الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد التاسع

 

١٣١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام

كان أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ أفضل وأكرم مؤمن عرفه التاريخ الإسلامىّ بل كان فى ذروة الإيمان ، وإيمانه ذو مواصفات لا مثيل لها عند غيره من اُولى الإيمان ، فهو أوّل من صدّق برسول الله  ½ ، وإيمانه نقىّ خالص لم تَشُبه شائبة الشرك قطّ ، ولم يشاكله أحد فى ثبات خطاه علي الإيمان وقوّة العقيدة .

كان  ¼ ـ كما أشرنا سابقاً ـ ينام فى فراش النبىّ  ½ منذ الأيّام الاُولي لحياته . وقد نشأ برعاية النبىّ إيّاه .

وتربّي علي الخلق النبوى العظيم والسيرة المباركة . وكان يشهد مراحل النبوّة مع النبىّ  ½ جنباً إلي جنب ، وكان النبىّ يأخذه معه إلي غار حراء ، فتعرّف علي أسرار الملكوت . وصرّح فى خطبته العظيمة "القاصعة" أنّه كان يري نور الوحى ، ويسمع رنّة الشيطان اليائسة . وعلي مشارف إبلاغ الرسالة نال لقب "الوصى" ، و"الوزير" ، و"الأخ" ، من خلال مرافقته لرسول الله  ½ .

ولنلحظ تصويره الجميل للرعاية النبويّة . قال :

"و قد علمتم مَوضعى من رسول الله  ½ بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة .

 ١٣٢ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام

وضَعَنى فى حِجره وأنا ولد يَضمُّنى إلي صدره ، ويَكنفنى فى فراشه ، ويُمسّنى جسده ، ويُشمّنى عَرْفَه(١) . وكان يمضغ الشىء ثمّ يُلقمنيه . وما وجد لى كذبةً فى قول ، ولا خَطلةً فى فعل . ولقد قَرنَ اللهُ به  ½ مِن لَدُن أنْ كان فطيماً أعظم مَلَك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليلَه ونهارَه . ولقد كنتُ أتّبعه اتّباعَ الفصيل أثرَ اُمِّه ، يَرفع لى فى كلّ يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرنى بالاقتداء به . ولقد كان يجاور فى كلِّ سنة بحِراء فأراه ، ولا يراه غيرى . ولم يجمع بيت واحد يومئذ فى الإسلام غيرَ رسول الله  ½ وخديجة وأنا ثالثهما . أري نور الوحى والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة .

ولقد سمعتُ رَنّةَ الشيطان حين نزل الوحى عليه  ½ فقلتُ : يا رسول الله ، ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيسَ من عبادته . إنّك تسمع ما أسمع ، وتري ما أري ، إلاّ أنّك لست بنبىّ ، ولكنّك لَوزيرٌ وإنّك لَعلي خير"(٢) .

وقال ابن أبى الحديد ـ فى بيان قوله  ¼ : "إنّى وُلدتُ علي الفطرة" ـ : "و مراده هاهنا بالولادة علي الفطرة أنّه لم يولد فى الجاهليّة ; لأنّه ولد  ¼ لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل ، والنبىّ  ½ اُرسل لأربعين سنة مضت من عام الفيل .

وقد جاء فى الأخبار الصحيحة أنّه  ½ مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويري الضوء ، ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته  ¼ ، فحُكم تلك السنين العشر حكم أيّام رسالته  ½ ، فالمولود فيها إذا كان فى حجره وهو المتولّى لتربيته مولود فى أيّام كأيّام النبوّة ، وليس بمولود فى جاهليّة محضة ، ففارقت حاله حال من يُدّعي له من الصحابة مماثلته فى الفضل .


(١) العَرْف : الريح الطيّبة (النهاية : ٣ / ٢١٧) .
(٢) راجع : علىّ عن لسان علىّ / المكانة عند رسول الله / القرابة القريبة .


إرجاعات 
١٩٤ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الثالث : عليّ عن لسان عليّ / المكانة عند رسول الله

 ١٣٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام

وقد روى أنّ السنة التى ولد فيها علىّ  ¼ هى السنة التى بُدئ فيها برسالة رسول الله  ½ ، فاُسمِع الهتاف من الأحجار والأشجار ، وكشف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ، ولم يخاطَب فيها بشىء .

وهذه السنة هى السنة التى ابتدأ فيها بالتبتّل والانقطاع والعزلة فى جبل حِراء ، فلم يَزَل به حتي كوشف بالرسالة ، واُنزل عليه الوحى . وكان رسول الله  ½ يتيمّن بتلك السنة وبولادة علىّ  ¼ فيها ، ويسمّيها سنة الخير وسنة البركة ، وقال لأهله ليلة ولادته ، وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهيّة ، ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً : "لقد وُلد لنا الليلة مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة" .

وكان كما قال صلوات الله عليه ; فإنّه  ¼ كان ناصره والمحامى عنه وكاشف الغمّاء عن وجهه ، وبسيفه ثَبت دين الإسلام ، ورست دعائمه ، وتمهّدت قواعده"(١) .

ويقول الكاتب المسيحى الشهير جورج جرداق : "و إذا أسلم بعض الوجوه من قريش منذ أوّل الدعوة احتكاماً للعقل وتخلّصاً من الوثنيّة ; وإذا أسلم كثير من العبيد والأرقاء والمضطهدين طلباً للعدالة التى تتدفّق بها رسالة محمّد ، واستنكاراً للجور الذى يلهب ظهورهم بسياطه ; وإذا أسلم قوم بعد انتصار النبىّ امتثالاً للواقع وتزلّفاً للمنتصر كما هى الحال بالنسبة لأكثر الأمويّين ; إذا أسلم هؤلاء جميعاً فى ظروف تتفاوت من حيث قيمتها ومعانيها الإنسانيّة ، وتتّحد فى خضوعها للمنطق أو للواقع الراهن ، فإنّ علىّ بن أبى طالب قد ولد مسلماً ; لأنّه


(١) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١١٤ .

