٣٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية
٤ / ١ مقيس بن عمرو بن مالك المشهور بالنجاشى : من شعراء صدر الإسلام ، وأحد أصحاب الإمام ¼ . كان النجاشى من الدعاة لجيش الإمام علىّ ¼ بأشعاره ; فكان يُحمِّس الناس للقتال من جهة ، ويفضح معاوية وأصحابه ، ويُبدى مخازيهم من جهة اُخري . فلمّا كان منه ما كان من إفطاره فى شهر رمضان وشربه للخمر حدّه الإمام ¼ كغيره من العصاة ، ولم يمنع الإمام ¼ عن إقامة حدّ الله تعالي ما قدّمه من خدمات . فلمّا رأي النجاشى شدّة الإمام وحزمه فى إقامة الحدود الإلهيّة ، وعدم منع شىء عن إقامتها ـ ولم يكن يتصوّر شدّة الإمام بهذا الحدّ ـ اعتزل عن الإمام والتجأ إلي معاوية . ٣٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية / النجاشي
٢٧٨٢ ـ الغارات عن عوانة : خرج النجاشى فى أوّل يوم من رمضان ، فمرّ بأبى سمّال الأسدى وهو قاعد بفناء داره ، فقال له : أين تريد ؟ قال : اُريد الكناسة(١) ، قال : هل لك فى رؤوس وأليات قد وضعت فى التنّور من أوّل الليل فأصبحت قد أينعت وتهرّأت ؟ قال : ويحك ! فى أوّل يوم من رمضان ؟ ! قال : دعنا ممّا لا نعرف ، قال : ثمّ مَهْ ؟ قال : ثمّ أسقيك من شراب كالوَرْس(٢) ، يُطيّب النفس ، ويجرى فى العِرْق ، ويزيد فى الطَّرْق ، يهضم الطعام ، ويسهّل للفَدْم(٣) الكلام . فنزل فتغدّيا ثمّ أتاه بنبيذ فشرباه ، فلمّا كان من آخر النهار علت أصواتهما ، ولهما جار يتشيّع من أصحاب علىّ ¼ ، فأتي عليّاً ¼ فأخبره بقصّتهما ، فأرسل إليهما قوماً فأحاطوا بالدار ، فأمّا أبو سمّال فوثب إلي دور بنى أسد فأفلت ، وأمّا النجاشى فاُتى به عليّاً ¼ ، فلمّا أصبح أقامه فى سراويل فضربه ثمانين ، ثمّ زاده عشرين سوطاً ، فقال : يا أمير المؤمنين ! أمّا الحدّ فقد عرفته ، فما هذه العِلاوة التى لا تُعْرف ؟ قال : لجرأتك علي ربّك ، وإفطارك فى شهر رمضان . ثمّ أقامه فى سراويله للناس ، فجعل الصبيان يصيحون به : خَرِىَ النجاشى ، فجعل يقول : كلاّ والله إنّها يمانيّة وِكاؤها شعر . . . ثمّ لحق بمعاوية وهجا عليّاً ¼ (٤) . (١) الكُنَاسَة : محلّة بالكوفة ، عندها واقع يوسف بن عمر الثقفى زيد بن على بن الحسين (معجم البلدان : ٤ / ٤٨١) . ٣٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية / طارق بن عبد الله
٤ / ٢ ٢٧٨٣ ـ الغارات عن أبى الزناد : لمّا حدّ علىّ ¼ النجاشى غضب لذلك من كان مع علىّ من اليمانيّة ، وكان أخصّهم به طارق بن عبد الله بن كعب بن اُسامة النهدى ، فدخل علي أمير المؤمنين ¼ فقال : يا أمير المؤمنين ! ما كنّا نري أنّ أهل المعصية والطاعة ، وأهل الفرقة والجماعة ، عند ولاة العدل ومعادن الفضل سِيّان فى الجزاء ، حتي رأيت ما كان من صنيعك بأخى الحارث ، فأوغرتَ صدورنا ، وشتّتَّ اُمورنا ، وحملتَنا علي الجادّة التى كنّا نري أنّ سبيل من ركبها النار . فقال علىّ ¼ : ³ إِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَي الْخَاشِعِينَ ² (١) يا أخا بنى نهد ، وهل هو إلاّ رجل من المسلمين انتهك حرمة من حُرَم الله، فأقمنا عليه حدّاً كان كفّارته ! إنّ الله تعالي يقول: ³ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئـَانُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ² (٢) . قال : فخرج طارق من عند علىّ وهو مظهِرٌ بعذره قابلٌ له ، فلقيه الأشتر النخعى ; فقال له : يا طارق أنت القائل لأمير المؤمنين : إنّك أوغرت صدورنا وشتّتّ اُمورنا ؟ قال طارق : نعم أنا قائلها . قال له الأشتر : والله ما ذاك كما قلت ، وإنّ صدورنا له لَسامعةً ، وإنّ اُمورنا له لَجامعةً . قال : فغضب طارق وقال : ستعلم يا أشتر أنّه غير ما قلت ! فلمّا جنّه الليل هَمَس(٣) هو والنجاشى إلي معاوية(٤) . (١) البقرة : ٤٥ . ٤٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية / حنظلة الكاتب
٤ / ٣ ٢٧٨٤ ـ وقعة صفيّن عن النضر بن صالح : بعث علىّ ¼ إلي حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب ـ وهو من الصحابة ـ فقال : يا حنظلة ، أ علىَّ أم لى ؟ قال : لا عليك ولا لك ، قال : فما تريد ؟ قال : أشخصُ إلي الرُّها(١) فإنّه فَرْج من الفروج ، أصمِد له حتي ينقضى هذا الأمر . . . فدخل منزله وأغلق بابه حتي إذا أمسي هرب إلي معاوية . . . وهربَ ابن المعتمّ أيضاً حتي أتي معاوية . . . ولكنّهما لم يقاتلا مع معاوية ، واعتزلا الفريقين جميعاً . . . فلمّا هرب حنظلة أمر علىّ بداره فهدّمت(٢) . ٤ / ٤ ٢٧٨٥ ـ الغارات : كان عبد الله بن عبد الرحمن بن مسعود . . . شهد مع علىّ ¼ صفّين ، وكان فى أوّل أمره مع معاوية ، ثمّ صار إلي علىّ ، ثمّ رجع بعدُ إلي معاوية ، ثمّ سمّاه علىّ ¼ الهَجَنَّع ، والهَجَنَّع : الطويل(٣) . (١) الرُهَا : إحدي مدن سورية ، وتقع بين الشام والموصل فى الجانب الشمالى الشرقى عن الفرات أعلي الرقّة وحرّان ، وتعرف اليوم بـ "أدسا" و"اُورفا" . ٤١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية / القعقاع بن شور
٤ / ٥ ليس عندنا معلومات كثيرة عن حياته . ولىَ كَسْكَر بعد قُدامة بن عَجْلان(١) . وقال ابن أبى الحديد : إنّه ولىَ "ميسان" أيضاً(٢) . قَبَض علي بيت المال لترفه وملذّاته . وحين علم أنّ الإمام أمير المؤمنين ¼ اطّلع علي ذلك ، أخذ الأموال وذهب إلي معاوية(٣) . دنّس قلبُهُ الأسود حياتَهُ ، وبلغ به الحال أنّه خان مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين ¼ إلي الكوفة ، وسعي فى تفريق أصحابه عنه ، متواطئاً مع ابن الأشعث وأضرابه(٤) . ٢٧٨٦ ـ الإمام علىّ ¼ : تسألونى المال ؟ ! وقد استعملت القعقاع بن شور علي كَسْكَر ، فأصدقَ امرأة بمائة ألف درهم ، وايم الله لو كان كفواً ما أصدقها ذلك(٥) . ٤ / ٦ ٢٧٨٧ ـ تاريخ دمشق : مصقلة بن هبيرة . . . من وجوه أهل العراق ، كان من أصحاب علىّ بن أبى طالب ، ووُلّى أردشيرخُرّة من قِبل ابن عبّاس ، وعتب علىٌّ عليه فى (١) الغارات : ٢ / ٥٣٣ ; شرح نهج البلاغة : ٤ / ٨٧ . ٤٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية / مولي للإمام
إعطاء مال الخراج لمن يقصده من بنى عمّه ، وقيل : لأنّه فدي نصاري بنى ناجية بخمسمائة ألف ، فلم يردّها كلّها ، ووفد علي معاوية(١) . ٢٧٨٨ ـ تهذيب الأحكام عن أبى الطفيل : إنّ بنى ناجية قوماً كانوا يسكنون الأسياف(٢) ، وكانوا قوماً يدّعون فى قريش نسباً ، وكانوا نصاري فأسلموا ، ثمّ رجعوا عن الإسلام ، فبعث أميرُ المؤمنين ¼ معقلَ بن قيس التميمى . . . فقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم . قال : فأتي بهم عليّاً ¼ ، فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم فأعتقهم ، وحمل إلي علىّ أمير المؤمنين ¼ خمسين ألفاً ، فأبي أن يقبلها . قال : فخرج بها فدفنها فى داره ولحق بمعاوية ـ لعنه الله ـ قال : فأخرب أمير المؤمنين ¼ داره وأجاز عتقهم(٣) . ٤ / ٧ ٢٧٨٩ ـ الإمام الصادق ¼ : إنّ مولي لأمير المؤمنين ¼ سأله مالاً ، فقال : يخرج عطائى فاُقاسمك هو ، فقال : لا أكتفى ، وخرج إلي معاوية فوصله ، فكتب إلي أمير المؤمنين ¼ يخبره بما أصاب من المال ، فكتب إليه أمير المؤمنين ¼ : أمّا بعد ; فإنّ ما فى يدك من المال قد كان له أهل قبلك ، وهو صائر إلي أهله (١) تاريخ دمشق : ٥٨ / ٢٦٩ / ٧٤٥٠ . إرجاعات
٣٠٣ - المجلد الثاني عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام عليّ وعمّاله / مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَة
٤٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية / النعمان بن العجلان
بعدك ، وإنّما لك منه ما مهّدت لنفسك ، فآثِر نفسك علي صلاح ولدك ; فإنّما أنت جامع لأحد رجلين : إمّا رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت ، وإمّا رجل عمل فيه بمعصية الله فشقى بما جمعت له ، وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره علي نفسك ولا تبرد له علي ظهرك ، فارجُ لمن مضي رحمة الله ، وثِقْ لمن بقى برزق الله(١) . ٤ / ٨ ٢٧٩٠ ـ تاريخ اليعقوبى عن أبى خالد الوالبى : بلغه [الإمام عليّاً ¼ ] أنّ النعمان بن العجلان قد ذهب بمال البحرين ، فكتب إليه علىٌّ : أمّا بعد ; فإنّه من استهان بالأمانة ورغب فى الخيانة ، ولم ينزّه نفسه ودينه ، أخلّ بنفسه فى الدنيا ، وما يُشفى(٢) عليه بعدُ أمرّ وأبقي وأشقي وأطول . فخفِ الله ! إنّك من عشيرة ذات صلاح ، فكُن عند صالح الظنّ بك ، وراجع ، إن كان حقّاً ما بلغنى عنك ، ولا تقلّبن رأيى فيك ، واستنظف خراجك ، ثمّ اكتب إلىّ ليأتيك رأيى وأمرى ، إن شاء الله . فلمّا جاءه كتاب علىّ ¼ ، وعلم أنّه قد علم حمْلَ المالِ ، لحقَ معاوية(٣) . (١) الكافى : ٨ / ٧٢ / ٢٨ عن يونس عن بعض أصحابه ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١١ وفيه "أحوج" بدل "صلاح" . ٤٤ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية / يزيد بن حجيّة
