١٠٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية
٨ / ١ السياسة العلوية والسياسة الاُمويّة بعد أن تحمّل معاوية مرارة الانكسار فى صفّين توصّل إلي هذه النتيجة وهى عدم قدرته علي مواجهة الإمام وجهاً لوجه ، فانتهج اُسلوباً آخر من أجل الوصول إلي أهدافه وأطماعه المشؤومة ، فاتّخذ سياسة غير إسلاميّة وغير إنسانيّة فى مواجهة الإمام ; وهى سياسة الإيذاء المباغت ، من قبيل : الاغتيال ، وإحراق المنازل والبيوت ، ونهب الأموال ، وإثارة الرعب والخوف بين الناس ، وسلب الأمن عن البلاد الإسلاميّة. وفى هذا المجال كتب المسعودى ـ المؤرّخ المعروف ـ : "و كان معاوية فى بقيّة أيّام علىّ يبعث سرايا تُغير ، وكذلك علىّ كان يبعث من يمنع سرايا معاوية من أذيّة الناس"(١) . ١١٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / السياسة العلوية والسياسة الاُمويّة
وقد رام معاويةُ بانتهاجه هذه السياسة اللئيمة الخطرة الأهدافَ التالية : ١ ـ زرع اليأس فى قلوب الناس من حكومة الإمام ¼ ، وكسر مقاومتهم ومنعهم عن الاستمرار فى معاضدة الإمام . ٢ ـ السيطرة علي المحالّ التى لها موقع سياسى هامّ كالبصرة ومصر . ٣ ـ إلجاء الإمام إلي المقابلة بالمثل ، وإزالة قدسيّة الإمام من أذهان الناس . ٤ ـ استغلال غطاء "عهد الصلح" المشروط ـ الذى أمضاه الإمام فى التحكيم ـ لخدمة مصالحه وأهدافه ، وبالتالى دفع الإمام لنقض العهد المذكور . والذى ساعد علي إيجاد أرضيّة مناسبة لهذه السياسة الخطرة هو استشهاد جملة من أركان جيش الإمام من جانب ، ومن جانب آخر تعب جيش الإمام وعدم طاعتهم لقائدهم . لكنّ الإمام ¼ ـ فى ذلك الظرف الحسّاس ـ لم يتخطّ حدود العدالة مقدار أنملة ، وأبقي درساً عمليّاً للحكومات التى تريد الاستنارة بنهجه فى الوفاء والثبات علي هذه السياسة المباركة ، بل لم يكن حاضراً لنقض ذلك العهد المشروط الذى اُلجئ إلي قبوله . وإليك كلام الإمام ¼ فى هذا المجال : ٢٨٣٨ ـ الإرشاد : ومن كلامه ¼ لما نقض معاوية بن أبى سفيان شرط الموادعة وأقبل يشنّ الغارات علي أهل العراق ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : ما لمعاوية قاتله الله ؟ ! لقد أرادنى علي أمر عظيم ، أراد أنْ أفعل كما يفعل ، فأكون قد هتكتُ ذمّتى ونقضتُ عهدى ، فيتّخذها علىَّ حجّة ، فتكون علىَّ شيناً إلي يوم القيامة كلّما ذُكرت . فإن قيل له : أنت بدأت ، قال : ما علمتُ ولا أمرتُ ، فمن قائل يقول : قد ١١١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / هجوم ابن الحضرمى علي البصرة
صدق ، ومن قائل يقول : كذب . أمَ والله ، إنّ الله لذو أناة وحلم عظيم ، لقد حلُم عن كثير من فراعنة الأوّلين وعاقب فراعنة ، فإنْ يُمهله الله فلن يفوته ، وهو له بالمرصاد علي مجاز طريقه . فليصنع ما بدا له فإنّا غير غادرين بذمّتنا ، ولا ناقضين لعهدنا ، ولا مروّعين لمسلم ولا معاهد ، حتي ينقضى شرط الموادعة بيننا ، إن شاء الله(١) . ٨ / ٢ ٢٨٣٩ ـ تاريخ الطبرى عن أبى نعامة : لما قتل محمّد بن أبى بكر بمصر ، خرج ابن عبّاس من البصرة إلي على بالكوفة واستخلف زياداً ، وقدم ابن الحضرمى من قبل معاوية فنزل فى بنى تميم ، فأرسل زياد إلي حضين بن المنذر ومالك بن مسمع فقال : أنتم يا معشر بكر بن وائل من أنصار أمير المؤمنين وثقاته ، وقد نزل ابن الحضرمى حيث ترون وأتاه من أتاه ، فامنعونى حتي يأتينى رأى أمير المؤمنين . فقال حضين : نعم . وقال مالك : ـ وكان رأيه مائلاً إلي بنى أمية وكان مروان لجأ إليه يوم الجمل ـ هذا أمر لى فيه شركاء أستشير وأنظر . فلما رأي زياد تثاقل مالك خاف أن تختلف ربيعة ، فأرسل إلي نافع أن أشر على فأشار عليه نافع بصبرة بن شيمان الحدّانى ، فأرسل إليه زياد فقال : أ لا تجيرنى وبيت مال المسلمين فإنه فيؤكم وأنا أمين أمير المؤمنين ؟ ١١٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / هجوم ابن الحضرمى علي البصرة
قال : بلي إن حملته إلى ونزلت دارى . قال : فإنى حامله ، فحمله وخرج زياد حتي أتي الحدّان ونزل فى دار صبرة بن شيمان ، وحوّل بيت المال والمنبر فوضعه فى مسجد الحدّان ، وتحوّل مع زياد خمسون رجلاً منهم أبو أبى حاضر . وكان زياد يصلّى الجمعة فى مسجد الحدّان ويطعم الطعام . فقال زياد لجابر بن وهب الراسبى : يا أبا محمّد إنّى لا أري ابن الحضرمى يكفّ ، ولا أراه إلاّ سيقاتلكم ، ولا أدرى ما عند أصحابك فآمرهم وانظر ما عندهم ، فلما صلّي زياد جلس فى المسجد ، واجتمع الناس إليه فقال جابر : يا معشر الأزد ، تميم تزعم أنهم هم الناس وأنهم أصبر منكم عند البأس ، وقد بلغنى أنهم يريدون أن يسيروا إليكم حتي يأخذوا جاركم ويخرجوه من المصر قسراً ، فكيف أنتم إذا فعلوا ذلك وقد أجرتموه وبيت مال المسلمين ؟ ! فقال صبرة بن شيمان ، وكان مفخّماً : إن جاء الأحنف جئت ، وإن جاء الحُتات جئت ، وإن جاء شُبّان ففينا شُبّان . فكان زياد يقول : إنّنى استضحكت ونهضت ، وما كدت مكيدة قطّ كنت إلي الفضيحة بها أقرب منّى للفضيحة يومئذ لما غلبنى من الضحك . قال : ثمّ كتب زياد إلي علىّ : إنّ ابن الحضرمى أقبل من الشام فنزل فى دار بنى تميم ، ونعي عثمان ودعا إلي الحرب وبايعته تميم وجلّ أهل البصرة ، ولم يبقَ معى من أمتنع به ، فاستجرت لنفسى ولبيت المال صبرة بن شيمان ، وتحوّلت فنزلت معهم ، فشيعة عثمان يختلفون إلي ابن الحضرمى . فوجّه علىّ أعين بن ضُبيعة المجاشعى ليفرّق قومه عن ابن الحضرمى ، فانظر ١١٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / هجوم ابن الحضرمى علي البصرة
ما يكون منه ، فإن فرّق جمع ابن الحضرمى فذلك ما تريد ، وان ترقت بهم الأمور إلي التمادى فى العصيان فانهض اليهم فجاهدهم ، فإن رأيت ممّن قِبلك تثاقلاً وخفت أن لا تبلغ ما تريد ، فدارهم وطاولهم ثمّ تسمّع وأبصر ، فكأن جنود الله قد أظلتك تقتل الظالمين . فقدم أعين فأتي زياداً فنزل عنده ، ثمّ أتي قومه وجمع رجالاً ونهض إلي ابن الحضرمى ، فدعاهم فشتموه وناوشوه فانصرف عنهم ، ودخل عليه قوم فقتلوه . فلما قتل أعين بن ضبيعة أراد زياد قتالهم ، فأرسلت بنو تميم إلي الأزد : إنّا لم نعرض لجاركم ولا لأحد من أصحابه ، فماذا تريدون إلي جارنا وحربنا ؟ فكرهت الأزد القتال وقالوا : إن عرضوا لجارنا منعناهم ، وإن يكفّوا عن جارنا كففنا عن جارهم فأمسكوا . وكتب زياد إلي علىّ : أنّ أعين بن ضُبيعة قدم فجمع من أطاعه من عشيرته ، ثمّ نهض بهم بجدّ وصدق نيّة إلي ابن الحضرمى ، فحثّهم علي الطاعة ودعاهم إلي الكفّ والرجوع عن شقاقهم ، ووافقتهم عامّة قوم فهالهم ذلك ، وتصدّع عنهم كثير ممّن كان معهم يمنّيهم نصرته ، وكانت بينهم مناوشة ، ثمّ انصرف إلي أهله فدخلوا عليه فاغتالوه فاُصيب رحم الله أعين ، فأردت قتالهم عند ذلك فلم يخفّ معى من أقوي به عليهم ، وتراسل الحيّان فأمسك بعضهم عن بعض . فلما قرأ على كتابه دعا جارية بن قدامة السعدى فوجهه فى خمسين رجلاً من بنى تميم ، وبعث معه شريك بن الأعور ويقال : بعث جارية فى خمسمائة رجل ، وكتب إلي زياد كتاباً يصوّب رأيه فيما صنع وأمره بمعونة جارية بن قدامة والإشارة عليه ، فقدم جارية البصرة ، فأتي زياداً فقال له : احتفز واحذر أن يصيبك ما أصاب صاحبك ، ولا تثقنّ بأحد من القوم . ١١٤ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة النعمان بن بشير
