الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد السادس

 

 

 ٢٣١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم

١٤ / ١

تثمين الحكمين

٢٦١١ ـ الطرائف عن أبى رافع : لمّا أحضرنى أمير المؤمنين  ¼ وقد وجّه أبا موسي الأشعرى فقال له : احكم بكتاب الله ولا تجاوزه ، فلمّا أدبر قال : كأنّى به وقد خُدِع . قلت : يا أمير المؤمنين ! فلِمَ توجّهه وأنت تعلم أنّه مخدوع ؟ فقال : يا بنىّ ، لو عمل الله فى خلقه بعلمه ما احتجّ عليهم بالرسل(١) .

٢٦١٢ ـ وقعة صفّين : بعث [ معاوية ] إلي رجال من قريش من الذين كرهوا أن يُعينوه فى حربه : إنّ الحرب قد وضعت أوزارها ، والتقي هذان الرجلان بدومة الجندل(٢) ، فاقدموا علىَّ . فأتاه عبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وأبو الجهم


(١) الطرائف : ٥١١ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٦١ ، بحار الأنوار : ٤١ / ٣١٠ .
(٢) دُوْمَة الجَنْدل : مدينة علي سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول  ½ قرب تبوك، ويطلق عليها اليوم "الجوف". وقد جرت فيها قضية التحكيم (راجع معجم البلدان : ٢ / ٤٨٧) .

 ٢٣٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / وصيّة ابن عبّاس لأبى موسى

ابن حذيفة ،و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهرى ، وعبد الله بن صفوان الجمحى ، ورجال من قريش . وأتاه المغيرة بن شعبة ; وكان مقيماً بالطائف لم يشهد صفّين .

فقال : يا مغيرة ما تري ؟ قال : يا معاوية لو وسعنى أن أنصرك لنصرتك ، ولكن علىَّ أن آتيك بأمر الرجلين ، فركب حتي أتي دومة الجندل ، فدخل علي أبى موسي كأنّه زائر له فقال : يا أبا موسي ، ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء ؟ قال : اُولئك خيار الناس ، خفّت ظهورهم من دمائهم ، وخمصت بطونهم من أموالهم ، ثمّ أتي عمراً فقال : يا أبا عبد الله ، ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر ، وكره هذه الدماء ؟ قال : اُولئك شرار الناس ; لم يعرفوا حقّاً ، ولم يُنكروا باطلاً ، فرجع المغيرة إلي معاوية فقال له : قد ذُقْتُ(١) الرجلين ; أمّا عبد الله بن قيس فخالعٌ صاحبَه وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر ، وهواه فى عبد الله بن عمر ، وأمّا عمرو فهو صاحب الذى تعرف ، وقد ظنّ الناس أنّه يرومها لنفسه ، وأنّه لا يري أ أنّك أحقّ بهذا الأمر منه(٢) .

١٤ / ٢

وصيّة ابن عبّاس لأبى موسي

٢٦١٣ ـ مروج الذهب : وفى سنة ثمان وثلاثين كان التقاء الحكمين بدومة الجندل وقيل بغيرها ، علي ما قدّمنا من وصف التنازع فى ذلك ، وبعث علىٌّ بعبد الله بن العبّاس ، وشريح بن هانى الهمدانى فى أربعمائة رجل فيهم أبو موسي


(١) ذُقْتُ ما عنده : أى خَبَرْته (لسان العرب : ١٠ / ١١١) .
(٢) وقعة صفّين : ٥٣٩ ; شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٥١ .

 ٢٣٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / وصيّة ابن عبّاس لأبى موسى

الأشعرى ، وبعث معاوية بعمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن السمط فى أربعمائة ، فلمّا تداني القوم من الموضع الذى كان فيه الاجتماع قال ابن عبّاس لأبى موسي :

إنّ عليّاً لم يرضَ بك حكماً لفضل عندك ، والمتقدّمون عليك كثير ، وإنّ الناس أبَوا غيرك ، وإنّى لأظنّ ذلك لشرّ يُراد بهم ، وقد ضُمّ داهية العرب معك .

إن نسيت فلا تنسَ أنّ عليّاً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، وليس فيه خصلة تباعده من الخلافة ، وليس فى معاوية خصلة تقرّبه من الخلافة(١) .

٢٦١٤ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا أجمع أهل العراق علي طلب أبى موسي ، وأحضروه للتحكيم علي كره من علىّ  ¼ ، أتاه عبد الله بن العبّاس ، وعنده وجوه الناس وأشرافهم ، فقال له :

يا أبا موسي ! إنّ الناس لم يرضوا بك ، ولم يجتمعوا عليك لفضل لا تشارَك فيه ، وما أكثر أشباهك من المهاجرين والأنصار والمتقدّمين قبلك ، ولكنّ أهل العراق أبَوا إلاّ أن يكون الحَكَم يمانيّاً ، ورأوا أنّ معظم أهل الشام يمان ، وايمُ الله إنّى لأظنّ ذلك شرّاًلك ولنا ; فإنّه قد ضُمّ إليك داهية العرب ، وليس فى معاوية خلّة يستحقّ بها الخلافة ، فإن تقذف بحقّك علي باطله تدرك حاجتك منه ، وإن يطمع باطله فى حقّك يدرك حاجته منك .

واعلم يا أبا موسي أنّ معاوية طليق الإسلام ، وإنّ أباه رأس الأحزاب ، وأنّه يدّعى الخلافة من غير مشورة ولا بيعة ; فإن زعم لك أنّ عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق ; استعمله عمر ; وهو الوالى عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهى ، ويُوْجِره ما يكره ، ثمّ استعمله عثمان برأى عمر ، وما أكثر من استعملا ممّن لم


(١) مروج الذهب : ٢ / ٤٠٦ .

 ٢٣٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / وصيّة شريح بن هانى لأبى موسى

يدّعِ الخلافة .

واعلم أنّ لعمرو مع كلّ شىء يسرّك خبيئاً يسوؤك ومهما نسيت فلا تنسَ أنّ عليّاً بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، وإنّها بيعة هدي وأنّه لم يقاتل إلاّ العاصين والناكثين(١) .

