[ 305 ]

الباب التاسع والاربعون (1)

في خطبه [ عليه السلام ] ومواعظه الجامعة

وخطب [عليه السلام] يوما فقال: أيها الناس اتقوا الله وبادروا آجالكم بأعمالكم وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم وترحلوا فقد جد بكم الرحيل، واتعدوا للموت فقد أظلكم وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا (2) وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار [ فاسبدلوا ف‍ ] إن الله [ سبحانه ] لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى وما بين أحدكم وبين الجنة والنار إلا أن ينزل به المحتوم (3) وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة، وإن غائبا يحدوه الجديدان الليل والنهار لحري بسرعة الاوبة، وإن قادما يقدم بالفوق أو الشقوة لمستحق لافضل العدة (4) فتزودوا في الدنيا [ من الدنيا ] ما تحرزون به أنفسكم غذا.

 فرحم الله عبدا اتقى ربه [ و ] نصح نفسه وقدم توبته وغلب شهوته فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها ويمنيه التوبة ليسوفها حتى تهجم [ عليه ] منيته على أغفل ما يكون عنها فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن


(1) كذا في أصلي هاهنا، ولم يأت ذكر هذا الباب، في مقدمة المصنف من أصلي، وقد تقدم آنفا - ومثله في مقدمة المصنف -: " الباب التاسع والاربعون في ذكر شئ من مواعظه ".

 (2) هذا هو الظاهر المذكور في المختار: " 64 " من نهج البلاغة، غير أن فيه " وكونوا قوما... ".

 وفي أصلي: كنوم صيح بهم فانتبهوا.. (3) ما بين المعقوفات مأخوذ من نهج البلاغة، وفيه: وما بين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به... (4) كذا في نهج البلاغة، وما وضع بعد ذلك بين المعقوفين أيضا مأخوذ منه،.

 وفي أصلي: وإن قادما يقدم بالفوز أو الشقى ؟ لمستحق لافضل العدة... 


[ 306 ]

يكون عمره عليه حجة، وأن تؤديه أيامه إلى شقوة ؟ ! نسأل الله [ سبحانه ] أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة ولا تقصر به [ عن ] طاعة ربه [ غاية ] ولا تحل به بعد الموت ندامة ولا كآبة.

 وقال رضي الله عنه: أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح [ هذا ] ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه.

 فإن أقل يقولوا حرص على الملك وإن أسكت يقولوا جزع من الموت (1) هيهات هيهات بعد اللتيا والتي والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه [ بل ] اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة.

 وقال رضي الله عنه: أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بواع وإن الآخرة [ قد أقبلت و ] أشرفت باطلاع وإن اليوم المضمار وغدا السباق والسبقة الجنة والغاية النار.

 أفلا تائب من خطيئته قبل منيته ؟ ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ؟.

 ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل فمن عمل في أيام مهله (2) قبل حضور أجله فقد نفعه عمله [ ولم يضره أجله، ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله ] وضره أجله (3).

 ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة.

 ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها.

 ألا وإنكم أمرتم بالرحيل ودللتم على الزاد، وإن أخوف ما أخاف عليكم [ اثنتان ] اتباع الهوى وطول الامل فمن قصر أمله حسن عمله.

 


هذا هو الظاهر المذكور في المختار الخامس من نهج البلاغة.

 وفي أصلي: فإن أقل يقولوا حرصا على الملك ؟ وإن أسكت يقولوا جزعا من الموت ؟... (2) كذا في أصلي، وفي المختار: " 28 " من نهج البلاغة: فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله ؟... وما بين المقوفات في التوالي مأخوذ من نهج البلاغة.

 (3) ما بين المعقوفات كلها مأخوذ من نهج البلاغة.

 


[ 307 ]

وقال رضي الله عنه: رحم الله امرا سمع حكما فوعى إلى رشاد فدنا [ و ] أخذ بحجزة هاد فنجا راقب ربه وخاف ذنبه قدم خالصا وعمل صالحا، واكتسب مذخروا واجتنب محذورا رمى غرضا وأحرز عوضا كابر هواه وكذب مناه، وجعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته ركب الطريقة الغراء ولزم المحجة البيضاء، اغتنم أيام المهل وبار الاجل، وتزود العمل (1).

 ومن دعاء [ عليه السلام ]: اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني فإن عدت فعد علي بالمغفرة.

 اللهم اغفر لي [ ما وأيت من نفسي ولم تجد له وفاءا عندي ] (2).

 اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك [ بلساني ] ثم خالفه قلبي.

 اللهم اغفر لي رمزات الالحاظ وسقطات الالفاظ وسقوات الجنان وهفوات اللسان (3).

 ومن كلامه [ عليه السلام ]: ما أصف من دار أولها عناء وآخرها فناء [ في ] حلالها حساب [ وفي حرامها عقاب ] من استغنى فيها فتن ومن افتقر [ فيها ] خزن ومن ساعاها فاتته ومن قعد عنها واتته (4).

 وقال [ عليه السلام ] أيضا: انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها الصادفين عنها فإنها والله عما قليل ترحل الساكن وتقمع المترف الآمن (5) لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدرى ما هو آت [ منها ] فيحذر ؟ / 48 / ب / سرورها مشوب بالحزن وجلد الرجال فيها إلى الضعف والوهن


(1) رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار: " 76 " من نهج البلاغة.

 (2) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: " اللهم اغفر لي به إليك ثم خالفه قلبي... ".

 (3) ومثله في المختار: " 78 " من نهج البلاغة، وله مصادر أخر أيضا.

 (4) رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار: (80) من نهج البلاغة ثم قال: وإذا تأمل المتأل قوله عليه السلام: " ومن أبصر بها بصرته " وجد تحته من المعنى العجيب، والغرض البعيد ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره، ولا سيما إذا قرن إليه قوله: " ومن أبصر إليها أعمته " فإنه يجد الفرق بين " أبصر بها " وأبصر إليها " واضحا نيرا وعجيبا باهرا.

 (5) كذا في أصلي، وفي المختار: " 103 " من نهج البلاغة: فإنها والله عما قليل تزيل الثاوي الساكن، وتفجع المترف الآمن... 


[ 308 ]

فلا يغرنكم [ كثرة ] ما يعجبكم من زهرتها لقلة ما يصحبكم منها ! ! ! فرحم الله امرءا تفكر واعتبر فتبصر (1) وكل ما هو كائن في الدنيا عما قليل كأن لم يكن وكأن ما هو [ كائن ] من الآخرة عما قليل لم يزل وكل ما هو معدود متقض وكل متوقع آت قريب دان.

 ومن كلامه [ عليه السلام ] أيضا: حتى إذا كشف الله لهم عن جزاء معصيتهم واستخرجهم من جلابيب غفلتهم استقبلوا مدبرا واستدبروا مقبلا لم ينتفيعوا بما أدركوا من طلبتهم ولا بما قضوا من وطرهم (2).

