[ 295 ]

الباب السابع والاربعون

في ذكر حاجبه [ عليه السلام ]، ونقش خاتمه وابتداء شخوصه من المدينة، وما رواه أبو بكر وعمر " رض " في حقه و [ ما ] قالا وصرحا به من فضله وخصائصه

أما حاجبه فقنبر مولاه [ عليه السلام ] ذكره الخجندي (1) وأما نقش حاتمه [ عليه السلام ] فهو " الله الملك " رواه جعفر بن محمد [ عليهما السلام ] وخرجه السلفي (2).

 وأما خروجه من المدينة فقد روي عن / 44 / ب / مالك بن الحارث (3) [ أنه ] قال: قام علي بن أبي طالب بالربذة فقال: من أحب أن يلحقنا فليلحقنا ومن أحب أن يرجع فليرجع مأذونا له غير حرج [ عليه ].

 فقام الحسن بن علي فقال: يا أبة - أو يا أمير المؤمنين - لو كنت في جحر وكانت للعرب فيك حاجة لا ستخرجوك من جحرك.

 فقال [ علي عليه السلام ]: الحمد لله الذي يبتلي من يشاء بما يشاء ويعافي من شاء بما يشاء ؟ أما والله لقد ضربت هذا الامر ظهرا لبطن وذنبا لرأس فوالله إن وجدت له إلا القتال أو الكفر بالله - يحلف بالله علي - اجلس ياني ولا تحن حنين الجارية.

 أخرجه أبو الحميم وقد تقدم معناه (4).

 


(1) لم أظفر بعد على كتب الخجندي.

 (2) لم أطلع بع على كتب السلفي.

 (3) كذا في أصلي، وفي الحديث: (1195) من تاريخ دمشق: ج 3 ص 176: " مالك بن الحويرث ".

 وفي ذخائر العقبى والرياض النضرة: " مالك الجون " ولعله مصحف ؟.

 (4) كذا في أصلي، وفي الرياض النضرة: ج 2 ص 325 وذخائر العقبى ص 111: " أبو الجهم ".

 


[ 296 ]

وأما ما رواه أبو بكر في فضل علي [ عليه السلام ] فقد ذكرنا ذلك مفرقا في الابواب و [ هو ] حديث النظر إليه عبادة.

 و [ مثل ] حديث استواء كفه وكف النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خيم عليه وعلى بنيه خيمة، و [ مثل حديث ] إنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى، و [ مثل حديث إن منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم ] بمنزلة النبي من ربه (1) و [ مثل ] حديث: " لا يجوز الصراط أحد إلا بجواز يكتبه علي كل ذلك ذكرناه في خصائص علي [ عليه السلام ].

 وقوله: من سره أن ينظر إلى أقرب الناس قرابة و [ مثل ] حديث مشاورته له في قتال أهل الردة.

 كل ذلك ذكره الصديق تنبيها على فضائل علي وعظم قدره ورفيع منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم.

 وأما ما رواه عمر في فضل علي [ عليه السلام ] فقد تقدم مفرقا في أبوابه فمنه حديث الراية يوم خيبر وحديث: ثلاث خصال لان تكون لي واحدة منهن.

 وحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى وحديث رجحان إيمانه بالسماوات السبع والارضين السبع وحديث: من كنت مولاه وقوله: أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة وقوله: علي مولى من النبي صلى الله عليه وسلم مولاه وقوله: علي مولاي وقوله: أقضانا علي ورجوعه إليه في القضايا [ و ] قوله: لولا علي لهلك عمر واحتياله في الاسئلة [ عن ] علي وهو [ ظ ] أكثر من أن يحصر كل ذلك دال على فضيلته وخصوصيته وعلو رتبته وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم (2).

 وقد وقد كان معاوية يفرف فضله وسابقته وعلمه وقرابته ولا ينكر ذلك بل [ كان ] ينكر على من أنكر ذلك.

 قال قيس بن [ أبي ] حازم سأل رجل معاوية عن مسألة [ ف‍ ] قال [ له ]: سل علي بن أبي طالب فهو أعلم مني.