١٤ / ٣

وصيّة شريح بن هانى لأبى موسي

٢٦١٥ ـ وقعة صفّين عن الجرجانى : لمّا أراد أبو موسي المسير قام شريح ، فأخذ بيد أبى موسي فقال :

يا أبا موسي ! إنّك قد نُصبت لأمر عظيم لا يُجبر صدعُه ، ولا يستقال فتقُه ، ومهما تقُل شيئاً لك أو عليك يثبت حقّه ويُرَ صحّته وإن كان باطلاً .

وإنّه لا بقاء لأهل العراق إن ملكها معاوية ، ولا بأس علي أهل الشام إن ملكها علىّ .

وقد كانت منك تثبيطةٌ أيّام قدمت الكوفة ; فإن تشفعها بمثلها يكن الظنّ بك يقيناً ، والرجاء منك يأساً ، وقال شريح فى ذلك :

أبا موسي رُميتَ بشرّ خصم فلا تُضعِ العراق فدتك نفسى !
وأعطِ الحقَّ شامَهمُ وخذْهُ فإنّ اليوم فى مَهَل كأمسِ
وإنّ غداً يجيء بما عليه يدور الأمر من سعد ونحسِ
ولا يخدِعْك عمرٌو إنّ عمراً عدوّ الله مطلع كلّ شمسِ
له خدعٌ يحار العقل فيها مموّهة مزخرفة بلَبسِ

(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٤٦ ، ينابيع المودّة : ٢ / ٢٢ ; بحار الأنوار : ٣٣ / ٢٩٨ / ٥٥٣ .

 ٢٣٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / وصيّة الأحنف بن قيس لأبى موسى

فلا تجعل معاوية بن حرب كشيخ فى الحوادث غير نكسِ
هداه الله للإسلام فرداً سوي بنت النبىّ ، وأىُّ عِرسِ

فقال أبو موسي : ما ينبغى لقوم اتّهمونى أن يُرسلونى لأدفع عنهم باطلاً أو أجرّ إليهم حقّاً . . . وسار مع عمرو بن العاص شرحبيلُ بن السمط الكندى فى خيل عظيمة ، حتي إذا أمن عليه خيل أهل العراق ودّعه ، ثمّ قال : يا عمرو ! إنّك رجل قريش ، وإنّ معاوية لم يبعثك إلاّ ثقة بك ، وإنّك لن تؤتي من عجز ولا مكيدة ، وقد عرفتَ أن وطأتُ هذا الأمر لك ولصاحبك ، فكُن عند ظنّنا بك .

ثمّ انصرف ، وانصرف شريح بن هانئ حين أمن أهل الشام علي أبى موسي ، وودّعه هو ووجوه الناس(١) .

١٤ / ٤

وصيّة الأحنف بن قيس لأبى موسي

٢٦١٦ ـ وقعة صفّين عن الجرجانى : كان آخر من ودّع أبا موسي الأحنف بن قيس ، أخذ بيده ثمّ قال له : يا أبا موسي ! اعرفْ خطب هذا الأمر ، واعلمْ أنّ له ما بعده ، وأنّك إن أضعت العراق فلا عراق . فاتّقِ الله ; فإنّها تجمع لك دنياك وآخرتك ، وإذا لقيت عمراً غداً فلا تبدأه بالسلام ; فإنّها وإن كانت سنّة إلاّ أنّه ليس من أهلها ، ولا تعطِه يدك ; فإنّها أمانة ، وإيّاك أن يُقعدك علي صدر الفراش ; فإنّها خدعة ، ولا تَلْقَه وحده ، واحذر أن يكلّمك فى بيت فيه مُخْدَع تُخَبّأ فيه الرجال والشهود .

ثمّ أراد أن يبور(٢) ما فى نفسه لعلىّ فقال له : فإن لم يستقم لك عمرو علي


(١) وقعة صفّين : ٥٣٤ ـ ٥٣٦ ; الفتوح : ٤ / ٢٠٧ نحوه وراجع الإمامة والسياسة : ١ / ١٥٣ ـ ١٥٥ .
(٢) يبور : أى يختبر ويمتحن (النهاية : ١ / ١٦١) .

 ٢٣٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / وصيّة معاوية لعمرو بن العاص

الرضي بعلىّ فخيّره أن يختار أهلُ العراق من قريش الشام مَن شاؤوا ; فإنّهم يولّونا الخيار ; فنختار من نريد ، وإن أبَوا فليختر أهلُ الشام من قريش العراق مَن شاؤوا ، فإن فعلوا كان الأمر فينا .

قال أبو موسي : قد سمعت ما قلت . ولم يتحاشَ لقول الأحنف .

قال : فرجع الأحنف فأتي عليّاً فقال : يا أمير المؤمنين ! أخرجَ والله أبو موسي زبدة سقائه فى أوّل مخضه ، لا أرانا إلاّ بعثنا رجلاً لا يُنكِر خلعك .

فقال علىّ : يا أحنف ! إنّ الله غالب علي أمره . قال : فمن ذلك نجزع يا أمير المؤمنين .

وفشا أمر الأحنف وأبى موسي فى الناس(١) .

١٤ / ٥

وصيّة معاوية لعمرو بن العاص

٢٦١٧ ـ البيان والتبيين : قال معاوية لعمرو بن العاص : يا عمرو ! إنّ أهل العراق قد أكرهوا عليّاً علي أبى موسي ، وأنا وأهل الشام راضون بك .

وقد ضُمّ إليك رجل طويل اللسان ، قصير الرأى ; فأجد الحزّ ، وطبّق المفصل ، ولا تلقه برأيك كلّه(٢) .


(١) وقعة صفّين : ٥٣٦ ; الفتوح : ٤ / ٢٠٨ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٥٤ وفيه إلي "الأمر فينا" وكلاهما نحوه .
(٢) البيان والتبيين : ١ / ١٧٢ ، مروج الذهب : ٢ / ٤٠٦ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٥٤ نحوه وراجع العقد الفريد : ٣ / ٣٤٠ .

