[ 326 ]
وأيم الله ليقرعن من ندم سنا هيهات وأنى لهم التناوش من مكان بعيد (1) وقد علقت الرهون عند [ ما ] برئ الله منهم (2) يوم لا ينطقون ولا يوذن لهم فيعتذرون (3) وخطب عليه السلام ليلة الهرير واقفا على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني قد رأيت جولتكم واحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الجفاة الطغام وأعراب أهل الشام وأنتم لهاميم العرب والسنام الاعظم وعمار الليل بتلاوة القرآن (4) وأهل دعوة الحق إذ ضل عنها الخطؤن فلو لا إقبالكم بعد إدباركم وكرتكم بعد انحيازكم لوجب عليكم ما أوجب [ الله ] على المولي [ دبره ] يوم الزحف وكنتم من الهلكين (5).
ولقد شفى وحاوح صدري إذ رأيتكم بأخرة تحوزونهم كما حازوكم وقد أزلتموهم كما أزالكم تحسونهم بالسيوف يركب أولاهم أخراهم كالابل المطرودة الهيم (6) فالآن فاصبروا ينزل عليكم السكينة ويثبتكم ربكم باليقين (7) وليعلمن الفار منكم أن الفرار لا يزيد في عمره ولا يرضى ربه عنه بل في الفرار سلب العز وذل المحيا والممات وموجدة الرب.
وقال صعصعة بن صوحان: خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بذي قار معتما / 54 / أ / بعمامة سوداء متلففا بكساء - أو قال: بساج (8) - فقال - بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم -: أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب [ ثم قال ]:
اقتباس من الآية: " 52 " من سورة السبأ: 34.
(2) كذا في أصلي، وجملتا: " وقد علقت الرهون عندما برئ الله منهم " لم أجدهما في غير هذا الكتاب.
(3) اقتباس من الآية: " 36 " من سورة: والمرسلات: 77.
(4) هذا هو الظاهر الموافق للمختار: " 209 " من نهج السعادة ج 2، ص 205 ط 1، وفي أصلي تصحيف.
(5) اقتباس أو إشارة إلى الآية: " 16 " من سورة الانفال: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا فقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).
(6) وبعد في المختار: " 105 " من نهج البلاغة: ترمى عن حياضها، وتذاد عن مواردها... قال ابن الاثير: الوحاوح: جمع الوحوح: انقباض النفس وتقلصها من الغيظ.
وتحسونهم: تهيجونهم.
والابل الهيم: الابل التي لا تروى من الماء لاصابتها بداء الهيام.
والمفرد: الاهيم.
والؤنث: الهيماء.
(7) لفظه: (ويثبتكم) رسم خطها غير واضح في أصلي، وفي كتاب صفين: " وثبتكم الله باليقينن ".
(8) وهذه الخطبة رواها أبو مخنف عن زيد بن صوحان، قال: شاهد عليا ب " ذي قار " وهو معتم بعمامة =
[ 327 ]
الحمد لله كثيرا على كل حال بالغدو والآصال (1) وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله بعثه رحمة لعباده وحياة لبلاده [ حين ] امتلأت الارض ضلالة وفتنا وعبد الشيطان في أكنافها واستولى عدو الله [ إبليس ] على أهلها فكان مما أطفأ لله به نزانها وأخمد به شرارها ونزع به أوتادها محمد بن عبد الله رسوله إمام الهدى والنبي الصطفى.
(2).
ثم إني يعلم الله أني قد كنت كارها للحكومة بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى أكرهتموني عليها ودخلت منزلي فاستخرجتموني وقبضت يدي فبسطتموها وتداككتم علي كتداك الابل الهيم عند ورودها حتى حسبت أن تقتلوني [ أ ] ويقتل بعضكم بعضا (3) فخفت أن لا يسعني ردكم حتى اجتمع [ علي ] ملؤكم فبايعوني طائعين غير مكرهين ثم خالفني منكم مخالفون ونكث ناكثون على غير حدث ولا جور في حكم الله [ الذي ] حكمت به فحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين.
وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من وال من أمتي إلا ويجئ يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه على رؤس الخلائق ثم ينشر كتابه فتقرأ الملائكة سيرته فإن كان عادلا نجا، وإن كان جائرا هوى ثم ينتقض به الصراط إلى الدرك الاسفل من النار (4).
= سوداء، ملتف يساج... والخطبة أوردناها في المختار: (92) من نهج السعادة: ج 1، ص 296 ط 2.
الساج الطيلسان الواسع المدور.
وقيل: هو الطيليان الاخضر.
وقيل: الاسود.
أو الضخم الغليظ.
أو المقور ينسج كذلك.
ويطلق على الكساء المربع مجازا.
(1) وفي المختار: " 92 " من نهج السعادة: ج 1، ص 296: (الحمد لله على كل أمر وحال، في الغدو والآصال...).
(2) وفي نهج السعادة: فكان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي أطفأ الله به نزانها، وأمحد به شرارها ونزع به أوتادها، إمام الهدى والنبي المصطفى صلى الله عليه وآله... وليراجع ما بعده فإن فيه زيادات غير موجودة في جواهر المطالب هذا.
(3) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: ثم إني يعلم الله أني كنت جارها... حتى حسبت أن تقتلوني ويقتل بعضكم بعضا... وفي نهج السعادة: وقد علم الله سبحانه أني كنت كارها للحكومة بين أمة محمد صلى الله عليه وآله... (4) لعل هذا هو الصواب، وفي أصلي بعد كلمة: " الصراط " لفظة غير مقروءة.
وفي نهج السعادة: ولقد سمعته يقول: " ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أتي يوم القيامة =
[ 328 ]
فإن أنتم معاشر أمة محمد سمعتم قولي وأطعتم أمري أقمتكم على المحجة البيضاء من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإن أبيتم عاقبتكم بسيفي هذا حتى يحكم الله بيني وبينكم وهو خير الحاكمين.
وخطب عليه السلام [ خطبته المعروفة بالديباج ] فقال: الحمد لله فاطر الخلق وفالق الاصباح ومحيي الموتى وباعث من في القبور.
وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإن أفضل ما / 54 / ب / توسل به المتوسلون الايمان بالله [ وبرسوله ] والجهاد في سبيله [ وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة ] (1) وإقامة الصلاة فإنها الملة وإيتاء الزكاة فإنها الفريضة وصوم [ شهر ] رمضان [ فإنه ] جنة من عذابه، وحج البيت فإنه منفاة لفقر ومدحظة للذنوب، وصلة الرحم [ فإنها مثراة في المال ومنسأة في الاجل وصنع المعروف فإنه ] يدفع ميتة السوء ويقي مصارع الهوان (2) وصدقة السر فإنها تكفر الخطايا وتطفئ غضب الرب.
أفيضوا في ذكر الله فإنه أحسن الذكر وارغبوا فيما وعد المتقون فإن وعد الله أصدق الوعد واقتدوا بهدى محمد صلى عليه [ وآله ] وسلم فإنه أحسن الهدي واستنوا بسنته فإنها أعظم السنن (3) وتلموا القرآن فإنه أحسن الحديث واستضفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) [ 203 / الاعراف: 7 ] [ وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم به لعلكم تهتدون ف ] إن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الذي لا يستفيق عن جهله (4) بل الحجة
= مغلولة يداه إلى عنقه على رؤس الخلائق ثم ينشر كتابه فإن كان عادلا نجا، وإن كان جائرا هوى ".
(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (108) من نهج البلاغة، والمختار: (274) من القسم الاول من خطب نهج السعادة: ج 2 ص 424، والمختار: (56) من القسم الثاني منه: ج 3 ص 210 ط 1.
(2) ومثله في المختار: (108) من نهج البلاغة ولكن بمغايرة في بعض الكلمات، وما بين المعقوفات مأخوذ منه ومن نهج السعادة، وقريب منه أيضا جاء في كتاب تحف العقول.
(3) وفي نهج البلاغة: واستنوا بسنته فإنها أفضل السنن... وفي نهج السعادة: واستسنوا بسنته فإنها أفضل السنن... (4) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج السعادة، وفي نهج البلاغة: فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم وهو عند الله ألوم...
[ 329 ]
عليه أعظم [ وهو عند الله ألوم ] (1) والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه منها على هذا الجاهل المتحير في جهله وكلاهما حائر بائر حضل مثبور (2).
ألا لا ترخصوا لانفسكم في ترك الحق فتدهنوا وتخسروا (3).
إن من الحزم أن تفقهوا وإن من الفقه أن لا تغتروا (4) وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه وإن أغشكم لنفسه أعصاكم لربه من يطع الله يأمن ويستبشر ومن يعصه يخف ويندم.
