الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد التاسع

 

١٥٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / قوّة العزم والاستقامة

٢ / ٦

قوّة العزم والاستقامة

٤١٧١ ـ الإمام علىّ  ¼ : أمّا بعد ، فإنّ الله سبحانه بعث محمّداً  ½ وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ، ولا يدّعى نبوّةً ولا وحياً ، فقاتل بمن أطاعه من عصاه ، يسوقهم إلي مَنجاتهم . . . وايم الله ، لقد كنتُ من ساقَتها حتي تولّت بحذافيرها ، واستوسقت فى قيادها ، ما ضعفتُ ، ولا جبُنتُ ، ولا خُنتُ ، ولا وهنتُ وايم الله ، لأبقرنّ الباطل حتي اُخرج الحقّ من خاصرته(١) .

٤١٧٢ ـ عنه  ¼ : لقد كنّا مع رسول الله  ½ ، وإنّ القتل ليدور علي الآباء والأبناء والإخوان والقرابات ، فما نزداد علي كلّ مصيبة وشدّة إلاّ إيماناً ومضياً علي الحقّ ، وتسليماً للأمر ، وصبراً علي مضض الجراح(٢) .

٤١٧٣ ـ المستدرك علي الصحيحين عن ابن عبّاس : كان علىّ  ¼ يقول فى حياة رسول الله  ½ : إنّ الله يقول : ³ أَ فَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ  ²  (٣) والله لا ننقلب علي أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قُتل لاُقاتلنّ علي ما قاتل عليه حتي أموت ، والله إنّى لأخوه ، ووليّه ، وابن عمّه ، ووارث علمه ، فمن أحقُّ به منّى !(٤)


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٠٤ والخطبة ٣٣ ، الإرشاد : ١ / ٢٤٨ كلاهما عن ابن عبّاس نحوه .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٢٢ ، الاحتجاج : ١/٤٤٠/١٠٠ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٦٩ / ٦٠٠ وح ٦٠١ .
(٣) آل عمران : ١٤٤ .
(٤) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٣٦ / ٤٦٣٥ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٥٢ / ١١١٠ ، المعجم الكبير : ١ / ١٠٧ / ١٧٦ ، خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ١٣٠ / ٦٥ وزاد فيه "أو اُقتل" بعد "أموت" ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٦ ، تفسير ابن أبى حاتم : ٢ / ٥٨١ / ١٥٥٣ نحوه ; الأمالى للطوسى : ٥٠٢ / ١٠٩٩ ، الاحتجاج : ١ / ٤٦٦ / ١١٠ ، المناقب للكوفى : ١ / ٣٣٩ / ٢٦٥ .

 ١٥٤ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / تمام الإخلاص

٤١٧٤ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى كلام له بعد وقعة النهروان يذكر فيه فضائله ـ : فقمتُ بالأمر حين فشلوا ، وتطلّعت حين تَقبّعوا(١) ، ونطقتُ حين تَعْتَعوا ، ومضيت بنور الله حين وقفوا ، وكنت أخفضهم صوتاً ، وأعلاهم فَوتاً(٢) ، فطِرتُ بعنانِها ، واستبددتُ برِهانِها(٣) ، كالجبل ; لا تحرّكه القواصف ، ولا تزيله العواصف ، لم يكن لأحد فىَّ مَهْمَز ، ولا لقائل فىَّ مَغْمَز(٤) .

٤١٧٥ ـ عنه  ¼ ـ فى جواب كتاب عقيل ـ : وأمّا ما سألت عنه من رأيى فى القتال ، فإنّ رأيى قتال المحلّين حتي ألقي الله ، لا يزيدنى كثرة الناس حولى عزّةً ، ولا تفرّقهم عنّى وحشةً ، ولا تحسبنّ ابن أبيك ـ ولو أسلمه الناس ـ متضرّعاً متخشّعاً ، ولا مُقرّاً للضيم واهناً ، ولا سلس الزمام للقائد ، ولا وطىء الظهر للراكب المُتقعِّد ، ولكنّه كما قال أخو بنى سليم :

فإن تَسألينى كَيفَ أنتَ فإنّنىصَبورٌ علي رَيبِ الزمانِ صَليبُ
يَعزُّ علىَّ أن تُري بى كآبةٌ فيَشمتَ عاد أو يُساءَ حَبيبُ(٥)

٢ / ٧

تمام الإخلاص

٤١٧٦ ـ الفخرى : قيل إنّ علياً  ¼ صرع فى بعض حروبه رجلاً ، ثمّ قعد علي


(١) القُبوع : أن يُدخل الإنسان رأسه فى قميصه أو ثوبه ، ويَقبَع رأسَه : يُخبؤه (لسان العرب : ٨ / ٢٥٨) .
(٢) فاتنى كذا : أى سبقنى (لسان العرب : ٢ / ٦٩) .
(٣) طرتُ بعنانها : أى سبقتهم ، وهذا الكلام استعارة من مسابقة خيل الحَلْبة . واستبددت بالرهان : أى انفردت بالخطر الذى وقع التراهن عليه (شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٨٥) .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ٣٧ .
(٥) نهج البلاغة : الكتاب ٣٦ ، الغارات : ٢ / ٤٣٣ عن زيد بن وهب نحوه ; ربيع الأبرار : ٢ / ٥٢٧ وفيه من "و لا تحسبنّ . . . " ، الإمامة والسياسة : ١ / ٧٤ نحوه .

 ١٥٥ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / كمال الصدق

صدره ليحتزّ رأسه ، فبصق ذلك الرجل فى وجهه ، فقام علىّ  ¼ وتركه ، فلمّا سئل عن سبب قيامه وتركه قتل الرجل بعد التمكّن منه قال : إنّه لمّا بصق فى وجهى اغتضتُ منه ، فخفتُ إن قتلتُه أن يكون للغضب والغيظ نصيبٌ فى قتله ، وما كنتُ اُحب أن أقتُله إلاّ خالصاً لوجه الله تعالي(١) .

٤١٧٧ ـ شرح نهج البلاغة : أنتَ إذا تأمّلتَ دعواته ومناجاته ، ووقفت علي ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله ، وما يتضمّنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لعزّته ، والاستخذاء(٢) له ، عرفتُ ما ينطوى عليه من الإخلاص ، وفهمتُ من أىّ قلب خرجت ، وعلي أىّ لسان جرت(٣) .

راجع : الخصائص العقائديّة / أخلص المؤمنين إيماناً .

٢ / ٨

كمال الصدق

٤١٧٨ ـ رسول الله  ½ ـ لعلىّ  ¼ ـ : أنت . . . أحسنهم خلقاً ، وأصدقهم لساناً(٤) .

٤١٧٩ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ لمّا بويع بالمدينة ـ : والله ، ما كتمت وَشْمةً(٥) ، ولا كذبت كذبةً(٦) .


(١) الفخرى : ٤٤ ، إحقاق الحقّ : ١٨ / ١٤٧ نحوه . راجع : مع النبىّ / غزوة الخندق .
(٢) استخذيتُ : خضعتُ ، وقد يُهمز (لسان العرب : ١٤ / ٢٢٥) .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٧ ; بحار الأنوار : ٤١ / ١٤٨ .
(٤) الاحتجاج : ١ / ٣٦٣ / ٦٠ ، كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٦٠١ / ١٦ ، الفضائل لابن شاذان : ١٢٣ كلّها عن سلمان والمقداد وأبى ذرّ .
(٥) وَشْمَة : أى كلمة (النهاية : ٥ / ١٨٩) .
(٦) الكافى : ٨ / ٦٧ / ٢٣ وج ١ / ٣٦٩ / ١ ، الغيبة للنعمانى : ٢٠٢ / ١ وفيهما "وسمة" بدل "وشمة" وكلّها عن يعقوب السرّاج وعلىّ بن رئاب عن الإمام الصادق  ¼ ، نهج البلاغة : الخطبة ١٦ ، غرر الحكم : ١٠١٢٤ .


إرجاعات 
١٢٦ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / أخلص المؤمنين إيماناً

 ١٥٦ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / كمال الصدق

٤١٨٠ ـ عنه  ¼ : فوَ الله ما كَذبت ولا كُذِّبت(١) .

٤١٨١ ـ عنه  ¼ ـ من خطبته بعد وقعة النهروان ـ : أ ترانى أكذب علي رسول الله  ½ ! ! والله ، لأنا أوّل من صدّقه ، فلا أكون أوّل من كذب عليه(٢) .

٤١٨٢ ـ عنه  ¼ : والله ، ما كَذبت ولا كُذِّبت ، ولا ضَللت ولا ضُلّ بى ، وما نسيت ما عُهد إلىَّ ، إنى إذاً لنسىٌّ(٣) .

٤١٨٣ ـ خصائص الأئمّة (ع) : تحدّث [علىّ  ¼ ] يوماً بحديث عن رسول الله  ½ ، فنظر القوم بعضهم إلي بعض ، فقال  ¼ : ما زلت مذ قُبض رسول الله  ½ مظلوماً ،


(١) صحيح مسلم : ٢ / ٧٤٩ / ١٥٧ ، السنن الكبري : ٨ / ٢٩٦ / ١٦٧٠١ ، خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ٣٠٩ / ١٧٦ كلّها عن عبيد الله بن أبى رافع وص ٣١٧ / ١٨٣ عن زيد بن وهب ، مسند ابن حنبل : ١ / ٢٩٤ / ١١٧٩ عن الوضىء وص ٢٩٦ / ١١٨٨ وص ٢٩٨ / ١١٩٦ ، المستدرك علي الصحيحين : ٤ / ٥٧٧ / ٨٦١٧ والثلاثة الأخيرة عن أبى الوضى وج ٢ / ١٦٧ / ٢٦٥٨ عن مالك بن الحارث ، تاريخ بغداد : ٧ / ٢٣٧ / ٣٧٢٩ عن جابر ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٩٤ عن أبى موسي ; الإرشاد : ١ / ١٦ ، الاختصاص : ١٢٣ عن مسمع بن عبد الله البصرى عن رجل ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٩١ عن عبد الله بن أبى رافع وأبى موسي وجندب وأبى الوضا ، مسند زيد : ٤٠٩ ، وقال  ¼ هذا الكلام فى موارد مختلفة منها : فى النهروان ، والإخبار بشهادته ، وعلم القرآن .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٣٧ ; المحاسن والمساوئ : ٥٠ نحوه وفيه من "و الله . . . " .
(٣) الأمالى للصدوق : ٤٩١ / ٦٦٨ ، وقعة صفّين : ٣١٥ كلاهما عن جابر عن الإمام الباقر  ¼ ، الأمالى للطوسى : ٢٦١ / ٤٧٣ عن عبد الله بن نجى ، المزار للشهيد الأوّل : ٧٤ وفى الثلاثة الأخيرة إلي "إليَّ" ، خصائص الأئمّة (ع) : ١٠٧ ، نهج البلاغة : الحكمة ١٨٥ ، غرر الحكم : ٩٤٨٣ و٩٤٨٤ ; شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٦٥ عن أبى مخنف وفى الأربعة الأخيرة إلي "ضُلّ بى" ، مسند أبى يعلي : ١ / ٢٦٩ / ٥١٤ عن علىّ بن ربيعة نحوه .