٤ / ٩ من أصحاب الإمام ¼ (١)، وشهد معه حروبه(٢). وجعله الإمام ¼ أحد الشهود فى التحكيم(٣). استعمله الإمام ¼ علي الرىّ ودستبي(٤) (٥). لكنّه انتهج الخيانة، إذ نقل ابن الأثير أنّه استحوذ علي ثلاثين ألف درهم من بيت المال; وطالبه الإمام بالنقص الحاصل فى بيت المال، فأنكر ذلك، فجلده(٦) وسجنه، ففرّ من السجن والتحق بمعاوية(٧). وشهد علي حجر بن عدىّ حين أراد معاوية قتله(٨). ٢٧٩١ ـ الغارات : كان يزيد بن حجيّة قد استعمله علىّ ¼ علي الرىّ ودستبى ، فكسر الخراج واحتجَنَ(٩) المال لنفسه ، فحبسه علىّ وجعل معه مولي له يقال له : سعد ، فقرّب يزيد ركائبه وسعد نائم ، فلحق بمعاوية . . . (١) تاريخ دمشق : ٦٥ / ١٤٧ / ٨٢٥٦ . ٤٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية / كتاب الإمام إلي سهل فيمن لحق بمعاوية
وقال أيضاً شعراً يذمّ فيه عليّاً ويخبره أنّه من أعدائه ، لعنه الله ، فبلغ ذلك عليّاً ¼ فدعا عليه ، وقال لأصحابه : ارفعوا أيديكم فادعوا عليه ، فدعا عليه علىّ ¼ وأمّن أصحابه . قال أبو الصلت التيمى : فقال علىّ ¼ : اللهمّ إنّ يزيد بن حجيّة هرب بمال المسلمين ، ولحق بالقوم الفاسقين ، فاكفِنا مكره وكيده ، واجزِه جزاء الظالمين(١) . ٤ / ١٠ كتاب الإمام إلي سهل فيمن لحق بمعاوية ٢٧٩٢ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي سهل بن حنيف الأنصارى ، وهو عامله علي المدينة ، فى معني قوم من أهلها لحقوا بمعاوية ـ : أمّا بعد ; فقد بلغنى أنّ رجالاً ممّن قبلك يتسلّلون إلي معاوية ; فلا تأسف علي ما يفوتك من عددهم ، ويذهب عنك من مددهم ; فكفي لهم غيّاً ، ولك منهم شافياً ، فرارهم من الهدي والحقّ ، وإيضاعهم إلي العمي والجهل ، وإنّما هم أهل دنيا مُقبِلون عليها ، ومُهطِعون إليها ، وقد عرفوا العدل ورأوه ، وسمعوه ووعَوه ، وعلموا أنّ الناس عندنا فى الحقّ اُسوة ، فهربوا إلي الأثَرة ، فبُعداً لهم وسُحقاً ! ! إنّهم ـ والله ـ لم ينفروا من جور ، ولم يلحقوا بعدل ، وإنّا لنطمع فى هذا الأمر أن يذلّل الله لنا صعبه ، ويسهّل لنا حَزْنه(٢) ، إن شاء الله ، والسلام(٣) . (١) الغارات : ٢ / ٥٢٥ و٥٢٨ وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ٢١٥ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٧ والأخبار الموفقيات : ٥٧٥ / ٣٧٤ وتاريخ دمشق : ٦٥ / ١٤٧ ـ ١٤٩ . ٤٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلي معاوية / كتاب الإمام إلي سهل فيمن لحق بمعاوية
٤٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الخامس : محايدة عدّة من أصحاب الإمام
٥ / ١ ٢٧٩٣ ـ وقعة صفيّن عن صالح بن صدقة ـ بعد بيان كتاب الإمام علىّ ¼ إلي معاوية وإرساله مع جرير بن عبد الله وكثرة مدّة مقامه مع معاوية ـ : لمّا رجع جرير إلي علىّ كثر قول الناس فى التهمة لجرير فى أمر معاوية . . . فلمّا سمع جرير ذلك لحق بقرقيسيا(١) ، ولحق به اُناس من قسر من قومه(٢) . ٢٧٩٤ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى وصف جرير بن عبد الله قبل مفارقته ـ : أمّا هذا الأكثف عند الجاهليّة ـ يعنى جرير بن عبد الله البجلى ـ فهو يري كلّ أحد دونه ، (١) قَرْقِيسيا : مدينة علي الفرات والخابور بالقرب من الرقّة (تقويم البلدان : ٢٨١) . ٤٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الخامس : محايدة عدّة من أصحاب الإمام / أبو عبد الرحمن السلمي
ويستصغر كلّ أحد ويحتقره ، قد ملئ ناراً ، وهو مع ذلك يطلب رئاسة ، ويروم إمارة ، وهذا الأعور [يعنى الأشعث] يغويه ويطغيه ، إن حدّثه كذبه ، وإن قام دونه نكص عنه ، فهما كالشيطان ; ³ إِذْ قَالَ لِلإِْنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِىءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ² (١) (٢) . ٢٧٩٥ ـ تاريخ الطبرى : خرج جرير بن عبد الله إلي قرقيسياء وكتب إلي معاوية ، فكتب إليه يأمره بالقدوم عليه(٣) . ٢٧٩٦ ـ سير أعلام النبلاء عن محمّد بن عمر : لم يَزل جرير معتزلاً لعلىّ ومعاوية بالجزيرة ونواحيها ، حتي توفّى بالشراة فى ولاية الضحّاك بن قيس علي الكوفة(٤) . ٥ / ٢ ٢٧٩٧ ـ الغارات عن عطاء بن السائب : قال رجل لأبى عبد الرحمن السلمى : أنشدك بالله تخبرنى ، فلمّا أكّد عليه قال : بالله هل أبغضتَ عليّاً إلاّ يوم قسم المال فى أهل الكوفة فلم يصِبك ولا أهل بيتك منه شىء ؟ قال : أمّا إذا أنشدتنى بالله (١) الحشر : ١٦ . ٤٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الخامس : محايدة عدّة من أصحاب الإمام / وائل بن حجر
فلقد كان ذلك(١) . ٥ / ٣ ٢٧٩٨ ـ الغارات عن فضيل بن خديج : كان وائل بن حجر عند علىّ ¼ بالكوفة ، وكان يري رأى عثمان ، فقال لعلىّ ¼ : إن رأيت أن تأذن لى بالخروج إلي بلادى واُصلح مالى هناك ، ثمّ لا ألبث إلاّ قليلاً إن شاء الله حتي أرجع إليك . فأذنَ له علىّ ¼ وظنّ أنّ ذلك مثل ما ذكره . فخرج إلي بلاد قومه وكان قَيْلاً(٢) من أقيالهم ، عظيم الشأن فيهم ، وكان الناس بها أحزاباً وشِيَعاً ; فشيعةٌ تري رأى عثمان ، واُخري تري رأى علىّ ¼ ، فكان وائل بن حجر هناك حتي دخل بُسْرٌ صنعاءَ . فكتب إليه : أمّا بعد ; فإنّ شيعة عثمان ببلادنا شطر أهلها ، فأقدم علينا ; فإنّه ليس بحضرموت أحد يردّك عنها ولا ينصب لك فيها ، فأقبل إليها بُسْرٌ بمن معه حتي دخلها . فزعم أنّ وائلاً استقبل بُسْر بن أبى أرطأة بشنوءة ، فأعطاه عشرة آلاف ، وأنّه كلّمه فى حضرموت ، فقال له : ما تريد ؟ قال : اُريد أن أقتل ربع حضرموت ، قال : إن كنت تريد أن تقتل ربع حضرموت فاقتلْ عبد الله بن ثوابة ; إنّه لرجل فيهم ، وكان من المَقاوِلة(٣) العظام ، وكان له عدوّاً فى رأيه مخالفاً(٤) . (١) الغارات : ٢ / ٥٦٧ ; المنتخب من ذيل المذيل : ١ / ١٤٧ نحوه . ٥٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الخامس : محايدة عدّة من أصحاب الإمام / وائل بن حجر
٥١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر
٦ / ١ ٢٧٩٩ ـ الفتوح ـ فى حرب صفّين ـ : بكي الأشتر ، فقال له علىّ (ع) : ما يبكيك ـ لا أبكي الله عيناك ـ ؟ فقال : أبكى يا أمير المؤمنين لأنّى أري الناس يُقتلون بين يديك ، وأنا لا اُرزق الشهادة فأفوز بها . فقال له علىّ (ع) : أبشر بالخير يا مالك(١) . ٦ / ٢ ٢٨٠٠ ـ تاريخ الطبرى ـ فى ذكر أحداث سنة ثمان وثلاثين ـ : فلمّا انقضي أمر الحكومة ، كتب علىّ إلي مالك بن الحارث الأشتر ـ وهو يومئذ بنصيبين ـ : أمّا ٥٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / كتاب الإمام إلي أهل مصر قبل إشخاص مالك
بعد ، فإنّك ممّن استظهرته علي إقامة الدين ، وأقمع به نخوة(١) الأثيم ، وأشدّ به الثغر(٢) المَخوف . وكنت ولّيت محمّد بن أبى بكر مصر ، فخرجت عليه بها خوارج ، وهو غلام حدث ليس بذى تجربة للحرب ، ولا بمجرّب للأشياء ، فاقدِم علىَّ ; لننظر فى ذلك فيما ينبغى ، واستخلِف علي عملك أهل الثقة والنصيحة من أصحابك . والسلام . فأقبل مالك إلي علىّ حتي دخل عليه ، فحدّثه حديث أهل مصر ، وخبّره خبر أهلها ، وقال : ليس لها غيرك ، اخرج رحمك الله ، فإنّى إن لم أوصِك اكتفيت برأيك ، واستعن بالله علي ما أهمّك ، فاخلط الشدّة باللين ; وارفق ما كان الرفق أبلغ ، واعتزم بالشدّة حين لا يغنى عنك إلاّ الشدّة(٣) . ٦ / ٣ كتاب الإمام إلي أهل مصر قبل إشخاص مالك ٢٨٠١ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي أهل مصر لمّا ولّي عليهم الأشتر ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي القوم الذين غضبوا لله حين عُصى فى أرضه وذُهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه علي البَرّ والفاجر ، والمقيم والظاعن(٤) ، فلا معروف يُستراح إليه ، ولا منكر يُتناهي عنه . (١) النَّخوةُ : العَظمة والكِبرُ والفَخرُ (لسان العرب : ١٥ / ٣١٣) . ٥٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / كتاب الإمام إلي أهل مصر قبل إشخاص مالك