سلوا الله حسن اليقين وارغبوا إليه في العقبة.
إن أفضل الامر عزائمها وإن شرارها محدثاتها (5) وكل محدثة بدعة وما أحدث محدث بدعة [ إلا ترك بها سنة ] (6).
المغبون من غبن دينه والمغبوط من حسن يقينه.
إياكم ومجالسة [ أهل اللهو ] فإنها تزيغ القلوب وتنسي القرآن وتدعو إلى كل عجز (7).
و [ إياكم ] ومجالسة النساء ومحادثتهن فإنها تزيغ القلوب وهي [ من ] أعظم مصائد الشيطان.
ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق وجانبوا الكذب فإنه مجانب للإيمان.
ألا وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة وإن الكاذب على شفاء هلكة وهوان.
(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من كتاب نهج البلاغة وتحف العقول.
(2) رسم الخط في أصلي في قوله: (بائر مضل مثبور) غير واضح.
وفي تحف العقول: " وكلاهما حائر بائر، مضل مفتون، مبتئر ما هم فيه، وباطل ما كانوا يعملون ".
بائر: هالك.
ومبتور: منقطع الخير.
ومثبور: ملعون.
(3) هذا هو الظاهر المذكور في كتاب تحف العول، وفي أصلي: " فتذهبوا ".
وفي نهج السعادة: ولا ترخصوا لانفسكم فتذهلوا، ولا تذهلوا في الحق فتخسروا ؟.
(4) وفي نهج السعادة: ج 2 ص 427 ط 1: ألا وإن من الحزم أن تثقوا، ومن الثقة أن لا تغتروا... (5) وفي المختار: " 274 " من نهج السعادة: إن عوازم الامور أفضلها، وإن محدثاتها شرارها... (6) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: المتقدم الذكر من نهج السعادة، والسياق أيضا يستدعيه.
(7) كذا في أصلي، وفي نهج السعادة: ومجالس اللهو تنسي القرآن ويحضرها الشيطان، وتدعو إلى كل غي...
[ 330 ]
ألا قولوا الحق تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله، [ و ] أدوا الامانة / 55 / أ / إلى من ائتمنكم عليها وصلوا أرحام من قطعكم وعودوا بالفضل على من حرمكم وإذا عاهدتم ففوا وإذا حكمتم فاعدلوا (1).
ولا تفاخروا بالآباء ولا تنابزوا بالالقاب ولا تمادحوا ولا تمازحوا ولا تباغضوا (2).
وأفشوا السلام في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها وارحموا الارملة واليتيم وأعينوا الضعيف والمظلوم وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان.
ألا [ و ] إن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع وإن الآخرة قد أقبلت باطلاع.
ألا [ و ] إن المضمار اليوم والسباق غذا ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار.
ألا إنكم في أيام مهل ومن ورائه أجل يحثه عجل فمن عمل في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله (3).
ألا وإن الامل يسهي العقل ويورث الحسرة ألا فأعرضوا عن الامل كأشد ما أنتم عن شئ معرضون فإن غرور وصاحبه مغرور (4).
وافزعوا إلى دينكم والكجد في أمركم فإني لم أر مثل الجنة نام طالبها ولا مثل النار نام هاربها.
وتزودوا في الدنيا ما تحرزون به أنفسكم واعملوا الخير تجزوا بالخير يوم يفوز ابالخير
(1) هذا هو الظاهر الموافق لما في نهج السعادة - غير أن فيه: وإذا عاهدتم فأوفوا -.
وفي أصلي: وصلوا أرحامكم من قطعكم ؟.
(2) كذا في أصلي: وفي تحف العقول: ولا تباذخوا ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ؟.
أقول: ولعل ما في أصلي من لفظة: " ولا تمادحوا " محرفة عن قول: " ولا تباذخوا ".
(3) كذا في أصلي، وفي نهج السعادة: ألا وإنكم في أيام مهل من ورائها أجل يحثه عجل ؟ فمن أخلص لله عمله في أسام مهلة قبل حضور أجله فقد أحسن عمله ونال أمله، ومن قصر عن ذلك فقد خسر عمله وخاب أمله وضره أمله ؟.
ثم إن من قوله: " وإن الدنيا قد أدبرت " إلى قوله: " يفوز بالخير من قدمه " جاء بمغايرة في بعض ألفاظه في المختار: " 28 " من نهج البلاغة.
(4) كذا في أصلي، غير أن قبل قوله: (مغرور) كانت لفظه: (معنى ؟) وأيضا كان فيه: (عارضون ؟).
وفي المختار: " 56 ب " من القسم الثاني من خطب نهج السعادة: ج 3 ص 218: " فأكذبوا الامل.. ".
[ 331 ]
من قدمه (1) والسلام.
وخطب كرم الله وجهه وقد استنفر أهل الكوفة مرة بعد مرة [ فلم ينفروا ] فقال: وإني قد استنفرتكن فلم تنفروا ونصحت لكم فلم تقبلوا وأسمعتكم فلم تعوا فأنتم شهود كغياب وصم ذو [ و ] أسماع أتلو عليكم الحكمة وأعظكم [ ب ] المواعظ النافعة وأحثكم على جهاد الفئة الباغية فا آتي على آخر قولي حتى [ أراكم متفرقين أيادي سبا ترجعون إلى مجالسكم وتتخادعون عن مواعظكم ] تضربو [ ن ] الامثال وتناشدن [ ن ] الاشعار وتسألو [ ن ] عن الاسعار تربت أيديكم (2) قد نسيتم الحرب والاستعداد لها وأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها وشغلتموها بالاباطيل والاضاليل ! ! ! ويحكم اغزوا عدوكم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم قط في عقر دورهم إلا ذلوا.
وأيم الله ما أظن أن تفعلوا حتى يفعلوا ووددت أني [ لقيتهم على نيتي ] وبصيرتي [ فاسترحت ] جمعت من جانب انتشرت من [ الجانب ] الآخر ألا ليس يرجوكم الراجي ! ! ! وأيم الله إنكم لو قد رأيتم الموت لانفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها (4).
فقام الاشعث بن قيس [ فقال: ] فهلا [ فعلت ] كما فعل عثمان يا أيا أمير المؤمنين ؟ فقال [ عليه السلام ]: إن الذي فعل عثمان لمخزاة لمن لا بصيرة له (5) وأنا على بينة من ربي
(1) كذا في نهج السعادة، وفي أصلي: " تجزواخير ؟ يوم يفوز بالخير من قدمه ".
وبعده في نهج السعادة: ج 3 ص 221 زيادة: " أول قولي وأستغفر الله لي ولكم ".
(2) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (95) من نهج البلاغة.
وقريبا منه ما رويناه أيضا في المختار: " 308 " من كتاب نهج السعادة: ج 2 ص 526 ط 1.
وقوله عليه السلام: " تربت أيديكم " دعاء لهم بالخيبة في آمالهم.
(3) لعل هذا هو الصواب، وفي أصلي: (وددت أني بصرت إلى الراحة من مقاساتكم ومراسكم ؟).
وما وضعناه بين المعقوفات أخذناه من المختار المتقدم الذكر من نهج السعادة.
(4) كذا في أصلي، وفي المختار: (97) من نهج البلاغة: والله لكأني بكم فيما إخالكم أن لو حمس الوغى وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابنأبي طالب انفراج المرأة عن قبلها، وإني لعلى بينة من ربي... وقريب منه جاء أيضا في المختار: " 34 " من نهج البلاغة.
(5) المخزاة: الخزي وهو الذل والهوان.
ما يبعث على الخزي.
[ 332 ]
ويقين، وعهد من نبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وكلا والله إن امرأ مكن من نفسه عدوه فهشم عظمه وفرى جلده لعظيم عجزه ضعيف ما ضمت الاحشاء من صدره أنت فكن ذاك إن شئت فأما أنا فوالله لاعطين دون ذلك ضربا بالشرفي يطير له فراش الهام والله يفعل ما يشاء (1).
وخطب عليه السلام عند استنفاره الناس لحرب معاوية فقال: الحمد لله رب العالمين أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحمد إليكم الله الذي لاإله إلا هو، أول كل شئ وآخره ومبدئ كل شئ ومعيده، كل شئ خاشع له، وكل شئ قائم به، وكل شئ ضارع إليه (2) وكل شئ مشفق منه.
خشعت له الاصوات وقامت بأمره [ الارض و ] السماوات (3) وضلت دونه الاعلام وكلت دونه الابصار (4) سبحانه ما أعظم شأنه وأجل سلطانه أمره قضاء وكلامه نور ورضاه رحمة وسخطه عذاب.
