[ 302 ]

فيما نذكره عن محمد بن العباس بن مروان الثقة الثقة أن النبي صلى الله عليه وآله عرف أصحابه أمير المؤمنين في تفسير [ بعض ] (1) سورة التحريم. روينا ذلك بأسانيدنا من كتابه الذي قدمنا ذكره بما هذا لفظه:

حدثنا أحمد بن إدريس، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، حدثنا ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد الكلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله عرف أصحابه أمير المؤمنين مرتين. إهه قال لهم: أتدرون من وليكم بعدي ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: فإن الله عز وجل قد قال: * (فإن الله هو موليه وجبريل وصالح المؤمنين) * (3)، يعني أمير المؤمين عليه السلام.

والمرة الثانية يوم غدير خم (3).

 


(1) الزيادة من م.

(2) سوره التحريم: الآية 4.

(3) أورده في البحار: ج 37 ص 317 ب 54 ح 48.


[ 303 ]

فيما نذكره عن محمد بن العباس بن مروان المذكور من تفسير قوله عز وجل * (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا) * (1)، في تسمية مولانا علي عليه السلام أمير المؤمنين من كتابه الذي أشرنا إليه بأسانيدنا إليه بما هذا لفظه:

حدثنا الحسن بن زياد قال: حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا صالح بن خالد وعبيس بن هشام (2) عن منصور عن حرير (3) عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام.

قال: تلا هذه الآية * (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا) *، قال: تدرون ما رأوا ؟ رأوا والله عليا عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه عليه وآله.

* (الذي كنتم به تدعون) *، تسمون به أمير المؤمنين.

يا فضيل، لم يسم بها والله بعد على أمير المؤمنين إلا مفتر كذاب إلى يوم الناس هذا (4).


 (1) سورة الملك: الآية 27.

(2) م والمطبوع: عيسى بن هشام. قال في جامع الرواة ج 1 ص 654: الظاهر ان عيسى بن هشام هذا هو عبيس بن هشام، وقد أورد ترجمة عبيس بن هشام في ج 1 ص 531.

(3) في البحار: جرير.

(4) أورده في البحار: ج 37 ص 318 ب 54 ح 49.

 


[ 304 ]

فيما نذكره من كتاب (مطالب السؤال في مناقب آل الرسول) تأليف العلامة في زمانه المعظم في شأنه محمد بن طلحة الحلبي، من تسمية النبي صلى الله عليه وآله لمولانا علي عليه السلام أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين، فقال فيما ذكره عن الحافظ أبي نعيم من كتابه (حلية الأولياء) ما هذا لفظه:

روى الإمام الحافظ المذكور بسنده في حليته (1) عن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أنس (2)، أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين.

قال أنس: قلت: اللهم أجعله رجلا من الأنصار - وكتمته - إذ جاء علي عليه السلام.

فقال: من هذا يا أنس ؟ فقلت: علي عليه السلام.

فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه وعرق وجه علي عليه السلام بوجهه.

فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت بي شيئا ما صنعت بي قبل ذلك ! قال: وما يمنعني وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي (3).


 (1) حليه الألياء: ج 1 ص 63 عند ذكر أمير المؤمنين عليه السلام.

(2) زاد في المصدر الحديث: يا أنس، اسكب لي وضوء ثم قام فصلى ركعتين ثم قال... الخ.

(3) مطالب السؤل: الباب 1، الفصل 6، وأورده في البحار: ج 37 ص 300 ب 54 ذيل ح 21.

 


[ 305 ]

فيما نذكره من كتاب الحلية لأبي نعيم الحافظ، عند ترجمة إسم علي بن أبي طالب عليه السلام في تسمية النبي صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب (أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين). روينا ذلك من كتاب الحلية المذكور بعدة طرق: منها عن شيخ المحدثين ببغداد محمد بن النجار وقد قدمنا (1) إسناده إلى الحافظ أبي نعيم في كتاب الحلية ما هذا لفظه:

حدثنا محمد بن أحمد بن علي قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون قال: حدثنا علي بن عابس (2) عن الحارث بن حصيرة عن القاسم بن حرب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أنس، اسكب لي وضوء، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال: يا أنس، أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين.

قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار - وكتمته - إذ جاء علي عليه السلام فقال: من هذا يا أنس ؟ فقلت: علي عليه السلام.

فقام مستبشرا فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق وجه علي عليه السلام بوجهه.

فقال علي عليه السلام: يا رسلو الله، لقد رأيتك صنعت شيئا ما


 (1) لم نجده في هذا الكتاب.

(2) في المصدر خ ل: عياش.

 


[ 306 ]

صنعت بي قبل ! قال: وما ينعني وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي.

قال أبو نعيم: رواه جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه (3).


 (3) حلية الأولياء: ج 1 ص 63 عند ذكر اسم أمير المؤمنين عليه السلام، وأورده في البحار: ج 37 ص 300 ب 54 ذيل ح 21.

 


[ 307 ]

فيما نذكره من الرواية بتسمية مولانا علي عليه السلام بأمير المؤمنين، مما ذكره الحسين بن سعيد الأهوازي المجمع على عدالته وثقته عند أهل ملته، في كتابه المسمى (كتاب البهار).

والأصل منقول من نسخة عتيقة، وكان على ظهرها: (قرأه وأجازه في صفر سنة تسع وثلاثين وأربعمائة).

وهذا الحسين بن سعيد من موالي مولانا علي بن الحسين عليه السلام (1 ونحن نروي كتبه بعدة طرق قد ذكرنا بعضها في كتاب (الإجازات فيما يخصني من الإجازات) (2).

ورواه برواية فيها من رجالهم، فقال ما هذا لفظه:

أبو أحمد عن منصور بن بزرج (3) عن سليمان بن هارون (4) عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما سلم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين خرج الرجلان وهما يقولان: والله، لا نسلم له ما قال أبدا (5).


 (1) هو الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الأهوازي من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، وجده مهران كان مو موالي علي بن الحسين عليهما السلام.

(2) انظر الباب 37، الهامش 2.

(3) ق: منصور بزرج.

(4) في البحار: الحسين بن سعيد عن منصور بن يونس عن سليمان بن هارون.

(5) أورده في البحار: ج 37 ص 312 ب 54 ح 45.

 


[ 308 ]

فيما نذكره من (كتاب البهار) من رواية الحسين بن سعيد بتسمية النبي صلى الله عليه وآله لعلي علي عليه السلام بأمير المؤمنين برجالهم. نذكر من الحديث ما نحتاج إليه فإنه طويل وفيه مالا ضرورة إلى الوقوف عليه، وهذا لفظه ما يذكره:

الحسين بن سعيد عن الحسين بن علوان عن علي بن حزور عن عبد الرحمان بن مسعود العبدي عن مالك بن ضمرة الرواسي عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم ذكر ما معناه إنه سأله صلى الله عليه وآله عما يتجدد بعده من الأمور فأخبره. ثم ذكر ما جرى لعثمان.

فقال: يا رسول الله، ثم يكون ماذا ؟ قال: ثم يبايع الناس أمير المؤمنين، حتى إذا وجبت له الصفقة على من صلى القبلة وأدى الجزية انطلق فلان وفلان فحملا امرأة من أمهات المسلمين. ثم ذكر ما جرى من طلحة والزبير وعايشة (1).


 (1) أورده في البحار: إ ج 37 ص 318 ب 54 ح 50.

 


[ 309 ]

فيما نذكره أيضا عن الحسين بن سعيد من (كتاب الهار) لموافقة (1) بريدة لأبي بكر وإذكاره بما سمع من رسول الله رب العالمين من أمره لهم بالتسليم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين. نذكر من الحديث ما نحتاج إليه بلفظه الذي يعتمد عليه ونترك منه مالا ضرورة إليه. فنقول:

إن الحسين بن سعيد رفع الحديث إلى سليم بن قيس الهلالي، وذكر ما جرى عند بيعة أبي بكر وقال ما هذا لفظه: وأقبل بريدة حتى انتهى إلى أبي بكر، فقال له: يا أبا بكر، ألست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته: انطلق إلى عليه السلام فسلم عليه بإمرة المؤمنين فقلت: عن أمر الله وأمر رسوله ؟ فقال لك: نعم، فانطلقت وسلمت عليه ؟ والله لا أسكن بلدة أنت فيها (2).


 (1) من قولهم: وافقه في الطريق أي صادفه كما قال في المتن: واقبل بريدة حتى انتهى إلى أبي بكر.

(2) كتاب سليم بن قيس: ص 251، وأورده في البحار: ج 37 ص 319 ب 54 ح 51.

 


[ 310 ]

فيما نذكره عن الحسين بن سعيد من كتابه (كتاب البهار) في إذكار اسامة بن زيد لأبي بكر بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله لهم أن يسلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين. نذكر ما نحتاج إليه بلفظه المعتمد عليه ونترك مالا ضرورة إليه، فنقول عن رجال الحسين بن سعيد ما هذا لفظه:

محمد بن أبي عمير عن علي بن رئاب (1) عن فضيل الرسان والحسن بن سكن العرار عمن أخبره عن أبي امامة قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله كتب أبو بكر إلى أسامة بن زيد: (من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته إلى أسامة بن زيد، أما بعد، فإن المسلمين اجتمعوا علي لما ان قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا أتاك كتابي هذا فأقبل).

قال: فكتب إليه أسامة بن زيد: (أما بعد فإنه جائني كتاب لك، ينقض آخره أوله ! كتبت إلي: من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته، ثم أخبرتني أن المسلمين اجتمعوا عليك) ! قال: فلما قدم أسامة عليه قال له: يا أبا بكر، أما تذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته (2) حين أمرنا أن نسلم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين.

فقلت: أمن الله ومن رسوله ؟ فقال لك: نعم.

ثم قام عمر فقال: أمن الله ومن رسوله ؟ فقال: نعم.

ثم قام القوم فسلموا عليه،


 (1) ق والمطبوع: الزيات، صححناه من البحار.

(2) ق: قال اسامة: يا أبا بكر، أنسيت قول رسول الله صلى الله عليه وآله.

 


[ 311 ]

فكنت أصغركم سنا، فقمت فسلمت بإمرة المؤمنين ؟ فقال (3): إن الله لم يكن يجمع (4) لهم النبوة والخلافة (5).


 (3) أي قال أبو بكر.

(4) في البحار وق خ ل: ليجمع.

(5) أورده في البحار، الطبعة القديمة: ج 8 ص 88 ب 8 ح 4.

 


[ 312 ]

فيما نذكره عن الحسين بن سعيد الثقة المجمع عليه من (كتاب البهار)، يتضمن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله لجماعة من الصحابة بالتسليم على علي عليه لاسلام بإمرة المؤمنين. نذكر منه ما نحتاج إليه بلفظه ونترك مالا ضرورة إلى الوقوف عليه، فقال في إسناده ما هذا لفظه:

عن الحسين عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام، ثم قال بعد كلام لا ضرورة إليه: إن عليا عليه السلام مرض، فعاده رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته، وأمر هؤلاء فعادوه وقال لهم: سلموا عليه بإمرة المؤمنين فقام أبو بكر وعمر وعثمان فقالوا: أمن الله ومن رسوله ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: من الله ومن رسوله.