 ١٣٤ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام

من معدن الرسالة مولداً ونشأةً ، ومن ذاته خلقاً وفطرةً . ثمّ إنّ الظرف الذى أعلن فيه عمّا يكمن فى كيانه من روح الإسلام ومن حقيقته ، لم يكن شيئاً من ظروف الآخرين ولم يرتبط بموجبات العمر ; لأنّ إسلام علىٍّ كان أعمق من ضرورة الارتباط بالظروف إذ كان جارياً من روحه كما تجرى الأشياء من معادنها والمياه من ينابيعها . فإنّ الصبىّ ما كاد يستطيع التعبير عن خلجات نفسه ، حتي أدّي فرض الصلاة وشهد بالله ورسوله دون أن يستأذن أو يستشير .

لقد كان أوّل سجود المسلمين الاُوَل لآلهة قريش !

وكان أوّل سجود علىّ لإله محمّد !

إلاّ أنّه إسلام الرجل الذى اُتيح له أن ينشأ علي حبّ الخير وينمو فى رعاية النبىّ ويصبح إمامَ العادلين من بعده ، وربّان السفينة فى غمرة العواصف والأمواج"(١) .

يتبيّن ممّا ذكرناه ـ وهو غيض من فيض ، ويمكن ملاحظة حقائق كثيرة تدعم ما أوردناه ـ ما يأتى :

١ ـ يعود إيمان علىّ  ¼ إلي السنين التى سبقت الجهر بالرسالة الإسلاميّة .

٢ ـ تباينت أقوال المؤرّخين فى عمره  ¼ حين تصديقه النبىّ  ½ بين الثمان(٢) ،


(١) الإمام علىّ صوت العدالة الإنسانيّة : ٣٨ .
(٢) التاريخ الكبير : ٦ / ٢٥٩ / ٢٣٤٣ ، السنن الكبري : ٦ / ٣٣٩ / ١٢١٦٠ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٥ ، المعجم الكبير : ١ / ٩٥ / ١٦٢ كلّها عن عروة ، تاريخ بغداد : ١ / ١٣٤ / ١ عن أبى الأسود عمّن حدّثه ، الاستيعاب : ٣ / ١٩٩ / ١٨٧٥ عن أبى الأسود .

 ١٣٥ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام

والتسع(١) ، والعشر(٢) ، والإحدي عشرة(٣) ، والاثنتى عشرة(٤) ، والثلاث عشرة(٥) ، والأربع عشرة(٦) ، والخمس عشرة(٧) ، والستّ عشرة(٨) .


(١) الطبقات الكبري : ٣ / ٢١ عن محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٦ عن محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة وحسن بن زيد وأبى نعيم ، المعارف لابن قتيبة : ١٦٨ عن ابن إسحاق ، تاريخ الطبرى : ٢ / ٣١٢ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٤٨٤ ، البداية والنهاية : ٣ / ٢٥ والثلاثة الأخيرة عن الكلبى ، شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٣٥ عن الشعبى .
(٢) الكافى : ٨ / ٣٣٩ / ٥٣٦ عن سعيد بن المسيّب عن الإمام زين العابدين  ¼ ; المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٠ / ٤٥٨٠ ، الاستيعاب : ٣ / ١٩٩ / ١٨٧٥ ، دلائل النبوّة للبيهقى : ٢ / ١٦٥ ، شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٣٥ ، تاريخ الطبرى : ٢ / ٣١٢ والخمسة الأخيرة عن ابن إسحاق وص ٣١٤ ، اُسد الغابة : ٤ / ٨٩ / ٣٧٨٩ ، السنن الكبري : ٦ / ٣٣٩ / ١٢١٦٢ والثلاثة الأخيرة عن مجاهد وح ١٢١٦١ عن ابن إسحاق ، البداية والنهاية : ٣ / ٢٦ عن ابن إسحاق ومجاهد .
(٣) الكامل فى التاريخ : ١ / ٤٨٤ عن ابن إسحاق ، السنن الكبري : ٦ / ٣٤٠ / ١٢١٦٣ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٦ كلاهما عن شريك ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٢٣٥ عن عبد الله بن سمعان عن الإمام الصادق  ¼ وعن عبد الله بن زياد وكلاهما عن الإمام الباقر  ¼ .
(٤) الاستيعاب : ٣ / ١٩٩ / ١٨٧٥ عن أبى عمر .
(٥) الاستيعاب : ٣ / ١٩٩ / ١٨٧٥ عن أبى عمر وص ٢٠٠ / ١٨٧٥ عن ابن عمر .
(٦) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٦ عن المغيرة ، شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٣٤ عن جرير وحذيفة .
(٧) تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٥٠ ، الاستيعاب : ٣ / ١٩٩ / ١٨٧٥ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٧ كلّها عن الحسن ، العقد الفريد : ٣ / ٣١٢ عن أبى الحسن ، شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٣٤ عن خبّاب بن الأرت والحسن وعبد الرزاق ومعمر وقتادة .
(٨) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٥٨٩ / ٩٩٨ ، السنن الكبري : ٦ / ٣٤٠ / ١٢١٦٤ ، المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٣٢٥ ، المعجم الكبير : ١ / ٩٥ / ١٦٣ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٧ كلّها عن الحسن وغيره وفيها "هو ابن خمس عشرة سنة أو ستّ عشرة سنة" ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٠ / ٤٥٨١ عن الحسن وفيه "أسلم علىّ وهو ابن عشر أو ابن ستّ عشرة سنة" ، الاستيعاب : ٣ / ١٩٩ / ١٨٧٥ عن أبى عمر .

