٨٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر
٧ / ١ إشخاص عمرو بن العاص لقتال محمّد بن أبى بكر ٢٨٢٤ ـ الغارات : إنّ معاوية لمّا بلغه تفرّق الناس عن علىّ ¼ وتخاذلهم ، أرسل عمرو بن العاص إلي مصر فى جيش من أهل الشام ، فسار حتي دنا من مصر ، فتلقّي محمّد بن أبى بكر وكان عامل علىّ علي مصر ، فلمّا نزل أدانى مصر اجتمعت إليه العثمانيّة فأقام بها(١) . ٢٨٢٥ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن حوالة الأزدى ـ فى ذكر إشخاص معاوية عمرو ابن العاص إلي مصر ـ : بعثه فى ستة آلاف رجل . . . فخرج عمرو يسير حتي نزل أدانى أرض مصر ، فاجتمعت العثمانية إليه فأقام بهم ، وكتب إلي محمّد ابن أبى بكر : (١) الغارات : ١ / ٢٧٦ ; البداية والنهاية : ٧ / ٣١٤ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٨٣ كلاهما نحوه . ٨٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / إشخاص عمرو بن العاص لقتال محمّد بن أبى بكر
أمّا بعد ، فتنحّ عنّى بدمك يا بن أبى بكر فإنى لا اُحبّ أن يصيبك منّى ظفر ، إنّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا علي خلافك ورفض أمرك وندموا علي اتّباعك ، فهم مسلّموك لو قد التقت حلقتا البطان(١) ، فاخرج منها فإنّى لك من الناصحين ، والسلام . وبعث إليه عمرو أيضاً بكتاب معاوية إليه : أمّا بعد ، فإنّ غبّ البغى والظلم عظيم الوبال ، وإنّ سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة فى الدنيا ومن التبعة الموبقة فى الآخرة ، وإنّا لا نعلم أحداً كان أعظم علي عثمان بغياً ولا أسوأ له عيباً ولا أشدّ عليه خلافاً منك ، سعيتَ عليه فى الساعين وسفكت دمه فى السافكين ، ثمّ أنت تظنّ أنى عنك نائم أو ناس لك حتي تأتى فتأمّر علي بلاد أنت فيها جارى ، وجلّ أهلها أنصارى يرون رأيى ويرقبون قولى ويستصرخونى عليك ، وقد بعثت إليك قوماً حِناقاً عليك يستسقون دمك ويتقرّبون إلي الله بجهادك ، وقد أعطوا الله عهداً ليمثلُنّ بك ، ولو لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذّرتك ولا أنذرتك ، ولأحببت أن يقتلوك بظلمك وقطيعتك وعدوك علي عثمان يوم يُطعن بمشاقصك(٢) بين خُششائه(٣) وأوداجه ، ولكن أكره أن أمثّل بقرشى ، ولن يُسلمك الله من القصاص أبدا أينما كنت . والسلام(٤) . (١) البِطانُ : حِزام الرَّحْل والقَتَب (لسان العرب : ١٣ / ٥٦) . ٨٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / استنصار محمّد بن أبى بكر
٧ / ٢ ٢٨٢٦ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن حوالة الأزدى : فطوي محمّد كتابيهما وبعث بهما إلي علىّ ، وكتب معهما : أمّا بعد ، فإنّ ابن العاص قد نزل أدانى أرض مصر ، واجتمع إليه أهل البلد جلّهم ممن كان يري رأيهم ، وقد جاء فى جيش لجب خرّاب ، وقد رأيتُ ممّن قِبلى بعض الفشل ، فإن كان لك فى أرض مصر حاجة فأمدنى بالرجال والأموال . والسلام عليك(١) . ٧ / ٣ ٢٨٢٧ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن حوالة الأزدى : فكتب إليه علىّ : أمّا بعد ، فقد جاءنى كتابك تذكر أنّ ابن العاص قد نزل بأدانى أرض مصر فى لجب من جيشه خرّاب ، وأنّ من كان بها علي مثل رأيه قد خرج إليه ، وخروج من يري رأيه إليه خير لك من إقامتهم عندك ، وذكرت أنّك قد رأيت فى بعض من قبلك فشلاً ، فلا تفشل وإن فشلوا فحصّن قريتك ، واضمم إليك شيعتك واندب إلي القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والنجدة والبأس ، فإنّى نادب إليك الناس علي الصعب والذلول ، فاصبر لعدوّك وامضِ علي بصيرتك وقاتلهم علي نيّتك وجاهدهم صابراً محتسباً ، وإن كانت فئتك أقلّ الفئتين فإنّ الله قد يُعزّ القليل ويخذل الكثير . ٨٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / استنهاضُ الإمام للدفاع عن مصر ، وعصيانُ أصحابه