 ١٥٧ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / كمال الإيثار

وقد بلغنى مع ذلك أنّكم تقولون : إنّى أكذب عليه ، ويلكم أ ترونى أكذب ! ! فعلي من أكذب ; أعلي الله ، فأنا أوّل من آمن به ؟ ! أم علي رسول الله  ½ ، وأنا أوّل من صدّقه ؟ ! ولكن لهجة غبتم عنها ، ولم تكونوا من أهلها ، وعلمٌ عجزتم عن حمله ، ولم تكونوا من أهله ، إذ كيل بغير ثمن لو كان له وعاء : ³ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ  ²  (١) (٢) .

٢ / ٩

كمال الإيثار

٤١٨٤ ـ الإمام زين العابدين  ¼ : إنّ أوّل من شري نفسه ابتغاء رضوان الله علىّ بن أبى طالب  ¼ ، وقال علىّ  ¼ عند مبيته علي فراش رسول الله  ½ :

وَقيتُ بِنَفسى خَيرَ مَن وَطَأَ الحَصَي ومَن طافَ بالبيتِ العَتيقِ وبِالحَجر
رسولَ إله خافَ أن يَمكُروا بهِ فنَجّاه ذُو الطَّولِ الإله مِن المَكر
وباتَ رسولُ اللهِ فى الغارِ آمِناً مُوقّيً وفى حِفظِ الإلهِ وفى سِتر
وبُتُّ اُراعِيهمْ ولم يَتْهَمونَنِى وقَد وطَّنتُ نَفسى علَي القَتلِ والأسِر(٣)

٤١٨٥ ـ اُسد الغابة عن أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبى : رأيت فى بعض الكتب


(١) ص : ٨٨ .
(٢) خصائص الأئمّة (ع) : ٩٩ ، نهج البلاغة : الخطبة ٧١ ، الاختصاص : ١٥٥ كلاهما نحوه من "قد بلغنى . . . " .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٥ / ٤٢٦٤ ، المناقب للخوارزمى : ١٢٧ / ١٤١ ، شواهد التنزيل : ١ / ١٣٠ / ١٤١ و١٤٢ كلّها عن حكيم بن جبير ، تذكرة الخواصّ : ٣٥ عن ابن عبّاس من دون إسناد إلي المعصوم ; المناقب للكوفى : ١ / ١٢٤ / ٦٩ عن ليث ، الأمالى للطوسى : ٤٦٨ / ١٠٣١ عن عبيد الله بن أبى رافع ، الفصول المختارة : ٥٩ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٦٠ ، الديوان المنسوب إلي الإمام علىّ  ¼ : ٢٨٠ / ٢٠٧ وفى الأربعة الأخيرة الأبيات فقط .

 ١٥٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / كمال الإيثار

أنّ رسول الله  ½ لمّا أراد الهجرة خلّف علىّ بن أبى طالب  ¼ بمكّة ; لقضاء ديونه ، وردِّ الودائع التى كانت عنده ، وأمَره ليلة خرج إلي الغار ـ وقد أحاط المشركون بالدار ـ أن ينام علي فراشه ، وقال له : اتّشِح(١) ببردى الحضرمى الأخضر ; فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالي . ففعل ذلك .

فأوحي الله إلي جبرئيل وميكائيل    ¤ : إنّى آخيت بينكما ، وجعلت عمْر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختارا كلاهما الحياة ، فأوحي الله عزّ وجلّ إليهما : أ فلا كنتما مثل علىّ بن أبى طالب ; آخيتُ بينه وبين نبيّى محمّد فبات علي فراشه يفديه بنفسه ، ويؤثره بالحياة . اهبطا إلي الأرض ; فاحفظاه من عدوّه . فنزلا ، فكان جبرئيل عند رأس علىّ  ¼ ، وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادى : بَخ بَخ ، من مثلك يابن أبى طالب يباهى الله عزّ وجلّ به الملائكة ! !

فأنزل الله عزّ وجلّ علي رسوله  ½ ـ وهو متوجّه إلي المدينة ـ فى شأن علىّ  ¼ : ³ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ  ²  (٢) (٣) .

٤١٨٦ ـ مجمع البيان عن أبى الطفيل : اشتري علىّ  ¼ ثوباً ، فأعجبه ، فتصدّق به وقال : سمعتُ رسول الله  ½ يقول : من آثر علي نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنّة ،


(١) التَّوشُّح بالرداء : هو أن يُدخل الثوب من تحت يده اليمني فيلقيه علي منكبه الأيسر ; كما يفعل المحرم (لسان العرب : ٢ / ٦٣٣) .
(٢) البقرة : ٢٠٧ .
(٣) اُسد الغابة : ٤ / ٩٨ / ٣٧٨٩ ، تذكرة الخواصّ : ٣٥ عن ابن عبّاس ، إحياء علوم الدين : ٣ / ٣٧٩ ، شواهد التنزيل: ١/١٢٣/١٣٣ عن أبى سعيد الخدري; الأمالى للطوسى: ٤٦٩/١٠٣١ عن أبى يقظان، تنبيه الخواطر : ١ / ١٧٣ ، الفضائل لابن شاذان : ٨١ ، إرشاد القلوب : ٢٢٤ عن أبى سعيد الخدرى ، كشف الغمّة : ١ / ٣١٠ وليس فى السبعة الأخيرة صدره ، خصائص الوحى المبين : ٩٢ / ٦٢ .

 ١٥٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / شدّة الغيرة

ومن أحبّ شيئاً فجعله لله قال الله تعالي يوم القيامة : قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف ، وأنا اُكافيك اليوم بالجنّة(١) .

٤١٨٧ ـ الإمام الصادق  ¼ : كان علىّ  ¼ أشبه الناس طعمةً وسيرةً برسول الله  ½ ، وكان يأكل الخبز والزيت ، ويُطعم الناس الخبز واللحم(٢) .

٤١٨٨ ـ شرح نهج البلاغة : روى عنه أنّه كان يسقى بيده لنخلِ قوم من يهود المدينة حتي مَجلَت(٣) يدُه ، ويتصدّق بالاُجرة ، ويشدّ علي بطنه حجراً(٤) .

راجع :القسم التاسع / علىّ عن لسان القرآن / الذى يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله .

القسم الثانى / الإيثار الرائع ليلة المبيت .

٢ / ١٠

شدّة الغيرة

٤١٨٩ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبته بعد هجوم عمّال معاوية علي مدينة الأنبار ـ : قد بلغنى أنّ الرجل منهم كان يدخل علي المرأة المسلمة ، والاُخري المعاهدة ، فينتزع حجلها وقُلْبَها(٥) وقلائدها ورِعاثَها(٦) ، ما تمنعُ منه إلاّ بالاسترجاع


(١) مجمع البيان : ٢ / ٧٩٢ .
(٢) الكافى : ٨/١٦٥/١٧٦ وج ٦/٣٢٨/٣ ، المحاسن : ٢/٢٧٩/١٩٠١ وزاد فيه "و الخلّ" بعد "الخبز" وليس فيهما "سيرة" ، تنبيه الخواطر : ٢ / ١٤٨ كلّها عن زيد بن الحسن ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢/٩٩ عن الإمام الباقر  ¼ نحوه وليس فيه صدره وراجع الغارات: ١/٨٥ وشرح نهج البلاغة: ٢/٢٠٠.
(٣) مَجَلَت يدُه ومَجِلَت : إذا ثَخُن جلدها وتعجّر ، وظهر فيها ما يُشبه البَثْر ; من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة (النهاية : ٤ / ٣٠٠) .
(٤) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٢ ; بحار الأنوار : ٤١ / ١٤٤ .
(٥) القُلْب : السِّوار (النهاية : ٤ / ٩٨) .
(٦) الرِّعاث : القِرَطَة ، وهى من حلى الاُذن ، واحدتها : رَعْثَة ورَعَثَة (النهاية : ٢ / ٢٣٤) .


إرجاعات 
٣٧ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الأوّل : عليّ عن لسان القرآن / الذي يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله
١٥٧ - المجلد الأوّل / القسم الثاني : الإمام عليّ مع النبيّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت

 ١٦٠ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

والاسترحام ، ثمّ انصرفوا وافرين ، ما نال رجلاً منهم كَلْمٌ ، ولا اُريق له دمٌ . فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً ، بل كان عندى به جديراً(١) .

٤١٩٠ ـ عنه  ¼ : لقد بلغنى أنّ العصبة من أهل الشام كانوا يدخلون علي المرأة المسلمة ، والاُخري المعاهدة ، فيهتكون ستَرها ، ويأخذون القناع من رأسها ، والخرص من اُذُنها ، والأوضاح(٢) من يديها ورجليها وعضديها ، والخلخال والمئزر من سوقها ، فما تمتنع إلاّ بالاسترجاع والنداء : يا للمسلمين ، فلا يُغيثها مغيث ، ولا يَنصرها ناصر . فلو أنّ مؤمناً مات من دون هذا أسفاً ما كان عندى مَلوماً ، بل كان عندى بارّاً محسناً(٣) .

٢ / ١١

زينة الزهد

٤١٩١ ـ رسول الله  ½ : يا علىّ ، إنّ الله تعالي قد زيّنك بزينة لم تُزيّن العبادُ بزينة أحبّ إلي الله تعالي منها ; هى زينة الأبرار عند الله عزّ وجلّ : الزهد فى الدنيا ، فجعلك لا ترزأ(٤) من الدنيا شيئاً ، ولا تزرأ الدنيا منك شيئاً ، ووهب لك حبّ


(١) الكافى : ٥ / ٥ / ٦ عن أبى عبد الرحمن السلمى ، نهج البلاغة : الخطبة ٢٧ ، شرح الأخبار : ٢ / ٧٥ / ٤٤٢ عن أبى صادق ، معانى الأخبار : ٣١٠ / ١ ، نثر الدرّ : ١ / ٢٩٨ ، الغارات : ٢ / ٤٧٦ ، دعائم الإسلام : ١ / ٣٩٠ ; الكامل للمبرّد : ١ / ٣٠ ، البيان والتبيين : ٢ / ٥٤ ، العقد الفريد : ٣ / ١٢٢ ، الأخبار الطوال : ٢١٢ والثمانية الأخيرة نحوه .
(٢) الأوضاح : نوع من الحُلىّ يُعمل من الفضّة ، سمّيت بها لبياضها ، واحدها : وَضَح (النهاية : ٥ / ١٩٦) .
(٣) الإرشاد : ١ / ٢٨٣ ، الاحتجاج : ١ / ٤١٦ / ٨٩ .
(٤) ما رَزَأْنا منه : ما نَقَصْنا منه شيئاً ، ولا أخذنا (النهاية : ٢ / ٢١٨) .

 ١٦١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

المساكين ، فجعلك ترضي بهم أتباعاً ، ويرضون بك إماماً(١) .

٤١٩٢ ـ عنه  ½ : يا علىّ ، إنّ الله قد زيّنك بزينة لم يَتزيّن العبادُ بزينة أحبّ إلي الله منها ; الزهد فى الدنيا ، فجعلك لا تَنال من الدنيا شيئاً ، ولا تَنال الدنيا منك شيئاً ، ووهب لك حبّ المساكين ، فرضوا بك إماماً ، ورضيت بهم أتباعاً ، فطوبي لمن أحبّك وصدّق فيك ، وويلٌ لمن أبغضك وكذب عليك ; فأمّا الذين أحبّوا وصدّقوا فيك فهم جيرانك فى دارك ، ورفقاؤك فى قصرك ، وأمّا الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحقّ علي الله أن يوقفهم موقف الكذّابين يوم القيامة(٢) .

٤١٩٣ ـ عنه  ½ ـ لعلىّ  ¼ ـ : إنّ الله زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بشىء أحبّ إلي الله منها ، ولا أبلغ عنده منها ; الزهد فى الدنيا ، وإنّ الله قد أعطاك ذلك ، جعل الدنيا لا تَنال منك شيئاً ، وجعل لك من ذلك سيماء تعرف بها(٣) .

٤١٩٤ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى كتابه إلي عامله علي البصرة عثمان بن حنيف ـ : ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدى به ، ويستضىء بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفي من دنياه بطِمرَيه(٤) ، ومن طُعمه بقُرصَيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون علي ذلك ، ولكن


(١) حلية الأولياء : ١ / ٧١ ، ذخائر العقبي : ١٧٩ ، شواهد التنزيل : ١ / ٥١٧ / ٥٤٨ نحوه إلي "المساكين" وكلّها عن عمّار .
(٢) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٨١ وص ٢٨٢ نحوه ، اُسد الغابة : ٤ / ٩٦ / ٣٧٨٩ ، المعجم الأوسط : ٢ / ٣٣٧ / ٢١٥٧ ، المناقب للخوارزمى : ١١٦ / ١٢٦ كلاهما نحوه ، المناقب لابن المغازلى : ١٠٦ / ١٤٨ ، الفردوس : ٥ / ٣١٩ / ٨٣١١ نحوه وكلاهما إلي "منك شيئاً" ; الأمالى للطوسى : ١٨١ / ٣٠٣ ، بشارة المصطفي : ٩٨ ، شرح الأخبار : ١ / ١٥١ / ٨٧ والثلاثة الأخيرة نحوه وكلّها عن عمّار ، روضة الواعظين : ٤٧٩ وفيه إلي "من الدنيا شيئاً" .
(٣) المحاسن : ١ / ٤٥٤ / ١٠٤٦ ، مشكاة الأنوار : ٢٠٧ / ٥٦٠ كلاهما عن أبى أيّوب الأنصارى .
(٤) الطِّمْر : الثوب الخَلَق (النهاية : ٣ / ١٣٨) .

 ١٦٢ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

أعينونى بورع واجتهاد ، وعفّة وسداد . فوَ الله ما كنزتُ من دنياكم تِبراً(١) ، ولا ادّخرتُ من غنائمها وَفْراً(٢) ، ولا أعددتُ لبالى ثوبى طِمراً .

بلي ! كانت فى أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء ، فشَحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونِعْمَ الحكمُ الله . وما أصنعُ بفدك وغير فدك ، والنفسُ مظانُّها فى غد جَدَث ، تنقطعُ فى ظلمته آثارها ، وتغيبُ أخبارها ، وحفرةٌ لو زِيدَ فى فُسحتها ، وأوسعت يَدا حافرها ، لأضغطها الحجر والمدر ، وسَدّ فُرجها التراب المتراكم .

وإنّما هى نفسى أروضها بالتقوي ; لتأتى آمنةً يوم الخوف الأكبر ، وتثبتُ علي جوانب المزلق . . . .

ولو شئتُ لاهتديتُ الطريق إلي مصفّي هذا العسل ، ولُبابِ هذا القمح ، ونَسائج هذا القزّ ، ولكن هيهاتَ أن يغلبنى هواى ، ويقودنى جشعى إلي تَخيّر الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له فى القرص ، ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناً وحولى بُطونٌ غرثي وأكبادٌ حرّي ، أو أكون كما قال القائل :

وحَسبُكَ داءً أن تَبيتَ بِبِطنة وحَولُك أكبادٌ تَحِنُّ إلي القِدِّ

أ أقنع من نفسى بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا اُشاركهم فى مكاره الدهر ، أو أكون اُسوةً لهم فى جشوبة العيش ! فما خُلقتُ ليشغلنى أكل الطيّبات ، كالبهيمة المربوطة ; همّها علفها ، أو المُرسَلة ; شغلها تَقمُّمها ، تكترش من أعلافها ، وتلهو


(١) التِّبْر : هو الذهب والفضّة قبل أن يُضربا دنانير ودراهم ، وقد يطلق التِّبْر علي غيرهما من المعدنيّات ; كالنحاس والحديد والرصاص ، وأكثر اختصاصه بالذهب (النهاية : ١ / ١٧٩) .
(٢) الوَفْر : المال الكثير (النهاية : ٥ / ٢١٠) .

 ١٦٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

عمّا يُراد بها ، أو اُترك سديً ، أو اُهمل عابثاً ، أو أجرّ حبل الضلالة ، أو أعتسفُ طريق المتاهة ! . . .

إليكِ عنّى يا دنيا ، فحبلكِ علي غاربكِ ، قد انسللتُ من مخالبكِ ، وأفلَتُّ من حبائلكِ ، واجتنبتُ الذهاب فى مداحضِك ، أين القرون الذين غَررتِهم بمَداعبك ! أين الاُمم الذين فتنتِهم بزَخارفكِ ! فها هم رهائن القبور ، ومضامين اللحود .

والله لو كنتِ شخصاً مرئيّاً ، وقالباً حسّيّاً ، لأقمتُ عليكِ حدود الله فى عباد غررتِهم بالأمانى ، واُمم ألقيتِهم فى المهاوى ، وملوك أسلمتِهم إلي التلف ، وأوردتِهم موارد البلاء ، إذ لا ورد ولا صدر !

هيهات ! من وَطئ دَحضكِ زَلق ، ومن ركب لججك غرق ، ومن ازوَرَّ عن حبائلكِ وُفّق ، والسالم منك لا يُبالى إن ضاق به مناخُه ، والدنيا عنده كيوم حان انسلاخُه .

اعزُبى عنّى ! فوَ الله لا أذلّ لك فتستذلّينى ، ولا أسلسُ لك فتقودينى . وايم الله ـ يميناً استثنى فيها بمشيئة الله ـ لأروضنّ نفسى رياضةً تهشُّ معها إلي القرص إذا قدرت عليه مطعوماً ، وتقنعُ بالملح مأدوماً ، ولأدعنّ مقلتى كعين ماء نضب معينُها ، مستفرغةً دموعها .

أ تمتلئ السائمة من رعيها فتبرك ، وتشبع الربيضة من عشبها فتربض . ويأكل علىٌّ من زاده فيهجع ؟ ! قرّت إذاً عينه إذا اقتدي ـ بعد السنين المتطاولة ـ بالبهيمة الهاملة ، والسائمة المرعيّة .

طوبي لنفس أدّت إلي ربّها فرضَها ، وعَرَكت(١) بجنبها بؤسها ، وهجرت فى


(١) عرك البعيرُ جنبَه بمرفقه : إذا دلكه فأثّر فيه (النهاية : ٣ / ٢٢٢) .

 ١٦٤ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

الليل غُمضَها ، حتي إذا غلب الكَري عليها افترشَت أرضَها ، وتَوسّدت كفّها ، فى معشر أسهر عيونَهم خوفُ معادهم ، وتجافَت عن مضاجعهم جنوبُهم ، وهَمهَمت بذِكر ربّهم شفاهُهم ، وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم ; ³ أُولَـٰئـِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَ لاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  ²  (١) .

فاتّقِ الله يابن حنيف ، ولتكفُف أقراصُك ، ليكون من النار خلاصُك(٢) .

٤١٩٥ ـ عنه  ¼ : والله ما دنياكم عندى إلاّ كسفر علي منهل حلّوا ، إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا ، ولا لذاذَتها فى عينى إلاّ كحميم أشربه غسّاقاً ، وعلقم اتجرّعه زُعاقاً ، وسمّ أفعي اُسقاه دهاقاً ، وقلادة من نار اُوهقها(٣) خناقاً .

ولقد رَقعتُ مِدرعتى هذه حتي استحييتُ من راقعها ، وقال لى : اقذف بها قذف الاُتُن ، لا يرتضيها ليرقعها . فقلت له : اغرُب عنّى فعند الصباح يحمد القوم السري(٤) ، وتنجلى عنّا علالات الكري .

ولو شئت لتسربلت بالعبقرىُ المنقوش من ديباجكم ، ولاَكلتُ لُبابَ هذا البُرّ بصدور دجاجكم ، ولشربتُ الماء الزلال برقيق زجاجكم ، ولكنّى اُصدّق الله جلّت عظمته حيث يقول : ³ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ  ± أُولَـٰئـِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الاَْخِرَةِ إِلاَّ


(١) المجادلة : ٢٢ .
(٢) نهج البلاغة : الكتاب ٤٥ .
(٣) الوَهَق : حبل كالطِّوَل ; تُشدّ به الإبل والخيل لئلاّ تنِدّ (النهاية : ٥ / ٢٣٣) .
(٤) عند الصباح يحمد القوم السُّري : مثلٌ يُضربُ للرجل يحتمل المشقّة رجاء الراحة (مجمع الأمثال : ٢ / ٣١٨ / ٢٣٨٢) .

 ١٦٥ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

النَّارُ  ²  (١) . فكيف أستطيع الصبر علي نار لو قذفت بشررة إلي الأرض لأحرقت نبتَها ! ولو اعتصمت نفس بقُلّة لأنضجها وهج النار فى قُلّتها ! وأيّما خير لعلىّ أن يكون عند ذى العرش مقرّباً ، أو يكون فى لظي خسيئاً مُبعداً مسخوطاً عليه بجُرمه مكذّباً !(٢)

٤١٩٦ ـ عنه  ¼ : دنياكم هذه أزهد عندى من عفطةِ عنز (٣) .

٤١٩٧ ـ عنه  ¼ : والله لَدنياكم هذه أهون فى عينى من عُراقِ (٤) خنزير فى يدِ مجذوم (٥) .

٤١٩٨ ـ عنه  ¼ : إنّ دنياكم عندى لأهون من ورقة فى فم جرادة ، تَقضِمُها ، ما لعلىٍّ ولنعيم يفني ، ولذّة لا تبقي !(٦)

٤١٩٩ ـ عنه  ¼ ـ حين عزموا علي بيعة عثمان ـ : والله لاُسلمنّ ما سَلمت اُمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ علىَّ خاصّة ; التماساً لأجر ذلك وفضله ، وزهداً


(١) هود : ١٥ و١٦ .
(٢) الأمالى للصدوق : ٧١٨ / ٩٨٨ عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن آبائه (ع) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٣ ، معانى الأخبار : ٣٦٢ / ١ ، علل الشرائع : ١٥١ / ١٢ ، الإرشاد : ١ / ٢٨٩ والثلاثة الأخيرة عن ابن عبّاس ، الأمالى للطوسى : ٣٧٤ / ٨٠٣ عن زرارة عن الإمام الباقر  ¼ عن ابن عبّاس وعن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه عنه (ع) ، نثر الدرّ : ١ / ٢٧٥ وفيه "أهون" بدل "أزهد" .
(٤) العَرْق : العظم إذا اُخذ عنه معظم اللحم ، وجمعه : عُراق (النهاية : ٣ / ٢٢٠) .
(٥) نهج البلاغة : الحكمة ٢٣٦ .
(٦) نهج البلاغة : الخطبة ٢٢٤ ، الأمالى للصدوق : ٧٢٢ / ٩٨٨ عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن آبائه (ع) عنه  ¼ وفيه "و لذّة تنتجها المعاصى" بدل "و لذّة لا تبقي" ; تذكرة الخواصّ : ١٥٦ عن ابن عبّاس وفيه إلي "جرادة" .

