الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد السابع

 

 

١٨٩ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل العاشر : آخر خطبة خطبها الإمام / بحث فى جذور التخاذل / الكفاءة القياديّة للإمام فى وحدته

آخر وأهمّ نقطة تجدر بعنايتنا فى بحث عوامل وحدة الإمام وتقصّى جذور هذه الحالة ، هى القدرة القياديّة والكفاءة الإداريّة الفذّة التى حظى بها أمير المؤمنين  ¼ فى هذه البرهة الحالكة ، ممّا لم نرَ مَن تنبّه إليها .

تكشف الوثائق التأريخيّة أنّ الإمام عليّاً  ¼ أبدي فى عهد غربته أسمي حالات الكفاءة القياديّة ، وأظهر من نفسه أجلّ معانى القدرة الإداريّة وأرفعها ; فحين نسجّل أنّ عليّاً بقى وحيداً فليس معني ذلك أنّ عناد الجند وعدم انقياده لطاعته اضطرّه إلي أن يكون حِلْس بيته ، أو أنّه افتقد فى الأشهر الأخيرة من خلافته قدرته القياديّة ، وغابت عنه جدارته فى إدارة المجتمع ، بحيث راح يمضى وقته ببثّ شكواه ، ولم يكن له شاغل حتي لحظة استشهاده غير تقريع الناس ولومهم علي عدم دفاعهم عن نهجه الإصلاحى . كلاّ ، بل هذه هى صفحات التأريخ تجهر عن واقع مغاير بالكامل ، وهى تبدى الإمام وقد بذل جهوده القصوي فى هذه المدّة ، وتظهره وقد بذل جهد طاقته فى هذه الأيّام إذا م ا قيست ببقيّة أشواط حكمه .

 ١٩٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل العاشر : آخر خطبة خطبها الإمام / بحث فى جذور التخاذل / الكفاءة القياديّة للإمام فى وحدته

لقد كان علي الإمام أن ينهض فى هذه البرهة بالعبء وحده ، وأن يبادر لملء الفراغات جميعاً ، وأن يمضى حتي آخر لحظة من حياته علي السبيل ذاتها التى اختطّها لحكمه ، وأعلنها منذ اليوم الأوّل . ولقد حدث هذا تماماً .

تعالوا معنا نرقب المشهد عن كثب ; فى مجتمع لم تكن النخبة علي استعداد لمسايرته ، ولم يكن الخواصّ راضين بمماشاته ، وكان العوامّ تبعاً لاُولئك ; وفى فضاء ينضح بشبهة قتال أهل القبلة ، ومحاربة شخصيّات لها فى هذا الدين سابقة ، وهى إلي ذلك تتسربل وشاح القدسيّة وتتظاهر به ; وفى ظلّ أوضاع قاتمة انقلب فيها المقاتلون إلي حالة مطبقة من التآكل والضجر بعد ثلاثة حروب دمويّة أمضوها فى سنتين من دون غنائم ومكاسب مادّيّة تذكر . وفى مشهد غاب عنه كبار أصحاب الإمام وخلّص حواريه ، وفى الوقت الذى راح جيش معاوية يواصل غاراته علي الناس من دون انقطاع ، فى أجواء مكفهرّة كهذه ، كم هى الكفاءة التى يحتاج إليها القائد لكى يحثّ الجمهور علي العودة إلي القتال ، ويعبّئه لحرب معاوية مجدّداً من دون أن يتوسّل بمنطق القوّة؟

لقد كان الإمام أمير المؤمنين  ¼ يحظي بهذه الكفاءة كلّها ، وخير ما يشهد لهذه الكفاءة ويفصح عن هذا الادّعاء بجلاء هو الخطبة الحماسيّة التى كان قد ألقاها الإمام قبل بعث الجند إلي صفّين مجدّداً ، فعن نوف البكالى ، قال : "خطبنا أمير المؤمنين  ¼ بالكوفة وهو قائم علي حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومى ، وعليه مدرعة من صوف ، وحمائل سيفه ليف ، وفى رجليه نعلان من ليف ، وكأن جبينه ثَفَنةُ بعير" .

وفى نهاية الخطبة نادي الإمام بأعلي صوته : "الجهاد الجهاد عبادَ الله! ألا وإنّى مُعسكِرٌ فى يومى هذا ، فمن أراد الرواح إلي الله فليخرج!

 ١٩١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل العاشر : آخر خطبة خطبها الإمام / بحث فى جذور التخاذل / الكفاءة القياديّة للإمام فى وحدته

قال نوف : وعقد للحسين  ¼ فى عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد فى عشرة آلاف ، ولأبى أيوب الأنصارى فى عشرة آلاف ، ولغيرهم علي أعداد اُخر ، وهو يريد الرجعة إلي صفّين ، فما دارت الجمعة حتي ضربه الملعون ابن ملجم ـ لعنه الله ـ فتراجعت العساكر ، فكنّا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كلّ مكان!(١)

هكذا يظهر أنّ ما كان يندّ عن الإمام من صيحات متوجّعة ، وما كان يبثّ به أصحابه من شكاوي مكرّرة ، لم يكن عن ضعف قيادى ، كما لم يكن إظهاراً لعجز عن إدارة المجتمع فى مثل ذلك الفضاء الذى كان يعمّه ، وتلك الخصائص التى كانت تفشو فيه . إنّما رام الإمام أن يستفيد من هذه اللغة فى حثّ الناس وتعبئتها للحركة والجهاد بدلاً من استخدام منطق القوّة والسيف .

إنّ تعبئة الإمام لتلك القوّات الكثيفة فى ظلّ الأوضاع التى مرّت الإشارة إليها ولمّا يبقَ علي استشهاده إلاّ أقلّ من اسبوع ، ينبئ من جهة عن الكفاءة الاستثنائيّة الممتازة التى يحظي بها فى تعبئة جماهير الناس ، ويكشف من جهة اُخري عن نجاح النهج العلوى فى إدارة الاجتماع السياسى .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٢ .

 ١٩٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل العاشر : آخر خطبة خطبها الإمام / بحث فى جذور التخاذل / الكفاءة القياديّة للإمام فى وحدته

 ١٩٣ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام عليّ

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : إخبار النبىّ باستشهاده

الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده

الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام

الفصل الرابع : اغتيال الإمام

الفصل الخامس : من الاغتيال إلي الاستشهاد

الفصل السادس : بعد الاستشهاد

الفصل السابع : زيارة الإمام

 ١٩٤ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام عليّ

 ١٩٥ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الأوّل : إخبار النبىّ باستشهاده

١ / ١

الشهادة من ورائك

٢٨٧٨ ـ الإمام علىّ  ¼ : إنّه لمّا أنزل الله سبحانه قوله : ³ الم  ± أَ حَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ  ²  (١) علمتُ أنّ الفتنة لا تنزل بنا ورسولُ الله  ½ بين أظهُرنا ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الفتنة التى أخبرك الله تعالي بها ؟

فقال : يا علىّ ، إنّ اُمّتى سيُفتنون من بعدى .

فقلت : يا رسول الله ، أَ وَليس قد قلتَ لى يوم اُحد حيث استُشهِدَ من استُشهد من المسلمين ، وحِيزَتْ عنّى الشهادة ، فشقّ ذلك علىَّ ، فقلتَ لى : أبشِر ، فإنّ الشهادة من ورائك ؟

فقال لى : إنّ ذلك لكذلك ، فكيف صبرك إذن ؟


(١) العنكبوت : ١ و٢ .

 ١٩٦ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الأوّل : إخبار النبىّ باستشهاده / إنّك مقتولٌ

فقلتُ : يا رسول الله ، ليس هذا من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البُشري والشكر(١) .

٢٨٧٩ ـ اُسد الغابة عن ابن عبّاس : قال علىّ ـ يعنى للنبىّ  ½ ـ : إنّك قلت لى يوم اُحد ، حين اُخّرتْ عنّى الشهادة ، واستُشهد من استُشهد : إنّ الشهادة من ورائك ، فكيف صبرك إذا خُضِبت هذه من هذه بدم ، وأهوي بيده إلي لحيته ورأسه ؟

فقال علىّ : يا رسول الله ، إمّا أن تثبت لى ما أثبتّ ، فليس ذلك من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشري والكرامة(٢) .

١ / ٢

إنّك مقتولٌ

٢٨٨٠ ـ المعجم الكبير عن جابر : قال رسول الله  ½ لعلىّ   ¢ : إنّك امرؤ مستخلف ، وإنّك مقتولٌ ، وهذه مخضوبة من هذه ـ [يعني] لحيته من رأسه ـ (٣) .