 وإني أحذركم ونفسي من هذه المنزلة فلينفع امرؤ نفسه فإنما البصير من انتفع بما سمع وتفكر واعتبر فتبصر (3) ثم سلك جددا واضحا يتجنب فيه الصرعة بفي المهاوي والضلال في بالمغاوي ولا يعين على نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق أو تخوف من صدق (4).

 فأفق أيها السامع من سكرتك واسبيقظ من غفلتك (5) وضع فخرك واحطط كبرك وذكر قبرك (6) فإن عليه ممرك وكما تدين تدان وكما تزرع تحصد وما قدمت في يومك تقدم عليه غدا فمهد لنفسك وقدم لآخرتك.

 فالحذر الحذر أيها المستمع والجد الجد أيها الغافل ولا ينبئك مثل خبير (7).

 وقال [ عليه السلام ]: عباد الله الله الله في أعز الانفس عليكم وأحبها إليكم فإن الله قد أوضح [ لكم ] سبيل


(1) كذا في أصلي، وفي نهج البلاغة: رحم الله امرأ تفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر، فكأن ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن، وكأن ما هو كائن من الآخرة عما قليل لم يزل... (2) هذا هو الظاهر المذكور في المختار: " 151 " من نهج البلاغة وفي أصلي: من فطنتهم ؟... (3) كذا في أصلي، وفي نهج البلاغة: فإنما البصير من سمع فتفكر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر... (4) هذا هو الظاهر المذكور في نهج البلاغة، وفي أصلي: أو تحريف من صدق ؟.

 (5) وفي نهج البلاغة: فأفق أيها السامع من سكرتك، واستيقظ من غفلتك، واختصر من عجلتك، وأنعم الفكر فيما جاءك على لسان النبي الامي صلى الله عليه وآله وسلم مما لابد منه، ولا محيص عنه، وخالف من خالف ذلك إلى غيره، ودعه وما رضي لنفسه، وضع فخرك واحطط كبرك وذكر قبرك... (6) هذا هو الظاهر، المذكور في نهج البلاغة، وفي أصلي: " واحطط ذكرك وذكر قبرك... ".

 (7) وبعده في المختار: " 153 " من نهج البلاغة جمل كثيرة فليراجعها من أرادها.

 


[ 309 ]

الحق وأنار طرقه فشقوة لازمه أو سعادة دائمة (1) فتزودوا في أيام الفناء لايام البقاء فقد دللتم على الزاد وأمرتم بالظعن وحثثتم على المسير فإنما أنتم ركب وقوف لا تدرون متى تؤمرون بالمسير ! ! ! ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة ؟ وما يصنع بالمال من عما قليل يسلبه وتبقى عليه تبعته وحسابه ؟ ! ! عباد الله إن عليكم رصدا من أنفسكم وعيونا من جوارحكم وحفاظ صدق يحفظون أعمالكم وعدد أنفاسكم لا يستركم منهم [ ظلمة ] ليل داج ولا يكنكم [ منهم ] باب ذو رتاج (2) وإن غذا من اليوم لقريب.

 يذهب اليوم بما فيه ويجئ غدا لاحقا به فكأن كل امرئ منكم قد بلغ من الارض منزل وحدته ومحط حفرته فيا له من بيت وحدة ومنزل وحشة ومقر غربة.

 وكأن الصيحة قد أتتكم والساعة قد غشيتكم (3) وبرزتم لفصل القضاء وزاح عنكم الباطل واضمحلت عنكم العلل واستحقت بكم الحقائق (4) وصدرت بكم الامور مصادرها فاتعظوا بالعبر وانتفعوا بالنذر وما تغن النذر عن قوم لا يؤمنون (5).

 وقال رضي الله عنه: أيها الناس اعتصموا بتقوى الله فإن لها حبلا وثيقا عروته ومعقلا منيعا ذروته وبادروا الموت وغمراته ومهدوا له قبل حلوله وأعدوا له قبل نزوله [ ف‍ ] إن الغاية وكفى بذلك واعظا لمن عقل ومعبرا لمن جهل وقبل بلوغ الغاية ما تعلمون من ضيق الارماس وشدة الابلاس وهول المطلع وروعات الفزع الاكبر وضم الضريح وردم الصفيح ! ! ! (6).

 


(1) وهكذا جاء كلامه عليه السلام في المختار: " 157 " من نهج البلاغة.

 (2) ما بين المعقوفات مأخوذ من نهج البلاغة، والرصد: الذي يراقب الشخص لما يريده منه.

 وداج: مظلم.

 والرتاج - بكسر الراء -: الباب الكبير الذي له غلق محكم.

 (3) هذا هو الصاواب المذكور في نهج البلاغة، وفي أصلي: (وكأن الصبح قد أتاكم فالساعة قد غشيتكم... (4) كذا في نهج البلاغة، إلا أن فيه: " قد زاحت عنكم الاباطيل " وفي أصلي تصحيف.

 (5) كذا في أصلي، وفي نهج البلاغة فاتعظوا بالعبر، واعتبروا بالغير، واتفعوا بالنذر.

 وذيل الكلام مقتبس من الآية: " 101 " من سورة يونس: (وما تغن الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون).

 (6) كذا في أصلي، وفي المختار: " 188 " من نهج البلاغة: وروعات الفزع، واختلاف الضلاع، واستكاك الاسماع، وظلمة اللحد وخيفة الوعد، وغم الضريح، وردم الصفيح... 


[ 310 ]

[ ف‍ ] الله الله عباد الله [ ف‍ ] إن الدنيا ما ضية بكم على سنن وأنتم والساعة في قرن وكأنها قد جاءت بأشراطها وأزفت بأفراطها ووقفت بكم على صراطها (1) وأشرفت بزلازلها وأناخت بكلاكلها وانصرمت بأهلها وأخرجتهم من حضنها (2) وصار جديدها رثا وسمينها غثا في موقف ضنك المقام وأمور مشتبهة عظام (3) ونار شديد كلبها عال لجبها ساطع لهبها (4) متغيظ زفيرها متأجج سعيرها بعيد خمودها ذاك وقودها مخوف وعيدها شديد وقودها ؟ عميق قرارها مظمة أقطارها (5) ! ! فارعوا عبا الله ما برعايته يفوز فائزكم وبإضاعته يخسر مبطلكم وبادروا آجالكم بأعمالكم فإنكم مرتهنون فيها بما أسلفتم ومدينون بما قدمتم وكأن قد نزل بكم المخوف فلا رجعة تنالون ولا عثرة تقالون (6).

 وقال رضي الله عنه في خطبة يصف فيها المنافقين: نحمد الله على [ ما وفق له من الطاعة وذاد عنه من المعصية، ونسأله لمنته تماما وبحبله اعتصاما ونشهد أن ] محمدا رسول الله عبده ورسوله (7) خاض إلى رضوان الله كل غمرة وتجرع فيه كل غصة وقد تولن له الادنون وتألب عليه الاقصون وخلعت [ إليه ] العرب أعنتها وشرعت أسنتها وضربت إلى محاربته بطون رواحلها حتى أنزلت بساحته عدوانها من بعد الدار وسحق المزار (8).

 


(1) كذا في نهج البلاغة، وفي أصلي: ووقفت بكم على طائطها... والارماس: القبور.