 ١٦٦ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه(١) .

٤٢٠٠ ـ المحاسن عن حبّة العرنى : اُتى أمير المؤمنين  ¼ بخِوان(٢) فالوذج ، فوُضع بين يديه ، فنظر إلي صفائه وحسنه ، فوَجأ بإصبعه فيه حتي بلغ بأسفله ، ثمّ سلّها ولم يأخذ منه شيئاً ، وتلمّظ إصبعه ، وقال : إنّ الحلال طيّب ، وما هو بحرام ، ولكنّى أكره أن اُعوّد نفسى ما لم اُعوّدها ، ارفعوه عنّى ، فرفعوه(٣) .

٤٢٠١ ـ شرح الأخبار عن الزهرى : لقد بلغنا أنّه [علىّ  ¼ ] اشتهي كبداً مشويّة علي خبزة لبنة(٤) ، فأقام حولاً يشتهيها . ثمّ ذكر ذلك الحسن  ¼ يوماً وهو صائم ، فصنعها له ، فلمّا أراد أن يفطر قرّبها إليه ، فوقف سائل بالباب ، فقال : يا بنىّ احملها إليه ; لا تُقرأ صحيفتنا غداً ³ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا  ²  (٥) (٦) .

٤٢٠٢ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ حين رُئى عليه إزار خَلق مرقوع فقيل له فى ذلك ـ : يخشع له القلب ، وتذلّ به النفس ، ويقتدى به المؤمنون . إنّ الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ، فمن أحبّ الدنيا وتولاّها أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بينهما ; كلّما قرب من واحد بعد من الآخر ، وهما بعد ضرّتان (٧) .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٧٤ .
(٢) الخِوَان : هو ما يوضع عليه الطعام عند الأكل (النهاية : ٢ / ٨٩) .
(٣) المحاسن : ٢ / ١٧٨ / ١٥٠٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٩٩ نحوه .
(٤) كذا فى المصدر ، ولعلّ الصحيح : "ليّنة" .
(٥) الأحقاف : ٢٠ .
(٦) شرح الأخبار : ٢ / ٣٦٢ / ٧٢٠ .
(٧) نهج البلاغة : الحكمة ١٠٣ ، خصائص الأئمّة (ع) : ٩٦ .

 ١٦٧ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

٤٢٠٣ ـ الزهد عن أبى النوار بيّاع الكرابيس : أتانى علىّ بن أبى طالب  ¼ ومعه غلام له ، فاشتري منّى قميصَى كرابيس ، ثمّ قال لغلامه : اختَر أيّهما شئت . فأخذ أحدهما ، وأخذ علىّ  ¼ الآخر ، فلبسه ، ثمّ مدّ يده ، ثمّ قال : اقطع الذى يفضل من قدر يدى ، فقطعه ، وكفّه فلبسه ثمّ ذهب(١) .

٤٢٠٤ ـ الإمام علىّ  ¼ : والله لقد رقعت مدرعتى هذه حتي استحييت من راقعها ، ولقد قال لى قائل : ألا تَنبذها عنك ؟ فقلت : اغرب عنّى ، فعند الصباح يحمد القوم السُّري(٢) .

٤٢٠٥ ـ تاريخ دمشق عن العلاء : خطب علىّ  ¼ ، قال : أيّها الناس ، والله الذى لا إله إلاّ هو ، ما رزأتُ من مالكم قليلاً ولا كثيراً إلاّ هذه ـ وأخرج قارورةً من كُمّ قميصه فيها طيب ، فقال : أهداها إلىَّ دهقان ـ(٣) .

٤٢٠٦ ـ الإمام الصادق  ¼ : ما اعتلج علي علىّ  ¼ أمران لله قطّ إلاّ أخذ بأشدّهما ، وما زال عندكم يأكل ممّا عملت يده ، يؤتي به من المدينة . وإن كان ليأخذ السويق فيجعله فى الجراب ، ثمّ يختم عليه ; مخافة أن يزاد فيه من غيره . ومن كان أزهد فى الدنيا من علىّ  ¼ !(٤)


(١) الزهد لابن حنبل : ١٦٥ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ١ / ٥٤٤ / ٩١١ ، اُسد الغابة : ٤/٩٧/ ٣٧٨٩ ، شرح نهج البلاغة : ٩ / ٢٣٥ ; عوالى اللآلى : ١ / ٢٧٨ / ١٠٩ كلاهما نحوه .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٦٠ ، مجمع البيان : ٩ / ١٣٣ ، غرر الحكم : ٧٣٤٥ ، إرشاد القلوب : ١٩ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١٠١ نحوه وفيها "اعزب" بدل "اغرب" .
(٣) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٨٠ ، حلية الأولياء : ١ / ٨١ نحوه ، البداية والنهاية : ٨ / ٢ ، كنز العمّال : ١٣ / ١٦٨ / ٣٦٥١٠ ; خصائص الأئمّة (ع) : ٧٩ نحوه وراجع أنساب الأشراف : ٢ / ٣٧٢ وحلية الأولياء : ٩ / ٥٣ .
(٤) الغارات : ١ / ٨١ ; شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٠١ كلاهما عن معاوية بن عمّار .

 ١٦٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

٤٢٠٧ ـ عنه  ¼ : حدّثنى محمّد بن علىّ بن الحسين  ¼ قال : لمّا تجهّز الحسين  ¼ إلي الكوفة أتاه ابن عبّاس ، فناشده الله والرحم أن يكون هو المقتول بالطفّ ، فقال : [أنا أعرف](١) بمصرعى منك ، وما وكدى من الدنيا إلاّ فراقها .

أ لا اُخبرك يابن عبّاس بحديث أمير المؤمنين  ¼ والدنيا ؟ فقال له : بلي ، لعمرى إنّى لاُحبّ أن تحدّثنى بأمرها .

فقال أبى : قال على بن الحسين  ¼ : سمعت أبا عبد الله  ¼ يقول : حدّثنى أمير المؤمنين  ¼ ، قال : إنّى كنت بفدك فى بعض حيطانها ، وقد صارت لفاطمة (ع) ـ قال : ـ فإذا أنا بامرأة قد قَحمت علىّ وفى يدى مسحاة وأنا أعمل بها ، فلمّا نظرت إليها طار قلبى ممّا تداخلنى من جمالها ، فشبّهتها ببثينة بنت عامر الجمحى ـ وكانت من أجمل نساء قريش ـ . فقالت : يابن أبى طالب ، هل لك أن تتزوّج بى فاُغنيك عن هذه المسحاة ، وأدلّك علي خزائن الأرض ، فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك ؟ فقال لها على  ¼ : من أنتِ حتي أخطبكِ من أهلك ؟ فقالت : أنا الدنيا . قال لها : فارجعى واطلبى زوجاً غيرى ، وأقبلتُ علي مسحاتى ، وأنشأت أقول :

لقد خاب من غَرّتْهُ دنيا دنيّةً وما هىَ إن غَرّتْ قروناً بنائلِ
أتَتنا علي زِىِّ العزيز بثينة وزينتها فى مثل تلك الشَّمائلِ
فقلت لها غُرّى سواىَ فإنّنى عَزوفٌ عن الدنيا ولستُ بجاهلِ
وما أنا والدنيا فإنّ محمّداً اُحلّ صريعاً بين تلكَ الجَنادلِ
وهَبْها أتَتْنى بالكُنوز ودُرِّها وأموال قارون وملك القَبائلِ

(١) ما بين المعقوفين سقط من المصدر وأثبتناه من بحار الأنوار .

 ١٦٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

أ ليسَ جَميعاً للفناءِ مَصيرُها ويطلبُ من خُزّانها بالطَّوائلِ
فغُرِّى سِواىَ إنّنى غيرُ راغب بما فيكِ من مُلك وعِزٍّ ونائلِ
فقد قنعت نفسى بما قد رُزقته فشَأنكِ يا دُنيا وأهلَ الغَوائلِ
فإنّى أخاف الله يوم لقائهِ وأخشي عذاباً دائماً غير زائلِ(١)

فخرج من الدنيا وليس فى عنقه تبعة لأحد ، حتي لقى الله محموداً غير ملوم ولا مذموم ، ثمّ اقتدت به الأئمّة من بعده بما قد بلغكم ، لم يتلطّخوا بشىء من بوائقها ، عليهم السلام أجمعين ، وأحسن مثواهم(٢) .

٤٢٠٨ ـ المناقب لابن شهر آشوب ـ فى الإمام على  ¼ ـ : سأله أعرابى شيئاً ، فأمر  ¼ له بألف ، فقال الوكيل : من ذهب أو فضّة ؟ فقال  ¼ : كلاهما عندى حجران ، فأعطِ الأعرابى أنفعهما له(٣) .

٤٢٠٩ ـ الكامل فى التاريخ : إنّه [ عليّاً  ¼ ] أخرج سيفاً له إلي السوق ، فباعه ، وقال : لو كان عندى أربعة دراهم ثمنَ إزار لم أبِعه .

وكان لا يشترى ممّن يعرفه ، وإذا اشتري قميصاً قدّر كمّه علي طول يده وقطع الباقى(٤) .

٤٢١٠ ـ مكارم الأخلاق عن مجمع : إنّ عليّاً  ¼ أخرج سيفه ، فقال : من يرتهن سيفى هذا ؟ أما لو كان لى قميص ما رهنتُه . فرهنه بثلاثة دراهم ، فاشتري قميصاً


(١) وقع تصحيف فى بعض الألفاظ فصحّحناها من بحار الأنوار .
(٢) كشف الريبة : ٨٩ ، بحار الأنوار : ٧٥ / ٣٦٢ / ٧٧ وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١٠٢ .
(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٨ .
(٤) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٤٣ ، البداية والنهاية : ٨ / ٣ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٨٢ كلاهما عن مجمع التيمى ، المناقب للخوارزمى : ١٢١ / ١٣٥ عن مجمع التميمى وفيها إلي "لم أبِعه" .

 ١٧٠ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

سنبلانيّاً ، كمّه إلي نصف ذراعيه ، وطوله إلي نصف ساقيه(١) .

٤٢١١ ـ خصائص الأئمّة (ع) : قال [ علىّ ]  ¼ يوماً علي منبر الكوفة : "من يشترى منّى سيفى هذا ، ولو أنّ لى قوت ليلة ما بعتُه" ، وغلّة صدقته تشتمل حينئذ علي أربعين ألف دينار فى كلّ سنة(٢) .

٤٢١٢ ـ الإمام الحسن  ¼ ـ بعد شهادة أبيه  ¼ ـ : ما ترك علي أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم ; فضلتْ من عطاياه ، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله(٣) .