٢٨٨١ ـ المستدرك علي الصحيحين عن أنس بن مالك : دخلت مع النبىّ  ½ علي علىّ بن أبى طالب   ¢ يعوده وهو مريض وعنده أبو بكر وعمر ، فتحوّلا حتي جلس رسول الله  ½ ، فقال أحدهما لصاحبه : ما أراه إلاّ هالك .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٥٦ ، نهج السعادة : ١ / ٣٨١ نحوه ، بحار الأنوار : ٤١ / ٧ / ٨ ; كنز العمّال : ١٦ / ١٩٣ / ٤٤٢١٦ نقلاً عن وكيع وزاد فى آخره "فقال لى : أجل" .
(٢) اُسد الغابة : ٤ / ١١٠ / ٣٧٨٩ ، المعجم الكبير : ١١ / ٢٩٥ / ١٢٠٤٣ وفيه "فقال علىّ : أ ما بيّنت ما بيّنت" بدل "يا رسول الله ، إمّا أن تثبت لى ما أثبتّ" .
(٣) المعجم الكبير : ٢ / ٢٤٧ / ٢٠٣٨ ، المعجم الأوسط : ٧ / ٢١٨ / ٧٣١٨ ، دلائل النبوّة لأبى نعيم : ٥٥٣ / ٤٩١ وفيهما "مؤمّر" بدل "امرؤ" ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٣٦ كلّها عن جابر بن سمرة .

 ١٩٧ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الأوّل : إخبار النبىّ باستشهاده / بأبى الوحيد الشهيد

فقال رسول الله  ½ : إنّه لن يموت إلاّ مقتولاً ، ولن يموت حتي يملأ غيظاً(١) .

٢٨٨٢ ـ مسند ابن حنبل عن فضالة بن أبى فضالة الأنصارى : خرجت مع أبى عائداً لعلىّ بن أبى طالب من مرض أصابه ثقل منه ، قال : فقال له أبى : ما يقيمك فى منزلك هذا ؟ لو أصابك أجلك لم يَلك إلاّ أعراب جُهينة ، تُحمل إلي المدينة ، فإن أصابك أجلك وَلِيكَ أصحابك وصلّوا عليك .

فقال علىّ : إنّ رسول الله  ½ عهد إلىّ أن لا أموت حتي اُؤمّر ثمّ تخضب هذه ـ يعنى لحيته ـ من دم هذه ـ يعنى هامته ـ فقُتل ، وقتل أبو فضالة مع علىّ يوم صفّين(٢) .

١ / ٣

بأبى الوحيد الشهيد

٢٨٨٣ ـ مسند أبى يعلي عن عائشة : رأيت النبىّ  ½ التزم عليّاً وقبّله ويقول : بأبى الوحيد الشهيد ، بأبى الوحيد الشهيد(٣) .


(١) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٥٠ / ٤٦٧٣ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٣٦ / ٩٠٥٠ وح ٩٠٥١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٣ ، الفصول المهمّة : ١٢٩ كلّها نحوه .
(٢) مسند ابن حنبل : ١ / ٢١٩ / ٨٠٢ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٩٤ / ١١٨٧ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٧ / ٩٠٦٠ وص ٥٤٨ ، الاستيعاب : ٤ / ٢٩٣ / ٣١٥٦ ، اُسد الغابة : ٦ / ٢٤١ / ٦١٦٦ ، الإصابة : ٧ / ٢٦٧ / ١٠٣٩٤ ، الفصول المهمّة : ١٢٩ والأربعة الأخيرة نحوه ، البداية والنهاية : ٦ / ٢١٨ .
(٣) مسند أبى يعلي : ٤ / ٣١٨ / ٤٥٥٨ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٩ / ٩٠٦١ ، المناقب للخوارزمى : ٦٥ / ٣٤ ، ينابيع المودّة : ٢ / ٣٩٧ / ٣٢ وفيه "يا أبا الوحيد الشهيد" ; المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٢٠ .

 ١٩٨ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الأوّل : إخبار النبىّ باستشهاده / قاتله أشقي الآخرين

٢٨٨٤ ـ الأمالى للمفيد عن عائشة : جاء علىّ بن أبى طالب  ¼ يستأذن علي النبىّ  ½ فلم يأذن له ، فاستأذن دفعةً اُخري ، فقال النبىّ  ½ : ادخل يا علىّ . فلمّا دخل قام إليه رسول الله  ½ فاعتنقه وقبّل بين عينيه وقال : بأبى الشهيد ، بأبى الوحيد الشهيد(١) .

١ / ٤

قاتله أشقي الآخرين

٢٨٨٥ ـ الطبقات الكبري عن عبيد الله : إنّ النبىّ  ½ قال لعلىّ  ¼ : يا علىّ ، مَن أشقي الأوّلين والآخرين ؟

قال : الله ورسوله أعلم .

قال : أشقي الأوّلين عاقر الناقة ، وأشقي الآخرين الذى يطعنك يا علىّ . وأشار إلي حيث يُطعن(٢) .

٢٨٨٦ ـ المعجم الكبير عن صهيب : إنّ النبىّ  ½ قال يوماً لعلىّ   ¢ : من أشقي الأوّلين ؟

قال : الذى عقر الناقة يا رسول الله .

قال : صدقت ، فمن أشقي الآخرين ؟

قال : لا علم لى يا رسول الله .


(١) الأمالى للمفيد : ٧٢ / ٦ ، بحار الأنوار : ٣٨ / ٣٠٦ / ٧ .
(٢) الطبقات الكبري : ٣ / ٣٥ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٨٢ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٥٩ عن أبى بكر بن عبد الله بن أنس أو أيّوب بن خالد وفيه من "أشقي الأوّلين عاقر الناقة . . ." ، شرح نهج البلاغة : ٩ / ١١٧ نحوه .

 ١٩٩ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الأوّل : إخبار النبىّ باستشهاده / قاتله أشقي هذه الاُمّة

قال : الذى يضربك علي هذه ، وأشار النبىّ  ½ بيده إلي يافوخه . فكان علىّ   ¢ يقول لأهل العراق : أما والله لوددت أنّه قد ابتعث أشقاكم فخضب هذه ـ يعنى لحيته ـ من هذه ، ووضع يده علي مقدم رأسه(١) .

٢٨٨٧ ـ الإمام علىّ  ¼ : قال رسول الله  ½ : يا علىّ ، تدرى مَن أشقي الأوّلين ؟

قلت : الله ورسوله أعلم .

قال : عاقر الناقة . قال : تدرى من شرّ ، وقال مرّة : من أشقي الآخرين ؟

قلت : الله ورسوله أعلم .

قال : قاتلُك(٢) .

١ / ٥

قاتله أشقي هذه الاُمّة

٢٨٨٨ ـ المعجم الكبير عن جابر : قال رسول الله  ½ لعلىّ   ¢ : من أشقي ثمود ؟ قال : من عقر الناقة . قال : فمن أشقي هذه الاُمّة ؟ قال : الله أعلم . قال : قاتلك(٣) .

٢٨٨٩ ـ مسند أبى يعلي عن أبى سنان : مرض علىّ بن أبى طالب مرضاً شديداً


(١) المعجم الكبير : ٨ / ٣٨ / ٧٣١١ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٦ / ٩٠٥٦ ـ ٩٠٥٩ ، مسند أبى يعلي : ١ / ٢٥٧ / ٤٨١ ، اُسد الغابة : ٤ / ١١٠ / ٣٧٨٩ كلاهما عنه عن الإمام علىّ  ¼ نحوه ، وفيها "انبعث" بدل "ابتعث" ، الاستيعاب : ٣ / ٢١٩ / ١٨٧٥ ; مجمع البيان : ١٠ / ٧٥٦ كلاهما نحوه إلي "يافوخه" .
(٢) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٥٦٦ / ٩٥٣ عن الضحّاك بن مزاحم ، تاريخ بغداد : ١ / ١٣٥ / ١ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٥١ / ٩٠٦٤ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٢٦ ; شرح الأخبار : ٢ / ٤٤٤ / ٧٩٦ والأربعة الأخيرة عن جابر بن سمرة وص ٤٢٩ / ٧٧٧ عن أيّوب بن خالد والأربعة الأخيرة نحوه .
(٣) المعجم الكبير : ٢ / ٢٤٧ / ٢٠٣٧ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٥٠ / ٩٠٦٣ ; شرح الأخبار : ٢ / ٤٥١ / ٨٠٩ عن عبد الله بن محمّد بن عقيل عن الإمام علىّ  ¼ وكلاهما نحوه .