 فقال [ السائل ]: قولك يا أمير المؤمنين أحب إلي من قوله ! ! ! قال [ معاوية ]: بئس ما قلت ولؤم ماجئت به ولقد كرهت رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصه بالعلم وقد قال [ له ]: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

 وكان [ أبو بكر ] الصديق يقول: النظر إليه عبادة.

 


(1) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: " إنه بمنزلة النبي... ".

 (2) وروى الهروي كما رواه عنه ابن الاثير في مادة " عين " من كتاب النهاية ج 3 ص 332 قال: [ روي ] أن رجلا كان ينظر في الطواف إلى حرم المسلمين فلطمه علي [ عليه السلام ] فاستعدى [ الرجل ] عليه عمر، فقال [ له عمر ]: ضربك بحق، أصابتك عين من عيون الله ! ! ! أراد خاصة من خواص الله عز وجل، ووليا من أوليائه.

 = 


[ 297 ]

وكان عمر بن الخطاب يسأله ويأخذ عنه ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر [ يقول: ] أهاهنا علي بن أبي طالب ؟ ! ! ثم قال [ معاوية ] للرجل: [ قم ] لا أقام الله رجليك.

 فحذف اسمه من الديوان.

 وقال أبو إسحاق: جاء ابن احور التميمي إلى معاوية فقال: [ يا ] أمير المؤمنين جئتك من عند ألئم الناس وأبخل الناس وأعيا الناس وأجبن الناس [ يعني عليا عليه السلام ].

 فقال: ويلك أنى أتاه اللؤم وإن كنا لنتحدث أن لو كان لعلي بيت من تبر وبيت من تبن الانفذ التبر قبل التبن ! ! ! وأنى أتاه العي وإن كنا لنتحدث أنه ما جرت المواسي على رأس رجل أفصح منه.

 ويلك وأنى أتاه الجبن وإن كنا لنتحدث أنه ما بارزه قط رجل إلا صرعه والله يا ابن أعور لولا أن الحرب خدعة لضربت عنقك اخرج عني ولا تقيمن ببلدي.

 قال عطاء بن مسلم و [ معاوية ] وإن كان يقاتله فهو [ كان ] معترفا بفضله [ ثم قال: ] وذكره يوما فأثنى عليه وعلى أبيه وأمه ثم قال: وكيف لا أقول هذا لهم وهم خيار خلق الله وعترة نبيه أخيار أبناء أخيار.

 ولما بلغه قتله قال: إنا لله [ وإنا إليه راجعون ] ذهب والله العلم والفقه بموت ابن أبي طالب ! ! ! فقال له أخوه عتبة: لا يسمع أهل الشام منك هذا.

 فقال [ له معاوية ]: دعني عنك وقد بالغ جماعة من أعدائه ومحاربيه له بالفضل والعلم والفضل ما شهدت به الاعداء ! ! ! وقال أبو إسحاق: كان علي رضي الله عنه يسير في الفئ بسيرء [ أبي بكر ] (1) إذا ورد


= وهذ الاحاديث رواه الحافظ ابن عساكر تحت الرقم: (410 و 411 و 1110 - 1112) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 1 ص 369، وج 3 ص 76 - 78 ط 2.

 وأما ما ذكره المصنف هاهنا في وسط الحديث الاول من قوله: وكان الصديق يقول: " النظر إليه عبادة " فلم نظفر عليه في ضمن حديث معاوية في تاريخ دمشق وغيره مما اطلعنا عليه من مصادر الحديث، نعم حديث أبي بكر: " النظر إلى علي عبادة " رواه ابن عساكر وآخرون، ولكن مستقلا وبرواية غير معاوية.

 (1) ما بين المعقوفين مأخوذ من كتاب الاستيعاب، وفيه: " بسيرة أبي بكر الصديق في القسم... ".