 والابلاس: الحزن في يأس.

 والضريح: اللحد.

 والردم: السد والصفيح: الحجر العريض.

 (2) وبعده في نهج البلاغة هكذا: " فكانت كيوم مصى أو شهر انقضى ".

 وفي أصلي: وانصرفت بأهلها، وأخرجتم من خضنها، فصار جديدها رثا... (3) كذا في نهج البلاغة، وفي أصلي: وأمور مشقة عظام ؟.

 (4) كذا في نهج البلاغة، وفي أصلي تصحيف.

 (5) كذا في نهج البلاغة، غير أن فيه: " عم قرارها " وأيضا فيه زيادات عما هاهنا.

 (6) كذا في نهج البلاغة، وفي أصلي: " فلا رجع... ".

 (7) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (192) من تكتاب نهج البلاغة، وفيه: نحمده على ما وفق من الطاعة... ونشهد أن محمدا عبده ورسوله....

 وجميع ما بين المعقوفات مأخوذ من نهج البلاغة.

 وكان في أصلي بياض بسعة ثلاث كلمات عادية.

 (8 (هذا هو الظاهر المذكور في نهج البلاغة، غير أن جملة: " وشرعت أسنتها " غير موجودة في نهج البلاغة، وفيه أيضا: حتى أنزلت بساحته عداوتها " = 


[ 311 ]

أوصيكم عبا الله بتقوى الله وأحذركم أهل النفاق / 49 / أ / فإنهم الضالون والمضلون والزالون والمزلون يتلونون ألوانا ويفتنون افتنانا [ ويعمدونكم بكل عماد ويرصدونكم بكل مرصاد ] قلوبهم دوية وصفاحهم نقية يمشون الخفاء ويدبون الضراء وصفهم داء وقولهم شفاء وهم الداء العياء (1) حسدة الرخاء ومؤكدوا البلاء ومقنطوا الرجاء لهم بكل طريق صريع وإلى كل قلب شفيع، ولكل شجو دموع ! ! ! يتقارضون الثناء ويتراقبون الجزاء ! ! إن سألوا ألحفوا [ وإن وعدوا أخلفوا ] وإن عذلوا كشفوا وإن حكموا أسرفوا ! ! ! قد أعدوا لكل حق باطلا ولكل قائم مائلا ولك حي قاتلا ولكل باب مفتاحا ولكل ليل مصباحا ! ! ! يتواصلون [ إلى الطمع ] باليأس ليقيموا به أسواقهم وينفقوا به أعلاقهم (2).

 يقولون فيشبهون ويصفون فيموهون (3) [ قد هونوا الطريق وأضلعوا المضيق فهم لمة الشيطان وحمة النيران ] أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.

 وقال [ عليه السلام ] في خبة [ له ]: أصيكم عباد اللته بتقوى الله فإنها الزمام والقوام فتمسكوا بوثائقها واعتصموا بحقائقها فإنها تؤديكم إلى أكنان الدعة وأوطان السعة ومنازل العز ومعاقل الحرز (4) في يوم تشخص


= وفي أصلي: وجعلت العرب أعنتها... من بعد الدار وسحق المذار.

 (1) كذا في نهج البلاغة، وجميع ما وضعناه بين المعقوفات أيضا مأخوذ منه.

 وفي أضلي: " وهم الداء العياء " وأيضا كان في أصلي تصحيفات كثيرة صححناها على وفق ما في نهج البلاغة.

 ودوية: مريضة.

 وصفاحهم نقية: صفاح وجوحهم خالية من وسم العداوة.

 ويدبون الضراء: يمشون مشي سريان المرض.

 والداء العياء: الداء الذي عجز الاطباء من علاجه.

 (2) " ينفقو به " من قولهم: أنفق فلان بضاعته إنفاقا.

 روجها.

 وفي مجردة يقال: نفق البيع نفقا ونفاقا - على زنة نصر وعلم -: راج.

 والاعلاق: جمع علق - بكسر العين وسكون اللام - الشئ النفيس.

 (3) يموهون: يزينون.

 وفي بعض نسخ نهج البلاغة: " فيوهمون " أي يوقعون في وهم سامعيهم.

 وما وضعناه بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة.

 وهونوا الطريق أي طريق السير معهم في أهوائهم.

 وأضلعوا: أمالوا: أثقلوا: عوجوا.

 والمضيق: ما ضاق من الممر.

 واللمة - بالضم فالفتح ثم الميم المفتوحة المشددة -: الجماعة.

 والحمة - بضم الحاء ويفتح الميم مخففا -: إبرة الحشرات بها تلسع.

 (4) هذا هو الظاهر، وما بين المعقوفات زيادات منا، وفي أصلي: وقال من خطبة ؟ ومحتويات هذه الخطبة من بدايتها إلى قوله: " ولا مذرة تدفع " مذكورة في المختار: (195) من


[ 312 ]

فيه الابصار وتظلم فيه الاقطار وتعطل فيها صروم العشار وينفخ في الصور فتزهق كل مهجة وتبكم كل لهجة وتذل الشم الشوامخ والصم الرواسخ فيصير صلدها سرابا رقرقا ومعهدها قاعا سملقا (1) فلا شفيع يشفع ولا حميم ينفع ولا معذرة تدفع ؟ فاعملوا عباد الله (2) والالسن مطلقة والابدان صحيحة والاعضاء لدنة والمنقلب فسيح والمجال عريض قبل إزهاق الفوت وحلول الموت (3).

 وأيضا قال رضي الله عنه: أيها الناس إن الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار (4) فخذوا من ممركم لمقركم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم (5) ففيها اخترتم ولغيرها خلقتم.

 وقال كرم الله وجهه في كتاب كتبه إلى سهل ين حنيف [ الانصاري ] (6): إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك قد انسللت من مخالبك [ وأفلت من حبائلك ] واجتنبت الذهاب في مداحضك.

 


= نهج البلاغة، وفي أصلي: " ومناقل الحرز ".

 ومن قوله: " فاعملوا عباد اللته " إلى قوله: " وحلول الموت " أيضا مذكور في المختار: (196) من نهج البلاغة.

 (1) كذا في المختار: (192) من نهج البلاغة، وكان في أصلي تصحيفات كثيرة صححناها بمعونة نهج البلاغة.

 والشم: جمع أشم: رفيع.

 والشوامخ: جمع شامخ: المرتفع.

 والصم جمع الاصم: الصلب.

 والصلد: الصلب.

 ورقرق: مضطرب.

 وسملق: مستو.

 (2) هذا هو الظاهر من السياق، وفي أصلي: والمختار: (194) من نهج البلاغة: " فاعلموا... ".

 (3) وبعه في المختار: (194) من نهج البلاغة: فحققوا عليكم نزوله، ولا تنتظروا قدومه....

 وأيضا قريب منه جاء في المختار: (92) من نهج البلاغة.

 (4) هذا هو الظاهر الموافق للمختار: (201) من نهج البلاغة، وفي أصلي: ذات قرار... (5) كذا في أصلي، وفي نهج البلاغة وغير واحد من المصادر: وأخرجوا من الدنيا قلوبكم منقبل أن تخرج منها أبدانكم... (6) كذا في أصلي، غير أن فيه: " من كتاب كتبه إلى سهل بن حنيف ".