واسع المغفرة شديد النقمة قريب الرحمة.
غنى كل فقير وعز كل ذليل وقوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف.
يعلم ما تكن الصدور وما تخون العيون وما في قعر البحور وما ترخى عليه الستور (5) الرحيم بخلقه الرؤف بعباده على غنائه عنهم وفقرهم إله.
من تكلم سمع كلامه ومن سكت علم ما في نفسه ومن عاش منهم فعليه رزقه، ومن مات منهم فإليه مصيره (6).
(1) وفي المختار: " 34 " من نهج البلاغة: فأما أنا فوالله دون أعط ذلك، ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والاقدام، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء.
(2) أي خاضه، يقال: ضرع فلان إلى فلان - على زنة منع وبابه -: خضع وتذلل له.
(3) ما بين المقوفين زيادة يقتضيها سياق الكلام.
(4) ضلت فقدت.
والاعلام: جمع علم - على زنة قلم -: العلامة التي تنصب في البراري والجبال لاهتداء التائهين.
المنار.
الجبل الشاهق.
وكلت: عييت ووقفت.
والابصار: جمع بصر.
(5) ما تكن الصدور: ما تحفظه وتخفيه.
وترخى عليه الستور: تعلق عليه، كيلا يراه من يكره رؤيته له.
والكلام مقتبس معنى عن قوله تعالى في الآية: (19) من سورة غافر: (يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور).
(6) وفي المختار: (105) من نهج البلاغة: من تكلم سمه نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه.
[ 333 ]
أحمده على ما يأخذ ويعطي وعلى ما يبلي ويولي (1) وعلى ما يميت ويحيي حمدا يكون أرضى الحمد له، وأحب الحمد إليه وأفضل الحمد عنده، حمدا يفضل حمد من مضى ويغرق حمد من بقي (2).
سبحانك اللهم ما أعظم ما يرى من خلقك، وما أصغر عظيمه في قدرتك (3)، وما أعظم ما نرى من ملكوت، وما أحقر ذلك فيما غاب عنا من ملك، وما أسبغ نعمك في الدنيا، وما أحقرها / 55 / ب / في جنب ما ينعم به في الآخرة، وما عسى أن يرى من قدرتك وسلطانك في قدر ما غاب عنا من ذلك، وقصرت أبصارنا عنه ووقفت عقولنا دونه.
فمن أعمل طرفه وقرع سمعه وأعمل فكره كيف خلقت خلقك وكيف أقمت عرشك، وكيف علقت سماواتك في الهوى وكيف مددت أرضك رجع طرفه حسيرا وعقله والها وسمعه مبهورا وفكره متحيرا، وكيف يطلب علم ما قبل ذلك من شأنك إذا أنت في الغيوب ولم يكن فيها غيرك ولم يكن لها سوالك (4).
لم يشهدك أحد حيث فطرت الخلق وذرأت النفس (5) [ و ] كيف لا يعظم شأنك عند من عرفك وهو يرى من عظيم خلقك ما يملؤ قلبه ويذهل عقله، من رعد يقرع القلوب وبرق يخطف العيون ؟ ! سبحانك خالقا معبودا وسبحانك بحسن بلائك عند خلقك محمودا، وسبحانك جعلت دارا وجعلت [ فيها ] مائدة مطعما وشرابا (6) وأزواجا وخدما، وقصورا * (هامش) (1) على ما يبلي: أي على ما يختبرهم بصنعه الجميل.
وعلى ما يوالي: أي على ما يسديه ويصنعه بنا بلطفه الخفي.
(2) أي يستوعب حمد من بقي كاستيعاب الماء ما يغرقه.
وفي أصلي: (ويعرف حمد من بقي).
(3) وفي المختار المتقدم الذكر من نهج البلاغة: سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك، وما أصغر عظمه في جنب قدرتك، وما أو هل ما نرى من ملكوتك، وما أحقر ذلك فيما غاب عنا من سلطانك، وا أسبغ نعمك في الدنيا، وما أصغرها في نعم الآخرة... (4) الطرف - كفلس -: البصر.
وحيرا: كليلا.
والها: متحيرا.
ومبهورا: منقطعا معييا لا يسمع شيئا.
وفي خطبته عليه السلام الغراء: وكيف يطلب علم ما قبل ذلك من سلطانك إذ أنت وحدك في الغيوب... (5) ذرأت: برأت وأنشأت.
وهاهنا في أصلي تصحيف.
(6) وقريب منه جدا يأتي في أواخر الخطبة الموسومة ب " الزهراء " في آخر هذا الباب في =
[ 334 ]
وعيونا، ثم أرسلت داعيا يدعو إليها فلا الداعي أجابوا ولا فيما رغبته رغبوا ولا إلى ما شوقب اشتاقوا، أقبلوا على جيفة يأكلون ولا يشبعون (1) افتضحوا بأكلها واصطلحو على حبها وأعمت أبصار صالحي زمانها في قلوب فقهائهم من عشقها أغشى حبها بصره وأمرض قلبه وأماتت لبه (2) فهو عبد لها وعبد لمن في يده شئ منها، حيثما زالت الدنيا زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل عليها، لا ينزجر من الله يزاجر ولا يتعظ بموعظة.
فسبحان الله كيف إذا فجأهم الامور ونزل به المقدور وفارقوا الديار وصاروا إلى القبور وخسروا دار [ أ ] بانت لهم بها دواهي الامور فلعم كل عبد منهم أنه كان مغرورا مخدوعا (3) [ ف ] اجتمعت عليهم خلتان: سكرة الموت وحسرة الفوت فاغبرت لها وجوههم وتغيرت لها ألوانهم وفترت لها أطرافهم (4) وحركوا لمخرج أو رواحهم أيديهم وعرقت لها جباههم ثم ازداد الموت فيهم فحيل بينهم وبين منطقهم وإنهم ليديرون أبصارهم في أهليهم (5) بنظر يبصرونه وسمع يسمعونه على صحة من عقولهم قد منعو من الكلام وغابت منهم الاحلام / 56 / أ / وقد أجالوا الافكار فيما أفنوه من الاعمار وتحسروا على أموال جمعوها، (6) وحقوق منعوها [ وقد ] أغمضوا في طلبها فلزمهم وبالها حين أشرفوا على فراقها، وخلفوها لوراثها فكان المهنأ لغيرهم (7) وحسابها عليهم قد علقت [ بها ]
= الورق 62 / أ / أو ص 300.
وفي المختار: " 107 " من نهج البلاغة: سبحانك خالقا ومعبودا بحسن بلائك عند خلقك، خلقت دارا وجعلت فيها مأدبة مشربا ومطعما وأزواجا وخدما وقصورا وأنهارا، وزروعا وثمارا... (1) كذا في أصلي، والجيفة: الجثة المنتنة من الميت.
واصطلحوا على حبها اتفقوا وتعاهدوا على حبها.
واللب: العقل.
(2) وفي نهج البلاغة: أبلوا على جيفة قد افتضحوا بأكلها، واصطلحوا على حبها.
ومن عشق شيئا أعشى بصره، وأمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله وأماتت الدنيا قلبه، وولهت عليها نفسه، فهو عبد لها ولمن في يديه شئ منها حيثما زالت زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل عليها، لا ينزجر من الله بزاجر، ولا يعظ منه بواعظ... (3) لعل هذا هو الصواب، وفي أصلي: ففارقوا الديار، وصاروا إلى القبور، وأحسرواد ؟ بانت لهم بها دواهي الامور ؟... (4) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: " وفرت لها أطرافهم " ؟... (5) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: " فجعل بينهم ".
(6) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: وتحشروا على أموال جمعوها... (7) كلمة: " المهنأ " رسم خطها غير واضح في أصلي، ويساعد على أن يقرأ: (فكان النئ لغيرهم) وفي المختار: (107) من نهج البلاغة: " فيكون المهنأ لغيره والعبؤ على ظهره ".
[ 335 ]
رهونهم فهم يعضون الايدي حسرة وندامة على [ ما ] جمعوا (1) وأسفو على ما فرطوا، وزهذوا فيما كانوا فيه راغبين [ فتمنوا أن ] الذي كانوا يغبطون به ويحسدون عليه لم يكن (2).