أمّا بعد ، فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله ; لا ينام أيّام الخوف ، ولا ينكل(١) عن الأعداء ساعات الرَّوع(٢) ، أشدّ علي الفجّار من حريق النار ، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج ، فاسمعوا له ، وأطيعوا أمره فيما طابق الحقّ ، فإنّه سيف من سيوف الله ، لا كليل الظُّبَة(٣) ، ولا نابى(٤) الضريبة ، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا ، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا ; فإنّه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخّر ولا يقدّم إلاّ عن أمرى ، وقد آثرتكم به علي نفسى ; لنصيحته لكم ، وشدّة شكيمته(٥) علي عدوّكم(٦) . ٢٨٠٢ ـ الأمالى للمفيد عن هشام بن محمّد : قدّم أمير المؤمنين ¼ أمامه [أى مالك ]كتاباً إلي أهل مصر : بسم الله الرحمن الرحيم ، سلام عليكم ، فإنّى أحمد إليكم الله الذى لا إله إلاّ هو ، وأسأله الصلاة علي نبيّه محمّد وآله ، وإنّى قد بعثت إليكم عبداً من عباد الله ، لا ينام أيّام الخوف ، ولا يَنكل عن الأعداء حذار الدوائر(٧) ، من أشدّ عبيد الله (١) نَكَلَ : نكص ; يقال : نكل عن العدوّ : أى جَبُن (لسان العرب : ١١ / ٦٧٧) . ٥٤ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
بأساً ، وأكرمهم حسباً ، أضرّ علي الفجّار من حريق النار ، وأبعد الناس من دنس أو عار ، وهو مالك بن الحارث الأشتر ، لا نابى الضرس ، ولا كليل الحدّ ، حليم فى الحذر ، رزين فى الحرب ، ذو رأى أصيل ، وصبر جميل ; فاسمعوا له ، وأطيعوا أمره ، فإن أمركم بالنفير فانفروا ، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا ; فإنّه لا يقدم ولا يحجم إلاّ بأمرى ، فقد آثرتكم به علي نفسى ; نصيحةً لكم ، وشدّة شكيمة علي عدوّكم ، عصمكم الله بالهدي ، وثبّتكم بالتقوي ، ووفّقنا وإيّاكم لما يحبّ ويرضي . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(١) . ٦ / ٤ ٢٨٠٣ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى عهده إلي مالك الأشتر حين ولاّه مصر وأعمالها ـ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أمر به عبد الله علىٌّ أمير المؤمنين مالكَ بن الحارث الأشتر فى عهده إليه حين ولاّه مصر : جبايةَ خراجها ، ومجاهدةَ عدوّها ، واستصلاحَ أهلها ، وعمارة بلادها . أمره بتقوي الله ، وإيثار طاعته ، واتّباع ما أمر الله به فى كتابه من فرائضه وسننه التى لا يسعد أحد إلاّ باتّباعها ، ولا يشقي إلاّ مع جحودها وإضاعتها ، وأن ينصرَ الله بيده وقلبه ولسانه ; فإنّه قد تكفّل بنصر من نصره ، إنّه قوى عزيز . (١) الأمالى للمفيد : ٨١ / ٤ عن هشام بن محمّد ، الغارات : ١ / ٢٦٠ عن صعصعة نحوه وزاد فيه "لا ناكلٌ عن قدم ولا واه فى عزم" بعد "لا ينكل عن الأعداء" . ٥٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات ; فإنّ النفس أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربى ، إنّ ربّى غفور رحيم . "و أن يعتمد كتاب الله عند الشبهات ; فإنّ فيه تبيان كلّ شىء ، وهديً ورحمةً لقوم يؤمنون . وأن يتحرّي رضا الله ، ولا يتعرّض لسخطه ، ولا يصرّ علي معصيته ، فإنّه لا ملجأ من الله إلاّ إليه" . ثمّ اعلم يا مالك أنّى وجهتك إلي بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور ، وأنّ الناس ينظرون من اُمورك فى مثل ما كنت تنظر فيه من اُمور الولاة قبلك ، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم ، وإنّما يستدلّ علي الصالحين بما يُجرى الله لهم علي ألسن عباده ، فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح "بالقصد فيما تجمع وما ترعي به رعيتك" ، فاملك هواك ، وشُحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك ; فإنّ الشحّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحببت وكرهت . وأشعِر قلبك الرحمة للرعيّة ، والمحبّة لهم ، واللطف بالإحسان إليهم ، ولا تكوننّ عليهم سبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم ; فإنّهم صنفان ; إمّا أخ لك فى الدين ، وإمّا نظير لك فى الخلق ، يفرط(١) منهم الزلل ، وتَعرِض لهم العِلل ، ويؤتي علي أيديهم فى العمد والخطأ ، فأعطِهم من عفوك وصفحك مثل الذى تحبّ أن يعطيك الله من عفوه ; فإنّك فوقهم ، ووالى الأمر عليك فوقك ، واللهُ فوق من ولاّك بما عرّفك من كتابه ، وبصّرك من سنن نبيه ½ . عليك بما كتبنا لك فى عهدنا هذا ، لا تنصبنّ نفسك لحرب الله ; فإنّه لا يدَ لَك بنقمته ، ولا غني بك عن عفوه ورحمته . فلا تندمنّ علي عفو ، ولا تبجحنّ(٢) (١) كما فى نهج البلاغة ، وفى المصدر : "تفرط" . ٥٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
بعقوبة ، ولا تسرعنّ إلي بادرة(١) وجدت عنها مندوحة(٢) ، ولا تقولنّ : إنّى مُؤمّر ; آمر فاُطاع ; فإنّ ذلك إدغال(٣) فى القلب ، ومنهكة(٤) للدين ، وتقرّب من الفتن ، فتعوّذ بالله من درك الشقاء . وإذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به اُبّهة أو مخيلة فانظر إلي عظم ملك الله فوقك ، وقدرته منك علي ما لا تقدر عليه من نفسك ; فإن ذلك يُطامِن(٥) إليك من طِماحك(٦) ، ويكفّ عنك من غربك(٧) ، ويَفيءُ إليك ما عزب(٨) من عقلك . وإيّاك ومساماته فى عظمته ، أو التشبه به فى جبروته ; فإنّ الله يُذلّ كلّ جبّار ، ويُهين كلّ مختال فخور . أنصف الله ، وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّتك ومن أهلك ومن لك فيه هوي من رعيتك ; فإنّك إلاّ تفعل تظلم ، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ، ومن خاصمه الله أدحض حجّته ، وكان لله حرباً حتي ينزع ويتوب . وليس شىء أدعي إلي تغيير نعمة من إقامة علي ظلم ; فإنّ الله يسمع دعوة المظلومين ، وهو للظالمين بمرصاد ، ومن يكن كذلك فهو رهين هلاك فى الدنيا (١) البادِرَة : الحِدّة ، وهو ما يَبدر من حِدّةِ الرجل عند غضبه من قول أو فعل (لسان العرب : ٤ / ٤٨) . ٥٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
والآخرة . وليكن أحبّ الاُمور إليك أوسطها فى الحقّ ، وأعمّها فى العدل ، وأجمعها للرعيّة ; فإن سخط العامّة يُجحف برضي الخاصّة ، وإنّ سخط الخاصّة يُغتفر مع رضي العامّة . وليس أحد من الرعيّة أثقل علي الوالى مؤونة فى الرخاء ، وأقلّ له معونة فى البلاء ، وأكره للإنصاف ، وأسأل بالإلحاف(١) ، وأقلّ شكراً عند الإعطاء ، وأبطأ عذراً عند المنع ، وأضعف صبراً عند ملمّات الاُمور ، من الخاصّة ، وإنّما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء أهل العامّة من الاُمّة ، فليكن لهم صَغوك ، واعمد لأعمّ الاُمور منفعة وخيرها عاقبة ، ولا قوّة إلاّ بالله . وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لعيوب الناس ; فإنّ فى الناس عيوباً الوالى أحقّ مَن سترها ، فلا تكشفنّ ما غاب عنك ، واستر العورة ما استطعت ; يستر الله منك ما تحبّ ستره من رعيّتك . وأطلق عن الناس عقد كلّ حقد ، واقطع عنك سبب كلّ وتر ، "و اقبل العذر . وادرأ الحدود بالشبهات" . وتغابَ عن كلّ ما لا يَضِحُ(٢) لك ، ولا تعجلنّ إلي تصديق ساع ; فإنّ الساعى غاشّ وإن تشبّه بالناصحين . لا تُدخلنّ فى مشورتك بخيلاً يخذلك عن الفضل ، ويَعدكَ الفقرَ ، ولا جباناً يُضعف عليك الاُمور ، ولا حريصاً يُزيّن لك الشَّرَه بالجور ; فإن البخل والجور(٣) (١) الإلحاف : شدّة الإلحاح فى المسألة (لسان العرب : ٩ / ٣١٤) . ٥٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