 ٢٠٠ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الأوّل : إخبار النبىّ باستشهاده / قاتله أشقي الناس

حتي أدنف(١) ، وخفنا عليه ، ثمّ إنّه بَرَأَ وَنَقِهَ ، فقلنا : هنيئاً لك أبا الحسن ، الحمد لله الذى عافاك ، قد كنّا نخاف عليك . قال : لكنّى لم أخف علي نفسى ، أخبرنى الصادق المصدوق أنّى لا أموت حتي اُضرب علي هذه ـ وأشار إلي مقدّم رأسه الأيسر ـ فتخضّب هذه منها بدم ـ وأخذ بلحيته ـ وقال لى : يقتلك أشقي هذه الاُمّة ، كما عقر ناقة الله أشقي بنى فلان من ثمود(٢) .

٢٨٩٠ ـ الإصابة : عبد الرحمن بن ملجم المرادى أدرك الجاهليّة وهاجر فى خلافة عمر وقرأ علي معاذ بن جبل ، ذكر ذلك أبو سعيد بن يونس ، ثمّ صار من كبار الخوارج ، وهو أشقي هذه الاُمّة بالنصّ الثابت عن النبىّ  ½ بقتل علىّ بن أبى طالب(٣) .

١ / ٦

قاتله أشقي الناس

٢٨٩١ ـ مسند ابن حنبل عن عمّار بن ياسر : كنت أنا وعلىّ رفيقين فى غزوة ذات العشيرة ، فلمّا نزلها رسول الله  ½ وأقام بها رأينا ناساً من بنى مدلج يعملون فى عين لهم فى نخل فقال لى علىّ : يا أبا اليقظان ، هل لك أن نأتى هؤلاء فننظر كيف يعملون ؟ . فجئناهم فنظرنا إلي عملهم ساعة ثمّ غشينا النوم فانطلقت أنا وعلىّ فاضطجعنا فى صَور(٤) من النخل فى دَقعاء(٥) من التراب فنمنا ، فو الله ما أهبنا إلاّ


(١) دَنِفَ المريض : أى ثَقُلَ ، وأدْنَفَ مثله (لسان العرب : ٩ / ١٠٧) .
(٢) مسند أبى يعلي : ١ / ٢٨٦ / ٥٦٥ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٢ .
(٣) الإصابة : ٥ / ٨٥ / ٦٣٩٦ .
(٤) الصَّوْر : الجماعةُ من النَّخْلِ ، ولا واحدَ له من لفظه (النهاية : ٣ / ٥٩) .
(٥) الدَّقْعاء : عامَّةُ الترابِ ، وقيل : التراب الدَّقِيق علي وجه الأرض (لسان العرب : ٨ / ٨٩) .

 ٢٠١ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الأوّل : إخبار النبىّ باستشهاده / قاتله أشقي الناس

رسول الله  ½ يحرّكنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء ، فيومئذ قال رسول الله  ½ لعلىّ : "يا أبا تراب" لما يري عليه من التراب . قال : أ لا اُحدّثكما بأشقي الناس رجلين ؟ قلنا : بلي يا رسول الله . قال : اُحَيمِر ثمود الذى عقر الناقة ، والذى يضربك يا علىّ علي هذه ـ يعنى قرنه ـ حتي تبلّ منه هذه ـ يعنى لحيته ـ(١) .

٢٨٩٢ ـ المستدرك علي الصحيحين عن سعيد بن أبى هلال عن زيد بن أسلم : إنّ أبا سنان الدؤلى حدّثه أنّه عاد عليّاً   ¢ فى شكويً له أشكاها ، قال : فقلت له : لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين فى شكواك هذه . فقال : لكنّى والله ما تخوّفت علي نفسى منه ; لأنّى سمعت رسول الله  ½ الصادق المصدوق يقول : إنّك ستُضرب ضربةً هاهنا وضربةً هاهنا ـ وأشار إلي صدغيه ـ فيسيل دمها حتي تختضب لحيتك ، ويكون صاحبها أشقاها ، كما كان عاقر الناقة أشقي ثمود(٢) .


(١) مسند ابن حنبل : ٦ / ٣٦٥ / ١٨٣٤٩ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٨٧ / ١١٧٢ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٥١ / ٤٦٧٩ ، خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ٢٨٠ / ١٥٢ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٢ / ٢٤٩ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٩ / ٩٠٦٢ وص ٥٥٠ ، دلائل النبوّة لأبى نعيم : ٥٥٢ / ٤٩٠ ، الكامل للمبرّد : ٣ / ١١٦٦ ; مجمع البيان : ١٠ / ٧٥٦ والأربعة الأخيرة نحوه .
(٢) المستدرك علي الصحيحين : ٣/١٢٢/٤٥٩٠ ، السنن الكبري : ٨ / ١٠٤ / ١٦٠٦٩ ، المعجم الكبير : ١ / ١٧٣١٠٦ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٣ / ٩٠٥٣ ، المناقب للخوارزمى : ٣٨٠ / ٤٠٠ ، التاريخ الكبير : ٨ / ٣٢٠ / ٣١٦٧ ، اُسد الغابة : ٤ / ١٠٩ / ٣٧٨٩ وفيهما من "لأنّى سمعت . . ." ; شرح الأخبار : ٢ / ٤٤٥ / ٧٩٩ والثلاثة الأخيرة نحوه .

 ٢٠٢ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الأوّل : إخبار النبىّ باستشهاده / قاتله أشقي الناس

 ٢٠٣ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده

٢ / ١

إنّى مقتول

٢٨٩٣ ـ مسند ابن حنبل عن زيد بن وهب : قدم علىّ   ¢ علي قوم من أهل البصرة من الخوارج ، فيهم رجل يقال له : الجعد بن بعجة ، فقال له : اتّق الله يا علىّ فإنّك ميّت . فقال علىّ   ¢ : بل مقتول ، ضربة علي هذا تخضب هذه ـ يعنى لحيته من رأسه ـ عهدٌ معهود ، وقضاءٌ مقضىّ ، وقد خاب من افتري(١) .

٢٨٩٤ ـ مسند أبى يعلي عن أبى الأسود الدِّيلى عن الإمام علىّ  ¼ : أتانى عبد الله


(١) مسند ابن حنبل : ١ / ١٩٧ / ٧٠٣ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ١ / ٥٤٣ / ٩٠٩ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٤ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٥٤ / ٤٦٨٧ وفيه "نعجة" بدل "بعجة" ، الزهد لابن حنبل : ١٦٥ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٢٤ ; الإرشاد : ١ / ٣٢٠ ، الغارات : ١ / ١٠٨ وفيه "نعجة" بدل "بعجة" والخمسة الأخيرة نحوه .

 ٢٠٤ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده / إنّى مقتول

ابن سلام ، وقد وضعت قدمى فى الغرز(١) فقال لى : لا تقدم العراق ، فإنّى أخشي أن يصيبك بها ذباب السيف(٢) . قال علىّ : وايم الله ، لقد أخبرنى به رسول الله  ½ . قال أبو الأسود : فما رأيت كاليوم قطّ محارباً يخبر بذا عن نفسه(٣) .

٢٨٩٥ ـ الإرشاد عن الإمام علىّ  ¼ : أتاكم شهر رمضان ، وهو سيّد الشهور ، وأوّل السنة ، وفيه تدور رحي السلطان ، ألا وإنّكم حاجّوا العام صفّاً واحداً ، وآية ذلك أنّى لست فيكم .

فكان أصحابه يقولون : إنّه ينعي إلينا نفسه ، فضرب  ¼ فى ليلة تسع عشرة ، ومضي فى ليلة إحدي وعشرين من ذلك الشهر(٤) .

٢٨٩٦ ـ الإمام الصادق  ¼ ـ فى ذكر مجىء رجل من اليهود إلي أمير المؤمنين  ¼ وسؤاله عن أشياء ـ : قال : كم يعيش وصىّ نبيّكم بعده ؟ قال : ثلاثين سنة .

قال : ثمّ ماذا يموت أو يقتل ؟ قال : يقتل ويضرب علي قرنه فتخضب لحيته .

قال : صدقت والله ، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسي  ¼ (٥) .


(١) الغَرْز : رِكاب كُورِ الجَمل ، مِثل الرِّكاب للسَّرْج (النهاية : ٣ / ٣٥٩) .
(٢) ذبابُ السيف : حدّ طرفه الذى بين شفرتيه (لسان العرب : ١ / ٣٨٣) .
(٣) مسند أبى يعلي : ١ / ٢٥٩ / ٤٨٧ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٥١ / ٤٦٧٨ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٥ ، اُسد الغابة : ٤ / ١٠٩ / ٣٧٨٩ ، الصواعق المحرقة : ١٢٤ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٢٥ كلاهما نحوه .
(٤) الإرشاد : ١ / ٣٢٠ ، روضة الواعظين : ١٥٠ وفيه إلي "نفسه" ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٧١ وفيه إلي "لست فيكم" وكلاهما عن الأصبغ بن نباتة .
(٥) عيون أخبار الرضا : ١ / ٥٢ / ١٩ عن صالح بن عقبة ، بحار الأنوار : ٤٢ / ١٩١ / ٢ .

