الاربعين في حب امير المؤمنين(ع)ج5

المشي ، فقال : استعينوا بالنسلان (مشي مريع دون العدو) ، ففعلوا فوجدوا لذلك راحة ، وكان يوم الاثنين بمرّ الظهران فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس بسرف ، فلم يصل المغرب حتى دخل مكة ، ولما انتهى الى التنيَّتين بات بينهما فدخل مكة نهار الثلاثاء(1) .
فلما قضى مناسكه وانصرف راجعاً الى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات وصل الى غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل اليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله : (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربِّك) . الآية ، وامره ان يقيم عليّاً علماً للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل احد ، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله أن يُرَدّ من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن احد ، حتى اذا أخذ القوم منازلهم فقَمَّ ما تحتهن حتى اذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد اليهن فصلى بالناس تحتهن ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء ، وظُلِّلَ لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فلما انصرف (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلاته قام خطيباً وسط القوم(2) على أقتاب الأبل(3) وأسمع الجميع رافعاً عقيرته فقال :
الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل ، ولا مضل لمن هدى ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ـ أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي الا مثل نصف عمر الذي قبله ، واني أوشك أن أدعى فاجيب ، واني مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟

قالوا : نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً .

قال : الستم تشهدون أن لا اله إلاّ الله ، وأن محمداً عبده وأن جنته حق وناره حق وان الموت حق وان الساعة آتية لا ريب فيها ، وان الله يبعث من في القبور .

قالوا : بلى نشهد بذلك ، قال : اللهم اشهد .

ثم قال : أيها الناس لا تسمعون ؟ قالوا : نعم .

قال : فاني فرط على الحوض ، وانتم واردون على الحوض ، وان عرضه ما بين صنعاء وبصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ؟

فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله ؟

قال : الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا ، والآخر الأصغر


(1) الامتاع للمقريزي : ص513 ـ 517 .
(2) جاء في لفظ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 156 .
(3) ثمار القلوب : ص 511 .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه