرح نهج البلاغة : ٨ / ٥٨ وراجع مروج الذهب : ٢ / ٣٩٦ والأخبار الطوال : ١٨٦ والإمامة والسياسة ١ / ١٤٧ والفتوح : ٣ / ١٧٥ و١٧٦ والمناقب للخوارزمى : ٢٤٣ و٢٤٤ / ٢٤٠ . ١٦٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / كتاب معاوية إلي الإمام فى أثناء الحرب
صفّين ، بل فى أواخرها : من عبد الله معاوية بن أبى سفيان إلي علىّ بن أبى طالب : أمّا بعدُ ; فإنّ الله تعالي يقول فى محكم كتابه : ³ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَـئـِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ² (١) وإنّى اُحذّرك الله أن تُحبِط عملك وسابقتك بشقّ عصا هذه الاُمّة ، وتفريق جماعتها ، فاتّقِ الله ، واذكر موقف القيامة ، واقلع عمّا أسرفت فيه من الخوض فى دماء المسلمين ، وإنّى سمعت رسول الله ½ يقول : "لو تمالأ أهل صنعاء وعدن علي قتل رجل واحد من المسلمين لأكبّهم الله علي مناخرهم فى النار" فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين وسادات المهاجرين ، بَلْهَ(٢) ما طحنت رحا حربه من أهل القرآن وذى العبادة والإيمان ; من شيخ كبير ، وشابّ غرير(٣) ، كلّهم بالله تعالي مؤمن ، وله مخلص ، وبرسوله مقرّ عارف ، فإن كنتَ أبا حسن إنّما تحارب علي الإمرة والخلافة ، فلعمرى لو صحّت خلافتك لكنت قريباً من أن تُعذر فى حرب المسلمين ، ولكنّها ما صحّت لك ، أنّى بصحّتها وأهل الشام لم يدخلوا فيها ، ولم يرتضوا بها ؟ وخَفِ الله وسطواته ، واتّقِ بأسه ونكاله ، واغمد سيفك عن الناس ، فقد والله أكلتهم الحرب ، فلم يبق منهم إلاّ كالثَّمَد(٤) فى قرارة الغدير ، والله المستعان(٥) . (١) الزمر : ٦٥ . ١٦٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / جواب الإمام علي كتابه
٩ / ٢٠ ٢٥٤٨ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر كتاب الإمام ¼ إلي معاوية ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي معاوية بن أبى سفيان : أمّا بعدُ ; فقد أتتنى منك موعظة موصلة ورسالة محبّرة ، نمّقتها بضلالك ، وأمضيتها بسوء رأيك ، وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ، ولا قائد يرشده ، دعاه الهوي فأجابه ، وقاده الضلال فاتّبعه ; فهجر لاغطاً ، وضلّ خابطاً ، فأمّا أمرك لى بالتقوي فأرجو أن أكون من أهلها ، وأستعيذ بالله من أن أكون من الذين إذا اُمروا بها أخذتهم العزّة بالإثم ، وأمّا تحذيرك إيّاى أن يُحبط عملى وسابقتى فى الإسلام ، فلعمرى لو كنت الباغى عليك لكان لك أن تحذّرنى ذلك ، ولكنّى وجدت الله تعالي يقول : ³ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِىءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ² (١) فنظرنا إلي الفئتين ; أمّا الفئة الباغية فوجدناها الفئة التى أنت فيها ; لأنّ بيعتى بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر علي الشام ، وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر وهو أمير لأبى بكر علي الشام . وأمّا شقّ عصا هذه الاُمّة فأنا أحقّ أن أنهاك عنه ، فأمّا تخويفك لى من قتل أهل البغى فإنّ رسول الله ½ أمرنى بقتالهم وقتلهم ، وقال لأصحابه : "إنّ فيكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله" وأشار إلىّ ، وأنا أولي من اتُّبِع أمرُه . وأمّا قولك : إنّ بيعتى لم تصحّ لأنّ أهل الشام لم يدخلوا فيها ، كيف وإنّما هى بيعة واحدة تلزم الحاضر والغائب ، لا يُثنّي فيها (١) الحجرات : ٩ . ١٦٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / حيلة معاوية للنجاة من الحرب