 وكان الاولى للمصنف أن يقول: وكان علي يسير في قسم الفئ بسيرة رسول الله صلى الله عليه


[ 298 ]

على مال [ من بيت المال ] لا يبقي منه شيئا ولا يترك في بيت المال إلا ما عجز من قسمه ولا يستأثر منه بشئ ولا يخص [ به ] حميما ولا قريبا ولا يخص بالولايات إلا أهل / 45 / أ الديانات والامانات، وإذا بلغه عن أحد جناية كتب إليه: (قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) احتفظ بما في يديك حتى نبعث إليك من يتسلمه منك.

 ثم [ كان عليه السلام ] يرفع طرفه إلى السماء ثم يقول: اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم خلقك (1).

 


= وآله وسلم لقوله تعالى في الآية (21) من سورة الاحزاب: (ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة...) وأما غيره فالنسبة بينه وبين علي عليه السلام نسبة الجاهل إلى العالم فلا يصح أن يقال: إن العالم سار بسيرة الجاهل ؟ !.

 (1) رواه أبو عمر ابن عبد البر في بأواسط ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من الاستيعاب: ج 3 ص 1111، ط مصر.

 ونقلناه عنه حرفيا في المخطار: (60) من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام في نهج السعادة: ج 4 ص 144، ط 1.

 


[ 299 ]

الباب الثامن والاربعون

في ذكر شئ من خطبه وذكر شئ من كلامه [عليه السلام]

وهو كما قال عبد الله بن عباس: وجدنا كلام علي دون كلام الخالق وفوق كلام الخلق ما عدا [ كلام ] رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

 [ و ] قال أبو عبد الرحمان السلمي (2) خطب علي رضي الله عنه على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم [ اثنتان: طول ] الامل واتباع الهوى فأما طول الامل فينسي الآخرة وأما اباع الهوى فيصد عن الحق (3) وقال سماك بن حرب: [ سمعت ] الحسن بن علي قال: قال لي أبي: يا بني لا تخلفن ورائك شيئا من [ متاع ] الدنيا فإنك تخلفه لاحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فيسعد بما شقيت [ به ] (4) وما رجل عمل فيه بمعصية الله فكنت عونا له على ذلك وليس أحد هذين بحقيق أن تؤثره على نفسك.

 وقال ابن عباس: قال عمر بن الخطاب (رض) لعلي كرم الله وجهه: عظني يا أبا الحسن.

 [ ف‍ ] قال [ له علي عليه السلام ]:


(1) لم أجد لصدر الكلام مصدرا ينسبه إلى ابن عباس غير ما هنا.

 (2) هذا هو الصواب، وفي أصلي: قال عبد اله السلمي... ولكلام مصادر، وقد رواه ابن عساكر في الحديث: (1281) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 3 ص 261 ط 2.

 (3) كذا في غير واحد من المصادر، وفي أصلي: " فيضل عن الحق " وللكلام تتمة في سائر المصادر.

 (4) ما وضعناه بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (210) من قصار نهج البلاغة.

 وفي الحديث: " 1296 " من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: چ 3 ص 279: " فسعد بما سعيت به... ".

 


[ 300 ]

لا تجعل يقينك شكا ولا علمك جهلا ولا ظنك حقا واعلم أن ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فمضيت وقسمت فسويت وتصدقت فأبقيت (1) قال: صدقت [ يا ] أبا الحسن.

 وقام إليه ابن الكواء [ وهو على المنبر يخطب ] فقال: يا أمير المؤمنين قال الله في كتابه: (والذاريات ذروا) [ 1 / الذاريات: 51 ] [ ما هي الذاريات ؟ ] قال: هي الريح.

 قال: فأخبرنا عن [ قوله تعالى ] (والحاملات وقرا) قال: ثكلت أمك سل تفقها لا تعنتا [ و ] سل عن ما يعنيك ولا تسل عن ما لا يعنيك.

 قال: (فالمقسمات أمرا) ؟ قال: هم الملائكة.

 قال: فقوله [ تعالى ]: (والسماء ذات الحبك) [ 7 / الذاريات: 51 ] قال: ويحك ذات الخلق الحسن.