٤٢١٣ ـ الاستيعاب : قد ثبت عن الحسن بن علىّ    ¤ من وجوه أنّه قال : لم يترك أبى إلاّ ثمانمائة درهم أو سبعمائة فضلت من عطائه ، كان يعدّها لخادم يشتريها لأهله . وأمّا تقشّفه فى لباسه ومَطعمه فأشهَر(٤) .

٤٢١٤ ـ مروج الذهب : قال بعضهم : ترك لأهله مائتين وخمسين درهماً ،


(١) مكارم الأخلاق : ١ / ٢٤٧ / ٧٣٣ .
(٢) خصائص الأئمّة (ع) : ٧٩ وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٧٢ .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٨٩ / ٤٨٠٢ عن عمر بن علىّ عن أبيه الإمام زين العابدين  ¼ ، مسند ابن حنبل : ١ / ٤٢٦ / ١٧٢٠ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ١ / ٥٤٨ / ٩٢٢ كلاهما عن عمرو بن حبشى وص ٥٤٩ / ٩٢٦ عن الشعبى وكلّها نحوه ، مروج الذهب : ٢ / ٤٢٦ كلاهما من دون إسناد إلي المعصوم ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٧ / ٥٠٢ / ٤٢ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٣٨ ، المعجم الكبير : ٣ / ٧٩ / ٢٧١٩ وص ٨٠ / ٢٧٢٣ والأربعة عن هبيرة بن يريم ، مسند البزّار : ٤ / ١٨٠ / ١٣٤١ عن أبى رزين ; الكافى : ١ / ٤٥٧ / ٨ عن أبى حمزة عن الإمام الباقر عنه    ¤ ، الأمالى للطوسى : ٢٧٠ / ٥٠١ عن أبى الطفيل ، الأمالى للصدوق : ٣٩٧ / ٥١٠ عن حبيب بن عمرو وكلاهما نحوه ، الإرشاد : ٢ / ٨ عن أبى إسحاق وغيره ، مسائل علىّ بن جعفر : ٣٢٨ / ٨١٨ عن عمر بن علىّ  ¼ .
(٤) الاستيعاب: ٣/٢١١/١٨٧٥ وراجع مسند البزّار: ٤/١٧٩/١٣٤٠ ومسند أبى يعلى:٦/١٦٩/٦٧٢٥.

 ١٧١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / زينة الزهد

ومصحفه ، وسيفه(١) .

٤٢١٥ ـ مقتل الإمام أمير المؤمنين عن قبيصة بن جابر : ما رأيت أزهد فى الدنيا من علىّ بن أبى طالب  ¼ (٢) .

٤٢١٦ ـ الكامل فى التاريخ عن الحسن بن صالح : تذاكروا الزهّادَ عند عمر بن عبد العزيز ، فقال عمر : أزهدُ الناس فى الدنيا علىّ بن أبى طالب  ¼ (٣) .

٤٢١٧ ـ شرح نهج البلاغة : وهو الذى كان يكنس بيوتَ الأموال ، ويصلّى فيها . وهو الذى قال : يا صفراء ويا بيضاء غرّى غيرى . وهو الذى لم يخلّف ميراثاً ، وكانت الدنيا كلّها بيده إلاّ ما كان من الشام(٤) .

٤٢١٨ ـ شرح نهج البلاغة : أمّا الزهد فى الدنيا فهو سيّد الزهّاد ، وبدل الأبدال ، وإليه تُشدّ الرحال ، وعنده تنفض الأحلاس ، ما شبع من طعام قطّ ، وكان أخشن الناس مأكلاً وملبساً .

قال عبد الله بن أبى رافع : دخلت إليه يوم عيد ، فقدّم جراباً مختوماً ، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً ، فقُدّم ، فأكل . فقلت : يا أمير المؤمنين ، فكيف تختمه ؟ قال : خفتُ هذين الولدَين أن يلُتّاه(٥) بسمن أو زيت .


(١) مروج الذهب : ٢ / ٤٢٦ .
(٢) مقتل أمير المؤمنين : ١٠٨ / ٩٨ ، المناقب للخوارزمى : ١٢٢ / ١٣٧ .
(٣) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٤٣ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٨٩ ، مقتل أمير المؤمنين : ١٠٨ / ٩٩ عن الحسن بن حىّ نحوه ، المناقب للخوارزمى : ١١٧ / ١٢٨ عن الحارث بن حصيرة وفيه "ما علمنا أنّ أحداً كان فى هذه الاُمّة بعد النبىّ  ½ أزهد من علىّ بن أبى طالب  ¼ " .
(٤) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٢ وراجع شرح الأخبار : ٢ / ٣٦١ / ٧١٧ .
(٥) لَتَّ السَّويقَ والأقِطَ ونحوهما يَلُتُّهُ : جَدَحَه ، وقيل : بَسَّهُ بالماء ونحوه (تاج العروس : ٣ / ١٢٤) .

 ١٧٢ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / سماحة الكفّ

وكان ثوبه مرقوعاً بجلد تارة ، وليف اُخري ، ونعلاه من ليف . وكان يلبس الكرباس الغليظ ، فإذا وجد كُمّه طويلاً قطعه بشفرة ، ولم يُخِطه ، فكان لا يزال متساقطاً علي ذراعيه حتي يبقي سديً لا لُحْمَة له .

وكان يأتدم ـ إذا ائتدم ـ بخلّ أو بملح ، فإن ترقّي عن ذلك فبعض نبات الأرض ، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل . ولا يأكل اللحم إلاّ قليلاً ، ويقول : "لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان" . وكان مع ذلك أشدّ الناس قوّةً ، وأعظمهم أيداً(١) ، لا ينقض الجوع قوّته ، ولا يُخوِّن(٢) الإقلال منّته .

وهو الذى طلّق الدنيا ، وكانت الأموال تُجبي إليه من جميع بلاد الإسلام إلاّ من الشام ، فكان يفرّقها ويمزّقها ، ثمّ يقول :

هذا جناىَ وخيارُه فيه إذ كُلّ جان يَده إلي فيه(٣)(٤)

راجع : الخصائص العمليّة / إمام المستضعفين .

٢ / ١٢

سماحة الكفّ

٤٢١٩ ـ رسول الله  ½ : علىٌّ . . . أقدم الناس إسلاماً ، وأسمحهم كفّاً(٥) .


(١) الأيْدُ والآدُ : القوّة (لسان العرب : ٣ / ٧٦) .
(٢) التَّخَوُّن : التنقُّص (لسان العرب : ١٣ / ١٤٥) .
(٣) هذا مثل ، أراد أنّه لم يتلطّخ بشىء من فىء المسلمين بل وضعه مواضعه (النهاية : ١ / ٣١٠) .
(٤) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٦ .
(٥) المناقب لابن المغازلى : ١٥١ / ١٨٨ ; بشارة المصطفي : ١٧٤ ، الفضائل لابن شاذان : ١٠٢ كلّها عن ابن عبّاس ، المناقب للكوفى : ٢ / ٥٩٥ / ١١٠٠ عن سليمان الأعمش ، الأمالى للصدوق : ٥٧ / ١٣ ، كنز الفوائد : ١ / ٢٦٣ ، مائة منقبة : ٧٤ / ٢٥ والثلاثة الأخيرة عن جابر .


إرجاعات 
٣٤٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الثالث : الخصائص العمليّة / إمام المستضعفين

 ١٧٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / سماحة الكفّ

٤٢٢٠ ـ عنه  ½ ـ لعلىّ  ¼ ـ : أنت . . . أجودهم كفّاً ، وأزهدهم فى الدنيا(١) .

٤٢٢١ ـ عنه  ½ ـ فى وصف علىّ  ¼ ـ : هذا البحر الزاخر ، هذا الشمس الطالعة ، أسخي من الفرات كفّاً ، وأوسع من الدنيا قلباً ، فمن أبغضه فعليه لعنة الله(٢) .

٤٢٢٢ ـ الإمام علىّ  ¼ : لقد رأيتَنى مع رسول الله  ½ وإنّى لأربط الحجر علي بطنى من الجوع ، وإنّ صدقتى اليوم لأربعون ألفاً(٣) .

٤٢٢٣ ـ عنه  ¼ : لقد رأيتَنى أربط الحجر علي بطنى من الجوع فى عهد رسول الله  ½ ، وإنّ صدقتى اليوم لأربعون ألف دينار(٤) .

٤٢٢٤ ـ سنن الدارقطنى عن أبى سعيد : شهدت جنازةً فيها رسول الله  ½ ، فلمّا وُضعت سأل رسول الله  ½ : أ عليه دَين ؟ قالوا : نعم . فعدل عنها ، وقال  ½ : صلّوا علي صاحبكم .

فلمّا رآه عليّتقفّي ، قال : يا رسول الله ، برئ من دَينه ، وأنا ضامن لما عليه .

فأقبل رسول الله  ½ فصل ّي عليه ، ثمّ انصرف ، فقال : يا علىّ ، جزاك الله خيراً ،


(١) الاحتجاج : ١ / ٣٦٣ / ٦٠ ، كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٦٠١ / ٦ ، الفضائل لابن شاذان : ١٢٣ كلّها عن سلمان والمقداد وأبى ذرّ .
(٢) مائة منقبة : ٥٥ / ١٢ ، كنز الفوائد : ١ / ١٤٨ كلاهما عن أبى هريرة .
(٣) مسند ابن حنبل : ١/٣٣٤/١٣٦٧ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ١/٥٣٩/٨٩٩ وص ٥٥٠ / ٩٢٧ ، الزهد لابن حنبل : ١٦٦ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٧٥ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٣٣ كلّها عن محمّد بن كعب .
(٤) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٧٥ ، مسند ابن حنبل : ١ / ٣٣٥ / ١٣٦٨ ، حلية الأولياء : ١ / ٨٥ ، اُسد الغابة : ٤ / ٩٧ / ٣٧٨٩ نحوه ، ربيع الأبرار : ٢ / ١٤٧ ; المناقب للكوفى : ٢ / ٦٦ / ٥٤٨ كلّها عن محمّد بن كعب .

 ١٧٤ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / سماحة الكفّ

فكّ اللهُ رهانك يوم القيامة كما فككتَ رهانَ أخيك المسلم ; ليس من عبد يقضى عن أخيه دينَه إلاّ فكّ الله رهانَه يوم القيامة(١) .

٤٢٢٥ ـ ربيع الأبرار عن محمّد ابن الحنفيّة : كان أبى  ¼ يدعو قنبراً بالليل ، فيُحمِّله دقيقاً وتمراً ، فيمضى إلي أبيات قد عرفها ، ولا يُطلع عليه أحداً . فقلت له : يا أبة ، ما يمنعك أن يُدفع إليهم نهاراً ؟

قال  ¼ : يا بنىَّ ، صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ(٢) .

