الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد السابع

 

 

 ٢٢٧ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام

 

٤ / ١

ليلة التاسع عشر

٢٩٢٠ ـ الإرشاد عن عثمان بن المغيرة: لمّا دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين  ¼ يتعشّي ليلة عند الحسن وليلةً عند الحسين وليلةً عند عبد الله بن جعفر ، وكان لا يزيد علي ثلاث لقم ، فقيل له فى ليلة من تلك الليالى فى ذلك ، فقال : يأتينى أمر الله وأنا خميص(١) ، إنّما هى ليلة أو ليلتان . فاُصيب  ¼ فى آخر الليل(٢) .


(١) رجل خَمِيص : إذا كان ضامِر البطن (النهاية : ٢ / ٨٠) .
(٢) الإرشاد : ١ / ١٤ وص ٣٢٠ ، كشف الغمّة : ٢ / ٦٠ وفيهما "ابن عبّاس" بدل "عبد الله بن جعفر" ، الخرائج والجرائح : ١ / ٢٠١ / ٤١ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٧١ ، إعلام الوري : ١ / ٣٠٩ ; الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٤ وفيه "أبى جعفر" بدل "عبد الله بن جعفر" ، اُسد الغابة : ٤ / ١١١ / ٣٧٨٩ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٥٥ وفيه "ابن عبّاس" بدل "عبد الله بن جعفر" . والأصحّ "عبد الله بن جعفر" لأنّه زوج زينب بنت الإمام علىّ  ¼ كما أشار إليه فى المناقب لابن شهر آشوب وإعلام الوري .

 ٢٢٨ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / ليلة التاسع عشر

٢٩٢١ ـ الإرشاد عن اُمّ موسي ـ خادمة علىّ  ¼ وهى حاضنة فاطمة ابنته ـ : سمعت عليّاً  ¼ يقول لابنته اُمّ كلثوم : يا بنيّة ، إنّى أرانى قلّ ما أصحبكم .

قالت : وكيف ذلك ، يا أبتاه ؟

قال : إنّى رأيت نبىّ الله  ½ فى منامى وهو يمسح الغبار عن وجهى ويقول : يا علىّ ، لا عليك ، قد قضيت ما عليك .

قالت : فما مكثنا إلاّ ثلاثاً حتي ضُرب تلك الضربة ، فصاحت اُمّ كلثوم فقال : يا بنيّة لا تفعلى ، فإنّى أري رسول الله  ½ يشير إلىّ بكفّه : يا علىّ ، هلمّ إلينا ، فإنّ ما عندنا هو خير لك(١) .

٢٩٢٢ ـ الإمام الحسن  ¼ : أتيته [عليّاً  ¼ ] سحراً فجلست إليه فقال : إنّى بتّ الليلة أوقظ أهلى ، فملكتنى عيناى وأنا جالس فسنح لى رسول الله فقلت : يا رسول الله ، ما لقيت من اُمّتك من الأود(٢) واللدد(٣) ؟

فقال لى : ادعُ الله عليهم ، فقلت : اللهمّ أبدلنى بهم خيراً لى منهم وأبدلهم شرّاً لهم منّى(٤) .


(١) الإرشاد : ١ / ١٥ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١١ ، روضة الواعظين : ١٥١ ; المناقب للخوارزمى : ٣٨٧ / ٤٠٢ وفيه إلي "قضيت ما عليك" .
(٢) الأود : المجهود والمشقّة (لسان العرب : ٣ / ٧٤) .
(٣) اللدد : الخصومة الشديدة (لسان العرب : ٣ / ٣٩١) .
(٤) الطبقات الكبري : ٣ / ٣٦ ، اُسد الغابة : ٤ / ١١٣ / ٣٧٨٩ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٥٩ كلاهما عن محمّد بن سعد ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٥٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٤ ، مقاتل الطالبيّين : ٥٣ عن أبى عبد الرحمن السلمى ، الإمامة والسياسة : ١/١٨٠ والأربعة الأخيرة نحوه; نهج البلاغة : الخطبة ٧٠.

 ٢٢٩ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / ليلة التاسع عشر

٢٩٢٣ ـ الإمام الحسين  ¼ : قال لى علىّ : سنح لى الليلة رسول الله  ½ فى منامى ، فقلت : يا رسول الله ، ما لقيت من اُمّتك من الأود واللدد ؟

قال : ادعُ عليهم . قلت : اللهمّ أبدلنى بهم من هو خير لى منهم ، وأبدلهم بى من هو شرّ منّى . فخرج ، فضربه الرجل(١) .

٢٩٢٤ ـ مسند أبى يعلي عن أبى صالح عن الإمام علىّ  ¼ : رأيت النبىّ  ½ فى منامى فشكوت إليه ما لقيت من اُمّته ، من الأود واللدد ، فبكيت فقال لى : لا تبكِ يا علىّ ، والتفت ، فالتفتّ فإذا رجلان يتصعّدان ، وإذا جلاميد يُرضخ بها رؤوسهما حتي تُفضخ(٢) ، ثمّ يرجع ـ أو قال : يعود ـ .

قال : فغدوت إلي علىّ كما كنت أغدو عليه كلّ يوم ، حتي إذا كنت فى الخرازين لقيت الناس فقالوا : قتل أمير المؤمنين(٣) .

٢٩٢٥ ـ الإرشاد عن الحسن البصرى : سهر أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ فى الليلة التى قُتل فى صبيحتها ، ولم يخرج إلي المسجد لصلاة الليل علي عادته ، فقالت له ابنته اُمّ كلثوم ـ رحمة الله عليها ـ : ما هذا الذى قد أسهرك ؟ فقال : إنّى مقتول لو قد أصبحت .

وأتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة ، فمشي غير بعيد ثمّ رجع ، فقالت له ابنته


(١) اُسد الغابة : ٤ / ١١٢ / ٣٧٨٩ عن أبى عبد الرحمن السلمى وفى آخره "كذا فى هذه الرواية : الحسين بن علىّ ، وإنّما هو الحسن" .
(٢) فضخ رأسه : شدخه (لسان العرب : ٣ / ٤٥) .
(٣) مسند أبى يعلي : ١ / ٢٦٩ / ٥١٦ ; الإرشاد : ١ / ١٥ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١١ ، الخرائج والجرائح : ١ / ٢٣٣ / ٧٨ وفيهما إلي "رؤوسهما" ، إعلام الوري : ١ / ٣١٠ نحوه وفيها "مصفّدان" بدل "يتصعّدان" .