وقد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية والفاجر ابن الكافر عمرو ، المتحابَّين فى عمل المعصية والمتوافقين المرتشيين فى الحكومة ، المنكرَين فى الدنيا ، قد استمتعوا بخَلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخَلاقهم ، فلا يهُلْك إرعادهما وإبراقهما ، وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله ، فإنّك تجد مقالاً ما شئت . والسلام(١) . ٧ / ٤ استنهاضُ الإمام للدفاع عن مصر ، وعصيانُ أصحابه ٢٨٢٨ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن فُقَيم ـ بعد ذكر استصراخ محمّد بن أبى بكر إلي علىّ ¼ ـ : قام علىّ فى الناس وقد أمر فنودى : الصلاة جامعة ! فاجتمع الناس ، فحمد الله وأثني عليه ، وصلّي علي محمّد ½ ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّ هذا صريخ محمّد بن أبى بكر وإخوانكم من أهل مصر ، قد سار إليهم ابن النابغة عدوّ الله ، وولىّ من عادي الله ، فلا يكوننّ أهل الضلال إلي باطلهم ، والركون إلي سبيل الطاغوت أشدّ اجتماعاً منكم علي حقّكم هذا ، فإنّهم قد بدؤوكم وإخوانكم بالغزو ، فاعجلوا إليهم بالمؤاساة والنصر . عباد الله ! إنّ مصر أعظم من الشام ، أكثر خيراً ، وخير أهلاً ، فلا تغلَبوا علي مصر ، فإنّ بقاء مصر فى أيديكم عزٌّ لكم ، وكبت لعدوّكم ، اخرجوا إلي الجَرعة(٢) بين الحيرة(٣) والكوفة ، فوافونى بها هناك غداً إن شاء الله . (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٠٢ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٨٤ ; الغارات : ١ / ٢٧٨ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٥٥٨ / ٧٢٢ وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٣١٥ . ٨٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / استنهاضُ الإمام للدفاع عن مصر ، وعصيانُ أصحابه
قال : فلمّا كان من الغد خرج يمشى ، فنزلها بكرة ، فأقام بها حتي انتصف النهار يومه ذلك ، فلم يوافه منهم رجل واحد ، فرجع . فلما كان من العشى بعث إلي أشراف الناس ، فدخلوا عليه القصر وهو حزين كئيب ، فقال : الحمد لله علي ما قضي من أمرى وقدّر من فعلى وابتلانى بكم أيّتها الفرقة ; ممّن لا يطيع اذا أمرتُ ولا يجيب إذا دعوتُ ، لا أبا لغيركم ! ما تنتظرون بصبركم والجهاد علي حقّكم ! الموت والذلّ لكم فى هذه الدنيا علي غير الحقّ ، فو الله ، لئن جاء الموت ـ وليأتينّ ـ ليفرّقنّ بينى وبينكم ، وأنا لصحبتكم قال وبكم غير ضنين ، لله أنتم لا دين يجمعكم ولا حميّة تحميكم ، إذا أنتم سمعتم بعدوّكم يردّ بلادكم ويشنّ الغارة عليكم ، أ وَليس عجباً أنّ معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه علي غير عطاء ولا معونة ، ويجيبونه فى السنة المرتين والثلاث إلي أىّ وجه شاء ، وأنا أدعوكم ـ وأنتم أولو النهي وبقية الناس ـ علي المعونة وطائفة منكم علي العطاء ، فتقومون عنّى وتعصوننى وتختلفون علىَّ ؟ فقام إليه مالك بن كعب الهمدانى ثمّ الأرحبى فقال : يا أمير المؤمنين اندب الناس فإنّه لا عطر بعد عروس(١) ، لمثل هذا اليوم كنت أدّخر نفسى ، والأجر لا يأتى إلاّ بالكرّة . اتّقوا الله وأجيبوا إمامكم وانصروا دعوته وقاتلوا عدوّه ، أنا أسير إليها يا أمير المؤمنين . ٩٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / استشهاد محمّد بن أبى بكر
قال : فأمر علىّ مناديه سعداً فنادي فى الناس : ألا انتدبوا إلي مصر مع مالك بن كعب . ثمّ إنّه خرج وخرج معه علىّ فنظر فإذا جميع من خرج نحو ألفى رجل . فقال : سِر فو الله ، ما إخالك تدرك القوم حتي ينقضى أمرهم . قال : فخرج بهم فسار خمساً . و[لمَّا أخبر الإمام بفتح مصر وقتل محمد بن أبى بكر] سرّح علىّ عبدَ الرحمن ابن شريح الشبامى إلي مالك بن كعب فردّه من الطريق (١) . ٧ / ٥ ولّي الإمام ¼ محمّد بن أبى بكر علي مصر سنة ٣٦ هـ باقتراح من عبد الله بن جعفر ، وذلك بعد عزل قيس بن سعد عنها(٢) . من هنا لم يشهد محمّدٌ معركة صفّين(٣) . تشدّد محمّد علي أشخاص كان هواهم فى عثمان(٤) ، فتمرّدوا عليه بعدما جري فى صفّين وما آلَت إليه من التحكيم(٥) ، وضيّقوا عليه الخناق(٦) ، وانتهز (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٠٨ ; الغارات : ١ / ٢٨٩ عن جندب بن عبد الله وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤١٣ . ٩١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / استشهاد محمّد بن أبى بكر