 ٢٠٥ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده / ما ينتظر أشقاها ؟

٢ / ٢

ما ينتظر أشقاها ؟

٢٨٩٧ ـ الغارات عن ابن أبى ليلي عن الإمام علىّ  ¼ : إنّى ميّت أو مقتول بل قتلاً ، ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم ؟ ! ـ وضرب بيده إلي لحيته ـ (١) .

٢٨٩٨ ـ تاريخ بغداد عن عبد الله بن سبع : سمعت عليّاً علي المنبر وهو يقول : ما ينتظر أشقاها ؟ عهد إلىّ رسول الله  ½ لتخضبنّ هذه من هذه ـ وأشار ابن داود(٢) إلي لحيته ورأسه ـ فقال : يا أمير المؤمنين ! أخبرنا من هو حتي نبتدره ؟ فقال : أنشد الله رجلاً قتل بى غير قاتلى(٣) .

٢٨٩٩ ـ البداية والنهاية عن ثعلبة بن يزيد : قال علىّ : والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لتخضبنّ هذه من هذه للحيته من رأسه فما يحبس أشقاها ؟ !

فقال عبد الله بن سبع : والله يا أمير المؤمنين ! لو أنّ رجلاً فعل ذلك لأبدنا عترته .

فقال : أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلى(٤) .

٢٩٠٠ ـ تاريخ دمشق عن سعيد بن المسيّب : رأيت عليّاً علي المنبر وهو يقول :


(١) الغارات : ١ / ٧ وص ٣٠ عن نمير العبيسى نحوه .
(٢) هو عبد الله بن داود ، وهو ممّن وقع فى سلسلة سند هذا الحديث ، والسند هكذا : "عبد الله بن داود عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سالم بن أبى الجعد عن عبد الله بن سبع" .
(٣) تاريخ بغداد : ١٢ / ٥٨ / ٦٤٤١ ، مسند ابن حنبل : ١ / ٢٧٥ / ١٠٧٨ ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٥٨٧ / ٦ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٣٤ كلّها نحوه .
(٤) البداية والنهاية : ٧ / ٣٢٤ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٢ وفيه "يخبتن" بدل "يحبس" .

 ٢٠٦ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده / ما ينتظر أشقاها ؟

لتخضبنّ هذه من هذه ـ وأشار بيده إلي لحيته وجبينه ـ فما يحبس أشقاها ؟ قال : فقلت : لقد ادعي علىّ علم الغيب ، فلمّا قتل علمتُ أنّه قد كان عهد إليه(١) .

٢٩٠١ ـ الإمام علىّ  ¼ : ما يحبس أشقاها أن يجىء فيقتلنى ؟ ! اللهمّ إنّى قد سئمتهم وسئمونى فأرحنى منهم وأرحهم منّى !(٢)

٢٩٠٢ ـ عنه  ¼ : أ لم يأن لأشقاها ؟ لتخضبنّ هذه من هذه ، يعنى لحيته من رأسه(٣) .

٢٩٠٣ ـ الإرشاد عن الأجلح عن أشياخ كندة : سمعتهم أكثر من عشرين مرّة يقولون : سمعنا عليّاً  ¼ علي المنبر يقول : ما يمنع أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم ؟ ويضع يده علي لحيته  ¼ (٤) .

٢٩٠٤ ـ البداية والنهاية : كان أمير المؤمنين   ¢ قد تنغّصت عليه الاُمور ، واضطرب عليه جيشه ، وخالفه أهل العراق ، ونكلوا عن القيام معه ، واستفحل أمر أهل الشام ، وصالوا وجالوا يميناً وشمالاً ، زاعمين أنّ الإمرة لمعاوية بمقتضي حكم الحكمين فى خلعهما عليّاً وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الإمرة عن أحد ، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمّون معاوية الأمير ،


(١) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٩ .
(٢) المصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٥٨٧ / ٨ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٣٤ كلاهما عن عبيدة ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٦٠ عن محمّد بن عبيدة .
(٣) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٣٧ عن سالم بن أبى الجعد .
(٤) الإرشاد : ١ / ١٣ ، الأمالى للطوسى : ٢٦٧ / ٤٩٣ عن هبيرة بن يريم ، إعلام الوري : ١ / ٣١٠ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٩ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ١٤٢ / ١٩٣ / ٨ ; الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٤ ، الكامل للمبرّد : ٣ / ١١٦٧ كلاهما نحوه .

 ٢٠٧ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده / لتخضبنّ هذه من هذه

وكلّما ازداد أهل الشام قوّةً ضعف جأش(١) أهل العراق ، هذا وأميرهم علىّ بن أبى طالب خير أهل الأرض فى ذلك الزمان ، أعبدهم وأزهدهم ، وأعلمهم وأخشاهم لله عزّ وجلّ ، ومع هذا كلّه خذلوه وتخلّوا عنه ، حتي كره الحياة وتمنّي الموت ، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن ، فكان يكثر أن يقول : ما يحبس أشقاها ؟ أى ما ينتظر ؟ ما له لا يقتل ؟ ثمّ يقول : والله لتخضبنّ هذه ـ ويشير إلي لحيته ـ من هذه ـ ويشير إلي هامته ـ (٢) .

٢ / ٣

لتخضبنّ هذه من هذه

٢٩٠٥ ـ الطبقات الكبري عن اُمّ جعفر سرّيّة علىّ  ¼ : إنّى لأصبّ علي يديه الماء إذ رفع رأسه ، فأخذ بلحيته فرفعها إلي أنفه ، فقال : واهاً لك ، لتخضبنّ بدم !

قالت : فاُصيب يوم الجمعة(٣) .

٢٩٠٦ ـ مسند ابن حنبل عن عبد الله بن سبع : خطبنا علىّ   ¢ فقال :

والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لتخضبنّ هذه من هذه . قال : قال الناس : فأعلمنا من هو ؟ والله لنُبيرنّ(٤) عترته ! قال : أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلى(٥) .


(١) الجأش : نفس الإنسان . قيل : ومنه : رابط الجأش ; أى يربط نفسه عن الفرار ; لشجاعته (تاج العروس : ٩ / ٦٧) .
(٢) البداية والنهاية : ٧ / ٣٢٤ .
(٣) الطبقات الكبري : ٣ / ٣٥ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٦٠ ، مقتل أمير المؤمنين : ٦٠ / ٤٣ نحوه .
(٤) لنُبيرنّ ; البوار: الهلاك (لسان العرب : ٤ / ٨٦).
(٥) مسند ابن حنبل : ١/٣٢٨/١٣٣٩ ، تاريخ دمشق : ٤٢/٥٣٩ و٥٤٠ ، مسند أبى يعلي : ١/٢٩٤/٥٨٦ كلاهما نحوه .

 ٢٠٨ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده / لتخضبنّ هذه من هذه

٢٩٠٧ ـ الإمام علىّ  ¼ : بالله ، لتخضبنّ هذه من دم هذا ـ يعنى لحيته من رأسه ـ(١) .

٢٩٠٨ ـ الغارات عن مازن : رأيت عليّاً  ¼ أخذ بلحيته وهو يقول : والله ليخضبنّها من فوقها بدم ، فما يحبس أشقاكم(٢) .

٢٩٠٩ ـ الغارات عن ثعلبة بن يزيد الحمّانى : شهدت لعلىّ  ¼ خطبة ، فجئت إلي أبى فقلت : أ سمعت من هذا خطبة آنفاً ليستقتلنّ ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : سمعته يقول : والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة لتخضبنّ هذه من هذا ـ يعنى لحيته من رأسه ـ .

قال : سمعت ذلك(٣) .

٢٩١٠ ـ علل الشرائع عن الأصبغ بن نباتة : قلت لأمير المؤمنين  ¼ : ما منعك من الخضاب وقد اختضب رسول الله  ½ ؟ قال : أنتظر أشقاها أن يخضب لحيتى من دم رأسى بعد عهد معهود أخبرنى به حبيبى رسول الله  ½ (٤) .