فسار جارية إلي قومه فقرأ عليهم كتاب علىّ ووعدهم ، فأجابه أكثرهم ، فسار إلي ابن الحضرمى فحصره فى دار سُنبيل ثمّ أحرق عليه الدار وعلي من معه ، وكان معه سبعون رجلاً ـ ويقال أربعون ـ وتفرّق الناس ورجع زياد إلي دار الإمارة ، وكتب إلي علىّ مع ظبيان بن عمارة وكان ممّن قدم مع جارية . . . وأنّ جارية قدم علينا فسار إلي ابن الحضرمى فقتله حتي اضطره إلي دار من دور بنى تميم فى عدّة رجال من أصحابه بعد الإعذار والإنذار والدعاء إلي الطاعة ، فلم ينيبوا ولم يرجعوا ، فأضرم عليهم الدار فأحرقهم فيها وهدمت عليهم ، فبُعداً لمن طغي وعصي(١) . ٨ / ٣ ٢٨٤٠ ـ تاريخ اليعقوبى : وجّه معاوية النعمان بن بشير ، فأغار علي مالك بن كعب الأرحبى ، وكان عامل علىّ علي مسلحة عين التمر . فندب علىّ فقال : يا أهل الكوفة ! انتدبوا إلي أخيكم مالك بن كعب ، فإنّ النعمان ابن بشير قد نزل به فى جمع ليس بكثير لعلّ الله أن يقطع من الظالمين طرفاً . فأبطؤوا ، ولم يخرجوا(٢) . ٢٨٤١ ـ الكامل فى التاريخ : فى هذه السنة [٣٩ هـ ] فرّق معاوية جيوشه فى العراق فى أطراف علىّ ، فوجّه النعمان بن بشير فى ألف رجل إلي عين التمر ، وفيها : مالك ابن كعب مسلحة لعلىّ فى ألف رجل ، وكان مالك قد أذن لأصحابه (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١١٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤١٥ نحوه وراجع الغارات : ٢ / ٣٧٣ ـ ٤١٢ . ١١٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة النعمان بن بشير
فأتوا الكوفة ولم يبقَ معه إلاّ مائة رجل ، فلمّا سمع بالنعمان كتب إلي أمير المؤمنين يخبره ويستمدّه . فخطب علىّ الناس ، وأمرهم بالخروج إليه ، فتثاقلوا . وواقع مالك النعمانَ وجعل جدار القرية فى ظهور أصحابه ، وكتب مالك إلي مخنف بن سليم يستعينه ، وهو قريب منه ، واقتتل مالك والنعمان أشدّ قتال ، فوجّه مخنف ابنه عبد الرحمن فى خمسين رجلاً ، فانتهوا إلي مالك وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا ، فلمّا رآهم أهل الشام انهزموا عند المساء ، وظنّوا أنّ لهم مدداً ، وتبعهم مالك فقتل منهم ثلاثة نفر . ولمّا تثاقل أهل الكوفة عن الخروج إلي مالك ، صعد علىّ المنبر فخطبهم ، ثمّ قال : يا أهل الكوفة ! كلّما سمعتم بجمع من أهل الشام أظلّكم انجحر كلّ امرئ منكم فى بيته ، وأغلق عليه بابه انجحار الضبّ فى جحره ، والضبع فى وجارها ، المغرور من غررتموه ، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب ، لا أحرار عند النداء ، ولا إخوان عند النجاء ! إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! ماذا مُنيتُ به منكم ؟ عُمىٌ لا يبصرون ، وبُكمٌ لا ينطقون ، وصُمٌّ لا يسمعون ! إنّا لله وإنّا إليه راجعون(١) . ٢٨٤٢ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى استنفار أهل الكوفة بعد غارة النعمان بن بشير ـ : يا أهل الكوفة ! المنسر(٢) من مناسر أهل الشام ، إذا أظلّ عليكم أغلقتم أبوابكم ، (١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٢٥ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ١٣٣ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٢٠ ; الغارات : ٢ / ٤٤٧ ـ ٤٥٧ كلّها نحوه وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ٢٠٥ ـ ٢٠٧ ونهج البلاغة : الخطبة ٦٩ . ١١٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة سفيان بن عوف
وانجحرتم فى بيوتكم انجحار الضبّة فى جحرها ، والضبع فى وجارها ، الذليل والله من نصرتموه ، ومن رمي بكم رمي بأفوق ناصل ، اُفٍّ لكم ! لقد لقيت منكم ترحاً ، ويحكم ! يوماً اُناجيكم ويوماً اُناديكم ، فلا اُجاب عند النداء ، ولا إخوان صدق عند اللقاء ، أنا والله مُنيت بكم ، صُمٌّ لا تسمعون ، بُكمٌ لا تنطقون ، عُمىٌ لا تبصرون ، فالحمد لله ربّ العالمين ! ويحكم ! اخرجوا إلي أخيكم مالك بن كعب ، فإنّ النعمان بن بشير قد نزل به فى جمع من أهل الشام ليس بالكثير ، فانهضوا إلي إخوانكم لعلّ الله يقطع بكم من الظالمين طرفاً ! ثمّ نزل . فلم يخرجوا ، فأرسل إلي وجوههم وكبرائهم ، فأمرهم أن ينهضوا ويحثّوا الناس علي المسير ، فلم يصنعوا شيئاً(١) . ٨ / ٤ ٢٨٤٣ ـ الغارات عن سفيان بن عوف الغامدى : دعانى معاوية فقال : إنّى باعثك فى جيش كثيف ذى أداة وجلادة فالزم لى جانب الفرات حتي تمرّ بهيت(٢) فتقطعها ، فإن وجدت بها جنداً فأغر عليهم وإلاّ فامض حتي تغير علي الأنبار ، فإن لم تجد بها جنداً فامض حتي تغير علي المدائن ثمّ أقبل إلىّ ، واتّق أن تقرب الكوفة ، واعلم أنّك إن أغرت علي أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنّك أغرت علي الكوفة ، إنّ هذه الغارات يا سفيان علي أهل العراق ترهب قلوبهم وتجرّئ كلّ من كان له فينا هويً منهم ويري فراقهم ، وتدعو إلينا كلّ من كان (١) الغارات : ٢ / ٤٥١ وراجع نهج البلاغة : الخطبة ٦٩ . ١١٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة سفيان بن عوف
يخاف الدوائر ، وخرّب كلّ ما مررت به من القري ، واقتل كلّ من لقيت ممّن ليس هو علي رأيك ، واحرب(١) الأموال ، فإنّه شبيه بالقتل وهو أوجع للقلوب(٢) . ٢٨٤٤ ـ الكامل فى التاريخ : وجّه معاوية فى هذه السنة [٣٩ هـ ] أيضاً سفيان بن عوف فى ستة آلاف رجل ، وأمره أن يأتى هيت فيقطعها ، ثمّ يأتى الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها . فأتي هيت فلم يجد بها أحداً ، ثمّ أتي الأنبار وفيها مسلحة لعلىّ تكون خمسمائة رجل وقد تفرّقوا ولم يبق منهم إلاّ مائتا رجل ، وكان سبب تفرّقهم أنّه كان عليهم كميل بن زياد ، فبلغه أنّ قوماً بقرقيسيا يريدون الغارة علي هيت فسار إليهم بغير أمر علىّ . فأتي أصحاب سفيان وكميل غائب عنها ، فأغضب ذلك عليّاً علي كميل ، فكتب إليه ينكر ذلك عليه . وطمع سفيان فى أصحاب علىّ لقلّتهم فقاتلهم ، فصبر أصحاب علىّ ثمّ قُتل صاحبهم ، وهو أشرس بن حسان البكرى ، وثلاثون رجلاً ، واحتملوا ما فى الأنبار من أموال أهلها ورجعوا إلي معاوية . وبلغ الخبر عليّاً فأرسل فى طلبهم فلم يدركوا(٣) . ٢٨٤٥ ـ تاريخ اليعقوبى : أغار سفيان بن عوف علي الأنبار ، فقتل أشرس بن (١) الحَرَب : نهبُ مَالِ الإنسان وتَرْكُه لا شىء له (النهاية : ١ / ٣٥٨) . ١١٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة سفيان بن عوف
