١٧٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام
١٠ / ١ كان يوم الخميس أشدّ أيّام الحرب فى صفّين وأكثرها فزعاً ; فقد كان الإمام ¼ يقاتل قتالاً شديداً فى خضمّ تلك المعركة مضافاً إلي قيادته للجيش . وكان يُهيج الجيش للقتال بما صنعه من ملاحم عظيمة ومثيرة تشجّع علي خوض الحرب . ولم يهدأ القتال يومئذ لحظةً واحدةً ، حتي صلّي الجند وهم يقاتلون . وكثر القتلي حتي صاروا كالتلّ ، وجُرح ما لا يُحصي من الجيش ، وقتل الإمام ¼ آنذاك فى يوم واحد (٥٢٣) من مُنازِلى الأقران ، ومن شجعان العرب . وكان كلّما قتل يكبّر ، ومن تكبيرات الإمام ¼ كانوا يعرفون عدد من يُصرع من العدوّ . ١٧٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام / وقعة الخميس
وقد سُمّى ذلك اليوم "وقعة الخميس" أو "يوم الهَرِيْر(١)" . ٢٥٥٦ ـ تاريخ الطبرى عن زيد بن وهب : ازدلف الناس يوم الأربعاء ، فاقتتلوا كأشدّ القتال يومهم حتي الليل ، لا ينصرف بعضهم عن بعض إلاّ للصلاة . وكثرت القتلي بينهم ، وتحاجزوا عند الليل ، وكلٌّ غير غالب ، فأصبحوا من الغد ، فصلّي بهم علىّ غداة الخميس ، فغلّس(٢) بالصلاة أشدّ التغليس(٣) . ٢٥٥٧ ـ وقعة صفّين عن جندب الأزدى : لمّا كان غداة الخميس لسبع خلونَ من صفر من سنة سبع وثلاثين ، صلّي علىٌّ ، فغلّس بالغداة ، ما رأيت عليّاً غلّس بالغداة أشدّ من تغليسه يومئذ . ثمّ خرج بالناس إلي أهل الشام فزحف إليهم ، وكان هو يبدؤهم فيسير إليهم ، فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم(٤) . ٢٥٥٨ ـ الفتوح ـ فى ذكر وقعة الخميس ـ : دعا علىّ ¢ بدرع رسول الله ½ فلبسه ، وبسيف رسول الله ½ فتقلّده ، وبعمامة رسول الله ½ فاعتجر بها ، ثمّ دعا بفرس رسول الله ½ فاستوي عليه وجعل يقول : (١) قال المجلسى ـ فى بيان وجه تسمية ليلة الهرير ـ : إنّما سمّيت الليلة بليلة الهرير لكثرة أصوات الناس فيها للقتال ، وقيل : لاضطرار معاوية وفزعه عند شدّة الحرب واستيلاء أهل العراق كالكلب ; فإنّ الهرير أنين الكلب عند شدّة البرد (مرآة العقول : ١٥ / ٤٢٧) . ١٧٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام / وقعة الخميس
أيّها الناس ! من يبِع نفسه يربح هذا اليوم ; فإنّه يوم له ما بعده من الأيّام ، أما والله ! أن لولا أن تعطّل الحدود ، وتبطل الحقوق ، ويظهر الظالمون ، وتفوز كلمة الشيطان ، ما اخترنا ورود المنايا علي خفض العيش وطيبه . ألا إنّ خضاب النساء الحنّاء ، وخضاب الرجال الدماء ، والصبر خير عواقب الاُمور . ألا إنّها إحَن بدريّة ، وضغائن اُحديّة ، وأحقاد جاهليّة ، وثبَ بها معاوية حين الغفلة ليذكر بها ثارات بنى عبد شمس : ³ فَقَاتِلُوا أَئـِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ² (١) (٢) . ٢٥٥٩ ـ وقعة صفّين عن القعقاع بن الأبرد الطهوى : والله ، إنّى لواقف قريباً من علىّ بصفّين يوم وقعة الخميس ، وقد التقت مذحج ـ وكانوا فى ميمنة علىّ ـ وعكّ وجذام ولخم والأشعريّون ، وكانوا مستبصرين فى قتال علىّ . ولقد ـ والله ـ رأيت ذلك اليوم من قتالهم ، وسمعت من وقع السيوف علي الرؤوس ، وخبط الخيول بحوافرها فى الأرض وفى القتلي ـ ما الجبالُ تَهِدّ ، ولا الصواعقُ تَصْعَق بأعظم هولاً فى الصدور من ذلك الصوت . نظرت إلي علىّ وهو قائم فدنوت منه ، فسمعته يقول : "لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، والمستعان الله" . ثمّ نهض حين قام قائم الظهيرة ، وهو يقول : ³ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ² (٣) . (١) التوبة : ١٢ . ١٧٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام / ليلة الهرير
وحمل علي الناس بنفسه ، وسيفه مجرّد بيده ، فلا والله ما حجز بيننا إلاّ الله ربّ العالمين ، فى قريب من ثلث الليل ، وقُتلتْ يومئذ أعلام العرب ، وكان فى رأس علىّ ثلاث ضربات ، وفى وجهه ضربتان . نصر : وقد قيل : إنّ عليّاً لم يجرح قطّ . وقُتل فى هذا اليوم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وقُتل من أهل الشام عبد الله بن ذى الكلاع الحميرى(١) . ٢٥٦٠ ـ الأخبار الطوال : حمل علىٌّ بنفسه علي أهل الشام حتي غاب فيهم ، فانصرف مخضّباً بالدماء ، فلم يزالوا كذلك يومهم كلّه والليل حتي مضي ثلثه ، وجرح علىّ خمس جراحات ، ثلاث فى رأسه ، واثنتان فى وجهه(٢) . ١٠ / ٢ ٢٥٦١ ـ مروج الذهب : كانت ليلة الجمعة ـ وهى ليلة الهرير ـ فكان جملة من قتل علىٌّ بكفّه فى يومه وليلته خمسمائة وثلاثة وعشرين رجلاً أكثرهم فى اليوم ، وذلك أنّه كان إذا قتل رجلاً كبّر إذا ضرب ، ولم يكن يضرب إلاّ قَتل . ذكر ذلك عنه من كان يليه فى حربه ولا يفارقه من ولده وغيرهم(٣) . ٢٥٦٢ ـ الفتوح : قامت الفرسان فى الركب ، فاصطفقوا بالسيوف ، وارتفع الرَّهْج (١) وقعة صفّين : ٣٦٣ ; شرح نهج البلاغة : ٨ / ٤١ وراجع الأخبار الطوال : ١٨٤ . ١٧٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام / ليلة الهرير