قال: فانطلقوا فسلموا عليه بإمرة المؤمنين.

فدخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته وهم عنده، فقال له: يا علي، ما قالوا لك ؟ فقال: سلموا علي بإمرة المؤمنين.

قال: فقال لهم: إن هذا اسم نحله الله عليا عليه السلام ليس هو إلا له.

ثم ذكر تمام الحديث (1).

 

فصل :

أقول: قوله في الحديث (إن رسول الله صلى الله عليه وآله عاد عليا


 (1) أورده في البحار: ج 37 ص 322 ب 54 ح 53.

 


[ 313 ]

عليه السلام) يعني إنه عاده وخرج من عنده وأمر الجماعة المشار إليهم بالعيادة لعلي عليه السلام والتسليم عليه بإمرة المؤمنين، ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وآله ودخل إليهم فسأله عما قالوا له وعرفهم ما ذكره في الحديث المشار إليه.

 


[ 314 ]

فيما نذكره من رواية إسماعيل بن أحمد البستي من علمائهم وأعيان رجالهم في كتابه الذي سماه (فضائل علي بن أبى طالب ومراتب أمير المؤمنين عليه السلام (1)، في تسمية جبرئيل عليه السلام لمولانا علي عليه السلام (أمير المؤمنين وفارس المسلمين وقائد الغر المحجلين وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين وإمام المتقين). فقال فيه ما هذا لفظه:

ومن أسمائه ما سماه جبرئيل عليه السلام بها على ما رواه الخلف (2) عن علي عليه السلام، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله، فوجدته ورأسه في حجر دحية الكلبي فسلمت عليه، فقال لي دحية: وعليك السلام يا أمير المؤمنين وفارس المسلمين وقائد الغر المحجلين وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين - وقال (وإمام المتقين) في بعض الروايات - ثم قال له: تعالى خذ رأس ابن عمك في حجرك، فانت احق بذلك.

فلما دنوت من رسول الله صلى الله عليه وآله ووضعت رأسه في حجري لم أر دحية وفتح رسول الله صلى الله عليه وآله عينه وقال: يا على، من كنت تكلم ؟ قلت: دحية الكلبي، وقصصت عيه القصة.

قال (3): لم يكن دحية وإنما كان ذلك جبرئيل أتاك ليعرفك إن الله تعالى سماك بهذه الأسماء (4).


(1) توجد نسخة منه بالمكتبة الناصرية العامة بلكنهو - الهند. راجع الغدير): ج 1 ص 100.

(2) في البحار: الخلق.

(3) في البحار وق خ ل: فقال لي.

(4) أورده في البحار: ج 37 ص 322 ب 54 ح 54.

 


[ 315 ]

فيما نذكره أيضا من رواية إسماعيل بن أحمد البستي في كتابه (فضائل على عليه السلام) في أمر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه أن يسلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين. فقال ما هذا لفظه:

وفى الحديث إنه صلى الله عليه وآله أمر أصحابه أن يسلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين.

فقال له عمر: رأى رأيته أو وحي نزل ؟ قال: بلى وحى نزل.

فقال: سمعا وطاعة.

والقصة مشهورة.

 

فصل :

أقول أنا: وجدت في آخر النسخة التي نقلت منها هذين الحديثين ما هذا لفظه: عن كتاب (مراتب أمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه السلام) من إملاء الشيخ الإمام أبي القسام إسماعيل بن أحمد البستي رحمه الله، انتسخ هذه النسخة من نسخة مصححه، طالعها الكبار من العلماء، وتلك النسخة موضوعة في ذار الكتب التي بناها في المسجد الجامع العتيق بهمدان الصدر السعيد الكبير ضياء الدين أبو محمد عبد الملك بن محمد.

هذا ما وجدناه ونقلناه كما رأيناه والحمد لله.

 


[ 316 ]

فيما نذكره من كتاب لبعض علمائهم صنفه برجالهم في فضائل علي عليه السلام نذكر منه ما يختص بتسمية مولانا علي عليه السلام بأمير المؤمنين. أول أسانيد هذا الكتاب: (حدثنا أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي)، وقال في آخره: (وكان الفراغ من نسخة في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وأربعمائة بالقاهرة المعزية) (1). فقال فيه ما هذا لفظه:

حدثنا محمد بن الحسين الخثعمي العدل وعلي بن العباس البجلي (2) وعلي بن أحمد بن الحكم التميمي العدل وجعفر بن محمد بن مالك وعلي بن أحمد بن الحسين العجلي والحسين بن السكن الأسدي الكوفيون، قالوا: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدى قال: أخبرنا السري بن عبد الله السلمى عن علي بن حرور قال: دخلت أنا والعلاء بن هلال علي أبى إسحاق السبيعي حيث قدم من خراسان، فقال: حدثنى أخوك أبو داود السبيعي عن بريدة بن خصيب الأسلمي، قال: كنت عند رسول الله صلى اله عليه وآله فدخل علينا أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قم يا أبا بكر فسلم على علي بإمرة المؤمنين.

فقال أبو بكر: أمن الله أم من رسوله ؟ فقال صلى الله عليه وآله: من الله ومن رسوله.

ثم جاء عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: سلم على علي بإمرة المؤمنين.

فقال عمر: من


 (1) ق وم: القوية أو القرية.

(2) ق وم: النحلي.

 


[ 317 ]

الله أو من رسوله ؟ فقال صلى الله عليه وآله: من الله ومن رسوله.

ثم جاء سلمان كرم الله وجهه فسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: سلم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فسلم.

ثم جاء عمار فسلم ثم جلس.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: قم يا عمار فسلم على علي أمير المؤمنين، فقام فسلم ثم دنا فجلس.

فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله بوجهه فقال: إني قد أخذت ميثاقكم على ذلك كما أخذ الله ميثاق بني آدم (3) فقال لهم: ألست بربكم ؟ قالوا: بلى، وسألتموني أنتم: (أمن الله أو من رسوله ؟) فقلت: بلى.

أما والله لئن نقضتموه لتكفرون (4).

فخرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله، ورجل من القوم يضرب بإحدى يديه على الأخرى.

ثم قال: كلا ورب الكعبة ! فقلت: من ذلك الرجل ؟ قال: لا تتحمله، وجابر من خلفي يغمزني أن سله.

فألححت عليه فقال: الإعرابي يعني عمر بن الخطاب (5).

 

فصل :

أقول أنا: هذا لفظه الحديث ذكرناه كما وجدناه، ومصنفه ورجاله ما هم من رجال الإمامية، فدرك ذلك عليهم وهم أعرف بأحاديثهم النبوية.


(3) م والمطبوع: بني إسرائيل.

(4) في البحار: لتكفرن.

(5) أورده في البحار: ج 37 ص 323 ب 54 ح 55.


[ 318 ]

فيما نذكره عن أحمد بن محمد الطبري من كتابه الذي أشرنا إليه، في تسمية مولانا علي عليه السلام بأمير المؤمنين وولي المؤمنين ووصي رسول رب العالمين. فقال ما هذا لفظه:

حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد الكوفي الدلال قال: أخبرنا (1) الحسن بن عبد الواحد الخزاز قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن فرات القرار (2) قال: حدثنا عامر بن كثير السراج قال: وحدثنا الحسن بن سعيد قال: حدثنا زياد بن المنذر قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام وهو يقول: شجرة أصلها رسول الله صلى الله عليه وآله وفرعها أمير المؤمنين علي عليه السلام، وأغصانها فاطمة بنت محمد وثمرتها الحسن والحسين عليهما السلام فإنها شجرة النبوة ونبت الرحمة (3) ومفتاح الحكمة ومعدن العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله ووديعته والأمانة التى عرضت على السماوات والأرض وحرم الله الأكبر وبيت الله العتيق وحرمه.

عندنا (4) علم المنايا والوصايا وفصل الخطاب ومولد الإسلام وأنساب العرب.

كانوا نورا مشرقا حول عرش ربهم فأمرهم فسبحوا فسبح أهل السماوات بتسبيحهم، ثم اهبطوا إلى الأرض فأمرهم فسبحوا فسبح أهل الأرض


 (1) م وق خ ل: حدثنا.

(2) م: الفرار، والمطبوع: الفراء. والظاهر: القزاز.

(3) في البحار وق خ ل: بيت الرحمة.

(4) كذا في النسخ، والظاهر: عندهم.

 


[ 319 ]

بتسبيحهم، فإنهم لهم الصافون (5) وإنهم لهم المسبحون.

فمن أوفى بذمتهم فقد أوفى بذمة الله ومن عرف حقهم فقد عرف حق الله.

هم ولاة أمر الله وخزان وحي الله وورثة كتاب الله، وهم المصطفون بسر الله والأمناء على وحي الله.

وهؤلاء أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة والمستأنسون بخفق أجنحة الملائكة بمن كان يغدوهم (6) جبرئيل [ من ] (7) الملك الجليل بخير التنزيل وبرهان التأويل.

هؤلاء أهل بيت أكرمهم الله بسره وشرفهم بكرامته وأعزهم بالهدى وثبتهم بالوحى، وجعلهم أئمة هدى ونورا في الظلم للنجاة، واختصهم لدينه وفضلهم بعلمه وأتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، وجعلهم عمادا لدينه ومستودعا لمكنون سره وأمناء على وحيه، نجباء من خلقه وشهداء على بريته، إختارهم وجعلهم للبلاد والعباد عمارا (8)، وأدلاء للأمة على الصراط.

فهم ائمة الهدى والدعاة إلى التقوى وكلمة الله العليا وحجة الله العظمى، وهم النجاة والزلفى، هم الخيرة الكرام، هم الأصفياء الحكام، هم النجوم الأعلام، هم الصراط المستقيم، هم السبيل الأقوم.

الراغب عنهم مارق والمقصر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق.

نور الله في قلوب المؤمنين، والبحار السايغة (9) للشاربين، أمن لمن التجأ إليهم، وأمان لمن تمسك بهم.

إلى الله يدعون وله يسلمون وبأمره يعملون وبكتابه يحكمون.


 (5) م: الصادقون.

(6) في البحار: يغذوهم.

(7) الزيادة من البحار.

(8) خ ل: عمادا.

(9) م: السابغة.

 


[ 320 ]

منهم بعث الله رسوله، وعليهم هبطت ملائكته، وفيهم نزلت سكينته، وإليهم بعث الروح الأمين منا من الله عليهم، فضلهم به وخصهم.

وأصول مباركة، مستقر قرار الرحمة، خزان العلم وورثة الحلم، وأولوا التقى والنهى والنور والضياء، وورثة الأنبياء وبقية الأوصياء.

منهم الطيب ذكره والمبارك اسمه محمد صلى الله عليه وآله، والمصطفى المرتضى ورسوله النبي الأمي، ومنهم الملك الأزهر والأسد المرسل حمزة، ومنهم المستسقى به يوم الزيارة (10) العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله وصنو أبيه (11) وذو الجناحين وذو الهجرتين والقبلتين والبيعتين من الشجرة المباركة صحيح الأديم وواضح البرهان.