 ٢٣٠ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / ليلة التاسع عشر

اُمّ كلثوم : مر جعدة فليصلّ بالناس . قال : نعم ، مروا جعدة فليصلّ . ثمّ قال : لا مفرّ من الأجل ، فخرج إلي المسجد(١) .

٢٩٢٦ ـ الإرشاد : روى أنّ أمير المؤمنين  ¼ سهر تلك الليلة ، فأكثر الخروج والنظر فى السماء وهو يقول : والله ما كذبتُ ولا كذِّبتُ ، وإنّها الليلة التى وُعِدتُ بها ، ثمّ يعاود مضجعه ، فلمّا طلع الفجر شدّ إزاره وخرج وهو يقول :

اُشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لا قيك
ولا تجزع من الموتإذا حلّ بواديك

فلمّا خرج إلي صحن الدار استقبلته الإوَزُّ فصحن فى وجهه ، فجعلوا يطردونهنّ فقال : "دعوهنّ فإنّهنّ نوائح" ، ثمّ خرج فاُصيب  ¼ (٢) .

٢٩٢٧ ـ فضائل الصحابة عن الحسن بن كثير عن أبيه : خرج علىّ إلي الفجر فأقبلن الوزّ يصِحنَ فى وجهه فطردوهنّ عنه . فقال : ذروهنّ فإنّهن نوائح . فضربه ابن ملجم(٣) .


(١) الإرشاد : ١ / ١٦ ، خصائص الأئمّة (ع) : ٦٣ نحوه ، روضة الواعظين : ١٥١ ، إعلام الوري : ١ / ٣١٠ ، شرح الأخبار : ٢ / ٤٣٠ / ٧٨٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١٠ كلاهما نحوه .
(٢) الإرشاد : ١ / ١٦ ، خصائص الأئمّة (ع) : ٦٣ نحوه ، روضة الواعظين : ١٥١ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١٠ ، إعلام الوري : ١ / ٣١١ وفيها "دعوهنّ فإنّهنّ صوائح تتبعها نوائح" ; مروج الذهب : ٢ / ٤٢٥ نحوه .
(٣) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٥٦٠ / ٩٤٤ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٥٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٤ ، اُسد الغابة : ٤ / ١١٢ / ٣٧٨٩ ، الفتوح : ٤ / ٢٧٧ ، البداية والنهاية : ٨ / ١٣ نحوه ; الإرشاد : ١ / ١٧ ، روضة الواعظين : ١٥١ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١٠ نحوه ، إعلام الوري : ١ / ٣١١ وفى الثلاثة الأخيرة "فإنّهنّ صوائح تتبعها نوائح" ، الخرائج والجرائح : ١ / ٢٠١ / ٤١ نحوه وراجع تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢١٢ .

 ٢٣١ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / ليلة التاسع عشر

٢٩٢٨ ـ أنساب الأشراف عن الحسن بن بزيع : إنّ عليّاً خرج الليلة التى ضرب فى صبيحتها فى السحر وهو يقول :

اُشدد حيازيمك للموتفإن الموت لاقيكَ
ولا تجزع من الموتإذا حلّ بواديكَ(١)

٢٩٢٩ ـ مروج الذهب : كان [ علىّ  ¼ ] يكثر من ذكر هذين البيتين :

اُشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت إذا حلّ بواديكا

وسُمعا منه فى الوقت الذى قتل فيه ، فإنّه قد خرج إلي المسجد ، وقد عسر عليه فتح باب داره ، وكان من جذوع النخل ، فاقتلعه وجعله ناحية ، وانحلّ إزاره ، فشدّه وجعل ينشد هذين البيتين المتقدّمين(٢) .

٢٩٣٠ ـ الفتوح : جاء علىّ  § إلي باب دار مفتحة ليخرج ، فتعلّق الباب بمئزره فحلّ مئزره وهو يقول :

اُشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت فقد حلّ بواديكا
فقد أعرف أقواماً وإن كانوا صعاليكا
مصاريع إلي النجدة وللغىّ متاريكا(٣)

(١) أنساب الأشراف : ٣ / ٢٥٩ ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٦ / ١٧٥ / ٢٨ عن هانئ ، الكامل للمبرّد : ٣ / ١١٢١ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٨٣ ; خصائص الأئمّة (ع) : ٦٣ ، إعلام الوري : ١ / ٣١١ .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٤٢٩ .
(٣) الفتوح : ٤ / ٢٧٧ ; الديوان المنسوب إلي الإمام علىّ  ¼ : ٤٠٠ / ٣١٧ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١٠ كلاهما نحوه .

 ٢٣٢ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / ليلة التاسع عشر

٢٩٣١ ـ بحار الأنوار عن اُمّ كلثوم بنت علىّ  ¼ : لمّا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدّمت إليه عند إفطاره طبقاً فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش ، فلمّا فرغ من صلاته أقبل علي فطوره ، فلمّا نظر إليه وتأمّله حرّك رأسه وبكي بكاءً شديداً عالياً ، وقال : يا بنيّة ما ظننتُ أنّ بنتاً تسوء أباها كما قد أسأت أنت إلىّ . قالت : وما ذا يا أباه ؟

قال : يا بنيّة أ تقدّمين إلي أبيك إدامين فى فرد طبق واحد ؟ أ تريدين أن يطول وقوفى غداً بين يدى الله عزّ وجلّ يوم القيامة ؟ ! أنا اُريد أن أتّبع أخى وابن عمّى رسول الله  ½ ، ما قدّم إليه إدامان فى طبق واحد إلي أن قبضه الله ، يا بنية ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلاّ طال وقوفه بين يدى الله عزّ وجلّ يوم القيامة ، يا بنيّة إنّ الدنيا فى حلالها حساب وفى حرامها عقاب . . . يا بنية والله لا آكل شيئاً حتي ترفعين أحد الإدامين ، فلمّا رفعته تقدّم إلي الطعام فأكل قرصاً واحداً بالملح الجريش ، ثمّ حمد الله وأثني عليه ، ثمّ قام إلي صلاته فصلّي ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرّعاً إلي الله سبحانه ، ويكثر الدخول والخروج وهو ينظر إلي السماء وهو قلق يتململ . . . .