 ١٣٦ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام

وإن دلّ هذا علي شىء فإنّما يدلّ علي تحديد عمره فى موقفه من الرسالة فحسب ، وإلاّ فإنّ روحه الطاهرة لم تتلوّث بالشرك قطّ(١) . وهكذا قال زين العابدين علىّ بن الحسين  ¼ فى جواب من سأله عن عمر الإمام  ¼ عند إيمانه : أ وَكان كافراً ؟ إنّما كان لعلىّ حيث بعث الله عزّ وجلّ رسوله  ½ عشر سنين ، ولم يكن يومئذ كافراً(٢) .

ونضيف إلي أنّ ما نُقل عن أنّه  ¼ كان ابن عشر سنين حين تصديقه بالرسالة يعدّ من أصحّ الأخبار وأشهرها(٣) .

٣ ـ من هنا لا مراء فيمن كان أوّل المؤمنين ! فبعض الصحابة أسلم بعد فترة قصيرة مضت علي الرسالة ، وبعضهم أسلم بعد برهة من الزمن . أمّا علىّ  ¼ فقد كانت روحه معطّرة بعبير الوحى منذ أيّامه الاُولي ، كما كان يعرف معالمه قبل البعثة وقد ألفه وتمرّس عليه ، ومن الطبيعىّ أنّه رافق أوّل قبس تألّق منه بلا تأخير .

والآن أىّ شأن لأقوال الذين يحاولون أن يستهينوا بإيمان علىٍّ  ¼ لصغر سنّه ؟ ! ليت لعِلية القوم المسنّين قليلاً من تلك الفطنة ، وسلامة الفطرة وخلوص القلب ، وليتهم ألِفوا نور الوحى !

٤ ـ نُقلت روايات متنوّعة كثيرة فى عبادة الإمام  ¼ وصلاته . ولا تدلّ هذه


(١) راجع : لم يكفر بالله طرفة عين .
(٢) راجع : عمره يوم أسلم .
(٣) لأنّه  ¼ ـ علي المشهور ـ ولد بعد عام الفيل بثلاثين سنة (راجع : القسم الأول / الولادة / المولد) وأيضاً ـ علي المشهور ـ كان عمره  ¼ يوم استشهد فى سنة (٤٠) ٦٣ سنة (راجع : القسم الثامن / من الاغتيال إلي الاستشهاد / تاريخ شهادته) ومجموعهما يدلّ علي أنّه  ¼ كان ابن عشر سنين عند البعثة .


إرجاعات 
١٠٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة
١٢١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / أوّل من أسلم / عمره يوم أسلم

 ١٣٧ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام

الروايات علي أنّه أوّل من صلّي بعد النبىّ فحسب ، بل تدلّ علي أنّه سبق الآخرين إلي العبادة بثلاث أو خمس أو سبع سنين أيضاً . ويمكن أن تشير هذه الروايات إلي عبادته  ¼ قبل البعثة أيضاً(١) (٢) .


(١) راجع : الخصائص العمليّة / إمام المصلّين / أوّل من صلّي مع النبىّ . الخصائص العمليّة / إمام العابدين / أوّل من عبد الله من الاُمّة .
(٢) نستثنى من الذين سبقهم الإمام  ¼ إلي الإيمان والعبادة خديجة (ع) ، إذ يحتاج هذا الموضوع إلي دراسة مستقلّة .


إرجاعات 
١٩١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الثالث : الخصائص العمليّة
٣٠٠ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الثالث : الخصائص العمليّة / إمام الداعين / أدعيته إذا قام إلى الصلاة

 ١٣٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / كلام فى بدء إسلام الإمام

 ١٣٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة

٢ / ١

حُسن الخُلق

٤١٤٦ ـ رسول الله  ½ : علىٌّ . . . أحسن الناس خُلقاً(١) .

٤١٤٧ ـ مطالب السؤول ـ فى مكارم وحسن أخلاق الإمام علىّ  ¼ ـ : قد بلغ فى ذلك إلي الغاية القصوي ، حتي نسب من غزارة حُسن خلقه إلي الدعابة ، وكان مع هذه الغاية فى حُسن الخلق ، ولين الجانب ، يخصّ ذلك بذوى الدين واللين .

وأمّا من لم يكن كذلك فكان يوليه غلظة وفضاضة ; للتأديب ، حتي روى عنه  ¼ أنّه قال فى هذا المعني شعراً :


(١) المناقب لابن المغازلى : ١٥١ / ١٨٨ عن ابن عبّاس ، الرياض النضرة : ٣ / ١٤٤ عن أنس نحوه ; الاحتجاج : ١ / ٣٦٣ / ٦٠ ، كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٦٠١ / ٦ ، الفضائل لابن شاذان : ١٢٣ والثلاثة الأخيرة نحوه عن أبى ذرّ وسلمان والمقداد وص ١٠٢ عن ابن عبّاس .

 ١٤٠ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / حُسن الخُلق

ألِينُ لِمَن لانَ لى جَنبُه وأنزو عَلي كلِّ صَعب شَديد
كذا الماسُ يعملُ فيهِ الرصاصعلي أنّه عاملٌ فى الحَديد(١)

٤١٤٨ ـ الفخرى : روى أنّ عليّاً أمير المؤمنين  ¼ استدعي بصوته بعض عبيده ، فلم يجِبه ، فدعاه مراراً فلم يُجِبه ، فدخل عليه رجل وقال : يا أمير المؤمنين ، إنّه بالباب واقف ، وهو يسمع صوتك ، ولا يكلّمك !

فلمّا حضر العبد عنده ، قال  ¼ : أ ما سمعتَ صوتى ؟

قال : بلي .

قال  ¼ : فما منعك من إجابتى ؟

قال : أمنتُ عقوبتَك .

قال علىّ  ¼ : الحمد لله الذى خلقنى ممّن يأمنه خلقُه(٢) .