والحرص غرائز شتّي يجمعها سوء الظنّ بالله ، كمونها فى الأشرار . أيقن أنّ شرّ وزرائك من كان للأشرار وزيراً ، ومن شركهم فى الآثام وقام باُمورهم فى عباد الله ; فلا يكوننّ لك بطانة(١) ، "تُشركهم فى أمانتك كما شركوا فى سلطان غيرك فأردَوهم وأوردوهم مصارع السوء . ولا يُعجبنّك شاهد ما يحضرونك به" ; فإنّهم أعوان الأثَمة ، وإخوان الظلمة ، وعباب كلّ طمع ودغل(٢) ، وأنت واجد منهم خير الخلف ممّن له مثل أدبهم ونفاذهم ممّن قد تصفّح الاُمور ، فعرف مساويها بما جري عليه منها ، فأولئك أخفّ عليك مؤونة ، وأحسن لك معونة ، وأحني عليك عطفاً ، وأقلّ لغيرك إلفاً ، لم يعاون ظالماً علي ظلمه ، ولا آثماً علي إثمه ، "و لم يكُن مع غيرك له سيرة أجحفت بالمسلمين والمعاهدين" ; فاتّخِذ أولئك خاصّة لخلوتك وملائك . ثمّ ليكُن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ ، "و أحوطهم علي الضعفاء بالإنصاف ، وأقلّهم لك مناظرة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعاً ذلك من هواك حيث وقع ; فإنّهم يقفونك علي الحقّ ، ويُبصّرونك ما يعود عليك نفعه" . والصق بأهل الورع والصدق وذوى العقول والأحساب ، ثمّ رُضْهم علي ألاّ يُطروك ، ولا يبجّحوك بباطل لم تفعله ; فإن كثرة الإطراء تُحدث الزهو ، وتُدنى من الغِرّة ، "و الإقرار بذلك يوجب المقت من الله" . لا يكوننّ المحسن والمسىء عندك بمنزلة سواء ; فإنّ ذلك تزهيد لأهل الإحسان ، فى الإحسان ، وتدريب لأهل الإساءة علي الإساءة ، فألزِم كلاًّ منهم ما (١) بِطانة الرجل : خاصّته ، وصاحبُ سِرِّه وداخِلة أمره الذى يشاوِره فى أحواله (لسان العرب : ١٣ / ٥٥) . ٥٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
ألزم نفسه ; أدباً منك ينفعك الله به ، وتنفع به أعوانك . ثمّ اعلم أنّه ليس شىء بأدعي لحسن ظنّ وال برعيته من إحسانه إليهم ، وتخفيفه المؤونات عليهم ، وقلّة استكراهه إيّاهم علي ما ليس له قبلهم ، فليكن فى ذلك أمر يجتمع لك به حسن ظنّك برعيّتك ; فإنّ حسن الظنّ يقطع عنك نصباً طويلاً ، وإنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده ، وأحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده ، "فاعرف هذه المنزلة لك وعليك لتزدك بصيرة فى حسن الصنع ، واستكثار حسن البلاء عند العامّة ، مع ما يوجب الله بها لك فى المعاد" . ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الاُمّة ، واجتمعت بها الاُلفة ، وصلحت عليها الرعيّة . ولا تحدثنّ سنّة تضرّ بشىء مما مضي من تلك السنن ; فيكون الأجر لمن سنّها ، والوزر عليك بما نقضت منها . وأكثر مدارسة العلماء ، ومثافنة(١) الحكماء ، فى تثبيت ما صلح عليه أهل بلادك ، وإقامة ما استقام به الناس من قبلك ; "فإنّ ذلك يحقّ الحقّ ، ويدفع الباطل ، ويكتفي به دليلاً ومثالاً لأنّ السنن الصالحة هى السبيل إلي طاعة الله" . ثمّ اعلم أنّ الرعيّة طبقات ، لا يصلح بعضها إلاّ ببعض ، ولا غني ببعضها عن بعض ; فمنها جنود الله ، ومنها كُتّاب العامّة والخاصّة ، ومنها قضاة العدل ، ومنها عمّال الإنصاف والرفق ، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمّة ومَسلَمة الناس ، ومنها التجّار وأهل الصناعات ، ومنها الطبقة(٢) السفلي من ذوى الحاجة والمسكنة ، وكلاًّ قد سمّي الله سهمه ، ووضع علي حدّ فريضته فى كتابه أو سنّة (١) المُثافِن : المواظِب ، ويقال : ثافَنتُ فلاناً إذا حابَبته تحادِثُه وتلازِمه وتكَلّمه (لسان العرب : ١٢ / ٧٩) . ٦٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
نبيّه ½ ، وعهداً عندنا محفوظاً . فالجنود ـ بإذن الله ـ حصون الرعيّة ، وزين الولاة ، وعزّ الدين ، وسبيل الأمن والخفض ، وليس تقوم الرعيّة إلاّ بهم . ثمّ لا قوام للجنود إلاّ بما يخرج الله لهم من الخراج الذى يصلون به إلي جهاد عدوّهم ، ويعتمدون عليه ، ويكون من وراء حاجاتهم . ثمّ لا بقاء لهذين الصنفين إلاّ بالصنف الثالث من القضاة والعمّال والكُتّاب ; لما يحكمون من الأمور ، ويظهرون من الإنصاف ، ويجمعون من المنافع ، ويُؤمَنون عليه من خواصّ الاُمور وعوامّها . ولا قوام لهم جميعاً إلاّ بالتجّار وذوى الصناعات فيما يجمعون من مرافقهم ، ويقيمون من أسواقهم ، ويكفونهم من الترفّق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم . ثمّ الطبقة السفلي من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحقّ رِفدُهم(١) ، وفى في الله لكلٍّ سعة ، ولكلٍّ علي الوالى حقّ بقدر يصلحه ، وليس يخرج الوالى من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلاّ بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه علي لزوم الحقّ والصبر فيما خفّ عليه وثقل . فولّ من جنودك أنصحهم فى نفسك لله ولرسوله ولإمامك ، وأنقاهم جيباً ، وأفضلهم حلماً ، وأجمعهم علماً وسياسة ، ممّن يبطئ عن الغضب ، ويسرع إلي العذر ، ويرأف بالضعفاء ، وينبو(٢) علي الأقوياء ، ممّن لا يثيره العنف ، ولا يقعد به الضعف . ثمّ الصق بذوى الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ، ثمّ (١) الرِّفد : العطاء والصِّلة (لسان العرب : ٣ / ١٨١) . ٦١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة ; فإنّهم جِماع من الكرم ، وشُعَبٌ من العُرف ، يهدون إلي حسن الظنّ بالله ، والإيمان بقَدره . ثمّ تفقّد اُمورهم بما يتفقّد الوالد من ولده ، ولا يتفاقمنّ(١) فى نفسك شىء قَوّيتهم به . ولا تَحقِرنّ لُطفاً تعاهدتهم به وإن قلّ ; فإنّه داعية لهم إلي بذل النصيحة وحسن الظنّ بك . فلا تدَع تفقّد لطيف اُمورهم اتّكالاً علي جسيمها ; فإنّ لليسير من لطفك موضعاً ينتفعون به ، وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه . وليكن آثر رؤوس جنودك من واساهم فى معونته ، وأفضل عليهم فى بذله ممّن يسَعهم ويسَع مَن وراءهم من الخُلوف(٢) من أهلهم ، حتي يكون همّهم همّاً واحداً فى جهاد العدوّ . "ثمّ واتر إعلامَهم ذات نفسك فى إيثارهم والتكرمة لهم ، والإرصاد بالتوسعة . وحقّق ذلك بحسن الفعال والأثر والعطف" ; فإنّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك . وإن أفضل قرّة العيون للولاة استفاضة العدل فى البلاد ، وظهور مودّة الرعيّة ; لأنّه لا تظهر مودّتهم إلاّ بسلامة صدورهم ، ولا تصحّ نصيحتهم إلاّ بحوطتهم علي ولاة اُمورهم ، وقلّة استثقال دولتهم ، وترك استبطاء انقطاع مدّتهم . "ثمّ لا تَكِلنّ جنودك إلي مغنم وزّعته بينهم ، بل أحدِث لهم مع كلّ مغنم بدلاً ممّا سواه مما أفاء الله عليهم ، تستنصر بهم به ، ويكون داعية لهم إلي العودة لنصر الله ولدينه . واخصص أهل النجدة فى أملهم إلي منتهي غاية آمالك من النصيحة بالبذل" ، وحسن الثناء عليهم ، ولطيف التعهّد لهم رجلاً رجلاً وما أبلي (١) أى لا تعد ما قوّيتم به عظيماً (بحار الأنوار : ٣٣ / ٦٠٤) . ٦٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
فى كلّ مشهد ; فإنّ كثرة الذكر منك لحسن فِعالهم تهزّ الشجاع ، وتحرّض الناكل إن شاء الله . "ثمّ لا تدَع أن يكون لك عليهم عيون(١) من أهل الأمانة والقول بالحقّ عند الناس ، فيثبتون بلاء كلّ ذى بلاء منهم ليثِق اُولئك بعلمك ببلائهم" . ثمّ اعرف لكلّ امرئ منهم ما أبلي ، ولا تَضُمّنَّ بلاء امرئ إلي غيره ، ولا تُقصّرنّ به دون غاية بلائه ، "و كافِ كلاًّ منهم بما كان منه ، واخصُصه منك بهَزِّه" . ولا يدعونّك شرف امرئ إلي أن تعظّم من بلائه ما كان صغيراً ، ولا ضِعة امرئ علي أن تصغّر من بلائه ما كان عظيماً . "و لا يفسدنّ امرأ عندك علّة إن عرضت له ، ولا نبوة حديث له قد كان له فيها حسن بلاء ، فإنّ العزة لله يؤتيه من يشاء والعاقبة للمتقين . وإن استُشهد أحد من جنودك وأهل النكاية فى عدوّك فاخلفه(٢) فى عياله بما يخلف به الوصىّ الشفيق الموثق به ; حتي لا يُري عليهم أثر فقده ; فإنّ ذلك يعطف عليك قلوب شيعتك ، ويستشعرون به طاعتك ، ويسلسون(٣) لركوب معاريض التلف الشديد فى ولايتك . وقد كانت من رسول الله ½ سنن فى المشركين ومنّا بعده سنن ، قد جرت بها سنن وأمثال فى الظالمين ، ومن توجّه قِبلتنا ، وتَسمّي بديننا" ; وقد قال الله لقوم أحب إرشادهم : ³ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللَّهِ وَالرَّسُولِ " إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ (١) العَين : الذى يُبعث ليتَجسّس الخبرَ (لسان العرب : ١٣ / ٣٠١) . ٦٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