ثم لم يزل الموت بالمرء يزيده ويبالغ في جسده حتى خالط سمعه فصار بين أهله لا ينطق بلسانه، ولا يسمع بسمعه، ويردد طرفه في النظر في وجه أهله وأحبابه، يرى حرحكات ألسنتهم ولا يسمع كلامهم، وما زال الموت يزيده حتى خال عقله وصار لا يعقل بعقله ولا يسمع بسمعه ولا نيطق بلسانه، ثم زاده الموت حتى خالط بصره فذهب من الدنيا معرفته، وهملت عند ذلك حجته (3) فاجتنعت عليه خلتان: سكرد الموت وحسر الفوت، فمازال كذلك حتى بلغت الروح الحلقوم، ثم زاده الموت حتى خرج الروح من جسده (4) فصار جيفة بين أهله، قد أوحشوا من جانبه [ وتباعدوا من قربه ] لا يسعد باكيا ولا يجيت داعيا (5) ثم أخذوا في غسله فنزعوا عنه ثياب أهل الدنيا ثم كفنوه فلم يوزروه (6) ثم ألبسوه قميصا لم يكفؤوا عليه أسفله ولم يزروه (7) ثم حملوه حتى أتوا به قبره فأدخلوه ثم انصرفوا عنه، وخلوه بمفظعات الامور (8) مع ظلمة القبر وضيقه ووحشته، فذلك مثواه حتى يبلى جسده ويصير رفاتا ورميما، حتى إذا بلغ الامر إلى مقاديره وألق آخر الخلق بأوله، وجاء من الله وأمره ما يريد [ ه ] من أعادته وتجديد خلقه أمر بصوت من سماواته، أما السماوات ففتقها وفطرها (9) وأفزع من فيها، وبقي ملائكتها قائمة
(1) ما بين المعقوفين زيادة منا لتصحيح الكلام، ولفظه: " جمعوا " رسم خطها غامض في أصلي.
(2) هذا هو الظاهر، وفي لفظ أصلي غموض.
(3) لعل هذا هنو الصواب، ورسم الخط في قوله: (وهملت) في أصلي غير واضح، وكأنه يقرأ: " هتكت - أو - همكت " وهملت: أهملت.
(4) هذا هو الظاهر، وفي + صلي: " حتى أخرج الروح من جسده... ".
والجيفة: المنتنة من جسد ذي روح خرج الروح منه.
(5) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: " 107 " من نهج البلاغة.
(6) كذا في أصلي، وقوله: فلم يوزروه: لم يلبسوه الوزرة.
(7) ولم يزروه: لم يجعلوا له زرا يجمعه عليه وحيفظه.
(8) الباء في قوله: " بمفظعات الامور " بمعنى إلى.
والرفاة - بضم الراء -: المنكسر البالي.
والرميم: البالي.
(9) فتقها: شقها وفصل بعضها من بعض.
ونطر الشئ: شقها.
[ 336 ]
على أرجائها (1).
ثم وصل الامر إلى الرضين، والخلق لا يشعرون، فرج أرضهم وأجفها بهم وزلزلها عليهم وقلع أجبالها من أصولها ونسفها وسيرها ودك بعضها بعضا من هيبة جلاله (2) ثم كانت كالعهن المنفوش قد دكت هي وأرضها دكة واحدة (3) وأخرج من فيها / 56 / ب / وجددهم بعد إبلائهم وجمعهم بعد تفرقهم لما يريد من توقيفهم ومسألتهم عن الاعمال (4) فمن أحسن منهم يجزيه بأعماله وإحسانه، ومن أساء منهم يجزيه بإساءته (5) ثم ميزهم فجعلهم فريقين: فريقا في ثوابه وفريقا في عقابه.
ثم خلد الامر لابده، دائم خيره مع المطيعين وشره مع العاصين (6) وأثاب أهل الطاعة بجواره والخلود في داره وعيش رغد وخلود دائم (7) ومجاورة رب كريم ومرافقة محمد صلى اله عليه [ وآله ] وسلم حيث لا يظعن النازل ؟ ولا يتغير بهم الحال، ولا يصيبهم الافزاع، ولا تنوبهم الفجائع ولا يمسهم الاسقام والاخزان.
فأما أهل المعصية فخلدهم في النار، وقد غلت منهم الايدي إلى الاعناق (8)، وقرن منهم النواصي بالاقدام وألبست الابدان سربيل القطران، وقطعت لهم مقطعات النيران، في عذاب حديد، يريد ولا يبيد، ولا مدة للدار فتفنى ولا أجل للقوم فيقضى (9).
(1) الارجاء: جمع الرجاء - مقصورا وممدودا -: النواحي والاطراف.
(2) وفي المختار: " 107 " من نهج البلاغة: أماد السماء وفطرها، وارج الارض وأرجفها، وقلع جبالها ونسفها، ودك بعضها بعضا من هيبة جلالته ومخوف سطوته.
قوله عليه السلام: ورج أرضها: حركها وهزها. وأرجفها: زلزلها وحركها شديدا. ونسفها: قلعها. غربلها. فرقها.
(3) دك بعضها بعضا هدم بعضها بعضا. كبسه. دفعه. والعهن بكسر العين فسون الهاء: الصوف. والمنفوش: المشعث المتفرق.
(4) أي عن عمالهم. والابلاء: كون الشئ باليا.
(5) لفظة: " يجزيه " يفي الموردين من أصلي رسم الخطها غير جلي في أصلي، وربما يقرآن: " جزي ".
(6) المراد من الشر - هاهنا وأمثاله -: ملا يلائم العاصين، ويراد منه مجازاتهم على أعمالهم.
(7) العيش الرغد: العيش المتسع الطيب الخصيب.
(8) وفي المختار: " 107 " من نهج البلاغة: وأما أهل المعصية فأنزلهم شر دار وغل الايدي إلى الاعناق... (9) فيقضى: ينقضي وينتهي أمده.
والسلام مقتبس معنى من قوله تعالى في الآية: " 36 " من سورة فاطر: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخف عنهم من عذابها).
[ 337 ]
فهل سمعتم بمثل هذا الثواب والعقاب ؟ ما للناس من هول نام طالبه وأدركه هاربه أو سها عن ذكره ؟ أو تشاعل عنه بغيره ؟ تشاغل أهل الدنيا بدنياهم وتشاغل أهل الآخرة بأخراهم.
فأما أهل الدنيا فأتعبوا آبدانهم ودنسوا أعراضهم وخرجوا [ عن ] ديارهم في طاعة مخلوق مثلهم، تعبدوا له وطلبوا ما في يده وأذعنوا له ووطؤا عقبه، فصار أحدهم يرجو عبدا مثله، لا يرجو الله وحده.
وأما صاحب الطاعة (1) فاتبع أثر نييه صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وسلك مناهجه وكان له فيه أسوة حسنة، استن بسنته حين حقر الدنيا وصغرها، فقد كان يركب الحمار ويردف خلفه، وأكل على الارض ويجلس جلسة العبد ويجيب المملوك، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويكره الستر على بابه فيه التصاوير، ويقول: يا عائشة أخرجيه عني ! ! ! فمن استن بسنته واقبص أثره (2) وإلا فلا يأمنن هلكته.
الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أرسله رحمة وحجة ؟ فجلت ووصلت إلينا نعمه بنعمة أسبغها علينا، فبلغ رسالات ربه وناصح لامته منذرا وداعيا، فما أعظم النعمة علينا بمحمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم / 57 / وبه هدانا الله من الضلالة، واستنقذنا به من جمر [ ا ] ت النار (3) وبصرنا به من العمى وعلمنا به بعد الجهالة وأعزنا به في خلتنا (4) وكثرنا به في قلتنا (5) ورفع به خسيسنا ونحن بعد نرجو شفاعته، والله أوجب حقه علينا فرنا بالصلاة، فصلوا عليه، صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.
فلما فرغ من الصلوات قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد عظمت الله فلم تأل في تعظيمه، وحمدته فلم تأل في تحميده، وحثثت الامة وزهدت ورغبت (6).
فقال علي [ عليه السلام ]: نحن أصحاب رايات بدر، لا ينصرنا إلا مؤمن ولا
(1) المراد من صاحب الطاعة - هنا - هو شخص أمير المؤمنين عليه السلام.
(2) جواب الشرط محذوف أي فهو ناج.
والاقصاص: الاتباع.
(3) رسم الخط في أصلي في هذه الجمل غير واضح، هكذا: " واستعذنا به من حر النار... " (4) أي في حال فقرنا وحاجتنا.
والخلة - بفتح الخاء على زنة سلة -: الفقر والفاقة، والجمع خلل وخلال كجبل وجبال.
(5) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: " وكبرنا " بالموحدة التحتانية.
(6) هذا هو الظاهر وفي أصلي: وحمسنا لامة... ".
[ 338 ]
يخذلنا إلا منافق، من نصرنا نصره الله، ومن خذلنا خذله الله في الدنيا والآخرة، وقد عرفت أن أقواما بايعوني وفي قلوبهم الغدر ! ! ! ألا وإني لست أقاتل إلا مارقا يمرق من دينه [ أ ] وناكثا ببيعته يريد الملك لنفسه، يبيع دينه بفرض من الدنيا قليل، وإنما يقاتل معنا من أراد الآخرة وسعى لها سعيها.