 قال: فأخبرني عن قوله [ تعالى ]: (فأحلوا قومهم دار البوار) [ 28 / إبراهيم 14 ] قال: أولئك [ فجرة ] قريش [ وقد ] كفيتموهم.

 قال: فأخبرنا عن المجرة التي في السماء / 46 / أ / قال: هي أبواب السماء التي صب الله منها الماء المنهمر على قوم نوح.

 قال: أخبرنا عن قوس قزح ؟ قال: [ هو ] قوس الله وهو أمان لاهل الارض من الغرق.

 قال: فأخبرنا عن السواد الذي في القمر ؟ قال: أعمى سأل عن عمياء [ هو ] قول الله: (فمحونا آية الليل) [ 12 / الاسراء: 17 ].

 قال: أخبرنا كم بين المشرق والمغرب ؟ قال مسيرة للشمس.

 قال: فأخبرني عن قوله [ تعالى ] (هل ننبؤكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعا) [ 103 / الكهف: 18 ] قال: أولئك القسيسون والرهبان وما أهل النهر منهم ببعيد - مد علي بها صوته (2) قال: وما [ كان ] خرج أهل النهر بعد - قال: يا أمير المؤمنين فوالله لا سألت أحدا بعدك ولا آتي غيرك.

 قال: إن كان الامر إليك فافعل.

 فلما خرج أهل النهر خرج [ ابن الكواء ] معهم ثم رجع تائبا.

 


(1) وفي الحديث: (1280) من تاريخ دمشق: واعلم أنه ليس لك من دنياك إلا ما أعطيت فأمضيت، وقسمت فسويت، ولبست فأبليت.

 (2) جملة: " ومد علي بها صوته " كانت في أصلي مقدمة على قوله: " وما أهل النهر منهم ببعيد " والصواب تأخيره.

 


[ 301 ]

الباب التاسع والاربعون

في ذكر شيء من مواعظه [ عليه السلام ]

قال الحسن بن علي: شيع علي جنازة فلما وضعت في لحدها ضج أهلها بالبكاء فقال [ علي عليه السلام ]: مم يبكون ؟ أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لاذهلتهم معاينتهم عن ميتهم ! ! وأن له فيهم لعودة (1) ثم عودة حتى لا يبقي منهم أحد، ثم قال [ عليه السلام ]: أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب الامثال ووقت لكم الآجال وجعل لكم أسماعا تعي ما عناها وأبصارا تجلى عن عشاها وأفئدة تفهم ما دهاها (2) إن الله لم يخلقم عبثا ولم يضرب عنكم الذكر صفحا بل أمدكم بالنعم السوابعغ ورزقكم بارفد الروافد وأرصدلكم الجزاء في السراء والضراء فاتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب وبادروا العمل [ قبل قدوم ] هادم اللذات [ ومفرق الجماعات ] فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا يؤمن فجائعها غرور حائل وسناد زائل فاتقوا الله عباد الله فاعتبروا بالآيات والنذر واتعظوا بالمواعظ وكأن قد علقتكم محالب المنية وضمتكم بيت التراب ودهمتكم معضلات الامور بنفخة الصور وبعثرة القبور وسياقة المحشر وموقف الحساب بإحاطة قدرة الجبار وكل نفس معها سائق وشهيد [ سائق يسوقها إلى محشرها وشهيد ] يشهد عليها بعلمها (3)


(1) وللكلام مصادر، ولكن لا عهد لي برواية الامام الحسن إياه عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 وقد رواه أبو نعيم مسندا في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من حلية الاولياء: ج 1، ص 77.

 ويجد الطالب للكلام - أو لبعض فقراتها مصادر أخر ذكرنا بعضها في المختار: (50) من القسم الثاني من خطب أمر المؤمنين عليه السلام من نهج السعادة: ج 3 ص 186 - 191.

 (2) ما دهاها: ما تنويها وتعرضها، أو ما يحذقها ويجودها.

 (3) كذا في أصلي، وفي المختار: (83) من نهج البلاغة: " وكل نفس معها سائق وشهيد، سائق


[ 302 ]

(وأشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) [ 69 / الزمر: 39 ].