قالت : ولم يزل تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ، ثمّ يخرج ساعة بعد ساعة يقلب طرفه فى السماء وينظر فى الكواكب وهو يقول : والله ما كذبت ولا كذِّبت ، وإنها الليلة التى وعدت بها ، ثمّ يعود إلي مصلاه ويقول : اللهمّ بارك لى فى الموت ، ويكثر من قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلىّ العظيم ويصلّى علي النبىّ وآله ، ويستغفر الله كثيراً .

قالت : فلمّا رأيته فى تلك الليلة قلقاً متململاً كثير الذكر والاستغفار أرقت معه ليلتى وقلت : يا أبتاه ما لى أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد ؟ قال : يا بنية إنّ

 ٢٣٣ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / ليلة التاسع عشر

أباك قتل الأبطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوف(١) ، وما دخل فى قلبى رعب أكثر مما دخل فى هذه الليلة ، ثمّ قال : إنا لله وإنا إليه راجعون . فقلت : يا أباه مالك تنعي نفسك منذ الليلة ؟ قال : يا بنية قد قرب الأجل وانقطع الأمل . قالت اُمّ كلثوم : فبكيت فقال لى : يا بنيّة لا تبكين فإنّى لم أقل ذلك إلاّ بما عهد إلىّ النبىّ  ½ .

ثمّ إنّه نعس وطوي ساعة ، ثمّ استيقظ من نومه وقال : يا بنيّة إذا قرب وقت الأذان فأعلمينى . ثمّ رجع إلي ما كان عليه أوّل الليل من الصلاة والدعاء والتضرّع إلي الله سبحانه وتعالي .

قالت اُمّ كلثوم : فجعلت أرقب وقت الأذان ، فلمّا لاح الوقت أتيته ومعى إناء فيه ماء ، ثمّ أيقظته ، فأسبغ الوضوء وقام ولبس ثيابه وفتح بابه ، ثمّ نزل إلي الدار وكان فى الدار إوز قد اُهدى إلي أخى الحسين  ¼ ، فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن فى وجهه ، وكان قبل تلك الليلة لم يصحن . فقال  ¼ : لا إله إلاّ الله صوارخ تتبعها نوائح ، وفى غداة غد يظهر القضاء . فقلت له : يا أباه هكذا تتطيّر ؟

فقال : يا بنيّة ما منّا أهل البيت من يتطيّر ولا يتطيّر به ، ولكن قول جري علي لسانى ، ثمّ قال : يا بنيّة بحقّى عليك إلاّ ما أطلقتيه ، فقد حبست ما ليس له لسان ولا يقدر علي الكلام إذا جاع أو عطش ، فأطعميه وأسقيه وإلاّ خلّى سبيله يأكل من حشائش الأرض(٢) .


(١) كذا فى المصدر ، والصحيح : "و ما دخل الخوفُ له جوفاً" ، أو "و ما دخل الجوفَ له خوفٌ" .
(٢) بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٧٦ ، قال العلاّمة المجلسى فى أوّل هذا النقل : "رأينا فى بعض الكتب القديمة رواية فى كيفيّة شهادته  ¼ ; أوردنا منه شيئاً ممّا يناسب كتابنا هذا علي وجه الاختصار" وهو نقل طويل ، أخذنا منه قبسات متفرّقة فى بيان شهادة مولانا أمير المؤمنين  ¼ .

 ٢٣٤ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / ليلة التاسع عشر

٢٩٣٢ ـ تنبيه الخواطر عن إسماعيل بن عبد الله الصلعى : لما كثر الاختلاف بين أصحاب رسول الله  ½ وقتل عثمان بن عفان تخوفت علي نفسى الفتنة ، فاعتزمت علي اعتزال الناس ، فتنحيت إلي ساحل البحر فأقمت فيه حيناً لا أدرى ما فيه الناس معتزلا لأهل الهجر والأرجاف ، فخرجت من بيتى لبعض حوائجى وقد هدأ الليل ونام الناس ، فإذا أنا برجل علي ساحل البحر يناجى ربّه ويتضرّع إليه بصوت شجىّ وقلب حزين ، فنضت(١) إليه وأصغيت إليه من حيث لا يرانى ، فسمعته يقول :

يا حسن الصحبة ، يا خليفة النبيّين ، يا أرحم الراحمين ، البدئ البديع ليس مثلك شىء ، والدائم غير الغافل ، والحىّ الذى لا يموت ، أنت كل يوم فى شأن ، أنت خليفة محمّد وناصر محمّد ومفضل محمّد ، أنت الذى أسألك أن تنصر وصى محمّد وخليفة محمّد والقائم بالقسط بعد محمّد ، اعطف عليه بنصر أو توفاه برحمة .

قال : ثمّ رفع رأسه وقعد مقدار التشهد ، ثمّ إنّه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه ، ثمّ مضي فمشي علي الماء ، فناديته من خلفه : كلّمنى يرحمك الله ، فلم يلتفت وقال : الهادى خلفك فاسأله عن أمر دينك . فقلت : من هو يرحمك الله ؟

فقال : وصى محمّد من بعده ، فخرجت متوجهاً إلي الكوفة فأمسيت دونها ، فبتّ قريباً من الحيرة ، فلما أجنّنى الليل إذا أنا برجل قد أقبل حتي استتر برابية ، ثمّ صفّ قدميه فأطال المناجاة ، وكان فيما قال :

اللهمّ إنّى سرت فيهم ما أمرنى رسولك وصفيّك فظلمونى ، فقتلتُ المنافقين كما أمرتنى فجهلونى . وقد مللتّهم وملّونى وأبغضتُهم وأبغضونى ، ولم تبق خلّة


(١) كذا فى المصدر ولعلّه تصحيف : "أنصتُّ" .

 ٢٣٥ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / فجر التاسع عشر

أنتظرها إلاّ المرادى ، اللهمّ فعجّل له الشقاوة وتغمّدنى بالسعادة ، اللهمّ قد وعدنى نبيّك أن تتوفّانى إليك إذا سألتك ، اللهمّ وقد رغبتُ إليك فى ذلك ، ثمّ مضي ، فقفوته فدخل منزله ، فإذا هو علىّ بن أبى طالب  ¼ .