النظر ، ولا يُستأنف فيها الخيار ، الخارج منها طاعن ، والمُرَوِّى فيها مُداهِن(١) ، فاربَعْ علي ظَلْعك ، وانزع سِربال(٢) غيّك ، واترك ما لا جدوي له عليك ، فليس لك عندى إلاّ السيف ، حتي تفىء إلي أمر الله صاغراً ، وتدخل فى البيعة راغماً . والسلام(٣) . ٩ / ٢١ ٢٥٤٩ ـ وقعة صفّين ـ فى بيان ما قاله معاوية لعمرو بن العاص حين بلغه شعر الأشتر ـ : قد رأيت أن أكتب إلي علىّ كتاباً أسأله الشام ـ وهو الشىء الأوّل الذى ردّنى عنه ـ واُلقى فى نفسه الشكّ والريبة . فضحك عمرو بن العاص ، ثمّ قال : أين أنت يا معاوية من خدعة علىّ ؟ ! فقال : أ لسنا بنى عبد مناف ؟ قال : بلي ، ولكن لهم النبوّة دونك ، وإن شئت أن تكتب فاكتب . فكتب معاوية إلي علىّ مع رجل من السكاسك ، يقال له عبد الله بن عقبة ، وكان من ناقلة(٤) أهل العراق ، فكتب : أمّا بعدُ ، فإنّى أظنُّك أن لو علمتَ أنّ الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت وعلمنا ، لم يجِنها بعضنا علي بعض ، وإنّا وإن كنّا قد غُلِبنا علي عقولنا فقد بقى لنا منها ما نندم به علي ما مضي ، ونُصلح به ما بقى . وقد كنت سألتك الشام علي ألاّ يلزمنى لك (١) المُرَوِّى : الذى يرتئى ويُبطئ عن الطاعة ويُفكّر ، وأصله من الرويّة . والمداهن : المنافق (شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٤٤) . ١٦٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / جواب الإمام
طاعة ولا بيعة ، فأبيتَ ذلك علىّ ، فأعطانى الله ما منعت ، وأنا أدعوك اليوم إلي ما دعوتك إليه أمس ، فإنّى لا أرجو من البقاء إلاّ ما ترجو ، ولا أخاف من الموت إلاّ ما تخاف . وقد والله رقّت الأجناد ، وذهبت الرجال ، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا علي بعض فضل إلاّ فضل لا يستذلّ به عزيز ، ولا يسترقّ حرٌّ به . والسلام(١) . ٩ / ٢٢ ٢٥٥٠ ـ وقعة صفّين : فلمّا انتهي كتاب معاوية إلي علىّ قرأه ، ثمّ قال : العجب لمعاوية وكتابه ! ثمّ دعا علىٌّ عبيدَ الله بن أبى رافع كاتبه ، فقال : اكتب إلي معاوية : أمّا بعد ; فقد جاءنى كتابك ، تذكر أنّك لو علمتَ وعلمنا أنّ الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنِها بعضنا علي بعض ، فإنّا وإيّاك منها فى غاية لم تبلغها ، وإنّى لو قُتلت فى ذات الله وحَييت ، ثمّ قُتلت ثمّ حَييت سبعين مرّة ، لم أرجع عن الشدّة فى ذات الله ، والجهاد لأعداء الله . وأمّا قولك : إنّه قد بقى من عقولنا ما نندم به علي ما مضي ، فإنّى ما نقصت عقلى ، ولا ندمت علي فعلى . فأمّا طلبك الشام ، فإنّى لم أكن لاُعطيَك اليوم ما منعتك منها أمسِ . وأمّا استواؤنا فى الخوف والرجاء ; فإنّك لست أمضي علي الشكّ منّى علي اليقين ، وليس أهل الشام بأحرص علي الدنيا من أهل العراق علي الآخرة . وأمّا قولك : إنّا بنو عبد مناف ١٦٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / جواب الإمام
ليس لبعضنا علي بعض فضل ; فلعمرى إنّا بنو أب واحد ، ولكن ليس اُميّة كهاشم ، ولا حرب كعبد المطّلب ، ولا أبو سفيان كأبى طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا المحقّ كالمبطل . وفى أيدينا بعدُ فضل النبوّة التى أذللنا بها العزيز ، وأعززنا بها الذليل . والسلام(١) . ٢٥٥١ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية جواباً علي كتاب منه إليه ـ : أمّا طلبك إلىّ الشام ; فإنّى لم أكُن لاُعطيَك اليوم ما منعتك أمس . وأمّا قولك : إنّ الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت ; ألا ومَن أكَلَه الحقّ فإلي الجنّة ، ومَن أكَلَه الباطل فإلي النار . وأمّا استواؤنا فى الحرب والرجال ; فلستَ بأمضي علي الشكّ منّى علي اليقين ، وليس أهل الشام بأحرص علي الدنيا من أهل العراق علي الآخرة . وأمّا قولك : إنّا بنو عبد مناف ; فكذلك نحن . ولكن ليس اُمّية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطّلب . ولا أبو سفيان كأبى طالب . ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق . ولا المحقّ كالمُبطل ، ولا المؤمن كالمُدغِل(٢) . ولبئس الخلف خلف يتبع سلفاً هوي فى نار جهنّم . وفى أيدينا بعدُ فضل النبوّة التى أذللنا بها العزيز ونعشنا بها الذليل . ولمّا أدخل الله العرب فى دينه أفواجاً ، وأسلمت له هذه الاُمّة طوعاً وكرهاً ، كنتم ممّن دخل فى الدين إمّا رغبة وإمّا رهبة ، علي حين فاز أهل السبق بسبقهم ، وذهب (١) وقعة صفّين : ٤٧١ ، كنز الفوائد : ٢ / ٤٥ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ١٣٠ / ٤١٦ ; مروج الذهب : ٣ / ٢٢ ، الأخبار الطوال : ١٨٧ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٣٨ ، المناقب للخوارزمى : ٢٥٦ / ٢٤٠ كلّها نحوه . ١٦٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / معاوية يتوسّل بابن عبّاس !