 ٢٣٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / نصيحة الإمام لعمرو بن العاص

١٤ / ٦

نصيحة الإمام لعمرو بن العاص

٢٦١٨ ـ وقعة صفّين عن شقيق بن سلمة : كتب علىّ إلي عمرو بن العاص يعظه ويرشده : أمّا بعد ; فإنّ الدنيا مَشْغَلة عن غيرها ، ولم يُصِب صاحبها منها شيئاً إلاّ فتحت له حرصاً يزيده فيها رغبة ، ولن يستغنى صاحبها بما نال عمّا لم يبلغه ، ومن وراء ذلك فراق ما جمع . والسعيد من وُعِظ بغيره ; فلا تُحبِط ـ أبا عبد الله ـ أجرَك ، ولا تُجارِ معاوية فى باطله .

فأجابه عمرو بن العاص : أمّا بعدُ ; فإنّ ما فيه صلاحنا واُلفتنا الإنابة إلي الحقّ ، وقد جعلنا القرآن حَكَماً بيننا ، فأجِبْنا إليه . وصَبَرَ الرجلُ منّا نفسَه علي ما حكم عليه القرآن ، وعذَره الناس بعد المحاجزة . والسلام .

فكتب إليه علىّ : أمّا بعدُ فإنّ الذى أعجبك من الدنيا ممّا نازعتك إليه نفسك ووثقت به منها لمنقلب عنك ، ومفارق لك ; فلا تطمئنّ إلي الدنيا ; فإنّها غرّارة . ولو اعتبرت بما مضي لحفظت ما بقى ، وانتفعت بما وُعِظت به . والسلام .

فأجابه عمرو : أمّا بعدُ ; فقد أنصف من جعل القرآن إماماً ، ودعا الناس إلي أحكامه . فاصبر أبا حسن ، وأنا غير مُنيلك إلاّ ما أنالك القرآن (١) .

١٤ / ٧

مفاوضات الحَكَمين

٢٦١٩ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى جناب الكلبى : إنّ عمراً وأبا موسي لمّا التقيا


(١) وقعة صفّين : ٤٩٨ ; شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٢٧ .

 ٢٣٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / مفاوضات الحَكَمين

بدومة الجندل أخذ عمرو يقدِّم أبا موسي فى الكلام ، ويقول : إنّك صحبت رسول الله  ½ قبلى ، وأنت أكبر منّى سّناً ، فتكلّم أنت ، ثمّ أتكلّم أنا ، فجعل ذلك سُنّة وعادة بينهما ، وإنّما كان مكراً وخديعةً واغتراراً له أن يقدِّمه ; فيبدأ بخلع علىّ ، ثمّ يري رأيه .

وقال ابن ديزيل فى كتاب "صفّين" :

أعطاه عمرو صدر المجلس ، وكان لا يتكلّم قبله ، وأعطاه التقدّم فى الصلاة ، وفى الطعام لا يأكل حتي يأكل ، وإذا خاطبه فإنّما يخاطبه بأجلّ الأسماء ويقول له : يا صاحب رسول الله ، حتي اطمأنّ اليه وظنّ أنّه لا يغشّه(١) .

٢٦٢٠ ـ تاريخ الطبرى عن الزهرى ـ فى بيان ما جري بين الحكمين ـ : قال عمرو : يا أبا موسي ، أ أنت علي أن نُسمّى رجلاً يلى أمر هذه الاُمّة ؟ فسمِّه لى ; فإن أقدر علي أن اُتابعك فلك علىَّ أن اُتابعك ، وإلاّ فلى عليك أن تُتابعنى !

قال أبو موسي : اُسمّى لك عبد الله بن عمر . وكان ابن عمر فيمن اعتزل .

قال عمرو : إنّى اُسمّى لك معاوية بن أبى سفيان ، فلم يبرحا مجلسهما حتي استبّا(٢) .

٢٦٢١ ـ تاريخ الطبرى عن أبى جناب الكلبى ـ فى ذكر خبر اجتماع الحكمين ـ : قال أبو موسي : أما والله ، لئن استطعت لاُحيينّ اسم عمر بن الخطّاب .

فقال له عمرو : إن كنت تحبّ بيعة ابن عمر ، فما يمنعك من ابنى وأنت تعرف


(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٥٤ ، ينابيع المودّة : ٢ / ٢٤ ; وقعة صفّين : ٥٤٤ نحوه ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٠٠ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٥٨ وراجع وقعة صفّين : ٥٤٠ .

 ٢٣٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / مفاوضات الحَكَمين

فضله وصلاحه !

فقال : إنّ ابنك رجل صدق ، ولكنّك قد غمسته فى هذه الفتنة(١) .

٢٦٢٢ ـ مروج الذهب : دعا عمرو بصحيفة وكاتب ، وكان الكاتب غلاماً لعمرو ، فتقدّم إليه ليبدأ به أولا دون أبى موسي ; لما أراد من المكر به ، ثمّ قال له بحضرة الجماعة :

اكتب ; فإنّك شاهد علينا ، ولا تكتب شيئاً يأمرك به أحدنا حتي تستأمر الآخر فيه ، فإذا أمرك فاكتب ، وإذا نهاك فانتهِ حتي يجتمع رأينا ، اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضي عليه فلان وفلان ، فكتب وبدأ بعمرو ، فقال له عمرو : لا اُمّ لك ! أ تقدّمنى قبله كأنّك جاهل بحقّه ؟ ! فبدأ باسم عبد الله بن قيس ، وكتب : تقاضَيا علي أنّهما يشهدان أن لا إلهَ إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدي ودين الحقّ ليظهره علي الدين كلّه ولو كره المشركون .

ثمّ قال عمرو : ونشهد أنّ أبا بكر خليفة رسول الله  ½ عمل بكتاب الله وسنّة رسول الله حتي قبضه الله إليه ، وقد أدَّي الحقّ الذى عليه ، قال أبو موسي : اكتب ، ثمّ قال فى عمر مثل ذلك ، فقال أبو موسي : اكتب .

ثمّ قال عمرو : واكتب : وأنّ عثمان ولىّ هذا الأمر بعد عمر علي إجماع من المسلمين وشوري من أصحاب رسول الله  ½ ورضيً منهم ، وأنّه كان مؤمناً ، فقال أبو موسي الأشعرى : ليس هذا ممّا قعدنا له ، قال عمرو : والله لابدّ من أن يكون مؤمناً أو كافراً ، فقال أبو موسي : كان مؤمناً ، قال عمرو : فَمُره يكتب قال


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٦٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٦ ، الأخبار الطوال : ١٩٩ نحوه ; وقعة صفّين : ٥٤١ .