ألا إن ولينا وناصرنا ينتظر في كل صباح ومساء النعمة من الله، إن عدونا وبغيضنا ينتظر السطوة من الله كل صباح ومساء، فليبشر ولينا بالارباح الوافرة (1)، والجنة العلية، ولينتظر عدونا النقمة في الدنيا والآخرة.
[ قال الراوي: ] فدخل يومئذ في طاعته بخطبته [ هذه ] اثنا عشر ألفا، مستبصرين في قتال من خالفه، ودخل عليه الاشعث بن قيس فخوفه بالموت ! ! ! فقال له - رضي الله عنه -: يا عاص أتخوفني بالموت ؟ والله ما أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت علي.
[ ثم قال: يا جارية هاتي الجامع - يريد سيفه وما ضامه (2) - وغمزها أي لا تأتي به ؟ ! فولى الاشعث وسمعت له قعقعة على الدرجة وهو ينزل ! ! !
(1) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: " فلينشر ولينا... ".
(2) جذا في أصلي، فإن صح فلعل معنى " ماضامه " ": ما ظلمه ؟ أي ما أراد عليه السلام من تقييد الاشعث وجعله مغلولا ظلما له لان الاشعث كان مستحقا لان يقيد بالجامعة والغل.
ثم الظاهر أن جملتي: " هاتي الجامع.
يريد سيفه " مصحفتان عن قول: " هاتي الجامعة يريد قيده " لان الجامعة هو الغل والقيد، فتفسيرها بالسيف غير صواب.
وروى الوزير الآبي رحمه الله في كلم أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب نثر الدر: ج 1، ص 225، طبعة مثر، قال: قال بعض قريض: أتيت الكوفة فتبوأت بها منزلا ثم خرجت أريد عليا عليه السلام، فلقيني في الطريق وهو بين الاشعث بن قيس، وجرير بن عبد الله، فلما رآني خرج من بينهما فسلم علي، فلما سكت قلت: يا أمير المؤمنين من هذان ؟ وما رأيهما ؟ فقال: أما هذا الاعور - يعني الاشعث - فإن اله لم يرفع شرفا إلا حسده، ولم يسن دينا إلا بغاه، وهو يمني نفسه ويخدعها، فهو بينهما لا يثق بواحدة منهما، ومن الله عليه أن جعله جبانا ولو كان شجاعا لقد قتله الحق بعد ! ! ! قال: فقلت له: يا أمير الملامنين لقد نزلت بشر منزل، ما أنت إلا بين الكلب والذئب ! ! ! قال: هو عملكم يا معشر قريش، والله ما خرجت منكم إلا أني خفت أن تلجوا بي فألج بكم ! ! وأما هذا الاكشف - يعني جريرا - عبد الجاهلية ؟ فهو يرى أن كل أحد يحقره، فهو ممتلئ بأوا ! ! ! وهو في ذلك يطلب جحرا يؤويه ومنصبا يغنيه، وهذا الاعور يغويه ويطغيه، إن حدثه كذبه، وإن قام دونه نكص عنه، فهما كالشيطان ؟ (إذ قال للانسان اكفر، فلما كفر قال: إني برئ منك، إني أخاف الله رب العالمين).
16 / الحشر.
[ 339 ]
[ ومن كلام له عليه السلام في البارئ جلت عظمته رواه أبو نعيم الحافظ في ترجمته عليه السلام من كتاب حلية الاولياء ج 1، ص 72 قال: ] حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن [ أحمد بن عبد الله بن ] الحارث حدثنا الفضل بن حباب الجمحي، محدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث بن سعد، عن محمد بن إسحاق (1).
عن النعمان بنسعد، قال: كنت بالكوفة بدار الامارة [ في ] دار علي رضي الله عنه إذ دخل عليه نوف بن عبد الله فقال: يا أمير المؤمنين [ إن ] بالباب أربعون رجلا من اليهود.
فقال علي: علي بهم [ فأذن لهم فدخلوا ] فلما وقفوا بين يديه قالوا: يا علي صف لنا ربك هذا الذي هو في السماء كيف هو وكيف كان ؟ / 57 / ب / وعلى أي شئ هو ؟ فاستوى علي جالسا وقال: يا معشر يهود اسمعوا مني ولا تسألوا أحدا غيري.
ثم قال [ عليه السلام ]: هو الاول قبل كل أول، كان قبل تكوين الاشياء، لا تدركه الابصار ولا تصوره الاوكار (2) جل أن يكيف المكيف المكيف الاشياء لم يزل ولا يزول باختلاف الازمان (3) ولا لتقلب شأن بعد شأن.
ليس شبح فيوصفى ولا محجوب فيحوى وكيف يوصف كما توصف الاشباح ؟ أو ينعت بالالسن الفصاح من لم يكن في الاشياء فيقال [ هو ] فيها كائن، ولم يبن عنها
(1) كذا في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاب حلية الاولياء غير ان ما وضع بين المعقوين أخذناه من ترجمة الرجل تحت الرقم: (194) من تاريخ نيسابور، ص 107 ط 1.
ولبرجمة الرجل مصادر كثيرة منها سير أعلام النبلاء: ج 17، ص 538.
وفي أصلي من جواهر المطالب هكذا: " وحدثنا أبو بكر ابن أحمد بن محمد بن الحارث، حدثنا الفضل بن حباب، حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث بن يزيد، عن محمد، عن ابن إسحاق... ".
(2) كذا في أصلي، وفي المختار: " 156 " من كتاب نهج السعادة: ج 1، ص 540 ط 2: " لا تدركه الابصار، ولا تحيط به الاقرار... ".
وفي المختار: 163 " من نهج البلاغة: لا تقدره الاوهام بالحدود والحركات، ولا بالجوارح والادوات... (3) هذا هو الظاهر، الموافق لما في المختار: " 156 " من نهج السعادة، وفي أصلي: (ولا يزول باخلاق الزمان).
[ 340 ]
فيقال: هو منها بائن (1) بل هو بلا كيفية وهو أقرب [ من عباده ] من حبل الوريد، وأبعد في الشبه من كل بعيد.
لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة ولا كرور لفظة، ولا يغشى عليه القمر المنير (4) ولا انبساط الشمس ذات النور بضوئها في الكرور والمرور ولا إقبال ليل مقبل ولا إدبار نهار مدبر إلا وهو محيط بما يريد من مكنونه، فهو العالم بكل مكان وكل حين وأوان وكل نهاية ومدة.
والابتداء على الخلق مضروب، والحد إلى غيره منسوب (5).
لم يخلق الاشياء من أصول أولية ولا بأوائل كانت قبله [ بية ] بل خلق ما خلق فأقام خلقه، وصور ما صور فأحسن صورته (6).
توحد في علوه فليس لشئ منه امتناع، ولا له بشئ من طاعة خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة والملائكة في السماوات والارض له مطيعة، علمه بالاموات البائدين كعلمه بالاحياء المتقلبين، علمه بما في السماوات العلى كعلمه بما في الارضين
(1) هذا هو الصواب، المذكور في مسند أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب جمع الجوامع - للسيوطي -: ج 2 ص 203 ط 1، غير أن ما بين المعقوفات زيادة توضيحية منا.
وفي أصلي: " من لم يكن في الاشياء فيقال: [ هو فيها ] كائن، ولم يبن منها فيقال: كائن ؟... ".
وفي المختار: " 156 " من نهج السعادة: " ليس بشبح فيرى ولا بجسم فيتجزى ولا بذي غاية فيتناها... ".
وفي المختار: (163) من نهج البلاغة: (لا شبح فيتقصى ولا محجوب فيحوى، لم يقرب من الاشياء بالتصاق، ولم يبعد عنها بافتراق).
(2) شخوص لظة: امتداد نظر العين بلا حركة جفن.
وكرور لفظة: تكررها وإعادتها مرة بعد أخرى.
وازدلاف ربوة: ارتفاعها وبروزها.
والربوة: التل.
(3) كذا في أصلي، والغسق - على زنة الشفق -: الظلمة.
والداج: المظلم.
(4) كذا في أصلي، وفي المختار: " 163 " من نهج البلاعة: (ولا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة ولا كرور لفظة، ولا ازدلاف ربوة، ولا انبساط خطوة في ليل داج، ولا غسق ساج، يتفيأ عليه القمر المنير، وتعقبه الشمس ذات النور، في اللافول والكرور وتقلب الازمنة والدهور...).