حسان البكرى ، فأتبعه علىّ سعيد بن قيس ، فلمّا أحسّ به انصرف مولّياً ، وتبعه سعيد إلي عانات فلم يلحقه(١) . ٢٨٤٦ ـ الغارات عن محمّد بن مخنف : إنّ سفيان بن عوف لمّا أغار علي الأنبار قدم علج(٢) من أهلها علي علىّ ¼ فأخبره الخبر . فصعد المنبر فقال : أيّها الناس ! إنّ أخاكم البكرى قد اُصيب بالأنبار وهو معتزّ لا يخاف ما كان ، فاختار ما عند الله علي الدنيا فانتدبوا إليهم حتي تلاقوهم ، فإنْ أصبتم منهم طرفاً أنكلتموهم عن العراق أبداً ما بقوا . ثمّ سكت عنهم رجاء أنْ يجيبوه أو يتكلّموا ، أو يتكلّم متكلّم منهم بخير فلم ينبس أحد منهم بكلمة ، فلمّا رأي صمتهم علي ما فى أنفسهم نزل فخرج يمشى راجلاً حتي أتي النخيلة والناس يمشون خلفه حتي أحاط به قوم من أشرافهم ، فقالوا : ارجع يا أمير المؤمنين نحن نكفيك . فقال : ما تكفوننى ولا تكفون أنفسكم ، فلم يزالوا به حتي صرفوه إلي منزله ، فرجع وهو واجم كئيب . ودعا سعيد بن قيس الهمدانى فبعثه من النخيلة بثمانية آلاف ، وذلك أنّه أخبر : أنّ القوم جاؤوا فى جمع كثيف . فقال له : إنّى قد بعثتك فى ثمانية آلاف ، فاتّبع هذا الجيش حتي تخرجه من أرض العراق . (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٦ . ١١٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة سفيان بن عوف
فخرج علي شاطئ الفرات فى طلبه حتي إذا بلغ عانات سرّح أمامه هانئ بن الخطّاب الهمدانى ، فاتّبع آثارهم حتي إذا بلغ أدانى أرض قنسرين(١) وقد فاتوه ، ثمّ انصرف . قال : فلبث علىّ ¼ تري فيه الكآبة والحزن حتي قدم عليه سعيد بن قيس فكتب كتاباً ، وكان فى تلك الأيّام عليلاً فلم يطق علي القيام فى الناس بكلّ ما أراد من القول ، فجلس بباب السدّة التى تصل إلي المسجد ، ومعه الحسن والحسين ¤ وعبد الله بن جعفر بن أبى طالب ، فدعا سعداً مولاه فدفع الكتاب إليه فأمره أن يقرأه علي الناس ، فقام سعد بحيث يسمع علىّ قراءته وما يردّ عليه الناس ، ثمّ قرأ الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علىّ إلي مَنْ قُرئ عليه كتابى من المسلمين ، سلام عليكم . أمّا بعد ، فالحمد لله ربّ العالمين ، وسلام علي المرسلين ، ولا شريك لله الأحد القيّوم ، وصلوات الله علي محمّد والسلام عليه فى العالمين . أمّا بعد ، فإنّى قد عاتبتكم فى رشدكم حتي سئمت ، أرجعتمونى بالهزء من قولكم حتي برمت ، هزء من القول لا يعاديه ، وخطل من يعزّ أهله ، ولو وجدت بدّاً من خطابكم والعتاب إليكم ما فعلت ، وهذا كتابى يقرأ عليكم فردّوا خيراً وافعلوه ، وما أظنّ أن تفعلوا ، فالله المستعان(٢) . (١) قِنَّسْرِين : مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص ، وفى جبلها مشهد يقال إنّه قبر صالح النبى ¼ (معجم البلدان : ٤ / ٤٠٣) . ١٢٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة سفيان بن عوف
٢٨٤٧ ـ الإمام علىّ ¼ ـ لمّا بلغه إغارة أصحاب معاوية علي الأنبار(١) ، فخرج بنفسه ماشياً حتي أتي النخيلة فأدركه الناس ، وقالوا : يا أمير المؤمنين نحن نكفيكهمـ : ما تكفوننى أنفسكم ، فكيف تكفوننى غيركم ؟ إن كانت الرعايا قبلى لتشكو حيف رعاتها ، وإنّنى اليوم لأشكو حيف رعيّتى ، كأنّنى المقود وهم القادة ، أو الموزوع وهم الوزعة(٢) . ٢٨٤٨ ـ عنه ¼ ـ من خطبته لأهل الكوفة بعد تحريضهم علي قتال سفيان بن عوف الذى غار علي الأنبار ، بعد إباء أصحابه ¼ عن القتال ـ : أيّها الناس المجتمعة أبدانُهم ، المتفرّقة أهواؤهم ، ما عزّ من دعاكم ، ولا استراح من قاساكم ، كلامكم يُوِهن الصمّ الصلاب ، وفعلكم يُطمع فيكم عدوّكم ، إن قلت لكم : سيروا إليهم فى الحرّ ، قلتم : أمهلنا ينسلخ عنّا الحرّ ، وإن قلت لكم : سيروا إليهم فى الشتاء ، قلتم : أمهلنا حتي ينسلخ عنّا البرد ، فعْلَ ذى الدَّين المَطول . من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب . أصبحت لا اُصدّق قولكم ، ولا أطمع فى نصركم ، فرّق الله بينى وبينكم . أىّ دار بعد داركم تمنعون ؟ ! ومع أىّ إمام بعدى تقاتلون ؟ ! أما إنّكم ستلقَون (١) الأنبار : مدينة صغيرة كانت عامرة أيّام الساسانيّين ، وآثارها غرب بغداد علي بُعد ستين كيلو متراً مشهودة . وسبب تسميتها بالأنبار هو أنّها كانت مركزاً لخزن الحنطة والشعير والتبن للجيوش، وإلاّ فإنّ الإيرانيّين كانوا يسمّونها "فيروز شاپور" . فتحت علي يد خالد بن الوليد عام (١٢ هـ ) وقد اتّخذها السفّاح ـ أوّل خلفاء بنى العبّاس ـ مقرّاً له مدّة من الزمان . ١٢١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة سفيان بن عوف
بعدى أثَرةً يتّخذها عليكم الضُّلاّل سُنّة ، وفقراً يدخل بيوتكم ، وسيفاً قاطعاً ، وتتمنّون عند ذلك أنّكم رأيتمونى وقاتلتم معى وقُتلتم دونى(١) . ٢٨٤٩ ـ عنه ¼ ـ من كلام له ¼ فى استنهاض الناس ـ : ألا وإنّى قد دعوتكم إلي قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً ، وسرّاً وإعلاناً ، وقلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فو الله ما غُزِى قوم قطّ فى عقر دارهم إلاّ ذلّوا . فتواكلتم وتخاذلتم حتي شُنّت عليكم الغارات ، ومُلكت عليكم الأوطان . هذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار ، وقتل حسّان بن حسّان البكرى ، وأزال خيلكم عن مَسالحها ، وقد بلغنى أنّ الرجل منهم كان يدخل علي المرأة المسلمة ، والاُخري المعاهدة ، فينتزع حجلها ، وقُلْبها(٢) وقلائدها ورعاثها(٣) ، ما تمنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام . ثمّ انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كَلْم(٤) ، ولا اُريق لهم دم ، فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً ، بل كان عندى به جديراً ، فيا عجباً عجباً والله يُميث القلب ويجلب الهمّ من اجتماع هؤلاء علي باطلهم ، وتفرّقكم عن حقّكم ! فقبحاً لكم وتَرَحاً ، حين صرتم غرضاً يُرمي ، يغار عليكم ولا تغيرون ، وتُغزون ولا تَغزون ، ويُعصي الله وترضَون ! فإذا أمرتكم بالسير إليهم فى أيّام الحرّ قلتم : هذه حمارّة القيظ ، أمهِلْنا يُسَبَّخُ(٥) عنَّا الحرّ ، وإذا أمرتكم (١) الغارات : ٢ / ٤٨٣ عن إسماعيل بن رجاء الزبيدى . ١٢٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة سفيان بن عوف