 ٢٤٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / مفاوضات الحَكَمين

أبو موسي : اكتب ، قال عمرو : فظالماً قُتِلَ عثمان أو مظلوماً ، قال أبو موسي : بل قُتل مظلوماً ، قال عمرو : أ فليس قد جعل الله لولىّ المظلوم سلطاناً يطلب بدمه ؟ قال أبو موسي : نعم ، قال عمرو : فهل تعلم لعثمان وليّاً أولي من معاوية ؟ قال أبو موسي : لا ، قال عمرو : أ فليس لمعاوية أن يطلب قاتله حيثما كان حتي يقتله أو يعجز عنه ؟ قال أبو موسي : بلي ، قال عمرو للكاتب : اكتب ، وأمره أبو موسي فكتب ، قال عمرو : فإنّا نقيم البيّنة أنّ عليّاً قتل عثمان ، قال أبو موسي : هذا أمر قد حَدَثَ فى الإسلام ، وإنّما اجتمعنا لغيره ، فهلمّ إلي أمر يُصلح الله به أمر اُمّة محمّد ، قال عمرو : وما هو ؟ قال أبو موسي : قد علمت أنّ أهل العراق لا يحبّون معاوية أبداً ، وأنّ أهل الشام لا يُحبّون عليّاً أبداً ; فهلمّ نخلعهما جميعاً ونستخلف عبد الله بن عمر ! وكان عبد الله بن عمر علي بنت أبى موسي(١) .

٢٦٢٣ ـ العقد الفريد عن أبى الحسن ـ فى ذكر اجتماع الحَكَمين ـ : اُخلى لهما[عمرو بن العاص وأبى موسى] مكان يجتمعان فيه ، فأمهله عمرو بن العاص ثلاثة أيّام ، ثمّ أقبل إليه بأنواع من الطعام يُشهّيه بها ، حتي إذا استبطن أبو موسي ناجاه عمرو ، فقال له : يا أبا موسي ! إنّك شيخ أصحاب محمّد  ½ ، وذو فضلها ، وذو سابقتها ، وقد تري ما وقعت فيه هذه الاُمّة من الفتنة العمياء التى لا بقاء معها ، فهل لك أن تكون ميمون هذه الاُمّة ; فيحقن الله بك دماءها ; فإنّه يقول فى نفس واحدة : ³ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً  ²  (٢) ، فكيف بمن أحيا أنفس هذا الخلق كلّه !

قال له : وكيف ذلك ؟ قال : تخلع أنت علىّ بن أبى طالب ، وأخلع أنا معاوية بن


(١) مروج الذهب : ٢ / ٤٠٧ .
(٢) المائدة : ٣٢ .

 ٢٤١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / رأى الحَكَمين

أبى سفيان ، ونختار لهذه الاُمّة رجلاً لم يحضر فى شىء من الفتنة ، ولم يغمس يده فيها .

قال له : ومن يكون ذلك ؟ ـ وكان عمرو بن العاص قد فهم رأى أبى موسي فى عبد الله بن عمر ـ فقال له : عبد الله بن عمر . فقال : إنّه لَكَما ذكرت ، ولكن كيف لى بالوثيقة منك ؟

فقال له : يا أبا موسي ، ³ أَ لاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئـِنُّ الْقُلُوبُ  ²  (١) ، خذ من العهود والمواثيق حتي ترضي .

ثمّ لم يُبْقِ عمرو بن العاص عهداً ولا موثقاً ولا يميناً مؤكّدة حتي حلف بها ، حتي بقى الشيخ مبهوتاً ، وقال له : قد أحببتُ(٢) .

١٤ / ٨

رأى الحَكَمين

٢٦٢٤ ـ تاريخ الطبرى عن أبى جناب الكلبى : إنّ عمراً وأبا موسي حيث التقيا بدومة الجندل ، أخذ عمرو يقدّم أبا موسي فى الكلام ، يقول : إنّك صاحب رسول الله  ½ وأنت أسنّ منى ، فتكلَّمْ وأتكلَّمُ ; فكان عمرو قد عوّد أبا موسي أن يقدّمه فى كلّ شىء ، اغتزي بذلك كله أن يقدّمه ، فيبدأ بخلع علىّ . قال : فنظر فى أمرهما وما اجتمعا عليه ، فأراده عمرو علي معاوية فأبي ، وأراده علي ابنه فأبي ، وأراد موسي عمراً علي عبد الله بن عمر فأبي عليه ، فقال له عمرو : خبّرنى ما رأيك ؟ قال : رأيى أن نخلع هذين الرجلين ، ونجعل الأمر شوري بين المسلمين ،


(١) الرعد : ٢٨ .
(٢) العقد الفريد : ٣ / ٣٤٠ .

 ٢٤٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / رأى الحَكَمين

فيختار المسلمون لأنفسهم مَن أحبّوا . فقال له عمرو : فإنّ الرأى ما رأيت .

فأقبَلا إلي الناس وهم مجتمعون ، فقال : يا أبا موسي ، أعلِمْهم بأنّ رأينا قد اجتمع واتّفق ، فتكلّم أبو موسي فقال : إنّ رأيى ورأى عمرو قد اتّفق علي أمر نرجو أن يُصلِح الله عزّ وجلّ به أمرَ هذه الاُمة . فقال عمرو : صدق وبرّ ، يا أبا موسي ! تقدّم فتكلّم ، فتقدّم أبو موسي ليتكلّم ، فقال له ابنُ عبّاس : وَيْحَك ! والله إنّى لأظنّه قد خدعك . إن كنتما قد اتّفقتما علي أمر ; فقدّمْه فليتكلّم بذلك الأمر قبلك ، ثمّ تكلّم أنت بعده ; فإنّ عمراً رجل غادر ، ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضي فيما بينك وبينه ، فإذا قمت فى الناس خالفك ـ وكان أبو موسي مغفّلاً ـ فقال له : إنّا قد اتّفقنا . فتقدّم أبو موسي فحمد الله عزّ وجلّ وأثني عليه ، ثمّ قال :

أيّها الناس ! إنّا قد نظرنا فى أمر هذه الاُمة فلم نَرَ أصلح لأمرها ، ولا ألمّ لشعثها من أمر قد أجمع رأيى ورأى عمرو عليه ; وهو أن نخلع عليّاً ومعاوية ، وتستقبل هذه الاُمّة هذا الأمر ; فيولّوا منهم مَنْ أحبّوا عليهم ، وإنّى قد خلعت عليّاً ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم ، وولّوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً . ثمّ تنحّي .

وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه ، فحمد اللهَ وأثني عليه وقال : إنّ هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، واُثبتُ صاحبى معاوية ; فإنّه ولىّ عثمان بن عفّان ، والطالب بدمه ، وأحقّ الناس بمقامه .

فقال أبو موسي : ما لك لا وفّقك الله ! غدرتَ وفجرتَ ! إنّما مَثَلك ³ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ  ²  (١) . قال عمرو : إنّما مَثَلك ³ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ


(١) الأعراف : ١٧٦ .

 ٢٤٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / كلام الإمام لمّا بلغه أمر الحَكَمين

أَسْفَاراً  ²  (١) . وحَمَل شُرَيح بن هانئ علي عَمرو فقنّعه بالسوط ، وحَمَل علي شُرَيح ابنٌ لعَمرو فضربه بالسوط ، وقام الناس فحجزوا بينهم . وكان شُريح بعد ذلك يقول : ما ندمتُ علي شىء ندامتى علي ضرب عَمرو بالسوط ألاّ أكون ضربته بالسيف آتياً به الدهرُ ما أتي . والتمس أهلُ الشام أبا موسي ، فركب راحلتَه ولحق بمكّة .

قال ابن عبّاس : قبّح الله رأي أبى موسي ! حذّرته وأمرْته بالرأى فما عَقَل . فكان أبو موسي يقول : حذّرنى ابنُ عبّاس غَدْرة الفاسق ، ولكنّى اطمأننت إليه ، وظننت أنّه لن يؤثِر شيئاً علي نصيحة الاُمّة . ثمّ انصرف عمرو وأهل الشام إلي معاوية ، وسلّموا عليه بالخلافة ، ورجع ابن عبّاس وشريح بن هانئ إلي علىّ(٢) .

٢٦٢٥ ـ تاريخ اليعقوبى : تنادي الناس : حَكَم والله الحَكَمان بغير ما فى الكتاب والشرط عليهما غير هذا . وتضارب القوم بالسياط ، وأخذ قوم بشعور بعض ، وافترق الناس .

ونادت الخوارج : كَفَر الحَكَمان ، لا حُكْم إلاّ لله(٣) .

١٤ / ٩

كلام الإمام لمّا بلغه أمر الحَكَمين

٢٦٢٦ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلام له بعد التحكيم وما بلغه من أمر الحَكَمين ـ : أمّا


(١) الجمعة : ٥ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٦ ، الأخبار الطوال : ١٩٩ ـ ٢٠١ كلاهما نحوه ; وقعة صفّين : ٥٤٤ ـ ٥٤٦ وراجع الفتوح : ٤ / ٢١٤ والإمامة والسياسة : ١ / ١٥٦ وتاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٠ .
(٣) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٠ .

 ٢٤٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / كلام الإمام لمّا بلغه أمر الحَكَمين

بعدُ ; فإنّ معصية الناصح الشفيق العالم المجرّب ، تورث الحسرة ، وتُعقب الندامة .

وقد كنت أمرتكم فى هذه الحكومة أمرى ، ونخلت لكم مخزون رأيى ، لو كان يُطاعُ لِقصير أمرٌ(١) ! فأبيتم علىَّ إباء المخالفين الجفاة ، والمنابذين العصاة .

حتي ارتاب الناصح بنصحه ، وضنّ الزَّنْد بقَدحه ، فكنت أنا وإيّاكم كما قال أخو هوازن :

أمرتكمُ أمرى بمنعرج اللِّوي فلم تستبينوا النصحَ إلاّ ضحي الغدِ(٢)


(١) هو مثل يضرب لمن خالف ناصحه ، وأصل المثل أنّ قصيراً كان مولي لجذيمة بن الأبرش ـ بعض ملوك العرب ـ وقد كان جذيمة قتل أبا الزبا ملكة الجزيرة ، فبعثت إليه ليتزوّج بها خدعة وسألته القدوم عليها ، فأجابها إلي ذلك وخرج فى ألف فارس وخلّف باقى جنوده مع ابن اُخته وقد كان قصير أشار عليه بأن لا يتوجّه إليها فلم يقبل ، فلمّا قرب الجزيرة استقبلته جنود الزبا بالعدّة ولم يرَ منهم إكراماً له ، فأشار عليه قصير بالرجوع وقال : من شأن النساء الغدر ، فلم يقبل ، فلمّا دخل عليها قتلته . فعندها قال قصير : لا يُطاع لقصير أمر . فصار مثلا لكلّ ناصح عصي (بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٢٢) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٣٥ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٢٢ / ٥٦٨ ; أنساب الأشراف : ٣ / ١٤٠ عن عامر الشعبى وجبر بن نوف ، جواهر المطالب : ١ / ٣١٧ كلاهما نحوه وراجع مروج الذهب : ٢ / ٤١٢ والإمامة والسياسة : ١ / ١٦٣ .

 ٢٤٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

بحث حول التحكيم

إنّ قضيّة التحكيم فى معركة صفّين تُعدّ واحدة من أكثر الوقائع الباعثة علي الأسف والأسي فى عهد حكومة الإمام علىّ  ¼ ; حيث جاءت هذه الحادثة المريرة فى وقت شارَفَ فيه جيش الإمام علي إحراز النصر النهائى ، فحالَ قبول التحكيم دون تحقيق ذلك الانتصار الساحق ، وليس هذا فحسب ، بل إنّه أفضي أيضاً إلي وقوع خلافات فى جيشه  ¼ وانهماكه فى صراعات مع كوكبة واسعة من خيرة مقاتليه . ولغرض تسليط الأضواء علي هذا الموضوع لابدّ أوّلاً من مناقشة عدّة اُمور :

١ ـ سبب قبول التحكيم

السؤال الأوّل الذى يتبادر إلي الأذهان هو : لماذا وافق الإمام علي فكرة التحكيم ؟ فهل إنّه كان فى شكّ من أمره ومواقفه ؟ بل ما معني التحكيم بين الحقّ والباطل ؟أ وَلم تكن الحكمة والسياسة تقضيان أن يقاوم الإمام ضغوط رهْط من جيشه ، ولا ينصاع لفكرة التحكيم ؟

 ٢٤٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

وفى معرض الإجابة عن هذه التساؤلات نقول : بلي ، إنّ مقتضي الحكمة والسياسة ألاّ يقبل الإمام بالتحكيم ، إلاّ أنّه  ¼ ـ كما تفيد الوثائق التاريخيّة القطعيّة ـ لم يقبل التحكيم بإرادته وإنّما فُرض عليه فرضاً ، ولم تكن مقاومته أمام ذلك الرأى الساذج تُجديه نفعاً ، بل كانت تؤدّى إلي وقوع معركة النهروان فى صفّين ، وسيضطرّ الإمام إلي محاربة قسم كبير من جيشه فى ذات الميدان الذى كان يقاتل فيه جيش الشام .

عندما أدرك معاوية بأنّه لا طاقة له علي الصمود أمام جيش الإمام ، وأنّ الحرب لو استمرت لكان الانتصار الحاسم حليف الإمام ، لجأ ـ بما لديه من معرفة بفريق واسع من جيش الإمام ، وبناءً علي اقتراح من عمرو بن العاص ـ إلي حيلتين شيطانيّتين خطيرتين : الاُولي هدفها إيقاف القتال مؤقّتاً ، بينما ترمى الثانية إلي تمزيق أو إضعاف جيش الإمام . وقد آتت كلتا الحيلتين اُكلهما بمعاضدة العناصر المتغلغلة فى جيش الإمام .

كانت الحيلة الاُولي رفع القرآن علي الرماح ، ودعوة الإمام إلي تحكيم القرآن ، حتي أوقف القتال ، أمّا الحيلة الثانية فكانت قضيّة التحكيم التى تمّ حبكها علي نحو أكثر تعقيداً ، ممّا أدّي فى خاتمة المطاف إلي وقوف قطاع من خيرة جيشه فى وجهه .

وهذا هو السبب الذى دفع الإمام لاحقاً إلي مقاتلة أنصاره فى معركة النهروان . ولم يكن أمامه مناص فى معركة صفّين سوي الانصياع لضغوطهم وقبول التحكيم . وهناك قول مشهور للإمام فى وصف حالته أثناء قبول التحكيم : "لقد كنت أمسِ أميراً ، فأصبحت اليوم مأموراً ! وكنتُ أمس ناهياً ، فأصبحت

 ٢٤٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

اليوم منهيّاً !" . وهو يعبّر بكلّ وضوح عن هذا الواقع المرير .

٢ ـ لماذا أبو موسي ؟

تفيد بعض الوثائق التاريخيّة أنّ أبا موسي الأشعرى كان رجلا منافقاً ; فقد نُسب إلي حذيفة وعمّار بن ياسر القول بذلك(١) . وهذا الادّعاء حتّي لو افترضناه غير صحيح ، إلاّ أنّ من المسلّم به أنّه كان رجلاً ساذجاً ومغفّلاً وكان مناهضاً لسياسة الإمام فى التصدّى الحاسم لمثيرى الفتنة الداخليّة . وموقفه هذا هو الذى جعله يثبّط الناس عن أمير المؤمنين عند قدومه البصرة ، ويحثّهم علي لزوم بيوتهم ، وفى نهاية الأمر أرغمه مالك الأشتر علي مغادرة قصر الإمارة .

وهنا يتبادر إلي الأذهان هذا السؤال وهو : لماذا عيّن الإمام شخصاً ساذجاً له كهذا ، مندوباً عنه فى أمر التحكيم ؟ أ لم يعلم بما ستكون عليه نتيجة التحكيم فيما لو دخل أبو موسي فيه ؟

والجواب هو : بلي ، إنّ الإمام كان يعلم بالنتيجة ; فقد ذكر عبد الله بن أبى رافع كاتب الإمام علىّ  ¼ بأنّ أبا موسي عندما أراد المسير إلي التحكيم ، قال أمير المؤمنين  ¼ : "كأنّى به وقد خُدِع !" ، غير أنّ الضغوط التى أرغمت الإمام علي قبول التحكيم هى نفسها التى أرغمته علي إرسال أبى موسي ممثّلاً عنه .

ومع أنّ الإمام أمير المؤمنين  ¼ حاول أن يبعث عبد الله بن عبّاس أو مالكاً الأشتر حكماً ، إلاّ أنّ محاولاته لم تُجْد نفعاً !

فقال  ¼ : "إنّكم عصيتمونى فى أوّل الأمر ; فلا تعصونى الآن ! إنّى لا أري أن


(١) راجع : القسم السادس عشر / أبو موسي الأشعرى .

 ٢٤٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

اُولّى أبا موسي" .

فقال الأشعث وزيد بن الحصين الطائى ومسعر بن فدكى : لا نرضي إلاّ به ; فإنّه ما كان يحذّرنا منه وقعنا فيه !

فقال علىّ  ¼ : "فإنّه ليس لى به ثقة ; قد فارقنى وخذّل الناس عنّى ، ثمّ هرب منّى حتّي آنسته بعد شهر . . ." .

ولم يستطع الإمام أن يثنيهم عن رأيهم ، فقال لهم فى نهاية الأمر : "فاصنعوا ما أردتم !" .

٣ ـ موضوع التحكيم

لنتطلّع الآن فى موضوع الحَكَميّة ، وما الذى يجب أن يحكم فيه الحكمان ؟

لا يلاحظ فى وثيقة التحكيم ما يشير إلي موضوع التحكيم ، ولا واجبات وصلاحيّات الحكَمَين ، وإنّما اشتملت علي واجب عامّ للحكَمَين وهو "أن ينزل الحَكَمان عند حكم القرآن ، وما لم يجداه مسمّيً فى الكتاب ردّاه إلي سنّة رسول الله" .

لم يرد فى نصّ الوثيقة ما يشير إلي موضوع التحكيم قطّ ، أو أنّه يُعني بالنظر فى أمر قتَلة عثمان ; كما أشار البعض إلي "أنّ الذى يُستشفّ من كتب وكلمات معاوية أنّ ما فُوّض إلي الحَكَمين هو النظر فى أمر قتلة عثمان ، وهل كانوا محقّين فى عملهم أم لا ؟"(١) .