وثار القَتام(١) ، وتضعضعت الرايات ، وحُطّت الألوية ، وغابت الشمس ، وذهبت مواقيت الصلاة ، حتي ما كان فى الفريقين أحد يُصلّى ذلك اليوم ولا سجد لله سجدة ، ولا كانت الصلاة إلاّ بالتكبير والإيماء نحو القبلة . قال : وهجم عليهم الليل ، واشتدّت الحرب ، وهذه ليلة الهرير ، فجعل بعضهم يهرّ علي بعض ، ويعتنق بعضهم بعضاً ، ويكرم بعضهم بعضاً(٢) . قال : وجعل علىّ ¢ يقف ساعة بعد ساعة ، ويرفع رأسه إلي السماء وهو يقول : "اللهمّ إليك نُقِلت الأقدام ، وإليك أفضت القلوب ، ورُفعت الأيدى ، ومُدّت الأعناق ، وطُلبت الحوائج ، وشخصت الأبصار . اللهمّ ³ افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ² ثمّ إنّه حمل فى سواد الليل ، وحملت الناس معه ، فكلّما قتل بيده رجلاً من أهل الشام كبّر تكبيرة حتي اُحصى له كذا كذا تكبيرة . قال أبو محمّد (ابن أعثم) : اُحصى له خمسمائة تكبيرة وثلاث وعشرون تكبيرة ، فى كلّ تكبيرة له قتيل . قال : وكان إذا علا قَدَّ ، وإذا وسط قَطّ(٣) (٤) . ٢٥٦٣ ـ تاريخ الطبرى عن أبى مخنف : فاقتتل الناس تلك الليلة كلّها حتي الصباح ; وهى ليلة الهرير ، حتي تقصّفت الرماح ، ونفد النبل ، وصار الناس إلي السيوف . (١) الرَّهْج والقَتام : الغُبار (لسان العرب : ٢ / ٢٨٤ وج ١٣ / ٤٦١) . ١٧٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام / ليلة الهرير
وأخذ علىّ يسير فيما بين الميمنة والميسرة ، ويأمر كلّ كتيبة من القرّاء أن تقدم علي التى تليها ، فلم يزل يفعل ذلك بالناس ، ويقوم بهم حتي أصبح والمعركة كلّها خلف ظهره ، والأشتر فى ميمنة الناس ، وابن عبّاس فى الميسرة ، وعلىّ فى القلب ، والناس يقتتلون من كلّ جانب ، وذلك يوم الجمعة ، وأخذ الأشتر يزحف بالميمنة ويقاتل فيها ، وكان قد تولاّها عشيّة الخميس وليلة الجمعة إلي ارتفاع الضحي ، وأخذ يقول لأصحابه : ازحفوا قِيْدَ(١) هذا الرمح ، وهو يزحف بهم نحو أهل الشام ، فإذا فعلوا قال : ازحفوا قادَ هذا القوس ، فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك ، حتي ملّ أكثر الناس الإقدام . فلمّا رأي ذلك الأشتر قال : اُعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم ، ثمّ دعا بفرسه ، وترك رايته مع حيّان بن هوذة النخعى ، وخرج يسير فى الكتائب ويقول : من يشترى نفسه من الله عزّ وجلّ ويقاتل مع الأشتر حتي يظهر أو يلحق بالله ! فلا يزال رجل من الناس قد خرج إليه ، وحيّان بن هوذة(٢) . ٢٥٦٤ ـ وقعة صفّين عن زياد بن النضر الحارثى : شهدت مع علىّ بصفّين ، فاقتتلنا ثلاثة أيّام وثلاث ليال ، حتي تكسّرت الرماح ، ونفدت السهام ، ثمّ صرنا إلي المسايفة ; فاجتلدنا بها إلي نصف الليل ، حتي صرنا نحن وأهل الشام فى اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضاً . وقد قاتلتُ لَيْلَتَئِذ بجميع السلاح ; فلم يبقَ شىء من السلاح إلاّ قاتلت به ، حتي تحاثينا بالتراب ، وتكادمنا بالأفواه ، حتي صرنا قياماً ينظر بعضنا إلي (١) قِيْدَ وقادَ : أى قَدْرَ ، يقال بينى وبينهُ قِيْدُ رُمح ، وقادُ رمح : أى قَدْر رمح (النهاية : ٤ / ١٣١) . ١٧٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام / دعاءُ الإمام ليلة الهرير ويومه
بعض ، ما يستطيع واحد من الفريقين ينهض إلي صاحبه ولا يقاتل . فلمّا كان نصف الليل من الليلة الثالثة انحاز معاوية وخيله من الصفّ ، وغلب علىّ ¼ علي القتلي فى تلك الليلة ، وأقبل علي أصحاب محمّد ½ وأصحابه فدفنهم ، وقد قُتل كثير منهم ، وقُتل من أصحاب معاوية أكثر(١) . ٢٥٦٥ ـ الصراط المستقيم عن عمرو بن العاص ـ يوم الهرير ـ : لله دَرّ ابن أبى طالب ! ما كان أكثره عند الحروب ! ما آنستُ أن أسمع صوته فى أوّل الناس إلاّ وسمعته فى آخرهم ، ولا فى الميمنة إلاّ وسمعته فى الميسرة(٢) . ١٠ / ٣ دعاءُ الإمام ليلة الهرير ويومه ٢٥٦٦ ـ مهج الدعوات عن ابن عبّاس : قلت لأمير المؤمنين ¼ ليلة صفّين : أ ما تري الأعداء قد أحدقوا بنا ؟ فقال : وقد راعك هذا ؟ قلت : نعم . فقال : اللهمّ إنّى أعوذ بك أن اُضام فى سلطانك ، اللهمّ إنّى أعوذ بك أن أفتقر فى غناك ، اللهمّ إنى أعوذ بك أن أضيع فى سلامتك ، اللهمّ إنّى أعوذ بك أن اُغلب والأمر إليك(٣) . ٢٥٦٧ ـ وقعة صفّين عن جابر بن عمير الأنصارى : والله لكأنّى أسمع عليّاً يوم الهرير حين سار أهل الشام وذلك بعدما طحنت رحي مذحج فيما بينهما وبين عكّ ولخم وجذام والأشعريّين بأمر عظيم تشيب منه النواصى من حين استقلّت الشمس حتي قام قائم الظهيرة ، ثمّ إنّ عليّاً قال : حتي متي نخلّى بين هذين (١) وقعة صفّين : ٣٦٩ ; شرح نهج البلاغة : ٨ / ٤٥ . ١٨٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام / دعاءُ الإمام ليلة الهرير ويومه
