١٣١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام
كان أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ أفضل وأكرم مؤمن عرفه التاريخ الإسلامىّ بل كان فى ذروة الإيمان ، وإيمانه ذو مواصفات لا مثيل لها عند غيره من اُولى الإيمان ، فهو أوّل من صدّق برسول الله ½ ، وإيمانه نقىّ خالص لم تَشُبه شائبة الشرك قطّ ، ولم يشاكله أحد فى ثبات خطاه علي الإيمان وقوّة العقيدة . كان ¼ ـ كما أشرنا سابقاً ـ ينام فى فراش النبىّ ½ منذ الأيّام الاُولي لحياته . وقد نشأ برعاية النبىّ إيّاه . وتربّي علي الخلق النبوى العظيم والسيرة المباركة . وكان يشهد مراحل النبوّة مع النبىّ ½ جنباً إلي جنب ، وكان النبىّ يأخذه معه إلي غار حراء ، فتعرّف علي أسرار الملكوت . وصرّح فى خطبته العظيمة "القاصعة" أنّه كان يري نور الوحى ، ويسمع رنّة الشيطان اليائسة . وعلي مشارف إبلاغ الرسالة نال لقب "الوصى" ، و"الوزير" ، و"الأخ" ، من خلال مرافقته لرسول الله ½ . ولنلحظ تصويره الجميل للرعاية النبويّة . قال : "و قد علمتم مَوضعى من رسول الله ½ بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة . ١٣٢ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام
وضَعَنى فى حِجره وأنا ولد يَضمُّنى إلي صدره ، ويَكنفنى فى فراشه ، ويُمسّنى جسده ، ويُشمّنى عَرْفَه(١) . وكان يمضغ الشىء ثمّ يُلقمنيه . وما وجد لى كذبةً فى قول ، ولا خَطلةً فى فعل . ولقد قَرنَ اللهُ به ½ مِن لَدُن أنْ كان فطيماً أعظم مَلَك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليلَه ونهارَه . ولقد كنتُ أتّبعه اتّباعَ الفصيل أثرَ اُمِّه ، يَرفع لى فى كلّ يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرنى بالاقتداء به . ولقد كان يجاور فى كلِّ سنة بحِراء فأراه ، ولا يراه غيرى . ولم يجمع بيت واحد يومئذ فى الإسلام غيرَ رسول الله ½ وخديجة وأنا ثالثهما . أري نور الوحى والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة . ولقد سمعتُ رَنّةَ الشيطان حين نزل الوحى عليه ½ فقلتُ : يا رسول الله ، ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيسَ من عبادته . إنّك تسمع ما أسمع ، وتري ما أري ، إلاّ أنّك لست بنبىّ ، ولكنّك لَوزيرٌ وإنّك لَعلي خير"(٢) . وقال ابن أبى الحديد ـ فى بيان قوله ¼ : "إنّى وُلدتُ علي الفطرة" ـ : "و مراده هاهنا بالولادة علي الفطرة أنّه لم يولد فى الجاهليّة ; لأنّه ولد ¼ لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل ، والنبىّ ½ اُرسل لأربعين سنة مضت من عام الفيل . وقد جاء فى الأخبار الصحيحة أنّه ½ مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويري الضوء ، ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته ¼ ، فحُكم تلك السنين العشر حكم أيّام رسالته ½ ، فالمولود فيها إذا كان فى حجره وهو المتولّى لتربيته مولود فى أيّام كأيّام النبوّة ، وليس بمولود فى جاهليّة محضة ، ففارقت حاله حال من يُدّعي له من الصحابة مماثلته فى الفضل . (١) العَرْف : الريح الطيّبة (النهاية : ٣ / ٢١٧) . إرجاعات
١٩٤ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الثالث : عليّ عن لسان عليّ / المكانة عند رسول الله
١٣٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام
وقد روى أنّ السنة التى ولد فيها علىّ ¼ هى السنة التى بُدئ فيها برسالة رسول الله ½ ، فاُسمِع الهتاف من الأحجار والأشجار ، وكشف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ، ولم يخاطَب فيها بشىء . وهذه السنة هى السنة التى ابتدأ فيها بالتبتّل والانقطاع والعزلة فى جبل حِراء ، فلم يَزَل به حتي كوشف بالرسالة ، واُنزل عليه الوحى . وكان رسول الله ½ يتيمّن بتلك السنة وبولادة علىّ ¼ فيها ، ويسمّيها سنة الخير وسنة البركة ، وقال لأهله ليلة ولادته ، وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهيّة ، ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً : "لقد وُلد لنا الليلة مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة" . وكان كما قال صلوات الله عليه ; فإنّه ¼ كان ناصره والمحامى عنه وكاشف الغمّاء عن وجهه ، وبسيفه ثَبت دين الإسلام ، ورست دعائمه ، وتمهّدت قواعده"(١) . ويقول الكاتب المسيحى الشهير جورج جرداق : "و إذا أسلم بعض الوجوه من قريش منذ أوّل الدعوة احتكاماً للعقل وتخلّصاً من الوثنيّة ; وإذا أسلم كثير من العبيد والأرقاء والمضطهدين طلباً للعدالة التى تتدفّق بها رسالة محمّد ، واستنكاراً للجور الذى يلهب ظهورهم بسياطه ; وإذا أسلم قوم بعد انتصار النبىّ امتثالاً للواقع وتزلّفاً للمنتصر كما هى الحال بالنسبة لأكثر الأمويّين ; إذا أسلم هؤلاء جميعاً فى ظروف تتفاوت من حيث قيمتها ومعانيها الإنسانيّة ، وتتّحد فى خضوعها للمنطق أو للواقع الراهن ، فإنّ علىّ بن أبى طالب قد ولد مسلماً ; لأنّه ١٣٤ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام
من معدن الرسالة مولداً ونشأةً ، ومن ذاته خلقاً وفطرةً . ثمّ إنّ الظرف الذى أعلن فيه عمّا يكمن فى كيانه من روح الإسلام ومن حقيقته ، لم يكن شيئاً من ظروف الآخرين ولم يرتبط بموجبات العمر ; لأنّ إسلام علىٍّ كان أعمق من ضرورة الارتباط بالظروف إذ كان جارياً من روحه كما تجرى الأشياء من معادنها والمياه من ينابيعها . فإنّ الصبىّ ما كاد يستطيع التعبير عن خلجات نفسه ، حتي أدّي فرض الصلاة وشهد بالله ورسوله دون أن يستأذن أو يستشير . لقد كان أوّل سجود المسلمين الاُوَل لآلهة قريش ! وكان أوّل سجود علىّ لإله محمّد ! إلاّ أنّه إسلام الرجل الذى اُتيح له أن ينشأ علي حبّ الخير وينمو فى رعاية النبىّ ويصبح إمامَ العادلين من بعده ، وربّان السفينة فى غمرة العواصف والأمواج"(١) . يتبيّن ممّا ذكرناه ـ وهو غيض من فيض ، ويمكن ملاحظة حقائق كثيرة تدعم ما أوردناه ـ ما يأتى : ١ ـ يعود إيمان علىّ ¼ إلي السنين التى سبقت الجهر بالرسالة الإسلاميّة . ٢ ـ تباينت أقوال المؤرّخين فى عمره ¼ حين تصديقه النبىّ ½ بين الثمان(٢) ، (١) الإمام علىّ صوت العدالة الإنسانيّة : ٣٨ . ١٣٥ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام
والتسع(١) ، والعشر(٢) ، والإحدي عشرة(٣) ، والاثنتى عشرة(٤) ، والثلاث عشرة(٥) ، والأربع عشرة(٦) ، والخمس عشرة(٧) ، والستّ عشرة(٨) . (١) الطبقات الكبري : ٣ / ٢١ عن محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٦ عن محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة وحسن بن زيد وأبى نعيم ، المعارف لابن قتيبة : ١٦٨ عن ابن إسحاق ، تاريخ الطبرى : ٢ / ٣١٢ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٤٨٤ ، البداية والنهاية : ٣ / ٢٥ والثلاثة الأخيرة عن الكلبى ، شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٣٥ عن الشعبى . ١٣٦ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام
وإن دلّ هذا علي شىء فإنّما يدلّ علي تحديد عمره فى موقفه من الرسالة فحسب ، وإلاّ فإنّ روحه الطاهرة لم تتلوّث بالشرك قطّ(١) . وهكذا قال زين العابدين علىّ بن الحسين ¼ فى جواب من سأله عن عمر الإمام ¼ عند إيمانه : أ وَكان كافراً ؟ إنّما كان لعلىّ حيث بعث الله عزّ وجلّ رسوله ½ عشر سنين ، ولم يكن يومئذ كافراً(٢) . ونضيف إلي أنّ ما نُقل عن أنّه ¼ كان ابن عشر سنين حين تصديقه بالرسالة يعدّ من أصحّ الأخبار وأشهرها(٣) . ٣ ـ من هنا لا مراء فيمن كان أوّل المؤمنين ! فبعض الصحابة أسلم بعد فترة قصيرة مضت علي الرسالة ، وبعضهم أسلم بعد برهة من الزمن . أمّا علىّ ¼ فقد كانت روحه معطّرة بعبير الوحى منذ أيّامه الاُولي ، كما كان يعرف معالمه قبل البعثة وقد ألفه وتمرّس عليه ، ومن الطبيعىّ أنّه رافق أوّل قبس تألّق منه بلا تأخير . والآن أىّ شأن لأقوال الذين يحاولون أن يستهينوا بإيمان علىٍّ ¼ لصغر سنّه ؟ ! ليت لعِلية القوم المسنّين قليلاً من تلك الفطنة ، وسلامة الفطرة وخلوص القلب ، وليتهم ألِفوا نور الوحى ! ٤ ـ نُقلت روايات متنوّعة كثيرة فى عبادة الإمام ¼ وصلاته . ولا تدلّ هذه (١) راجع : لم يكفر بالله طرفة عين . إرجاعات
١٠٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة
١٢١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / أوّل من أسلم / عمره يوم أسلم
١٣٧ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام
الروايات علي أنّه أوّل من صلّي بعد النبىّ فحسب ، بل تدلّ علي أنّه سبق الآخرين إلي العبادة بثلاث أو خمس أو سبع سنين أيضاً . ويمكن أن تشير هذه الروايات إلي عبادته ¼ قبل البعثة أيضاً(١) (٢) . (١) راجع : الخصائص العمليّة / إمام المصلّين / أوّل من صلّي مع النبىّ . الخصائص العمليّة / إمام العابدين / أوّل من عبد الله من الاُمّة . إرجاعات
١٩١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الثالث : الخصائص العمليّة
٣٠٠ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الثالث : الخصائص العمليّة / إمام الداعين / أدعيته إذا قام إلى الصلاة
١٣٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام
١٣٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة
٢ / ١ ٤١٤٦ ـ رسول الله ½ : علىٌّ . . . أحسن الناس خُلقاً(١) . ٤١٤٧ ـ مطالب السؤول ـ فى مكارم وحسن أخلاق الإمام علىّ ¼ ـ : قد بلغ فى ذلك إلي الغاية القصوي ، حتي نسب من غزارة حُسن خلقه إلي الدعابة ، وكان مع هذه الغاية فى حُسن الخلق ، ولين الجانب ، يخصّ ذلك بذوى الدين واللين . وأمّا من لم يكن كذلك فكان يوليه غلظة وفضاضة ; للتأديب ، حتي روى عنه ¼ أنّه قال فى هذا المعني شعراً : ١٤٠ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / حُسن الخُلق
٤١٤٨ ـ الفخرى : روى أنّ عليّاً أمير المؤمنين ¼ استدعي بصوته بعض عبيده ، فلم يجِبه ، فدعاه مراراً فلم يُجِبه ، فدخل عليه رجل وقال : يا أمير المؤمنين ، إنّه بالباب واقف ، وهو يسمع صوتك ، ولا يكلّمك ! فلمّا حضر العبد عنده ، قال ¼ : أ ما سمعتَ صوتى ؟ قال : بلي . قال ¼ : فما منعك من إجابتى ؟ قال : أمنتُ عقوبتَك . قال علىّ ¼ : الحمد لله الذى خلقنى ممّن يأمنه خلقُه(٢) . ٤١٤٩ ـ المناقب لابن شهر آشوب : دعا [علىّ ¼ ] غلاماً له مراراً ، فلم يجِبه ، فخرج ، فوجده علي باب البيت ، فقال : ما حملك علي ترك إجابتى ؟ قال : كسلت عن إجابتك ، وأمنتُ عقوبتَك . فقال ¼ : الحمد لله الذى جعلنى ممّن تأمنه خلقُه ، امضِ فأنت حرّ لوجه الله . وأنشد الأشجع :