٤١٤٩ ـ المناقب لابن شهر آشوب : دعا [علىّ  ¼ ] غلاماً له مراراً ، فلم يجِبه ، فخرج ، فوجده علي باب البيت ، فقال : ما حملك علي ترك إجابتى ؟

قال : كسلت عن إجابتك ، وأمنتُ عقوبتَك .

فقال  ¼ : الحمد لله الذى جعلنى ممّن تأمنه خلقُه ، امضِ فأنت حرّ لوجه الله .

وأنشد الأشجع :

ولستُ بخائف لأبى حُسين ومَن خافَ الإلهَ فلن يَخافا(٣)

(١) مطالب السؤول : ٢٩ .
(٢) الفخرى : ١٩ .
(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٣ ، الأمالى للسيّد المرتضي : ٢ / ١٦٢ ، تنبيه الخواطر : ١ / ١٠٠ ، نزهة المجالس للصفورى : ١ / ٢٠٦ ; المناقب للكوفى : ٢ / ٨٦ / ٥٧٢ عن بكر بن عبد الله المزنى وكلّها نحوه وليس فيها الشعر .

 ١٤١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / كثرة التبسّم

٢ / ٢

كثرة التبسّم

٤١٥٠ ـ الكامل فى التاريخ ـ فى علىّ  ¼ ـ : كان من أحسن الناس وجهاً ، ولا يغيّر شيبه ، كثير التبسّم(١) .

٤١٥١ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى علىّ  ¼ ـ : وأمّا سجاحة الأخلاق وبشر الوجه وطلاقة المُحيّا والتبسّم فهو المضروب به المثل فيه ، حتي عابه بذلك أعداؤه ; قال عمرو بن العاص لأهل الشام : إنّه ذو دعابة شديدة .

وقال علىّ  ¼ فى ذاك : عجباً لابن النابغة ! يزعم لأهل الشام أنّ فىَّ دعابة ، وأنّى امرؤ تلعابة(٢) ، اُعافس(٣) واُمارس .

وعمرو بن العاص إنّما أخذها عن عمر بن الخطّاب ; لقوله له لمّا عزم علي استخلافه : لله أبوك ، لولا دعابة فيك ! إلاّ أنّ عمر اقتصر عليها ، وعمرو زاد فيها وسمّجها .

قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه : كان فينا كأحدنا ، لين جانب ، وشدّة تواضع ، وسهولة قياد ، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف علي رأسه .

وقال معاوية لقيس بن سعد : رحم الله أبا حسن ، فلقد كان هشّاً بشّاً ، ذا فكاهة .


(١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٤٠ .
(٢) تِلعابة : أى كثير المزح والمداعبة (النهاية : ٤ / ٢٥٣) .
(٣) المُعافَسة : المُعالَجة والممارسة والملاعبة (النهاية : ٣ / ٢٦٣) .

 ١٤٢ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / شرح الصدر

قال قيس : نعم ، كان رسول الله  ½ يمزح ، ويَبْتسم إلي أصحابه ، وأراك تُسرّ حسواً فى ارتغاء(١) ، وتعيبه بذلك ! أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيَب من ذى لبدتين قد مسّه الطوي ، تلك هيبة التقوي ، وليس كما يهابك طغام(٢) أهل الشام(٣) .

٢ / ٣

شرح الصدر

٤١٥٢ ـ الإمامة والسياسة ـ فى شدّة حرب الجمل ـ : فشقّ علىّ  ¼ فى عسكر القوم يطعن ويقتل ، ثمّ خرج وهو يقول : الماء الماء ، فأتاه رجلٌ بإداوة فيها عسل ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، أمّا الماء فإنّه لا يصلح لك فى هذا المقام ، ولكن اُذيقك(٤) هذا العسل .

فقال  ¼ : هاتِ . فحسا منه حسوة ، ثمّ قال  ¼ : إنّ عسلك لطائفىّ . قال الرجل : لَعجباً منك والله يا أمير المؤمنين ، لمعرفتك الطائفىَّ من غيره فى هذا اليوم ، وقد بلغت القلوب الحناجر !

فقال له علىّ  ¼ : إنّه والله يابن أخى ما ملأ صدر عمّك شىء قطّ ، ولا هابه شىء(٥) .


(١) يُسِرُّ حَسْواً فى ارتِغاء : الارتِغاء : شرب الرَّغوة ، وأصله الرجل يُؤتي باللبن ، فيُظهر أنّه يريد الرَّغوة خاصّة ولا يريد غيرها ، فيشربها وهو فى ذلك ينال من اللبن . وهو مَثل يضرب لمن يُريك أنّه يُعينك وإنّما يجرّ النفع إلي نفسه (مجمع الأمثال : ٣ / ٥٢٥ / ٤٦٨٠) .
(٢) الطغام : أوغاد الناس وأرذالهم (تاج العروس : ١٧ / ٤٤١) .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٥ .
(٤) فى المصدر : "أذوقك" ، والصحيح ما أثبتناه .
(٥) الإمامة والسياسة : ١ / ٩٦ وراجع المحاسن والمساوئ : ٤٨٣ .

 ١٤٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى

٤١٥٣ ـ مروج الذهب ـ فى شدّة حرب الجمل ـ : ثمّ استسقي [علىّ  ¼ ] فاُتى بعسل وماء ، فحسا منه حسوة ، وقال : هذا الطائفى ، وهو غريب بهذا البلد .

فقال له عبد الله بن جعفر : أ ما شغلك ما نحن فيه عن علم هذا ؟

قال  ¼ : إنّه والله يا بنىَّ ما ملأ صدر عمّك شىء قطّ من أمر الدنيا(١) .

٢ / ٤

الصبر وفى العين قذي

٤١٥٤ ـ رسول الله  ½ ـ لعلىّ  ¼ ـ : إنّك لن تموت حتي تؤمر ، وتُملأ غيظاً ، وتوجد من بعدى صابراً(٢) .