٤٢٢٦ ـ المناقب للكوفى عن محمّد ابن الحنفيّة : كان أبى رضوان الله عليه إذا جاءت غلّته من ضياعه أخذ قوته لنفسه ، وقوت عياله واُمّهات أولاده ، وأعطي الحسن والحسين قوتهما ، وأعطانى قوتى ، وأعطي مَن بلغ من ولده ، وأعطي عقيل وولده ، وولد جعفر ، واُمّ هانئ وولدها ، وأعطي جميع ولد عبد المطّلب مَن كان منهم يحتاج إلي أن يعطيه ، وإلي سائر بنى هاشم ، وإلي ولد المطّلب بن عبد مناف ، وولد نوفل بن عبد مناف ، وإلي جماعة من قريش مَن كان منهم يحتاج إلي الصِّلة ، وإلي أهل بيوت من الأنصار ، وغيرهم ، حتي لا يُبقى منه شيئاً رضوان الله عليه ومغفرته .

ولم يسأله أحد شيئاً فردّه إلاّ بما يرضيه(٣) .

٤٢٢٧ ـ ربيع الأبرار : أتي عليّاً (ع) أعرابىٌّ فقال : والله ، يا أمير المؤمنين ما تركتُ


(١) سنن الدارقطنى : ٣ / ٧٨ / ٢٩١ وح ٢٩٢ وص ٤٧ / ١٩٤ ، السنن الكبري : ٦ / ١٢١ / ١١٣٩٩ كلاهما عن عاصم بن ضمرة عن الإمام علىّ  ¼ وح ١١٣٩٨ ، تاريخ أصبهان : ٢ / ٢٦٠ / ١٦٣٣ كلّها نحوه ، المنتخب من مسند عبد بن حميد : ٢٨١ / ٨٩٣ ; عوالى اللآلى : ٢ / ١١٤ / ٣١٤ نحوه .
(٢) ربيع الأبرار : ٢ / ١٤٨ ; المناقب للكوفى : ٢ / ٦٩ / ٥٥٢ .
(٣) المناقب للكوفى : ٢ / ٦٨ / ٥٥٢ .

 ١٧٥ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / سماحة الكفّ

فى بيتى لا سَبَداً ولا لَبَداً(١) ، ولا ثاغية ولا راغية(٢) .

فقال : والله ، ما أصبح فى بيتى فضل عن قوتى .

فولّي الأعرابى وهو يقول : واللهِ ، ليسألنّك اللهُ عن موقفى بين يديك .

فبكي بكاءً شديداً ، وأمر بردّه ، واستعادة كلامه . ثمّ بكي ، فقال : يا قنبر ائتنى بدرعى الفلانيّة ، ودفعها للأعرابى(٣) وقال : لا تُخدعنّ عنها ; فطالما كشفتُ بها الكربَ عن وجه رسول الله .

ثمّ قال قنبر : كان يجزيه عشرون درهماً .

قال : يا قنبر ، والله ما يسرّنى أن لى زِنَة الدنيا ذهباً أو فضّة فتصدّقت وقَبِله الله منّى وأنّه سألنى عن موقف هذا بين يدىّ(٤) .

٤٢٢٨ ـ تاريخ دمشق عن الأصبغ بن نباتة عن الإمام علىّ  ¼ : جاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ لى إليك حاجة ، فرفعتها إلي الله قبل أن أرفعها إليك ، فإن أنت قضيتَها حمدتُ الله وشكرتُك ، وإن أنت لم تقضِها حمدتُ الله وعذَرتُك .

فقال علىّ  ¼ : اكتب حاجتَك علي الأرض ; فإنّى أكره أن أري ذلّ السؤال فى وجهك . فكتب : إنّى محتاج .


(١) ما له سَبَد ولا لَبَد : أى ما له ذو وَبر ولا صوف ; يكنّي بهما عن الإبل والغنم ، وقيل : عن المعز والضأن (لسان العرب : ٣ / ٢٠٢) .
(٢) الثاغية : الشاة ، والراغية : الناقة ; أى ما له شاة ولا بعير (لسان العرب : ١٤ / ١١٣) .
(٣) فى الطبعة المعتمدة : "لك الأعرابى" ، والتصحيح من طبعة مؤسسة الأعلمى : ٣ / ٢٠١ / ١٥٨ .
(٤) ربيع الأبرار : ٢ / ٦٦٨ ، المستطرف : ٢ / ٥٤ ; المناقب للكوفى : ٢ / ٧٥ / ٥٥٨ عن الحسن عن رجل من بنى تميم .

 ١٧٦ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / سماحة الكفّ

فقال علىّ  ¼ : علىَّ بحُلّة ، فاُتى بها ، فأخذها الرجل فلبسها ، ثمّ أنشأ يقول :

كسوتنَى حُلّةً تَبلي مَحاسِنُها فسَوفَ أكسوكَ من حسن الثنا حُلَلا
إن نلتَ حُسن ثنائى نِلت مكرمةً ولست تبغى بما قد قلته بدلا
إنّ الثناء ليُحيِى ذِكرَ صاحبِه كالغيث يُحيى نَداهُ السهلَ والجَبلا
لا تزهدِ الدهرَ فى زهو تواقعه فكلُّ عبد سيُجزي بالذى عَملا

فقال علىّ  ¼ : علىَّ بالدنانير ، فاُتى بمائة دينار ، فدفعها إليه .

فقال الأصبغ : فقلت : يا أمير المؤمنين ، حلّة ومائة دينار ؟ !

قال  ¼ : نعم ، سمعت رسول الله  ½ يقول : أنزِلوا الناسَ منازلهم . وهذه منزلة هذا الرجل عندى(١) .

٤٢٢٩ ـ شرح نهج البلاغة : وجاء فى الأثر : أنّ عليّاً  ¼ عمل ليهودىٍّ فى سقى نخل له فى حياة رسول الله  ½ بمُدٍّ من شعير ، فخبزه قرصاً ، فلمّا همّ أن يفطر عليه أتاه سائل يستطعم ، فدفعه إليه ، وبات طاوياً ، وتاجَرَ الله تعالي بتلك الصدقة . فعدّ الناس هذه المفعلة من أعظم السخاء ، وعدّوها أيضاً من أعظم العبادة(٢) .

٤٢٣٠ ـ الإمام الصادق  ¼ : إنّ أمير المؤمنين  ¼ أعتق ألف مملوك من ماله وكدّ يده(٣) .


(١) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٢٣ / ٩٠٤٨ ، البداية والنهاية : ٨ / ٩ ; الأمالى للصدوق : ٣٤٨ / ٤٢٠ عن أحمد بن أبى المقدام العجلى نحوه .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١٩ / ١٠١ .
(٣) الكافى : ٥ / ٧٤ / ٢ عن الفضل بن أبى قرّة وح ٤ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٢٦ / ٨٩٥ ، المحاسن : ٢ / ٤٦٤ / ٢٦٠٨ كلّها عن زيد الشحّام ، مجمع البيان : ٩ / ١٣٣ عن محمّد بن قيس عن الإمام الباقر  ¼ وزاد فى آخره "من كدّ يمينه تربت منه يداه وعرق فيه وجهه" وراجع دعائم الإسلام : ٢ / ٣٠٢ / ١١٣٣ والغارات : ١ / ٩٢ وشرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٠٢ .

 ١٧٧ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / سماحة الكفّ

٤٢٣١ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن محمّد بن الصمة عن أبيه عن عمّه : رأيت فى المدينة رجلاً علي ظهره قربة وفى يده صُحفة ، يقول : اللهمّ ولىّ المؤمنين ، وإله المؤمنين ، وجار المؤمنين ، اقبل قربانى الليلة ، فما أمسيت أملك سوي ما فى صُحفتى ، وغير ما يوارينى ، فإنّك تعلم أنّى منعتُه نفسى مع شدّة سَغَبى فى طلب القربة إليك غنماً ، اللهمّ فلا تُخلِق وجهى ، ولا تَردّ دعوتى .

فأتيتُه حتي عرفته ، فإذا هو علىّ بن أبى طالب  ¼ ، فأتي رجلاً فأطعمه(١) .

٤٢٣٢ ـ الرسالة القشيريّة : بكي أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ يوماً فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال  ¼ : لم يأتِنى ضيف منذ سبعة أيّام ، وأخاف أن يكون الله تعالي قد أهاننى(٢) .

٤٢٣٣ ـ المناقب لابن شهر آشوب : روى أنّ عليّاً  ¼ كان يحارب رجلاً من المشركين ، فقال المشرك : يابن أبى طالب ، هَبنى سيفك ، فرماه إليه ، فقال المشرك : عجباً يابن أبى طالب ! فى مثل هذا الوقت تدفع إلىَّ سيفك !

فقال  ¼ : يا هذا ، إنّك مددت يد المسألة إلىَّ ، وليس من الكرم أن يُردّ السائل ، فرمي الكافر نفسه إلي الأرض وقال : هذه سيرة أهل الدِّين ، فباسَ قدمه وأسلم(٣) .

٤٢٣٤ ـ تفسير فرات عن موسي بن عيسي الأنصارى : كنت جالساً مع


(١) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٧٦ .
(٢) الرسالة القشيريّة : ٢٥٣ .
(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٨٧ ، بحار الأنوار : ٤١ / ٦٩ / ٢ .

 ١٧٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / سماحة الكفّ

أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ بعد أن صلّينا مع النبىّ  ½ العصر بهفوات ، فجاء رجلٌ إليه فقال له : يا أبا الحسن ! قد قصدتك فى حاجة ، اُريد أن تمضى معى فيها إلي صاحبها .

فقال له : قل . قال : إنّى ساكن فى دار لرجل فيها نخلة ، وإنّه يهيج الريح فتسقط من ثمرها بَلَح(١) وبُسْر ورطب وتمر ، ويصعد الطير فيلقى منه ، وأنا آكل منه ويأكل منه الصبيان من غير أن ننخسها بقصبة ، أو نرميها بحجر ، فاسأله أن يجعلنى فى حلّ .

قال : انهض بنا ، فنهضت معه ، فجئنا إلي الرجل ، فسلّم عليه أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ ، فرحّب وفرح به وسرّ وقال : فيما جئت يا أبا الحسن ؟

قال : جئتك فى حاجة .

قال : تُقضي إن شاء الله ، قال : ما هى ؟ قال : هذا الرجل ساكن فى دار لك فى موضع كذا ، وذكر أن فيها نخلة ، وأنّه يهيج الريح فيسقط منها بَلَح وبُسْر ورطب وتمر ، ويصعد الطير فيلقى مثل ذلك من غير حجر يرميها به ، أو قصبة ينخسها ، اُريد أن تجعله فى حلّ . فتأبّي عن ذلك ، وسأله ثانياً وأقبل يلحّ عليه فى المسألة ويتأبّي ، إلي أن قال : آلله ، أنا أضمن لك عن رسول الله  ½ أن يبدلك بهذه النخلة حديقة فى الجنّة . فأبي عليه ، ورهقنا المساء .

فقال له علىّ  ¼ : تبيعُنيها بحديقتى فلانة ؟

فقال له : نعم .


(١) البَلَحُ : أوّل ما يُرطِبُ من البُسْر (النهاية : ١ / ١٥١) .