الاَْخِرِ ذَٰ لِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ² (١) ، وقال : ³ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الاَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ² (٢)" فالرّد إلي الله الأخذ بمحكم كتابه ، والردّ إلي الرسول الأخذ بسنّته الجامعة غير المتفرّقة ، "و نحن أهل رسول الله الذين نستنبط المحكم من كتابه ، ونميز المتشابه منه ، ونعرف الناسخ ممّا نسخ الله ووضع إصره .فسِر فى عدوّك بمثل ما شاهدت منّا فى مثلهم من الأعداء ، وواتر إلينا الكتب بالأخبار بكلّ حدث يأتِك منّا ، أمر عامّ ، والله المستعان . ثمّ انظر فى أمر الأحكام بين الناس بنيّة صالحة ; فإنّ الحكم فى إنصاف المظلوم من الظالم والأخذ للضعيف من القوىّ وإقامة حدود الله علي سنّتها ومنهاجها ممّا يُصلح عباد الله وبلاده" . فاختَر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك فى نفسك ، "و أنفسهم للعلم والحلم والورع والسخاء" ، ممّن لا تضيق به الاُمور ، ولا تُمحِكه(٣) الخصوم ، ولا يتمادي فى إثبات الزلّة ، ولا يحصر من الفىء إلي الحقّ إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه علي طمع ، ولا يكتفى بأدني فهم دون أقصاه ، وأوقَفهم فى الشبهات ، وآخذهم بالحجج ، وأقلّهم تبرّماً بمراجعة الخصوم ، وأصبرهم علي تكشّف الاُمور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم ، ممّن لا يزدهيه إطراء ، ولا يستميله إغراق ، ولا يصغي(٤) للتبليغ ; فولّ قضاءك من كان كذلك ، وهم قليل . (١) النساء : ٥٩ . ٦٤ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
ثمّ أكثر تعهّد قضائه ، وافتح له فى البذل ما يزيح علّته ، ويستعين به ، وتقلّ معه حاجته إلي الناس ، وأعطِه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك ; ليأمن بذلك اغتيال الرجال إيّاه عندك . "و أحسن توقيره فى صحبتك ، وقربه فى مجلسك ، وأمضِ قضاءه ، وأنفِذ حكمه ، واشدد عضده ، واجعل أعوانه خيار من ترضي من نظرائه من الفقهاء وأهل الورع والنصيحة لله ولعباد الله ; ليناظرهم فيما شبه عليه ، ويلطف عليهم لعلم ما غاب عنه ، ويكونون شهداء علي قضائه بين الناس إن شاء الله . ثمّ حملة الأخبار لأطرافك قضاة تجتهد فيهم نفسه ، لا يختلفون ولا يتدابرون فى حكم الله وسنّة رسول الله ½ ; فإنّ الاختلاف فى الحكم إضاعة للعدل ، وغِرة فى الدين ، وسبب من الفرقة . وقد بيّن الله ما يأتون وما ينفقون ، وأمر بردّ ما لا يعلمون إلي من استودعه الله علمَ كتابه ، واستحفظه الحكم فيه ، فإنّما اختلاف القضاة فى دخول البغى بينهم ، واكتفاء كل امرئ منهم برأيه دون من فرض الله ولايته ليس يصلح الدين ولا أهل الدين علي ذلك . ولكن علي الحاكم أن يحكم بما عنده من الأثر والسنّة ، فإذا أعياه ذلك ردّ الحكم إلي أهله ، فإن غاب أهله عنه ناظَر غيره من فقهاء المسلمين ; ليس له ترك ذلك إلي غيره ، وليس لقاضيين من أهل الملّة أن يُقيما علي اختلاف فى الحكم نما رفع ذلك إلي ولىّ الأمر فيكم ، فيكون هو الحاكم بما علّمه الله ، ثمّ يجتمعان علي حكمه فيما وافقهما أو خالفهما" . فانظر فى ذلك نظراً بليغاً ، فإنّ هذا الدين قد كان أسيراً بأيدى الأشرار ، يُعمل فيه بالهوي ، وتطلب به الدنيا . "و اكتب إلي قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كلّ حكم اختلفوا فيه علي حقوقه ، ثمّ تصفّح تلك الأحكام ; فما وافق كتاب الله وسنّة نبيّه والأثر من إمامك فأمضِه ٦٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
واحملهم عليه ، وما اشتبه عليك فاجمع له الفقهاء بحضرتك فناظرهم فيه ، ثمّ أمضِ ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين ، فإنّ كلّ أمر اختلف فيه الرعيّة مردود إلي حكم الإمام ، وعلي الإمام الاستعانة بالله ، والاجتهاد فى إقامة الحدود ، وجبر الرعيّة علي أمره ، ولا قوة إلاّ بالله" . ثمّ انظر إلي اُمور عمّالك ، واستعملهم اختباراً ، ولا تولِّهم اُمورك محاباة(١) أثرة(٢) ; فإن المحاباة والأثرة جِماع الجور والخيانة ، "و إدخال الضرورة علي الناس ، وليست تصلح الاُمور بالإدغال ، فاصطفِ لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة" ، وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم فى الاسلام ; فإنّهم أكرم أخلاقاً ، وأصحّ أعراضاً وأقلّ فى المطامع إشرافاً ، وأبلغ فى عواقب الاُمور نظراً من غيرهم ، "فليكونوا أعوانك علي ما تقلّدت" . ثمّ أسبغ عليهم "فى العمالات ، ووسّع عليهم فى" الأرزاق ; فإنّ فى ذلك قوّة لهم علي استصلاح أنفسهم ، وغني عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك ، أو ثلموا أمانتك . ثمّ تفقّد أعمالهم ، وابعث العيون عليهم من أهل الصدق والوفاء ; فإنّ تعهّدك فى السرّ اُمورهم حدوة لهم علي استعمال الأمانة والرفق بالرعيّة . وتحفّظ من الأعوان ; فإن أحد منهم بسط يده إلي خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيتَ بذلك شاهداً ، فبسطتَ عليه العقوبة فى بدنه ، وأخذته بما أصاب من عمله ، ثمّ نصبته بمقام المذلّة فوسمته بالخيانة ، وقلّدته عار التهمة . (١) الحِباء : ما يَحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به (لسان العرب : ١٤ / ١٦٢) أى وأن لا يولّيهم محاباة لهم ولمن يشفع فيهم ولا أثَرة ولا إنعاماً عليهم (شرح نهج البلاغة : ١٧ / ٦٩) . ٦٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
وتفقّد ما يُصلح أهل الخراج ; فإنّ فى صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ، ولا صلاح لمن سواهم إلاّ بهم ; لأنّ الناس كلّهم عيال علي الخراج وأهله . فليكن نظرك فى عمارة الأرض أبلغ من نظرك فى استجلاب الخراج ; فإنّ الجلب لا يدرك إلاّ بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد ، وأهلك العباد ، ولم يستقِم له أمره إلاّ قليلاً . "فاجمع إليك أهل الخراج من كلّ بلدانك ، ومُرهم فليُعلموك حال بلادهم وما فيه صلاحهم ورخاء جبايتهم ، ثمّ سَل عمّا يرفع إليك أهل العلم به من غيرهم" ; فإن كانوا شكوا ثقلاً أو علّة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بهم العطش أو آفة خفّفتَ عنهم ما ترجو أن يصلح الله به أمرهم ، "و إن سألوا معونة علي إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكفهِم مؤونته ; فإنّ فى عاقبة كفايتك إيّاهم صلاحاً ، فلا يثقلنّ عليك شىء خفّفت به عنهم المؤونات" ; فإنّه ذخر يعودون به عليك لعمارة بلادك ، وتزيين ولايتك ، "مع اقتنائك مودّتهم وحسن نيّاتهم ، واستفاضة الخير ، وما يسهّل الله به من جلبهم ، فإنّ الخراج لا يُستخرج بالكدّ والأتعاب ، مع أنّها عقد(١) تعتمد عليها إن حدثَ حدثٌ كنتَ عليهم معتمداً" ; لفضل قوّتهم بما ذخرت عنهم من الجَمام(٢) ، والثقة منهم بما عوّدتهم من عدلك ورفقك ، ومعرفتهم بعذرك فيما حدث من الأمر الذى اتّكلت به عليهم ، فاحتملوه بطيب أنفسهم ، فإنّ العمران محتمل ما حمّلته ، وإنّما يؤتي خراب الأرض لإعواز أهلها ، وإنّما يعوز أهلها لإسراف الولاة وسوء ظنّهم بالبقاء وقلّة انتفاعهم بالعبر . (١) العُقدة : كلّ شىء يستوثق الرجل به لنفسه ويعتمد عليه (لسان العرب : ٣ / ٢٩٩) . ٦٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
"فاعمل فيما وليت عمل من يحبّ أن يدّخر حسن الثناء من الرعيّة ، والمثوبة من الله ، والرضا من الإمام . ولا قوّة إلاّ بالله" . ثمّ انظر فى حال كتّابك "فاعرف حال كل امرئ منهم فيما يحتاج إليه منهم ، فاجعل لهم منازل ورتباً" ، فولّ علي اُمورك خيرهم ، واخصص رسائلك التى تُدخل فيها مكيدتك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأدب ، "ممّن يصلح للمناظرة فى جلائل الاُمور ، من ذوى الرأى والنصيحة والذهن ، أطواهم عنك لمكنون الأسرار كشحاً" ، ممّن لا تُبطره الكرامة ، "و لا تمحق به الدالّة(١)" فيجترئ بها عليك فى خلاء ، أو يلتمس إظهارها فى ملاء ، ولا تقصر به الغفلة عن إيراد كتب الأطراف عليك ، وإصدار جواباتك علي الصواب عنك ، وفيما يأخذ ويعطى منك ، ولا يضعف عقداً اعتقده لك ، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه فى الاُمور ; فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل . "و ولّ ما دون ذلك من رسائلك وجماعات كُتب خَرجِك ودواوين جنودك قوماً تجتهد نفسك فى اختيارهم ; فإنّها رؤوس أمرك ، أجمعها لنفعك ، وأعمّها لنفع رعيّتك" . ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم علي فراستك واستنامتك(٢) وحسن الظنّ بهم ، فإنّ الرجال يعرفون فراسات الولاة بتصنّعهم وخدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة ، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك ، فاعمد لأحسنهم كان فى (١) أدَلّ عليه : وثق بمحبّته فأفرط عليه ، والاسم الدالّة (لسان العرب : ١١ / ٢٤٧) . ٦٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