معاوية وعمرو بن العاص الفرصة فهبّوا إلي مؤازرة المتمرّدين(١) . فكادت الاُمور تفلت فى مصر ، ويخرج هذا الإقليم من سيادة الدولة الإسلاميّة ، لذا عيّن الإمام ¼ مالكاً مكانه ليُخمد الفتنة المستعرة فيها(٢) ، لكنّ هذا النصير الفذّ الفريد استشهد فى الطريق بأسلوب غادر خبيث انتهجه معاوية ، فأعاد الإمام ¼ محمّداً إليها(٣) . بعث معاوية عمرو بن العاص مع لُمّة لإعانة المتمرّدين(٤) . وكان لابن العاص نفوذ فيها إذ كان قد فتحها فى زمان خلافة عمر(٥) . فحدثت اشتباكات استُشهد فيها كنانة الذى كان قد بعثه محمّد علي رأس ألفين لمواجهة ابن العاص(٦) ، فجرّ ذلك إلي أن ترك أصحاب محمّد أميرهم وحيداً ، فوقع فى قبضة العدوّ(٧) . ومن جانب آخر لم تُجْدِ استغاثة الإمام ¼ واستنصاره أهل الكوفة لمؤازرة (١) الغارات : ١ / ٢٧٦ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ٩٤ . ٩٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / استشهاد محمّد بن أبى بكر
محمّد(١) . وآل الأمر إلي أن يضع معاوية بن خديج محمّداً فى جلد حمار ميّت ويحرقه ، وهو ظمآن(٢) ، وجاء فى بعض الأخبار أنّه اُحرق حيّاً(٣) . أحزن استشهاد محمّد بن أبى بكر الإمام ¼ كثيراً(٤) ، وتوجّع علي ما جري علي عزيزه الراحل ، وجزع عليه أشدّ الجزع ، وحين سُئل ¼ عن علّة جزعه الشديد ، قال : "رحم الله محمّداً ; كان غلاماً حَدَثاً ، أما والله لقد كنتُ أردتُ أن اُولّى المرقال هاشم بن عتبة بن أبى وقّاص مصر . . . بلا ذمّ لمحمّد بن أبى بكر ، لقد أجهد نفسه وقضي ما عليه"(٥) . وكان ¼ يُثنى عليه ويذكره بخير فى مناسبات مختلفة ويقول : "لقد كان إلىّ حبيباً ، وكان لى ربيباً(٦) ، فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً ، وعاملاً كادحاً ، وسيفاً قاطعاً ، وركناً دافعاً"(٧) . (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٠٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤١٣ و٤١٤ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٧٠ ; الغارات : ١ / ٢٩٠ . ٩٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / استشهاد محمّد بن أبى بكر
٢٨٢٩ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد بن يوسف بن ثابت الأنصارى عن شيخ من أهل المدينة : خرج محمّد فى ألفى رجل ، واستقبل عمرو بن العاص كنانة وهو علي مقدّمة محمّد ، فأقبل عمرو نحو كنانة ، فلمّا دنا من كنانة سرّح الكتائب كتيبة بعد كتيبة ، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبةٌ من كتائب أهل الشام إلاّ شدّ عليها بمن معه ، فيضربها حتي يقرّبها لعمرو بن العاص ، ففعل ذلك مراراً ، فلمّا رأي ذلك عمرو بعث إلي معاوية بن حُدَيج السكونى ، فأتاه فى مثل الدهم(١) ، فأحاط بكنانة وأصحابه ، واجتمع أهل الشام عليهم من كلّ جانب ، فلمّا رأي ذلك كنانة بن بشر نزل عن فرسه ، ونزل أصحابه وكنانة يقول : ³ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الاَْخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ² (٢) ، فضاربهم بسيفه حتي استشهد . وأقبل عمرو بن العاص نحو محمّد بن أبى بكر ، وقد تفرّق عنه أصحابه لمّا بلغهم قتل كنانة ، حتي بقى وما معه أحد من أصحابه ، فلمّا رأي ذلك محمّد خرج يمشى فى الطريق حتي انتهي إلي خربة فى ناحية الطريق ، فأوي إليها ، وجاء عمرو ابن العاص حتي دخل الفسطاط ، وخرج معاوية بن حديج فى طلب محمّد . . . حتي دخلوا عليه ، فاستخرجوه ، وقد كاد يموت عطشاً ، فأقبلوا به نحو فسطاط مصر . . . قال له معاوية : أ تدرى ما أصنع بك ؟ اُدخلك فى جوف حمار ، ثمّ أحرقه عليك بالنار . فقال له محمّد : إن فعلتم بى ذلك ، فطالما فُعِل ذلك بأولياء الله ! وإنّى لأرجو (١) الدُّهمة : السواد ، والدَّهْم : الجماعة الكثيرة (لسان العرب : ١٢ / ٢٠٩ وص ٢١٠) . ٩٤ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / حزن الإمام