بالسير إليهم فى الشتاء قلتم : هذه صبارّة القرّ ، أمهلنا ينسلخ عنّا البرد ، كلّ هذا فراراً من الحرّ والقرّ ، فإذا كنتم من الحرّ والقرّ تفرّون ، فأنتم والله من السيف أفرّ ! يا أشباه الرجال ولا رجال ! حُلوم الأطفال ، وعقول ربّات الحجال ، لوددت أنّى لم أرَكم ولم أعرفكم معرفةً والله جرّت ندماً ، وأعقبت ذمّاً . قاتلكم الله ! لقد ملأتم قلبى قيحاً ، وشحنتم صدرى غيظاً ، وجرّعتمونى نُغَبَ التَّهْمامِ(١) أنفاساً ، وأفسدتم علىَّ رأيى بالعصيان والخذلان حتي لقد قالت قريش : إنّ ابن أبى طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب . لله أبوهم ! وهل أحد منهم أشدّ لها مِراساً ، وأقدم فيها مقاماً منّى ! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها أنا قد ذرّفت علي الستّين ! ولكن لا رأىَ لمن لا يُطاع !(٢) . ٢٨٥٠ ـ الأمالى للطوسى عن ربيعة بن ناجذ : لمّا وجّه معاوية بن أبى سفيان ، سفيانَ بن عوف الغامدى إلي الأنبار للغارة ، بعثه فى ستّة آلاف فارس ، فأغار علي هِيت والأنبار ، وقتل المسلمين ، وسبي الحريم ، وعرض الناس علي البراءة من أمير المؤمنين ¼ ، استنفر أمير المؤمنين ¼ الناس ، وقد كانوا تقاعدوا عنه ، واجتمعوا علي خذلانه ، وأمر مناديه فى الناس فاجتمعوا ، فقام خطيباً ، فحمد الله واثني عليه وصلّي علي رسول الله ½ ثمّ قال : أمّا بعد : أيّها الناس ، فو الله لأهل مصركم فى الأمصار أكثر فى العرب من (١) نُغَب: جمع نُغبة ; أى جُرْعة (لسان العرب: ١ / ٧٦٥) والتهمام ، من الهمّ . ١٢٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة سفيان بن عوف
الأنصار ، وما كانوا يوم عاهدوا رسول الله ½ أن يمنعوه ومن معه من المهاجرين حتي يُبلِّغ رسالات الله إلاّ قبيلتين صغيرٌ مولدُهما ، ما هما بأقدم العرب ميلاداً ، ولا بأكثره عدداً ، فلما آوَوا رسول الله ½ وأصحابه ، ونصروا الله ودينه ، رمتهم العرب عن قوس واحدة ، وتحالفت عليهم اليهود ، وغزتهم القبائل قبيلة بعد قبيلة ، فتجرّدوا للدين ، وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل ، وما بينهم وبين اليهود من العهود ، ونصبوا لأهل نجد وتهامة ، وأهل مكّة واليمامة ، وأهل الحَزَن وأهل السهل ; قناةَ الدين والصبر تحت حماس الجلاد ، حتي دانت لرسول الله ½ العرب ، فرأي فيهم قرّة العين قبل أن يقبضه الله إليه ، فأنتم فى الناس أكثر من اُولئك فى أهل ذلك الزمان من العرب . فقام إليه رجل آدم طوال ، فقال : ما أنت كمحمّد ! ولا نحن كاُولئك الذين ذكرت ; فلا تُكلِّفنا ما لا طاقة لنا به ! فقال أمير المؤمنين ¼ : أحسِنْ مسمعاً تُحِسن إجابةً ، ثكلتكم الثواكل ! ما تزيدونني إلاّ غمّاً ، هل أخبرتكم أنّى مثل محمّد ½ ، وأنّكم مثل أنصاره ، وإنّما ضربت لكم مثلاً ، وأنا أرجو أن تأسَوا بهم . ثمّ قام رجل آخر فقال : ما أحوج أمير المؤمنين ¼ ومن معه إلي أصحاب النهروان ، ثمّ تكلّم الناس من كلّ ناحية ولغطوا ، فقام رجل فقال بأعلي صوته : استبان فَقْدُ الأشتر علي أهل العراق ; لو كان حيّاً لقلّ اللغط ، ولعلم كلّ امرئ ما يقول . فقال لهم أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ : هبلتكم الهوابل ! لأنا أوجب عليكم حقّاً من الأشتر ، وهل للأشتر عليكم من الحقّ إلاّ حقّ المسلم علي المسلم ؟ وغضب فنزل . فقام حجر بن عدىّ وسعد بن قيس ، فقالا : لا يسوؤك الله يا أمير المؤمنين ، ١٢٤ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة عبد الله بن مسعدة
مُرْنا بأمرك نتَّبْعه ، فو الله العظيم ما يعظم جزعنا علي أموالنا أن تفرّق ، ولا علي عشائرنا أن تُقتل فى طاعتك ، فقال لهم : تجهّزوا للسير إلي عدوّناً . ثمّ دخل منزله ¼ ودخل عليه وجوه أصحابه ، فقال لهم : اشيروا علىّ برجل صليب ناصح يحشر الناس من السواد ، فقال سعد بن قيس : عليك يا أمير المؤمنين بالناصح الأريب الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمى ، قال : نعم ، ثمّ دعاه فوجّهه وسار ، ولم يعُد حتي اُصيب أمير المؤمنين ¼ (١) . ٨ / ٥ ٢٨٥١ ـ تاريخ الطبرى عن عوانة : وجّه معاوية [فى سنة ٣٩ هـ ] أيضاً عبد الله بن مسعدة الفَزارى فى ألف وسبعمائة رجل إلي تيماء(٢) ، وأمره أن يُصَدِّق من مرّ به من أهل البوادى ، وأن يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله ، ثمّ يأتى مكّة والمدينة والحِجاز ، يفعل ذلك ، واجتمع إليه بشرٌ كثير من قومه . فلمّا بلغ ذلك عليّاً وجّه المسيّب بن نجبة الفزارى ، فسار حتي لحق ابن مسعدة بَتيماء فاقتتلوا ذلك اليوم حتي زالت الشمس قتالاً شديداً ، وحمل المسيّب علي ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات ، كلّ ذلك لا يلتمس قتله ويقول له : النجاءَ النجاءَ(٣) ! (١) الأمالى للطوسى : ١٧٣ / ٢٩٣ ، الغارات : ٢ / ٤٧٩ ; شرح نهج البلاغة : ٢ / ٨٩ كلاهما نحوه . ١٢٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة عبد الله بن مسعدة
فدخل ابن مسعدة وعامّة من معه الحصن ، وهرب الباقون نحو الشام ، وانتهب الأعراب إبل الصدقة التى كانت مع ابن مسعدة ، وحصره ومن كان معه المسيّب ثلاثة أيّام ، ثمّ ألقي الحطب علي الباب ، وألقي النيران فيه ، حتي احترق . فلمّا أحسّوا بالهلاك أشرفوا علي المسيّب فقالوا : يا مسيّب ! قومَك ! فرقّ لهم ، وكرِه هلاكهم ، فأمر بالنار فاُطفئت ، وقال لأصحابه : قد جاءتنى عيون فأخبرونى أنّ جنداً قد أقبل إليكم من الشام ، فانضمّوا فى مكان واحد . فخرج ابن مسعدة فى أصحابه ليلاً حتي لحقوا بالشام ، فقال له عبد الرحمن بن شبيب : سِر بنا فى طلبهم ، فأبي ذلك عليه ، فقال له : غششتَ أمير المؤمنين ، وداهنت فى أمرهم(١) . ٢٨٥٢ ـ تاريخ اليعقوبى : بعث معاوية عبد الله بن مسعدة بن حذيفة بن بدر الفزارى فى جَرِيدة خَيل(٢) ، وأمره أن يقصد المدينة ومكّة فسار فى ألف وسبعمائة . فلمّا أتي عليّاً الخبر وجّه المسيّب بن نجبة الفزارى ، فقال له : يا مسيّب ! إنّك ممّن أثق بصلاحه وبأسه ونصيحته ، فتوجّهْ إلي هؤلاء القوم وأثّرْ فيهم ، وإن كانوا قومك . فقال له المسيّب : يا أمير المؤمنين ! إنّ من سعادتى أن كنت من ثقاتك . فخرج فى ألفى رجل من همدان وطىء وغيرهم ، وأغذَّ السير ، وقدّم مقدّمته ، فلقوا عبد الله بن مسعدة ، فقاتلوه ، فلحقهم المسيّب ، فقاتلهم حتي أمكنه أخذ ابن (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٣٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٢٦ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٢٠ . ١٢٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة الضحّاك بن قيس