الحيَّين وقد فنيا وأنتم وقوف تنظرون إليهم ؟ أ ما تخافون مقتَ الله ؟ ثمّ انفتل إلي القبلة ورفع يديه إلي الله ، ثمّ نادي : يا الله يا رحمن يا رحيم يا واحد يا أحد يا صمد ، يا الله يا إله محمّد ، اللهمّ إليك نُقلت الأقدام ، وأفضت القلوب ، ورُفعت الأيدى ، وامتدّت الأعناق ، وشخصت الأبصار ، وطُلبت الحوائج ، اللهمّ إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا ½ ، وكثرة عدوّنا ، وتشتّت أهوائنا ، ³ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ² (١) سيروا علي بركة الله ، ثمّ نادي : لا إله إلاّ الله والله أكبر كلمة التقوي(٢) . ٢٥٦٨ ـ الإمام الصادق ¼ : دعا أمير المؤمنين ¼ يوم الهرير حين اشتدّ علي أوليائه الأمر دعاء الكرب ; من دعا به وهو فى أمر قد كربه وغمّه نجّاه الله منه وهو : "اللهمّ لا تُحبّب إلىّ ما أبغضتَ ، ولا تُبغّض إلىّ ما أحببتَ ، اللهمّ إنّى أعوذ بك أن أرضي سَخَطك ، أو أسخط رضاك ، أو أردّ قضاءك ، أو أعدو قولك ، أو اُناصح أعداءك ، أو أعدو أمرك فيهم . اللهمّ ما كان من عمل أو قول يقرّبنى من رضوانك ، ويباعدنى من سَخَطك ، فصبّرنى له ، واحملنى عليه يا أرحم الراحمين . اللهمّ إنّى أسألك لساناً ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، ويقيناً صادقاً ، وإيماناً خالصاً وجسداً متواضعاً ، وارزقنى منك حبّاً ، وادخِل قلبى منك رعباً ، اللهمّ فإن ترحمنى فقد حسن ظنّى بك ، وإن تعذّبنى فبظلمى وجورى وجرمى وإسرافى علي نفسى ; فلا عذر لى إن اعتذرت ، ولا مكافاة أحتسب بها . (١) الأعراف : ٨٩ . ١٨١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام / دعاءُ الإمام ليلة الهرير ويومه
اللهمّ إذا حضرت الآجال ، ونفدت الأيّام ; وكان لابدّ من لقائك ; فأوجِبْ لى من الجنّة منزلا يغبطنى به الأوّلون والآخرون ، لا حسرة بعدها ، ولا رفيق بعد رفيقها ، فى أكرمها منزلا . اللهمّ ألبِسْنى خشوع الإيمان بالعزّ ، قبل خشوع الذلّ فى النار ، اُثنى عليك ربّ أحسن الثناء ; لأنّ بلاءك عندى أحسن البلاء . اللهمّ فأذقنى من عونك وتأييدك وتوفيقك ورِفدك ، وارزقنى شوقاً إلي لقائك ، ونصراً فى نصرك حتي أجد حلاوة ذلك فى قلبى ، وأعزِم لى علي أرشد اُمورى ; فقد تري موقفى وموقف أصحابى ، ولا يخفي عليك شىء من أمرى . اللهمّ إنّى أسألك النصر الذى نصرت به رسولك ، وفرّقت به بين الحقّ والباطل ، حتي أقمت به دينك ، وأفلجت به حجّتك ، يا من هو لى فى كلّ مقام(١) . ١٨٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل العاشر : أشدّ الأيّام / دعاءُ الإمام ليلة الهرير ويومه
١٨٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب
١١ / ١ ٢٥٦٩ ـ وقعة صفّين عن عمّار بن ربيعة : إنّ عليّاً قام خطيباً ، فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ! قد بلغ بكم الأمر وبعدوّكم ما قد رأيتم ، ولم يبقَ منهم إلاّ آخر نفَس ، وإنّ الاُمور إذا أقبلت اعتُبر آخرها بأوّلها ، وقد صبر لكم القوم علي غير دين حتي بلغنا منهم ما بلغنا ، وأنا غاد عليهم بالغداة اُحاكمهم إلي الله عزّ وجلّ . فبلغ ذلك معاوية ، فدعا عمرو بن العاص ، فقال : يا عمرو ! إنّما هى الليلة حتي يغدو علىّ علينا بالفيصل ، فما تري ؟ قال : إنّ رجالك لا يقومون لرجاله ، ولستَ مثله ، هو يقاتلك علي أمر ، وأنت تقاتله علي غيره . أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء ، وأهل العراق يخافون منك إن ١٨٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / مكر الليل
ظفرت بهم ، وأهل الشام لا يخافون عليّاً إن ظفر بهم . ولكن ألقِ إليهم أمراً إن قبلوه اختلفوا ، وإن ردّوه اختلفوا ; ادعُهم إلي كتاب الله حَكَماً فيما بينك وبينهم ; فإنّك بالغ به حاجتك فى القوم ; فإنّى لم أزَل اُؤخّر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه . فعرف ذلك معاوية ، فقال : صدقت(١) . ٢٥٧٠ ـ وقعة صفّين عن صعصعة : قام الأشعث بن قيس الكندى ليلة الهرير فى أصحابه من كندة فقال : الحمد لله ، أحمده ، وأستعينه ، واُؤمن به ، وأتوكّل عليه ، وأستنصره ، وأستغفره ، وأستخيره ، وأستهديه . . . قد رأيتم ـ يا معشر المسلمين ـ ما قد كان فى يومكم هذا الماضى ، وما قد فنى فيه من العرب ، فو الله لقد بلغتُ من السنّ ما شاء الله أن أبلغ ، فما رأيت مثل