٢٩١١ ـ الفتوح : قدم علىّ كرم الله وجهه من سفره ، واستقبله الناس يهنّئونه بظفره بالخوارج ، ودخل إلي المسجد الأعظم ، فصلّي فيه ركعتين ثمّ صعد المنبر


(١) الغارات : ٢ / ٤٤٤ عن أبى حمزة عن أبيه ، الإرشاد : ١ / ٣١٩ ، إرشاد القلوب : ٢٢٥ كلاهما نحوه ; المصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٥٨٧ / ٧ عن أبى حمزة عن أبيه ، الطبقات الكبري : ٣ / ٣٤ عن نبل بنت بدر عن زوجها ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٦٠ عن هشام عن أبيه ، مسند أبى يعلي : ١ / ٢٩٣ / ٥٨٤ عن ثعلبة الحمّانى ، الاستيعاب : ٣ / ٢٢٠ / ١٨٧٥ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٣٧ عن سالم بن أبى الجعد .
(٢) الغارات : ٢ / ٤٤٤ .
(٣) الغارات : ٢ / ٤٤٤ ; الاستيعاب : ٣ / ٢١٩ / ١٨٧٥ نحوه .
(٤) علل الشرائع : ١٧٣ / ١ وراجع الصواعق المحرقة : ١٣٤ وينابيع المودّة : ٢ / ٤٢١ / ١٦٢ .

 ٢٠٩ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده / يقتلنى رجل خامل الذكر

فخطب خطبة حسناً ثمّ التفت إلي ابنه الحسين فقال : يا أبا عبد الله ! كم بقى من شهرنا هذا ـ يعنى شهر رمضان الذى هم فيه ـ ؟

فقال الحسين : سبع عشرة يا أمير المؤمنين .

قال : فضرب بيده إلي لحيته وهى يومئذ بيضاء وقال : والله ليخضبنّها بالدم إذ انبعث أشقاها ، قال ثمّ جعل يقول :

اُريد حياته ويريد قتلىخليلى من عذيرى من مراد(١) (٢)

٢ / ٤

يقتلنى رجل خامل الذكر

٢٩١٢ ـ الإمام علىّ  ¼ : إنّما يقتلنى رجل خامل الذكر ، ضئيل النسب ، غيلةً فى غير مأقط(٣) حرب ، ولا معركة رجال ، ويلُمّه أشقي البشر ، ليودّن أنّ اُمّه هبلت به ! أما إنّه وأحمر ثمود لمقرونان فى قرن(٤) .

٢ / ٥

معرفة الإمام بقاتله

٢٩١٣ ـ الإرشاد عن أبى الطفيل عامر بن واثلة : جمع أمير المؤمنين  ¼ الناس


(١) البيت من شعر عمرو بن معدى كرب قاله فى قيس بن مكشوح المرادى ، وروايته فى الكامل للمبرّد : ٣ / ١١١٨ : اُريد حباءه ويريد قتلىعذيرك من خليلك من مراد
(٢) الفتوح : ٤ / ٢٧٦ ، مطالب السؤول : ٤٧ ; كشف الغمّة : ١ / ٢٧٦ كلاهما نحوه .
(٣) مأقط : الموضع الذى يقتتلون فيه (لسان العرب : ٧ / ٢٥٨) .
(٤) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٣٥ .

 ٢١٠ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده / معرفة الإمام بقاتله

للبيعة ، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادى ـ لعنه الله ـ فردّه مرّتين أو ثلاثاً ثمّ بايعه ، وقال عند بيعته له : ما يحبس أشقاها ؟ فو الذى نفسى بيده لتخضبنّ هذه من هذا . ووضع يده علي لحيته ورأسه  ¼ ، فلمّا أدبر ابن ملجم عنه منصرفاً قال  ¼ متمثّلاً :

اُشدد حيازيمك للموتفإنّ الموت لاقيك
ولا تجزع من الموتإذا حلّ بواديك
كما أضحكك الدهركذاك الدهر يبكيك(١)

٢٩١٤ ـ الإرشاد عن المعلّي بن زياد : جاء عبد الرحمن بن ملجم ـ لعنه الله ـ إلي أمير المؤمنين  ¼ يستحمله ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، احملنى . فنظر إليه أمير المؤمنين  ¼ ثمّ قال له : أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادى ؟ قال : نعم . قال : أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادى ؟ قال : نعم . قال : يا غزوان ، احمله علي الأشقر . فجاء بفرس أشقر فركبه ابن ملجم المرادى وأخذ بعنانه ، فلمّا ولّي قال أمير المؤمنين  ¼ :

اُريد حباءه ويُريد قتلىعذيرك(٢) من خليلك من مرادِ

قال : فلمّا كان من أمره ما كان ، وضرب أمير المؤمنين  ¼ قُبض عليه وقد خرج من المسجد ، فجىء به إلي أمير المؤمنين ، فقال  ¼ : والله لقد كنت أصنع بك


(١) الإرشاد : ١ / ١١ ، روضة الواعظين : ١٤٧ ، شرح الأخبار : ٢ / ٢٩١ / ٦٠٧ ، الخرائج والجرائح : ١ / ١٨٢ / ١٤ نحوه ; الطبقات الكبري : ٣ / ٣٣ ، المعجم الكبير : ١ / ١٠٥ / ١٦٩ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٤٥ ، مقاتل الطالبيّين : ٤٥ ، اُسد الغابة : ٤ / ١١٠ / ٣٧٨٩ وليس فيها البيت الأخير .
(٢) عَذيرَكَ : أى هَاتِ من يَعذِرُك فيه (النهاية : ٣ / ١٩٧) .

 ٢١١ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده / معرفة الإمام بقاتله

ما أصنع ، وأنا أعلم أنّك قاتلى ، ولكن كنت أفعل ذلك بك لأستظهر بالله عليك(١) .

٢٩١٥ ـ الطبقات الكبري عن محمّد بن سيرين : قال علىّ بن أبى طالب للمرادى :

اُريد حباءه ويُريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد(٢)

٢٩١٦ ـ الإرشاد عن الأصبغ بن نباتة : أتي ابن ملجم أمير المؤمنين  ¼ فبايعه فيمن بايع ، ثمّ أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين  ¼ فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يغدر ولا ينكث ، ففعل ، ثمّ أدبر عنه ، فدعاه الثانية أمير المؤمنين  ¼ فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يغدر ولا ينكث ففعل ، ثمّ أدبر عنه ، فدعاه أمير المؤمنين  ¼ الثالثة فتوثق منه وتوكد عليه ألاّ يغدر ولا ينكث . فقال ابن ملجم : والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيرى . فقال أمير المؤمنين  ¼ :

اُريد حباءه ويريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد

امض يابن ملجم فو الله ما أري أن تفى بما قلت(٣) .

٢٩١٧ ـ تاريخ اليعقوبى : قدم عبد الرحمن بن ملجم المرادى الكوفة لعشر بقين من شعبان سنة (٤٠) ، فلمّا بلغ عليّاً قدومه قال : وقد وافي ؟ أما إنّه ما بقى علىَّ


(١) الإرشاد : ١ / ١٢ ، الخرائج والجرائح : ١ / ١٨٢ / ١٤ عن رجاء بن زياد نحوه إلي آخر الشعر ، بحار الأنوار : ٤٢ / ٣٠٨ / ٨ .
(٢) الطبقات الكبري : ٣ / ٣٤ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٦١ ، الكامل للمبرّد : ٣ / ١١١٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٤ ، الاستيعاب : ٣ / ٢٢٠ / ١٨٧٥ عن عبد العزيز العبدى وعبيدة ، مقاتل الطالبيّين : ٤٥ ، الفتوح : ٤ / ٢٧٦ ، الفصول المهمّة : ١٣٦ عن جابر بن عبد الله الأنصارى ; شرح الأخبار : ٢ / ٤٤٥ / ٧٩٨ ، روضة الواعظين : ١٤٨ وفى السبعة الأخيرة "حياته" بدل "حباءه" ، الخرائج والجرائح : ١ / ١٨٢ / ١٤ عن رجاء بن زياد .
(٣) الإرشاد : ١ / ١٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١٠ نحوه ، بحار الأنوار : ٤٢ / ١٩٢ / ٧ .

 ٢١٢ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثانى : إخبار الإمام باستشهاده / معرفة الإمام بقاتله

غيره ، هذا أوانه . فنزل علي الأشعث بن قيس الكندى ، فأقام عنده شهراً يستحدّ سيفه(١) .


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢١٢ .

 ٢١٣ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام

 

٢٩١٨ ـ الإرشاد عن أبى مخنف لوط بن يحيي وإسماعيل بن راشد وأبى هشام الرفاعى وأبى عمرو الثقفى وغيرهم : إنّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكّة ، فتذاكروا الاُمراء ، فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم ، وذكروا أهل النهروان وترحّموا عليهم ، فقال بعضهم لبعض : لو أنّا شرينا أنفسنا لله ، فأتينا أئمّة الضلال ، فطلبنا غرّتهم(١) ، فأرحنا منهم العباد والبلاد ، وثأرنا بإخواننا للشهداء بالنهروان .