٤١٥٥ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن الحارث بن حصين : قال النبىّ  ½ : يا علىّ ، إنّك لاق بعدى كذا وكذا . فقال : يا رسول الله ، إنّ السيف لذو شفرتين ، وما أنا بالقتل ولا الذليل(٣) .

قال  ½ : فاصبر يا علىّ . قال علىّ  ¼ : أصبر يا رسول الله(٤) .

٤١٥٦ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبته المعروفة بالشقشقيّة ، وفيها يشتكى أمر الخلافة ـ : أما والله لقد تقمّصها فلان وإنّه لعلم أنّ محلّى منها محلّ القُطب من الرحي ; ينحدر عنّى السيل ، ولا يرقي إلىّ الطير ، فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويت


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٧٧ .
(٢) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٢٢ / ٩٠١٦ عن أنس وح ٩٠١٧ ; شرح الأخبار : ٢ / ٢٥٧ / ٥٦٠ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٢١٦ كلّها عن عمران بن حصين ، اليقين : ٤٨٨ / ١٩٥ عن سلمان وكلّها نحوه .
(٣) كذا فى المصدر.
(٤) المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٢١٦ .

 ١٤٤ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى

عنها كشحاً(١) ، وطَفِقتُ أرتَئى بين أن أصول بيد جَذّاء(٢) ، أو أصبر علي طَخْية(٣) عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويَكدَح فيها مؤمن حتي يلقي ربّه ! فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجي ، فصبرتُ ، وفى العين قَذي ، وفى الحلق شَجا(٤) ; أري تُراثى نهباً . . . فصبرت علي طول المدّة ، وشدّة المِحنة(٥) .

٤١٥٧ ـ عنه  ¼ ـ فى خطبة له يذكر فيها صفته قبل البيعة له ـ : فنظرت فإذا ليس لى معين إلاّ أهل بيتى ، فضَنِنت بهم عن الموت ، وأغضيت علي القذي ، وشربت علي الشجا ، وصبرت علي أخذ الكَظَم(٦) ، وعلي أمَرَّ من طعم العلقم(٧) (٨) .

٤١٥٨ ـ عنه  ¼ ـ فى التظلّم والتشكّى من قريش ـ : اللهمّ إنّى أستعديك علي قريش ومن أعانهم ; فإنّهم قد قطعوا رحمى ، وأكفؤوا إنائى ، وأجمعوا علي منازعتى حقّاً كنتُ أولي به من غيرى ، وقالوا : "ألا إنّ فى الحقّ أن تأخذه ، وفى


(١) طويت عنها كشحاً : كناية عن امتناعه وإعراضه عنها (مجمع البحرين : ٣ / ١٥٧٢) .
(٢) يد جذّاء : أى يد مقطوعة ، وهى كناية عن عدم الناصر له (مجمع البحرين : ١ / ٢٧٩) .
(٣) طخية عمياء : أى ظُلمة لا يُهتدي فيها للحقّ ، وكنّي بها عن التباس الاُمور فى أمر الخلافة (مجمع البحرين : ١ / ٢٧٩) .
(٤) القذي : ما يقع فى العين فيؤذيها كالغبار ونحوه ، والشَّجا : ما يَنشُب فى الحلق من عظم ونحوه فيُغصُّ به ، وهما كنايتان عن النقمة ، ومرارة الصبر ، والتألّم من الغبن (مجمع البحرين : ٢ / ٩٣٢) .
(٥) نهج البلاغة : الخطبة ٣ ، علل الشرائع : ١٥٠ / ١٢ ، معانى الأخبار : ٣٦١ / ١ ، الإرشاد : ١ / ٢٨٧ ، الاحتجاج : ١ / ٤٥٢ / ١٠٥ كلّها عن ابن عبّاس ، الأمالى للطوسى : ٣٧٢ / ٨٠٣ عن زرارة عن الإمام الباقر  ¼ عن ابن عبّاس وعن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه عنه (ع) نحوه وفيها "ابن أبى قحافة" بدل "فلان" ; تذكرة الخواصّ : ١٢٤ عن ابن عبّاس .
(٦) الكَظَم : مخرج النَّفَس ، يقال : أخذت بكَظَمه أى بمخرج نَفَسه (لسان العرب : ١٢ / ٥٢٠) .
(٧) العلقم : شجر الحنظل (المحيط فى اللغة : ٢ / ٢١٥) .
(٨) نهج البلاغة : الخطبة ٢٦ .

 ١٤٥ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى

الحقّ أن تمنعه ، فاصْبر مغموماً ، أو مُت متأسّفاً" ، فنظرتُ فإذا ليس لى رافد ، ولا ذابّ ، ولا مساعد ، إلاّ أهل بيتى ، فضننت بهم عن المنيّة ، فأغضيت علي القذي ، وجرعت ريقى علي الشجا ، وصبرت من كظم الغيظ علي أمرّ من العلقم ، وآلم للقلب من وَخْز الشِّفار(١) (٢) .

٤١٥٩ ـ عنه  ¼ ـ فيما قاله بعد أخذ البيعة علي من حضره لمّا نزل بذى قار ـ : قد جرت اُمور صبرنا فيها ، وفى أعيننا القذي ; تسليماً لأمر الله تعالي فيما امتحننا به ; رجاء الثواب علي ذلك ، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون ، وتُسفك دماؤهم(٣) .

٤١٦٠ ـ الإرشاد عن عمرو بن شمر عن رجاله : سمعنا أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ يقول : ما رأيت منذ بعث الله محمّداً  ½ رخاءً ، فالحمد لله ، والله لقد خفت صغيراً ، وجاهدتُ كبيراً ، اُقاتل المشركين ، واُعادى المنافقين ، حتي قبض الله نبيّه  ½ فكانت الطامّة الكبري ، فلم أزَل حذِراً وجِلاً ، أخاف أن يكون ما لا يسَعنى معه المقام ، فلم أرَ بحمد الله إلاّ خيراً .