هذه النار التى تُحرقنى بها أن يجعلها الله علىَّ برداً وسلاماً كما جعلها علي خليله إبراهيم ، وأن يجعلها عليك وعلي أوليائك كما جعلها علي نمرود وأوليائه ، إنّ الله يحرقك ومن ذكرته قبل وإمامك ـ يعنى معاوية ـ وهذا ـ وأشار إلي عمرو ابن العاص ـ بنار تلظّي عليكم ، كلّما خبت زادها الله سعيراً ، قال له معاوية : إنّى إنّما أقتلك بعثمان . قال له محمّد : وما أنت وعثمان ؟ إنّ عثمان عمل بالجور ، ونبذ حكم القرآن ، وقد قال الله تعالي : ³ ومَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَـٰئـِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ² (١) ، فنقمنا ذلك عليه فقتلناه ، وحسّنت أنت له ذلك ونظراؤك ، فقد برّأنا الله إن شاء الله من ذنبه ، وأنت شريكه فى إثمه وعظم ذنبه ، وجاعلك ع لي مثاله . قال : فغضب معاوية فقدّمه فقتله ، ثمّ ألقاه فى جيفة حمار ، ثمّ أحرقه بالنار ، فلمّا بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعاً شديداً ، وقنتت عليه فى دبر الصلاة تدعو علي معاوية وعمرو ، ثمّ قبضت عيال محمّد إليها ، فكان القاسم بن محمّد بن أبى بكر فى عيالها(٢) . ٧ / ٦ ٢٨٣٠ ـ الغارات عن مالك بن الجون الحضرمى : إنّ عليّاً ¼ قال : رحم الله محمّداً ، كان غلاماً حدثاً ، أما والله ، لقد كنت أردت أن اُولّى المرقال هاشم بن (١) المائدة : ٤٧ . ٩٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / فرح معاوية
عتبة بن أبى وقّاص مصر ، والله ، لو أنّه وليها لما خلّي لعمرو بن العاص وأعوانه العرصة ، ولما قتل إلاّ وسيفه فى يده ، بلا ذمّ لمحمّد بن أبى بكر فلقد أجهد نفسه وقضي ما عليه . قال : فقيل لعلىّ ¼ : لقد جزعت علي محمّد بن أبى بكر جزعاً شديداً يا أمير المؤمنين ! قال : وما يمنعنى ؟ إنّه كان لى ربيباً وكان لبنىّ أخاً ، وكنت له والداً أعدّه ولداً(١) . ٢٨٣١ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى ذكر محمّد بن أبى بكر ـ : لقد كان إلىّ حبيباً ، وكان لى ربيباً(٢) . ٢٨٣٢ ـ عنه ¼ ـ فى ذكر محمّد بن أبى بكر ـ : إنّه كان لى ولداً ، ولولدى وولد أخى أخاً(٣) . ٢٨٣٣ ـ عنه ¼ ـ لمّا بلغه قتل محمّد بن أبى بكر ـ : إنّ حزننا عليه علي قدر سرورهم به ، إلاّ أنّهم نقصوا بغيضاً ، ونقصنا حبيباً(٤) . ٧ / ٧ ٢٨٣٤ ـ الغارات عن جندب بن عبد الله ـ فى خبر قتل محمّد بن أبى بكر ـ : قدم (١) الغارات : ١ / ٣٠٠ ، نهج البلاغة : الخطبة ٦٨ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ١١٠ وفيه إلي "و قضي ما عليه" ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٧٣ كلّها نحوه وراجع مروج الذهب : ٢ / ٤٢٠ . ٩٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / كتاب الإمام إلي ابن عبّاس بعد استشهاد محمّد
عليه [علي علىٍّ ¼ ] عبدُ الرحمن بن المسيّب الفزارى . . . عينه بالشام . . . وحدّثه أنّه لم يخرج من الشام حتي قدمت البشري من قبل عمرو بن العاص تتري يتبع بعضها علي أثر بعض بفتح مصر وقتل محمّد بن أبى بكر ، وحتي أذّن معاوية بقتله علي المنبر ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، ما رأيت يوماً قطّ سروراً بمثل سرور رأيته بالشام ، حتي أتاهم هلاك ابن أبى بكر . فقال علىّ ¼ : أما إنّ حزننا علي قتله علي قدر سرورهم به ، لا بل يزيد أضعافاً(١) . ٧ / ٨ كتاب الإمام إلي ابن عبّاس بعد استشهاد محمّد ٢٨٣٥ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له ¼ إلي عبد الله بن العبّاس ، بعد مقتل محمّد بن أبى بكر ـ : أمّا بعد ، فإنّ مصر قد افتتحت ، ومحمّد بن أبى بكر قد استُشهد ، فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً ، وعاملاً كادحاً ، وسيفاً قاطعاً ، وركناً دافعاً ، وقد كنت حثثت الناس علي لحاقه ، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ، ودعوتهم سرّاً وجهراً ، وعوداً وبدءاً فمنهم الآتى كارهاً ، ومنهم المُعتلّ كاذباً ، ومنهم القاعد خاذلاً . أسأل الله تعالي أن يجعل لى منهم فرجاً عاجلاً ، فو الله ، لولا طمعى عند لقائى عدوّى فى الشهادة ، وتوطينى نفسى علي المنيّة ، لأحببت ألاّ ألقي مع هؤلاء ٩٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / خطبة الإمام بعد قتل محمّد بن أبى بكر