هذا اليوم قطّ . ألا فليبلّغ الشاهد الغائب ، إنّا إن نحن تواقفنا غداً إنّه لَفناءُ العرب ، وضَيعةُ الحرمات ، أما والله ما أقول هذه المقالة جزعاً من الحتف ، ولكنّى رجل مسنّ أخاف علي النساء والذرارى غداً إذا فنينا . اللهمّ ! إنّك تعلم أنّى قد نظرت لقومى ولأهل دينى فلم آلُ ، وما توفيقى إلاّ بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب ، والرأى يخطئ ويصيب ، و إذا قضي الله أمراً أمضاه علي ما أحبّ العباد أو كرهوا ، أقول قولى هذا ، وأستغفر الله العظيم لى ولكم . قال صعصعة : فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث فقال : أصاب وربّ الكعبة ! لئن نحن التقينا غداً لتميلنّ الروم علي ذرارينا ونسائنا ، ولتميلنّ أهل فارس علي نساء أهل العراق وذراريهم ، وإنّما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهي . (١) وقعة صفّين : ٤٧٦ ; الإمامة والسياسة : ١ / ١٤٣ ، الأخبار الطوال : ١٨٨ كلاهما نحوه . ١٨٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / دعاء الإمام قبل رفع المصاحف
اربطوا المصاحف علي أطراف القنا . قال صعصعة : فثار أهل الشام فنادوا فى سواد الليل : يا أهل العراق ! مَن لذرارينا إن قتلتمونا ، ومن لذراريكم إن قتلناكم ؟ اللهَ اللهَ فى البقيّة(١) . ١١ / ٢ ٢٥٧١ ـ مهج الدعوات عن سعد بن عبد الله ـ قال : إنّ هذا الدعاء دعا به علىّ صلوات الله عليه قبل رفع المصاحف الشريفة ، ثمّ قال ما معناه : إنّ إبليس صرخ صرخة سمعها بعض العسكر يُشير علي معاوية وأصحابه برفع المصاحف الجليلة للحيلة ، فأجابه الخوارج لمعاوية إلي شبهاته ، فرفعوها فاختلف أصحاب أمير المؤمنين علىّ ¼ : اللهمّ إنى أسألك العافية من جهد البلاء ، ومن شماتة الأعداء . اللهمّ اغفر لى ذنبى ، وزكِّ عملى ، واغسل خطاياى ; فإنّى ضعيف إلاّ ما قويّت ، واقسم لى حلماً تسدّ به باب الجهل ، وعلماً تُفرِّج به الجَهَلات ، ويقيناً تُذِهب به الشكَّ عنّى ، وفهماً تُخرجنى به من الفتن المعضَلات ، ونوراً أمشى به فى الناس ، وأهتدى به فى الظلمات . اللهمّ اصلح لى سمعى وبصرى وشعرى وبشرى وقلبى صلاحاً باقياً تُصلِح بها ما بقى من جسدى ، أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب . اللهمّ إنّى أسألك أىّ عمل كان أحبّ إليك وأقرب لديك ، أن تستعملنى فيه ١٨٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / رفع المصاحف
أبداً ، ثمّ لَقِّنى أشرف الأعمال عندك ، وآتنى فيه قوّة وصدقاً وجِدّاً وعزماً منك ونشاطاً ، ثمّ اجعلنى أعمل ابتغاء وجهك ، ومعاشةً فى ما آتيت صالحى عبادك ، ثمّ اجعلنى لا أشترى به ثمناً قليلاً ، ولا أبتغى به بدلاً ، ولا تغيّره فى سرّاء ولا ضرّاء ولا كسلاً ولا نسياناً ، ولا رياء ، ولا سمعة ، حتي تتوفّانى عليه ، وارزقنى أشرف القتل فى سبيلك ، أنصرك وأنصر رسولك ، أشترى الحياة الباقية بالدنيا ، وأغننى بمرضاة من عندك . . .(١) . ١١ / ٣ ٢٥٧٢ ـ تاريخ الطبرى عن أبى مخنف : لمّا رأي عمرو بن العاص أنّ أمر أهل العراق قد اشتدّ ، وخاف فى ذلك الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك فى أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلاّ اجتماعاً ، ولا يزيدهم إلاّ فرقة ؟ قال : نعم . قال : نرفع المصاحف ثمّ نقول : ما فيها حَكَم بيننا وبينكم ، فإن أبي بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول : بلي ينبغى أن نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم ، وإن قالوا : بلي نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنّا وهذه الحرب إلي أجَل أو إلي حين . فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب الله عزّ وجلّ بيننا وبينكم ، مَنْ لثغور أهل الشام بعد أهل الشام ؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ! فلمّا رأي الناس المصاحف قد رُفعت ، قالوا : نُجيب إلي كتاب الله عزّ وجلّ ونُنيب إليه(٢) . (١) مهج الدعوات : ١٢٩ ، بحار الأنوار : ٩٤ / ٢٣٨ . ١٨٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / رفع المصاحف