 والصواب أنه عليه السلام كتب هذا الكتاب - إلى عامله على البصرة - عثمان بن حنيف الانصاري كما في المختار: (45) من الباب الثاني من نهج البلاغة، وما وضعناه هاهنا بين المعقوفين أيضا مأخوذ من نهج البلاغة.

 


[ 313 ]

أين القرون الذين غدرتهم بمداعبك وأين الامم الذين فتنتهم بزخارفك (1) هاهم رهائن القبور ومضامين اللحود / 49 / ب / والله لو كنت شخصا مرئيا [ وقالبا حسيا ] لاقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالاماني وألقيتهم في المهاوي وملوك أسلمتهم إلى التلف [ وأوردتهم موارد البلاء ] إذ لا ورد ولا صدر ! ! ! هيهات من طئ دخضك زلق، ومن ركب لججك غرق، ومن ازور عن حبائلك وفق، والسالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه، والدنيا عنده كيوم حان انسلاخه.

 اعزبي عني فوالله لا أذل لك تفستذليني ولا أسلس لك قيادي فتقوديني (2).

 وأيم الله يمينا - استثني فيها بمشيئة الله - لاروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع ؟ بالملح مأدوما ولادعن مقلتي كعين ماء نضب معينها مستفرغة دموعها ! ! ! أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك ؟ وتشبع الربيضة منتعشبها فتربض (3) ويأكل علي من زاده فيهجع ؟ ! ! قرت إذا عينه إذ اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية (4) ! ! !


(1) كذا في نهج البلاغة، وفي أصلي: " أفنيتهم بزخارفك... ".

 إليك عنز: أبعدي شخصك عني.

 والغارب: ما بين اسنام والعنق.

 وانسللت هربت.

 والمخالب: جمع مخلت: برثن السباع وأظافيرهم.

 والحبائل: كمع حبالة: فخ الصياد.

 والمداخض: جمع المدحضة: المزلقة والمزلة.

 والمداعب: جمع مدعبة: المزاح.

 والزخارف: جمع زخرف.

 الذهب، ويراد منه هنا الاباطيل المموهة.

 (2) هذا هو الظاهر المذكور في نهج البلاغة، وفي أصلي: " كيوم آن انسلاخه... فوالله لا آذن لك فتستذليني... ".

 والمهاوي: جمع مهوى: مكان السقوط.

 والورد - بكسر الواو وسكون الراء -: ورود الماء.

 موضع وروده.

 والصدر - كشجر -: الصدور عن الماء بعد الشرب.

 والدخض: المكان الزلق الذي لا تثبت فيه القدم.

 والجج: جمع لجة: وسط البحر.

 الموضع العميق منه.

 وازور: مال ونكب.

 والمناخ: محمل الاقامة والسكون.

 وحان: حضر.

 والانسلاخ: الانقضاء.

 ولا أسلس لك قيادي: الاألين لك زمامي.

 والقياد - على زنة إياب -: حبل يقاد به الدابة.

 (3) مأدوما: أي مأدوما به الطعام.

 ولادعن: لا تركن.

 والمقلة: العين.

 ونضب: غار.

 ومعينها: ماؤها الجاري.

 والسائمة: الانعام التي تسرح لتأكل من نبات الارض.

 والرعي - بكسر فسكون -: الكلاء.

 والربيضة: الغنم في مربضه.

 والربوض: البروك.

 ويهجع: يسكن.

 (4) كذا في نهج البلاغة، وفي أصلي: " والرغية السائمة... " والهاملة: المتروكة.

 والسائمة: الماشية الراعية.

 الذاهب على وجهه حيث شاء.

 


[ 314 ]

طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها وعركت بجنبها بؤسها وهجرت في ليلها غمضها حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسدت كفها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم وتجافت عن حضاجعهم جنوبهم (1) وهمهمت بذكر ربهم شيفاههم وتقشعت بطول استغفار ربهم ذنوبهم [ أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون.

 فاتق الله يابن حنيف ولتكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك ] (2).

 وقال كرم الله وجهه من خطبة خطبها (3): الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليزيح به علتكم ويوقظ [ به ] غفلتكم.

 واعلموا [ عباد الله ] أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقوفون على أعمالكم ومجزيون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر


(1) عركت - على زنة نصرت وبابه -: احتملت.

 والبؤس: الضر.

 والغمض: النوم.

 والكرى: النعاس.

 وافترشت أرضها: جعلته فراشا له.

 وتوسدت كفها: جعلت كفه وسادة له.

 وتجافت: تباعدت.

 والمضاجع: جمع مضجع: موضع النوم.

 وتقشعت: انجلت.

 (2) وبعده للكلام بقية مختصرة يجدها الطالب في المختار: (45) من باب الكتب والرسائل من نهج البلاغة، وفي المختار (13) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4 ص 41 ط 1.

 والكلام رواه مرسلا العصمي - من أعلام القرن الرابع - في عنوان: " وأما علم المكاتبة " من الفصل الخامس من كتاب زين الفتى ص 224.

 وجميع ما وضعناه بين المعقوفات أخذناه من نهج البلاغة.

 (3) وللخطبة مصادر كثيرة وأسانيد، ورواها ابن أبي الدنيا مسندة في الحديث: (182) من كتاب دم الدنيا.

 ورواها بسنده عنه الخوارزمي في الحديث: (13) من الباب (24) من كتابه مناقب علي عليه السلام ص 267 ط الغري.

 ورواها أيضا مسندة - ولكن بدون صدرها - الحافظ ابن عساكر في الحديث: (1290) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 269 ط 2.

 ورواه أيضا مسندة - ولكم بدون صدرها - سبط ابن الجوزي في الباب السادس من كتاب تذكر الخواص، ص 131.

 ورواها أيضا بدون صدرها السيد الرضي الله عنه في المختار: (223) من نهج البلاغة.

 وللخطبة مصادر أخر، يجد الطالب بعضها في ذيل المختار 49 من القسم الثاني من باب النخضب من نهج السعادة: ج 3 ص 179، ط 1.

 


[ 315 ]

موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وقي بين أهلها دول وسجال بينما أهلها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور [ وإنما ] أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها وتقضمهم بحمامها (1).

 فاعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أو طول منكم أعمارا / 50 / ب / [ وأعمر ديارا وأبعد آثارا ]، فأصبحت [ أصواتهم هامدة ورياحهم راكدة و ] أجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والاحجار [ المسندة ] في القبور [ اللاطئة الملحدة التي قد بني للخراب فناؤها وشيد بالتراب بناؤها ] فمحلها مقترب وساكمها مغترب [ بين أهل محمله موحشين وأهل فراغ متشاغلين ] لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والاخوان على ما بينهم من قرب الجور ودنو الديار (2) [ وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأكلتهم الجنادل والثرى ] فأصبحوا بعد الحياة أمواتا بعد غضارة العيش رفاتا فجع بهم الاحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات (كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) (3) ! ! ! وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم إذا بعثرت القبور وحصل ما في الصدور (4) هنالك تجزى كل نفس بما كسبت (5) (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون: يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) (6).