يوماً واحداً ، ولا ألتقى بهم أبداً(١) . ٧ / ٩ خطبة الإمام بعد قتل محمّد بن أبى بكر ٢٨٣٦ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى خطبته بعد قتل محمّد بن أبى بكر ـ : ألا إنّ مصر قد افتتحها الفجرة اُولو الجور والظلم الذين صدّوا عن سبيل الله ، وبغوا الإسلام عوجاً . ألا وإنّ محمّد بن أبى بكر قد استشهد ، فعند الله نحتسبه . أما والله إن كان ما علمت لممّن ينتظر القضاء ، ويعمل للجزاء ، ويبغض شكل الفاجر ، ويحبّ هدي المؤمن ، إنّى والله ما ألوم نفسى علي التقصير ، وإنّى لمقاساة الحرب لجدّ خبير ، وإنّى لأقدم علي الأمر وأعرف وجه الحزم ، وأقوم فيكم بالرأى المصيب ، فأستصرخكم معلناً ، واُناديكم نداء المستغيث معرباً ، فلا تسمعون لى قولاً ، ولا تطيعون لى أمراً ، حتي تصير بى الاُمور إلي عواقب المساءة ، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر ، ولا تنقض بكم الأوتار ، دعوتكم إلي غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق ، وتثاقلتم إلي الأرض تثاقل من ليس له نيّة فى جهاد العدوّ ، ولا اكتساب الأجر ، ثمّ خرج إلىّ منكم جنيدٌ متذانب ³ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَي الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ² (٢) فاُفٍّ لكم !(٣) (١) نهج البلاغة : الكتاب ٣٥ ، الغارات : ١ / ٢٩٩ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ١٠٩ كلاهما نحوه . ٩٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
٧ / ١٠ رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر ٢٨٣٧ ـ الغارات عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه : دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عدىّ وحبّة العرنى والحارث الأعور وعبد الله بن سبأ علي أمير المؤمنين ¼ بعدما افتتحت مصر وهو مغموم حزين فقالوا له : بيّن لنا ما قولك فى أبى بكر وعمر ؟ فقال لهم علىّ ¼ : وهل فرغتم لهذا ؟ ! وهذه مصر قد افتتحت وشيعتى بها قد قتلت ، أنا مخرج إليكم كتاباً اُخبركم فيه عمّا سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقّى ما ضيّعتم ، فاقرؤوه علي شيعتى وكونوا علي الحقّ أعواناً . وهذه نسخة الكتاب : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي من قرأ كتابى هذا من المؤمنين والمسلمين ، السلام عليكم ، فإنّى أحمد إليكم الله الذى لا إله إلاّ هو . أمّا بعد ، فإنّ الله بعث محمّداً ½ نذيراً للعالمين ، وأميناً علي التنزيل ، وشهيداً علي هذه الاُمّة ، وأنتم معاشر العرب يومئذ علي شرّ دين وفى شرّ دار ، منيخون علي حجارة خشن ، وحيّات صم(١) ، وشوك مبثوث فى البلاد ، تشربون الماء الخبيث ، وتأكلون الطعام الجشيب(٢) ، وتسفكون دماءكم ، وتقتلون أولادكم ، وتقطعون أرحامكم ، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل ، سبلكم خائفة ، والاصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم معصوبة ، ولا يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون ، (١) ما لا يَقْبَلُ الرُّقْيَةَ ; كأنّه قد صمّ عن سماعها (لسان العرب : ١٢ / ٣٤٤) . ٩٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
فمنّ الله عزّ وجلّ عليكم بمحمّد ½ فبعثه إليكم رسولاً من أنفسكم ، وقال فيما أنزل من كتابه : ³ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاُْمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ² (١) وقال : ³ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ² (٢) وقال : ³ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ ² (٣) وقال : ³ ذَٰ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ² (٤) . فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم ، وكنتم أول المؤمنين تعرفون وجهه وشيعته وعمارته ، فعلّمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنّة ، وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم وصلاح ذات البين ، وأن تؤدّوا الأمانات إلي أهلها وأن توفوا بالعهد ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها ، وأمركم أن تعاطفوا وتبارّوا وتباذلوا وتراحموا ، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتقاذف والتباغى ، وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان ، وتقدّم إليكم فيما اُنزل عليكم : ألاّ تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامي ظلماً ، وأن تؤدّوا الأمانات إلي أهلها ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ، ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين . وكلّ خير يدنى إلي الجنّة ويباعد من النار أمركم به ، وكلّ شرّ يباعد من الجنّة ويدنى من النار نهاكم عنه . فلمّا استكمل مدّته من الدنيا توفّاه الله إليه سعيداً حميداً ، فيا لها مصيبة خصّت (١) الجمعة : ٢ . ١٠٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