٢٥٧٣ ـ تاريخ اليعقوبى : زحف أصحاب علىّ وظهروا علي أصحاب معاوية ظهوراً شديداً ، حتي لصقوا به ، فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه . فقال له عمرو بن العاص : إلي أين ؟ قال : قد نزل ما تري ، فما عندك ؟ قال : لم يبقَ إلاّ حيلة واحدة ; أن تَرفع المصاحف ، فتدعوهم إلي ما فيها ، فتستكفّهم ، وتكسر من حدّهم ، وتفتّ فى أعضادهم . قال معاوية : فشأنك ! فرفعوا المصاحف ، ودعوهم إلي التحكّم بما فيها ، وقالوا : ندعوكم إلي كتاب الله . فقال علىّ : إنّها مكيدة ، وليسوا بأصحاب قرآن . فاعترض الأشعث بن قيس الكندى ـ وقد كان معاوية استماله ، وكتب إليه ودعاه إلي نفسه ـ فقال : قد دعا القوم إلي الحقّ ! فقال علىّ ¼ : إنّهم إنّما كادوكم ، وأرادوا صرفكم عنهم . فقال الأشعث : والله ، لئن لم تُجبهم انصرفت عنك . ومالت اليمانيّة مع الأشعث ، فقال الأشعث : والله ، لتجيبنّهم إلي ما دعوا إليه ، أو لندفعنّك إليهم برمّتك(١) . ٢٥٧٤ ـ مروج الذهب ـ فى ذكر ما جرى يوم الهرير ـ : وكان الأشتر فى هذا اليوم ـ وهو يوم الجمعة ـ علي ميمنة علىّ ، وقد أشرف علي الفتح ، ونادت مشيخة أهل (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٨ وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ٩٨ والعقد الفريد : ٣ / ٣٤٠ والفتوح : ٣ / ١٨٠ . ١٨٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / رفع المصاحف
الشام : يا معشر العرب ! اللهَ اللهَ فى الحرمات والنساء والبنات . وقال معاوية : هلمّ مخبّآتك يابن العاص ; فقد هلكنا ، وتذكّر ولاية مصر ، فقال عمرو : أيّها الناس ! من كان معه مصحف فليرفعه علي رمحه . فكثر فى الجيش رفع المصاحف ، وارتفعت الضجّة ، ونادَوا : كتاب الله بيننا وبينكم ; من لثغور الشام بعد أهل الشام ؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟ ومن لجهاد الروم ؟ ومن للترك ؟ ومن للكفّار ؟ ورُفع فى عسكر معاوية نحو من خمسمائة مصحف . وفى ذلك يقول النجاشى بن الحارث :
فلمّا رأي كثير من أهل العراق ذلك قالوا : نُجيب إلي كتاب الله ونُنيب إليه ، وأحبّ القوم الموادعة ، وقيل لعلىّ : قد أعطاك معاوية الحقّ ، ودعاك إلي كتاب الله فاقبلْ منه ، وكان أشدّهم فى ذلك اليوم الأشعث بن قيس(١) . ٢٥٧٥ ـ وقعة صفّين عن تميم بن حذيم : لمّا أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا ، فإذا أشباه الرايات أمام صفّ أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية ، فلمّا أسفرنا إذا هى المصاحف قد رُبطت علي أطراف الرماح ، وهى عظام مصاحف العسكر ، وقد شدّوا ثلاثة أرماح جميعاً وقد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط . وقال أبو جعفر وأبو الطفيل : استقبَلوا عليّاً بمائة مصحف ، ووضعوا فى كلّ ١٨٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / رفع المصاحف
مُجنَّبة(١) مائتى مصحف ، وكان جميعها خمسمائة مصحف . قال أبو جعفر : ثمّ قام الطفيل بن أدهم حيال علىّ ¼ ، وقام أبو شريح الجذامى حِيال الميمنة ، وقام ورقاء بن المُعمّر حِيال الميسرة ، ثمّ نادوا : يا معشر العرب ! اللهَ اللهَ فى نسائكم وبناتكم ، فمَن للروم والأتراك وأهل فارس غداً إذا فنيتم ، اللهَ اللهَ فى دينكم ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم . فقال علىّ : اللهمّ إنّك تعلم أنّهم ما الكتابَ يريدون ، فاحكم بيننا وبينهم ، إنّك أنت الحَكَم الحقّ المبين . فاختلف أصحاب علىّ فى الرأى ، فطائفة قالت : القتال ،و طائفة قالت : المحاكمة إلي الكتاب ، ولا يحلّ لنا الحرب وقد دُعينا إلي حكم الكتاب(٢) . ٢٥٧٦ ـ وقعة صفّين عن صعصعة : أقبل عدىّ بن حاتم فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّ كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحقّ ; فإنّه لم يُصَب عصبة منّا إلاّ وقد اُصيب مثلها منهم ، وكلٌّ مقروح ، ولكنّا أمثل بقيّة منهم ، وقد جزع القوم ، وليس بعد الجزع إلاّ ما تحبّ ، فناجِز القوم . فقام الأشتر النخعى فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّ معاوية لا خلف له من رجاله ، ولك بحمد الله الخلف ، ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا بصرك ، فاقرع الحديد بالحديد ، واستعن بالله الحميد . ثمّ قام عمرو بن الحمق فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّا والله ما أجبناك ، ولا (١) مُجنَّبة الجيش : هى التى تكون فى الميمنة والميسرة (النهاية : ١ / ٣٠٣) . ١٩٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / الإمام فى حصار أصحاب الجباه السُّود