ومنهم حبيب محمد وأخوه والمبلغ عنه من بعده البرهان والتأويل ومحكم التفسير، أمير المؤمنين وولي المؤمنين ووصي [ رسول ] (12) رب العالمين على بن أبي طالب، عليه من الله الصلوات الزكية والبركات السنية.

فهؤلاء الذين افترض الله مودتهم وولايتهم على كل مسلم ومسلمة، فقال في محكم كتابه لنبيه صلى الله عليه وآله: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا، إن الله غفور شكور) * (13).

فقال أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام: (إقتراف الحسنة) مودتنا أهل البيت (14).


 (10) م: الزيادة.

(11) ق: صنوانه، بمعنى المتجاوزان.

(12) الزيادة من ق خ ل.

(13) سورة الشورى: الآية 23.

(14) أورده في البحار: ج 26 ص 250 ب 5 ح 22.

 


[ 321 ]

فيما نذكره عن أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي المقدم ذكره من كتابه المشار إليه، من تسمية مولانا علي عليه السلام أمير المؤمنين في حياه النبي صلى الله عليه وآله وأمره بالتسليم عليه بذلك. فقال ما هذا لفظه:

أخبرنا أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن ثعلبة الحمانى (1) قال: حدثنا مخول بن إبراهيم النهدي، قال: حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال ابن عباس: كنت أتتبع (2) غضب أمير المؤمنين عليه السلام إذا ذكر شيئا أو هاجه خبر.

فلما كان ذات يوم كتب إليه بعض شيعته من الشام يذكر في كتابه: (أن معاوية وعمر بن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة ومروان إنه ينقص اصحاب رسول الله صلى الله عليه، ويذكر كل واحد منهم ما هو أهله) (3).

وذلك لما أمر أصحابه (4) بالإنتظار له بالنخلية، فدخلوا الكوفة وتركوه. فغلظ ذلك عليه وجاء هذا الخبر.


 (1) ق خ ل: الحمامي.

(2) ق وم: اتبع.

(3) أي يذكر كل واحد من معاوية وأصحابه ما يليق بهم، أو المعنى: ان عليا عليه السلام يذكر كل واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بما هو أهله (4) ق وم والمطبوع: أمره اخوانه، صححناه من البحار.

 


[ 322 ]

فأتيت بابه في الليل فقلت: يا قنبر، أي شئ خبر أمير المؤمنين ؟ قال: هو نائم. فسمع كلامي (5)، فقال: من هذا ؟ فقال (6): ابن عباس، يا أمير المؤمنين. قال: أدخل. فدخلت فإذا هو قاعد ناحية عن فراشه في ثوب جالس كهيئة المهموم.

فقلت: مالك يا أمير المؤمنين الليلة ؟ فقال: ويحكم يا بن عباس، وكيف تنام عينا قلب مشغول، يا بن عباس، ملك جوارحك قلبك فإذا أدهاه (7) أمر طار النوم عنه، ها أنا ذا ترى من (8) أول الليل اعترانى الفكر والسهر لما تقدم من نقض عهد أول هذه الأمة المقدر عليها نقض عهدها.

إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر من أمر من أصحابه بالسلام علي في حياته بإمرة المؤمنين، فكنت أؤكد أن أكون كذلك بعد وفاته.

يا بن عباس، أنا أولى الناس بالناس بعده، ولكن أمور اجتمعت على رغبة الناس في الدنيا وأمرها ونهيها وصرف قلوب أهلها عني.

وأصل ذلك ما قال الله عز وجل في كتابه: * (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) * (9).

فلو لم يكن ثواب ولا عقاب لكان بتبليغ (10) الرسول صلى الله عليه وآله فرض على الناس إتباعه، والله عز وجل يقول: * (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * (11). أتراهم نهوا عني فأطاعوا (12).

والذي فلق الحبة وبرء النسمة وغدا بروح أبي القاسم صلى الله عليه وآله


 (5) ق والمطبوع: كلامه.

(6) أي قال قنبر.

(7) في البحار: ارهبه. وفي النسخ: أدهاه.

(8) في البحار: مذاول الليل.

(9) سورة النساء: الآية 54.

(10) ق والمطبوع: لكان تبليغ.

(11) سورة الحشر: الآية 7.

(12) في البحار: فاطاعوه.

 


[ 323 ]

إلى الجنة لقد قرنت برسول الله صلى الله عليه وآله حيث يقول عز وجل: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (13).

ولقد أطال يا بن عباس فكري وهمي وتجرعي غصة بعد غصة ورود قوم على معاصي الله (14) وحاجتهم إلي في حكم الحلال والحرام حتى إذا أتاهم أمن (15) الدنيا أظهروا الغنى عني ! كأن لم يسمعوا الله عز وجل يقول: * (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * الآية 16).

ولقد علموا أنهم احتاجوا إلي ولقد غنيت عنهم * (أم على قلوب أقفالها) * (17).

فمضى من مضى قال علي (18) بغضن (19) القلوب وأورثها (20) الحقد علي، وما ذلك إلا من أجل طاعته في قتل الأقارب المشركين فامتلئوا (21) غيظا وإعتراضا، ولو صبروا في ذات الله [ لكان خيرا لهم ] (22).

قال الله عز وجل: * (لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم والآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * الآية.

(23).

فأبطنوا من ترك الرضا بأمر الله ما أورثهم النفاق وألزمهم بقلة الرضا الشقاق.

وقال الله عز وجل: * (فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا) * (24).


 

(13) سورة الأحزاب: الآية 33.

(14) ق وم والمطبوع: (ولقد طال يا بن عباس فكري وهمي دور قوم على معاصي الله وتجرعي غصة بعد غصة)، صححناه من البحار.

(15) ق وم: اتاهم من الدنيا.

(16) سورة النساء: الآية 83.

(17) سوة محمد (ص): الآية 24.

(18) أي مبغض.

(19) ق: ظعن، م: طعن.

(20) ق والمطبوع: أوريها.

(21) ق والمطبوع: استطلوا.

(22) الزيادة من البحار.

(23) سورة المجادلة: الآية 22.

(24) سورة مريم: الآية 84.

 


[ 324 ]

فالآن يا بن عباس قرنت بابن آكلة الأكباد وعمر وعتبة والوليد ومروان وأتباعهم.

[ وصار معهم في حديث ] (25)، فمتى اختلج في صدري وألقي في روعي: إن الأمر ينقاد إلى دنيا يكون هؤلاء فيها رؤساء يطاعون فيهم في ذكر أولياء الرحمان، يسلبونهم ويرمونهم بعظائهم الأمور من أنك (26) مختلق (27)، وحقد قد سبق.

ولقد علم المستحفظون (28) ممن بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن عامة أعدائي من أجاب (29) الشيطان علي وزهد الناس في وأطاع هواه في ما يضره في آخرته) وبالله عز وجل الغني وهو الموفق للرشاد والسداد.

يابن عباس، ويل لمن ظلمني ودفع حقى وأذهب [ عني ] (30) عظيم منزلتي.

أين كانوا اولئك وأنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله صغيرا لم يكتب علي صلاة، وهم عبدة الأوثان وعصاة الرحمان ولهم يوقد (31) النيران ؟ ! فلما قرب إصعار الخدود وإتعاس (32) الحدود أسلموا كرها وأبطنوا غير ما أظهروا طمعا في أن يطفئوا نور الله [ بأفواههم ] (33) وتربصوا (34) إنقضاء أمر (35) الرسول وفناء مدته لما أطمعوا أنفسهم في قتله ومشورتهم في دار


 (25) ما بين المعكوفتين ليست في البحار.

(26) ق وم: إفك.

(27) م: مختلف.

(28) ق وم: والمطبوع: المحفوظون، صححناه من البحار.

(29) ق وم والمطبوع: حارب.

(30) الزيادة من ق.

(31) في البحار: بهم توقد.

(32) في المطبوع وق خ ل: اصغار.

(33) الزيادة من المطبوع.

(34) ق وم: يرتضوا.

(35) في المطبوع: عمر.

 


[ 325 ]

ندوتهم. قال الله عز وجل: * (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) * (36)، و * (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) * (37).

يا بن عباس، هديهم (38) رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته بوحي من الله يأمرهم بموالاتي فحمل القوم ما حملهم مما حقد على أبينا آدم من حسد اللعين له، فخرج من روح الله ورضوانه وألزم اللعنة لحسده لولي الله، وما ذاك بضاري إنشاء الله شيئا.

يا بن عباس، أراد كل أمرئ أن يكون رأسا مطاعا تميل إليه الدنيا وإلى أقاربه، فحمله هواه ولذة دنياه واتباع الناس إليه أن يغصب (39) ما جعل لي.

ولولا إتقائي على الثقل الأصغر أن يبيد (40) فينقطع شجرة العلم وزهرة الدنيا وحبل الله المتين وحصنه الأمين، ولد رسول الله رب العالمين، لكان طلب الموت والخروج إلى الله عز وجل ألذ عندي من شربة ظمآن ونوم وسنان، ولكني صبرت وفي الصدر (41) بلابل وفي النفس وساوس.

* (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) * (42)، ولقديما ظلم الأنبياء وقتل الأولياء، قديما في الأمم الماضية والقرون الخالية، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره.

والله أحلف يا بن عباس، إنه كما فتح بنا يختم بنا وما أقول لك إلا حقا.

يا بن عباس، إن الظلم يتسق لهذه الأمة ويطول الظلم ويظهر الفسق


(36) سورة آل عمران: الآية 54.

(37) سورة التوبة: الآية 32، وفى النسخ: المشركون.

(38) ق وم: مد بهم، وفي البحار: ندبهم.

(39) ق وم والمطبوع: نوزعت.

(40) م والبحار: ينبذ.

(41) في المطبوع: الصدور.

(42) سورة يوسف: الآية 18.

 


[ 326 ]

وتعلوا كلمة الظالمين، ولقد أخذ الله على أولياء الدين أن لا يقاروا (43) اعدائه. بذلك أمر الله في كتابه على لسان الصادق رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: * (تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) * (44).

يا بن عباس، ذهب الأنبياء فلا ترى نبيا والأوصياء ورثتهم عنهم علم الكتاب وتحقيق الأسباب، قال الله عز وجل: * (كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) * (45)، فلا يزال الرسول باقيا ما نفدت أحكامه وعمل بسنته ودار أحوال أمره ونهيه.

وبالله أحلف يا بن عباس، لقد نبذ الكتاب وترك قول الرسول إلا ما لا يطيقون تركه من حلال وحرام ولم يصبروا على كل أمر نبيهم (46)، * (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) * (48).

فبيننا وبينهم المرجع إلى الله * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * (49).

يا بن عباس، عامل الله في سره وعلانيته تكن من الفائزين، ودع من اتبع هواه وكان أمره فرطا.

ويحسب معاوية ما عمل وما يعمل به من بعده وليمده ابن العاص في غيه فكأن عمره قد انقضى وكيده قد هوسى وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.