 ١٧٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / سماحة الكفّ

قال فأشهِد لى عليك اللهَ وموسي بن عيسي الأنصارى أنّك قد بعتها بهذه الدار ؟ قال : نعم ، اُشهد اللهَ وموسي بن عيسي أنّى قد بعتك هذه الحديقة بشجرها ونخلها وثمرها بهذه الدار ، أ ليس قد بعتنى هذه الدار بما فيها بهذه الحديقة ؟ ولم يتوّهم أنّه يفعل . فقال : نعم اُشهد الله وموسي بن عيسي علي أنّى قد بعتك هذه الدار بما فيها بهذه الحديقة .

فالتفت علىّ  ¼ إلي الرجل فقال له : قم فخذ الدار بارك الله لك فيها وأنت فى حلٍّ منها .

ووجبت المغرب ، وسمعوا أذان بلال ، فقاموا مبادرين حتي صلّوا مع النبىّ  ½ المغرب وعشاء الآخرة ، ثمّ انصرفوا إلي منازلهم ، فلمّا أصبحوا صلّي النبىّ  ½ بهم الغداة ، وعقّب فهو يعقّب حتي هبط عليه جبرئيل  ¼ بالوحى من عند الله ، فأدار وجهه إلي أصحابه فقال : مَن فعل منكم فى ليلته هذه فعلة ، فقد أنزل الله بيانها فمنكم أحدٌ يخبرنى أو اُخبره .

فقال له أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ : بل أخبرنا يا رسول الله ؟

قال  ½ : نعم ، هبط جبرئيل  ¼ فأقرأنى عن الله السلام ، وقال لى : إنّ عليّاً فعل البارحة فعلة ، فقلت لحبيبى جبرئيل  ¼ : ما هى ؟ فقال : اقرأ يا رسول الله ، فقلت : وما أقرأ ؟ فقال : اقرأ ³ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ  ± وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ  ± وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ  ± وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالاُْنثَىٰ  ± إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ  ²  إلي قوله ³ وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ  ²  (١) أنت يا علىّ أ لست صدّقت بالجنّة ، وصدّقت بالدار علي ساكنها بدل الحديقة ؟

فقال  ¼ : نعم ، يا رسول الله .


(١) الليل : ١ ـ ٢١ .

 ١٨٠ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / سماحة الكفّ

قال  ½ : فهذه سورة نزلت فيك ، وهذا لك .

فوثب  ½ إلي أمير المؤمنين ، فقبّل بين عينيه وضمّه إليه ، وقال له : أنت أخى وأنا أخوك(١) .

٤٢٣٥ ـ المناقب لابن شهر آشوب ـ فى حلم علىّ  ¼ ـ : وجاءه أبو هريرة ـ وكان تكلّم(٢) فيه ، وأسمعه فى اليوم الماضى ـ وسأله حوائجه فقضاها ، فعاتبه أصحابه علي ذلك ، فقال : إنّى لأستحيى أن يغلب جهله علمى ، وذنبه عفوى ، ومسألته جودى(٣) .

٤٢٣٦ ـ شرح نهج البلاغة عن الشعبى ـ فى وصف سخاء الإمام  ¼ ـ : كان أسخي الناس ، كان علي الخلق الذى يحبّه الله : السخاء والجود ، ما قال : "لا" لسائل قطّ(٤) .

٤٢٣٧ ـ شرح نهج البلاغة : وقال عدوّه ومبغضه الذى يجتهد فى وصمه وعيبه ـ معاوية بن أبى سفيان ـ لمحفن بن أبى محفن الضبّى لمّا قال له : جئتك من عند أبخل الناس ، فقال : ويحك ! كيف تقول : إنّه أبخل الناس ؟ لو ملك بيتاً من تِبر وبيتاً من تِبن ، لأنفد تِبره قبل تبنه(٥) .


(١) تفسير فرات : ٥٦٦ / ٧٢٦ وص ٥٦٥ / ٧٢٥ عن الإمام زين العابدين  ¼ نحوه .
(٢) فى المصدر : "يكلّم" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى بحار الأنوار .
(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٤ ، بحار الأنوار : ٤١ / ٤٩ / ١ .
(٤) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٢ وراجع الصراط المستقيم : ١ / ١٦٢ .
(٥) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٢ ; الصراط المستقيم : ١ / ١٦٢ وفيه "محقن الضبّى" بدل "محفن بن أبى محفن الضبّى" وراجع تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤١٤ والإمامة والسياسة : ١ / ١٣٤ وشرح الأخبار : ٢ / ٩٩ وكشف الغمّة : ٢ / ٤٧ .

 ١٨١ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / التواضع عن رفعة

٤٢٣٨ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى بيان فضائل علىّ  ¼ ـ : وأمّا السخاء والجود ; فحاله فيه ظاهرة ، وكان يصوم ويطوى ويؤثر بزاده ، وفيه اُنزل : ³ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا  ± إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا  ²  (١) .

وروي المفسّرون : أنّه لم يكن يملك إلاّ أربعة دراهم ; فتصدّق بدرهم ليلاً ، وبدرهم نهاراً ، وبدرهم سرّاً ، وبدرهم علانيةً ، فاُنزل فيه : ³ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً  ²  (٢) (٣) .

راجع :الخصائص العمليّة / إمام المتصدّقين .

القسم التاسع / علىّ عن لسان القرآن / الولى المتصدّق فى الركوع ، والذى ينفق ماله بالليل والنهار .

علىّ عن لسان النبىّ / الاُسرة ،و قاضى دَينى .

٢ / ١٣

التواضع عن رفعة

٤٢٣٩ ـ فضائل الصحابة عن زاذان : رأيت علىّ بن أبى طالب  ¼ يمسك الشُّسوع بيده ، يمرّ فى الأسواق ، فيناول الرجلَ الشِّسع ، ويرشد الضالّ ، ويعين الحمّال علي الحمولة وهو يقرأ هذه الآية : ³ تِلْكَ الدَّارُ الاَْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الاَْرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ  ²  (٤) ثمّ يقول : هذه الآية اُنزلت فى الولاة


(١) الإنسان : ٨ و٩ .
(٢) البقرة : ٢٧٤ .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢١ وراجع الصراط المستقيم : ١ / ١٦٢ .
(٤) القصص : ٨٣ .


إرجاعات 
٣٧٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الثالث : الخصائص العمليّة / إمام المتصدّقين
٣٦ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الأوّل : عليّ عن لسان القرآن / الوليّ المتصدّق في الركوع
٤٠ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الأوّل : عليّ عن لسان القرآن / الذي ينفق ماله بالليل والنهار سرّاً وعلانية
٧١ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الثاني : عليّ عن لسان النبيّ / الاُسرة
٨٦ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الثاني : عليّ عن لسان النبيّ / المنزلة عند النبيّ / قاضي دَيني

 ١٨٢ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / التواضع عن رفعة

وذوى القدرة من الناس(١) .

٤٢٤٠ ـ فضائل الصحابة عن صالح بيّاع الأكسية عن اُمّه أو جدّته : رأيت علىّ بن أبى طالب اشتري تمراً بدرهم ، فحمله فى ملحفته ، فقالوا : نحمل عنك يا أمير المؤمنين ؟

قال : لا ، أبو العيال أحقّ أن يحمل(٢) .

٤٢٤١ ـ الغارات عن صالح : أنّ جدّته أتت عليّاً  ¼ ومعه تمرٌ يحمله ، فسلّمت وقالت : أعطنى هذا التمر أحمله ، قال : أبو العيال أحقّ بحمله . قالت : وقال : أ لا تأكلين منه ؟ قالت : قلت : لا اُريده . قالت : فانطلق به إلي منزله ثمّ رجع وهو مرتد بتلك الملحفة وفيها قشور التمر ، فصلّي بالناس فيها الجمعة(٣)

٤٢٤٢ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن أبى طالب المكّى : كان علىّ  ¼ يحمل التمر والملح بيده ويقول :

لا ينقصُ الكامل من كمالِهِما جَرَّ من نفع إلي عيالِهِ(٤)

٤٢٤٣ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن أبى الحسن البلخى ـ فى الإمام علىّ  ¼ ـ : إنّه اجتاز بسوق الكوفة ، فتعلّق به كرسىّ ، فتخرّق قميصه ، فأخذه بيده ، ثمّ جاء به


(١) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٢١ / ١٠٦٤ وج ١ / ٣٤٥ / ٤٩٧ وراجع تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٨٩ والبداية والنهاية : ٨ / ٥ والمناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١٠٤ .
(٢) فضائل الصحابة لابن حنبل : ١ / ٥٤٦ / ٩١٦ ، الزهد لابن حنبل : ١٦٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٤٣ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٨٩ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٠٢ نحوه ، البداية والنهاية : ٨ / ٥ ; الغارات : ١ / ٨٩ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١٠٤ كلاهما نحوه ، تنبيه الخواطر : ١ / ٢٣ .
(٣) الغارات : ١ / ٨٩ ; شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٠٢ .
(٤) المناقب لابن شهر آشوب: ٢ / ١٠٤، إتحاف السادة: ٦ / ٣٧٠ من دون إسناد إلي المعصوم.

 ١٨٣ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / التواضع عن رفعة

إلي الخيّاطين فقال : خيطوا لى ذا بارك الله فيكم(١) .

٤٢٤٤ ـ تاريخ دمشق عن صالح بن أبى الأسود عمّن حدّثه : أنّه رأي عليّاً  ¼ قد ركب حماراً ودلّي رجليه إلي موضع واحد ، ثمّ قال : أنا الذى أهنتُ الدنيا(٢) .

٤٢٤٥ ـ الإمام العسكرى  ¼ : من تواضع فى الدنيا لإخوانه ، فهو عند الله من الصدّيقين ، ومن شيعة علىّ بن أبى طالب  ¼ حقّاً ، ولقد ورد علي أمير المؤمنين  ¼ أخوان له مؤمنان أب وابن ، فقام إليهما ، وأكرمهما ، وأجلسهما فى صدر مجلسه ، وجلس بين أيديهما ، ثمّ أمر بطعام فاُحضر ، فأكلا منه ، ثمّ جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل لييبس ، وجاء ليصبّ علي يد الرجل ماءً ، فوثب أمير المؤمنين  ¼ فأخذ الإبريق ليصبّ علي يد الرجل ، فتمرّغ الرجل فى التراب وقال :

يا أمير المؤمنين ، الله يرانى وأنت تصبّ علي يدى ؟ !

قال : اقعد واغسل يدك ; فإنّ الله عزّ وجلّ يراك وأخوك الذى لا يتميّز منك ، ولا يتفضّل عليك يخدمك ، يريد بذلك خدمة فى الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا ، وعلي حسب ذلك فى ممالكه فيها . فقعد الرجل فقال له علىّ  ¼ : أقسمت عليك بعظيم حقّى الذى عرفته وبجّلته ، وتواضعك لله حتي جازاك عنه بأن ندبنى لما شرّفك به من خدمتى لك ، لمّا غسلت يدك مطمئنّاً كما كنت تغسل لو كان الصابّ عليك قنبراً ، ففعل الرجل ذلك .

فلمّا فرغ ناول الإبريق محمّد ابن الحنفيّة وقال : يا بنىّ ، لو كان هذا الابن


(١) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٩٦ .
(٢) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٨٩ ، البداية والنهاية : ٨ / ٥ .