والله ، ما زلت أضرب بسيفى صبيّاً حتي صرت شيخاً ، وأنّه ليُصبّرنى علي ما أنا فيه أنّ ذلك كلّه فى الله ورسوله ، وأنا أرجو أن يكون الروح عاجلاً قريباً ، فقد رأيت أسبابه .

قالوا : فما بقى بعد هذه المقالة إلاّ يسيراً حتي اُصيب  ¼ (٤) .


(١) الشِّفار : جمع شَفْرة ; وهى السكِّين العريضة العظيمة (لسان العرب : ٤ / ٤٢٠) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٢١٧ ، الغارات : ١ / ٣٠٨ عن جندب ، المسترشد : ٤١٧ / ١٤١ عن شريح بن هانى وكلاهما نحوه .
(٣) الإرشاد : ١ / ٢٤٩ .
(٤) الإرشاد : ١ / ٢٨٤ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١٢١ وفيه إلي "شيخاً" .

 ١٤٦ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى

٤١٦١ ـ الإمام الصادق  ¼ : لمّا حضرت فاطمة الوفاة بكت ، فقال لها أمير المؤمنين : يا سيّدتى ما يُبكيك ؟ قالت : أبكى لما تلقي بعدى . فقال لها : لا تبكى ، فوَ الله إنّ ذلك لصغير عندى فى ذات الله(١) .

٤١٦٢ ـ عنه  ¼ ـ من كلامه عند دفن فاطمة (ع) كالمناجى به رسول الله  ½ عند قبره ـ : السلام عليك يا رسول الله عنّى ، وعن ابنتك النازلة فى جوارك ، والسريعة اللحاق بك ! قَلّ يا رسول الله عن صفيّتكَ صبرى ، ورَقّ عنها تجلّدى(٢) ، إلاّ أنّ فى التأسّى لى بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك ، موضع تَعَزٍّ ، فلقد وسّدتُك فى ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحرى وصدرى نفسُك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون . فلقد استرُجعت الوديعة ، واُخذت الرهينة . أمّا حزنى فسرمدٌ ، وأمّا ليلى فمسهّد ، إلي أن يختار الله لى داركَ التى أنت بها مقيم .

وستنبّئك ابنتُك بتضافر اُمّتك علي هضمها ، فأحْفِها(٣) السؤال ، واستخبرها الحال . هذا ولم يَطُل العهد ، ولم يخلُ منك الذكر ، والسلام عليكما سلام مودّع ، لا قال ولا سَئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن اُقِم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين(٤) .

٤١٦٣ ـ الإمام زين العابدين  ¼ : بلغ اُمّ سلمة ـ زوجة النبىّ  ½ ـ أنّ مولي لها


(١) بحار الأنوار : ٤٣ / ٢١٨ / ٤٩ نقلا عن مصباح الأنوار .
(٢) التَّجلُّد : تكلّف الجَلادة ، والجَلَد : القوّة والصبر (لسان العرب : ٣ / ١٢٦ و١٢٥) .
(٣) أحفاهُ : ألَحَّ عليه فى المسألة (لسان العرب : ١٤ / ١٨٧) .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ٢٠٢ ، الكافى : ١ / ٤٥٩ / ٣ عن علىّ بن محمّد الهرمزانى عن الإمام الحسين  ¼ ، الأمالى للمفيد : ٢٨١ / ٧ ، الأمالى للطوسى : ١٠٩ / ١٦٦ ، بشارة المصطفي : ٢٥٩ والثلاثة الأخيرة عن علىّ بن محمّد الهرمزانى عن الإمام زين العابدين عن أبيه    ¤ وكلّها نحوه ، روضة الواعظين : ١٦٩ .

 ١٤٧ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى

يتنقّص عليّاً  ¼ ، ويتناوله . فأرسلت إليه ، فلمّا أن صار إليها ، قالت له : يا بنى ، بلغنى أنّك تتنقّص عليّاً  ¼ وتتناوله !

قال لها : نعم ، يا اُمّاه .

قالت : اُقعد ـ ثكلتك اُمّك ـ حتي اُحدّثك بحديث سمعته من رسول الله  ½ ، ثمّ اختَر لنفسك ! إنّا كنّا عند رسول الله  ½ تسع نسوة ، وكانت ليلتى ويومى من رسول الله  ½ ، فدخل النبىّ  ½ وهو متهلّل ، أصابعه فى أصابع علىٍّ ، واضعاً يده عليه ، فقال : يا اُمّ سلمة ، اُخرجى من البيت ، وأخليه لنا . فخرجتُ ، وأقبلا يتناجيان ، أسمع الكلام ، وما أدرى ما يقولان ، حتي إذا انتصف النهار أتيت الباب ، فقلت : أدخلُ يا رسول الله ؟

قال : لا . فكبوتُ كبوةً شديدةً ; مخافة أن يكون ردّنى من سخطة ، أو نزل فىَّ شيءٌ من السماء .

ثمّ لم ألبث أن أتيتُ الباب الثانية ، فقلت : أدخلُ يا رسول الله ؟

فقال : لا . فكبوتُ كبوةً أشدّ من الاُولي .

ثمّ لم ألبث حتي أتيتُ الباب الثالثة ، فقلت : أدخلُ يا رسول الله ؟

فقال : اُدخلى يا اُمّ سلمة . فدخلتُ ، وعلىٌّ  ¼ جاث بين يديه ، وهو يقول : فداك أبى واُمّى يا رسول الله ! إذا كان كذا وكذا فما تأمُرنى ؟

قال : آمرك بالصبر .

ثمّ أعاد عليه القول الثانية ، فأمره بالصبر . فأعاد عليه القول الثالثة ، فقال له : يا علىّ ، يا أخى ، إذا كان ذاك منهم فسُلّ سيفك ، وضَعْه علي عاتقك ، واضرب به قُدماً قُدماً ، حتي تلقانى وسيفك شاهر يقطُر من دمائهم .