فتعاهدوا عند انقضاء الحجّ علي ذلك ، فقال عبد الرحمن بن ملجم : أنا أكفيكم عليّاً ، وقال البرك بن عبد الله التميمى : أنا أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر التميمى : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، وتعاقدوا علي ذلك ، وتوافقوا عليه وعلي الوفاء ، واتّعدوا لشهر رمضان فى ليلة تسع عشرة ، ثمّ تفرّقوا(٢) .


(١) الغِرَّةُ : الغَفْلة (النهاية : ٣ / ٣٥٤) .
(٢) وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم لعنهم الله أجمعين فى العقد علي قتل معاوية وعمرو بن العاص ، فإنّ أحدهما ضرب معاوية وهو راكع فوقعت ضربته فى أليته ونجا منها ، فاُخذ وقُتل من وقته . وأمّا الآخر فإنّه وافي عمراً فى تلك الليلة وقد وجد علّة فاستخلف رجلاً يصلّى بالناس يقال له : خارجة بن أبى حبيبة العامرى ، فضربه بسيفه وهو يظنّ أنّه عمرو ، فاُخذ واُتى به عمرو فقتله ، ومات خارجة فى اليوم الثانى (الإرشاد : ١ / ٢٢ ، إعلام الوري : ٢٠٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١٣ نحوه) . وفى تاريخ الطبرى عن إسماعيل بن راشد : أمّا البرك بن عبد الله فإنّه فى تلك الليلة التى ضرب فيها علىّ قعد لمعاوية ، فلمّا خرج ليصلّى الغداة شدّ عليه بسيفه ، فوقع السيف فى أليته ، فاُخذ ، فقال : إنّ عندى خيراً اُسرّك به ، فإن أخبرتك فنافعى ذلك عندك ؟ قال : نعم ، قال : إنّ أخاً لى قتل عليّاً فى مثل هذه الليلة ، قال : فلعلّه لم يقدر علي ذلك ! قال : بلي ، إنّ عليّاً يخرج ليس معه من يحرسه ، فأمر به معاوية فقتل ، وبعث معاوية إلي الساعدى ـ وكان طبيباً ـ فلمّا نظر إليه قال : اختر إحدي خصلتين : إمّا أن أحمى حديدة فأضعها موضع السيف ، وإمّا أن أسقيك شربة تقطع منك الولد ، وتبرأ منها ، فإنّ ضربتك مسمومة ، فقال معاوية : أمّا النار فلا صبر لى عليها ، وأمّا انقطاع الولد فإنّ فى يزيد وعبد الله ما تقرّ به عينى . فسقاه تلك الشربة فبرأ ، ولم يولد له بعدها ، وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرطة علي رأسه إذا سجد . وأمّا عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة ، فلم يخرج ، وكان اشتكي بطنه ، فأمر خارجة بن حذافة ، وكان صاحب شرطته ، وكان من بنى عامر بن لؤى ، فخرج ليصلّى ، فشدّ عليه وهو يري أنّه عمرو ، فضربه فقتله ، فأخذه الناس ، فانطلقوا به إلي عمرو يسلّمون عليه بالإمرة ، فقال : من هذا ؟ قالوا : عمرو ، قال : فمن قتلت ؟ قالوا : خارجة بن حذافة ، قال : أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك ، فقال عمرو : أردتنى وأراد الله خارجة ، فقدّمه عمرو فقتله (تاريخ الطبرى : ٥ / ١٤٩ ، المعجم الكبير : ١ / ١٠٠ وص ١٠٣/ ١٦٨ وفيه "خارجة بن أبى حبيب" ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٧ وفيه "خارجة بن أبى حبيبة" ، الفصول المهمّة : ١٣٥ كلّها نحوه وراجع مروج الذهب : ٢ / ٤٢٨ ومقاتل الطالبيّين : ٤٤) . وفى أنساب الأشراف : فأمّا البرك فإنّه انطلق فى ليلة ميعادهم فقعد لمعاوية ، فلمّا خرج ليصلّى الغداة شدّ عليه بسيفه ، فأدبر معاوية فضرب طرف أليته ففلقها ووقع السيف فى لحم كثير ، واُخذ فقال : إنّ لك عندى خبراً سارّاً ، قد قتل فى هذه الليلة علىّ بن أبى طالب ، وحدّثه بحديثهم ، وعولج معاوية حتي برأ وأمر بالبرك فقتل . وقيل : ضرب البرك معاوية وهو ساجد ، فمذ ذاك جعل الحرس يقومون علي رؤوس الخلفاء فى الصلاة ، اتّخذ معاوية المقصورة . وروي بعضهم أنّ معاوية لم يولِد بعد الضربة ، وأنّ معاوية كان أمر بقطع يد البرك ورجله ثمّ تركه ، فصار إلي البصرة فولد له فى زمن زياد فقتله وصلبه ، وقال له : ولد لك وتركت أمير المؤمنين لا يولد له (أنساب الأشراف : ٣ / ٢٥ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٨١ نحوه) .

 ٢١٤ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام

 ٢١٥ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام

فأقبل ابن ملجم ـ وكان عداده فى كندة ـ حتي قدم الكوفة ، فلقى بها أصحابه ، فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شىء . فهو فى ذلك إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم ـ من تيم الرباب ـ فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيميّة ، وكان أمير المؤمنين  ¼ قتل أباها وأخاها بالنهروان ، وكانت من أجمل نساء زمانها ، فلمّا رآها ابن ملجم شغف بها واشتدّ إعجابه بها ، فسأل فى نكاحها وخطبها فقالت له : ما الذى تسمّى لى من الصداق ؟ فقال لها : احتكمى ما بدا لك . فقالت له : أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ، ووصيفاً وخادماً ، وقتل علىّ بن أبى طالب(١) . فقال لها : لك جميع ما سألت ، وأمّا قتل علىّ بن أبى طالب فأنّي لى بذلك ؟ فقالت : تلتمس غرّته ، فإن أنت قتلته شفيتَ نفسى وهنّأك العيش معى ، وإن قُتلت فما عند الله خيرٌ لك من الدنيا . فقال : أما والله ما أقدمنى هذا المصر ـ وقد كنت هارباً منه لا آمن مع أهله ـ إلاّ ما سألتنى من قتل علىّ بن أبى طالب ، فلك ما سألت . قالت : فأنا طالبة لك بعض من يساعدك علي ذلك ويقوّيك .

ثمّ بعثتْ إلي وردان بن مجالد ـ من تيم الرباب ـ فخبّرته الخبر وسألته معونة


(١) وفى هذا قال ابن أبى ميّاس المرادى :
ولم أر مهراً ساقه ذو سماحة كمهر قطام بين عرب ومُعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة وضرب علىّ بالحسام المصمّم
فلا مهر أغلي من علىّ وإن غلا ولا فتك إلاّ دون فتك ابن ملجم
(الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٨ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ١٥٠ ، المعجم الكبير : ١ / ١٠٣ / ١٦٨ وفيهما "قتل" بدل "فتك" فى كلا الموضعين ; الإرشاد : ١ / ٢٢) .

 ٢١٦ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام

ابن ملجم ، فتحمّل ذلك لها ، وخرج ابن ملجم فأتي رجلاً من أشجع يقال له شبيب بن بجرة ، فقال : يا شبيب ، هل لك فى شرف الدنيا والآخرة ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : تساعدنى علي قتل علىّ بن أبى طالب ـ وكان شبيب علي رأى الخوارج ـ . فقال له : يابن ملجم ، هبلتك الهبول ، لقد جئت شيئاً إدّاً ، وكيف تقدر علي ذلك ؟ فقال له ابن ملجم : نكمن له فى المسجد الأعظم ، فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به ، وإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا .

فلم يزل به حتي أجابه ، فأقبل معه حتي دخلا المسجد علي قطام ـ وهى معتكفة فى المسجد الأعظم ، قد ضربت عليها قبة ـ فقال لها : قد اجتمع رأينا علي قتل هذا الرجل . قالت لهما : فإذا أردتما ذلك فالقيانى فى هذا الموضع .

فانصرفا من عندها فلبثا أيّاماً ، ثمّ أتياها ومعهما الآخر ليلة الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم ، وتقلّدوا أسيافهم ومضوا وجلسوا مقابل السدّة التى كان يخرج منها أمير المؤمنين  ¼ إلي الصلاة ، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلي الأشعث بن قيس ما فى نفوسهم من العزيمة علي قتل أمير المؤمنين  ¼ وواطاهم عليه وحضر الأشعث بن قيس فى تلك الليلة لمعونتهم علي ما اجتمعوا عليه(١) .