المهاجرون الأوّلون بفضلهم ; فلا تجعلنّ للشيطان فيك نصيباً ، ولا علي نفسك سبيلاً(١) . ٩ / ٢٣ ٢٥٥٢ ـ أنساب الأشراف عن عيسي بن يزيد : لمّا قامت الحرب بين علىّ ومعاوية بصفّين ، فتحاربوا أيّاماً قال معاوية لعمرو بن العاص فى بعض أيّامهم : إنّ رأس الناس مع علىٍّ عبدُ الله بن عبّاس ، فلو ألقيتَ إليه كتاباً تعطفه به ; فإنّه إن قال قولاً لم يخرج منه علىٌّ ، وقد أكلتنا هذه الحرب . فقال عمرو : إنّ ابن عبّاس أرِيبٌ(٢) يُخدَع ولو طمعت فيه لطمعت فى علىّ . قال : صدقت إنّه لأريب ، ولكن اكتب إليه علي ذلك ، فكتب إليه : من عمرو بن العاص إلي عبد الله بن العبّاس . أمّا بعد ; فإنّ الذى نحن وأنتم فيه ، ليس بأوّل أمر قاده البلاء ، وساقه سفه العاقبة ، وأنت رأس هذا الأمر بعد علىّ ، فانظر فيما بقى بغير ما مضي ، فو الله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حيلة ، واعلم أنّ الشام لا يُملك إلاّ بهلاك العراق ، وأنّ العراق لا يُملك إلاّ بهلاك الشام ، فما خيرنا بعد إسراعنا فيكم ، وما خيركم بعد إسراعكم فينا ، ولست أقول : ليت الحرب عادت ، ولكن أقول : ليتها لم تكن ، وإنّ فينا من يكره اللقاء كما أنّ فيكم من يكرهه ، وإنّما هو أمير مطاع ، أو مأمور (١) نهج البلاغة : الكتاب ١٧ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ١٠٤ / ٤٠٧ وراجع جواهر المطالب : ١ / ٣٦٢ . ١٦٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / جواب ابن عبّاس عنه
مطيع ، أو مشاور مأمون وهو أنت ، فأمّا السفيه فليس بأهل أن يعدّ من ثقات أهل الشوري ولا خواصّ أهل النجوي . وكتب فى آخر كتابه :
٩ / ٢٤ ٢٥٥٣ ـ أنساب الأشراف عن عيسي بن يزيد : فلمّا قرأ ابن عبّاس الكتاب والشعر أقرأهما عليّاً ، فقال علىّ : قاتل الله ابن العاص ! ما أغرّه بك ؟ يابن عبّاس أجِبه ، وليردّ عليه شعره فضل بن عبّاس بن أبى لهب . فكتب إليه عبد الله بن عبّاس : أمّا بعد : فإنّى لا أعلم رجلاً من العرب أقلّ حياء منك ! إنّه مالَ بك إلي معاوية الهوي ، وبعته دينك بالثمن اليسير ، ثمّ خبطت للناس فى عشواء طخياء طمعاً فى هذا الملك ، فلمّا لم ترَ شيئاً أعظمت الدماء إعظامَ أهل الدين ، وأظهرت فيها (١) أخياس : جمع خِيْسة ; وهى الشجر الكثير الملتفّ (لسان العرب : ٦ / ٧٥) . ١٧٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / كتاب معاوية إلي ابن عبّاس
زهادة أهل الورع ، ولا تريد بذلك إلاّ تهييب الحرب وكسر أهل العراق ; فإن كنت أردت الله بذلك ، فدع مصر وارجع إلي بيتك ; فإنّ هذه حرب ليس معاوية فيها كعلىّ ; بدأها علىّ بالحقّ وانتهي فيها إلي العذر ، وابتدأها معاوية بالبغى فانتهي منها إلي السرف ، وليس أهل الشام فيها كأهل العراق ; بايع عليّاً أهل العراق وهو خير منهم ، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه ، ولستَ وأنا فيها سواء . أردتُ الله ، وأردتَ مصر ، فإن تُرِد شرّاً لا يَفُتْنا ، وإن تُرِد خيراً لا تسبقنا . ثمّ دعا الفضل بن العبّاس بن عتبة فقال : يابن عمّ أجب عمرو بن العاص ، قال :