(5) وفي نهج البلاغة: " لم يخلق الاشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل أبدية، بل خلق ما خلق فأقام حده، وصور ما صور فأحسن صورته ".
[ 341 ]
السفلى (1) وعلمه بكل شئ، لا تحيره الاصوات ولا يشغله اللغات، سميع للاصوات مدبر بصير عالم بالامر حي قيوم سبحاه كلم الله موسى تكليما بلا جوارح ولا أدوات ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن تكيف الصفات، من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود (2) ومن فكر أن الاماكن تحيط به لزمته الحيرة والتخليط، وهو المحيط بكل مكان (3).
فإن كنت صادقا أيها المتكلف لوصف الرحمان بخلاف التنزيل والبرهان / 58 / أ / فصف لي جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، هيهات أتعجز عن وصف مخلوق مثلك، وتصف الخالق المعبود، وإنما يدرك وصف رب يدرك بكيف [ أو ] أدوات، لا من لا تأخذه سنة ونوم له ما في السماوات العلى والارضين السفلى وما بينهما وهو رب العرش العظيم.
[ قال أبو نعيم هذا حديث غريب من حديث النعمان بن سعد ] كذا رواه ابن إسحاق عنه [ مرسلا ] (4).
ومن خطبة [ له ] عليه السلام - ويقال: إنها أول خطبة خطبها [ أمير المؤمنين عليه السلام في أيام خلافته ] (5) حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس [ عليكم ب ] كتاب الله وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم (6).
وفي نهج البلاغة: " علمه بالاموات الماضين كعلمه بالاحياء الباقين، وعلمه بما في السماوات العلى كعلمه بما في الارضين السفلى ".
وبعد هذا في نهج البلاغة زيادا غير موجودة هاهنا.
(2) هذا هو الصواب الموافق لكتاب حلية الاولياء، وفي أصلي تصحيف.
(3) هذا هو الظاهر المذكور في أصلي، وفي حلية الاولياء: " ومن ذكر أن الأمان به تحيط.
".
(4) بعض ما وضعناه بين المعقوفات أخذناه من حلية الاولياء.
(5) القائل هو أبو عبيدة معمر بن المثنى الخارجي على ما رواه عنه الجاحظ، في كتاب البيان والتبيين: ج 2 ص 251، وفي 4: ج 3 ص 44.
وقريب منها تقدم في أواسط هذا الباب في الورق: / 53 / أ /.
(6) من قوله: (أيها الناس [ عليكم ب ] كتاب الله وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم) لا عهد لي بمجيئه في أصل معتبر غير هذا الكتاب فليتثبت.
وللخطبة مصادر كثيرد جدا، وقد رواها ابن قتيبة في كتابه: عيون الاخبار: ج 2 ص 236.
ورواها أيضا ابن عبد ربه في كتابه: العقد الفريد: إ 4 ص 133، ط بيروت.
ومن أراد مزيد الاطلاع فعليه بما أشرنا إليه في ذيل المختار: " 56 " من نهج السعادة: ج 1، ص 191، ط 2.
[ 342 ]
أما بعد فلا يرعين مرع إلا على نفسه شغل من الجنة والنار أمامه ساع مجتهد وطالب يرجو ومقصر في النار [ ثلاثة واثنان ] ملك طار بجناحيه ونبي أخذ الله بيده لا سادس.
هلك من ادعى وردى من اقتحم إن اليمين [ والشمال ] مضلة والوسطى [ هي ] الجادة [ منهج ] عليه الكتاب والسنة وآثار النبوة (1).
إن الله داوى هذه الامة بدواءين: السوط والسيف لا هوادة عند الامام فيهما فاستتروا ببيوتكم، وأصلحوا فيها نياتكم فإن الموت من ورائكم (2) [ و ] من أبدى صفحته للحق هلك.
وقد كانت أمور لم تكونوا [ عندي ] فيها محمودين أما إني لو [ أشاء ] أن أقول لقلت [ عفا الله ] عما سلف (3).
سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه ! ! ! ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له.
انظروا فإن أنكرتم فأنكروا وإن عرفتم فآزروا (4).
حق وباطل ولكل أهل ولئن أمر الباطل لقديما فعل (5) ولئن قل الحق لربما ولعل (6) [ وقلما ] أدبر شئ فأقبل ! ولئن رجعت إليكم أموركم إنكم لسعداء وإني لاخشى أن تكونوا في فترة وما علينا إلا الاجتهاد.
(1) هذا هو الظاهر، الموافق لرواية الجاحظ، وفي أصلي هذا: " عليكم باقي الكتاب والسنة... ".
ولعل مراده عليه السلام من قوله: (اليمين والشمال مضلة) هو الافراط والتفريط.
(2) كذا هاهنا، والظاهر أن كلمة: " فيها " هاهنا زائدة، وفي كثير من مصادر الكلام: " فاستتروا ببيوتكم وأصلحوا ذات بينكم ".
وليلاحظ ما تقدم في الورق: / 53 / أ /.
(3) هذا توبيخ للذين تقاعدوا عنه وبايعو غيره قبل مهلك عثمان.
(4) هذا هو الظاهر المذكور في كتاب البيان والتبيين، وقوله عليه السلام: " فآزروا " أمر من المؤازرة بمعنى المعاونة.
وفي أصلي هاهنا: وإن عرفتم فاعرفوا.
(5) أمر: كثر، كما جاء التعبير عنه في رواية الجاحظ.
(6) المراد من الحق والباطل هاهنا أهلهما أي لئن كثر المبطلون فهذا غير عجيب وقد كان من زمن مديد وعهد بعيد، ولئن قل المحقون لربما يغلبوا على المبطلين فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإدن الله تعالى.
[ 343 ]
ألا وإن أبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا.
ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا فإن تتبعئا آثارنا تهتدوا ببصائرنا [ وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا ] (1).
معنا راية الحق من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق (2).
ألا وبنا تدرك ترة كل مؤمن وبنا يخلع ربقة الذل من أعناقكم وبنا فتح ربنا [ وبنا نختم لا بكم ] (3).
ومن خطبة [ له عليه السلام ] أيضا (4).
قال [ الرواي ]: قام علي [ عليه السلام خطيبا ] فحمد الله وأثنى عليه فقال: أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ولزوم طاعته / 59 / أ / وتقديم العمل وترك الامل فإنه من فرط في عمله لم ينتفع بشئ من أمله.
أين التعب بالليل والنهار، المقتحم للجج البحار ومفاوز القفار، يسير من وراء الجبال وعلج الرمال (5) يصل الغدو بالرواح والمساء بالصباح في طلب محقرات الارباح هجمت عليه منيته فعظمت بنفسه رزيته (6).
كأني بك قد أتاك رسول ربك لا يقرع [ لك ] بابا ولا يهاب لك حجابا ولا يقبل منك [ بديلا ] ولا يأخذ منك كفيلا ولا يرحم لك صغيرا ولا يوقر منك جبيرا حتى يؤديك إلى قعر [ ملحودة ] مظلمة أرجاؤها موحشة [ أطلاها ] كفعله بالامم الخالية والقرون الماضية (7).
(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من رواية الجاحظ في كتاب البيان والتبيين.
(2) وهذه القطعة من الكلام مدعومة بشواهد خارجية كثيرة، منها: حديث الثقلين، ومنها حديث: " النجوم أمان لاهل السماء وأهل بيتي أمان لاهل الارض... " ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " علي مع الحق والحق معه، يدور معه حيثما دار ".
(3) الترة - بكسر المثناة الفوقانية وفتح الراء -: ما يصيب الانسان من المكاره من جان ولم يتدارك.
(4) وهذه الخطبة رواها أيضا ابن عبد بإربه في كتاب فرش الخطب من العقد الفريد: ج 4 ص 134.
(5) التعب بالذي يتعب نفسه بالاعمال الكثيرة أو الشاقة.
ولجج البحار: معظمها ماءا.
والمفاوز: جمع مفازة: الفلاة التي لا ماء فيها.
والقلار: جمع قفر، بفتح القاف -: الارض التي لا ماء فيها ولا كلاء ولا أناس.
وعالج الرمال: المتراكم منها.
(6) الرواح - بفتح الراء -: العشي أو من الزوال إلى الليل، ويقابله الصباح.
والرزية والرزيئة: المصيبة العظيمة.
(7) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق، وفي العقد الفريد: " إلى قفر مظمة موحشة أرجاؤها... ".
=
[ 344 ]
أين من سعى واجتهد ؟ وجمع وعدد ؟ وبنى وشيد ؟ وزخرف ونجد ؟ وبالقليل لم يقنع ؟ لم يمتع ؟.