(١) الإرشاد : ١ / ١٧ ، روضة الواعظين : ١٤٨ وفيه "المبارك" بدل "البرك" ; المعجم الكبير : ١ / ٩٧ / ١٦٨ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ١٤٣ كلاهما عن إسماعيل بن راشد ، الطبقات الكبري : ٣ / ٣٥ ، مروج الذهب : ٢ / ٤٢٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٤ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٥١ وص ٢٥٣ عن لوط بن يحيي وعوانة بن الحكم وغيرهما ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٥٨ وفيه "عمرو بن بكير" ، اُسد الغابة : ٤ / ١١٢ / ٣٧٨٩ كلاهما عن محمّد بن سعد ، الاستيعاب : ٣ / ٢١٨ / ١٧٨٥ ، مقاتل الطالبيّين : ٤٣ وص ٤٦ والعشرة الأخيرة نحوه وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١١ .

 ٢١٧ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام

٢٩١٩ ـ العدد القويّة عن أبى مجلز : جاء رجل من مراد إلي أمير المؤمنين  ¼ وهو يصلّى فى المسجد ، فقال له : احترس فإنّ اُناساً من مراد يريدون قتلك ، فقال : إن مع كلّ رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر ، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه ، وإنّ الأجل جنة حصينة .

وقال الشعبى : أنشد أمير المؤمنين  ¼ قبل أن يستشهد بأيّام :

تلكم قريش تمنانى لتقتلنى فلا وربّك ما فازوا ولا ظفروا
فإن بقيت فرهن ذمّتى لهم وإن عدمت فلا يبقي لها أثر
وسوف يورثهم فقدى علي وجلذلّ الحياة بما خانوا وما غدروا(١)


(١) العدد القويّة : ٢٣٨ / ١٥ وح ١٦ ، خصائص الأئمّة    ¥ : ١١٤ وليس فيه الشعر ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١٢ وفيه الشعر فقط ، بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٢٢ / ٣١ ; تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٥٤ وليس فيه الشعر وراجع نهج البلاغة : الحكمة ٢٠١ وشرح الأخبار : ٢ / ٥ / ٣٨٤ .

 ٢١٨ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام

 ٢١٩ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام / بحث حول المتآمرين لاغتيال الإمام عليّ

يفهم من النصوص التاريخيّة أنّ الأخبار التى رواها مؤرخو الشيعة والسنّة تشير إلي أنّ الإمام عليّاً  ¼ اغتيل بمؤامرة نفّذها عدد من بقايا الخوارج .

وتتلخص أخبار المؤرخين الأوائل فى هذا المجال : أنّ جماعة من الخوارج اجتمعوا بعد معركة النهروان فى مكّة وأقسموا علي الانتقام لقتلاهم ، واستقرّ رأيهم بعد المداولات حول كيفية إيجاد حلّ لمشكلات العالم الإسلامى علي أنّ منشأ الفتنة ثلاثة أشخاص هم : على  ¼ ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص . وما دام هؤلاء الثلاثة أحياءً فستبقي الاُمّة الإسلاميّة تعيش حالة من الاضطراب . وهكذا أخذ ثلاثة من اُولئك القوم علي عاتقهم مهمّة اغتيال هؤلاء الثلاثة .

تبنّي عبد الرحمن بن ملجم المرادى مهمّة اغتيال الإمام علىّ  ¼ ، وتبنّي برك بن عبد الله التميمى مهمّة اغتيال معاوية ، واُنيطت مهمّة قتل عمرو بن العاص بعمرو بن بكر التميمى .

وعزم هؤلاء الثلاثة علي تنفيذ خطّة القتل فى إحدي ليالى شهر رمضان حيث يضطرّ هؤلاء الثلاثة إلي القدوم إلي المسجد ـ وبناءً علي المشهور لدينا فى ليلة

 ٢٢٠ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام / بحث حول المتآمرين لاغتيال الإمام عليّ

التاسع عشر من رمضان .

فقتل عمرو بن بكر الذى كان مكلّفاً بقتل عمرو بن العاص شخصاً آخر كان قد ذهب إلي الصلاة بدلاً عن ابن العاص فى تلك الليلة ، وجرح برك بن عبد الله معاوية . أمّا ابن ملجم فقد استطاع تنفيذ مهمّته بتحريض من قطام ـ وكانت امرأة جميلة ـ وبمساعدة من وردان بن مجالة وشبيب بن بجرة ، وأنهي مهمّة قتل الإمام علىّ  ¼ .

وهذه الرواية متّفق عليها من قبل جميع المؤرّخين المسلمين تقريباً . وهل كانت القصّة علي هذا المنوال حقّاً ، أم أنّ الحقيقة شىء آخر؟ وهل كان الخوارج ـ كما جاء فى النصوص التاريخيّة ـ هم المخطّطون الأصليّون لاغتيال الإمام ولم يكن لمعاوية أىّ دور فيه؟ وهل الحكايات التى حكيت حول دور قطام فى اغتيال الإمام كانت صحيحة ، أم أنّ المخطّط الأصلى لاغتيال الإمام كان معاوية ، وكلّ ما جاء فى التاريخ عن الفاعلين ليس إلاّ تلفيقاً يراد منه تبرئة ساحة معاوية من جريمة اغتيال أمير المؤمنين؟

يميل بعض المؤرخين المعاصرين إلي تأييد الفرضية ، وينكرون أساساً دور الخوارج فى عملية الاغتيال هذه .

أشار الدكتور شهيدى إلي هذا الافتراض قائلاً : "لا اُريد القول كما قال المؤرّخ الأباضى المعاصر الشيخ سليمان يوسف بن داود بأنّ الخوارج كانوا أنصار الإمام علىٍّ  ¼ ولم يشتركوا فى قتله ، وأنّ قبيلة بنى مراد التى ينتمى إليها ابن ملجم لم تكن من الخوارج ، وأنّ قصة ابن ملجم ورفيقيه من تلفيق جلاوزة معاوية لإخفاء الحقيقة عن الناس . وقد عرضت بعض الانتقادات علي كتابه هذا فى لقاء جمع بيننا فى الجزيرة ، وكتبتها له فى رسالة أيضاً . ولكن لو أنّ أحداً قال

 ٢٢١ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام / بحث حول المتآمرين لاغتيال الإمام عليّ

بأنّ مؤامرة شهادة الإمام علىٍّ  ¼ ليست بالشكل الذى شاع علي الألسن ، فإننى لا أستبعد صحّة قوله"(١) .

وبعد نقده لبعض النصوص المتعلّقة بدور قطام فى مؤامرة الاغتيال هذه كتب ما يلى : "مجموع هذه التناقضات يؤيد كون هذه القصّة ملفّقة . ويبدو أنّ قصّة قطام قد ابتدعت ورُبطت بقصّة أولئك الثلاثة لكى تتقبلها الأذهان أكثر"(٢) .

يبدو أنّ علي الباحث الذى يريد الاقتراب من الحقيقة عند تتبّع واقعة قتل الإمام ومعرفة مسبّبيها أن يبحث فى دور الخوارج ومعاوية وقطام فى قتل الإمام كلاًّ علي حدة :

١ ـ دور الخوارج

دور الخوارج فى مؤامرة قتل الإمام علىٍّ  ¼ من مسلّمات التاريخ الإسلامى ولا يمكن إنكارها . وقد أذعن الخوارج أنفسهم لهذه الحقيقة . فقد نظم عمران بن حطان قصيدة فى الثناء علي عمل ابن ملجم جاء فيها :

يا ضربة من تقىٍّ ما أراد بهاإلاّ ليبلغ من ذى العرش رضوانا
إنّى لأذكره حيناً فأحسبهأوفي البريّة عند الله ميزانا(٣)

وقال ابن أبى ميّاس المرادى

ونحن ضربنا يا لك الخيرُ حيدراًأبا حسن مأمومة فتفطّرا
ونحن خلعنا ملكه من نظامِهبضربة سيف إذ علا وتجبّرا

(١) علي از زبان علي "علىّ عن لسان علىّ" : ١٦٠.
(٢) علي از زبان علي "علىّ عن لسان علىّ" : ١٦٢.
(٣) شرح نهج البلاغة : ٥/٩٣ .

 ٢٢٢ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام / بحث حول المتآمرين لاغتيال الإمام عليّ

ونحن كرام فى الصباح أعزّةٌإذا الموت بالموت ارتدي وتأزّرا(١)

لا شكّ فى أنّ مثل هذه المسألة لو كانت من اختلاق قُصّاص معاوية لما بقى هذا الموضوع التاريخى المهمّ خافياً عن أذهان المؤرّخين والمحدّثين . ويمكن فهم مدي دورهم فى هذه المؤامرة من خلال معرفة هل هم تصرّفوا فيها علي نحو مستقلّ أم كانوا فى عملهم القذر هذا أداة بيد معاوية أو جلاوزته؟ وكذلك من خلال النظر إلي كيفيّة تنفيذ المؤامرة . وهذه المسائل تتطلّب التأمّل والتمعّن .