 


(1) ومثله في تاريه دمشق، وفي نهج البلاغة: (وتفنيهم بحمامها...) وتقضمهم: تكسرهم بأطراف أسنانها.

 وتأكلهم.

 والمحمام - بكى المحاء -: الموت.

 (2) كذا في أصلي، وفي غيره من بقية المصادر: " دنو الدار ".

 (3) ما بين النجمتين مقتبس من الآية: (100) من سور المؤمنون: 23.

 (4) إشارة إل قوله تعالى ي الآية:، الرابعة من سورة الانفطار: 82 (وأذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت).

 وإلى قوله تعالى في الآية: (9) من سورة العاديات: (100) (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور).

 (5) هذه الجملة قد جاءت في غير واحد من الآي الذكر الحكيم.

 (6) ما بين النجمتين هو الآية: (49) من سورة الكهف: 18.

 


[ 316 ]

وقال الحسن [ البصري ]: قال علي رضي الله عنه: طوبى لعبد [ نومه ] عرف الناس ولم يعرفه الناس وعرفه الله برضواهه أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة سيدخلهم الله في رحمته (1).

 وقال ابن عباس: ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتفاعي بكتاب كتبه إلي علي بن أبي طالب [ إمنه كتب إلي ]: أما بعد فإن المرء يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، ويسره درك ما لم يكن ليفوته، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن همك فيما بعد الموت والسلام (2).

 ومن خطبة له [ عليه السلام في ذم عمرو بن العاص ]: أما بعد فقد بلغني أن ابن النابغة يذكر لاهل الشام أني امرؤ تلعابة وأن في دعابة ! ! ! أما إنه قد قال كذبا ونزع إثما ؟ ! [ أما والله إنه ] ليمنعني من ذلك (3) خوف الله والحياء منه وتلاوة القرآن وذكر الموت والبعث والحساب أما والله إنه للكذوب الخائن، والله إنه ليقول فيكذب [ ويسأل فيلحف ] ويسأل فيبخل فإذا كان يوم البأس فأي [ امرئ ] آمر زاجر ما لم يأخذ السيوف مآخذها من هام الرجال فإذا كان كذلك [ ف‍ ] أفضل مكيدته أن يمنح القوم دبره فقبحه الله وترحه.

 وخطب رضي الله عنه بالنخيلة عند ما كان من أمر الحكمين ما كان فقال: الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح / 51 / أ / والحدث الجليل ونشهد أن لا [ إله إلا ] الله ليس معه إله غيره، وأن محمدا عبده [ ورسوله ].

 


(1) وللحديث مصادر ذكرنا بعضها في تعليق الحديث: (1278) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 258 ط 2.

 (2) وقريبا منه جدا رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار " 22 و 66 " من الباب الثاني من نهج البلاغة.

 وللكتاب مصادر أخر يجد الطالب ذكر بعضها في ذيل المختار: (181) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 336 ط 1.

 (3) وهاهنا رسم الخط من أصلي غامض، وما وضعناه بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (81) من نهج البلاغة.

 وللحديث مصادر كثيرة، ورواه الثقفي كما في الحديث: (191) من تلخيص كتاب الغارات، ص 352 ط بيروت.

 وللحديث مصادر أخر، ذكرنا بعضها في ذيل المختار: (173) من نهج السعادة ج 2 ص 88 ط 1.

 


[ 317 ]

أما بعد فإن معصية الناصح (1) العالم الشفيق المجرب تورث الحيرة وتعقب الندامة وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة بأمري ونخلت لكم رأيي لو كان يطاع لقصير رأي ؟ فأبيتم علي إباء المخالفين الجفاة فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن: دريد بن الصمة: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غوايتهم أو أنني غير مهتد ألا وإن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما فأماتا ما أحياه القرآن واتبع كل واحد منهما هواه فحكم بغير حجة بينة ولا سنة ماضية واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشده الله [ ف‍ ] استعدوا للجهاد والمسير وأصبحوا في معسكركم.

 وقال الاسود بن سريع: دخل علي [ عليه السلام ] البصرة فخطب الناس فقال: أيها الناس إن الله ذو رحمة واسعة وعفو عطيم وبرحمته نال الصالحون الفوز و [ هو ] ذو عقاب أليم جعل نقمته وعذابه على منخالفه وعصاه، وبعد البيان والهدى ما ضل الضالون، وقد أبلسكم بأعمالكم فما ظنكم [ ى أهل البصرة ] ؟ فقام رجل [ فقال: ] نظن بك يا أمير المؤمنين خيرا ونرجوه.

 فقال أجل قد عفوت [ عنكم ] فلا تعودوا للفتنة فإنكم أول من سارع فيها.

 وهذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح علا البيت فأخذ بحلقة بابه فأجافه (2) وقال: لاإله إلا الله وحده وحده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الاحزاب وحده [ ثم قال: ] ما تقولون يا معشر قريش وما تظنون ؟ قالوا: نظن حيرا ونقول خيرا أخ كريم وابن عم كريم.

 قال: [ وأنا أقول ] كما قال أخي يوسف: (لا تثريب عليكم اليوم) [ 92 / يوسف: 12 ] [ ثم قال: ] ألا إن مفاخر الجاهلية تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سدانة الكعبة وسقاية


(1) كذا في غير واحد من مصادر الخطبة، كما في المختار: (35) من نهج البلاغة، والمختار (259) من نهج السعادة: ج 2 ص 356.

 ولفظ أصلي هاهنا غير واضح، وكأنه يقرأ: النصيح ؟.

 ورواه أيضا الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الجمل ص 214 طبعة الغري.

 وأيضا رواه الشيخ المفيد - رفع الله مقامه - في الفصل: (27) مما أورده من كلم أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب الارشاد، ص 137.

 (2) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: " فعلى البيت... " وأجافه: رده.

 


[ 318 ]

الحاج [ و ] إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعظيم آبائهم فالناس [ إما ] بر تقي كريم على الله [ أو ] فاجر خفير ؟ هين على الله، والناس بنو آدم وآدم من تراب.

 خطب كرم الله وجهه يوم الجعمة فقال: الحمد لله الولي الحميد الفال لما يريد [ و ] عالم الغيوب / 51 / ب / وخالق الخلق ومنزل القطر ومدبر أمر الدنيا والآخرة ووارث الارض ومن عليها وإله ترجعون.

 تواضع كل شئ لعظمته، وذل كل شئ لعزته، وقر كل شئ قراره لهيبته، وخضع كل شئ من خلقه لملكه وربوبيته، الذي يسك السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه (1) نحمده على ما كان ونستعينه على ما يكون ونستغفره ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه.

 ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، مالك الملك وسيد السادة (2) وجبار السماوات والارض الواحد القهار الكبير المتعال ديان يوم الدين ربنا ورب آبائنا الاولين.

 ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق داعيا إلى الحق، فبلغ رسالات ربه كما أمره لا متعديا ولا مقصرا، وجاهد في سبيل الله أعداءه لا وانيا ولا ناكلا، ونصح عباده صابرا محتسبا، فقبضه الله وقد رضي عمله وتقبل منه اجتهاده.

 أوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم، واغتنام ما استطعتم عملا به من طاعة الله (3) في هذه الايام الخالية لجليل ما يشفي إليكم من الموت (4) وبالرفض لهذه [ الدنيا ] التاركة لكم وإن كنتم لم تحبوا تركها والمبلية لاجسادكم وإن كنتم تحبون تجديدها (5) فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سلكوا سبيلا وكأن قطعوه، وأموا علما وكأن بلغوه (6) [ و ] كم عسى الجاري


(1) وبعده في المختار: (153) من كتاب نهج السعادة ج 1، ص 94 ط 1: " ولن تقوم الساعة و [ لن ] يحدث شئ إلا بعلمه ".

 (2) كذا في نهج السعادة، وهاهنا في لفظ أصلي نقص.

 (3) وقريب منه في باب وجوب الجمعة من كتاب " من لا يحره الفقيه ": ج 1، ص 270.

 وفي المختار: (99) من نهج البلاغة: عبا الله أوصيكم بالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تحبوا تركها، والمبلية لاجسامكم وإن كنتم تحبون تجديدها.

 (4) الخالية: المتثرمة.

 ويشفي إليكم: يقبل إليم وشرف عليكم.

 (5) وفي نهج السعادة: (وآمركم بالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم..) وانظر تعليقه.

 (6) وفي المختار: (99) من نهج البلاغة: فإنما مثلكم ومثلها كسفر سلكوا سبيلا فكأنهم قد قطعوه، وأمرا علما فكأنهم قد بلغوه.

 


[ 319 ]

إلى الغاية أن يجري إليها حتى يبلغها (1) وكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه ومن ورائه طالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها (2) يفلا تنافسوا في [ عز ] الدنيا وفخرها ولا تعجبوا بزينتها [ ونعيمها ] ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها فإن عز الدنيا [ وفخرها ] إلى انقطاع وإن ترفها ونعيمها إلى زوال (3) وإن ضراءها وبؤسها إلى نفاد وكل مدة فيها إلى منتهى وكل حي إلى فناء (4).

 أو ليس لكم في آثار الماضين وآبائكم الاولين معتبر وتبصرة إن كنتم تعقلون (5).

 ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون ؟ ! وإلى الخلف الباقي منكم لا يبقون (6) قال جل ثناؤه: (وحرام على قرية أهلكماها أنهم لا يرجعون) [ 95 / الانبياء: 21 ] وقال: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة / 52 / أ / فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا مناع العرور) [ 185 / آل عمران: 3 ].

 أ [ و ] لستم ترون أهل الدنيا يصبحون ويمسون على أحوال شتى فميت يبكى (7) وآخر يعزى وصريع مبتلى وعائد يعود وآخر بنفسه يجود وطالب [ للدنيا ] والموت يطلبه وغافل ليس بمغفول عنه وعلى أثر الماضي يمضي الباقي (8) ولله الحمد رب السماوات ورب العرش العظيم الذي يبقى ويفنى ما سواه وإليه موئل الخلق ومرجع الامور (9)


(1) وفي نهج البلاغة: وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتى... (2) وفي نهج البلاغة: وما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه ؟ وطالب حثيث من الموت يحدوه، ومزعج في الدنيا حت يفارقها.

 (3) ما وضعناه بين المعقوفات مأخوذ من نهج البلاغة، وفيه: وإن زينتها ونعيمها إلى زوال، وضراءها وبؤسها إلى نفاد.

 (4) وفي نهج البلاغة: وكل مدة فيها ألى انتهاء... (5) وفي نجه البلاغة: أو ليس لكم في آثار الاولين مزدجر ؟ وفي آبائكم الماضين تبصرة ومعتبر إن كنتم ععقلون ؟ !.

 (6) وفي نهج البلاغة: أولم توا إلى الماضين منكم لا يرجعون ؟ ! وإلى الخلف الباقي لا يبقون ؟.

 (7) هذا هو الصواب الموافق لما في المختار: (99) من نهج البلاغة، وفي أصلي تصحيف فاحش: " يمشون ولا يضحكون على أحوال شتى ميت يبكى ؟... " (8) وبعده في نهج البلاغة: ألا فاذكروا هادم اللذات منغص الشهوات وقاطع الامنيات، عند المساورة الاعمال القبيحة، واستعينوا الله على أداء واجب حقه وما لا يحصى من أعداد نعمه وإحسانه.

 (9) موئل الخلق: مآل أمرهم.

 وفي من لا يحضره الفقيه: وإليه يؤل الخلق ويرجع الامر.

 


[ 320 ]

[ ألا ] إن هذا يوم جعله الله لكم عيدا وجعلكم له أخلا وهو سيد أيامكم وأفضل أعيادكم وقد أمركم الله فيه بالسعي إلى ذكره فلتعظم [ فيه ] رغبتكم وليخلص قرباتكم (1) وأكثروا فيه التضرع والدعاء والابتهال والمسألة والرحمة والغفران لكم فإن الله مستجيب لكل مسلم دعاءه، ومورد النار كل مستكبر عن عبادته، قال جل ثناؤه: (ادعوني أستجب لكم أن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) [ 60 / غافر: 40 ].

 والجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي والمرأة والعبد المملوك والمسافر (2).

 غفر الله لنا ولكم سالف ذنوبنا فيما خلا من أعمارنا وعصمنا وإياكم من اقتراف الآثام فيما بقي من أيام دهرنا.

 إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله قال الله تعالى - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم -: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) (3).

 وخرج [ عليه السلام ] يوما على أهل الكوفة فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه [ ثم ] قال: أما بعد يا أهل العراق إنما أنتم كأم حجالد حملت فلما أتمت أملصت ومات قيمها وطال تأيمها وورثها أبعدها أما والله ما أتيتكم اختيارا مني و [ لكن ] لقد سقت إليكم سوقا (4).

 


(1) وفي المختار: (153): من نهج السعادة: ولتخلص [ فيه ] نيتكم، وأكثروا فيه من التضرع إلى الله والدعاء، ومسألة الرحمة والغفران... (2) هذا الاطلاق، كإطلاق قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ناظر إلى بيان أصل الوجوب، فلا ينافي تقييد هذا الاطلاق بأدلة منفصلة.

 (3) وفي نجه السعادة: إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله الكريم أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم... (4) وفي المختار: (70) من نهج البلاغة: أما بعد يا أهل العراق فإنما أنتم كالمرأة المحامل، حملت فلما أتمت أملصت، ومات قيمها وطال تأيمها وورثها أبعدها ! ! ! أما والله ما أتيتكم إختيارا ولكن جئت إليكم سوقا... وقريبا منه جدا رواه ابن دأب في المناقب السبعين التي رواها لامير المؤمنين عليه السلام على ما رواها عنه محمد بن محمد بن النعمان العكبري في كتاب الاختصاص ص 154، ط 4.