(١) مطالب السؤول : ٢٩ . ١٤١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / كثرة التبسّم
٢ / ٢ ٤١٥٠ ـ الكامل فى التاريخ ـ فى علىّ ¼ ـ : كان من أحسن الناس وجهاً ، ولا يغيّر شيبه ، كثير التبسّم(١) . ٤١٥١ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى علىّ ¼ ـ : وأمّا سجاحة الأخلاق وبشر الوجه وطلاقة المُحيّا والتبسّم فهو المضروب به المثل فيه ، حتي عابه بذلك أعداؤه ; قال عمرو بن العاص لأهل الشام : إنّه ذو دعابة شديدة . وقال علىّ ¼ فى ذاك : عجباً لابن النابغة ! يزعم لأهل الشام أنّ فىَّ دعابة ، وأنّى امرؤ تلعابة(٢) ، اُعافس(٣) واُمارس . وعمرو بن العاص إنّما أخذها عن عمر بن الخطّاب ; لقوله له لمّا عزم علي استخلافه : لله أبوك ، لولا دعابة فيك ! إلاّ أنّ عمر اقتصر عليها ، وعمرو زاد فيها وسمّجها . قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه : كان فينا كأحدنا ، لين جانب ، وشدّة تواضع ، وسهولة قياد ، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف علي رأسه . وقال معاوية لقيس بن سعد : رحم الله أبا حسن ، فلقد كان هشّاً بشّاً ، ذا فكاهة . (١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٤٠ . ١٤٢ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / شرح الصدر
قال قيس : نعم ، كان رسول الله ½ يمزح ، ويَبْتسم إلي أصحابه ، وأراك تُسرّ حسواً فى ارتغاء(١) ، وتعيبه بذلك ! أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيَب من ذى لبدتين قد مسّه الطوي ، تلك هيبة التقوي ، وليس كما يهابك طغام(٢) أهل الشام(٣) . ٢ / ٣ ٤١٥٢ ـ الإمامة والسياسة ـ فى شدّة حرب الجمل ـ : فشقّ علىّ ¼ فى عسكر القوم يطعن ويقتل ، ثمّ خرج وهو يقول : الماء الماء ، فأتاه رجلٌ بإداوة فيها عسل ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، أمّا الماء فإنّه لا يصلح لك فى هذا المقام ، ولكن اُذيقك(٤) هذا العسل . فقال ¼ : هاتِ . فحسا منه حسوة ، ثمّ قال ¼ : إنّ عسلك لطائفىّ . قال الرجل : لَعجباً منك والله يا أمير المؤمنين ، لمعرفتك الطائفىَّ من غيره فى هذا اليوم ، وقد بلغت القلوب الحناجر ! فقال له علىّ ¼ : إنّه والله يابن أخى ما ملأ صدر عمّك شىء قطّ ، ولا هابه شىء(٥) . (١) يُسِرُّ حَسْواً فى ارتِغاء : الارتِغاء : شرب الرَّغوة ، وأصله الرجل يُؤتي باللبن ، فيُظهر أنّه يريد الرَّغوة خاصّة ولا يريد غيرها ، فيشربها وهو فى ذلك ينال من اللبن . وهو مَثل يضرب لمن يُريك أنّه يُعينك وإنّما يجرّ النفع إلي نفسه (مجمع الأمثال : ٣ / ٥٢٥ / ٤٦٨٠) . ١٤٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى
٤١٥٣ ـ مروج الذهب ـ فى شدّة حرب الجمل ـ : ثمّ استسقي [علىّ ¼ ] فاُتى بعسل وماء ، فحسا منه حسوة ، وقال : هذا الطائفى ، وهو غريب بهذا البلد . فقال له عبد الله بن جعفر : أ ما شغلك ما نحن فيه عن علم هذا ؟ قال ¼ : إنّه والله يا بنىَّ ما ملأ صدر عمّك شىء قطّ من أمر الدنيا(١) . ٢ / ٤ ٤١٥٤ ـ رسول الله ½ ـ لعلىّ ¼ ـ : إنّك لن تموت حتي تؤمر ، وتُملأ غيظاً ، وتوجد من بعدى صابراً(٢) . ٤١٥٥ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن الحارث بن حصين : قال النبىّ ½ : يا علىّ ، إنّك لاق بعدى كذا وكذا . فقال : يا رسول الله ، إنّ السيف لذو شفرتين ، وما أنا بالقتل ولا الذليل(٣) . قال ½ : فاصبر يا علىّ . قال علىّ ¼ : أصبر يا رسول الله(٤) . ٤١٥٦ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من خطبته المعروفة بالشقشقيّة ، وفيها يشتكى أمر الخلافة ـ : أما والله لقد تقمّصها فلان وإنّه لعلم أنّ محلّى منها محلّ القُطب من الرحي ; ينحدر عنّى السيل ، ولا يرقي إلىّ الطير ، فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويت (١) مروج الذهب : ٢ / ٣٧٧ . ١٤٤ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى
عنها كشحاً(١) ، وطَفِقتُ أرتَئى بين أن أصول بيد جَذّاء(٢) ، أو أصبر علي طَخْية(٣) عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويَكدَح فيها مؤمن حتي يلقي ربّه ! فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجي ، فصبرتُ ، وفى العين قَذي ، وفى الحلق شَجا(٤) ; أري تُراثى نهباً . . . فصبرت علي طول المدّة ، وشدّة المِحنة(٥) . ٤١٥٧ ـ عنه ¼ ـ فى خطبة له يذكر فيها صفته قبل البيعة له ـ : فنظرت فإذا ليس لى معين إلاّ أهل بيتى ، فضَنِنت بهم عن الموت ، وأغضيت علي القذي ، وشربت علي الشجا ، وصبرت علي أخذ الكَظَم(٦) ، وعلي أمَرَّ من طعم العلقم(٧) (٨) . ٤١٥٨ ـ عنه ¼ ـ فى التظلّم والتشكّى من قريش ـ : اللهمّ إنّى أستعديك علي قريش ومن أعانهم ; فإنّهم قد قطعوا رحمى ، وأكفؤوا إنائى ، وأجمعوا علي منازعتى حقّاً كنتُ أولي به من غيرى ، وقالوا : "ألا إنّ فى الحقّ أن تأخذه ، وفى (١) طويت عنها كشحاً : كناية عن امتناعه وإعراضه عنها (مجمع البحرين : ٣ / ١٥٧٢) . ١٤٥ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى
الحقّ أن تمنعه ، فاصْبر مغموماً ، أو مُت متأسّفاً" ، فنظرتُ فإذا ليس لى رافد ، ولا ذابّ ، ولا مساعد ، إلاّ أهل بيتى ، فضننت بهم عن المنيّة ، فأغضيت علي القذي ، وجرعت ريقى علي الشجا ، وصبرت من كظم الغيظ علي أمرّ من العلقم ، وآلم للقلب من وَخْز الشِّفار(١) (٢) . ٤١٥٩ ـ عنه ¼ ـ فيما قاله بعد أخذ البيعة علي من حضره لمّا نزل بذى قار ـ : قد جرت اُمور صبرنا فيها ، وفى أعيننا القذي ; تسليماً لأمر الله تعالي فيما امتحننا به ; رجاء الثواب علي ذلك ، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون ، وتُسفك دماؤهم(٣) . ٤١٦٠ ـ الإرشاد عن عمرو بن شمر عن رجاله : سمعنا أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ يقول : ما رأيت منذ بعث الله محمّداً ½ رخاءً ، فالحمد لله ، والله لقد خفت صغيراً ، وجاهدتُ كبيراً ، اُقاتل المشركين ، واُعادى المنافقين ، حتي قبض الله نبيّه ½ فكانت الطامّة الكبري ، فلم أزَل حذِراً وجِلاً ، أخاف أن يكون ما لا يسَعنى معه المقام ، فلم أرَ بحمد الله إلاّ خيراً . والله ، ما زلت أضرب بسيفى صبيّاً حتي صرت شيخاً ، وأنّه ليُصبّرنى علي ما أنا فيه أنّ ذلك كلّه فى الله ورسوله ، وأنا أرجو أن يكون الروح عاجلاً قريباً ، فقد رأيت أسبابه . قالوا : فما بقى بعد هذه المقالة إلاّ يسيراً حتي اُصيب ¼ (٤) . (١) الشِّفار : جمع شَفْرة ; وهى السكِّين العريضة العظيمة (لسان العرب : ٤ / ٤٢٠) . ١٤٦ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى
٤١٦١ ـ الإمام الصادق ¼ : لمّا حضرت فاطمة الوفاة بكت ، فقال لها أمير المؤمنين : يا سيّدتى ما يُبكيك ؟ قالت : أبكى لما تلقي بعدى . فقال لها : لا تبكى ، فوَ الله إنّ ذلك لصغير عندى فى ذات الله(١) . ٤١٦٢ ـ عنه ¼ ـ من كلامه عند دفن فاطمة (ع) كالمناجى به رسول الله ½ عند قبره ـ : السلام عليك يا رسول الله عنّى ، وعن ابنتك النازلة فى جوارك ، والسريعة اللحاق بك ! قَلّ يا رسول الله عن صفيّتكَ صبرى ، ورَقّ عنها تجلّدى(٢) ، إلاّ أنّ فى التأسّى لى بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك ، موضع تَعَزٍّ ، فلقد وسّدتُك فى ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحرى وصدرى نفسُك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون . فلقد استرُجعت الوديعة ، واُخذت الرهينة . أمّا حزنى فسرمدٌ ، وأمّا ليلى فمسهّد ، إلي أن يختار الله لى داركَ التى أنت بها مقيم . وستنبّئك ابنتُك بتضافر اُمّتك علي هضمها ، فأحْفِها(٣) السؤال ، واستخبرها الحال . هذا ولم يَطُل العهد ، ولم يخلُ منك الذكر ، والسلام عليكما سلام مودّع ، لا قال ولا سَئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن اُقِم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين(٤) . ٤١٦٣ ـ الإمام زين العابدين ¼ : بلغ اُمّ سلمة ـ زوجة النبىّ ½ ـ أنّ مولي لها (١) بحار الأنوار : ٤٣ / ٢١٨ / ٤٩ نقلا عن مصباح الأنوار . ١٤٧ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى
يتنقّص عليّاً ¼ ، ويتناوله . فأرسلت إليه ، فلمّا أن صار إليها ، قالت له : يا بنى ، بلغنى أنّك تتنقّص عليّاً ¼ وتتناوله ! قال لها : نعم ، يا اُمّاه . قالت : اُقعد ـ ثكلتك اُمّك ـ حتي اُحدّثك بحديث سمعته من رسول الله ½ ، ثمّ اختَر لنفسك ! إنّا كنّا عند رسول الله ½ تسع نسوة ، وكانت ليلتى ويومى من رسول الله ½ ، فدخل النبىّ ½ وهو متهلّل ، أصابعه فى أصابع علىٍّ ، واضعاً يده عليه ، فقال : يا اُمّ سلمة ، اُخرجى من البيت ، وأخليه لنا . فخرجتُ ، وأقبلا يتناجيان ، أسمع الكلام ، وما أدرى ما يقولان ، حتي إذا انتصف النهار أتيت الباب ، فقلت : أدخلُ يا رسول الله ؟ قال : لا . فكبوتُ كبوةً شديدةً ; مخافة أن يكون ردّنى من سخطة ، أو نزل فىَّ شيءٌ من السماء . ثمّ لم ألبث أن أتيتُ الباب الثانية ، فقلت : أدخلُ يا رسول الله ؟ فقال : لا . فكبوتُ كبوةً أشدّ من الاُولي . ثمّ لم ألبث حتي أتيتُ الباب الثالثة ، فقلت : أدخلُ يا رسول الله ؟ فقال : اُدخلى يا اُمّ سلمة . فدخلتُ ، وعلىٌّ ¼ جاث بين يديه ، وهو يقول : فداك أبى واُمّى يا رسول الله ! إذا كان كذا وكذا فما تأمُرنى ؟ قال : آمرك بالصبر . ثمّ أعاد عليه القول الثانية ، فأمره بالصبر . فأعاد عليه القول الثالثة ، فقال له : يا علىّ ، يا أخى ، إذا كان ذاك منهم فسُلّ سيفك ، وضَعْه علي عاتقك ، واضرب به قُدماً قُدماً ، حتي تلقانى وسيفك شاهر يقطُر من دمائهم . ١٤٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى
ثمّ التفت ¼ إلىَّ ، فقال لى : ما هذه الكآبة يا اُمّ سلمة ؟ قلت : للذى كان من ردّك لى يا رسول الله . فقال لى : والله ما رددتُكِ من مَوْجِدة ، وإنّكِ لعلي خير من الله ورسوله ، لكن أتيتِنى وجبرئيل عن يمينى وعلىّ عن يسارى ، وجبرئيل يخبرنى بالأحداث التى تكون من بعدى ، وأمرنى أن اُوصى بذلك عليّاً . يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب أخى فى الدنيا ، وأخى فى الآخرة . يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب وزيرى فى الدنيا ، ووزيرى فى الآخرة . يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب حامل لوائى فى الدنيا ، وحامل لوائى غداً فى القيامة . يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب وصيّى ، وخليفتى من بعدى ، وقاضى عِداتى ، والذائد عن حوضى . يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين . قلت : يا رسول الله ، مَن الناكثون ؟ قال : الذين يبايعونه بالمدينة ، وينكثون بالبصرة . قلت : مَن القاسطون ؟ قال : معاوية وأصحابه من أهل الشام . ١٤٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / أعظم الناس حلماً
قلت : مَن المارقون ؟ قال : أصحاب النهروان . فقال مولي اُمّ سلمة : فرّجْتِ عنّى ، فرّج الله عنكِ ، والله لا سَببتُ عليّاً أبداً(١) . ٤١٦٤ ـ الإرشاد عن جندب بن عبد الله : دخلت علي علىّ بن أبى طالب بالمدينة بعد بيعة الناس لعثمان ، فوجدتُه مطرقاً كئيباً ، فقلت له : ما أصاب قومك ؟ قال : صبرٌ جميل . فقلت له : سبحان الله ! والله إنّك لصبور(٢) . ٢ / ٥ ٤١٦٥ ـ رسول الله ½ ـ لفاطمة (ع) ـ : زوّجتك أقدم اُمّتى سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً(٣) . (١) الأمالى للصدوق : ٤٦٣ / ٦٢٠ ، الأمالى للطوسى : ٤٢٥ / ٩٥٢ ، بشارة المصطفي : ٥٨ كلّها عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن أبيه ¤ ، الاحتجاج : ١ / ٤٦١ / ١٠٦ نحوه . إرجاعات
٤٠٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الرابع : الخصائص السياسيّة والاجتماعيّة / المظلوميّة بعد النبيّ
١٥٠ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / أعظم الناس حلماً
٤١٦٦ ـ عنه ½ : علىٌّ . . . أعلم الناس علماً ، وأحلم الناس حلماً(١) . ٤١٦٧ ـ عنه ½ : يا علىّ ، أنت أفضل اُمّتى فضلاً ، وأقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأوفرهم حلماً(٢) . ٤١٦٨ ـ المستدرك علي الصحيحين عن أبى يحيي : نادي رجل من الغالين عليّاً ¼ وهو فى الصلاة ـ صلاة الفجر ـ فقال : ³ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَـئـِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ² (٣) . فأجابه علىّ ¼ وهو فى الصلاة : ³ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ² (٤) (٥) . ٤١٦٩ ـ شرح نهج البلاغة عن زرارة بن أعين عن أبيه عن الإمام الباقر ¼ : كان علىّ ¼ إذا صلّي الفجر لم يزَل معقّباً إلي أن تطلع الشمس ، فإذا طلعت اجتمع إليه (١) المناقب لابن المغازلى : ١٥١ / ١٨٨ ، المناقب للخوارزمى : ٢٩٠ / ٢٧٩ كلاهما عن ابن عبّاس ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ١٣١ / ٨٥٠٣ عن بريدة ; الأمالى للطوسى : ٦٠٧ / ١٢٥٤ عن سلمان وفيهما "أعلمهم علماً وأحلمهم حلماً" ، الفضائل لابن شاذان : ١٠٢ عن ابن عبّاس . ١٥١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / أعظم الناس حلماً
الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس ، فيُعلّمهم الفقهَ والقرآن . وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك ، فقام يوماً فمرّ برجل ، فرماه بكلمة هجر ـ قال : لم يُسمِّه محمّد بن علىّ ¼ ـ فرجع عوده علي بدئه حتي صعد المنبر ، وأمر فنودى الصلاة جامعة ، فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي نبيّه ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّه ليس شىء أحبّ إلي الله ولا أعمّ نفعاً من حلم إمام وفقهه ، ولا شىء أبغض إلي الله ولا أعمّ ضرراً من جهل إمام وخُرقه(١) ، ألا وإنّه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ ، ألا وإنّه من أنصف من نفسه لم يزِده الله إلاّ عزّاً ، ألا وإنّ الذلّ فى طاعة الله أقرب إلي الله من التعزّز فى معصيته . ثمّ قال : أين المتكلّم آنفاً ! فلم يستطِع الإنكار ، فقال : ها أنذا يا أمير المؤمنين . فقال : أما إنّى لو أشاء لقلتُ . فقال : إن تعفُ وتصفح فأنت أهل ذلك . قال : قد عفوتُ وصفحتُ . فقيل لمحمّد بن علىّ ¼ : ما أراد أن يقول ؟ قال : أراد أن ينسبه(٢) . ٤١٧٠ ـ شرح نهج البلاغة : أمّا الحلم والصفح ، فكان أحلم الناس عن ذنب ، وأصفحهم عن مسىء . وقد ظهر صحّة ما قلناه يوم الجمل ; حيث ظفر بمروان بن الحكم ـ وكان أعدي الناس له ، وأشدّهم بغضاً ـ فصفح عنه . وكان عبد الله بن الزبير يشتمه علي رؤوس الأشهاد ، وخطب يوم البصرة فقال : قد أتاكم الوغد اللئيم علىّ بن أبى طالب . وكان علىّ ¼ يقول : ما زال الزبير (١) الخُرْق : الجهل والحمق (لسان العرب : ١٠ / ٧٥) . ١٥٢ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / أعظم الناس حلماً
رجلاً منّا أهل البيت حتي شبّ عبد الله ، فظفر به يوم الجمل ، فأخذه أسيراً ، فصفح عنه ، وقال : اذهب ، فلا أرينّك . لم يزِده علي ذلك . وظفر بسعيد بن العاص ـ بعد وقعة الجمل ـ بمكّة ـ وكان له عدوّاً ـ فأعرض عنه ، ولم يقُل له شيئاً . وقد علمتم ما كان من عائشة فى أمره ، فلمّا ظفر بها أكرمها ، وبعث معها إلي المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس ، عمّمهنّ بالعمائم ، وقلّدهنّ بالسيوف ، فلمّا كانت ببعض الطريق ذكرَتْه بما لا يجوز أن يذكر به ، وتأفّفت ، وقالت : هتك سترى برجاله وجنده الذين وكلهم بى . فلمّا وصلت المدينة ألقي النساء عمائمهنّ ، وقلن لها : إنّما نحن نسوة . وحاربه أهل البصرة ، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف ، وشتموه ، ولعنوه ، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم ، ونادي مناديه فى أقطار العسكر : ألا لا يُتبع مولٍّ ، ولا يُجهز علي جريح ، ولا يُقتل مستأسر ، ومن ألقي سلاحه فهو آمن ، ومن تحيّز إلي عسكر الإمام فهو آمن . ولم يأخذ أثقالهم ، ولا سبي ذراريهم ، ولا غنم شيئاً من أموالهم ، ولو شاء أن يفعل كلّ ذلك لفعل ، ولكنّه أبي إلاّ الصفح والعفو ، وتقيّل سنّةَ رسول الله ½ يوم فتح مكّة ; فإنّه عفا والأحقاد لم تبرد ، والإساءة لم تُنسَ(١) . (١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٢ . إرجاعات
٢٨٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي / الفصل الثامن : السياسة الأمنيّة / الرفق ما لم يكن تآمراً
٢٥٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر
٣٢١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلى النهروان
٣٤٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلى النهروان / صبر الإمام على أذاهم ورفقه بهم
٣٨٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / سياسة الإمام في الجرحى والغنائم |
||||||