 ١٨٤ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الخشونة فى ذات الله

حضرنى دون أبيه لصببت علي يده ، ولكنّ الله عزّ وجلّ يأبي أن يسوّى بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان ، لكن قد صبّ الأب علي الأب ، فليصبّ الابن علي الابن ، فصبّ محمّد ابن الحنفيّة علي الابن(١) .

راجع : زينة الزهد .

٢ / ١٤

الخشونة فى ذات الله

٤٢٤٦ ـ مسند ابن حنبل عن أبى سعيد الخدرى : اشتكي عليّاً الناس . قال : فقام رسول الله  ½ فينا خطيباً ، فسمعته يقول : أيّها الناس ! لا تشكوا عليّاً ; فو الله إنّه لأخشن فى ذات الله ، أو فى سبيل الله(٢) .

٤٢٤٧ ـ الإرشاد : أمر رسول الله  ½ مناديه فنادي فى الناس : ارفعوا ألسنتكم عن علىّ بن أبى طالب ; فإنّه خشن فى ذات الله عزّ وجلّ غير مداهن فى دينه(٣) .

٤٢٤٨ ـ الإمام علىّ  ¼ : والله لا اُداهن فى دينى(٤) .

٤٢٤٩ ـ عنه  ¼ : إنّى لو قُتلت فى ذات الله وحُييت ، ثمّ قُتلت ثمّ حُييت سبعين


(١) الاحتجاج : ٢ / ٥١٨ / ٣٤٠ ، تنبيه الخواطر : ٢ / ١٠٧ ، التفسير المنسوب إلي الإمام العسكرى  ¼ : ٣٢٥ / ١٧٣ وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١٠٥ .
(٢) مسند ابن حنبل : ٤ / ١٧٢ / ١١٨١٧ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٤٥ / ٤٦٥٤ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ٢٥٠ ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٠٩ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٧٩ / ١١٦١ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ١٩٩ / ٨٦٦٨ ، حلية الأولياء : ١ / ٦٨ ، الصواعق المحرقة : ١٢٤ وفى الأربعة الأخيرة "لهو اُخيشن" بدل "إنّه لأخشن" .
(٣) الإرشاد : ١ / ١٧٣ ، إعلام الوري : ١ / ٢٦٠ عن الإمام الصادق  ¼ وفيه إلي "ذات الله عزّ وجلّ" .
(٤) مروج الذهب : ٢ / ٣٦٤ .

 ١٨٥ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الجمع بين الأضداد

مرّة ، لم أرجع عن الشدّة فى ذات الله ، والجهاد لأعداء الله(١) .

٢ / ١٥

الجمع بين الأضداد

٤٢٥٠ ـ نهج البلاغة ـ فى الإمام على  ¼ ـ : ومن عجائبه  ¼ التى انفرد بها وأمِنَ المشاركة فيها ، أنّ كلامه الوارد فى الزهد والمواعظ ، والتذكير والزواجر ، إذا تأمّله المتأمّل ، وفكّر فيه المتفكّر ، وخلع من قلبه أنّه كلام مثله ممّن عظم قدره ، ونفذ أمره ، وأحاط بالرقاب ملكه ، لم يعترضه الشكّ فى أنّه كلام من لا حظّ له فى غير الزهادة ، ولا شغل له بغير العبادة ، قد قبع فى كِسر بيت ، أو انقطع إلي سفح جبل ، ولا يُسمع إلاّ حسّه ، ولا يُري إلاّ نفسه .

ولا يكاد يوقن بأنّه كلام من ينغمس فى الحرب مُصْلتاً سيفه ، فيقُطّ الرقاب ، ويجدّل الأبطال ، ويعود به ينطف دماً ، ويقطر مهجاً ، وهو مع تلك الحال زاهد الزهّاد ، وبدل الأبدال .

وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه اللطيفة ، التى جمع بها بين الأضداد ، وألّف بين الأشتات(٢) .

٤٢٥١ ـ شرح نهج البلاغة : كان أمير المؤمنين  ¼ ذا أخلاق متضادّة : فمنها ما قد ذكره الرضى  § ، وهو موضع التعجّب ; لأنّ الغالب علي أهل الشجاعة والإقدام والمغامرة والجرأة أن يكونوا ذوى قلوب قاسية ، وفتك وتمرّد وجَبَريّة(٣) ،


(١) وقعة صفّين : ٤٧١ ; شرح نهج البلاغة : ١٥ / ١٢٣ .
(٢) نهج البلاغة : المقدّمة ص ٣٥ .
(٣) الجَبَريّة : الكِبْر (لسان العرب : ٤ / ١١٣) .

 ١٨٦ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الجمع بين الأضداد

والغالب علي أهل الزهد ورفض الدنيا وهجران ملاذّها والاشتغال بمواعظ الناس ، وتخويفهم المعاد ، وتذكيرهم الموت ، أن يكونوا ذوى رقّة ولين ، وضعف قلب ، وخَوَر طبع ، وهاتان حالتان متضادّتان ، وقد اجتمعتا له  ¼ .

ومنها : أنّ الغالب علي ذوى الشجاعة وإراقة الدماء أن يكونوا ذوى أخلاق سبعيّة ، وطباع حوشيّة ، وغرائز وحشيّة ، وكذلك الغالب علي أهل الزهادة وأرباب الوعظ والتذكير ورفض الدنيا أن يكونوا ذوى انقباض فى الأخلاق ، وعبوس فى الوجوه ، ونفار من الناس واستيحاش .

وأمير المؤمنين  ¼ كان أشجع الناس وأعظمهم إراقةً للدم ، وأزهد الناس وأبعدهم عن ملاذّ الدنيا ، وأكثرهم وعظاً وتذكيراً بأيّام الله ومَثُلاته(١) ، وأشدّهم اجتهاداً فى العبادة وآداباً لنفسه فى المعاملة .

وكان مع ذلك ألطف العالم أخلاقاً ، وأسفرهم وجهاً ، وأكثرهم بِشراً ، وأوفاهم هشاشة ، وأبعدهم عن انقباض موحش ، أو خُلُق نافر ، أو تجهّم مباعد ، أو غلظة وفظاظة تنفر معهما نفس ، أو يتكدّر معهما قلب . حتي عيب بالدعابة ، ولمّا لم يجدوا فيه مغمزاً ولا مطعناً تعلّقوا بها ، واعتمدوا فى التنفير عنه عليها "و تلك شكاة ظاهر عنك عارها" . وهذا من عجائبه وغرائبه اللطيفة .

ومنها : أنّ الغالب علي شرفاء الناس ومن هو من أهل بيت السيادة والرياسة أن يكون ذا كبر وتيه وتعظّم وتغطرس ، خصوصاً إذا اُضيف إلي شرفه من جهة النسب شرفه من جهات اُخري ، وكان أمير المؤمنين  ¼ فى مُصاص(٢) الشرف


(١) المَثُلات : الأشباه والأمثال ممّا يعتبر به (مجمع البحرين : ٣ / ١٦٧١) .
(٢) المُصاص : خالص كلّ شىء (لسان العرب : ٧ / ٩١) .

 ١٨٧ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الجمع بين الأضداد

ومعدنه ومعانيه ، لا يشكّ عدوّ ولا صديق أنّه أشرف خلق الله نسباً بعد ابن عمّه صلوات الله عليه .

وقد حصل له من الشرف غيرَ شرف النسب جهاتٌ كثيرة متعدّدة ، قد ذكرنا بعضها ، ومع ذلك فكان أشدّ الناس تواضعاً لصغير وكبير ، وأليَنهم عريكةً ، وأسمحهم خُلقاً ، وأبعدهم عن الكِبْر ، وأعرفهم بحقّ ، وكانت حاله هذه فى كلا زمانيه : زمان خلافته ، والزمان الذى قبله ، لم تُغيّره الإمرة ، ولا أحالت خُلُقه الرياسة ، وكيف تُحيل الرياسة خُلقه وما زال رئيساً ! وكيف تغيّر الإمرة سجيّته وما برح أميراً ! لم يستفِد بالخلافة شرفاً ، ولا اكتسب بها زينة !

بل هو كما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل ، ذكر ذلك الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علىّ بن الجوزى فى تاريخه المعروف بالمنتظم : تذاكروا عند أحمد خلافة أبى بكر وعلىّ وقالوا فأكثروا ، فرفع رأسه إليهم ، وقال : قد أكثرتم ! إنّ عليّاً لم تزنه الخلافة ، ولكنّه زانها .

وهذا الكلام دالّ بفحواه ومفهومه علي أنّ غيره ازدان بالخلافة وتمّمت نقصه ، وأنّ عليّاً  ¼ لم يكن فيه نقص يحتاج إلي أن يُتممّ بالخلافة ، وكانت الخلافة ذات نقص فى نفسها ، فتمّ نقصها بولايته إيّاها .

ومنها : أنّ الغالب علي ذوى الشجاعة وقتل الأنفس وإراقة الدماء أن يكونوا قليلى الصفح ، بعيدى العفو ; لأنّ أكبادهم واغرة(١) ، وقلوبهم ملتهبة ، والقوّة الغضبيّة عندهم شديدة ، وقد علمت حال أمير المؤمنين  ¼ فى كثرة إراقة الدم وما


(١) الوَغَر : الغِلّ والحرارة (النهاية : ٥ / ٢٠٨) .

 ١٨٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الجمع بين الأضداد

عنده من الحلم والصفح ، ومغالبة هوي النفس ، وقد رأيت فعله يوم الجمل ، ولقد أحسن مهيار فى قوله :

حتي إذا دارت رحي بغيهمْ عليهمُ وسبق السيفُ العذَلْ
عاذوا بعفو ماجد معوّد للعفو حمّال لهم علي العللْ
فنجّت البُقيا عليهم من نجا وأكَلَ الحديدُ منهم من أكلْ
أطّت بهم أرحامهم فلم يطعْ ثائرة الغيظ ولم يُشفِ الغُلَلْ

ومنها : أنّا ما رأينا شجاعاً جواداً قطّ ،كان عبد الله بن الزبير شجاعاً ; وكان أبخل الناس ، وكان الزبير أبوه شجاعاً ; وكان شحيحاً ، قال له عمر : لو ولّيتها لظلتَ تُلاطمُ الناس فى البطحاء علي الصاع والمُدّ .

وأراد علىّ  ¼ أن يحجر علي عبد الله بن جعفر لتبذيره المال ، فاحتال لنفسه ، فشارك الزبير فى أمواله وتجاراته ، فقال  ¼ : أما إنّه قد لاذ بملاذ ، ولم يحجر عليه .

وكان طلحة شجاعاً ; وكان شحيحاً ، أمسك عن الإنفاق حتي خلّف من الأموال ما لا يأتى عليه الحصر .

وكان عبد الملك شجاعاً ; وكان شحيحاً ، يُضرب به المثل فى الشُّحّ ، وسمي رَشْح الحجر لبخله .

وقد علمت حال أمير المؤمنين  ¼ فى الشجاعة والسخاء كيف هى ، وهذا من أعاجيبه أيضاً  ¼ (١) .


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٥٠ ـ ٥٣ .

 ١٨٩ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ / الفصل الثانى : الخصائص الأخلاقيّة / الجمع بين الأضداد

٤٢٥٢ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن أبى علىّ سينا : لم يكن شجاعاً فيلسوفاً قطّ إلاّ علىّ  ¼ (١) .


(١) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٤٩ .