 (43) أي لا يحلوا عليهم.

(44) سورة المائدة: الآية 2.

(45) سورة آل عمران:: الآية 101.

(46) في المطبوع: أمر بينهم.

(47) سورة العنكبوت: الآية 43.

(48) سورة المؤمنون: الآية 115.

(49) سورة الشعراء: الآية 227.


[ 327 ]

وأذن المؤذن فقال عليه السلام: الصلاة يا بن عباس لا تفت، أستغفر الله لي ولك وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

قال ابن عباس: فغمني انقطاع الليل وتلهفت على ذهابه (50).


 (50) أورده في البحار: الطبعة القديمة، ج 8 ص 161 ب 14 ح 5.

 


[ 328 ]

فيما نذكره عن أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي من كتابه الذي أشرنا إليه في أه أهل السماوات يسمون عليا أمير المؤمنين، نذكره بلفظه:

حدثنا علي بن أحمد بن حاتم وجعفر بن محمد الأزدي وجعفر بن مالك الفزارى الكوفيون، قالوا: حدثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن يحيى التميمي قال: حدثنا أبو قتادة الحراني عن أبيه عن الحارث بن الخزرج صاحب راية الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: يا علي، لا يتقدمك بعدي إلا كافر، وإن أهل السماوات يسمونك (1) أمير المؤمنين (2).


 (1) زاد في م: وسيد المسلمين وامام المتقين.

(2) أورده في البحار: ج 37 ص 310 ب 54 ذيل ح 40.

 


[ 329 ]

فيما نذكره عن هذا أحمد بن محمد الطبري من كتابه برجالهم في حديث الخمس رايات، وذكر فيها تسمية مولانا علي عليه السلام أمير المؤمنين وسيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين. فقال:

حدثنا محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي العدل وعلي بن أحمد بن حاتم التميمي وعلي بن العباس البجلي وعلى بن الحسين العجلي وجعفر بن محمد بن مالك الفزارى والحسن بن السكن الأسدي الكوفيون، قالوا: حدثنا عبابد بن يعقوب، قال: أخبرنا علي بن هاشم بن زيد (1) عن أبي الجارود، وزياد بن المنذر عن عمران بن ميثم الكيال عن مالك بن ضمرة الرؤاسي عن أبي ذر الغفاري، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله: * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) * (2)، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ترد أمتي يوم القيامة على خمس رايات: فأولها مع عجل هذه الأمة، فآخذ بيده فترجف قدماه ويسود وجهه وجوه أصحابه.

فأقول: ما فعلتم بالثقلين ؟ فيقولون: أما الأكبر فحرقناه ومزقناه (3)، وأما الأصغر فعاديناه وأبغضناه، فأقول: ردوا ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.

فيؤخذ بهم ذات الشمال لا يسقون قطرة.

ثم ترد علي راية فرعون هذه الأمة، فأقوم فآخذ بيده ثم ترجف قدماه


 (1) في البحار: يزيد، والظاهر: بريد.

(2) سورة آل عمران: الآية 106.

(3) في البحار: فخرقنا ومزقنا ولعله: حرفنا.

 


[ 330 ]

ويسود وجهه ووجوه أصحابه، فأقول: ما فعلتم بالثقلين [ بعدي ] (4) ؟ فيقولون: أما الأكبر فمزقناه (5) وأما الأصغر فبرئنا منه (6) ولعناه.

فأقول: ردوا طمآء مظمئين مسودة وجوهكم، فيؤخذ بهم ذات الشمال لا يسقون قطرة.

ثم ترد علي راية ذي الثدية معها أول خارجة وآخرها، فأقوم فآخذ بيده فترجف قدماه وتسود وجهه ووجوه أصحابه، فأقول: ما فعلتم بالثقلين بعدى ؟ فيقولون: أما الأكبر فمرقنا منه، وأما الأصغر فبرئنا منه ولعناه.

فأقول: ردوا ظماء مظمئين مسودة وجوهكم فيؤخذ بهم ذات الشمال لا يسقون قطرة.

ثم ترد علي راية أمير المؤمنين وسيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، فأقوم فآخذ بيده فيبيض وجهه ووجوه أصحابه، فأقول: ما فعلتم بالثقلين بعدي ؟ فيقولون: أما الأكبر فاتبعناه وأطعناه وأما الأصغر فقاتلنا معه حتى قتلنا.

فأقول: ردوا روآء مرويين مبيضة وجوهكم فيؤخذ بهم ذات اليمين، وهو قول الله عز وجل: * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون) * (7) (8).


 (4) الزيادة من البحار.

(5) في البحار: مرقنا منه.

(6) في البحار والمطبوع: فتبرئنا منه.

(7) سورة آل عمران: الآية 106.

(8) انظر البحار، الطبعة القديمة: ج 8 ص 207. ولا يخفى أن المذكور في الحديث: أربع رايات.

 


[ 331 ]

فيما نذكره عن أحمد بن محمد الطبري من كتابه المقدم ذكره في تسمية سيد المرسلين عليا عليه السلام أمير المؤمنين وسيد المسلمين وعيبة علمي وبابى الذي أوتى منه والوصي على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الأحياء من أمتي. نذكره بألفاظه:

حدثنا أبو بكر أحمد بن هشام الطبري بطبرستان قال: حدثنا أبو طاهر محمد بن نسيم القرشي قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن يحيى بن يعلى عن الأعمش، وحدثني أيضا جعفر بن محمد الكوفي قال: حدثنا عبد الله بن داهر الرازي قال: حدثني أبي (1) داهر بن يحيى عن الأعمش عن عباية الأسدي، قال: بينما ابن عباس يحدث الناس بمكة على شفير زمزم، فلما قضى حديثه نهض إليه رجل من الملأ فقال: يا بن عباس، إني رجل من أهل الشام.

فقال: أعوان كل ظالم إلا من عصمه الله منهم، فسل عما بدالك ؟ قال: يا بن عباس، إنما جئتك لأسألك عن علي عليه السلام وقتاله أهل لا إله إلا الله، لم يكفروا بقبلة ولا قرآن ولا بحج ولا بصيام شهر رمضان ؟ ! قال ابن عباس: ثكلتك أمك، سل عما يعنيك ولا تسئل عما لا يعنيك.

فقال: يا بن عباس، ما جئت أضرب إليك من (حمص) لحج ولا لعمرة، ولكني جئتك لأسئلك لتشرح لي أمر علي عليه السلام وقتاله أهل لا إله إلا الله.

فقال: ويحكم إن علم العالم صعب ولا يحتمل ولا تقبله القلوب إلا قلب


 (1) في البحار: أبيه.

 


[ 332 ]

من عصمه (2) الله، إن مثل على في هذه الأمة كمثل موسى والعالم، وذلك إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: * (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) * (3).

قال: * (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ) * (4).

فكان موسى عليه السلام يرى أن جميع الأشياء قد أثبتت له كما ترون أنتم أن علمائكم أثبتوا لكم جميع الأشياء.

فلما انتهى موسى إلى ساحل البحر لقي العالم فاستنطقه، فأقر له بفضل علمه ولم يحسده كما حسدتم أنتم عليا في علمه.

فقال له موسى: * (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) * (5) ؟ فعلم العالم أن موسى لا يطيق صحبته ولا يصبر على علمه.

فقال له العالم: * (إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) *.

فعلم أن موسى لم يصبر على علمه، فقال له: * (فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا) *.

فركبا في السفينة فخرقها العالم، وكان [ في ] (6) خرقها لله رضي ولموسى سخطا، ولقى الغلام فقتله وكان قتله لله رضي ولموسى سخطا.

ثم أقام الحائط فكان إقامته لله رضي ولموسى سخطا.

كذلك علي بن أبي طالب عليه السلام لم يقتل إلا من كان قتله لله رضي ولأهل الجهالة من الناس سخطا.

إجلس أخبرك الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وعاينته.

أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج زينب بنت جحش فأولم،


 (2) ق: عصم.

(3) و (4) سورة الأعراف: الآيات 145 و 144.

(5) سورة الكهف: الآية 66 وما بعدها.

(6) الزيادة من ق.

 


[ 333 ]

وكانت وليمته الحيس (7)، فكان يدعو عشرة عشرة من المؤمنين فكانوا إذا اصابوا طعام النبي (8) صلى الله عليه وآله استأنسوا إلى حديثه واشتهوا النظر إلى وجهه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يشتهي أن يخففوا عنه يفخلوا له المنزل، لأنه كان حديث عهد بعرس وكان محبا لزينب وكان يكره أذى المؤمنين.

فأنزل الله تبارك وتعالى فيه قرآنا، قوله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستانسين لحديث، إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سئلتموهن متاعا فاسئلوهن من وراء حجاب) * الآية (9).

فكانوا إذا أصابوا طعاما لم يلبثوا أن يخرجوا.

قال: فمكث رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أيام ولياليهن، ثم تحول إلى أم سلمة بنت أبي أمية وكانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وصبيحة يومها.

فلما تعالى النهار انتهى علي بن أبي طالب إلى الباب فدقه دقا خفيفا عرف رسول الله صلى الله عليه وآله دقه وأنكرت أم سلمة.

قال يا أم سلمة، قومي فافتحي الباب، قالت: يا رسول الله، من هذا الذي بلغ من خطره أن أفتح له الباب ؟ وقد نزل فينا بالأمس حيث يقول: * (وإذا سئلتموهن متاعا فاسئلوهن من وراء حجاب) *، من الذي بلغ من خطره أن ينظر إلى محاسني ومعاصمي ؟ فقال لها نبي الله صلى الله عليه وآله كهيئة المغضب: من يطع الرسول فقد أطاع الله، قومي وافتحي له الباب، فإن بالباب رجلا ليس بالخرق ولا


 (7) الطعام المتخذ من التمر والاقط والسمن.

(8) ق: رسول الله، م: نبي الله.

(9) سورة الاحزاب: الآية 53، وفى النسخ: (وإذا طعمتم).


[ 334 ]

بالنزق ولا بالعجل في أمره، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

يا أم سلمة، إنه آخذ بعضادتي الباب فليس بفاتحه حتى تتوارى (10) ولا داخل البيت (11) حتى تغيب عنه الوطئ إنشاء الله.

فقامت أم سلمت وهي لا تدري من بالباب غير أنها قد حفظت المدح، فمشت نحو الباب وهي تقول: بخ بخ لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ففتحت وأمسك علي عليه السلام بعضادتي الباب فلم يزل قائما حتى غاب عنه الوطئ ودخلت أم سلمخ خدرها، ففتح الباب ودخل، فسلم على النبي صلى الله عليه وآله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أم سلمة، هل تعرفينه ؟ فقالت: نعم فهنيئا لم.

هذا علي بن أبي طالب.

قال: صدقت يا أم سلمة، هو علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.

يا أم سلمة، اسمعي واشهدي: هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وعيبة علمي وبابي الذي أوتي منه والوصي على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الأحياء من أمتي، أخي في الدنيا وقريني في الآخرة ومعي في السنام الأعلى، إشهدي يا أم سلمة، إنه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

فقال الشامي: فرجت عني فرج الله عنك (12).