العامّة أثراً وأعرفهم فيها بالنبل والأمانة ، فإنّ ذلك دليل علي نصيحتك لله ولمن وليت أمره . "ثمّ مُرهم بحسن الولاية ، ولين الكلمة" . واجعل لرأس كلّ أمر من اُمورك رأساً منهم ، لا يقهره كبيرها ، ولا يتشتّت عليه كثيرها . "ثمّ تفقّد ما غاب عنك من حالاتهم ، واُمور من يرد عليك رسله ، وذوى الحاجة وكيف ولايتهم وقبولهم وليّهم وحجّتهم ; فإنّ التبرّم والعزّ والنخوة من كثير من الكُتّاب إلاّ من عصم الله ، وليس للناس بدّ من طلب حاجاتهم" . ومهما كان فى كتابك من عيب فتغابيت عنه اُلزمته ، أو فضل نُسب إليك ، مع مالك عند الله فى ذلك من حسن الثواب . ثمّ التجّار وذوى الصناعات فاستوصِ وأوصِ بهم خيراً ; المقيم منهم ، والمضطرب(١) بماله ، والمترفّق بيده ; فإنّهم موادّ للمنافع ، وجلاّبها فى البلاد فى برّك وبحرك وسهلك وجبلك ، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون عليها "من بلاد أعدائك من أهل الصناعات التى أجري الله الرفق منها علي أيديهم فاحفظ حرمتهم ، وآمن سبلهم ، وخُذ لهم بحقوقهم" ; فإنّهم سلم لا تُخاف بائقته ، وصلح لا تُحذر غائلته ، "أحبّ الاُمور إليهم أجمعها للأمن وأجمعها للسلطان" ، فتفقّد اُمورهم بحضرتك ، وفى حواشى بلادك . واعلم مع ذلك أنّ فى كثير منهم ضيقاً فاحشاً ، وشحّاً قبيحاً ، واحتكاراً للمنافع ، وتحكّماً فى البياعات ، وذلك باب مضرّة للعامّة ، وعيب علي الولاة ; فامنع الاحتكار فإن رسول الله ½ نهي عنه . وليكن البيع والشراء بيعاً سمحاً ، بموازين عدل ، وأسعار لا تجحف بالفريقين ٦٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
من البائع والمبتاع ، فمن قارف حُكرة بعد نهيك فنكّل وعاقب فى غير إسراف ; "فإنّ رسول الله ½ فعل ذلك" . ثمّ الله الله فى الطبقة السفلي من الذين لا حيلة لهم ، والمساكين ، والمحتاجين ، وذوى البؤس ، والزمني(١) ; فإنّ فى هذه الطبقة قانعاً ومعترّاً ، فاحفظ الله ما استحفظك من حقّه فيها ، واجعل لهم قسماً من غلاّت صوافى الإسلام فى كلّ بلد ، فإنّ للأقصي منهم مثل الذى للأدني ، وكلاًّ قد استُرعيت حقّه ، فلا يشغلنّك عنهم نظر ; فإنّك لا تُعذر بتضييع الصغير لإحكامك الكثير المهمّ ، فلا تُشخص همّك عنهم ، ولا تُصعّر خدك لهم ، "و تواضع لله يرفعك الله ، واخفض جناحك للضعفاء ، واربهم إلي ذلك منك حاجة" ، وتفقّد من اُمورهم ما لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون وتحقره الرجال ، ففرِّغ لاُولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك اُمورهم ، ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلي الله يوم تلقاه ، فإنّ هؤلاء أحوج إلي الإنصاف من غيرهم ، وكلّ فأعذر إلي الله فى تأدية حقّه إليه . وتعهّد أهل اليُتم والزمانة والرقّة فى السنّ ممّن لا حيلة له ، ولا ينصب للمسألة نفسه ; "فأجرِ لهم أرزاقاً ، فإنّهم عباد الله ، فتقرّب إلي الله بتخلّصهم ووضعهم مواضعهم فى أقواتهم وحقوقهم ، فإنّ الأعمال تخلص بصدق النيّات . ثمّ إنّه لا تسكن نفوس الناس أو بعضهم إلي أنّك قد قضيت حقوقهم بظهر الغيب دون مشافهتك بالحاجات" ، وذلك علي الولاة ثقيل ، والحقّ كلّه ثقيل ، وقد يخفّفه الله علي أقوام طلبوا العاقبة فصبّروا نفوسهم ، ووثقوا بصدق موعود الله "لمن صبر واحتسب ، فكن منهم واستعن بالله" . (١) الزَّمني : جمع زَمِن ، وهو ذو الزمانة ، والزمانة : العاهة (لسان العرب : ١٣ / ١٩٩) . ٧٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
واجعل لذوى الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك "و ذهنك من كلّ شغل ، ثمّ تأذن لهم عليك" ، وتجلس لهم مجلساً تتواضع فيه لله الذى رفعك ، وتُقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك ، "تخفض لهم فى مجلسك ذلك جناحك ، وتُلين لهم كنفك فى مراجعتك ووجهك" ; حتي يكلّمك متكلّمهم غير مُتعتع ، فإنّى سمعت رسول الله ½ يقول فى غير موطن : لن تقدّس اُمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوىّ غير متعتع . ثمّ احتمل الخرق منهم والعىّ ، ونحِّ عنك الضيق والأنف يبسط الله عليك أكناف رحمته ، ويوجب لك ثواب أهل طاعته ، فأعطِ ما أعطيت هنيئاً ، وامنع فى إجمال وإعذار ، "و تواضع هناك ; فإنّ الله يحبّ المتواضعين . وليكن أكرم أعوانك عليك ألينهم جانباً ، وأحسنهم مراجعة ، وألطفهم بالضعفاء ، إن شاء الله" . ثمّ إنّ اُموراً من اُمورك لابدّ لك من مباشرتها ; منها : إجابة عمّالك ما يَعيي عنه كتّابك . ومنها : إصدار حاجات الناس فى قصصهم . "و منها : معرفة ما يصل إلي الكتّاب والخزّان ممّا تحت أيديهم ، فلا تتوانَ فيما هنالك ، ولا تغتنم تأخيره ، واجعل لكلّ أمر منها من يناظر فيه ولاته بتفريغ لقلبك وهمّك ، فكلّما أمضيت أمراً فأمضِه بعد التروية ومراجعة نفسك ، ومشاورة ولىّ ذلك بغير احتشام ، ولا رأى يكسب به عليك نقيضه" . ثمّ أمضِ لكلّ يوم عمله ; فإن لكلّ يوم ما فيه . واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت ، وأجزل تلك الأقسام ، وإن كانت كلّها لله إذا صحّت فيها النيّة وسلمت منها الرعيّة . وليكن فى خاصّ ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التى هى له خاصّة ، فأعطِ الله من بدنك فى ليلك ونهارك ما يجبّ ; "فإنّ الله جعل النافلة لنبيّه خاصّة ٧١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
دون خلقه فقال : ³ وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ² (١) ، فذلك أمر اختصّ الله به نبيّه وأكرمه به ، ليس لأحد سواه ، وهو لمن سواه تطوّع ; فإنّه يقول : ³ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ² (٢)" ، فوفّر ما تقرّبت به إلي الله وكرمه وأدِّ فرائضه إلي الله كاملاً غير مثلوب ولا منقوص ، بالغاً ذلك من بدنك ما بلغ . فإذا قُمت فى صلاتك بالناس فلا تُطوِّلنّ ولا تكوننّ منفّراً ولا مضيّعاً ; فإنّ فى الناس من به العلّة وله الحاجة ، وقد سألت رسول الله ½ حين وجّهنى إلي اليمن : كيف نصلّى بهم ؟ فقال : صلّ بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيماً . وبعد هذا فلا تطولنّ احتجابك عن رعيّتك ; فإنّ احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق ، وقلّة علم بالاُمور ، والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ، ويحسن القبيح ، ويُشاب الحقّ بالباطل ، وإنّما الوالى بشر لا يعرف ما تواري عنه الناس به من الاُمور ، وليست علي القول سمات يعرف بها الصدق من الكذب ، فتحصّن من الإدخال فى الحقوق بلين الحجاب ; فإنّما أنت أحد رجلين : إمّا امرء سخت نفسك بالبذل فى الحقّ ففيم احتجابك من واجب حقّ تعطيه ، أو خلق كريم تسديه ؟ وإمّا مبتلي بالمنع فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك ، مع أنّ أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة عليك فيه; من شكاية مظلمة، أو طلب إنصاف . "فانتفع بما وصفتُ لك ، واقتصر فيه علي حظّك ورشدك ، إن شاء الله" . ثمّ إنّ للملوك خاصّة وبِطانة فيهم استئثار وتطاول ، وقلّة إنصاف ، فاحسم (١) الإسراء : ٧٩ . ٧٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأشياء ، ولا تقطعنّ لأحد من حشمك ولا حامّتك(١) قطيعة ، ولا تعتمدنّ فى اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من الناس ; فى شرب ، أو عمل مشترك يحملون مؤونتهم علي غيرهم ، فيكون مَهنأ ذلك لهم دونك ، وعيبه عليك فى الدنيا والآخرة . "عليك بالعدل فى حكمك إذا انتهت الاُمور إليك" ، وألزم الحقّ من لزمه من القريب والبعيد ، وكن فى ذلك صابراً محتسباً ، وافعل ذلك بقرابتك حيث وقع ، وابتغِ عاقبته بما يثقل عليه منه ; فإنّ مغبّة ذلك محمودة . وإن ظنّت الرعيّة بك حيفاً فأصحِر(٢) لهم بعذرك ، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك ; فإنّ فى تلك رياضة منك لنفسك ، ورفقاً منك برعيّتك ، وإعذاراً تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم علي الحقّ فى خفض وإجمال . لا تدفعنّ صلحاً دعاك إليه عدوّك فيه رضي ; فإنّ فى الصلح دعة(٣) لجنودك ، وراحة من همومك ، وأمناً لبلادك . ولكنّ الحذر كلّ الحذر من مقاربة عدوّك فى طلب الصلح ; فإنّ العدوّ ربما قارب ليتغفّل ، فخُذ بالحزم ، "و تحصّن كلّ مخوف تؤتي منه ، وبالله الثقة فى جميع الاُمور" . وإن لجّت بينك وبين عدوّك قضيّة عقدت له بها