قال : فلم ألبث إذ نادي المنادى بالصلاة ، فخرج واتّبعته حتي دخل المسجد فعمّمه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ بالسيف(١) .

٤ / ٢

فجر التاسع عشر

٢٩٣٣ ـ الإمام الحسن  ¼ : دخل ابن النباح [المؤذّن] عليه [علىّ  ¼ ] فقال : الصلاة . فأخذت بيده ، فقام ومشي ابن النباح بين يديه ومشيت خلفه ، فلمّا خرج من الباب نادي : أيّها الناس الصلاة ، الصلاة ـ وكذلك كان يصنع فى كلّ يوم ، ويخرج ومعه درّته يوقظ الناس ـ فاعترضه الرجلان ، فرأيت بَريق السيف وسمعت قائلاً يقول : الحكم يا علىّ لله لا لك . ثمّ رأيت سيفاً ثانياً ; فأمّا سيف ابن ملجم فأصاب جبهته إلي قرنه ووصل إلي دماغه ، وأمّا سيف ابن بجرة فوقع فى الطاق . وقال علىّ : لا يفوتنّكم الرجل(٢) .

٢٩٣٤ ـ الإرشاد : كان حجر بن عدى فى تلك الليلة بائتاً فى المسجد ، فسمع الأشعث يقول لابن ملجم : النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحَك الصبح ، فأحسّ حجر بما أراد الأشعث ، فقال له : قتلته يا أعور . وخرج مبادراً ليمضى إلي أمير المؤمنين  ¼ فيخبره الخبر ويحذّره من القوم ، وخالفه أمير المؤمنين  ¼


(١) تنبيه الخواطر : ٢ / ٢ ، بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٥٢ / ٥٤ .
(٢) أنساب الأشراف : ٣ / ٢٥٥ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٣٦ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٥٩ ، اُسد الغابة : ٤ / ١١٣ / ٣٧٨٩ وفيه "ابن التيّاح" .

 ٢٣٦ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / فجر التاسع عشر

فدخل المسجد ، فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف ، وأقبل حجر والناس يقولون : قُتل أمير المؤمنين . قُتل أمير المؤمنين(١) .

٢٩٣٥ ـ مروج الذهب : كان علىّ يخرج كلّ غداة أوّل الأذان يوقظ الناس للصلاة ، وقد كان ابن ملجم مرّ بالأشعث وهو فى المسجد ، فقال له : فضحك الصبح ، فسمعها حِجر بن عدى ، فقال : قتلته يا أعور قتلك الله . وخرج علىّ   ¢ ينادى : أيّها الناس ، الصلاة .

فشدّ عليه ابن ملجم وأصحابه وهم يقولون : الحكم لله ، لا لك ، وضربه ابن ملجم علي رأسه بالسيف فى قرنه ، وأمّا شبيب فوقعت ضربته بعضادة الباب ، وأمّا مجاشع بن وردان فهرب ، وقال علىّ : لا يفوتنّكم الرجل .

وشدّ الناس علي ابن ملجم يرمونه بالحصباء ، ويتناولونه ويصيحون ، فضرب ساقه رجل من همدان برجله ، وضرب المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب وجهه فصرعه ، وأقبل به إلي الحسن(٢) .

٢٩٣٦ ـ تاريخ اليعقوبى : وضربه [ابن ملجم] علي رأسه ، فسقط وصاح : خذوه ، فابتدره الناس ، فجعل لا يقرب منه أحد إلاّ نفحه بسيفه ، فبادر إليه قثم بن العبّاس ، فاحتمله وضرب به الأرض ، فصاح : يا علىّ ، نحّ عنّى كلبك ، وأتي به إلي علىّ ، فقال : ابن ملجم ؟ قال : نعم . فقال : يا حسن شأنك بخصمك ، فأشبع


(١) الإرشاد : ١ / ١٩ ، روضة الواعظين : ١٤٩ ، إعلام الوري : ١ / ٣٩٠ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١٢ نحوه .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٤٢٤ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٣٦ و٣٧ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٥٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٣٥ ، اُسد الغابة : ٤ / ١١٣ / ٣٧٨٩ عن محمّد بن سعد ، المناقب للخوارزمى : ٣٨٣ / ٤٠١ عن إسماعيل بن راشد وكلّها نحوه .

 ٢٣٧ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / فجر التاسع عشر

بطنه ، واشدد وثاقه ، فإن متّ فألحقه بى اُخاصمه عند ربّى ، وإن عشتُ فعفو أو قصاص(١) .

٢٩٣٧ ـ بحار الأنوار عن لوط بن يحيي عن أشياخه : فلمّا أحسّ الإمام بالضرب لم يتأوّه وصبر واحتسب ، ووقع علي وجهه وليس عنده أحد قائلاً : بسم الله وبالله وعلي ملّة رسول الله ، ثمّ صاح وقال : قتلنى ابن ملجم قتلنى اللعين ابن اليهوديّة وربِّ الكعبة ، أيّها الناس لا يفوتنّكم ابن ملجم . . . .

فلمّا سمع الناس الضجّة ثار إليه كلّ من كان فى المسجد ، وصاروا يدورون ولا يدرون أين يذهبون من شدّة الصدمة والدهشة، ثمّ أحاطوا بأمير المؤمنين  ¼ وهو يشدّ رأسه بمئزره ، والدم يجرى علي وجهه ولحيته ، وقد خضبت بدمائه وهو يقول : هذا ما وعد اللهُ ورسولُه وصدق اللهُ ورسولُه . . . .

فدخل الناس الجامع فوجدوا الحسن ورأس أبيه فى حجره ، وقد غسل الدم عنه وشدّ الضربة وهى بعدها تشخب دماً ، ووجهه قد زاد بياضاً بصفرة ، وهو يرمق السماء بطرفه ولسانه يسبّح الله ويوحّده ، وهو يقول : أسألك يا ربّ الرفيع الأعلي فأخذ الحسن  ¼ رأسه فى حجره فوجده مغشياً عليه ، فعندها بكي بكاءً شديداً وجعل يقبل وجه أبيه وما بين عينيه وموضع سجوده ، فسقط من دموعه قطرات علي وجه أمير المؤمنين  ¼ ، ففتح عينيه فرآه باكياً ، فقال له : يا بنى يا حسن ما هذا البكاء ؟ يا بنى لاروع علي أبيك بعد اليوم ، هذا جدّك محمّد المصطفي وخديجة وفاطمة والحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك ، فطب نفساً وقر عيناً ، واكفف عن البكاء فإنّ الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلي السماء ، يا بنى أ تجزع علي أبيك وغدا تقتل بعدى مسموماً مظلوماً ؟ ويقتل أخوك


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢١٢ .