مسعدة ، فجعل يتحاماه(١) . وانهزم ابن مسعدة ، فتحصّن بتَيماء وأحاط المسيّبُ بالحصن ، فحصر ابن مسعدة وأصحابه ثلاثاً ، فناداه : يا مسيّب ! إنّما نحن قومك ، فليمسّك الرحم ، فخلّي لابن مسعدة وأصحابه الطريق ، ونجا من الحصن . فلمّا جنّهم الليل خرجوا من تحت ليلتهم حتي لحقوا بالشام ، وصبّح المسيّب الحصن ، فلم يجد أحداً . فقال عبد الرحمن بن شبيب : داهنت والله يا مسيّب فى أمرهم ، وغششت أمير المؤمنين . وقدم علي علىّ فقال له علىّ : يا مسيّب ! كنت من نصّاحى ، ثمّ فعلت ما فعلت ! ، فحبسه أيّاماً ، ثمّ أطلقه وولاّه قبض الصدقة بالكوفة(٢) . ٨ / ٦ ٢٨٥٣ ـ الغارات عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزارى : دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهرى ، وقال له : سِرْ حتي تمرَّ بناحية الكوفة ، وترتفع عنها ما استطعت ، فمن وجدته من الأعراب فى طاعة علىّ فأغِرْ عليه ، وإن وجدت له مَسْلَحة(٣) أو خَيلاً فأغِر عليهما ، وإذا أصبحت فى بلدة فأمسِ فى اُخري ، ولا تقيمنّ لخيل بلغك أنّها قد سرّحت إليك لتلقاها فتقاتلها ، فسرّحه فيما بين ثلاثة آلاف إلي (١) أى : يتوقّاه ويجتنبه (انظر لسان العرب : ١٤ / ٢٠٠) . ١٢٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة الضحّاك بن قيس
أربعة آلاف جريدة خيل . فأقبل الضحّاك يأخذ الأموال ، ويقتل من لقى من الأعراب حتي مرّ بالثعلبيّة فأغار خيله علي الحاجّ ، فأخذ أمتعتهم ، ثمّ أقبل فلقى عمرو بن عميس بن مسعود الذهلى ـ وهو ابن أخى عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله ½ ـ فقتله فى طريق الحاجّ عند القطقطانة(١) وقتل معه ناساً من أصحابه . قال أبو روق : فحدّثنى أبى أنّه سمع عليّاً ¼ وقد خرج إلي الناس وهو يقول علي المنبر : يا أهل الكوفة ! اخرجوا إلي العبد الصالح عمرو بن عميس ، وإلي جيوش لكم قد اُصيب منها طرف ; اخرجوا فقاتلوا عدوّكم وامنعوا حريمكم ، إن كنتم فاعلين . قال : فردّوا عليه ردّاً ضعيفاً ، ورأي منهم عجزاً وفشلاً فقال : والله ، لوددت أنّ لى بكلّ مائة منكم رجلاً منهم ، ويحكم اخرجوا معى ، ثمّ فِرّوا عنّى إنْ بدا لكم ، فو الله ما أكره لقاء ربّى علي نيّتى وبصيرتى ، وفى ذلك رَوْح لى عظيم ، وفرج من مناجاتكم ومقاساتكم ومداراتكم مثل ما تُداري البِكار العَمِدة ، والثياب المتهتّرة ، كلّما خِيطت من جانب تهتّكت علي صاحبها من جانب آخر ، ثمّ نزل . فخرج يمشى حتي بلغ الغريّين(٢) ، ثمّ دعا حجر بن عدىّ الكندى من خيله فعقد له ثَمَّ رايةً علي أربعة آلاف ، ثمّ سرّحه(٣) . (١) القطقطانة : موضع قرب الكوفة من جهة البرّية (معجم البلدان : ٤ / ٣٧٤) . ١٢٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة الضحّاك بن قيس
فخرج حتي مرّ بالسَّماوة(١) ـ وهى أرض كلب ـ فلقى بها امرأ القيس بن عدىّ بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبى أصهار الحسين بن علىّ بن أبى طالب ¥ ، فكانوا أدلاّءه علي طريقه وعلي المياه ، فلم يزل مُغِذّاً فى أثر الضحّاك حتي لقيه بناحية تدمر فواقفه فاقتتلوا ساعة ، فقتل من أصحاب الضحّاك تسعة عشر رجلاً ، وقُتل من أصحاب حجر رجلان : عبد الرحمن وعبد الله الغامدى ، وحجز الليل بينهم ، فمضي الضحّاك ، فلمّا أصبحوا لم يجدوا له ولأصحابه أثراً(٢) . ٢٨٥٤ ـ تاريخ الطبرى عن عوانة : وجّه معاوية الضحّاك بن قيس ، وأمره أن يمرّ بأسفل واقصة(٣) ، وأن يُغير علي كلّ من مرّ به ممّن هو فى طاعة علىّ من الأعراب ، ووجّه معه ثلاثة آلاف رجل . فسار فأخذ أموال الناس ، وقتل من لقى من الأعراب ، ومرّ بالثعلبيّة فأغار علي مسالح علىّ ، وأخذ أمتعتهم ، ومضي حتي انتهي إلي القطقطانة . فأتي عمرو بن عميس بن مسعود ، وكان فى خيل لعلىّ وأمامه أهله ، وهو يريد الحجّ ، فأغار علي من كان معه ، وحبسه عن المسير . فلمّا بلغ ذلك عليّاً سرّح حجر بن عدىّ الكندى فى أربعة آلاف ، وأعطاهم خمسين خمسين ، فلحق الضحّاكَ بتَدْمُر فقتل منهم تسعة عشر رجلاً ، وقُتل من (١) السَّمَاوَة : بادية بين الكوفة والشام قفري (معجم البلدان : ٣ / ٢٤٥) . واليوم هى مدينة من مدن العراق الجنوبيّة الواقعة علي ضفاف الفرات ، بين مدينتى الناصريّة والديوانيّة . ١٢٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة الضحّاك بن قيس
أصحابه رجلان ، وحال بينهم الليل ، فهرب الضحّاك وأصحابه ، ورجع حجر ومن معه(١) . ٢٨٥٥ ـ تاريخ اليعقوبى : جلس علىّ فى المسجد ، فندب الناس ، وانتدب أربعة آلاف ، فسار بهم فى طلب القوم ، وأغذَّ المسير حتي لقيهم بتدمر من عمل حمص ، فقاتلهم فهزمهم ، حتي انتهوا إلي الضحّاك ، وحجز بينهم الليل ، فأدلجَ(٢) الضحّاك علي وجهه منصرفاً ، وشنّ حجر بن عدىّ ومن معه الغارة فى تلك البلاد يومين وليلتين(٣) . ٢٨٥٦ ـ الإمام علىّ ¼ ـ بعدما أغار الضحّاك بن قيس علي القطقطانة ، فبلغ عليّاً إقباله وأنّه قد قتل ابن عميس ـ : يا أهل الكوفة ! اخرجوا إلي جيش لكم قد اُصيب منه طرف ، وإلي الرجل الصالح ابن عميس (٤) فامنعوا حريمكم وقاتلوا عدوّكم ، فرَدّوا ردّاً ضعيفاً . فقال : يا أهل العراق ! وددت أنّ لى بكم بكلّ ثمانية منكم رجلاً من أهل الشام ، وويل لهم ! قاتلوا مع تصبّرهم علي جور . ويحكم ! اخرجوا معى ، ثمّ فرّوا عنّى إن بدا لكم ، فو الله إنّى لأرجو شهادة ، وإنّها لتدور علي رأسى مع ما لى من الرَّوْح العظيم فى ترك مداراتكم كما تُداري البِكار الغُمْرة(٥) ، أو الثياب المتهتّكة ، كلّما (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٣٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٢٦ نحوه . ١٣٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة الضحّاك بن قيس
حِيصت(١) من جانب تهتّكت من جانب(٢) . ٢٨٥٧ ـ الإرشاد ـ لمّا بلغ عليّاً ¼ غارة الضحّاك بن قيس وقتله ابن عميس ـ : يا أهل الكوفة ! اخرجوا إلي العبد الصالح وإلي جيش لكم قد اُصيب منه طرف ، اخرجوا فقاتلوا عدوّكم ، وامنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين . قال : فردّوا عليه ردّاً ضعيفاً ، ورأي منهم عجزاً وفشلاً . فقال : والله لوددت أنّ لى بكلّ ثمانية منكم رجلاً منهم ، ويحَكم ! اخرجوا معى ثمّ فرّوا علىَّ إن بدا لكم ، فو الله ما أكره لقاء ربّى علي نيّتى وبصيرتى ، وفى ذلك رَوْح لى عظيم ، وفرج من مناجاتكم ومقاساتكم ومداراتكم مثل ما تُداري البَكار العَمِدة أو الثياب المتهتّرة ، كلّما خِيطت من جانب تهتكّت من جانب علي صاحبها (٣) . ٢٨٥٨ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كلام له بعد غارة الضحّاك بن قيس صاحب معاوية علي الحاجّ بعد قصّة الحَكَمين وفيها يستنهض أصحابه لِما حدث فى الأطراف ـ : أيّها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ، كلامكم يُوهى الصمّ الصلاب ، وفعلكم يُطمع فيكم الأعداء ; تقولون فى المجالس كيت وكيت ، فإذا جاء القتال قلتم : حِيدى حَيادِ(٤) . ما عزّت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، أعاليل بأضاليل ، (١) حاصَ الثوبَ: خاطَه (النهاية: ١ / ٤٦١). ١٣١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة عبد الرحمن بن قباث
وسألتمونى التطويل ، دفاع ذى الدَّين المَطول ، لا يمنع الضيمَ الذليلُ ، ولا يُدرَك الحقُّ إلاّ بالجدّ . أىَّ دار بعد داركم تمنعون ، ومع أىّ إمام بعدى تُقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه . ومن فاز بكم فقد فاز ـ والله ـ بالسهم الأخيب ، ومن رمي بكم فقد رمي بأفْوَقَ(١) ناصل ، أصبحت والله لا اُصدّق قولكم ، ولا أطمع فى نصركم ، ولا اُوعد العدوّ بكم ، ما بالُكم ؟ ما دواؤكم ؟ ما طبُّكم ؟ القوم رجال أمثالكم ، أ قَولاً بغير علم ، وغفلة من غير ورع ، وطمعاً فى غير حقّ ؟(٢) ٨ / ٧ ٢٨٥٩ ـ الكامل فى التاريخ ـ فى أحداث سنة تسع وثلاثين ـ : وفيها سيّر معاوية عبد الرحمن بن قباث بن أشيم إلي بلاد الجزيرة وفيها شبيب بن عامر ـ جدّ الكرمانى الذى كان بخراسان ـ وكان شبيب بنصيبين(٣) ، فكتب إلي كميل بن زياد ، وهو بهيت ، يُعلمه خبرَهم . فسار كميل إليه نجدة له فى ستّمائة فارس ، فأدركوا عبد الرحمن ومعه معن (١) أى رَمَي بسَهم مُنكسر الفُوْق لا نَصلَ فيه. والفُوْق: مَوضع الوَتَر منه (النهاية: ٣ / ٤٨٠) . ١٣٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
بن يزيد السلمى ، فقاتلهما كميل وهزمهما ، فغلب علي عسكرهما ، وأكثر القتل فى أهل الشام ، وأمر أنْ لا يُتبع مدبر ولا يُجهز علي جريح ، وقُتل من أصحاب كميل رجلان . وكتب إلي علىّ بالفتح فجزاه خيراً ، وأجابه جواباً حسناً ورضى عنه ، وكان ساخطاً عليه . . . . وأقبل شبيب بن عامر من نصيبين فرأي كميلاً قد أوقع بالقوم فهنّأه بالظفر ، وأتبع الشاميّين فلم يلحقهم ، فعبر الفرات ، وبثّ خيله ، فأغارت علي أهل الشام حتي بلغ بعلبكّ(١) . فوجّه معاوية إليه حبيب بن مسلمة فلم يدركه ، ورجع شبيب فأغار علي نواحى الرقّة(٢) ; فلم يدعْ للعثمانيّة بها ماشية إلاّ استاقها ، ولا خيلاً ولا سلاحاً إلاّ أخذه ، وعاد إلي نصيبين وكتب إلي علىّ . فكتب إليه علىّ ينهاه عن أخذ أموال الناس إلاّ الخيل والسلاح الذى يقاتلون به ، وقال : رحم الله شبيباً ، لقد أبعد الغارة وعجّل الانتصار (٣) . ٨ / ٨ ٢٨٦٠ ـ تاريخ الطبرى عن عوانة : أرسل معاوية بن أبى سفيان بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبى أرطاة ـ وهو رجل من بنى عامر بن لؤى ـ فى جيش ، (١) بَعْلَبَك : مدينة قديمة من مدن لبنان ، بينها وبين دمشق ثلاثة أيام (معجم البلدان : ١ / ٤٥٣) . ١٣٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
فساروا من الشام حتي قدموا المدينة ، وعامل علىّ علي المدينة يومئذ أبو أيّوب الأنصارى ، ففرّ منهم أبو أيّوب ، فأتي عليّاً بالكوفة . ودخل بُسر المدينة ، قال : فصعد منبرها ولم يقاتله بها أحد ، فنادي علي المنبر : يا دينار ، ويا نجّار ، ويا زريق ، شيخى شيخى ! عهدى به بالأمس ، فأين هو ! يعنى عثمان . ثمّ قال : يا أهل المدينة ! والله ، لولا ما عهد إلىّ معاوية ما تركت بها محتلماً إلاّ قتلته ، ثمّ بايع أهل المدينة . وأرسل إلي بنى سلمة ، فقال : والله ، ما لكم عندى من أمان ، ولا مبايعة حتي تأتونى بجابر بن عبد الله . فانطلق جابر إلي اُمّ سلمة زوج النبىّ ½ فقال لها : ماذا ترَين ؟ إنّى قد خشيت أن اُقتل ، وهذه بيعة ضلالة . قالت : أري أنْ تُبايع ; فإنّى قد أمرت ابنى عمر بن أبى سلمة أن يُبايع ، وأمرت ختنى عبد الله بن زمعة ـ وكانت ابنتها زينب ابنة أبى سلمة عند عبد الله بن زمعة فأتاه جابر فبايعه . وهدم بُسر دوراً بالمدينة ، ثمّ مضي حتي أتي مكّة ، فخافه أبو موسي أن يقتله ، فقال له بُسْر : ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله ½ ذلك ، فخلّي عنه . وكتب أبو موسي قبل ذلك إلي اليمن : إنّ خيلاً مبعوثة من عند معاوية تقتل الناس ، تقتل من أبي أن يقرّ بالحكومة . ثمّ مضي بسر إلي اليمن ، وكان عليها عبيد الله بن عبّاس عاملاً لعلىّ ، فلمّا بلغه مسيره فرّ إلي الكوفة حتي أتي عليّاً ، واستخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثى ١٣٤ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
علي اليمن ، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه ، ولقى بُسْر ثَقَل(١) عبيد الله بن عبّاس ، وفيه ابنان له صغيران فذبحهما . وقد قال بعض الناس : إنّه وجد ابنى عبيد الله بن عبّاس عند رجل من بنى كنانة من أهل البادية ، فلمّا أراد قتلهما ، قال الكنانى : عَلامَ تقتل هذين ولا ذنب لهما ! فإن كنت قاتلهما فاقتلنى . قال : أفعل ، فبدأ بالكنانىّ فقتله ، ثمّ قتلهما ، ثمّ رجع بسر إلي الشام . وقد قيل : إنّ الكنانى قاتل عن الطفلين حتي قُتل ، وكان اسم أحد الطفلين اللذين قتلهما بسر : عبد الرحمن ، والآخر قُثَم ، وقتلَ بُسْر فى مسيره ذلك جماعة كثيرة من شيعة علىّ باليمن . وبلغ عليّاً خبر بسر ، فوجّه جارية بن قدامة فى ألفين ، ووهب بن مسعود فى ألفين ، فسار جارية حتي أتي نجران فحرّق بها ، وأخذ ناساً من شيعة عثمان فقتلهم ، وهرب بسر وأصحابه منه ، وأتبعهم حتي بلغ مكّة . فقال لهم جارية : بايِعونا . فقالوا : قد هلك أمير المؤمنين ، فلمن نبايع ؟ قال : لمن بايع له أصحاب علىّ ، فتثاقلوا ، ثمّ بايَعوا . ثمّ سار حتي أتي المدينة وأبو هريرة يصلّى بهم ، فهرب منه ، فقال جارية : والله ، لو أخذت أبا سنّور لضربت عنقه ، ثمّ قال لأهل المدينة : بايِعوا الحسن بن علىّ ، فبايعوه . ١٣٥ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