الأقربين وعمّت جميع المسلمين ، ما اُصيبوا بمثلها قبلها ولن يعاينوا بعد اُختها . فلمّا مضي لسبيله ½ تنازع المسلمون الأمر بعده ، فو الله ما كان يلقي فى روعى ولا يخطر علي بالى أنّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّد ½ عن أهل بيته ، ولا أنّهم منحوه عنّى من بعده . فما راعنى إلاّ انثيال الناس علي أبى بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدى ورأيت أنّى أحقّ بمقام رسول الله ½ فى الناس ممّن تولي الأمر من بعده . فلبثت بذلك ما شاء الله حتي رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون إلي محق دين الله وملّة محمّد ½ وإبراهيم ¼ فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أري فيه ثلماً وهدماً يكون مصيبته أعظم علىّ من فوات ولاية اُموركم ، التى إنّما هى متاع أيام قلائل ثمّ يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما ينقشع السحاب ، فمشيت عند ذلك إلي أبى بكر فبايعته ، ونهضت فى تلك الأحداث حتي زاغ الباطل وزهق ، وكانت كلمة الله هى العليا ولو كره الكافرون . فتولّي أبو بكر تلك الاُمور فيسّر وشدّد وقارب واقتصد ، فصحبته مناصحاً وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً ، وما طمعت أن لو حدث به حدث وأنا حىّ أن يرد إلىّ الأمر الذى نازعته فيه طمع مستيقن ولا يئست منه يأس من لا يرجوه ، ولولا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنّه لا يدفعها عنّى . فلما احتضر بعث إلي عمر فولاّه فسمعنا وأطعنا وناصحنا ، وتولّي عمر الأمر فكان مرضىّ السيرة ميمون النقيبة ، حتي إذا احتضر قلت فى نفسى : لن يعدلها عنّى فجعلنى سادس ستّة ، فما كانوا لولاية أحد أشدّ كراهية منهم لولايتى عليهم ، فكانوا يسمعونى عند وفاة الرسول ½ أحاجّ أبا بكر وأقول : يا معشر ١٠١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
قريش إنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا من يقرأ القرآن ويعرف السنّة ويدين دين الحقّ . فخشى القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم فى الأمر نصيب ما بقوا ، فأجمعوا إجماعاً واحداً ، فصرفوا الولاية إلي عثمان وأخرجونى منها رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا من قبلى ، ثمّ قالوا : هلمّ فبايع وإلاّ جاهدناك . فبايعت مستكرهاً وصبرت محتسباً ، فقال قائلهم : يابن أبى طالب إنّك علي هذا الأمر لحريص ، فقلت : أنتم أحرص منّى وأبعد ، أ أنا أحرص إذا طلبت تراثى وحقّى الذى جعلنى الله ورسوله أولي به ، أم أنتم إذ تضربون وجهى دونه وتحولون بينى وبينه ؟ ! فبهتوا والله لا يهدى القوم الظالمين . اللهمّ إنى أستعديك علي قريش فإنّهم قطعوا رحمى ، وأصغوا(١) إنائى ، وصغّروا عظيم منزلتى ، وأجمعوا علي منازعتى حقّاً كنت أولي به منهم فسلبونيه ، ثمّ قالوا : ألا إنّ فى الحقّ أن تأخذه وفى الحقّ أن تمنعه فاصبر كمداً متوخماً أومت متأسّفاً وحنقاً . فنظرت فإذا ليس معى رافد ولا ذاب ولا مساعد إلاّ أهل بيتى ، فضننت بهم عن الهلاك ، فأغضيت علي القذي ، وتجرّعت ريقى علي الشجي ، وصبرت من كظم الغيظ علي أمرّ من العلقم وآلم للقلب من حزّ الشفار . حتي إذا نقمتم علي عثمان أتيتموه فقتلتموه ثمّ جئتمونى لتبايعونى ، فأبيت عليكم وأمسكت يدى فنازعتمونى ودافعتمونى ، وبسطتم يدى فكففتها ، ومددتم يدى فقبضتها ، وازدحمتم علىَّ حتي ظننت أنّ بعضكم قاتل بعض أو أنّكم قاتلى ، فقلتم : بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضي إلاّ بك ، فبايعنا لا نفترق ولا (١) أصغي فُلان إناءَ فُلان إذا أماله ونقَصَه من حظِّه (لسان العرب : ١٤ / ٤٦١) . ١٠٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