 ورواه أيضا الوزير الآبي في كلم أمير المؤمنين عليه السلام من كتابه نثر الدرر: 1، ص 291 ط مصر.

 


[ 321 ]

[ يا أهل العرق ] إن وراءكم الاعور الدبر جهنم الدنيا لا يبقي ولا يذر (1).

 من الاول حتى يستخرجوا كنوزكم من حجالكم (2).

 والله لقد بلغني أنكم تقولون: [ " إن عليا يكذب ! ! " قاتلكم الله فعلى من أكذب ؟ ] أفعلى الله أكذب وأنا أول من آمن به ؟ ! ! ! أم على نبيه فأنا أو من صدقه ؟ ! ! (3) كلا والله إنها لهجة غبتم عنها [ ولم تكونوا من أهلها ] ويل أمه كيل بغير ثمن لو كان له وعاء ولتعلمن نبأه / 52 / ب / بعد حين (4).

 وبعص معاوية رجلا من غامد في خيل [ وأمره أن يغير على أطراف العراق ] فأعارت على [ بلدة ] الانبار [ فقتلوا عامل أمير المؤمنين عليه السلام ورجالا ونساءا من أهلها ونهبوا ذخائرها ] فبلغ ذلك [ عليا عليه السلام ] فمضى حتى أتى النخيلة فأدركه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نكفيكهم.

 فقال: والله ما تكفونني ولا تكفون أنفسكم ! ! ثم رجع فأتى المسجد فصعد المنبر فمحد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه رغبة عنه [ ألبسه الله ثوب الذلة و ] شمله [ البلاء ] وسيم الخسف وديث بالصغار (5) وقد كنت دعوتكم إلى قتال هؤلاء


(1) لعل المراد منه معاوية، أو عبد الملك بن مروان.

 ومن قوله: " إن وراءكم الاعور " إلى قوله: " حجالكم " غير موجود في نهج البلاغة.

 (2) الحجال: جمع حجلة: حجرة العروس.. (3) ومثله في المختار: (70) من نهج البلاغة، وما وضعناه بين المعقوفات أيضا منه.

 ثم إن الآثار والروايات الواردة حول إيمان أمير المؤمنين عليه السلام بالله ورسوله قبل جميع المسلمين متواترة كما يتجلى ذلك لكل من يراجع الحديث: (70) وما بعده من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 1، ص 48 - 117 ط 2.

 (4) هذه الكلمة منه عليه السلام إظهار تبرم وضجر منه عليه السلام عنهم.

 " كيلا " مصدر وعامله محذوف أي أكيل لهم العلم والهداية كيلا بغير ثمن لو كان فيهم من يقبله ويقدره ؟.

 (5) وفي المختار: (27) من نهج البلاغة: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة فمن تركه رعبة عنه....

 وفي أصلي


[ 322 ]

القوم ليلا ونهارا وسرا وعلانية وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم في عقر دورهم إلا ذلوا وافتضحوا فتخاذلتم وتواكلتم وثقل عليكم قولي وعصيتم أمري واتخذتموه رواءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات ! ! ! وهذا أخو غامد هد وردت خيله الانبار وقتلوا حسان بن حسان ورجالا كثيرا ونساءا ! ! ! ولقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة [ والاخرى المعاهدة ] فينزع حجلها ثم انصرفوا موفورين لم يكلم [ منهم ] أحد كلما فلو أن [ امرأ ] مسلما مات من دون هذا أسفا لما كان عندي ملوما بل كان عندي جديرا ! ! ! (1) يا عجبا كل العجب - عجبا يميت القلب ويكثر الهم ويسعر الاحزان - من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم حتى أصبحتم غرضا، ترمون ولا ترمون وتغزون ولا تغزون ويعصى الله فترضون ! ! ! إذا قلت لكم: اغزو [ هم ] في الحر قلتم: [ هذه ] حمارة القيظ [ وإذا قلت لكم: اغزوهم في البرد قلتم: هذا أوان قر وصر فأمهلنا ] ينسلخ [ عنا ] البرد.

 فإذا [ أنتم ] من الحر والبرد تفرون فأنتم [ والله ] من السيف أفر ! ! ! (2) يا أشباه الرجال - ولا رجال - ويا أحلام الاطفال وعقول ربات الحجال (3) ليتني والله لم أعرفكم معرفة جرت علي - والله - ندما [ وأعقبت سدما، قاتلكم الله لقد ] ملأتم جوفي غيظا (4) وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش: [ إن ] ابن أبي طالب رجل شجاع [ ولكن ] لا رأي له بالحرب ! ! ! لله أبوهم من منهم أشد مراسا لها مني ؟ ولقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ثم ها أنا قد نيفت على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

 فقام إليه رجل من الانصار يقال له: عفيف آخذا بيد أخيه فقال: يا أمير المؤمنين


= تصحيف: فمن تركه في الله شمله [ البلاء ] وسيم الحين ؟.. وللخطبة مصادر كثيرة يجد الطالب كثيرا منها في المختار: " 318 " وتعليقه من نهج السعادة: ج 2 ص 559 ط 1.

 (1) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وفيه: ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والاخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ! ! ! ثم انصرفا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ولا أريق منهم دم ! !.

 (2) ما بين المعقوفات كلها ماخوذ من نهج البلاغة، وكان في أصلي بياض قدر أربع كلمات.

 (3) ربات الحجال: النساء، وغاية همهن هو التودد إلى أزواجهن وأولادهن وقلما يفكرن في أمر مهم.

 (4) هذا هو الصواب المذكور في نهج البلاغة، وما بين المقوفين أيضا مأخوذ منه، وفي أصلي هاهنا تصحيف.

 


[ 323 ]

[ إني ] أقول كما قال الله / 53 / أ /: (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي) [ 25 / المائدة: 5 ] فمرنا بأمرك فوالله [ لنطيعنك ] ولو حال بيننا وبينه جمر الغضى [ وشوك القتاد ] (1).

 فأثنى [ علي عليه السلام ] خيرا وقال [ لهما ]: وأين تقعان مما أريد.

 ثم نهض [ عليه السملام ].

 ولما بويع عليه السلام قام في أزار طاق وعمامة متوكئا قوسا ونعلاه في يده حتى جلس على المنبر ثم قال [ بعد ] الحمد لله والثاء عليه: حق وباطل ولكل أهل، فلئن أمر الباطل فقديما فعل، ولئن قل الحق فلربما ولعل (2) ولقلما أدبر شئ فأقبل، ولعسى أن يرد عليكم أمركم وإنكم إذا لسعداء وإني لاخشى أن تكونوا في فترة، وما علينا إلا الإجتهاد [ و ] قد كانت منكم أمور كنتم بها غير محمودي الرأي أما إني لو شئت [ ل‍ ] قلت: ولكن عفا الله عما سلف.

 سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه [ يا ويحه ] لو قطع رأسه وقص جناحاه لكان خيرا له (3) شغل عن الجنة والنار أمامه ! ! ! ثلاثة واثنان [ خمسة ] ليس لهما سادس: ملك طائر بجناحيه ونبي أحذ الله بيده وسابق مجتهد وساع مقبصد ومقصر في النار.

 اليمين والشمال مضلة والطريق [ الوسطى هو ] المنهحج، عليه باقي الكتاب والسنة وأثر النبوة خاب من ادعى وهلك من افترى (5).

 


مابين المعقوفين مأخوذ من رواية أبي الفرج في كتاب الاغاني: ج 15، ص 266.

 والجمر - على زنة خمر -: النار المتقدة التي إذا بردت تصير فحما.

 شجر صلب الخشب.

 والقتاد - بفتح القاف -: شجر صلب العود له أشواك كالابرة.

 (2) أمر - زنة علم -: كثر.

 وقوله عليه السلام: " فلربما ولعل " معناه: فلربما يصير القليل كثيرا ولربما يغلب القليل الكثير.

 وهذه الخطبة من مشاهير كلمه عليه السلام ولها مصادر وأسانيد كثيرة، يجد الطالب صورا منها في المختار (55) من كتاب نهج السعادة: ج 1، ص 189، ط 2.

 (3) ولهذه القطعة من كلامه عليه السلام مصادر شواهد، وأيضا يأتي قريب منها في أواخر هذا الباب في الورق 58 / أ / من أصلي.

 (4) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها المقام، وفي أصلي: (والطريق المنهج عليه، باق في الكتاب والسنة وأثر النبوة...).

 وفي رواية الجاحظ: " اليمين والشمال مضلة [ و ] الوسطى [ هي ] الجادة، منهج عليه باقي الكتاب والسنة وآثار النبوة... ".

 (5) وفي رواية الجاحظ عن معمر بن المثنى: (هلك من ادعى وردى من اقتحم).

 


[ 324 ]

إن الله داوى هذه الامة بدوائين: السيف والسوط فليس لاحد فيهما عند الامام هوادة (1) فاستتروا بيوتكم وأصلحوا ذات بينكم والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك.

 ثم نزل [ عليه السلام ].

 وقال الحسن البصري: ثم لما نزل علي [ عليه السلام ] الدفافة (2) خطب الناس فقال: إن الله فضل الجهاد وجعله نصره ونصرته (2) [ و ] الله ما صلح دين ولا دنيا إلا به ألا وإنه قد جمع الشيطان حزبه فاستجلب خيله ورجله وطاغوته وجبته ومن أطاعه ودان له ليعود له ذنبه (4) ! ! ! ولله ما أنكروا علي منكرا بيني وبينهم نصفا وإنهم ليطلبون - بزعمهم - حقا هم أضاعوه ودما هم سفكوه (5) ولئن كنت شاركتهم فيه - كما زعموا - [ ف‍ ] إن لهم نصيبهم منه.

 ولئن كانوا ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم وإن دهواهم [ ل‍ ] على أنفسهم ! ! !.

 ما أعتذر مما فعلت ولا أتبرأ مما صنعت، وإن معي لبصيرتي ما لبست علي وإنها للفئة


(1) الوادة - على زنة سحابة - اللين.

 الرخصة.

 (2) ذكر ياقوت في مادة " دف " من كتاب معجم البلدان ما لفظه: " دف " موضع في جمدان من نواحي المدينة من ناحية عسفان.

 دذكر يوسف بن حاتم الشامي من أعلام القرن السابع قبيل وقعة الجمل من كتابه: الدر النظيم الورق 114 / / مالفظفة: [ و ] كتبت عائشة بنت أبي بكر زوج رسول الله صلى الله عليه وآله [ سلم ] إلى حفصة بنت عمر زوج رسول الله صلى الله عليه وآله: سلام عليك أما بعد فإني أخبرك أن علي بن أبي طالب نزل بالدقاقة والله داقه بها ؟ فهو بمنزلة الاشقر، إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر والسلام ! ! ! (3) هذا هو الصواب وفي النسخة: فولي نصره ونصرته.

 (4) كذا في أصلي: وفي المختار: (92) من نهج السعادة: وإن السيطان قد ذمر لهما حزبه واستجلب منهما خيله ورجله ليعيد الجور إلى أوطانه، ويرد الباطل إلى نصابه.

 (5) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: " وإنهم ليطلبون حقا بزعمهم وهم أضاعوه... 


[ 325 ]

الباغية قد طارت / 53 / ب / أمها هبلتها (1) ومنعت درتها فهم يرضعون أما فطمت [ ويحيون بدعة قد أميتت ] (2) ! والله لو قيل له: ما الذي أنكرت ؟ وإلى ما أجتب ؟ ومن دعاك ؟ وما إمامك وما سنته ؟ لزاح والله الباطل عن مقامه ولانقطع لسانه ولرآى الطريق واضحا.

 وما أناب من قتلوه، وما تاب من خطئته ! وما اعتذر إليهم فعذروه ؟ ولاحين دعاهم قصروه (4).

 وأيم الله الذي لاإله إلا هو لافرطن لهم حوضا [ أنا ماتحه ] لا يصدرون عنه ولا يلقون بعده [ ريا ] أبدا (5) وإني لطبت نفسا بحجة الله عليهم وعلمه فيهم (6) وإني داعيهم ومعذر إليهم فإن تابوا وأقبلوا [ التوبة ] مقبولة، وإن أبوا أعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من مبطل وناصرا لمؤمن (7) ومع كل صحيفة شاهد وشاهدها (8).

 والله الذي لاإله إلا هو إن الزير وطلحة وعائشة ليعلمون أني محق وأنهم مبطلون ! ! !


(1) كذا في أصلي، ولعل الصواب: " قد طالت أمها هبلتها " والهبلة: الثكل.

 وفي المختار: " 93 " من نهج السعادة: ج 1، ص 303 ط 2: (وإنها للفئة الباغية فيها اللحم واللحمة ؟ وقد طالت هينتها [ هلبتها " خ " ] وأمكنت درتها، يرضعون أما فطمت ويحيون بيعة تركت...).

 (2) جملة: " فهم يرضعون أما فطمت " رسم خطها غير واضح من أصلي.

 (3) كذا في أصلي، وفي المختار: " 92 " من كتاب نهج السعادة: ج 1، ص 330 ط 2: (يا خيبة الداعي إلى م دعا ؟ وبماذا أجيب ؟).

 وفي المختار: " 93 " من نهج السعادة: ج 1، ص 303: " فياخيبة للداعي ومن دعا ؟ لو قيل لته: إلى من دعوتك ؟ وإلى من أجبت ؟ ومن إمامك وما سنته ؟ إذا لزاح الباطل عن مقله، ولصمت لسانه فما نطق ! ! ".

 (4) وينبغي التأمل في هذه الجمل حق التأمل.

 (5) ما بين المعقوفات مأخوذ من المختار الاشر من نهج البلاغة، والمختار: " 93 " من نهج السعادة: ج 1، ص 304 ط 2.

 (6) وفي المختار: " 22 " من نهج البلاغة: وإني لراض بحجة الله عليهم وعلمه فيهم... (7) هذا هو الطاهر، وفي أصلي: وكفى به شافيا من مبطل، ومن ناصر لمؤمن... (8) كذا في أصلي، وهذه الفقرة ما وجدتها في سائر المصادر.