وأقام يومه ، ثمّ خرج منصرفاً إلي الكوفة ، وعاد أبو هريرة فصلّي بهم(١) . ٢٨٦١ ـ تاريخ اليعقوبى : وجّه معاوية بسر بن أبى أرطاة ، وقيل : ابن أرطاة العامرى من بنى عامر بن لؤى ـ فى ثلاثة آلاف رجل ، فقال له : سرْ حتي تمرّ بالمدينة ، فاطرد أهلها ، وأخِف من مررت به ، وانهب مال كلّ من أصبت له مالاً ممّن لم يكن دخل فى طاعتنا . وأوهمْ أهل المدينة أنّك تريد أنفسهم ، وأنّه لا براءة لهم عندك ، ولا عذر . وسِر حتي تدخل مكّة ، ولا تعرض فيها لأحد . وارهب الناس فيما بين مكّة والمدينة ، واجعلهم شرادات ، ثمّ امضِ حتي تأتى صنعاء ; فإنّ لنا بها شيعة ، وقد جاءنى كتابهم . فخرج بسر ، فجعل لا يمرّ بحىٍّ من أحياء العرب إلاّ فعل ما أمره معاوية ، حتي قدم المدينة وعليها أبو أيّوب الأنصارى ، فتنحّي عن المدينة . ودخل بُسْر ، فصعد المنبر ثمّ قال : يا أهل المدينة ! مثل السَّوْء لكم ، ³ قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَـئـِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ² (٢) ، ألا وإنّ الله قد أوقع بكم هذا المثل وجعلكم أهله ، شاهت الوجوه ، ثمّ ما زال يشتمهم حتي نزل . قال : فانطلق جابر بن عبد الله الأنصارى إلي اُمّ سلمة ـ زوج النبىّ ½ ، فقال : إنّى قد خشيت أن اُقتل ، وهذه بيعة ضلال . (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٣٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٠ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٢٢ وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ٢١١ ـ ٢١٥ . ١٣٦ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
قالت : إذاً فبايع ; فإنّ التقيّة حملت أصحاب الكهف علي أن كانوا يلبسون الصُّلُب ، ويحضرون الأعياد مع قومهم . وهدم بسر دوراً بالمدينة ، ثمّ مضي حتي أتي مكّة ، ثمّ مضي حتي أتي اليمن ، وكان علي اليمن عبيد الله بن عبّاس عامل علىّ . وبلغ عليّاً الخبر ، فقام خطيباً فقال : أيّها الناس ! إنّ أوّل نقصكم ذهاب اُولى النُّهي والرأى منكم ; الذين يحدّثون فيصدقون ، ويقولون فيفعلون ، وإنّى قد دعوتكم عوداً وبدءاً ، وسرّاً وجهراً ، وليلاً ونهاراً ; فما يزيدكم دعائى إلاّ فراراً ، ما ينفعكم الموعظة ولا الدعاء إلي الهدي والحكمة . أما والله ، إنّى لعالمٌ بما يصلحكم ، ولكن فى ذلك فسادى ، امهلونى قليلاً ، فو الله ، لقد جاءكم من يُحزنكم ويُعذّبكم ويعذّبه الله بكم . إنّ مِنْ ذلِّ الإسلام وهلاك الدين أنّ ابن أبى سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيُجيبون ، وأدعوكم ، وأنتم لا تصلحون ، فتراعون ، هذا بُسْر قد صار إلي اليمن وقبلها إلي مكّة والمدينة . فقام جارية بن قدامة السعدى فقال : يا أمير المؤمنين ! لا عدمنا الله قربك ، ولا أرانا فراقك ، فنعم الأدب أدبك ، ونعم الإمام والله أنت ، أنا لهؤلاء القوم فسرِّحْنى إليهم ! قال : تجهّز ; فإنّك ما علمتك رجل فى الشدّة والرخاء ، المبارك الميمون النقيبة . ثمّ قام وهب بن مسعود الخثعمى فقال : أنا أنتدب يا أمير المؤمنين . قال : انتدب ، بارك الله عليك . ١٣٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
فخرج جارية فى ألفين ، ووهب ابن مسعود فى ألفين ، وأمرهما علىّ أن يطلبا بسراً حيث كان حتي يلحقاه ، فإذا اجتمعا فرأس الناس جارية . فخرج جارية من البصرة ، ووهب من الكوفة ، حتي التقيا بأرض الحجاز . ونفذ بسر من الطائف ، حتي قدم اليمن ، وقد تنحّي عبيد الله بن عبّاس عن اليمن ، واستخلف بها عبد الله بن عبد المدان الحارثى ، فأتاه بسر فقتله ، وقتل ابنه مالك بن عبد الله ، وقد كان عبيد الله خلّف ابنيه عبد الرحمن وقثم عند جويرية ابنة قارظ الكنانيّة ـ وهى اُمّهما ـ وخلّف معها رجلاً من كنانة . فلمّا انتهي بسر إليها دعا ابنى عبيد الله ليقتلهما ، فقام الكنانى فانتضي سيفه وقال : والله لاُقتلنّ دونهما فاُلاقى عذراً لى عند الله والناس ، فضارب بسيفه حتي قُتل ، وخرجت نسوة من بنى كنانة فقلن : يا بُسْر ! هذا الرجال يقتلون ، فما بالُ الولدان ؟ ! والله ما كانت الجاهليّة تقتلهم ، والله إنّ سلطاناً لا يشتدّ إلاّ بقتل الصبيان ورفع الرحمة لسلطانُ سوء . فقال بسر : والله ، لقد هممت أن أضع فيكنّ السيف ، وقدّم الطفلين فذبحهما . . . . ثمّ جمع بُسْر أهل نجران فقال : يا إخوان النصاري ! أما والذى لا إله غيره لئن بلغنى عنكم أمر أكرهه لاُكثرنَّ قتلاكم . ثمّ سار نحو جيشان ـ وهم شيعة لعلىّ ـ فقاتلهم ، فهزمهم ، وقتل فيهم قتلاً ذريعاً ، ثمّ رجع إلي صنعاء . وسار جارية بن قدامة السعدى حتي أتي نجران وطلب بُسْراً ، فهرب منه فى الأرض ، ولم يقُم له ، وقتل من أصحابه خلقاً ، وأتبعهم بقتل وأسر حتي بلغ مكّة ، ومرّ بُسْر حتي دخل الحجاز لا يلوى علي شىء . ١٣٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
فأخذ جارية بن قدامة أهل مكّة بالبيعة ، فقالوا : قد هلك علىّ فلمن نبايع ؟ قال : لمن بايع له أصحاب علىّ بعده ، فتثاقلوا . فقال : والله ، لتبايعُنّ ولو بأستاهكم ، فبايعوا ودخل المدينة ، وقد اصطلحوا علي أبى هريرة فصلّي بهم ، ففرّ منه أبو هريرة . فقال جارية : يا أهل المدينة ! بايعوا للحسن بن علىّ ، فبايعوا . ثمّ خرج يريد الكوفة ، فردّ أهل المدينة أبا هريرة . . . وحدّث أبو الكنود أنّ جارية مرّ فى طلب بُسْر فما كان يلتفت إلي مدينة ، ولا يعرج علي شىء حتي انتهي إلي اليمن ونجران ، فقتل مَنْ قتل ، وهرب منه بسر ، وحرّق تحريقاً ، فسمّى محرِّقاً(١) . ٢٨٦٢ ـ الاستيعاب : أرسل معاويةُ بسر بن أرطاة إلي اليمن ، فسبي نساءً مسلمات ، فاُقِمن فى السوق (٢). ٢٨٦٣ ـ تاريخ اليعقوبى عن أبى خالد الوالبى : قرأت عهد علىّ لجارية بن قدامة : اُوصيك يا جارية بتقوي الله ; فإنّها جَموع الخير ، وسِر علي عون الله ، فالقَ عدوّك الذى وجّهتك له ، ولا تقاتل إلاّ من قاتلك ، ولا تُجهزْ علي جريح ، ولا تسخّرنّ دابّة ، وإن مشَيتَ ومشي أصحابك . ولا تستأثر علي أهل المياه بمياههم ، ولا تشربنّ إلاّ فضلهم عن طيب نفوسهم ، ولا تشتمنّ مسلماً ولا مسلمة ; فتوجِب علي نفسك ما لعلّك تؤدّب غيرك عليه . (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٧ وراجع الغارات : ٢ / ٦٠٧ ـ ٦٢٨ والفتوح : ٤ / ٢٣١ ـ ٢٤٠ . ١٣٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