 ٢٣٨ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / فجر التاسع عشر

بالسيف هكذا ، وتلحقان بجدّكما وأبيكما واُمّكما(١) .

٢٩٣٨ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد ابن الحنفيّة : كنتُ والله إنّى لاُصلّى تلك الليلة التى ضرب فيها علىّ فى المسجد الأعظم ، فى رجال كثير من أهل المصر ، يصلّون قريباً من السدّة ، ما هم إلاّ قيام وركوع وسجود ، وما يسأمون من أوّل الليل إلي آخره ، إذ خرج علىٌّ لصلاة الغداة ، فجعل ينادى : أيّها الناس ، الصلاة ، الصلاة ، فما أدرى أخرج من السدّة فتكلّم بهذه الكلمات أم لا ! فنظرتُ إلي بريق ، وسمعتُ : الحكم لله يا علىّ لا لك ولا لأصحابك ، فرأيت سيفاً ، ثمّ رأيت ثانياً ، ثمّ سمعت عليّاً يقول : لا يفوتنّكم الرجل . وشدّ الناس عليه من كلّ جانب .

قال : فلم أبرح حتي اُخذ ابن ملجم واُدخل علي علىّ ، فدخلتُ فيمن دخل من الناس ، فسمعتُ عليّاً يقول : النفس بالنفس ، إن أنا متُّ فاقتلوه كما قتلنى ، وإن بقيتُ رأيت فيه رأيى(٢) .

٢٩٣٩ ـ فضائل الصحابة عن الليث بن سعد : إنّ عبد الرحمن بن ملجم ضرب عليّاً فى صلاة الصبح علي دهس(٣) بسيف كان سمّه بالسمّ(٤) .

٢٩٤٠ ـ عمدة الطالب : خرج [علىّ  ¼ ] فلمّا دخل المسجد أقبل ينادى : الصلاة


(١) بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٨١ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٤٦ ، المعجم الكبير : ١ / ٩٩ / ١٦٨ ، تهذيب الآثار (مسند علىّ بن أبى طالب) : ٧٥ / ١٣٧ كلاهما عن محمّد بن حنيف ، المناقب للخوارزمى : ٣٨٣ / ٤٠١ ، مقاتل الطالبيّين : ٤٨ عن عبد الله بن محمّد الأزدى ; الإرشاد : ١ / ٢٠ عن محمّد بن عبد الله بن محمّد الأزدى وكلاهما نحوه ، كشف الغمّة : ٢ / ٥٦ .
(٣) الدَّهسُ : ما سُهل ولانَ من الأرض (النهاية : ٢ / ١٤٥) .
(٤) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٥٥٨ / ٩٤٠ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٥٧ ، الرياض النضرة : ٣ / ٢٣٦ وفيهما "دهش" بدل "دهس" .

 ٢٣٩ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / فجر التاسع عشر

الصلاة ، فشدّ عليه ابن ملجم ـ لعنة الله عليه ـ فضربه علي رأسه بالسيف ، فوقعت ضربته فى موضع الضربة التى ضربه إيّاها عمرو بن عبد ودّ يوم الخندق(١)

٢٩٤١ ـ الإمام زين العابدين  ¼ : لمّا ضرب ابن ملجم ـ لعنه الله ـ أمير المؤمنين علىّ ابن أبى طالب  ¼ ، وكان معه آخر فوقعتْ ضربتهُ علي الحائط ، وأمّا ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد علي رأسه علي الضربة التى كانت ، فخرج الحسن والحسين    ¤ وأخذا ابن ملجم وأوثقاه ، واحتمل أمير المؤمنين فاُدخل داره ، فقعدت لبابة عند رأسه وجلست اُمّ كلثوم عند رجليه ، ففتح عينيه فنظر إليهما فقال : الرفيق الأعلي خير مستقرّاً وأحسن مقيلاً ، ضربة بضربة أو العفو إن كان ذلك ، ثمّ عرق ، ثمّ أفاق فقال : رأيت رسول الله  ½ يأمرنى بالرواح إليه عشاءً ثلاث مرّات(٢) .

٢٩٤٢ ـ مقتل أمير المؤمنين عن عمران بن ميثم عن أبيه : إنّ عليّاً خرج إلي صلاة الصبح فكبّر فى الصلاة ثمّ قرأ من سورة الأنبياء إحدي عشرة آية ، ثمّ ضربه ابن ملجم من الصفّ علي قرنه(٣) .

٢٩٤٣ ـ مقتل أمير المؤمنين عن عمر بن عبد الرحمن بن نفيع بن جعدة بن هبيرة : إنّه لمّا ضرب ابن ملجم عليّاً  ¼ وهو فى الصلاة تأخّر فدفع فى ظهر جعدة بن هبيرة فصلّي بالناس(٤) .


(١) عمدة الطالب : ٦١ ، بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٨١ .
(٢) الأمالى للطوسى : ٣٦٥ / ٧٦٨ عن علىّ بن علىّ بن رزين بن عثمان عن الإمام الرضا عن آبائه (ع) ، بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٠٥ / ٩ .
(٣) مقتل أمير المؤمنين : ٣٠ / ٥ .
(٤) مقتل أمير المؤمنين : ٣٠ / ٦ .

 ٢٤٠ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / فزتُ وربِّ الكعبة

٢٩٤٤ ـ بحار الأنوار عن لوط بن يحيي عن أشياخه عن محمّد ابن الحنفيّة : إنّ أبى  ¼ قال : احملونى إلي موضع مصلاّى فى منزلى . قال : فحملناه إليه وهو مدنف والناس حوله ، وهم فى أمر عظيم باكين محزونين ، قد أشرفوا علي الهلاك من شدّة البكاء والنحيب(١) .