تختلف كلمتنا . فبايعتكم ودعوت الناس إلي بيعتى ، فمن بايع طائعاً قبلته منه ، ومن أبي لم اُكرهه وتركته . فبايعنى فيمن بايعنى طلحة والزبير ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم اُكره غيرهما ، فما لبثنا إلاّ يسيراً حتي بلغنى أن خرجا من مكّة متوجّهين إلي البصرة فى جيش ما منهم رجل إلاّ بايعنى وأعطانى الطاعة ، فقدما علي عاملى وخزّان بيت مالى وعلي أهل مصر كلّهم علي بيعتى وفى طاعتى فشتّتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم ، ثمّ وثبوا علي شيعتى من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدراً ، وطائفةً صبراً ، وطائفة عصّبوا بأسيافهم فضاربوا بها حتي لقوا الله صادقين ، فو الله ، لو لم يصيبوا منهم إلاّ رجلاً واحداً متعمّدين لقتله بلا جرم جرّه لحلّ لى به قتل ذلك الجيش كلّه ، فدع ما إنّهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدّة التى دخلوا بها عليهم ، وقد أدال(١) الله منهم فبعداً للقوم الظالمين . ثمّ إنّى نظرت فى أهل الشام فإذا أعراب أحزاب ، وأهل طمع جفاة طغام(٢) يجتمعون من كلّ أوب ، ومن كان ينبغى أن يؤدّب ويدرّب أو يولّي عليه ويؤخذ علي يديه ، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ، ولا التابعين بإحسان ، فسرت إليهم فدعوتهم إلي الطاعة والجماعة ، فأبوا إلاّ شقاقاً ونفاقاً ونهوضاً فى وجوه المسلمين ، ينضحونهم(٣) بالنبل ويشجرونهم(٤) بالرماح . (١) الإدالة : النُّصرة والغَلَبة (مجمع البحرين : ١ / ٦٢٠) . ١٠٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
فهناك نهدت(١) إليهم بالمسلمين فقاتلتهم ، فلمّا عضّهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلي ما فيها ، فأنبأتكم أنّهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، وأنّهم رفعوها غدراً ومكيدة وخديعةً ووهناً وضعفاً ; فامضوا علي حقّكم وقتالكم ، فأبيتم علىَّ وقلتم : اقبل منهم ، فإن أجابوا إلي ما فى الكتاب جامعونا علي ما نحن عليه من الحقّ ، وإن أبوا كان أعظم لحجّتنا عليهم ، فقبلت منكم ، وكففت عنهم إذ أبيتم وونيتم ، وكان الصلح بينكم وبينهم علي رجلين يحييان ما أحيا القرآن ، ويميتان ما أمات القرآن ، فاختلف رأيهما وتفرّق حكمهما ، ونبذا ما فى القرآن وخالفا ما فى الكتاب ، فجنّبهما الله السداد ودلاّهما فى الضلال ، فنبذا حكمهما وكانا أهله . فانخزلت(٢) فرقة منّا فتركناهم ما تركونا حتي إذا عثوا فى الأرض يقتلون ويفسدون أتيناهم فقلنا : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ، ثمّ كتاب الله بيننا وبينكم ، قالوا : كلّنا قتلهم ، وكلّنا استحلّ دماءهم ودماءكم ، وشدّت علينا خيلهم ورجالهم ، فصرعهم الله مصرع الظالمين . فلمّا كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلي عدوّكم فقلتم : كلّت سيوفنا ، ونفدت نبالنا ، ونصلت(٣) أسنّة رماحنا ، وعاد أكثرها قصداً(٤) فارجع بنا إلي مصرنا لنستعد بأحسن عدّتنا ، وإذا رجعت زدت فى مقاتلتنا عدّة (١) نَهَدَ : نهض ، نهد القوم لعدوّهم : إذا صمدوا له وشرعوا فى قتاله (النهاية : ٥ / ١٣٤) . ١٠٤ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
من هلك منّا وفارقنا ، فإنّ ذلك أقوي لنا علي عدوّنا . فأقبلت بكم حتي إذا أطللتم علي الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنُّخَيلة(١) ، وأن تلزموا معسكركم ، وأن تضمّوا قواضبكم(٢) ، وأن توطّنوا علي الجهاد أنفسكم ، ولا تكثروا زيارة أبنائكم ونسائكم . فإنّ أصحاب الحرب المصابروها ، وأهل التشمير فيها الذين لا ينوحون من سهر ليلهم ولا ظمأ نهارهم ولا خمص بطونهم ولا نصب أبدانهم ، فنزلت طائفة منكم معى معذّرة ، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية ، فلا من بقى منكم ثبت وصبر ، ولا من دخل المصر عاد إلىّ ورجع ، فنظرت إلي معسكرى وليس فيه خمسون رجلاً ، فلمّا رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فما قدرت علي أن تخرجوا معى إلي يومنا هذا . فما تنتظرون ؟ أ ما ترون إلي أطرافكم قد انتقصت ، وإلي أمصاركم قد افتتحت ، وإلي شيعتى بها بعد قد قتلت ، وإلي مسالحكم(٣) تعري ، وإلي بلادكم تغزي ، وأنتم ذوو عدد كثير ، وشوكة وبأس شديد ، فما بالكم ؟ لله أنتم ! من أين تؤتون ؟ وما لكم أنّي تؤفكون ؟ ! وأنّي تسحرون ؟ ! ولو أنّكم عزمتم وأجمعتم لم تراموا ، ألا إنّ القوم قد اجتمعوا وتناشبوا وتناصحوا وأنتم قد ونيتم وتغاششتم وافترقتم ، ما أنتم إن أتممتم عندى علي ذى سعداء ، فأنبهوا نائمكم واجتمعوا (١) النُّخَيلَة ـ تصغير نخلة ـ : موضع قرب الكوفة علي سمت الشام، وهو الموضع الذى خرج إليه الإمام على ¼ (معجم البلدان : ٥/٢٧٨). ١٠٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