ولا تظلمنّ معاهداً ، ولا معاهدة ، واذكر الله ، ولا تفتر ليلاً ولا نهاراً ، واحملوا رجّالتكم ، وتواسَوا فى ذات أيديكم ، وأجدد السير ، وأجْلِ العدوّ من حيث كان ، واقتله مقبلاً ، واردده بغيظه صاغراً . واسفك الدم فى الحقّ ، واحقنه فى الحقّ ، ومن تاب فاقبل توبته ، وإخبارك فى كلّ حين بكلّ حال ، والصدقَ الصدقَ ! فلا رأى لكذوب(١) . ٢٨٦٤ ـ الغارات عن عبد الرحمن السلمى : رجع بُسْر فأخذ علي طريق السماوة ، حتي أتي الشام فقدم علي معاوية فقال : يا أمير المؤمنين ! احمَدِ الله ; فإنّى سرت فى هذا الجيش أقتل عدوّك ـ ذاهباً وراجعاً ـ لم ينكب رجل منهم نكبة . فقال معاوية : الله فعل ذلك لا أنت ! ! وكان الذى قتل بسر فى وجهه ـ ذاهباً وراجعاً ـ ثلاثين ألفاً ، وحرّق قوماً بالنار(٢) . ٢٨٦٥ ـ الغارات عن الكلبى ولوط بن يحيي الأزدى : إنّ ابن قيس بن زرارة الشاذى فخذ من همدان قدم علي علىّ ¼ فأخبره بخروج بسر ، فندب علىّ ¼ الناس فتثاقلوا عنه ، فقال : أ تريدون أن أخرج بنفسى فى كتيبة تتبع كتيبة فى الفَيافى(٣) والجبال ؟ ! ذهب والله منكم اُولو النُّهي والفضل الذين كانوا يُدعَون فيجيبون ، ويُؤمرون فيطيعون ، لقد هممت أن أخرج عنكم فلا أطلب بنصركم ما اختلف الجديدان . (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢٠٠ . ١٤٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
فقام جارية بن قدامة ، فقال : أنا أكفيكهم يا أمير المؤمنين ، فقال : أنت لعمرى لميمون النقيبة ، حسن النيّة ، صالح العشيرة . وندب معه ألفين ، وقال بعضهم : ألفاً . وأمره أن يأتى البصرة فيضمّ إليه مثلهم ، فشخص جارية وخرج معه يشيّعه ، فلمّا ودّعه قال : اتّقِ الله الذى إليه تصير ، ولا تحتقر مسلماً ولا معاهداً ، ولا تغصبنّ مالاً ولا ولداً ولا دابّةً وإن حفيت وترجّلت ، وصلِّ الصلاة لوقتها . فقدم جارية البصرة فضمّ إليه مثل الذى معه ثمّ أخذ طريق الحجاز حتي قدم اليمن ، لم يغصب أحداً ، ولم يقتل أحداً إلاّ قوماً ارتدّوا باليمن ، فقتلهم وحرقهم ، وسأل عن طريق بسر ، فقالوا : أخذ علي بلاد بنى تميم ، فقال : أخذ فى ديار قوم يمنعون أنفسهم ، فانصرف جارية فأقام بجرش(١) (٢) . ٢٨٦٦ ـ الغارات عن أبى ودّاك الشاذى : قدم زرارة بن قيس الشاذى فخبّر عليّاً ¼ بالعدّة التى خرج فيها بسر ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ; أيّها الناس ! فإنّ أوّل فرقتكم وبدء نقصكم ذهاب اُولى النُّهي وأهل الرأى منكم ، الذين كانوا يُلقَون فيصدقون ، ويقولون فيعدلون ، ويُدعَون فيُجيبون ، وأنا والله قد دعوتكم عوداً وبدءاً وسرّاً وجهاراً ، وفى الليل والنهار والغدوّ والآصال ، فما يزيدكم دعائى إلاّ فراراً وإدباراً ، أ ما تنفعكم العظة والدعاء إلي الهدي والحكمة ، وإنّى لعالم بما يصلحكم ويقيم أوَدكم ، ولكنّى والله لا (١) جُرَش : من مخاليف اليمن من جهة مكّة (معجم البلدان : ٢ / ١٢٦) . فتحها رسول الله ½ صلحاً سنة ١٠ هـ ، وهى اليوم من مدن الحجاز . ١٤١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
اُصلحكم بإفساد نفسى ، ولكن أمهلونى قليلاً ، فكأنّكم والله بامرئ قد جاءكم يحرمكم ويعذّبكم فيعذّبه الله كما يعذّبكم . إنّ مِن ذلّ المسلمين وهلاك الدين أنّ ابن أبى سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيُجاب ، وأدعوكم وأنتم الأفضلون الأخيار فتُراوغون وتُدافعون ، ما هذا بفعل المتّقين ، إنّ بسر بن أبى أرطاة وجّه إلي الحجاز ، وما بسر ؟ ! لعنه الله ، لينتدب إليه منكم عصابة حتي تردّوه عن شنّته ، فإنّما خرج فى ستّمائة أو يزيدون . قال : فسكت الناس مليّاً لا ينطقون ، فقال : ما لكم أ مخرَسون أنتم لا تتكلّمون ؟ فذكر عن الحارث بن حصيرة عن مسافر بن عفيف قال : قام أبو بردة بن عوف الأزدى فقال : إن سرت يا أمير المؤمنين سرنا معك ، فقال : اللهمّ ما لكم ؟ لا سُدّدتم لمقال الرشد ، أ فى مثل هذا ينبغى لى أن أخرج ؟ ! إنّما يخرج فى مثل هذا رجل ممّن ترضون من فرسانكم وشجعانكم ، ولا ينبغى لى أن أدع الجند والمصر ، وبيت المال ، وجباية الأرض ، والقضاء بين المسلمين ، والنظر فى حقوق الناس ، ثمّ أخرج فى كتيبة أتبع اُخري فى الفلوات وشعف الجبال ، هذا والله الرأى السوء ، والله لولا رجائى عند لقائهم ، لو قد حُمَّ لى لقاؤهم ، لقرّبت ركابى ثمّ لشخصت عنكم فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال ، فو الله إنّ فى فراقكم لراحة للنفس والبدن . فقام إليه جارية بن قدامة السعدى فقال : يا أمير المؤمنين لا أعدمنا الله نفسك ، ولا أرانا الله فراقك ، أنا لهؤلاء القوم ، فسرِّحنى إليهم ، قال : فتجهّزْ ; فإنّك ما علمتُ ميمون النقيبة . وقام إليه وهب بن مسعود الخثعمى ، فقال : أنا أنتدب إليهم ١٤٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
يا أمير المؤمنين ! قال : فانتدِب بارك الله فيك ، ونزل(١) . ٢٨٦٧ ـ الفتوح ـ بعد غارة بسر بن أرطاة علي حضرموت واستنفار الإمام ¼ أهل الكوفة ـ : قال لهم علىّ : ما لكم لا تردّون جواباً ولا تُرجعون قولاً ؟ أدعوكم إلي جهاد عدوّكم سرّاً وجهراً فلم يزدكم دعائى إلاّ فراراً ، أ تتناشدون الأشعار وتتسلّون عن الأسفار ، تربت يداكم ! لقد نسيتم الحرب والاستعداد لها ، فأصبحت قلوبكم فارغة عن ذكرها . قال : فلم يجبه أحد منهم بشىء . فقال : أ وَليس من العجب أنّ معاوية يأمر فيُطاع ويدعو فيُجاب ، وآمركم فتُخالفون وأدعوكم فلا تُجيبون ؟ ذهب والله اُولو النُّهي والفضل والتُّقي ، الذين كانوا يقولون فيصدقون ، ويُدعون فيُجيبون ، ويلقون عدوّهم فيصبرون ، وبقيتُ فى حثالة قوم لا ينتفعون بموعظة ولا يُفكّرون فى عاقبة . لقد هممت أن أشخص عنكم فلا أطلب نصركم ما اختلف الجديدان(٢) ، وإنّى لعالم بما يُصلحكم ويُقيم أوَدكم ، وكأنّى بكم وقد ولاّكم من بعدى من يحرمكم عطاءكم ويسومكم سوء العذاب ، والله المستعان وعليه التكلان . فلمّا فرغ علىّ ¢ ونظر أنّه ليس يُجيبه أحد ، انصرف إلي منزله(٣) . ٢٨٦٨ ـ الغارات عن عبد الرحمن بن نعيم : اجتمع ذات يوم هو [أى بُسْر ] (١) الغارات : ٢ / ٦٢٤ ، الإرشاد : ١ / ٢٧٢ ; أنساب الأشراف : ٣ / ٢١٥ كلاهما نحوه وليس فيهما من "إنّ بسر بن أبى أرطاة . . ." . ١٤٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
وعبيد الله بن العبّاس عند معاوية ـ بعد صلح الحسن ¼ ـ فقال ابن عبّاس لمعاوية : أنت أمرت هذا القاطع البعيد الرحم القليل الرحم بقتل ابنىّ . فقال معاوية : ما أمرته بذلك ولا هويت . فغضب بُسْر ورمي بسيفه وقال : قلّدتنى هذا السيف وقلت : اخبط به الناس حتي إذا بلغت ما بلغت ، قلت : ما هويت ولا أمرت . فقال معاوية : خذْ سيفك ! فلعمرى إنّك لعاجز حين تُلقى سيفك بين يدى رجل من بنى عبد مناف ، وقد قتلت ابنيه أمس . فقال عبيد الله بن عبّاس : أ ترانى كنت قاتله بهما ؟ فقال ابنٌ لعبيد الله : ما كنّا نقتل بهما إلاّ يزيد وعبد الله ابنى معاوية . فضحك معاوية ، وقال : وما ذنب يزيد وعبد الله ؟ !(١) |