٤ / ٣

فزتُ وربِّ الكعبة

٢٩٤٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ لما ضربه ابن ملجم ـ : فزتُ وربّ الكعبة(٢) .

٢٩٤٦ ـ المنـاقب لابن شهر آشـوب عـن محمّد بـن عبـد الله الأزدى : أقبل أمير المؤمنين ينادى : الصلاة ، الصلاة ، فإذا هو مضروب ، وسمعتُ قائلاً يقول : الحكم لله يا علىّ لا لك ولا لأصحابك ، وسمعت عليّاً يقول : فزتُ وربِّ الكعبة ، ثمّ يقول : لا يفوتنّكم الرجل(٣) .

٢٩٤٧ ـ الإمامة والسياسة عن المدائنى : لمّا كان اليوم الذى تواعدوا فيه خرج عدوّ الله ، فقعد لعلىّ حين خرج علىّ لصلاة الصبح ، صبيحة نهار الجمعة ، ليلة عشر بقيت من رمضان سنة أربعين ، فلمّا خرج للصلاة وثب عليه وقال : الحكم لله لا لك يا علىّ ، وضربه علي قرنه بالسيف . فقال علىّ : فزتُ وربِّ الكعبة . ثمّ قال : لا يفوتنّكم الرجل . فشدّ الناس عليه ، فأخذوه(٤) .


(١) بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٨٨ .
(٢) خصائص الأئمّة (ع) : ٦٣ ; أنساب الأشراف : ٣ / ٢٥٩ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٦١ ، اُسد الغابة : ٤ / ١١٤ / ٣٧٨٩ كلاهما عن شيخ من قريش ، الكامل للمبرّد : ٣ / ١١١٨ .
(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣١٢ عن محمّد بن حنيف ; الاستيعاب : ٣ / ٢١٩ / ١٨٧٥ نحوه .
(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ١٨٠ .

 ٢٤١ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتل

يُستفاد من النصوص التاريخيّة والحديثيّة التى مرّ قسم منها بأنّ الإمام عليّاً  ¼ كان من غير شكّ علي علم بشهادته ، وكان يعلم بوقتها وأنّه كان يعرف قاتله أيضاً ، وحتي إنّ بعض خواصّه كانوا علي اطّلاع بهذا الأمر(١) .

ومن هنا فلا بدّ من التساؤل عن السبب الذى جعل الإمام يعرّض نفسه للقتل . أ لم يكن مكلّفاً بوقاية نفسه من القتل لكى تنتفع الاُمّة الإسلاميّة من بركات وجوده أكثر فأكثر؟ ألا يُعتبر ذهابه إلي المسجد فى الليلة التى يعلم بأنّه سيُقتل فيها ، إلقاءً للنفس فى التهلكة؟

وهذا التساؤل يثار أيضاً حول سائر الأئمة من أهل البيت (ع) ، وهو أنّهم إذا كانوا علي علم بشهادتهم ، لماذا لم يتوقّوها؟

مبادئ علم الإمام :

قبل الإجابة عن التساؤلات أعلاه ، ينبغى الإجابة عن سؤال آخر ، وهو من


(١) راجع الإرشاد : ١ / ٣٢٢ وشرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٩١ .

 ٢٤٢ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتل

أين يعلم الأئمّة الكيفيّة التى سيقتلون فيها؟

قدّمنا إجابة تفصيليّة عن هذا السؤال فى كتاب "أهل البيت فى الكتاب والسنّة" تحت عنوان "مبادئ علومهم" . أمّا الجواب الإجمالى عن هذا السؤال فهو أنّ مبادئ العلوم المتنوّعة الواسعة عند أهل البيت هى عبارة عن : تعاليم الرسول  ½ التى انتقلت عن طريق الإمام على  ¼ إلي سائر الأئمّة (ع) ، وكتب الأنبياء السابقين ، وكتاب الإمام علىّ  ¼ ، ومصحف فاطمة (ع) ، وكتاب الجفر ، وكتاب الجامعة ، والإلهام(١) .

واستناداً إلي النصوص التى أوردناها فى الفصل الرابع من ذلك القسم ، فإنّ أئمّة أهل البيت كانوا يكسبون معرفة ما يريدون معرفته بواسطة الطرق التى سبقت الإشارة اليها .

إجابات عن سبب تعريض الإمام نفسه للقتل :

عرضت إجابات مختلفة حول عدم توقّى الأئمّة لشهادتهم مع علمهم بوقوعها ، ويتلخّص أهم تلك الأسباب فيما يلى :

١ ـ عدم العلم التفصيلى

مع أنّ الأئمة كانوا علي معرفة إجماليّة بالكيفيّة التى سيُقتلون بها ، إلاّ أنّهم لم يكن لديهم علم تفصيلى بالموضوع ، حتي وإن كان سبب عدم العلم يعود إلي عدم إرادتهم لمعرفته .

بيد أنّ هذا الجواب يتنافي مع ظاهر الروايات الدالّة علي أنّ الأئمّة كان لديهم علم تفصيلى بوقائع شهاداتهم ، أو يمكن القول علي الأقلّ بأنّ هذا التوجيه غير


(١) راجع : كتاب "أهل البيت فى الكتاب والسنّة" / القسم الرابع / الفصل الثالث .

 ٢٤٣ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتل

مقبول فيما يخصّ شهادة الإمام علىّ  ¼ ولا سيما فى ضوء وجود كلّ هذه النصوص التاريخيّة والحديثيّة التى اطّلعنا علي بعض منها . ومن المثير للعجب أن يقول الشيخ المفيد : "فأمّا علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر علي التحصيل" .

٢ ـ عدم العلم أثناء وقوع التقدير الإلهى

ويفيد هذا المعني أنّ الأئمّة (ع) كانوا علي علم تفصيلى بخبر شهادتهم ، ولكن هذا العلم يُسلَب منهم وقت استشهادهم وفقاً للتقدير الإلهى القطعى .