أ وَهل كان موضوع التحكيم واضحاً بحيث لم تكن هناك ضرورة لإدراجه فى


(١) علي از زبان علي "على عن لسان على" : ١٢٥ .

 ٢٤٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

نصّ الوثيقة ؟ أم يحتمل أنّ موضوع التحكيم كان موجوداً فى الوثيقة ، إلاّ أنّه حُذف أو حُرِّف لاحقاً ؟

الذى يبدو أنّ تحريف نصّ الوثيقة كان أمراً مستبعداً ، وكذلك لو كان موضوع التحكيم يختصّ بقتلة عثمان لاُشير إليه فى نصّ الوثيقة . وما جاء فى كلام الإمام أو فى رسائله إلي معاوية لا يكشف عن أنّ مسألة قتلة عثمان كان أحد مواضيع التحكيم .

ويظهر أنّ موضوع التحكيم يختصّ بحلّ اختلافات الجانبين ، ولا توجد حاجة لتعيينه ; فقد يكون الاختلاف تارة حول مسائل الزواج ، كما جاء فى الآية (٣٥) من سورة النساء ، أو مسائل سياسيّة ، كما وقع فى معركة صفّين ، أو مسائل اُخري . وفى كلّ الحالات يجب علي الحكمين البتّ فى جميع المسائل المختلف عليها بين الفريقين المتنازعين ، وتوفير أجواء المصالحة بينهما .

ومعني هذا الكلام عدم تخصيص موضوع الحكَميّة فى معركة صفّين بمسألة قتلة عثمان ، وإنّما كان يشمل جميع الاُمور المتنازع عليها بين علىّ  ¼ ومعاوية . وهذا هو السبب الذى جعل الوثيقة خالية من ذكر أىّ موضوع خاصّ ، إلاّ أنّ هذا المعني لم يكن يشمل تعيين الخليفة ، وإنّما كان واجب الحكمين البتّ فى تنازع جيش الكوفة والشام ووضع حدّ لحالة الحرب وسفك الدماء . والحقيقة هى أنّ ما اُعلن بوصفه رأياً نهائيّاً علي أثر الخديعة التى حاكها عمرو بن العاص ، جاء خارج موضوع التحكيم وفوق الصلاحيّات المفوّضة إلي الحَكَمين .

٤ ـ سبب انخداع جيش الإمام

والآن نُجيل النظر فى أسباب انخداع جيش الإمام علىّ  ¼ ; ولماذا لم يدركوا

 ٢٥٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

أو لم يريدوا أن يدركوا بأنّ رفع المصاحف علي الرماح لم يكن إلاّ مكيدة أراد بها الشاميّون إيقاف القتال ؟ ولماذا لم يُصغوا لكلام إمامهم ، وأرغموه علي قبول التحكيم ؟

ينبغى الإجابة عن هذا السؤال بالقول : إنّه وإن كان ثمّة أفراد فى جيش الإمام كانوا طوع أمره ، وأرادوا أن تستمرّ المعركة حتّي انتصار جيش الكوفة ، إلاّ أنّ الوثائق التاريخيّة تُثبت أنّ الأكثريّة العظمي من جيش الإمام كانت قد سئمت الحرب أوّلاً ، وكانوا يعلمون أنّهم حتي لو انتصروا فلن يحصلوا علي أيّة غنائم ـ مثلما حدث فى معركة الجمل ـ ثانياً ; ومن هنا فهم كانوا يفتقدون الدوافع المحفزة علي مواصلة القتال . وعندما عرض عدىّ بن حاتم علي الإمام  ¼ مواصلة الحرب قائلاً : يا أمير المؤمنين ، ألا نقوم حتي نموت ؟

قال علىّ  ¼ : "ادنُهْ" ، فدنا حتّي وضع اُذنه عند أنفه ، فقال : "ويحك ! إنّ عامّة من معى يعصينى ، ومعاوية فيمن يُطيعه ولا يعصيه" .

نعم ، فقد كان قرّاء الكوفة ـ الذين كان لهم دور أساسى فى جيش الإمام ـ من جملة هذه الشِّرْذِمة ، ونظراً لمكانتهم بين أهل الكوفة ، فقد أصبح لهم الدور الأكبر فى صياغة هذا المشهد الأليم ، وكان جهلهم وغرورهم بمثابة الغشاء الذى حال بينهم وبين إدراك الخدعة التى لجأ إليها الشاميّون برفع المصاحف علي الرماح لغرض إيقاف الحرب والحيلولة دون هزيمتهم المتوقّعة ، وقد أدّي التطرّف الدينى(١) ـ المقرون بالجهل والحماقة ـ بهؤلاء العبّاد الجهلة إلي إرغام إمامهم علي قبول التحكيم .


(١) راجع : وقعة النهروان / دراسة حول المارقين وجذور انحرافهم .

 ٢٥١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

وممّا دعم الموقف الأحمق للقرّاء فى تلك الأثناء وساهم فى نجاح مكيدة معاوية لإيقاف الحرب وبثّ الفرقة فى جيش الإمام ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ هو موقف اُولئك الذين كانوا يتعاملون مع الإمام تعاملاً منافقاً ، ومن كانوا يمنّون أنفسهم بوعود معاوية ، وعلي رأسهم الأشعث بن قيس .

فالأشعث بن قيس من قبيلة كندة التى كانت تقطن جنوب الجزيرة العربيّة ، وقد وفد علي الرسول  ½ مع جماعة من قومه فى السنة العاشرة للهجرة ، وأسلم ، ثمّ ارتدّ بعد وفاة الرسول  ½ ، فبعث أبو بكر جيشاً لقتاله ، واُسر واقتيد مكبّلاً بالأغلال إلي المدينة ، فعفا عنه أبو بكر وزوّجه اُخته ! !