٢ ـ دور معاوية

لا يوجد من الناحية التاريخيّة سند يمكن أن يعزو بوضوح مؤامرة قتل الإمام إلي معاوية . ولكن توجد ثمّة قرائن لا يمكن للباحث أن ينكر فى ضوئها دور معاوية فى هذه الواقعة .

لا شكّ فى أنّ معاوية كان بصدد قتل الإمام ; وذلك لأنّه كان يعلم جيّداً بأنّه لن يصل إلي الخلافة طالما بقى علىّ  ¼ حيّاً ، هذا من جهة ، ومن جهة اُخري فإنّ قتل الإمام فى ساحة المعركة لم يكن أمراً ميسوراً ، بل إنّ تجربة وقعة صفّين أثبتت لو أنّ هذه الحرب تكرّرت مرّةً اُخري لانتهت قطعاً بهزيمة معاوية والقضاء عليه . وعلي هذا فإنّ أفضل السبل لإزاحة الإمام عن الطريق هو اغتياله ، وهو عمل سبق له أن جرّبه مع مالك الأشتر الذى يعتبر من أفضل العناصر التى وقفت إلي جانب الإمام .

وكان أنجح اُسلوب لتنفيذ الخطّة هو تنفيذها علي يد أنصار سابقين للإمام ; أى علي يد بقايا الخوارج الذين دخلوا مؤخّراً فى صراع مع الإمام ، وكانوا


(١) تاريخ الطبرى : ٥/١٥٠ .

 ٢٢٣ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام / بحث حول المتآمرين لاغتيال الإمام عليّ

يفكّرون بالانتقام لقتلاهم . وتوفّرت لديهم الدواعى الكافية للإقدام علي هذا العمل الخطير والخبيث ، هذا فضلاً عن عدم إمكانية تتبّع المؤامرة والوصول الي الفاعل الأصلى ، ولعلّ هذا هو السبب الذى أدّي إلي عدم وجود أى سند تاريخى يثبت ارتباط هذه القضية بمعاوية . ومن الطبيعى أنّ أمثال هذه القرارات السرّية من قبل الحكومات ليست مما يمكن للمؤرخين الاطّلاع عليه وتثبيته فى كتبهم .

إحدي القرائن الاُخري الجديرة بالتأمّل فى هذا السياق هو دور الأشعث فى هذه الواقعة ; فهو لم يكن مؤيّداً للإمام من كلّ قلبه ، بل إنّه هدّد الإمام بالقتل ، ووصفه الإمام علانية بالنفاق ، ولكن بما أنّه كان رئيساً لقبيلة كندة ، فإنّ الإمام كان ينتهج معه اُسلوب المداراة ; لأنّ إبعاده عن الإمام كان يخلق له مشكلة مع تلك القبيلة الكبيرة ويمنعها من الوقوف إلي جانبه .

إنّ دور الأشعث فى فرض التحكيم علي الإمام ، واختيار أبى موسي للتحكيم وما تبع ذلك من وقائع ، ينمّ عن علاقاته الخفية بمعاوية . وعلي هذا الأساس فإنّ علمه المسبق بعملية الاغتيال قبل وقوعها ، وعلاقة ابن ملجم به قبل تنفيذ العملية يعدّ مؤشّراً علي وجود يد لدمشق فى تلك الحادثة .

نقل ابن أبى الدنيا عن اُستاذه عبد الغفّار أنّه قال : "سمعت غير واحد يذكر أنّ ابن ملجم بات عند الأشعث بن قيس ، فلمّا أسحر جعل يقول له : أصبحت" .

ونقل الكثير من المؤرّخين أنّ ابن ملجم عندما مرّ بالأشعث عند المسجد قبل الإقدام علي عملية الاغتيال ، قال له : "النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح" . ولما سمع حُجر بن عدى مقالته عرف مقصوده ، فقال له : "قتلته يا أعور" ، وخرج من المسجد من ساعته ليبلغ الإمام بالقضية ، ولكنّ الإمام كان قد دخل من باب آخر ، وعندما وصل حجر ، كان الرجل قد ضرب الإمام!

 ٢٢٤ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام / بحث حول المتآمرين لاغتيال الإمام عليّ

يمكن لهذه القرائن أن تؤيّد تدخّل دمشق فى اغتيال الإمام ، ولكن لا بمعني نفى أى دور للخوارج فى ذلك الاغتيال ، ولكن يعنى أنّهم اُقدموا علي هذا العمل تحت تأثير مكائد معاوية ولو عن طريق وسطاء ، مثلما يسرى هذا الاحتمال علي قضية فرض التحكيم علي الإمام .

الشبهة الوحيدة التى يمكنها الطعن بهذا الرأى هى أنّه لو كانت لمعاوية يد فى اغتيال الإمام لما انعكست هذه الخطّة عليه وعلي رفيقه المقرّب عمرو بن العاص .

ويمكن الإجابة عن هذه الشبهة بالقول :

أولاً : يحتمل أنّ الضربة التى أصابت ألية معاوية ، كانت ـ مثل قتل شخص آخر بدلاً من عمرو بن العاص ـ لعبة سياسية لكى يواجه الحاكم الجديد مشاكل أقلّ مع الناس .

ثانياً : فى المؤامرات غير المباشرة التى تحوكها وتنفّذها العناصر المعارضة ، كثيراً ما تطال نيران تلك المؤامرات المخطّطين الأصليّين وخاصة فى ذلك العصر الذى كانت تنعدم فيه وسائل الاتصال السريع .

٣ ـ دور قطام

ذهب المؤرخون إلي الإفراط والتفريط فيما يخصّ دور قطام فى مقتل أمير المؤمنين . فالبعض جعل لها فى هذه الحادثة دوراً أساسياً ، ولعلّ أول مؤرّخ بالغ فى تضخيم دور قطام فى مؤامرة القتل ، هو ابن أعثم . ونقل كتاب بحار الأنوار عن كتاب مجهول هذه القصّة علي صورة رواية غرامية . وعندما وقعت هذه القصة بيد القاص المسيحى جرجى زيدان ، جعل لها أغصاناً وفروعاً كثيرة . وفى مقابل ذلك شكّك مؤرخون معاصرون من خلال عرضهم لبعض

 ٢٢٥ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الثالث : التآمر فى اغتيال الإمام / بحث حول المتآمرين لاغتيال الإمام عليّ

إلاشكالات والتناقضات الموجودة فى هذه القصّة ، فى أصل وجود مثل هذه القضية فى قتل الإمام  ¼ .

ويبدو أنّ أصل وجود قطام ودورها فى مؤامرة اغتيال الإمام شىء لا يمكن إنكاره . بيد أنّ الحكايات التى جاءت بهذا الخصوص فى فتوح ابن أعثم وفى بحار الأنوار ، وفى كتاب جرجى زيدان لا واقع لها .

تتفق مصادر قديمة كالطبقات الكبري (م٢٣٠) ، الإمامة والسياسة (م٢٧٦) ، أنساب الإشراف (م٢٧٩) ، الأخبار الطوال (م٢٨٢) والكامل للمبرد (م٢٨٥) ، مقاتل الطالبيّين (م ٣٥٦) علي دور امرأة اسمها قطام قُتل أبوها وأخوها ـ وفى بعض النصوص عمّها ـ فى معركة النهروان ، ممّا جعلها تحقد علي الإمام وتشارك فى مؤامرة اغتياله ، وكانت علي صلة بابن ملجم . وعلي هذا لا يمكن إنكار أصل القصّة بهذه البساطة . ولكن يمكن التشكيك فى كيفيّتها . وأما ما جاء منها علي شكل رواية ابن اعثم أو كتاب مجهول نقل عنه بحار الأنوار ، فهو باطل قطعاً . وربما يمكن القول بأنّ أقرب النصوص إلي الواقع هو النصّ الذى جاء فى كتابى أنساب الأشراف والإمامة والسياسة الذى جاء فيه :

"قدم ابن ملجم الكوفة وكتم أمره، وتزوّج امرأة يقال لها : قطام بنت علقمة ، وكانت خارجيّة ، وكان علىّ قد قتل أخاها فى حرب الخوارج ، وتزوّجها علي أن يقتل عليّاً فأقام عندها مدّة ، فقالت له فى بعض الأيّام وهو مختف : لطالما أحببت المكث عند أهلك وأضربت عن الأمر الذى جئت بسببه ، فقال : إنّ لى وقتاً واعدت فيه أصحابى ولن اُجاوزه"(١).


(١) الإمامة والسياسة: ١ / ١٨٠ ، أنساب الأشراف: ٣ / ٢٥٣ نحوه .