علي حقّكم ، وتجرّدوا لحرب عدوّكم ، قد بدت الرغوة عن الصريح(١) وقد بيّن الصبح لذى عينين . إنّما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء ، واُولى الجفاء ومن أسلم كرهاً ، وكان لرسول الله ½ أنف الإسلام كلّه حرباً ، أعداء الله والسنّة والقرآن وأهل البدع والأحداث ، ومن كانت بوائقه تتّقي ، وكان علي الإسلام وأهله مخوفاً ، وأكلة الرشا وعبدة الدنيا . لقد اُنهى إلىّ أنّ ابن النابغة(٢) لم يبايع حتي أعطاه ثمناً وشرط أن يؤتيه أتيّة هى أعظم ممّا فى يده من سلطانه ، ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا ! وخزيت أمانة هذا المشترى نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين ! وإنّ فيهم لمن قد شرب فيكم الخمر وجلد الحدّ فى الإسلام ، يعرف بالفساد فى الدِّين والفعل السيِّئ ، وإنّ فيهم لمن لم يسلم حتي رضخ له علي الإسلام رضيخة(٣) . فهؤلاء قادة القوم ، ومن تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم بل هو شرّ منهم ، وهؤلاء الذين ذكرت لو ولّوا عليكم لأظهروا فيكم الفساد والكبر والفجور والتسلّط بالجبريّة والفساد فى الأرض ، واتّبعوا الهوي وحكموا بغير الحقّ ، ولأنتم علي ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خيرٌ منهم وأهدي سبيلاً ; فيكم العلماء والفقهاء والنجباء والحكماء ، وحملة الكتاب ، والمتهجّدون بالأسحار ، وعمّار المساجد بتلاوة القرآن ، أ فلا تسخطون وتهتمّون أن ينازعكم (١) الصريح : الخالص من كلّ شىء (النهاية : ٣ / ٢٠) . ١٠٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
الولاية عليكم سفهاؤكم ، والأشرار الأراذل منكم ؟ ! فاسمعوا قولى ـ هداكم الله ـ إذا قلت ، وأطيعوا أمرى إذا أمرت ! فو الله لئن أطعتمونى لا تغوون ، وإن عصيتمونى لا ترشدون ، خذوا للحرب اُهبتها ، وأعدّوا لها عدّتها ، وأجمعوا إليها فقد شبّت وأوقدت نارها وعلا شنارها(١) وتجرّد لكم فيها الفاسقون كى يعذّبوا عباد الله ، ويُطفِئوا نور الله . ألا إنّه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والجفاء والكبر بأولي بالجدّ فى غيّهم وضلالهم وباطلهم من أولياء الله ، من أهل البرّ والزهادة والإخبات فى حقّهم وطاعة ربّهم ومناصحة إمامهم . إنّى والله ، لو لقيتهم فرداً وهم ملء الأرض ما باليت ولا استوحشت ، وإنّى من ضلالتهم التى هم فيها والهدي الذى نحن عليه لعلي ثقة وبيّنة ويقين وصبر ، وإنّى إلي لقاء ربّى لمشتاق ، ولحسن ثواب ربّى لمنتظر ، ولكنّ أسفاً يعترينى ، وحزناً يخامرنى من أن يلى أمر هذه الاُمّة سفهاؤها وفجّارها فيتّخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خَوَلاً(٢) والصالحين حرباً والفاسقين حزباً ، وايم الله ، لولا ذلك ما أكثرت تأنيبكم وتأليبكم وتحريضكم ، ولتركتكم إذ ونيتم وأبيتم حتي ألقاهم بنفسى متي حمّ(٣) لى لقاؤهم ! فو الله ، إنّى لعلي الحقّ ، وإنّى للشهادة لمحبّ ، فـ ³ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰ لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ² (٤) ولا تثاقلوا إلي (١) الشَّنار : العيب والعار (النهاية : ٢ / ٥٠٤) . ١٠٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر
الأرض فتقرّوا بالخسف وتبوؤوا بالذلّ ، ويكن نصيبكم الأخسر ، إنّ أخا الحرب اليقظان الأرق ، ومن نام لم ينم عنه ، ومن ضعف أودي ، ومن ترك الجهاد فى الله كان كالمغبون المهين . اللهمّ اجمعنا وإيّاهم علي الهدي ، وزهّدنا وإيّاهم فى الدنيا ، واجعل الآخرة خيراً لنا ولهم من الاُولي ، والسلام(١) . |