أين من قاد الجنود ؟ ونشر البنود (1) أصبحو رفاتا تحت الثرى (2) وأنتم بكأسهم شاربون ولسبيلهم سالكون (3).
فاتقوا الله عباد الله وراقبوه واعملوا لليوم الذي تسير فيه الجبال وتنشق السماء بالغمام وتطاير الكتب على الايمان والشمال (4) أي رجل يومئذ تراك ؟ أقائل (هاؤم اقرؤا كتابيه) [ أم قائل: ] (يا ليتني لم أوت كتابيه) (5).
نسأل من وعدنا على إقامد الشرائع جنته أن يقينا سخطه.
إن أحسن الحديث [ وأبلغ الموعظة ] كتاب الله [ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ] (6).
ومن خطبة له عليه السلام: الحمد لله الذي اختص الحمد لنفسه واستوجبه على جميع خلقه الذي ناصية كل شئ بيده ومصير كل شئ إليه القوي في سلطانه اللطيف في جبروته لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع خلق الخلائق بقدرته وسخر لهم الموجودات بمشيئته (7).
وفي العهد صادق الوعد شديد العقاب سريع الحساب جزيل الثواب.
أحمده وأستعينه على ما أنعم به مما لا يعرف كنهه غيره وأتوكل عليه توكل المسلم لقدرته المتبرئ إليه من حوله وقوته (8).
= والارجاء: كمع رجاء - مقصورا وممدودا -: الناحية.
والاطلال: جمع طلل: الموضع المرتفع.
الشاخص من الآثار.
(1) هاد الجنود: ساقهم من أمام.
والبنود: جمع البند: العلم الكبير.
(2) الرفاء: المتكسر البالي.
والثرى: التراب الندي.
(3) كذا في كتاب العقد الفريد، وفي أصلي: " وبسبيلهم سالكون... ".
(4) كذا في أصلي، وفي العقد الفريد: " عن الايمان والشمائل " وهو الظاهر.
(5) وهذا الكلام مقتبس معنى من آياب كثيرة من القرآن الكريم، وما وضعناه في الموردين بين النجمتين مقتبس من الآية " 19 " وما بعدها من سورة الحاقة.
(6) متا بين العقوفات مأخوذ من العقد الفريد، والاخير منهما مقتبس من الآية: " 40 " من سورة فصلت.
(7) كذا في أصلي، وفي المختار: " 39 " من القسم الثاني من خطب نهج السعادة ج 3 ص 138 ط 1: " خالق الخلائق بقدرته، ومسخرهم بمشيئته... ".
(8) كذا في أصلي، وفي كتاب فرش الخشب من العقد الفريد: ج 4 ص 135: " وأتوكل عليه توكل =
[ 345 ]
وأشهد شهادة لا يشوبها شك (1) أنه لاإله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكم له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل.
قطع ادعاء المدعي بقوله: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) [ 56 / الذاريات: 51 ] وأشهد أن محمدا صلى الله عليه سلم صفوته من خلقه وأمينه على وحيه / 59 / ب / أرسله بالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا، وإلى الحق داعيا، على حين فترة من الرسل، وضلالة من الناس، واختلاف ن الاهواء وتنازع من الالسن، حتى تمم به الوحي وأنذرب به أهل الارض (2).
أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها العصمة من كل ضلال، والسبيل إلى كل نجاة فكأنكم بالجثث وقد زايلتها أرواحها وتضمنتها أجداثها (3) فلن يستقبل معمر منكم يوما من عمره إلا بانتقاص [ يوم ] آخر من أجله وإنما دنياكم كفئ الظل أو زاد الراكب ! ! ! وأحذركم دعاء العزيز الجبار عبده يوم تعفى بآثاره وتوحش [ منه ] دياره وتؤتم صغاره ثم يصير إلى حفيرة من الارض متعفرا على خده غير موسد ولا ممهد.
أسأل الله الذي وعدنا على طاعته جنته أن يقينا سخطه ويجنبنا نقمه ويهب لنا رحمته إن أبلغ الحديث كتاب الله (4) ومن خطبة له عليه السلام: أما بعد فإن الدنيا [ قد ] أدبرت وآذنت بواع وإن الاخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع وإن المضمار اليوم [ و ] السباق غدا.
ألا وإنكم في أسام أمل من ورائه أجل فمن أخلص في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضره أمله ومن قصر في أسام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أجله (5).
= المتسلم لقدرته، المتبرئ من الحول والقوة إليه ".
(1) هذا هو الظاهر، المذكور في كتاب العقد الفريد، وفي أصلي: " ويشهد شهادة لا يشوبها شك ".
(2) كذا في العقد الفريد، غير أن فيه: " واختلاف من الامور ".
وفي أصلي: " حتى تم به الوحي ".
(39 الجثث: كمع الجثة: البدن.
الجسم.
والاجداث: جمع الجدث - على زنة فرس -: القبر.
(4) ومثله في كتاب فرش الخشب من العقد الفريد: ج 4 ص 135، غير أن فيه: " ويجنبنا نقمته... ".
وليراجع المختار: (39) من القسم الثاني من باب الخطب من نهج السعادة: ج 3 ص 140، ط 1.
(5) ولمحتويات هذه الخطبة مصادر كثيرة وأسانيد جمة، ويصح أن يقال: إنها متواترة عن أمير المؤمنين.
[ 346 ]
ومن خطبة [ له عليه السلام وهي ] الخطبة [ الموسومة ب ] الغراء الحمد لله الاحد الصمد الواحد المتفرد (1) الذي لا من شئ كان ولا من شئ خلق [ ما كان، وما من شئ ] إلا وهو خاضع له، قدرة بان بهامن الاشياء وبانت الاشياء منه (2) وليست له صفة تنال، ولا حد يضرب له فيه الامثال، كل دون صفاته تحبير اللغات وضلت هنالك تصاريف الصفات (3) وحارت دون ملكوته [ عميقات ] مذاهب التفكير (4) وانقطعت دون علمه جوامع التفسير ومالت دون غيبه حجب [ من الغيوب ] تاهت في أدنى دنوها طامحات العقول (5).
فتبارك الله الذي لا تبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى الذي ليس له نعت موجود ولا وقت معدود (6).
[ و ] سبحان الله الذي ليس له أول مبتدأ ولا غاية منتهى ولا آخر يفنى (7) وهو سبحانه كما وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته.
أحاط بالاشياء كلها علمه وأتقنها صنعه، وذللها أمره / 60 / أ / وأحصاها حفظه (8) فلم يعزب عنه غيوب الهوى ؟ ولا مكنون ظلم الدجى (9) ولا ما في السماوات العلى
(1) هذا هو الظاهر الموافق لما في المنتار: " 258 " من نهج السعادة: ج 2 ص 346 ط 1.
ومثله في المختار: " 95 " من القسم الثاني من نهج السعادة: ج 3 ص 352 ط !.
وفي أصلي: " الحمد لله الاحد الصمد الواحد المنفرد... ".
(2) " قدرة " مبتدأ، حذف خبره أي له قدرة بان بها من الاشياء.
أو إنها خبر حذف مبتدأه أي هو قدرة بان بها من الاشياء.
وقيل: " قدرة " منصوبة على التمييز، أو بحذف الخافض أي خلق الشياء قدرة أو بقدرة.
(3) كل: أعيا وعجز.
وتحبير اللغات: تحسينها وتزيينها.
وتصاريف الصفات: أي اختلافها بحسب تعابير الواصفين.
(4) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: " 258 " من نهج السعادة: ج 1، ص 348 ط 2.
(5) تاهت: تحيرت.
وطامحات العقول: أي العقول الراقية التي لها طموح للاطلاع على الاسرار.
(6) بعد الهمم: الهمم البعيدة المدى التي لا تشبع إلا بالوصول إلى غايتها وهدفها.
والفطن: جمع الفطنة: الحذاقة في الفهم.
(7) ومثله في كتاب الغارات، والكافي.
(8) ومثله في رواية الثقفي في كتاب الغارات، وثقد الاسلام الكليني في كتاب الكافي.
(9) لم يعزب عنه: لم يغب عنه، ولم يخف عليه.
ومكنون: مستور.
والدجى: جمع الدجية الظلمة أو شدتها.
.
[ 347 ]
إلى الارضين السفلى (1) فهو لكل شئ منها حافظ ورقيب أحاط بها الاحد الصمد لذي لم تغيره صروف الزمان [ ولم يتكأده صنع طئ كان إنما ] قال لما يشاء [ أن يكون ]: (كن) فكان (2).
ابتدع ما خلق بلا مثال سبق، ولا تعب ولا نصب (3).
أحاط بالاشياء كلها علما [ بها ] بعد تكوينها.