صلحاً أو ألبسته منك ذمّة فحُط عهدك بالوفاء ، وارعَ ذمّتك بالأمانة ، واجعل نفسك جُنّة دونه ; فإنّه ليس شىء من فرائض الله جلّ وعزّ الناس أشدّ عليه اجتماعاً فى تفريق أهوائهم (١) الحامّة: خاصّة الرجل من أهله وولده وذى قرابته (لسان العرب : ١٢/١٥٣) . ٧٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود ، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استَوبَلوا(١) من الغدر والختر ، فلا تغدرنّ بذمّتك ، ولا تخفر(٢) بعهدك ، ولا تختلنّ(٣) عدوّك ، فإنّه لا يجترئ علي الله إلاّ جاهل ، وقد جعل الله عهده وذمّته أمناً أفضاه بين العباد برحمته ، وحريماً يسكنون إلي مَنَعته ، ويستفيضون به إلي جواره ، فلا خداع ولا مدالسة ولا إدغال فيه(٤) . فلا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله علي طلب انفساخه ، فإنّ صبرك علي ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته خيرٌ من غدر تخاف تبعته ، وأن تحيط بك من الله طلبة ، ولا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك . وإيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها ; فإنّه ليس شىء أدعي لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحري لزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير الحقّ ، والله مبتدئ بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء ، فلا تصوننّ سلطانك بسفك دم حرام ، فإنّ ذلك يخلقه(٥) ويزيله ، "فإيّاك والتعرّض لسخط الله ; فإنّ الله قد جعل لولىّ من قُتل مظلوماً سلطاناً ، قال الله : ³ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ² (٦)" . (١) الوبال : الوخامة وسوء العاقبة (مجمع البحرين : ٣ / ١٩٠١) . والمراد : استوخموا من عواقب الغدر والختر . ٧٤ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
ولا عذر لك عند الله ولا عندى فى قتل العمد ، لأنّ فيه قود البدن ، فإن ابتليت بخطأ وأفرط عليه سوطك أو يدك لعقوبة فإنّ فى الوكزة فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحنّ(١) بك نخوة(٢) سلطانك عن أن تؤدّى إلي أهل المقتول حقّهم ; "ديّة مسلّمة يتقرّب بها إلي الله زلفي" . إيّاك والإعجاب بنفسك ، والثقة بما يعجبك منها ، وحبّ الإطراء ; فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان فى نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن . إيّاك والمنّ علي رعيّتك بإحسان ، أو التزيّد فيما كان من فعلك ، أو تعِدهم فتتبع موعدك بخُلفك ، "أو التسرّع إلي الرعيّة بلسانك" ; فإنّ المنّ يُبطل الإحسان ، والخُلف يوجب المَقت ، وقد قال الله جلّ ثناؤه : ³ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ² (٣) . إيّاك والعجلة بالاُمور قبل أوانها ، والتساقط فيها عند زمانها ، واللجاجة فيها إذا تنكّرت ، والوهن فيها إذا أوضحت ، فضع كلّ أمر موضعه ، وأوقع كلّ عمل موقعه . وإيّاك والاستئثار بما للناس فيه الاُسوة(٤) ، "و الاعتراض فيما يعنيك" ، والتغابى عمّا يعني به ممّا قد وضح لعيون الناظرين ; فإنّه مأخوذ منك لغيرك . وعمّا قليل تُكشف عنك أغطية الاُمور ، ويبرز الجبّار بعظمته ، فينتصف (١) طَمَحَ به : ذهب به (لسان العرب : ٢ / ٥٣٥) . ٧٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / واجبات مالك فى حكومة مصر
المظلومون من الظالمين . ثمّ املك حميّة أنفك ، وسورة(١) حِدّتك(٢) ، وسطوة يدك ، وغرب لسانك . واحترس كلّ ذلك بكفّ البادرة ، وتأخير السطوة . وارفع بصرك إلي السماء عندما يحضرك منه ، حتي يسكن غضبك ، فتملك الاختيار ، ولن تحكم ذلك من نفسك حتي تُكثِر همومك بذكر المعاد . "ثمّ اعلم أنّه قد جمع ما فى هذا العهد من صنوف ما لم آلك فيه رشداً إن أحبّ الله إرشادك وتوفيقك أن تتذكّر ما كان من كلّ ما شاهدت منّا ، فتكون ولايتك هذه" من حكومة عادلة ، أو سنّة فاضلة ، أو أثر عن نبيّك ½ ، أو فريضة فى كتاب الله ، فتقتدى بما شاهدت مما عملنا به منها ، وتجتهد نفسك فى اتّباع ما عهدت إليك فى عهدى ، واستوثقت من الحجّة لنفسى لكيلا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلي هواها . "فليس يعصم من السوء ولا يوفّق للخير إلاّ الله جلّ ثناؤه . وقد كان ممّا عهد إلىّ رسول الله ½ فى وصايته تحضيضاً علي الصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ، فبذلك أختم لك ما عهدت ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلىّ العظيم" . وأنا أسأل الله سعة رحمته ، وعظيم مواهبه وقدرته علي إعطاء كلّ رغبة أن يوفّقنى وإيّاك لما فيه رضاه ; من الإقامة علي العذر الواضح إليه وإلي خلقه ، مع حسن الثناء فى العباد ، وحسن الأثر فى البلاد ، وتمام النعمة ، وتضعيف الكرامة ، وأن يختم لى ولك بالسعادة والشهادة ، وإنّا إليه راغبون . والسلام علي رسول الله (١) سَورَة السلطان : سطوته واعتداؤه . والسَّورَة : الوَثبة (لسان العرب : ٤ / ٣٨٥) . ٧٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / مكر معاوية فى قتل الأشتر
وعلي آله الطيّبين الطاهرين ، وسلّم كثيراً(١) . ٦ / ٥ ٢٨٠٤ ـ تاريخ اليعقوبى : لمّا بلغ معاوية أنّ عليّاً قد وجّه الأشتر عظم عليه ، وعلم أنّ أهل اليمن أسرع إلي الأشتر منهم إلي كلّ أحد ، فدسّ له سمّاً ، فلمّا صار إلي القلزم ـ من الفسطاط علي مرحلتين ـ نزل منزل رجل من أهل المدينة يقال له . . .(٢) فخدمه ، وقام بحوائجه ، ثمّ أتاه بقَعب(٣) فيه عسل قد صيّر فيه السمّ ، فسقاه إيّاه ، فمات الأشتر بالقلزم ، وبها قبره ، وكان قتله وقتل محمّد بن أبى بكر فى سنة (٣٨)(٤) . ٢٨٠٥ ـ مروج الذهب : ولّي علىٌ ¼ الأشترَ مصر ، وأنفذه إليها فى جيش ، فلمّا بلغ ذلك معاوية دسّ إلي دهقان كان بالعريش ، فأرغبه ، وقال : أترك خراجك عشرين سنة واحتَل للأشتر بالسمّ فى طعامه . فلمّا نزل الأشتر العريش ، سأل الدهقانُ : أىّ الطعام والشراب أحبّ إليه ؟ قيل له : العسل ، فأهدي له عسلاً ، وقال : إنّ من أمره وشأنه كذا وكذا ، ووصفه للأشتر ، وكان الأشتر صائماً ، فتناول منه شربة ، فما استقرّت فى جوفه حتي تلف ، وأتي من كان معه علي الدهقان ومن كان معه . وقيل : كان ذلك بالقلزم ، (١) تحف العقول : ١٢٦ ، نهج البلاغة : الكتاب ٥٣ ، دعائم الإسلام : ١ / ٣٥٠ وذكر أنّ هذا العهد هو ممّا عهد به النبىّ ½ لعلىّ ¼ وكلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ٧٧ / ٢٤٠ / ١ . ٧٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / مكر معاوية فى قتل الأشتر
والأوّل أثبت . فبلغ ذلك عليّاً ¼ ، فقال : لليدين والفم . وبلغ ذلك معاوية ، فقال : إنّ لله جنداً من العسل(١) . ٢٨٠٦ ـ تاريخ الطبرى عن يزيد بن ظبيان الهمدانى : بعث معاوية إلي الجايستار ـ رجل من أهل الخراج ـ فقال له : إنّ الأشتر قد ولّى مصر ، فإن أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجاً ما بقيت ، فاحتَل له بما قدرت عليه . فخرج الجايستار حتي أتي القلزم وأقام به ، وخرج الأشتر من العراق إلي مصر ، فلمّا انتهي إلي القلزم استقبله الجايستار ، فقال : هذا منزل وهذا طعام وعلف ، وأنا رجل من أهل الخراج ، فنزل به الأشتر ، فأتاه الدهقان بعلف وطعام ، حتي إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سمّاً فسقاه إيّاه ، فلمّا شربها مات . وأقبل معاوية يقول لأهل الشام : إنّ عليّاً وجّه الأشتر إلي مصر ، فادعوا الله أن يكفيكموه . قال : فكانوا كلّ يوم يدعون الله علي الأشتر ، وأقبل الذى سقاه إلي معاوية فأخبره بمهلك الأشتر ، فقام معاوية فى الناس خطيباً ، فحمد الله وأثني عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّه كانت لعلىّ بن أبى طالب يدان يمينان قُطعت إحداهما يوم صفّين ـ يعنى عمّار بن ياسر ـ وقُطعت الاُخري اليوم ـ يعنى الأشتر ـ(٢) . ٢٨٠٧ ـ الغارات عن مغيرة الضبّى : إنّ معاوية دسّ للأشتر موليً لآل عمر ، فلم (١) مروج الذهب : ٢ / ٤٢٠ ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ١ / ٢٠١ عن عوانة بن الحكم نحوه . ٧٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / حزن الإمام