 ١٤٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الصبر وفى العين قذى

ثمّ التفت  ¼ إلىَّ ، فقال لى : ما هذه الكآبة يا اُمّ سلمة ؟

قلت : للذى كان من ردّك لى يا رسول الله .

فقال لى : والله ما رددتُكِ من مَوْجِدة ، وإنّكِ لعلي خير من الله ورسوله ، لكن أتيتِنى وجبرئيل عن يمينى وعلىّ عن يسارى ، وجبرئيل يخبرنى بالأحداث التى تكون من بعدى ، وأمرنى أن اُوصى بذلك عليّاً .

يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب أخى فى الدنيا ، وأخى فى الآخرة .

يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب وزيرى فى الدنيا ، ووزيرى فى الآخرة .

يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب حامل لوائى فى الدنيا ، وحامل لوائى غداً فى القيامة .

يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب وصيّى ، وخليفتى من بعدى ، وقاضى عِداتى ، والذائد عن حوضى .

يا اُمّ سلمة ، اسمعى واشهدى ، هذا علىّ بن أبى طالب سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .

قلت : يا رسول الله ، مَن الناكثون ؟

قال : الذين يبايعونه بالمدينة ، وينكثون بالبصرة .

قلت : مَن القاسطون ؟

قال : معاوية وأصحابه من أهل الشام .

 ١٤٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / أعظم الناس حلماً

قلت : مَن المارقون ؟

قال : أصحاب النهروان .

فقال مولي اُمّ سلمة : فرّجْتِ عنّى ، فرّج الله عنكِ ، والله لا سَببتُ عليّاً أبداً(١) .

٤١٦٤ ـ الإرشاد عن جندب بن عبد الله : دخلت علي علىّ بن أبى طالب بالمدينة بعد بيعة الناس لعثمان ، فوجدتُه مطرقاً كئيباً ، فقلت له : ما أصاب قومك ؟ قال : صبرٌ جميل . فقلت له : سبحان الله ! والله إنّك لصبور(٢) .

راجع : الخصائص السياسيّة والاجتماعيّة / المظلوميّة بعد النبىّ .

٢ / ٥

أعظم الناس حلماً

٤١٦٥ ـ رسول الله  ½ ـ لفاطمة (ع) ـ : زوّجتك أقدم اُمّتى سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً(٣) .


(١) الأمالى للصدوق : ٤٦٣ / ٦٢٠ ، الأمالى للطوسى : ٤٢٥ / ٩٥٢ ، بشارة المصطفي : ٥٨ كلّها عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن أبيه    ¤ ، الاحتجاج : ١ / ٤٦١ / ١٠٦ نحوه .
(٢) الإرشاد : ١ / ٢٤١ ، الأمالى للطوسى : ٢٣٤ / ٤١٥ ; شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٢٦٦ نحوه .
(٣) مسند ابن حنبل : ٧ / ٢٨٨ / ٢٠٣٢٩ ، المعجم الكبير : ٢٠ / ٢٣٠ / ٥٣٨ وفيه "أحلمهم" بدل "أعظمهم" وكلاهما عن معقل بن يسار وج ١ / ٩٤ / ١٥٦ ، المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٤٩٠ / ٩٧٨٣ وفيهما "أوّل أصحابى" بدل "أقدم اُمّتى" ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٧ / ٥٠٥ / ٦٨ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٣٥٤ والأربعة الأخيرة عن أبى إسحاق ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ١٢٦ / ٨٤٩٦ عن معقل وص ١٣٢ / ٨٥٠٥ عن أنس وح ٨٥٠٦ عن عائشة وح ٨٥٠٤ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٧٦٤ / ١٣٤٦ كلاهما عن بريدة وفى الثلاثة الأخيرة "أفضلهم" بدل "أعظمهم" ، الاستيعاب : ٣ / ٢٠٣ / ١٨٧٥ نحوه ; الخصال : ٤١٢ / ١٦ ، الأمالى للطوسى : ١٥٤ / ٢٥٦ كلاهما عن أبى أيّوب ، الإرشاد : ١ / ٣٦ عن أبى سعيد الخدرى ، كمال الدين : ٢٦٣ / ١٠ عن سلمان الفارسى ، المناقب للكوفى : ١ / ٢٧٩ / ١٩٣ عن بكر بن عبد الله المزنى .


إرجاعات 
٤٠٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الرابع : الخصائص السياسيّة والاجتماعيّة / المظلوميّة بعد النبيّ

 ١٥٠ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / أعظم الناس حلماً

٤١٦٦ ـ عنه  ½ : علىٌّ . . . أعلم الناس علماً ، وأحلم الناس حلماً(١) .

٤١٦٧ ـ عنه  ½ : يا علىّ ، أنت أفضل اُمّتى فضلاً ، وأقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأوفرهم حلماً(٢) .

٤١٦٨ ـ المستدرك علي الصحيحين عن أبى يحيي : نادي رجل من الغالين عليّاً  ¼ وهو فى الصلاة ـ صلاة الفجر ـ فقال : ³ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَـئـِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  ²  (٣) .

فأجابه علىّ  ¼ وهو فى الصلاة : ³ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ  ²  (٤) (٥) .