 فارتجت لذلك اليوم البلاد وناد [ ى ] المناد / 46 / ب / وكان يوم التلاق وكشف عن ساق وكسفت الشمس وحشرت الوحوش وبدت الاسرار وهلكت الاشرار وبرزت الجحيم [ و ] لها كلب ولجب وقصف [ و ] رعد وتغيظ وزفير (1) ! ! ! وبرزت الجحيم وغلا حميمها وتوقد سمومها فلا تتنفس عن ساكنها ولا ينقطع [ عنهم ] حسراتها ولا تفصم [ عنهم ] كبولها معهم ملائكة يبشرونهم بنزل من حميم وتصلية جحيم [ و ] هم عن ربهم محجوبون (2) ولاوليائه مفارقون وإلى النار منطلقون.

 وقال [ عليه السلام ] أيضا: عباد الله اتقوا الله اتقاء من كبع فحسر (3) ووجد فحذر وأبصر فازدجر [ فاحتث ] طلبا ونجا هربا وقدم المعاد واستظهر بالزاد وكفى بالله منتقما ونصيرا وكفى بالكتاب خصيما وحجيجا (4) وكفى بالجنة ثوابا وبالنار وبالا وعقابا وأستغفر الله لي ولكم.

 وقال كميل بن زياد [ رحمه الله ]: أخذ [ أمير المؤمنين ] علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى الجبان فلما أصحرنا جلس ثم تنفس (5) ثم قال: يا كميل بن زياد [ إن هذه ] القلوب أوعية فخيرها أوعاها [ ف‍ ] احفظ [ عني ] ما أقول لك الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم لطلب النجاة (6) وهمج رعاع أتاع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤا بنور العلم ولم يلجؤا إلى ركن وثيق من اليقين (7).

 


= يسوقها إلى محشرها، وشهيد يشهد عليها بعملها ".

 (1) هذا هو الظاهر الموافق للآية: " 12 " من سورة الفرقان، وفي أصلي: (رعد ئتغيظ ووعيد...).

 (2) اقتباس من الآية: (15) من سورة المطففين: 83: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ".

 (3) هذه اللفظة كانت في أصلي مهملة، فيحتمل أن يكون بالباء: " كبع " بمعنى خضع.

 أو يكون بالنون: " كنع " بمعنى جبن وهرب.

 وهذه الفقرة جزء للكلام السابق في رواية أبي نعيم وسبط ابن الجوزي.

 (4) هذا هو الظاهر المذكور في المختار: (83) من نهج البلاغة، وفي أصلي: " وكفى بالله منتقما وبصيرا، وكفى بالكتاب خصما وحجيجا ".

 (5) كذا في أصلي، وفي المختار (147) من قصار نهج البلاغة: " فلما أصحر تنفس الصعداء.. ".

 والجبان والجبانة: الصحراء.

 والصعداء: نوع من التنفس يصعده اللهف الحزين.

 (6) كلا في أصلي، وكلمة: " اليقين " لا عهد لي بوجودها في هذا الكلام في غير هذا الكتاب.

 


[ 303 ]

[ يا كميل ] العلم خير لك من المال العلم يحرسك وأنتتحرس المال [ و ] العلم يزكو على العمل (1) والمال تنقصه النفقة، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، وصحبة العالم دين يدان به، والعلم يكسب العالم الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد وفاته.

 [ يا كيمل ] مات خزان الاموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم [ في ] الوجود مفقودة (2) وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه هاه [ إن ها ] هنا - وأشار إلى صدره - علما [ جما ] لو أصيب له حملة ! ! ! بلى أصيبه لغير مأمون عليه، يستعمل آلة الدين للدنيا [ و ] يستظهر بحجج الله على كتابه وبنعمه على عباده، أو موافقا ؟ لاهل الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك بقلبه بأول عارض [ من شبهة ] [ اللهم ] لاذا ولاذو ؟ أو منهوما باللذات سلس القياد للشهوات، أو مغرما بجمع المال والادخار، ليسوا من رعاة الدين [ في شئ ] هم أقرب شبها بالانعام السائمة، كذلك يومت العلم بموت حامليه.

 اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجته كي لا تبطل حجج اله حتى يؤدونها وهم الاقلون عدد الاعظمون عند الله قدرا بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم (3) هجم بهم العلم على حقيقة الامر فاستلانوا ما استوعره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون [ و ] صحبوا الدينا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الاعلى أولئك خلفاؤه في بلاده ودعاته إلى دينه آه واشوقاه إلى رؤيتهم واستغفر لي ولك إذا شئت فقم.

 وقال نوف البكالي: رأيت علي بن أبي طالب خرج فنظر في النجوم فقال: يا نوف أراق أنت أم رامق ؟ فقلت: بل رامق يا أمير المؤمنين.

 [ ف‍ ] قال: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الارض بساطا وترابها فراشا وماءها طيبا والقرآن والدعاء شعارا ودثارا.

 يا نوف أوحى الله إلى عيسى [ بن مريم أن ] مر بني إسرائيل أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة وأبصار خاشعة وأيد نقية فإني لا أستجيب لاحد منهم ولاحد من خلقي عنده مظلمة (4).

 


(1) كذا هاهنا، وفي نهج البلاغة وكثير من المصادر: " والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق... ".

 (2) كذا في أصلي، وفي نهج البلاغة: " أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة... ".

 (3) هذا هو الظاهر المذكور في المختار: (147) من قصار نهج البلاغة، وفي أصلي: ويزرعونها في قلوب شبهائهم ؟... (4) وهذا رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار: (104) من قصار نهج البلاغة: وله مصادر وأسانيد.

 


[ 304 ]

وقال السدي: صلى علي الغداة [ يوما ] ثم لبث في مجلسه حتى ارتفعت الشمس قيد رمح [ و ] كان عليه كآبة ثم قال: لقد رأيت نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فما رأيت أحدا يشبههم والله إن كانوا ليصبحون شعثا غبرا صفرا بين أعينهم كركب المعزى قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم إذا ذكروا الله تعالى مادوا كما يميد الشجر يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لقد كانوا غير غافلين عن ربهم ! ! ثم نهض [ عليه السلام ]: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك وعظم حلمك وأن تباهي الناس بعبادة ربك فإن أحسنت حمدت الله وإن أسأت استغفرت [ الله ].

 ولا خير في الدنيا [ إلا ] لاحد رجلين: رجل [ اقترف ] ذنبا فهو يتدارك ذلك بتوبة ورجل يسارع في الخيرات فإنه لا يقل عمل في تقوى [ وكيف يقل ما يتقبل ] (3).

 وقال بكر بن خليفة: قال علي بن أبي طالب [ عليه السلام ]: أيها الناس إنكم والله لو حننتم حنين الواله العجلان، وجأرتم جار متبتل الرهبان ثم خرجتم عن الاموال والاولاد إلتماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة أحصاها كتبه عليكم (4) لكان قليلا فيما أرجو لكم من جزيل ثوابه وأتخوف عليكم من ألم عقابه، والله لو سالت عيونكم رهبة منه ورغبة إليه ثم عمرتم ما الدنيا باقية ولم تبقوا شيئا من جهدكم بالشكر لانعمه العظام بهدايتكم للاسلام لما قمتم بشكر ما أنعم به عليكم.

 


(1) رسم الخط في قوله: (نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " غامض، وعلى فرض صحته هو أظر مما في سائر المصادر.

 (2) والكلام جاء في ذيل المختار: " 95 " من نهج البلاغة، كما جاء أيضا عن مصادر أخر، وقد أوردناه أيضا في المختار: " 344 " من نهج السعادة: ج 2 ص 537 ط 1.

 (3) هذا هو الصواب المذكور في ذيل المختار: " 52 " من نهج البلاغة، وفيه: أو غفران سييئة أحصتها كتبه وحفظتها رسله.. وفي أصلي هاهنا: أحصاها كتبكم عليكم ؟.