نصرناك عصبيّة علي الباطل ولا أجبنا إلاّ الله عزّ وجلّ ، ولا طلبنا إلاّ الحقّ ، ولو دعانا غيرك إلي ما دعوت إليه لاستشري فيه اللجاج ، وطالت فيه النجوي ; وقد بلغ الحقّ مقطعه ، وليس لنا معك رأى . فقام الأشعث بن قيس مغضباً فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّا لك اليوم علي ما كنّا عليه أمس ، وليس آخر أمرنا كأوّله ، وما من القوم أحد أحني علي أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام منّى ; فأجب القوم إلي كتاب الله ; فإنّك أحقّ به منهم ، وقد أحبّ الناس البقاء ، وكرهوا القتال . فقال علىّ ¼ : إنّ هذا أمر يُنظر فيه . وذكروا أنّ أهل الشام جزعوا فقالوا : يا معاوية ! ما نري أهل العراق أجابوا إلي ما دعوناهم إليه ، فأعِدها جذعة ; فإنّك قد غمرت بدعائك القوم ، وأطمعتهم فيك(١) . ١١ / ٤ الإمام فى حصار أصحاب الجباه السُّود ٢٥٧٧ ـ وقعة صفّين عن صعصعة : دعا معاوية عبدَ الله بن عمرو بن العاص ، وأمره أن يُكلّم أهل العراق ، فأقبل حتي إذا كان بين الصفّين نادي : يا أهل العراق ! أنا عبد الله بن عمرو بن العاص ، إنّها قد كانت بيننا وبينكم اُمور للدين والدنيا ، فإن تكن للدين فقد والله أعذرنا وأعذرتم ، وإن تكن للدنيا فقد والله أسرفنا وأسرفتم . وقد دعوناكم إلي أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم ; فإن يجمعنا وإيّاكم الرضي ١٩١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / الإمام فى حصار أصحاب الجباه السُّود
فذلك من الله ، فاغتنموا هذه الفرجة لعلّه أن يعيش فيها المحترف ، ويُنسي فيها القتيل ; فإنّ بقاء المُهلِك بعد الهالك قليل . فخرج سعيد بن قيس فقال : يا أهل الشام ! إنّه قد كان بيننا وبينكم اُمور حامينا فيها علي الدين والدنيا ، سمّيتموها غدراً وسرفاً . وقد دعوتمونا اليوم إلي ما قاتلناكم عليه بالأمسِ ، ولم يكن ليرجع أهل العراق إلي عراقهم ،و لا أهل الشام إلي شامهم بأمر أجمل من أن يُحكم بما أنزل الله ، فالأمر فى أيدينا دونكم ، وإلاّ فنحن نحن ، وأنتم أنتم . وقام الناس إلي علىّ فقالوا : أجِب القوم إلي ما دعوك إليه ; فإنّا قد فُنينا . . . أكلتنا الحرب وقُتلت الرجال . وقال قوم : نُقاتل القوم علي ما قاتلناهم عليه أمسِ . ولم يقل هذا إلاّ قليل من الناس ، ثمّ رجعوا عن قولهم مع الجماعة ، وثارت الجماعة بالموادعة . فقام علىّ أمير المؤمنين فقال : إنّه لم يزل أمرى معكم علي ما اُحبّ إلي أن أخذت منكم الحرب ، وقد والله أخذتْ منكم وتركت ، وأخذتْ من عدوّكم فلم تترك ، وإنّها فيهم أنكي(١) وأنهك . ألا إنّى كنت أمسِ أمير المؤمنين ، فأصبحت اليوم مأموراً ، وكنت ناهياً فأصبحت منهيّاً ، وقد أحببتم البقاء وليس لى أن أحملكم علي ما تكرهون(٢) . ٢٥٧٨ ـ مروج الذهب ـ بعد ذكر رفع المصاحف ـ : فلمّا رأي كثير من أهل العراق ذلك ، قالوا : نُجيب إلي كتاب الله ونُنيب إليه ، وأحبّ القوم الموادعة وقيل لعلىّ : (١) يُقال : نكيتُ فى العدو : إذا أكثرتَ فيهم الجراح والقتل ، فوهنوا لذلك (النهاية : ٥ / ١١٧) . ١٩٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / الإمام فى حصار أصحاب الجباه السُّود
قد أعطاك معاوية الحقّ ، ودعاك إلي كتاب الله ، فاقبلْ منه ، وكان أشدّهم فى ذلك اليوم الأشعث بن قيس ، فقال علىّ : أيّها الناس ! إنّه لم يزل من أمركم ما اُحبّ حتي قرحتكم الحرب ، وقد والله أخذتْ منكم وتركتْ ، وإنّى كنت بالأمس أميراً ، فأصبحت اليوم مأموراً ، وقد أحببتم البقاء(١) . ٢٥٧٩ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كلام له لمّا اضطرب عليه أصحابه فى أمر الحكومة ـ : أيُّها الناس ! إنّه لم يزل أمرى معكم علي ما اُحبّ ، حتي نهكتكم الحرب ، وقد والله أخذت منكم وتركت ، وهى لعدوّكم أنهكُ ، لقد كنت أمسِ أميراً ، فأصبحت اليوم مأموراً ، وكنت أمسِ ناهياً ، فأصبحت اليوم منهيّاً ، وقد أحببتم البقاء ، وليس لى أن أحملكم علي ما تكرهون !(٢) ٢٥٨٠ ـ وقعة صفّين عن عمر بن سعد : لمّا رفع أهل الشام المصاحف علي الرماح يدعون إلي حكم القرآن قال علىّ ¼ : عبادَ الله ! إنّى أحقّ من أجاب إلي كتاب الله ، ولكن معاوية ، وعمرو بن العاص ، وابن أبى مُعَيط ، وحبيب بن مسلمة ، وابن أبى سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إنّى أعرَفُ بهم منكم ، صحبتُهم أطفالاً ، وصحبتهم رجالاً ، فكانوا شرّ أطفال ، وشرّ رجال . إنّها كلمة حقّ يراد بها باطل ، إنّهم والله ما رفعوها أنّهم يعرفونها ويعملون بها ، (١) مروج الذهب : ٢ / ٤٠٠ . ١٩٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / رجوع الأشتر من المعركة
ولكنّها الخديعة والوهن والمكيدة . أعيرونى سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة ، فقد بلغ الحقّ مقطعه ، ولم يبق إلاّ أن يُقطع دابر الذين ظلموا . فجاءه زهاء عشرين ألفاً مقنّعين فى الحديد شاكى السلاح ، سيوفهم علي عواتقهم ، وقد اسودّت جباههم من السجود ! ! يتقدّمهم مسعر بن فدكى ، وزيد بن حصين ، وعصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج من بعدُ ، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين : يا علىّ ! أجِب القوم إلي كتاب الله إذ دُعيت إليه ، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان ، فو الله لنفعلنّها إن لم تُجبْهم . فقال لهم : ويحكم ! أنا أوّل من دعا إلي كتاب الله ، وأوّل من أجاب إليه ، وليس يحلّ لى ولا يسعنى فى دينى أن اُدعي إلي كتاب الله فلا أقبله ، إنّى إنّما اُقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن ; فإنّهم قد عصوا الله فيما أمرهم ، ونقضوا عهده ، ونبذوا كتابه ، ولكنّى قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم ، وأنّهم ليسوا العملَ بالقرآن يُريدون . قالوا : فابعث إلي الأشتر ليأتيك . وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف علي عسكر معاوية ليدخله(١) . ١١ / ٥ ٢٥٨١ ـ وقعة صفّين عن إبراهيم بن الأشتر : كنت عند علىّ حين أكرهه الناس علي ١٩٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / رجوع الأشتر من المعركة
الحكومة ، وقالوا : ابعث إلي الأشتر فليأتِك . قال : فأرسل علىّ إلي الأشتر يزيد بن هانئ السبيعى أن ائتنى . فأتاه فبلّغه . فقال : قل له : ليس هذه الساعة التى ينبغى لك أن تُزيلنى فيها عن موقفى ، إنّى قد رجوت أن يفتح لى ; فلا تعجلنى . فرجع يزيد بن هانئ إلي علىّ فأخبره ، فما هو إلاّ أن انتهي إلينا ، فارتفع الرَّهَج ، وعَلَت الأصوات من قبل الأشتر ، فقال له القوم : والله ما نراك إلاّ أمرته أن يقاتل . قال : من أين ينبغى أن ترَوا ذلك ! رأيتمونى ساررتُه ؟ أ ليس إنّما كلّمته علي رؤوسكم علانية ، وأنتم تسمعوننى ! قالوا : فابعث إليه فليأتك ، وإلاّ والله اعتزلناك . قال له : ويحَك يا يزيد ! قل له : أقبِلْ إلىَّ ; فإنّ الفتنة قد وقعت ! فأبلغه ذلك ، فقال له : أ لرفعِ المصاحف ؟ قال : نعم ، قال : أما والله ، لقد ظننت حين رُفعت أنّها ستوقع اختلافاً وفرقة ، إنّها مشورة ابن العاهرة ،أ لا تري ما صنع الله لنا ! أ ينبغى أن أدع هؤلاء وأنصرف عنهم ! وقال يزيد بن هانئ : فقلت له : أ تحبِّ أنّك ظفرت هاهنا ، وأنّ أمير المؤمنين بمكانه الذى هو به يُفرج عنه أو يُسْلَم ؟ قال : لا والله ، سبحان الله ! قال : فإنّهم قد قالوا : لترسلنّ إلي الأشتر فليأتينّك أو لنقتلنّك كما قتلنا ابن عفّان . ١٩٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / رجوع الأشتر من المعركة
فأقبل حتي انتهي إليهم فقال :يا أهل العراق ! يا أهل الذلّ والوهن ! أ حين علوتم القوم ظهراً ، وظنّوا أنّكم لهم قاهرون ، رفعوا المصاحف يدعونكم إلي ما فيها ! وقد والله تركوا ما أمر الله عزّ وجلّ به فيها ، وسُنّة من اُنزلت عليه ½ ؟ فلا تُجيبوهم ، أمهلونى عدْو الفرس ; فإنّى قد طمعت فى النصر . قالوا : إذن ندخل معك فى خطيئتك ، قال : فحدِّثونى عنكم ; وقد قُتل أماثلكم ، وبقى أراذلكم ، متي كنتم محقّين ؟ أ حين كنتم تقاتِلون وخياركم يُقتلون ! فأنتم الآن إذ أمسكتم عن القتال مبطلون ، أم الآن أنتم محقّون ؟ فقتلاكم الذين لا تُنكرون فضلهم ، فكانوا خيراً منكم ، فى النار إذاً ! قالوا : دعنا منك يا أشتر ، قاتلناهم فى الله عزّ وجلّ ، وندعْ قتالهم لله سبحانه ، إنّا لسنا مطيعيك ولا صاحبك ، فاجتنِبنا . فقال : خُدعتم والله فانخدعتم ، ودُعيتم إلي وضع الحرب فأجبتم . يا أصحاب الجباه السود ! كنّا نظنّ صلواتكم زهادة فى الدنيا ، وشوقاً إلي لقاء الله عزّ وجلّ ، فلا أري فراركم إلاّ إلي الدنيا من الموت . ألا قبحاً يا أشباه النِّيب الجلاّلة(١) ! وما أنتم برائين بعدها عزّاً أبداً ، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون ! فسبّوه ، فسبّهم ، فضربوا وجه دابّته بسياطهم ، وأقبل يضرب بسوطه وجوه دوابّهم ، وصاح بهم علىّ فكفّوا(٢) . (١) النِّيب : جمع ناب : وهى الناقة المسنّة ، سمّوها بذلك حين طال نابها وعظم . والجلاّلة : الّتى تَتَبّعُ النجاسات (تاج العروس : ٢/٤٥٨ وج ١٤/١١٤) . ١٩٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / فرح معاوية
٢٥٨٢ ـ وقعة صفّين عن إبراهيم بن الأشتر ـ فى بيان ما جري بعد رفع المصاحف ـ : قال الأشتر : يا أمير المؤمنين ! احمل الصفّ علي الصفّ يصرع القوم . فتصايحوا : إنّ عليّاً أمير المؤمنين قد قبل الحكومة ، ورضى بحكم القرآن ، ولم يسعه إلاّ ذلك . قال الأشتر : إن كان أمير المؤمنين قد قبل ورضى بحكم القرآن ، فقد رضيت بما رضى أمير المؤمنين . فأقبل الناس يقولون : قد رضى أمير المؤمنين ، قد قبل أمير المؤمنين ، وهو ساكت ، لا يبِضّ بكلمة ، مطرق إلي الأرض(١) . ١١ / ٦ ٢٥٨٣ ـ الفتوح : كان معاوية بعد ذلك [أى بعد ختام الحرب] يقول : والله ، لقد رجع عنّى الأشتر يوم رفع المصاحف ، وأنا اُريد أن أسأله أن يأخذ لى الأمان من علىّ . وقد هممت ذلك اليوم بالهرب ، ولكن ذكرت قول عمرو بن الأطنابة حيث يقول :