وبعد مقتل عثمان بايع عليّاً  ¼ ، بيد أنّه لم يكن يتعامل معه بإخلاص ; فمواقفه إزاء الإمام وخاصّة فيما يتعلّق بالتحكيم ، وبثّ الفرقة بين صفوف جيش الإمام ، تشير إلي أنّه تحوّل إلي واحد من العناصر المندسّة فى جيش الإمام لصالح معاوية . إلاّ أنّ الإمام علىّ  ¼ لم يكن قادراً علي البتّ فى أمره ; بسبب مكانته الاجتماعيّة وضخامة قبيلته التى كان لها دور مؤثّر فى جيش الكوفة .

٥ ـ الحكمة من عدم اغتنام الفرصة بعد توبة الخوارج

وتوقّفت المعركة علي أثر المكيدة التى ابتكرها عمرو بن العاص . ولكن ما لبث قرّاء الكوفة أن انتبهوا إلي أنّهم قد انطلت عليهم الخدعة ، وأنّهم قد أخطؤوا فى حمل الإمام علي قبول التحكيم . فجاؤوا إليه وأعربوا عن خطأ موقفهم ، وتوبتهم ممّا كان منهم ، وأنّه هو الآخر قد أخطأ فى قبول رأيهم ، ويجب أن يتوب أيضاً ! واعتبروا الوثيقة التى صيغت علي أساس المكيدة فاقدة لأيّة قيمة ، ولابدّ من نقضها واستئناف الحرب . إلاّ أنّ الإمام رفض قبول هذه الاقتراحات ، وانتهي ذلك الرفض إلي انشقاق القُرّاء عن الإمام ووقوع معركة النهروان .

 ٢٥٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

والسؤال الأساسى الأخير فيما يخصّ أمر التحكيم هو : لماذا رفض الإمام اقتراح القرّاء بنقض الوثيقة ومعاودة القتال ؟ أ لم يكن يعلم بما سيؤول إليه رفض تلك المقترحات ؟ وما هى الحكمة الكامنة وراء عدم اغتنام الإمام لتلك الفرصة الذهبيّة لإنهاء فتنة القاسطين ، وتوقّى وقوع فتنة المارقين ؟

وجواب هذا السؤال : هو أنّ استجابة الإمام لتلك المقترحات تنطوى علي ثلاثة أخطاء سياسيّة ودينيّة كبري لم يكن الإمام علي استعداد لاقترافها ، وهى :

أ ـ الاعتراف بخطأ القيادة

كان الطلب الأوّل للخوارج أن يعترف بأنّه قد أخطأ فيما يخصّ القبول بأمر التحكيم ، غير أنّ الإمام لم يكن علي استعداد للإعلان عن ارتكابه لأىّ خطأ ; وذلك لأنّ القبول بالتحكيم لحلّ الاختلافات لا يُعدّ تصرّفاً خاطئاً ، بل هو أمر محبّذ يؤيّده القرآن . والمؤاخذة الوحيدة فى هذا السياق هى أنّ التحكيم فى هذه الواقعة جاء خلافاً للحكمة والسياسة التى أعلنها الإمام صراحة ، لكنّهم هم الذين استنكروا منه ذلك الموقف وأملوا عليه وعلي جيش الكوفة الرضوخ للتحكيم .

وفضلاً عن ذلك ، فإنّ الإمام كان يميل إلي الاستقالة علي نحو يُرضى الخوارج ، غير أنّ الأشعث لم يقبل وأصرّ علي أن يعترف الإمام بالخطأ علي نحو يسىء إلي مكانته بوصفه قائداً .

ب ـ نقض العهد

ولو افترضنا أنّ الإمام قد اعترف بخطأ ; فإنّ الخوارج كان لديهم طلب آخر ; وهو نقض الوثيقة بين جيش الشام والكوفة . بينما كان الإمام يري أنّ التمسّك

 ٢٥٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

بالمواثيق يعدّ واحداً من المبادئ الدوليّة فى الإسلام ، ولا ينبغى أن ينقض المواثيق تحت أيّة ذريعة كانت . ومن هنا فقد كتب فى عهده إلي مالك الأشتر :

"و إن عقدتَ بينك وبين عدوّك عُقدة أو ألبستَه منك ذمّة ، فحُطْ عهدك بالوفاء ، وارْعَ ذمّتك بالأمانة ، واجعل نفسك جُنّة دون ما أعطيت ; فإنّه ليس من فرائض الله شيءٌ الناسُ أشدُّ عليه اجتماعاً ، مع تفرّق أهوائهم وتشتّت آرائهم ، من تعظيم الوفاء بالعهود . وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استَوبَلوا من عواقب الغدر ; فلا تغدرنَّ بذمّتك ، ولا تَخِيسَنّ بعهدك ، ولا تَخْتِلنّ عدوّك ; فإنّه لا يجترئ علي الله إلاّ جاهل شقىّ . وقد جعل الله عهده وذمّته أمناً أفضاه بين العباد برحمته ، وحريماً يسكنون إلي مَنَعته ، ويستفيضون إلي جواره ; فلا إدغالَ ولا مدالسة ولا خداع فيه"(١) .

فإذا كان الإمام علىّ  ¼ ينقض هذا المبدأ الإسلامى الأساسى ، فما عسانا أن نتوقّع من غيره !

ج ـ خطورة تسلّط الجهلة المتنسّكين

إنّ خطر تسلّط الجهلة المتنسّكين ـ فى منظار الامام  ¼ ـ لا يقلّ عن خطر العلماء الفاسقين ; فالاعتراف بخطأ ، ونقض العهد فى أمر التحكيم ، كان يعنى انصياع علىّ  ¼ لتسلّط الجهلة المتنسّكين ـ المصابين بمرض العجب وحبّ الدنيا والتطرّف الدينى لدي من اشتُهروا باسم "القرّاء" ـ علي نفسه وعلي الاُمّة الإسلاميّة ، وأنّه قد فوّض إليهم القرارات الأساسيّة فى الحرب والسلام ، ومن بعدهما فى جميع الاُمور المهمّة والحسّاسة . وهذا ليس بالأمر الذى يمكن أن


(١) نهج البلاغة : الكتاب ٥٣ .

 ٢٥٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الرابع عشر : خيمة التحكيم / بحث حول التحكيم

يتقبّله أو يستسيغه قائد الاُمّة الإسلاميّة . وهذا ما جعل الإمام يقاوم طلباتهم بكلّ قوّة ، ويقول :

"أنا فقأت عين الفتنة ، ولم يكن ليجترئ عليها أحدٌ غيرى" .