 (10) ق خ ل: تتوارى عنه.

(12) م: ولا وطئ داخل البيت.

(12) أورده في البحار: ج 32 ص 348 ب 9 ح 331، ورواه في علل الشرايع: ج 1 ص 64 ب 54 ح 3.


[ 335 ]

فيما نذكره عن هذا أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي من رواتهم ورجالهم فيما رواه من إنكار إثني عشر نفسا على أبي بكر بصريح مقالهم عقيب ولايته على المسلمين، وأذكره (1) بعضهم بما عرف من رسول الله صلى الله عليه وآله إن عليا أمير المؤمنين.

ورواه أيضا محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ في كتاب (مناقب أهل البيت عليهم السلام).

ويزيد بعضهم على بعض في روايته.

إعلم إن هذا الحديث روته الشيعة متواترين (2)، ولو كانت هذه الرواية برجال الشيعة ما نقلناه لأنهم عند مخالفيهم في مقام متهمين (3)، ولكن نذكره حيث هو من طريقهم الذي يعتمدن عليه ودرك ذلك على من رواه وصنفه في كتابه المشار إليه.

فقال أحمد بن محمد الطبري ما هذا لفظه: خبر الإثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في مجلس (4) رسول الله صلى الله عليه وآله: حدثنا أبو علي الحسن بن علي النحاس (5) الكوفي العدل الأسدي، قال: حدثنا أحمد بن أبي الحسين العامري قال: حدثني عمي أبو معمر سعيد بن


 (1) أي أذكر بعضهم أبا بكر، وفي البحار: وما ذكره.

(2) أنظر البحار: ج 28 ص 214.

(3) في البحار: عند مخالفيهم متهمين.

(4) م: مسجد.

(5) في البحار: أبو الحسن بن علي بن النحاس.

 


[ 336 ]

خيثم (6) الأسدي قال: حدثني عثمان الأعشى عن زيد بن وهب قال: كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله إثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار: عمرو بن سعيد العاص والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وبريدة بن حصيب الأسلمي.

وكان من الانصار: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وسهل وعثمان ابنا حنيف وأبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان وأبي بن كعب، وناس من إخوانهم من المهاجرين والأنصار.

فلما صعد أبو بكر منبر رسول الله صلى الله عليه وآله تشاجروا بينهم في أمره.

فقال بعضهم: هلا نأتيه فنزيله (7) عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وقال آخرون: إنكم إن أتيتموه لتزيلوه (8) عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله أعنتم على أنفسكم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه)، ولكن إمضوا بنا إلى على عليه السلام نستشيره ونطلع (9) رأيه.

فأتوا عليا عليه السلام فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ضيعت نفسك وأضعت حقك لمن أنت أولى بالأمر منه، وقد أردنا أن نأتي الرجل فنزيله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ونعلمه أن الحق حقك وأنت أولى بالأمر منه.

فكرهنا أن نركب أمرا دون مشاورتك.

فقال لهم علي عليه السلام: لو فعلتم ذلك ما كنتم وهم إلا كالكحل في العين والملح في الزاد، وقد أضيعت الأمة الناكبة التاركة قول نبيها صلى الله عليه وآله، والكاذبة على ربها ببيعته.

ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي وصالح المؤمنين فأبوا إلا السكوت بما يعلمون من وغرة (10) صدور القوم وبغضهم لله


 (6) في البحار: شعبة بن خيثم.

(7) في البحار: ننزله.

(8) في البحار: لننزله.

(9) في الخصال: نستطلع.

(10) ق وم: وغير، وخ ل: وغر.

 


[ 337 ]

ولأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، يطلبونهم بالتبول (11) وتراث (12) الجاهلية.

وإيم الله لو فعلتم ذلك لكنتم كأنا إذ أتوني وقد شهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال حتى قهروني على نفسي وقالوا: (بايع وإلا قتلناك، فلم أجد (13) إلا أن أدفع القوم عن نفسي.

وذاك أني ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي، إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر، فإنهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم سبيلا على نفسك لإذلالك، فإن الأمة ستغدر بك من بعدي، كذلك أخبرني به جبرئيل عليه السلام.

ولكن إيتو الرجل فأخبروه بما سمعتم من قول نبيكم صلى الله عليه وآله ولا تدعوه في شبهة من أمره ليكون ذلك أعظم للحجة عليه، وأبلغ [ فيه ] (14) في عقوبته إذا أتى ربه وقد عصى نبيه وخالف أمره.

فانطلقوا في يوم جمعة حتى حفوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا معشر المهاجرين، إن الله عز وجل قد قدمكم فقال: * (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه) * (15)، وقال: * (السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم) * (16).

فكان أول من تكلم عمرو بن سعيد بن العصاص، فقال: يا أبا بكر، إتق الله، فقد علمت ما تقدم لعلي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه


 (11) جمع التبل بمعنى العداوة.

(12) في الخصال: ثارات. ولعله: ترات.

(13) في الخصال: فلم أجد حيلة.

(14) الزيادة من ق وم.

(15) سورة التوبة: الآية 117. واختلط في النسخ بين هذه الآية والآية اللاحقة فجاء في آخر هذه الآية: * (والذين اتبعوهم باحسان) *، وفي أخر الآية الآتية: * (والذين اتبعوه) *.

(16) سورة التوبة: الآية 100.

 


[ 338 ]

وآله وقال لنا ونحن محتوشوه بيوم بني قريضة إذ فتح الله على رسول الله صلى الله عليه ولاله وقد قتل علي عليه السلام عشرة من رجالهم وأولى النجدة منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر المهاجرين والأنصار، إني أوصيكم بوصية فاحفظوها وموعز إليكم أمرا فاحفظوه: ألا وإن علي بن أبي طالب أميركم من بعدي وخليفتي فيكم، أوصاني بذلك ربي.

على (17) إنكم إن لم تحفظوا فيه وتوازروه ولم تنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم، وولاكم شراركم.

ألا إن أهل بيتي هم الوارثون لأمري، القائمون بأمر أمتي من بعدي.

اللهم فمن أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشره في زمرتي، وأجعل له من مرافقتي نصيبا يدرك به فوزه الآخرة.

اللهم من أساء خلافتي فيهم فاحرمه الجنة التي عرضها السماوات والأرض.

قال عمر: اسكت يا عمرو، فسلت من أهل المشورة ولا ممن يرضي بقوله.

فقال له عمرو: اسكت يا بن الخطاب، فوالله إنك لتعلم إنك تنطق بغير لسانك وتعتصم بغير أركانك.

والله إن قريشا لتعلم إنك ألأمها حسبا وأدناها منصبا (18) وأخملها ذكرا وأقلها غني عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله، وإنك لجبان عند الحرب وأنت لئيم العنصر، مالك في قريش من مفخر.

قال: فسكت عمر وجعل يقرع سنه بأنامله.

ثم قام أبو ذر الغفاري رحمه الله، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي


 (17) كذا في النسخ ولعله: ألا.

(18) ق خ ل: نسبا.

 


[ 339 ]

وآله ثم قال: أما بعد، يا معشر قريش، ويا معشر المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الأمر من بعدي لعلي ثم في أهل بيتي من ولد إبني الحسين (19).

فأطرحتم قول نبيكم ونسيتم ما أوعز إليكم واتبعتم الدنيا الفانية، وبعتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شبابها (20) ولا يزو نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت ساكنها بقليل من الدنيا فإن، وكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها وبدلت وغيرت واختلفت، فحاذيتموهم حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل، عما قليل تذوقوا وبال أمركم وما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد.

ثم قام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر، إلى من تسند امرك إذا نزل بك الموت وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلم وفي القوم من هو أعلم منك، وأكثر في الخير إعلاما منك، وأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قرابة منك، قد قدمه في حياته وأوعز إليكم عند وفاته.

فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته فعما قليل يصفو لك الأمر وتزور القبور وقد أثقلت الأوزار وحملت معك إلى قبرك ما قدمت يداك.

فإن راجعت الحق وأنصفت أهله كان ذلك نجاة لك يوم تحتاج إلى عملك وتفرد في الآخرة بذنوبك.

وقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا، فلم يردعك ذلك عما أنت فاعل، فالله الله في نفسك فقد أعذر من أنذر وما الله بظلام للعبيد.

ثم قام المقداد بن الأسود رضي الله عنه وقال: يا أبا بكر، إربع على ضلعك (21) وقس على شبرك بفترك وألزم بيتك وابك على خطيئتك، فإن ذلك أسلم لك في حياتك ومماتك، وترد هذا الأمر حيث جعله الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله ولا تركن إلى الدنيا ولا يغرنك من قريش أوغادها (22)، فعما


 (19) في النسخ: الحسن والحسين.

(20) في المطبوع: شأنها.

(21) في الخصال: نفسك.

(22) جمع الوغدة أي الضعيف العقل والأحمق، وبمعنى الدني.

 


[ 340 ]

قليل يضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك، وقد علمت أن عليا عليه السلام صاحب هذا الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فاجعلنه له فإن ذلك أسلم لك وأحسن لذكرك وأعظم لأجرك، وقد نصحت لك إن قبلت نصحي، وإلى الله ترجع بخير كان أو بشر.

ثم قام بريدة بن حصيب الأسلمي فقال: يا أبا بكر، أنسيت أم تناسيت أم خدعتك نفسك، أما تذكر إذا أمرنا رسلو الله صلى الله عليه وآله فسلمنا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين ونبينا بين أظهرنا.

فاتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تداركها، وادفع هذا الأمر إلى من هو أحق به منك من أهله، ولا تماد في إغتصابه (23) وأرجع وأنت مستطيع أن ترجع، فقد محضت نصحك وبينت لك ما عندي ما إن فعلته وفقت ورشدت.

ثم قام عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال: يا معاشر قريش، قد علمتم أن أهل بيت نبيكم أحق بهذا الامر منكم، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم (24) ويضعف مسلككم وتخلفون فيما بينكم، فقد علمتم إن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم وأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

وإن قلتم: إن السابقة لنا فأهل بيت نبيكم أقدم منكم سابقة وأعظم غني من صاحبكم.

وعلي بن أبي طالب صاحب هذا الأمر من بعد نبيكم، فأعطوه ما جعله الله له، ولا تردوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين.

ثم قام سهل بن حنيف الأنصاري فقال: يا أبا بكر، لا تحجد حقا ما جعله الله لك ولا تكن أول من عصى رسول الله صلى الله وآله في أهل بيته، وأد الحق إلى أهله تخفف عن ظهرك ثقل وزرك (25) وتلقى رسول الله صلى الله عليه وآله راضيا، ولا تخص به نفسك، فعما قليل ينقضي عنك ما


(23) في الخصال: في غيك.

(24) م: حيلكم.

(25) في البحار وق خ ل: يخف ظهرك ويقل وزرك.

 


[ 341 ]

أنت فيه ثم تصير إلى الملك الرحمان فيحاسبك بعملك ويسئلك عما جئت له، وما الله بظلام للعبيد.

ثم قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال: يا أبا بكر، ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري ؟ قال: نعم، قال: فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقلو: علي إمامكم بعدي.

[ قال ]: (26) وقام أبي بن كعب الأنصاري فقال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل، وهم الأئمة الذين يقتدى بهم.

وقام أبو الهيثم بن التيهان قال: وأنا أشهد على نبينا صلى الله عليه وآله إنه أقام عليا علينا لنسلم، فقال: بعضهم: ما أقامه إلا للخلافة، وقال بعضهم: إلا ليعلم الناس إنه مولى من كان رسول الله صلى الله عليه وآله مولاه.

فتشاجروا في ذلك فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا يسأله عن ذلك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هو وليكم بعدي، وأنصح الناس لكم بعد وفاتي.

وقام عثمان بن حنيف الأنصاري فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أهل بيتي نجوم الأرض ونور الأرض فلا تقدموهم فهم الولاة بعدي.

فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، وأي أهل بيتك أولى بذلك ؟ فقال: علي وولده.

وقام أبو أيوب الأنصاري فقال: اتقوا الله في أهل بيت نبيكم وردوا إليهم حقهم الذي جعله اللهم لهم، فقد سمعنا مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى الله عليه وآله، ومجلس بعد مجلس يقول: (أهل بيتي أئمتكم بعدي).


 (26) الزيادة من المطبوع.

 


[ 342 ]

قال: فجلس أبو بكر في بيته ثلاثة أيام، فأتاه عمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن عمرو بن نفيل، فأتاه كل منهم متسلحا في قومه حتى أخرجوه من بيته ثم أصعدوه على المنبر وقد سلوا سيوفهم فقال قائل منهم: والله لإن عاد أحد منكم بمثل ما تكلم به رعاع منكم بالأمس لتملئن سيوفنا منه.

فأحجم والله القوم وكرهوا الموت (27).

 


 (27) أورده في البحار: ج 28 ص 214 ب 4 ح 8، مع بيانات شافية فليراجع. وأورده الطبرسي في الاحتياج: ج 1 ص 97 باب ما جرى بعد الرسول بسنده عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام، وأورده الصدوق في الخصال: ص 461.

 


[ 343 ]

فيما نذكره عن هذا أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي من روايته للكتاب الذي أشرنا إليه في حديث يوم الغدير، وتسمية مولانا علي عليه السلام فيه مرارا بلفظ (أمير المؤمنين). نرويه برجالهم الذين ينقلون لهم ما ينقلونه من حرامهم وحلالهم، والدرك فيما نذكره عليهم، وفيه ذكر (المهدي) عليه السلام وتعظيم دولته، وهذا لفظ الحديث المشار إليه:

خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله: حدثنا أحمد بن محمد الطبري قال: أخبرني محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: حدثني الحسن بن علي أبو محمد الدينوري قال: حدثنا محمد بن [ موسى ] (1) الهمداني قال: حدثنا محمد بن خالد الطيالسي قال: حدثنا سيف بن عميرة عن عقبة عن قيس بن سمعان (2) عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال: حج رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرئيل فقال: يا محمد، إن الله يقرؤك السلام ويقول لك: إي لم أقبض نبيا من أنبيائي ورسولا من رسلي إلا من بعد كمال ديني وتمام حجتي، وقد بقي عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج أن تبلغ قومك فريضة الحج وفريضة الولاية والخليفة من بعدك، فإني لم أخل أرضى من حجة ولن أخليها أبدا.

وإن الله عز وجل يأمرك أن تبلغ قومك الحج، وليحج معك من استطاع السبيل من أهل الحض والأطراف والأعراب فتعلمهم من حجهم


 (1) الزيادة من البحار.

(2) راجع معجم رجال الحديث: ج 9 ص 78. جميعا عن قيس بن سمعان. الصحيح ما في البحار.

 


[ 344 ]

مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم، وتوقفهم من ذلك على مثل الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرايع.

فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله: إن رسول الله يريد الحج وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرايع دينكم ويوقفكم من ذلك على مثل ما أوقفكم.

قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وخرج معه ناس وصفوا له لينظروا ما يصنع، وكان جميع من حج مع رسول الله صلى الله عليه وآله من أهل المدينة والأعراب سبعين ألفا أو يزيدون، على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألفا الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا أو اتبعوا السامري والعجل وكذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة لعلي عليه السلام بالخلافة على نحود عدد أصحاب موسى عليه السلام سبعين ألف، فنكثوا البيعة واتبعوا العجل سنة بسنة ومثلا بمثل [ لم يخرم منه شئ ] (3).

واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة.

فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وآله بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام عن أمر الله عز وجل فقال: يا محمد، إن الله يقرء عليك السلام ويقول لك: إنه قد دنا أجلك ومدتك وإني استقدمك على ما لابد منه ولا عنه محيص، إعهد عهدك وتقدم في وصيتك، وأعهد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب.

فأقمه للناس وجدد عهدك وميثاقك وبيعته، وذكرهم ما في الذر من بيعتي وميثاقي الذي أوثقتهم به وعهدي الذي عهدت إليهم من الولاية لمولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب.

فإني لم أقبض نبيا إلا بعد إكمال ديني وتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيدي وتمام


 (3) الزيادة من ق خ ل.

 


[ 345 ]

نعمتي على خلقي بإتباع وليي وطاعته طاعتي.

وذلك إني لا أترك أرضي بغير قيم ليكون حجة لي على خلقي.

* (فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * (4) بوليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، علي عبدى (5) ووصي نبيي والخليفة من بعده، وحجتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته بطاعة محمد نبيي ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني.

جعلته علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك معه كان مشركا.

من لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل النار.

فأقم يا محمد عليا وخذ عليه البيعة، وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي أوثقتهم عليه، فإني قابضك الي ومستقدمك.

قال: فخشي رسول الله صلى الله عليه وآله قومه وأهل النفاق والشقاق بأن يتفرقوا أو يرجعوا جاهلية، لما عرف من عداوتهم وما تنطوي على ذلك أنفسهم لعلي عليه السلام من البغضاء، وسأل جبرئيل عليه السلام أن يسأل ربه العصمة.

إلى أن بلغ مسجد الخيف، فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليا عليه السلام للناس وليا وأوعده بالعصمة من الناس بالذي أراد.

حتى إذا أتى (كراع الغميم) (6) بين مكة والمدينة، فأتاه جبرئيل فأمره بالذي أتاه به من قبل ولم يأته بالعصمة.

فقال: يا جبرئيل إني أخشى قومي يكذبوني ولا يقبلون قولي في علي ! فدفع حتى بلغ (غدير خم) قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على


 (4) سورة المائدة: الآية 3.

(5) ق خ ل: ولي عهدي.

(6) في النسخ: الغيم، والصحيح هو الغميم، انظر مراصد الاطلاع: ج 3 ص 1153.

 


[ 346 ]

خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والإنتهار والعصمة من الناس.

فكان أولهم قرب الجحفة، فأمر أن يرد من تقدم منهم وحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان وأن يقيمه للناس ويبلغهم ما أنزل إليه في علي عليه السلام وأخبره ان قد عصمه الله من الناس.

فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه ينادي في الناس: (الصلاة جامعة) وتنحى إلى ذلك الموضع وفيه سلمات (7).

فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقم (8) ما تحتهن، وأن ينصب له أحجار كهيئة منبر يشرف على الناس، فرجع أوائل الناس واحتبس أواخرهم.

فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فوق تلك الأحجار فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي علا بتوحيده ودنا بتفريده وجل في سلطانه وعظم في برهانه.

مجيدا لم يزل ومحمودا لا يزال، بارئ المسموكان وداحي المدحوات وجبار السماوات، سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، متفضل على جميع من برأه ومتطاول من أدناه (9)، يلحظ كل عين والعيون لا تراه.

كريم حليم ذو أناة، قد وسع كل شئ رحمته (10) ومن عليهم بنعمته، لا يعجل عليهم بإنتقام ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه.

قد فهم السرائر وعلم الضمائر ولم يخف (11) عليه المكنونات ولا اشتبهت عليه الخفيات.

له الإحاطة بكل شئ والغلبة لكل شئ والقوة بكل شئ والقدرة على


 (7) شجرة يدبغ به.

(8) أي يستأصل.

(9) ق خ ل: متطول على جميع من انشأه.

(10) ق خ ل: برحمته.

(11) م: لم يختف.

ق خ ل: لم يختلف.

 


[ 347 ]

كل شئ، ليس كمثله شئ وهو منشئ الشئ حين لا شئ ودائم غني وقائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

جل أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.

لا يلحق أحد وصفه من معانيه ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل عز وجل على نفسه.

وأشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه والذي يغشى الأبد نوره، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير، ولا معه شريك في تقديره ولا تفاوت في تدبيره.

صور ما ابتدع على غير مثال وخلق ما خلق بلا معونة من أح د ولا تكلف ولا إحتيال.

أنشأها فكانت وبرأها فبانت.

فهو الله لا إله إلا هو المتقن الصنعة والحسن المنعة، العدل الذي لا يجوز والأكرم الذي ترجع إليه الأمور.

أشهد أنه الذي تواضع كل شئ لعظمته وذل كل شئ لعزته واستسلم كل شئ لقدرته، وخضع كل شئ لهيبته.

مالك الأملاك ومفلك الأفلاك ومسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا.

قاصم كل جبار عنيد ومهلك كل شيطان مريد.

لم يكن له ضد ولا ند، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

إله واحد ورب ماجد.

يشاء فيمضى ويريد فيقضي، ويعلم ويحصى ويميت ويحيى، ويفقر ويغنى ويضحك ويبكى، ويدني ويقصى ويمنع ويثرى، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير.

يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، لا إله إلا الله العزيز الغفار، مستجيب الدعاء ومجزل العطاء ومحصى الأنفاس، ورب الجنة والناس، الذي لا يشكل عليه شئ ولا يضجره صراخ المستصرخين، ولا يبرمه الملحين، العاصم للصالحين الموفق للمفلحين ومولى المؤمنين ورب العالمين


[ 348 ]

الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء.

فأومن به وملائكته وكتبه ورسله، أسمع لأمره وأطيع وأبادر إلى كل ما يرضاه وأستسلم لما قضاه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره.

أقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحي إلي به، حذرا أن لا أفعل فتحل بي قارعة لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته وصفة حيلته لا إله إلا هو، لأنه أعلمني عز وجل إني إن لم أبلغ ما أنزل إلي في حق علي فما بلغت رسالته، وقد ضمن لي العصمة من الناس وهو الله الكافي الكريم.

وأوحى إلي: بسم الله الرحمان الرحيم * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - في علي - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * (12).

معاشر الناس، ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله إلي، وأنا أبين لكم سبب هذه الآية: إن جبرئيل هبط علي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام رب السلام أن أقوم في هذا المشهد فاعلم كل أبيض وأسود إن علي بن أبي طالب أخى ووصي وخليفتي على أمتي والإمام من بعدي.

محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهو وليكم بعد الله ورسوله.

وقد أنزل الله علي بذلك آية هي في كتابه: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) * (13).

فعلي بن أبي طالب الذي أقام الصلاة وآتي الزكوة وهو راكع يريد وجه الله، يريده الله في كل حال.


 (12) سورة المائدة: الآية 67.

(13) سورة المائدة: الآية 54.

 


[ 349 ]

فسألت جبرئيل أن يستعفى لي السلام عن تبليغ ذلك إليكم، أيها الناس، لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدعاء اللائمين وحيل المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم (14)، وكثرة أذاهم لي غير مرة حتى سموني (أذنا) وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته أياي وإقبالي عليه (15) حتى أنزل الله في ذلك قرآنا، فقال عز من قائل: * (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله) * (16) إلى آخر الآية.

ولو شئت أن أسمي القائلين بذلك بأسمائهم لسميت وأن أومي إلى أعيانهم لأومأت وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت.

وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل الله إلي في حق علي، ثم تلا صلى الله عليه وآله: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - في حق علي - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * (17).

فأعلموا معاشر الناس ذلك فيه فإن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفروضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والعبد والصغير والكبير، وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد (17) ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره.

ملعون من خالفه مأجور من تبعه، ومن صدقه وأطاعه فقد غفر الله له ولمن سمع وأطاع له.

معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر الله ربكم، فإن الله هو موليكم ثم رسوله المخاطب لكم، ثم


 (14) اشارة إلى قوله تعالى في سورة النور: الآية 15.

(15) م وق خ ل: لكثرة ملازمتهم إياي وقبولي عليهم.

(16) سورة التوبة: الآية 61.

(17) سورة المائدة: الآية 67.

(18) ق خ ل: موجود.

 


[ 350 ]

علي بعدي وليكم وإمامكم بأمر ربكم، والإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله.

لا حلال إلا ما أحله الله ورسوله وهم، ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله وهم، والله عز وجل عرفني الحلال والحرام، وأنا عرفت عليا.

معاشر الناس، ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمنيه قد علمته عليا والمتقين من ولده.

وهو الامام المبين الذي ذكره الله في سورة يس: * (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) * (19).

معاشر الناس، فلا تضلوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستنكفوا من ولايته، فإنه يهدي إلى الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهي عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم.

إنه أول من آمن بالله ورسوله، لم يسبقه إلى الإيمان بي أحد [ والذي فدا رسول الله بنفسه، والذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسول الله من الرجال غيره.

معاشر الناس ] (20) بعث (21) ملك مقرب ولا نبي مرسل، أول الناس صلاة وأول من عبد الله معي.

أمرته عن الله أن ينام في مضجعي ففعل فاديا لي بنفسه، ففضلوه فقد فضله الله واقبلوه فقد نصبه الله.

معاشر الناس، إنه إمامكم بأمر الله، لا يتوب الله على أحد أنكر ولايته (22) ولا يغفر له، حتما على الله تبارك اسمه أن يعذب من يجحده ويعانده معي عذابا نكرا أبد الآبدين ودهر الداهرين.

واحذروا أن تخالفوه فتصلوا بنار


 (19) سورة يس: الآية 12.

(20) الزيادة من ق خ ل.

(21) ق: بعثت، وهذه الجملة كما ترى مذكورة في النسخ ولم يفهم معناه، ولم يذكر في رواية الاحتجاج.

(22) ق خ ل: على من يكرهه.

 


[ 351 ]

وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين.

معاشر الناس، بي والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين، وأنا خاتم النبيين والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين.

فمن شك في ذلك فقد كفر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شئ من قولي هذا فقد شك في كل ما أنزل علي، ومن شك في واحد من الأئمة فقد شك في الكل منهم والشاك فينا في النار.

معاشر الناس، إن الله عز وجل حباني بهذه حباني بهذه الفضيلة منه علي وإحسانا منه إلي، فلا إله إلا هو أبد الآبدين ودهر الداهرين وعلى كل حال.

معاشر الناس، إن الله قد فضل علي بن أبي طالب على الناس كلهم، وهو أفضل الناس بعدي من ذكر أو أنثى ما أنزل الرزق وبقي واحد من الخلق.

معلون ملعون من خالف قولي هذا ولم يوافقه.

ألا إن جبرئيل يخبرني عن الله بذلك ويقول: من عادى عليا ولم يتوالاه فعليه لعنتي وغضبي، فلتنظر كل نفس ما قدمت لغد واتقوا الله أن تزل (23) قدم بعد ثبوتها، إن الله خبير بما تعملون.

معاشر الناس، تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا في محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده وشائل بعضده ورافعه بيدي ومعلمكم: (إن من كنت مولاه فعلي مولاه) وهو أخي ووصي، وموالاته من الله أنزلها علي.

معاشر الناس، إن عليا والطاهرين من ذريتي وولدي وولده هم الثقل


 (23) ق خ ل: ان تخالفوه فتزل.

(24) سورة الزمر: الآية 56.

 


[ 352 ]

الاصغر والقرآن الثقل الأكبر، وكل واحد منهما منبئ عن صاحبه (25) وموافق له، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ألا إنهم أمناء الله في خلقه وحكامه في أرضه.

ألا وقد أديت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أوضحت.

ألا وإن الله تعالى قال وإني أقول عن الله: (إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي، ولا تحل إمرة المؤمنين لأحد بعدي غيره).

ثم ضرب بيده على عضد علي عليه السلام فرفعها، وكان أمير المؤمنين مذ أول ما صعد رسول الله صلى الله عليه وآله على درجة دون مقامه فبسط يده نحو وجه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده حتى استكمل بسطهما إلى السماء، وشال عليا عليه السلام حتى صارت رجلاه مع ركبتي رسول الله صلى الله عليه وآله.

ثم قال: معاشر الناس، هذا علي أخي ووصي وواعي علمي وخليفتي في أمتي على من آمن بي.

ألا إن تنزيل القرآن علي وتأويله وتفسيره بعدي عليه، والعمل بما يرضى الله ومحاربة أعدائه والدال على طاعته والناهي عن معصتيه.

إنه خليفة رسلو الله وأمير المؤمنين والإمام الهادي وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله.

أقول: ما يبدل القول لدي، بأمرك يا ربي أقول: اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه والعن من أنكره وأغضب على من جحد حقه.

اللهم إنك أنزلت علي أن الإمامة لعلى، وإنك عند بياني ذلك ونصبي إياه، لما أكملت لهم دينهم وأتممت عليهم نعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا وقلت: * (إن الدين عند الله الإسلام) * (26) وقلت: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * (27).

اللهم إني أشهدك إني قد بلغت.


 (25) ق خ ل: مبني على صاحبه.

(26) سورة آل عمران: الآية 19.

(27) سورة آل عمران: الآية 85.

 


[ 353 ]

معاشر الناس، إنه قد أكمل الله دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن يقوم بولدي من صلبه إلى يوم العرض على * (فأولئك الذن حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) * (28).

وفي النار هم خالدون، * (فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) * (29).

معاشر الناس، هذا علي أنصركم لي، وأحقكم وأقربكم وأعزكم علي، والله وأنا عنه راضيان.

ما نزلت آية رضي في القرآن إلا فيه، ولا خاطب الله الذين آمنوا إلا بدء به، ولا شهد الله بالجنة في * (هل أتى على الإنسان) * (30) إلا له، ولا أنزلها في سواه ولا مدح بها غيره.

معاشر الناس، هو قاضي ديني والمجادل عني والتقى النقي الهادي المهدى، نبيه خير الأنبياء وهو خير الأوصياء.

ذرية كل نبي من صلبه وذريته من صلب علي.

معاشر الناس، إن إبليس لعنه الله أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، فإن آدم أهبط إلى الأرض بذنبه وخطيئته وإن المعلون حسده على الشجرة وهو صفوة الله، فكيف بكم وأنتم أنتم وقد كثر أعداء الله.

ألا وإنه لا يبغض عليا إلا شقي ولا يتولاه إلا تقي ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، فيه نزلت سورة العصر: * (بسم الله الرحمان الرحيم والعصر إن الإنسان لفي خسر) * السورة (31).

معاشر الناس، قد أشهدت الله وبلغتكم رسالتي وما علي إلا البلاغ.

معاشر الناس، اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.


 (28) سورة آل عمران: الآية 22.

(29) سورة البقرة: الآية 86.

(30) سورة الدهر: الآية 1.

(31) سورة العصر: الآيات 3 - 1.

 


[ 354 ]

معاشر الناس، آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه * (من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ونلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) * (32)، بالله ما عنى بهذه الآية إلا قوما من أصحابي، أعرفهم بأسمائهم وأنسابهم، وقد أمرت بالصفح عنهم، فليعمل كل أمرئ على ماى جد لعلي في قلبه من الحب والبغض معاشر النسا، النور من الله مسبوك في ثم في علي بن أبي طالب ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا.

ألا وإن الله قد جعلنا حجة على المعاندين وعلى المقصرين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين والغاصبين من جميع العالمين.

معاشر الناس، أنذركم أنى رسول الله، قد خلت من قبلي الرسل، أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ؟ * (ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) * (33).

ألا وأن عليا الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده في ولدي من صلبه.

معاشر الناس، لا تمنوا علي بإسلامكم، بل لا تمنوا على الله فيحبط عملكم ويسخط عليكم ويبتليكم بشواظ من نار ونحاس، إن ربكم لبالمرصاد.

معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون.

معاشر الناس، إن الله وأنا بريئان منهم ومن أشياعهم وأنصارهم، وجميعهم في الدرك الأسفل من النار وبئس مثوى المتكبرين.

ألا إنهم أصحاب


 (32) سورة النساء: الآية 47.

(33) سورة آل عمران: الآية 144.

 


[ 355 ]

الصحيفة.

معاشر الناس، فلينظر أحدكم في صحيفة.

قال: فذهب على الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحيفة.

معاشر الناس، إنى ادعها إمامة ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة، وقد بلغت ما أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب، وعلى من شهد ومن لم يشهد، وولد أم لم يولد، فليبلغ حاضركم غائبكم (34) إلى يوم القيامة.

وسيجعلون (35) الإمامة بعدي ملكا وإغتصابا.

ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين، وعندها * (يفرغ لكم أيها الثقلان) * من يفرغ فيرسل * (عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) * (36).

معاشر الناس، إن الله عز وجل لم يكن ليذركم * (على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب) * (37).

معاشر الناس، إنه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك قريتكم.

وهو المواعد كما ذكر الله في كتابه، وهو مني ومن صلبي والله منجز وعده.

معاشر الناس، * (قد ضل قبلكم أكثر الأولين) * (38) فأهلكهم الله وهو مهلك الآخرين، ثم تلا الآية إلى آخرها ثم قال: إن الله أمرني ونهاني وقد أمرت عليا ونهيته بأمره، فعلم الأمر والنهي لديه.

فاسمعوا الأمر منه تسلموا وأطيعوه تهتدوا، وانتهوا عما ينهاكم عنه ترشدوا، ولا تتفرق بكم السبيل عن سبيله.