٢٥٨٤ ـ الفتوح : فغمد الناس أسيافهم ، ووضعوا أسلحتهم ، وعزموا علي الحكم ، فقال عمرو لمعاوية : كيف رأيت رأيى ؟ لقد كنتَ غرقتَ فى بحر العراق وأنقذتك . (١) وقعة صفّين : ٤٩٢ ; الفتوح : ٣ / ١٨٧ نحوه . ١٩٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / رسالة معاوية إلي الإمام
فقال معاوية : صدقت أبا عبد الله ، ولمثلها كنت أرجوك(١) . ١١ / ٧ ٢٥٨٥ ـ وقعة صفّين عن إبراهيم بن الأشتر : بعث معاوية أبا الأعور السلمى علي بِرْذَوْن أبيض ، فسار بين الصفّين ; صفّ أهل العراق وصفّ أهل الشام ، والمصحف علي رأسه وهو يقول : كتاب الله بيننا وبينكم . فأرسل معاوية إلي علىّ : إنّ الأمر قد طال بيننا وبينك ، وكلّ واحد منا يري أنّه علي الحقّ فيما يطلب من صاحبه ، ولن يُعطى واحد منّا الطاعة للآخر ، وقد قُتل فيما بيننا بشر كثير ، وأنا أتخوّف أن يكون ما بقى أشدّ ممّا مضي ، وإنّا سوف نُسأل عن ذلك الموطن ، ولا يُحاسَب به غيرى وغيرك ، فهل لك فى أمر لنا ولك فيه حياة وعذر وبراءة ، وصلاح للاُمّة ، وحقن للدماء ، واُلفة للدين ، وذهاب للضغائن والفتن ; أن يحكم بيننا وبينك حكمان رضِيّان ; أحدهما من أصحابى ، والآخر من أصحابك ; فيحكمان بما فى كتاب الله بيننا ; فإنّه خير لى ولك ، وأقطع لهذه الفتن . فاتّقِ الله فيما دُعيت له ، وارضَ بحكم القرآن إن كنت من أهله . والسلام(٢) . ١١ / ٨ جواب الإمام عنه وقبوله التحكيم ٢٥٨٦ ـ وقعة صفّين عن إبراهيم بن الأشتر ـ بعد ذكر كتاب معاوية للإمام ¼ ـ : (١) الفتوح : ٣ / ١٩١ . ١٩٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / جواب الإمام علي رسالة معاوية وقبول التحكيم
فكتب إليه علىّ بن أبى طالب : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي معاوية بن أبى سفيان . أمّا بعدُ ; فإنّ أفضل ما شغل به المرء نفسه اتّباع ما يحسن به فعله ، ويستوجب فضله ، ويسلم من عيبه . وإنّ البغى والزور يُزريان بالمرء فى دينه ودنياه ، ويُبدِيان من خلله عند من يُغنيه ما استرعاه الله ما لا يُغنى عنه تدبيره . فاحذر الدنيا ; فإنّه لا فرح فى شىء وصلت إليه منها . ولقد علمت أنّك غير مدرك ما قُضى فواته . وقد رام قومٌ أمراً بغير الحقّ ; فتأوّلوا علي الله تعالي ، فأكذبهم ومتّعهم قليلاً ، ثمّ اضطرّهم إلي عذاب غليظ . فاحذر يوماً يغتبط فيه من أحمدَ عاقبةَ عمله ، ويندم فيه من أمكن الشيطان من قياده ولم يحادَّه ، فغرّته الدنيا واطمأنّ إليها . ثمّ إنّك قد دعوتنى إلي حكم القرآن ; ولقد علمت أنّك لست من أهل القرآن ، ولست حكمَه تُريد ، والله المستعان . وقد أجبنا القرآن إلي حكمه ، ولسنا إيّاك أجبنا . ومن لم يرضَ بحكم [القرآن](١) فقد ضلّ ضلالاً بعيداً(٢) . ٢٥٨٧ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : وإنّ البغى والزور يوتغان(٣) المرء فى دينه ودنياه ، ويُبديان خلله عند من يُعيبه . وقد علمتُ أنّك غير مدرك ما قُضى فواته . وقد رام أقوامٌ أمراً بغير الحقّ ، فتألَّوا علي الله فأكذبَهم . فاحذر يوماً يغتبط فيه مَن أحمدَ عاقبةَ عملِه ، ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يُجاذبه . وقد دعوتنا إلي حكم القرآن ولست من أهله ، ولسنا إيّاك أجبنا ، ولكنّا أجبنا (١) ما بين المعقوفين ساقط من المصدر ، وأثبتناه من بحار الأنوار وشرح نهج البلاغة . ١٩٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الحادى عشر : توقّف الحرب / كلام الإمام فى ذمّ أصحابه
القرآن فى حُكمه . والسلام(١) . ١١ / ٩ ٢٥٨٨ ـ الإرشاد ـ من كلامه ¼ حين رجع أصحابه عن القتال بصفّين ، لمّا اغترّهم معاوية برفع المصاحف ـ : لقد فعلتم فعلة ضعضعت من الإسلام قواه ، وأسقطت مُنّته(٢) ، وأورثت وهناً وذلّة . لمّا كنتم الأعلَين ، وخاف عدوّكم الاجتياح ، واستحرّ بهم القتل ، ووجدوا ألمَ الجراح ; رفعوا المصاحف ودعوكم إلي ما فيها ليفثؤوكم(٣) عنهم ، ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم ، ويتربّص بكم ريب المنون خديعة ومكيدة . فما أنتم إن جامعتموهم علي ما أحبّوا ، وأعطيتموهم الذى سألوا إلاّ مغرورون . وايم الله ، ما أظنّكم بعدها موافقى رشد ، ولا مصيبى حزم(٤) . ٢٥٨٩ ـ وقعة صفّين : جاء عدىّ بن حاتم يلتمس عليّاً ، ما يطأ إلاّ علي إنسان ميت أو قدم أو ساعد ، فوجده تحت رايات بكر بن وائل ، فقال : يا أمير المؤمنين !أ لا نقوم حتي نموت ؟ فقال علىّ : ادنُهْ ، فدنا حتي وضع أذنُه عند أنفه ،فقال : ويحك ! إنّ عامّة من معى يعصينى ، وإنّ معاوية فيمن يُطيعه ولا يعصيه(٥) . (١) نهج البلاغة : الكتاب ٤٨ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٠٨ / ٥٨٨ . |
||||||