٩ / ٢٥ ٢٥٥٤ ـ وقعة صفّين : كتب معاوية إلي ابن عبّاس : أمّا بعدُ ; فإنّكم يا معشر بنى هاشم لستم إلي أحد أسرع بالمساءة منكم إلي (١) فى المصدر : "يطعن" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى شرح نهج البلاغة . ١٧١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / جواب ابن عبّاس عنه
أنصار عثمان بن عفّان ، حتي إنّكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما دمه ، واستعظامهما ما نيل منه ، فإن يكن ذلك لسلطان بنى اُميّة فقد وليها عدىّ وتَيْم ، فلم تنافسوهم ، وأظهرتم لهم الطاعة . وقد وقع من الأمر ما قد تري ، وأكلت هذه الحروب بعضها من بعض حتي استوينا فيها ، فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم ، وما آيسكم منّا آيسنا منكم . وقد رجونا غير الذى كان ، وخشينا دون ما وقع ، ولستم بملاقينا اليوم بأحدَّ من حدِّ أمسِ ، ولا غداً بأحدَّ من حدِّ اليوم ، وقد قنعنا بما كان فى أيدينا من ملك الشام فاقنعوا بما فى أيديكم من ملك العراق ، وأبقوا علي قريش ; فإنّما بقى من رجالها ستّة ; رجلان بالشام ، ورجلان بالعراق ، ورجلان بالحجاز ; فأمّا اللذان بالشام فأنا وعمرو ، وأمّا اللذان بالعراق فأنت وعلىّ ، وأمّا اللذان بالحجاز فسعد وابن عمر ، واثنان من الستّة ناصبان لك ، واثنان واقفان فيك ، وأنت رأس هذا الجمع اليوم . ولو بايع لك الناس بعد عثمان كنّا إليك أسرع منّا إلي علىّ(١) . ٩ / ٢٦ ٢٥٥٥ ـ وقعة صفّين : لمّا انتهي الكتاب إلي ابن عبّاس أسخطه ثمّ قال : حتي متي يخطب ابن هند إلىّ عقلى ، وحتي متي اُجمجَم علي ما فى نفسى ؟ ! فكتب إليه : أمّا بعد ; فقد أتانى كتابك وقرأته ، فأمّا ما ذكرت من سرعتنا إليك بالمساءة فى أنصار ابن عفّان ، وكراهيتنا لسلطان بنى اُميّة ، فلعمرى لقد أدركت فى عثمان ١٧٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / جواب ابن عبّاس عنه
حاجتك حين استنصرك فلم تنصره ، حتي صرت إلي ما صرت إليه ، وبينى وبينك فى ذلك ابن عمّك وأخو عثمان الوليدُ بن عقبة . وأمّا طلحة والزبير ; فإنّهما أجلبا عليه ، وضيّقا خناقه ، ثمّ خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك ، فقاتلناهما علي النكث ، وقاتلناك علي البغى . وأمّا قولك : إنّه لم يبقَ من قريش غير ستّة ; فما أكثر رجالها وأحسن بقيّتها ، وقد قاتلك من خيارها من قاتلك ، لم يخذلنا إلاّ من خذلك . وأمّا إغراؤك إيّانا بعدىّ وتَيم ; فأبو بكر وعمر خير من عثمان ، كما أنّ عثمان خير منك ، وقد بقى لك منّا يومٌ يُنسيك ما قبله ، ويُخاف ما بعده . وأمّا قولك : إنّه لو بايع الناس لى لاستقامت لى ، فقد بايع الناس عليّاً وهو خير منّى فلم يستقيموا له ، وإنّما الخلافة لمن كانت له فى المشورة . وما أنت يا معاوية والخلافة ، وأنت طليق ؟ ! وابن طليق ، والخلافة للمهاجرين الأوّلين ، وليس الطلقاء منها فى شىء . والسلام(١) . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||