جاءت رواية عن الإمام الرضا  ¼ يمكن أن تؤيّد فى أحد احتمالاتها صحّة هذا الجواب ، قال الحسن بن الجهم :

قُلتُ للإمام الرضا  ¼ : إنّ أمير المؤمنين  ¼ قد عرف قاتله والليلة التى يُقتل فيها والموضع الذى يُقتل فيه ، وقوله لمّا سمع صياح الإوزّ فى الدار : صوائح تتبعها نوائح ، وقول اُمّ كلثوم : لو صلّيت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلّى بالناس ! فأبي عليها ، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح ، وقد عرف  ¼ أنّ ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف ، كان هذا ممّا لم يجز تعرّضه! فقال : "ذلك كان ، ولكنه خيّر فى تلك الليلة لتمضى مقادير الله عزّ وجلّ"(١) .

لقد جاء فى بعض نسخ المصدر كلمة "حيّر" بدل "خيّر" ، وعلي هذا فإنّ قول الإمام يدلّ بكل وضوح بأنّه طرأت عليه فى تلك اللحظة حالة لم يبقَ معها عليه تكليف بدفع القتل عن نفسه ، لكى يجرى التقدير الإلهى .

٣ ـ الإمام مكلّف باختيار الشهادة

لا شكّ فى أنّ تقدير الشهادة للإمام يأتى علي أساس الحكمة الإلهيّة البالغة ،


(١) الكافى : ١ / ٢٥٩ / ٤ ، بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٤٦ / ٤٧ .

 ٢٤٤ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتل

ولها مصالح ملزمة يجب أن تتحقّق . ولهذا السبب يتعيّن علي الإمام أن لا يتوقّي منها ، وليس هذا فحسب ، بل ويجب عليه اختيار الشهادة رغم علمه الدقيق بكيفيّة استشهاده . وذلك لأنّ اختيار الشهادة مع العلم بوقتها وكيفيّتها يُعدُّ فضيلة لا يحتملها إلاّ القادة الربانيّون الكبار وخواصّ أصحابهم .

ومع أنّنى لم اُلاحظ أحداً عرض هذا الجواب ، ولكن يبدو أنّه أفضل ما يُمكن أن يُعلّل به عدم وقاية أئمّة أهل البيت أنفسهم من الشهادة ، مع علمهم بكيفيّتها ، وهو ممّا تؤيّده الأدلّة العقليّة والنقليّة(١) . ولغرض تقديم مزيد من المعلومات للباحثين ، نورد فيما يلى نصَّ جواب الشيخ المفيد ، والعلاّمة الطباطبائى :

جواب الشيخ المفيد

نقل العلاّمة المجلسى أنّ الشيخ المفيد سُئل فى المسائل العكبريّة : الإمام عندنا مجمع علي أنّه يعلم ما يكون ، فما بال أمير المؤمنين  ¼ خرج إلي المسجد وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان ؟ وما بال الحسين بن على    ¤ سار إلي الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنه مقتول فى سفرته تلك ؟ ولِمَ لمّا حُصروا وعرف أنّ الماء قد مُنع منه وأنّه إن حفر أذرعاً قريبة نبع الماء ، ولم يحفر وأعان علي نفسه حتي تلف عطشاً؟ والحسن  ¼ وادع معاوية وهادنه وهو يعلم أنّه ينكث ولا يفى ويقتل شيعة أبيه  ¼ .

فأجاب الشيخ رحمه الله عنها بقوله :

وأمّا الجواب عن قوله : "إنّ الإمام يعلم ما يكون" فإجماعنا أنّ الأمر علي خلاف ما قال ، وما أجمعت الشيعة علي هذا القول . وإنّما إجماعهم ثابت علي أنّ


(١) كما جاء فى الرواية السابقة قوله "لكنّه خيّر" ، وهذا المعني يؤيّد صحّة هذا الجواب .

 ٢٤٥ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتل

الإمام يعلم الحكم فى كلّ ما يكون دون أن يكون عالماً بأعيان ما يحدث ويكون علي التفصيل والتمييز . وهذا يسقط الأصل الذى بَني عليه الأسئلة بأجمعها . ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ويكون بإعلام الله تعالي له ذلك . فأمّا القول بأنه يعلم كلّ ما يكون فلسنا نطلقه ولا نصوّب قائله لدعواه فيه من غير حجّة ولا بيان .

والقول بأنّ أمير المؤمنين  ¼ كان يعلم قاتله والوقت الذى يُقتل فيه فقد جاء الخبر متظاهراً أنّه كان يعلم فى الجملة أنّه مقتول ، وجاء أيضاً بأنّه يعلم قاتله علي التفصيل . فأما علمه بوقت قتله فلم يأتِ عليه أثر علي التحصيل . ولو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون ، إذ كان لا يمتنع أن يتعبّده الله تعالي بالصبر علي الشهادة والاستسلام للقتل ، ليبلغه بذلك علوّ الدرجات ما لا يبلغه إلاّ به . ولعلمه بأنّه يطيعه فى ذلك طاعة لو كلّفها سواه لم يردها . ولا يكون بذلك أمير المؤمنين  ¼ ملقياً بيده إلي التهلكة ، ولا معيناً علي نفسه معونة تستقبح فى العقول .

وأ ما علم الحسين  ¼ بأنّ أهل الكوفة خاذلوه ، فلسنا نقطع علي ذلك ، إذ لا حجّة عليه من عقل ولا سمع ، ولو كان عالماً بذلك لكان الجواب عنه ما قدّمناه فى الجواب عن علم أمير المؤمنين  ¼ بوقت قتله ومعرفة قاتله كما ذكرناه .

وأمّا دعواه علينا أنّا نقول : إنّ الحسين  ¼ كان عالماً بموضع الماء قادراً عليه ، فلسنا نقول ذلك ، ولا جاء به خبر ، علي أنّ طلب الماء والاجتهاد فيه يقضى بخلاف ذلك ، ولو ثبت أنّه كان عالماً بموضع الماء لم يمتنع فى العقول أن يكون متعبداً بترك السعى فى طلب الماء من حيث كان ممنوعاً منه حسب ما ذكرناه فى أمير المؤمنين  ¼ ، غير أنّ ظاهر الحال بخلاف ذلك علي ما قدّمناه .

والكلام فى علم الحسن  ¼ بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ما تقدّم ، وقد جاء

 ٢٤٦ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتل

الخبر بعلمه بذلك ، وكان شاهد الحال له يقضى به ، غير أنّه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم أصحابه له إلي معاوية ، وكان فى ذلك لطف فى بقائه إلي حال مضيّه ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولده ، ودفع فساد فى الدين هو أعظم من الفساد الذى حصل عند هدنته ، وكان  ¼ أعلم بما صنع لما ذكرناه وبيّنا الوجوه فيه . انتهي كلامه .