يزَل المولي يذكر للأشتر فضل علىٍّ وبنى هاشم حتي اطمأنّ إليه الأشتر ، واستأنس به ، فقدّم الأشتر يوماً ثقله أو تقدّم ثقله فاستسقي ماء ، فقال له مولي عمر : هل لك ـ أصلحك الله ـ فى شربة سويق ؟ فسقاه شربة سويق فيها سمّ ، فمات . قال : وقد كان معاوية قال لأهل الشام لمّا دسّ إليه مولي عمر : ادعوا علي الأشتر ، فدعوا عليه ، فلمّا بلغه موته ، قال : أ لا ترون كيف استُجيب لكم !(١) ٢٨٠٨ ـ الاختصاص عن عبد الله بن جعفر : كان لمعاوية بمصر عين يقال له : مسعود بن جرجة ، فكتب إلي معاوية بهلاك الأشتر ، فقام معاوية خطيباً فى أصحابه فقال : إنّ عليّاً كانت له يمينان ، قُطعت إحداهما بصفّين ـ يعنى عمّاراً ـ واُخري اليوم ; إنّ الأشتر مرّ بأيلة متوجّهاً إلي مصر ، فصحبه نافع مولي عثمان ، فخدمه وألطفه حتي أعجبه ، واطمأنّ إليه ، فلمّا نزل القلزم أحضر(٢) له شربة من عسل بسمّ فسقاه(٣) فمات ، ألا وإنّ لله جنوداً من عسل(٤) . ٦ / ٦ ٢٨٠٩ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر الأشتر وبعض فضائله ـ : كان فارساً، شجاعاً، رئيساً ، من أكابر الشيعة وعظمائها ، شديد التحقّق بولاء أمير المؤمنين ¼ ونصره ، (١) الغارات : ١ / ٢٦٣ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٥٥٥ / ٧٢٢ ; شرح نهج البلاغة : ٦ / ٧٦ . ٧٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / حزن الإمام
وقال فيه بعد موته : رحم الله مالكاً ، فلقد كان لى كما كنت لرسول الله ½ (١) . ٢٨١٠ ـ الإمام علىّ ¼ ـ لمّا جاءه نعى الأشتر ـ : مالك وما مالك ! والله ، لو كان جبلاً لكان فِنداً(٢) ، ولو كان حجراً لكان صَلداً(٣) ، لا يرتقيه الحافر ، ولا يُوفى(٤) عليه الطائر(٥) . ٢٨١١ ـ رجال الكشّى : لمّا نعى الأشتر مالك بن الحارث النخعى إلي أمير المؤمنين ¼ تأوّه حزناً وقال : رحم الله مالكاً ، وما مالك ! عزّ علىَّ به هالكاً ، لو كان صخراً لكان صَلداً ، ولو كان جبلاً لكان فنداً(٦) ، وكأنّه قُدّ منّى قدّاً(٧) . ٢٨١٢ ـ الغارات عن فضيل بن خديج عن أشياخ النخع : دخلنا علي علىّ ¼ حين بلغه موت الأشتر ، فجعل يتلهّف ويتأسّف عليه ، ويقول : لله درّ مالك ! وما مالك ! لو كان جبلاً لكان فنداً ، ولو كان حجراً لكان صَلداً ، أما والله ليهدّنّ موتك عالماً ، وليفرحنّ عالماً ، علي مثل مالك فلتبكِ البواكى ، وهل موجود كمالك ! !(٨) ٢٨١٣ ـ الاختصاص عن عوانة : لمّا جاء هلاك الأشتر إلي علىّ بن أبى طالب (١) شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٩٨ ; رجال ابن داود : ١٥٧ / ١٢٥٤ وفيه ذيله . ٨٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / حزن الإمام
صلوات الله عليه صعد المنبر فخطب الناس ، ثمّ قال : ألا إنّ مالك بن الحارث قد مضي نحبه ، وأوفي بعهده ، ولقى ربّه ، فرحم الله مالكاً ، لو كان جبلاً لكان فذّاً ، ولو كان حجراً لكان صَلداً ، لله مالك ، وما مالك ! وهل قامت النساء عن مثل مالك ! وهل موجود كمالك ! قال : فلمّا نزل ودخل القصر أقبل عليه رجال من قريش ، فقالوا : لشدّ ما جزعت عليه ، ولقد هلك . قال : أمّا ـ والله ـ هلاكه فقد أعزّ أهل المغرب ، وأذلّ أهل المشرق . قال : وبكي عليه أيّاماً ، وحزن عليه حزناً شديداً ، وقال : لا أري مثله بعده أبداً(١) . ٢٨١٤ ـ الغارات عن صعصعة بن صوحان : لمّا بلغ عليّاً ¼ موتُ الأشتر قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، اللهمّ إنّى أحتسبه عندك ، فإنّ موته من مصائب الدهر ، فرحم الله مالكاً ، فقد وفي بعهده ، وقضي نحبه ، ولقى ربّه ، مع أنّا قد وطّنا أنفسنا علي أن نصبر علي كلّ مصيبة بعد مصابنا برسول الله ½ ، فإنّها أعظم المصائب(٢) . ٢٨١٥ ـ تاريخ اليعقوبى : لمّا بلغ عليّاً قتل محمّد بن أبى بكر والأشتر جزع عليهما جزعاً شديداً ، وتفجّع ، وقال علىّ : علي مثلك فلتبكِ البواكى يا مالك ، وأنّي مثل مالك !(٣) ٢٨١٦ ـ الغارات عن علقمة بن قيس النخعى ـ بعد شهادة مالك الأشتر ـ : فما زال علىّ يتلهّف ويتأسّف حتي ظننّا أنّه المصاب به دوننا ، وقد عُرف ذلك فى وجهه (١) الاختصاص : ٨١ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٥٩١ / ٧٣٥ . ٨١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / فرح معاوية
أيّاماً(١) . ٦ / ٧ ٢٨١٧ ـ الغارات عن معاوية ـ بعد شهادة مالك الأشتر ـ : أمّا بعد ، فإنّه كان لعلىّ ابن أبى طالب يدان يمينان ، فقُطعت إحداهما يوم صفّين ـ يعنى عمّار بن ياسر ـ وقُطعت الاُخري اليوم وهو مالك الأشتر(٢) . ٦ / ٨ ٢٨١٨ ـ الغارات عن مغيرة الضبّى : لم يَزل أمر علىّ شديداً حتي مات الأشتر ، وكان الأشتر بالكوفة أسود(٣) من الأحنف بالبصرة(٤) . ٢٨١٩ ـ الأمالى للطوسى عن ربيعة بن ناجذ ـ بعد ذكر استنفار الإمام ¼ الناس ، وتقاعدهم عنه ، واجتماعهم علي خذلانه ، وخطبة الإمام فى ذلك ـ : ثمّ تكلّم الناس من كلّ ناحية ولغطوا ، فقام رجل فقال بأعلي صوته : استبان فقدُ الأشتر علي أهل العراق ، لو كان حيّاً لقلّ اللغط ، ولعلم كل امرئ ما يقول(٥) . ٢٨٢٠ ـ أنساب الأشراف عن المدائنى : ذُكر الأشتر النخعى عند معاوية ، فقال (١) الغارات : ١/٢٦٥، بحار الأنوار: ٣٣/٥٥٦/٧٢٢; تاريخ الطبرى: ٥/٩٥، شرح نهج البلاغة: ٦/٧٧ . ٨٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / كتاب الإمام إلي محمّد بن أبى بكر
رجل من النخع للّذى ذكره : اسكت ، فإنّ موته أذلّ أهل العراق ، وإنّ حياته أذلّت أهل الشام ! فسكت معاوية ولم يُقل شيئاً(١) . ٢٨٢١ ـ شرح نهج البلاغة ـ بعدما أشار إلي قتال الأشتر يوم الهرير ـ : قلتُ : لله اُمّ قامت عن الأشتر ! لو أنّ إنساناً يقسم أنّ الله تعالي ما خلق فى العرب ولا فى العجم أشجع منه إلاّ اُستاذه ¼ لما خشيت عليه الإثم ! ولله درّ القائل وقد سُئل عن الأشتر : ما أقول فى رجل هزمت حياتُه أهل الشام ، وهزم موتُه أهل العراق ! وبحقّ ما قال فيه أمير المؤمنين ¼ : كان الأشتر لى كما كنتُ لرسول الله ½ (٢) . ٦ / ٩ كتاب الإمام إلي محمّد بن أبى بكر ٢٨٢٢ ـ الغارات عن ابن أبى سيف عن أصحابه : إنّ محمّد بن أبى بكر لمّا بلغه أنّ عليّاً ¼ قد وجّه الأشتر إلي مصر شقّ عليه ، فكتب علىّ ¼ عند مهلك الأشتر إلي محمّد بن أبى بكر ـ وذلك حين بلغه موجدة(٣) محمّد بن أبى بكر لقدوم الأشتر عليه ـ : بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي محمّد بن أبى بكر ، سلام عليك . أمّا بعد ، فقد بلغنى موجدتك من تسريحى الأشتر إلي عملك ، ولم أفعل ذلك استبطاءً لك فى الجهاد ، ولا استزادة لك منّى فى الجدّ ، ولو نزعت ما حوت يداك من سلطانك لولّيتك ما هو أيسر مؤونة عليك ، وأعجب (١) أنساب الأشراف : ٥ / ٤١ ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ١ / ١٨٦ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢١٤ كلاهما نحوه . ٨٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر / جواب محمّد بن أبى بكر
ولاية إليك ، إلاّ أنّ الرجل الذى كنت ولّيته مصر كان رجلاً لنا مناصحاً ، وعلي عدوّنا شديداً ، فرحمة الله عليه ، وقد استكمل أيّامه ، ولاقي حِمامه ، ونحن عنه راضون ، فرضى الله عنه ، وضاعف له الثواب ، وأحسن له المآب ، فأصحِر لعدوّك ، وشمّر للحرب ، وادعُ إلي سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأكثِر ذكر الله والاستعانة به والخوف منه يكفِك ما أهمّك ، ويُعِنك علي ما ولاّك ، أعاننا الله وإيّاك علي ما لا ينال إلاّ برحمته . والسلام (١) . ٦ / ١٠ ٢٨٢٣ ـ الغارات عن ابن أبى سيف عن أصحابه : فكتب إليه ¼ محمّدُ بن أبى بكر جوابه : بسم الله الرحمن الرحيم . لعبد الله أمير المؤمنين علىّ من محمّد بن أبى بكر ، سلام عليك . فإنّى أحمد إليك الله الذى لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فقد انتهي إلىّ كتاب أمير المؤمنين ، وفهمته ، وعرفت ما فيه ، وليس أحد من الناس أشدّ علي عدوّ أمير المؤمنين ولا أرأف وأرقّ لوليّه منّى ، وقد خرجتُ فعسكرتُ وأمّنت الناس ، إلاّ من نصب لنا حرباً ، وأظهر لنا خلافاً . وأنا متّبع أمر أمير المؤمنين ، وحافظه ، ولاجئ إليه ، وقائم به ، والله المستعان علي كلّ حال . والسلام(٢) . (١) الغارات : ١ / ٢٦٧ ، نهج البلاغة : الكتاب ٣٤ نحوه ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٥٥٦ / ٧٢٢ وص ٥٩٣ / ٧٣٩ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ٩٦ عن أبى مخنف ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤١٠ كلاهما نحوه ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٧٨ وج١٦ / ١٤٢ . |