٤١٦٩ ـ شرح نهج البلاغة عن زرارة بن أعين عن أبيه عن الإمام الباقر  ¼ : كان علىّ  ¼ إذا صلّي الفجر لم يزَل معقّباً إلي أن تطلع الشمس ، فإذا طلعت اجتمع إليه


(١) المناقب لابن المغازلى : ١٥١ / ١٨٨ ، المناقب للخوارزمى : ٢٩٠ / ٢٧٩ كلاهما عن ابن عبّاس ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ١٣١ / ٨٥٠٣ عن بريدة ; الأمالى للطوسى : ٦٠٧ / ١٢٥٤ عن سلمان وفيهما "أعلمهم علماً وأحلمهم حلماً" ، الفضائل لابن شاذان : ١٠٢ عن ابن عبّاس .
(٢) الأمالى للصدوق : ١٠١ / ٧٧ عن مقاتل بن سليمان عن الإمام الصادق عن آبائه (ع) ، روضة الواعظين : ١١٥ .
(٣) الروم : ٦٠ .
(٤) الزمر : ٦٥ .
(٥) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٥٨ / ٤٧٠٤ ، السنن الكبري : ٢ / ٣٤٨ / ٣٣٢٧ ، تفسير الطبرى : ١١ / الجزء ٢١ / ٥٩ عن علىّ بن ربيعة وقتادة ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٣ عن القاسم بن الوليد وص ٧٤ عن أبى رزين وكلاهما نحوه ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٢ عن الشافعى وفى الأربعة الأخيرة "الخوارج" بدل "الغالين" وراجع المصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٧٣١ / ١١ .

 ١٥١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / أعظم الناس حلماً

الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس ، فيُعلّمهم الفقهَ والقرآن .

وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك ، فقام يوماً فمرّ برجل ، فرماه بكلمة هجر ـ قال : لم يُسمِّه محمّد بن علىّ  ¼ ـ فرجع عوده علي بدئه حتي صعد المنبر ، وأمر فنودى الصلاة جامعة ، فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي نبيّه ثمّ قال :

أيّها الناس ، إنّه ليس شىء أحبّ إلي الله ولا أعمّ نفعاً من حلم إمام وفقهه ، ولا شىء أبغض إلي الله ولا أعمّ ضرراً من جهل إمام وخُرقه(١) ، ألا وإنّه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ ، ألا وإنّه من أنصف من نفسه لم يزِده الله إلاّ عزّاً ، ألا وإنّ الذلّ فى طاعة الله أقرب إلي الله من التعزّز فى معصيته .

ثمّ قال : أين المتكلّم آنفاً ! فلم يستطِع الإنكار ، فقال : ها أنذا يا أمير المؤمنين .

فقال : أما إنّى لو أشاء لقلتُ . فقال : إن تعفُ وتصفح فأنت أهل ذلك . قال : قد عفوتُ وصفحتُ .

فقيل لمحمّد بن علىّ  ¼ : ما أراد أن يقول ؟ قال : أراد أن ينسبه(٢) .

٤١٧٠ ـ شرح نهج البلاغة : أمّا الحلم والصفح ، فكان أحلم الناس عن ذنب ، وأصفحهم عن مسىء . وقد ظهر صحّة ما قلناه يوم الجمل ; حيث ظفر بمروان بن الحكم ـ وكان أعدي الناس له ، وأشدّهم بغضاً ـ فصفح عنه .

وكان عبد الله بن الزبير يشتمه علي رؤوس الأشهاد ، وخطب يوم البصرة فقال : قد أتاكم الوغد اللئيم علىّ بن أبى طالب . وكان علىّ  ¼ يقول : ما زال الزبير


(١) الخُرْق : الجهل والحمق (لسان العرب : ١٠ / ٧٥) .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٩ ; بحار الأنوار : ٤١ / ١٣٢ .

 ١٥٢ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / أعظم الناس حلماً

رجلاً منّا أهل البيت حتي شبّ عبد الله ، فظفر به يوم الجمل ، فأخذه أسيراً ، فصفح عنه ، وقال : اذهب ، فلا أرينّك . لم يزِده علي ذلك .

وظفر بسعيد بن العاص ـ بعد وقعة الجمل ـ بمكّة ـ وكان له عدوّاً ـ فأعرض عنه ، ولم يقُل له شيئاً .

وقد علمتم ما كان من عائشة فى أمره ، فلمّا ظفر بها أكرمها ، وبعث معها إلي المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس ، عمّمهنّ بالعمائم ، وقلّدهنّ بالسيوف ، فلمّا كانت ببعض الطريق ذكرَتْه بما لا يجوز أن يذكر به ، وتأفّفت ، وقالت : هتك سترى برجاله وجنده الذين وكلهم بى . فلمّا وصلت المدينة ألقي النساء عمائمهنّ ، وقلن لها : إنّما نحن نسوة .

وحاربه أهل البصرة ، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف ، وشتموه ، ولعنوه ، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم ، ونادي مناديه فى أقطار العسكر : ألا لا يُتبع مولٍّ ، ولا يُجهز علي جريح ، ولا يُقتل مستأسر ، ومن ألقي سلاحه فهو آمن ، ومن تحيّز إلي عسكر الإمام فهو آمن . ولم يأخذ أثقالهم ، ولا سبي ذراريهم ، ولا غنم شيئاً من أموالهم ، ولو شاء أن يفعل كلّ ذلك لفعل ، ولكنّه أبي إلاّ الصفح والعفو ، وتقيّل سنّةَ رسول الله  ½ يوم فتح مكّة ; فإنّه عفا والأحقاد لم تبرد ، والإساءة لم تُنسَ(١) .

راجع :القسم الخامس / السياسة الأمنيّة / الرفق ما لم يكن تأمراً .

القسم السادس / وقعة الجمل / بعد الظفر .

وقعة النهروان / مسير المارقين إلي النهروان ، وصبر الإمام علي أذاهم ورفقه بهم.

وقعة النهروان / القتال / سياسة الإمام فى الجرحي والغنائم .


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٢ .


إرجاعات 
٢٨٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي / الفصل الثامن : السياسة الأمنيّة / الرفق ما لم يكن تآمراً
٢٥٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر
٣٢١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلى النهروان
٣٤٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثالث : مسير المارقين إلى النهروان / صبر الإمام على أذاهم ورفقه بهم
٣٨٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / سياسة الإمام في الجرحى والغنائم