أقول : وسأل السيّد مهنّا بن سنان العلاّمة الحلّى عن مثل ذلك فى أمير المؤمنين  ¼ فأجاب بأنّه يحتمل أن يكون  ¼ اُخبر بوقوع القتل فى تلك الليلة ، ولم يعلم فى أى وقت من تلك الليلة أو أى مكان يقتل ، وأنّ تكليفه  ¼ مغاير لتكليفنا ، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة فى ذات الله تعالي ، كما يجب علي المجاهد الثبات ، وإن كان ثباته يفضى إلي القتل(١) .

جواب العلاّمة الطباطبائى :

قال العلاّمة الطباطبائى فى هذا المجال :

الإمام  ¼ واقف بإذن الله علي حقائق عالم الوجود كيفما كانت ; سواء كانت محسوسة أم خارج دائرة الحسّ كالموجودات السماويّة والحوادث الماضية ووقائع المستقبل . والدليل علي هذا القول هو :

جاء فى الروايات المتواترة المنقولة فى الجوامع الحديثيّة الشيعيّة ككتاب الكافى ، والبصائر ، وكتب الصدوق ، وكتاب بحار الأنوار وغيرها مما لا يحصي ولا يُعدّ من الروايات بأنَّ الإمام  ¼ واقف بكلّ شىء لا عن طريق العلم الاكتسابى وإنّما بطريق الموهبة الإلهيّة ، وبإمكانه أن يعلم كلّ شىء بإذن الله من خلال أدني توجّه .


(١) بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٥٧ .

 ٢٤٧ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتل

النكتة التى ينبغى الالتفات إليها فى هذا المجال هى أنّ هذا العلم اللدنى الذى تثبته الأدلة العقليّة والنقليّة ، لا تخلّف فيه ولا تغيير ، ولا خطأ ، ويُسمّي بعلم ما هو مكتوب فى اللوح المحفوظ ، والعلم بما له صلة بالقضايا الإلهيّة الحتميّة .

وهذا المطلب يستلزم عدم وجود أىّ تكليف بمتعلّق هذا العلم من حيث كونه حتمى الوقوع ولا يرتبط به قصد وطلب من الإنسان ; وذلك أنّ التكليف يأتى عادةً عن طريق الإمكان بالفعل ، وعن طريق كون الفعل والترك كلاهما بيد المكلّف يختار منهما ما يشاء . وأمّا ما كان ضرورى الوقوع ومتعلّقاً بالقضاء الحتمى ، فمن المحال أن يكون موضع تكليف .

فمن الممكن مثلاً أن يأمر الله العبد بفعل أو ترك ما بيده فعله أو تركه . ولكن من المحال أن يأمره بفعل أو ترك ما قضت به الإرادة الإلهيّة ولا مجال فيه للأخذ والردّ ; لأنّ مثل هذا الأمر والنهى عبث ولغو .

وكذلك يتسنّي للإنسان أن يعقد العزم علي تحقيق عمل يحتمل فيه الإمكان وعدم الإمكان ويجعله نصب عينيه ويسعي من أجل تحقيقه ، ولكنه لا يستطيع إطلاقاً أن يقصد تحقيق أمر يقينى لا يخضع للتغيير والتخلّف ; لأنّ إرادة أو عدم إرادة الإنسان ، وقصده وعدم قصده لا تأثير له فى أمر واقع لا محالة ، من جهة كونه واقعاً . فتأمّل .

يتّضح من خلال هذا البيان :

١ ـ إنّ هذا العلم اللدنّى لدي الإمام  ¼ لا تأثير له فى أعماله ولا صلة له بتكاليفه الخاصّة . وكلّ أمر مفروض من جهة تعلّقه بقضاء الله الحتمى الوقوع ، لا يكون موضوعاً لأمر الإنسان أو نهيه أو قصده أو إرادته .

أجل إنّ متعلق القضاء الحتمى والمشيئة الإلهيّة القاطعة للحقّ تعالي هو الرضا

 ٢٤٨ - المجلد السابع / القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ / الفصل الرابع : اغتيال الإمام / بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتل

بالقضاء كما قال سيّد الشهداء  ¼ فى اللحظات الأخيرة من حياته حينما كان يتمرّغ فى الدم والتراب : "رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك لا معبود سواك" . وكذلك فيما جاء فى خطبته عند خروجه من مكّة إلي المدينة : "رضا الله رضانا أهل البيت" .

٢ ـ حتميّة فعل الإنسان من حيث تعلّقه بالقضاء الإلهى لا تتنافي مع صفته الاختيارية من حيث النشاط الاختيارى للإنسان ; لأنّ القضاء الإلهى يتعلّق بكيفياته لا بمطلقه ; كأن يشاء الله أن يؤدى الإنسان كذا عمل اختيارى بإرادته ، ففى مثل هذه الحالة يكون التحقق الخارجى لهذا الفعل حتميّاً لا مفرّ منه من حيث تعلّقه بالإرادة الإلهيّة ، وهو فى الوقت ذاته اختيارى ويتصف بصفة الإمكان بالنسبة للإنسان ، فتأمّل .

٣ ـ لا ينبغى أخذ ظواهر أعمال الإمام  ¼ الخاضعة للتطابق مع العلل والأسباب الظاهريّة كدليل علي عدم امتلاكه لهذا العلم اللدنّى ، وشاهداً علي الجهل بالواقع ، كأن يقال : إذا كان لدي الإمام الحسين  ¼ علم بالواقع لماذا أرسل مسلم بن عقيل نيابة عنه إلي الكوفة؟

ولماذا بعث كتاباً إلي أهل الكوفة بيد الصيداوي؟ ولماذا خرج من مكّة إلي الكوفة؟ ولماذا ألقي بنفسه إلي التهلكة والبارى تعالي يقول : ³ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ  ²  (١) (٢) .


(١) البقرة : ١٩٥ .
(٢) بررسيهاي اسلامي (بالفارسيّة) : ١٦٧ ـ ١٧٠ .