معاشر الناس، أنا الصراط المستقيم الذي أمركم أن تسئلوا الهدي إليه،


 (34) ق خ ل: الحاضر الغائب والوالد الولد.

(35) خ ل: ستجعلون.

(36) سورة الرحمان: الآية 35 و 31.

(37) سورة آل عمران: الآية 179.

(38) سورة الصافات: الآية 71 والفقرة اللاحقة ليست من القرآن.

 


[ 356 ]

ثم علي بعدي - وقرء سورة الحمد - وقال: فيهم نزلت، فيهم ذكرت، لهم شملت، إياهم خصت وعمت.

اولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ألا إن حزب الله هم المفلحون.

ألا إن أعدائهم هم السفهاء الغاوون (39) إخوان الشياطين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ألا إن أوليائهم الذين ذكر الله في كتابه: * (لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * الآية (40).

ألا إن أوليائهم المؤمون الذين وصفهم الله فقال: * (لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) * (41).

ألا إن أوليائهم الذين آمنوا ولم يرتابوا.

ألا إن أوليائهم الذين يدخلون الجنة آمنين وتلقاهم الملائكة بالتسليم،: * (سلام عليكم طبتم فأدخلوا خالدين) * (42) وهم الذين الجنة بغير حساب.

ألا إن أعدائهم الذين * (يصلون سعيرا) * (43).

ألا إن أعدائهم * (الذين يسمعون لجنهم شهيقا وهي تفور) * (44) ويرون لها زفيرا * (كلما دخلت أمة لعنت أختها) *.

ألا إن أعدائهم الذين قال الله عز وجل: * (كلما ألقي فيها فوج سئلهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جائنا نذير) * إلى قوله * (فسحقا لإصحاب السعير) * (46).

ألا إن أوليائهم * (الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) * (47).

معاشر الناس قد بينا ما بين السعير والأجر الكبير.

عدونا من


 (39) م وق خ ل: العادون.

(40) سورة المجادلة: الآية 22.

(41) سورة الانعام: الآية 82.

(42) سورة الزمر: الآية 73.

(43) اشارة إلى الآية 6 من سورة المالك.

(44) اشارة إلى الآية 7 من سورة الملك.

(45) سورة الأعراف: الآية 38.

(46) و (47) سورة الملك: الآية 8 و 12.

 


[ 357 ]

ذمه الله ولعنه، وولينا من أحبه الله ومدحه.

معاشر الناس، ألا إني النذير وعلي البشير، ألا إني المنذر وعلي الهادي، ألا إني النبي وعلي الوصي، ألا إني الرسول وعلي الإمام والوصي من بعدي.

ألا إن الامام المهدي منا، ألا إنه الظاهر على الأديان، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها وقاتل كل قبيلة من الشرك، المدرك لكل ثار لأولياء الله.

ألا إنه ناصر دين الله، ألا إنه المجتاز (48) من بحر عميق.

ألا إنه المجازي كل ذي فضل بفضله ولك ذي جهل بجهله.

ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به.

ألا إنه المخبر عن ربه السديد، ألا إنه المفوض إليه.

ألا إنه قد بشر به من سلف من القرون بين يديه.

ألا إنه باقى حجج الحجيج (49) ولا حق إلا معه.

ألا وإنه ولى الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في علانيته وسره.

معاشر الناش، إنى قد بينت لكم وفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدي.

ألا إني أدعوكم عند إنقضاء خطبتي إلى مصافقتي إلى (50) بيعته والإقرار به ثم مصافقته بعدي.

ألا إنى قد بايعت الله وعلي قد بايعني، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فيسؤتيه أجرا عظيما) * (51).

معاشر الناس، إن الحج والعمرة من شعائر الله * (فمن حج البيت أو


 (48) م: المجتاح، ق خ ل: متاج أو ممتاح.

(49) ق خ ل: انه الباقي حجة ولا حجة بعده، ألا انه لا غالب له ولا منصور عليه.

(50) م: على.

(51) سورة الفتح: الآية 10، وفي النسخ: (إن الذين يبايعون الله ورسوله يد الله فوق أيديهم).

 


[ 358 ]

اعتمر فلا جناح عليه) * إلى آخر الآية (52)، فما ورده أهل بيت إلا أستغنوا وأبشروا (53)، ولا تخلفوا عنه إلا بتروا وافتقروا وما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر له ما سلف من ذنبه، فإذا قضى حجة استأنف به.

معاشر الناس، الحاج معانون ونفقاتهم مخلفة، والالاه لا يضيع أجر المحسنين.

معاشر الناس، حجوا البيت بكمال في الدين والتفقه، ولا تنصرفوا من المشاهد إلا بتوبة، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكوة كما أمركم الله فإذا طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم الذين قد نصبه الله لكم بعدي أمين خلقه، إنه مني وأنا منه، وهو ومن تخلف من ذريتي يخبرونكم بما تسئلون منه ويبينون لكم إليهم، فيه ترجعون مما لا تعلمون.

ألا وإن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعدهما، فأمر بالحلال وأنهي عن الحرام في مقام واحد، وقد أمرت فيه أن آخذ عليكم بالبيعة والصفقة بقبول ما جئت به من الله في علي أمير المؤمنين، والأوصياء الذين هم مني ومنه، الإمامة فيهم قائمة، خاتمها المهدي إلى يوم يلقى الله الذى (54) يقدر ويقضي.

كل حلال دللتكم عليه وحرام نهيتكم عنه فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدله.

ألا فأذكروا وأحفظوا ولا تبدلوه ولا تغيروه، وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر.

ألا وإن رأس أعمالكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعرفوا من لم


 (52) سورة البقرة: الآية 158، كذا في النسخ وفى الاحتجاج، وفي القرآن: (ان الصفاء والمروة من شعائر الله).

(53) في النسخ: يسئلوا.

(54) في النسخ: النبي.

 


[ 359 ]

يحضر مقامي ويسمع مقالي هذا، فإنه بأمر الله ربي وربكم ولا أمر بمعروف ولا نهى عن منكر إلا مع إمام معصوم.

معاشر الناس، إني أخلف فيكم القرآن، وصيي علي والأئمة من ولده بعدي، قد عرفتم إنهم مني (55)، فإن تمسكتم بهم لن تضلوا.

ألا إن خير زادكم التقوى واحذروا الساعة، إن زلزلة الساعة شئ عظيم، واذكروا الموت والمعاد والحساب بين يدي الله عز وجل والميزان والثواب والعقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب عليها ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنة من نصيب.

معاشر الناس، إنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحد في وقت واحد، وقد أمرني الله أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين ولمن جاء بعده من ولده الأئمة من ذريتي.

فقولوا بأجمعكم: (بأنا سامعون راضون، منقادون لما بلغت عن ربنا وربك في إمامنا وأئمتنا من ولده (56).

نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا، على ذلك نحيي وعليه نموت وعليه نبعث، لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نجحد ولا نرتاب عن العهد ولا ننقض الميثاق.

وعظتنا بوعظ الله في علي أمير المؤمنين والأئمة التي ذكرت من ذريتك من ولده بعده الحسن والحسن ومن نصبه الله بعدهما، فالعهد والميثاق لهم مأخوذ منا من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وضمايرنا وأيدينا.

من أدركها بيده وإلا فقد أقر بها بلسانه ولا نبتغ بذلك بدلا ولا يرى الله من أنفسنا حولا، نحن نؤدى ذلك عنك الدانى والقاصي من أولادنا وأهالينا، نشهد الله بذلك وكفى بالله شهيدا وأنت علينا به شهيد).

معاشر الناس، ما تقولون فإن الله يعلم كل صوت وخائنة الأعين وما تخفى الصدور، فمن اهتدى فلنفسه (57) ومن ضل فإنما يضل عليها ومن بايع


 (55) ق خ ل: انهم مني وأنا منهم (56) ق خ ل: في حق علي وأمر ولده من الأئمة.

(57) ق خ ل: فإنما يهتدي لنفسه.

 


[ 360 ]

فإنما يبايع الله.

يد الله فوق أيديكم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، فبايعوا الله وبايعوني وبايعوا عليا والحسن والحسين والأئمة منهم في الدنيا والآخرة بكلمة باقية.

معاشر الناس، لقنوا ما لقنتكم وقولوا ما قلته، وسلموا على أميركم (58) وقولوا: * (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) * (59) و * (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) * (60).

معاشر الناس، إن فضائل علي وما خصه الله به في القرآن أكثر من أن أذكرها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها فصدقوه بها.

معاشر الناس، من يطع الله ورسوله واولي الأمر فقد فاز فوزا عظيما.

السابقون السابقون إلى بيعته، والتسليم عليه بإمرة المؤمنين، * (أولئك المقربون في جنات النعيم) * (61).

فقولوا ما يرضى الله عنكم، وإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا.

اللهم أغفر للمؤمنين بما أديت وأمرت، وأغضب على الجاحدين والكافرين والحمد لله رب العالمين.

قال: فتبادر الناس إلى بيعته وقالوا: (سمعنا وأطعنا لما أمرنا الله ورسوله بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وجميع جوارحنا)، ثم انكبوا على رسول الله وعلى علي صلوات الله عليهما بأيديهم.

وكان أول من صافق رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ثم باقي المهاجرين والأنصار والناس على طبقاتهم ومقدار منازلهم، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء الآخرة في وقت واحد.


 (58) ق خ ل: سلموا على علي بإمرة المؤمنين.

(59) سورة البقرة: الآية 285.

(60) سورة الأعراف: الآية 43.

(61) سورة الواقعة: الآية 11.

 


[ 361 ]

ولم يزالوا يتواصلون البيعة والمصافقة ثلاثا، ورسول الله صلى الله عليه وآله كلما بايعه فوج بعد فوج يقول: (الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين).

وصارت المصافقة سنة ورسما واستعملها من ليس له حق فيها (62).


(62) أورده في البحار: ج 37 ص 218 ب 52 ذيل ح 86، كما رواه الطبرسي في الاحتجاج: ج 1 ص 66، وأورده المصنف في كتاب التحصين: القسم الأول، الباب 29.

 


[ 362 ]

فيما نذكره من كتاب (الرسالة الموضحة) تأليف المظفر بن جعفر بن الحسن، في أمر النبي صلى الله عليه وآله بالتسليم على مولانا علي عليه السلام بإمرة المؤمنين في حياة سيد المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين. وهو ممن يروى عنه محمد بن جرير الطبري. ننقل ذلك من خط مصنفه من الخزانة العتيقة بالنظامية ببغداد. فقال ما هذا لفظه:

وعنه قال: حدثنا محمد بن همام عن علي بن العباس ومحمد بن الحسين بن حفص قالا: حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن سالم عن صباح بن يحيى المزني عن العلاء بن محمد المسيب عن أبي داود عن بريدة الأسلمي قال:

كنا نسلم على علي بن أبي طالب عليه السلام بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله بإمرة المؤمنين، نقول: (السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته)، ويرد علينا (1).


 (1) أورده في البحار: ج 37 ص 323 ب 54 ح 56.