لم يكونها لتشديد سلطان ولا خوف من زوال [ و ] نقصان ولا استعانة على ضد مناوء، ولا ند مكاثر (5) ولكن خلائق مربوبون وعباد داخرون (6).
فسبحان الذي لم يؤده خلق ما ابتدأ ولا تدبير ما برأ (7) خلق ما علم، وعلم ما أراد لا بتفكر [ في ] علم حادث أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد (8) لكن قضاء متقن وعلم محمكمو وأمر مبرم (9).
توحد بالربوبية وخص نفسه بالوحدانية، فلبس العز والكبرياء واستخلص لنفسه المجد والسناء واستكمل الحمد والثناء فتفرد بالتئحيد وتئحد بالتحميد (1).
(1) وفي المختار: " 161 " من نهج البلاغة: وعلمه بما في السماوات العلى كعلمه بما في الارضين السفلى.
(2) ما بين المعقوفين مأخوذ من كتاب الكافي والغارات.
والصروف: جمع صرف: تغير الشئ وتبدله ذاتا وأوصفة.
ولم يتكأده: لم يشق عليه ولم يثقله ولم يتعبه.
(3) هذا الكلام من جملة أدلة مسبوقية الكوائن والموجودات بالعدم وأن خالقها غني بالذات.
(3) ما بين المعقوفين مأخوذ من كتاب الكافي.
(5) وفي كتاب الغارات: " لم يكونها لتشديد سلطان، ولا لتخوف زوال ولا نقصان، ولا استعانة على ند مكابر، ولا ضد مثاور، ولا شريك مكاثر ".
(6) مربوبون أي لهم رب رباهم ودبرهم بإرادته لا بإرادتهم.
وداخرون: صاغرون مسيرون بإرادة خالقهم وبارئهم.
(7) برأ: خلق وأوجد.
وفي المختار: " 65 " من نهج البلاغة: لم يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ماذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق... (8) وفي كتاب الكافي: علم ما خلق، وخلق ما علم، لا بالتفكير في علم حادث أصاب ما خلق، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق، لكن قضاء مبرم وعلم محكم وأمر متقن... (9) المبرم: القاطع الذي لا محيص عنه.
(10) ومن هاهنا تختلف ألفاظ هذا الكتاب في بعض المفردات اختلافا لفظيا عما في كتابي الغارات والكافي.
[ 348 ]
فجل سبحانه وتعالى عن الابناء، وتقدس وتنزه عن ملامسة النساء (1) فليس له فيما خلق ند ولا فيما ملك ضد (2) [ و ] هو الله الواحد الصمد الوارث الابد الباعث الذي لا ينفد ولا يبيد (3).
علا السماوات العلى والارضين السفلى (4) ثم دنا فعلى وعلا فدنا [ و ] له المثل الاعلى والاسماء الحسنى والحمد لله رب العالمين.
ثم إن الله سبحانه وبحمده خلق الخلائق بعلمه وانتار منهم صفوته لغيبه (5) واختار من خيار صفوته أمناء على وحيه وخزنة على أمره إليهم ينتهي رسله وعليهم ينزل وحيه جعلهم أنبياء مصطفين [ و ] أنبياء نجباء مهتدين (6) استودعهم وأقرهم في خير مستقر تناسختهم أكارم الاصلاب إلى مطهرات الارحام (7) كلما مضى منهم سلف ابتعث لامره [ خلف ] حتى انتهت نبوة الله وأفضت كرامته إلى محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فأخرجه من أفضل المعدن محتدا وأكرم المغارس منبا وأمنعها ذروة وأعزها أرومة وأوصلها مكرمة (7) من الشجرة التي صاغ منها أمناءه وانتجب منها أنبياءه (9) شجرة طيبة العود معتدلة العمود باسقة الفروع مخضرة الغصون يانعة الثمار كريمة المجني / 60 / ب / [ نبتت ] في أكرم منبت وفيه بسقت وأثمرت وعزت وامتنعت حتى أكرمه الله بالروح الامين والنور المبين فختم به النبيين وأتم به عدة المرسلين [ فهو ] خليفته على عباده وأمينه
(1) وفي كتاب الكافي: وعلا عن اتخاذ الابناء، وتطهر وتقس عن ملامسة النساء، وعز وجل عن مجاورة الشركاء... (2) وفي الكافي: " فليس له فيما خلق ضد، ولا فيما ملك ند، ولم يشركه في ملكه أحد... ".
(3) وفي كتاب الكافي: الواحد الاحد الصمد، المبيد الابد، والوارث الامد ؟... وفي الحديث الثالث من كتاب التوحيد.
المبيد للابد، الوارث للامد... الذي لا يبيد ولا يفقد... ".
(4) هذا هو الصواب، وفي أصلي: ملا السماوات العلى... (5) هذا هو الصواب، وفي أصلي: واختار منهم صفوته لعينه.
(6) الظاهر أن هذا هو الصواب، وفي أصلي: نجعلهم أصفياء مصفين ؟ أنبياء مهتدين نجباء....
(7) هذا هو الصواب الموافق لما في المختار: (94) من نهج البلاغة غير أن فيه: " تناسختهم كرائم الاصلاب... ".
وفي أصلي: " تناسختم أكارم الاصلاب إلى مطهرات الامهات... ".
(8) وفي المختار: (94) من نهج البلاغة: حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله فأخرجه من أفضل المعادن منبتا وأعز الارومات مغرسا....
(9) وفي نهج البلاغة: من الشجرة التي صدع منها أنبياءه واتجب منها أمناءه....
[ 349 ]
في بلده دينه بالتقوى وإثار الذكرى (1) فهو إمام من اتقى وبصير من اهتدى وسراج لمع ضوؤه وزند برق لمعه وشهاب سطع نوره فاستضاء به العباد واستنار به البلاد وطوى به الاحساب وأجرى به السحاب وسخر له البرق حتى صافحته الملائكة وأذعنت له الابالسة وهدم له ا [ لأ ] صنام الآلهة.
سيرته القصد وسنته الرشد وكلامه فصل وحكمه عدل (2).
فصدع عليه السلام بما أمر به حتى أفصح بالتوحيد دعوته وأظهر في خلقه لاإله إلا الله حتى أذعن له بالربوبية وأقر له بالوحدانية.
اللهم فخص محمدا بالذكر المحمود والحوض المورود.
اللهم [ و ] آت محمدا الوسيلة [ و ] الرفعة والفضيلة واجعل في المصطفين محلته وفي الاعلين درجته وشرف بنيانه وعظم برهانه واسقنا بكأسه وأوردنا حوضه واحشرنا في زمرته غير خزايا ولا ناكبين ولا شاكين ولا مرتابين ولا ضالين ولا مفتونين ولا مبدلين ولا جاحدين ولا مضلين.
اللهم [ و ] أعط محمدا من كل فضيلة أفضلها ومن كل نعيم أكمله ومن كل عطاء أجزله ومن كل قسم أتمه (3) حتى لا يكون أحد من خلقك أقرب منك مجلسا ولا أحظى عندك منزلة ولا أقرب منك وسيلة ولا أعظم عليك حقا ولا شفاعة من محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم واجمع بيننا وبينه في ظل العيش وبرد الروح وقرة العين ونضرة النعيم وبهجة لسرور فإنا نشهد أنه قد بلغ وأدى الامانة والنصيحة واجتهد للامة وجاهد في سبيلك وأوذي في جنبك ولم يخف لومة لائم في دينك، وعبدك حتى أتاه اليقين [ وهو ] إمام المتقين وسيد المسلمين وخاتم النبيين وتمام المرسلين ورسول رب العالمين.
اللهم رب البيت الحرام والبلد الحرام ورب الركن والمقام والمشعر الحرام بلغ محمدا منا السلام.
اللهم صل على ملائكتك المقربين وعلى أنبيائك والمرسلين وعلى الحفظة الكرام الكاتبين وصل على أهل السماوات وأهل الارضين.
(1) وفي المختار: (94) مننهج البلاغة: عترته خير العبر، وأسرته خير الاسر، وشجرته خير الشجر، نبتت في حرم، وبسقت في كرم، لها فروع طوال ومر لا ينال.
(2) وليراج بقية الكلام من المختار المتقدم الذكر فإنه قيب مما هنا جدا.
(3) وقريب منه جدا رويناه مسندا في المختار: 03) من باب الدعاء من نهج السعادة ج 6 ص 22 ط 1.
[ 350 ]
[ ومن خطبة له عليه السلام وهي ] الخطبة [ الموسومة ب ] الزهراء خطب بها في البصرة: الحمد الله الذي هو أول كل طرء ومبدعه (1) ومنتهى كل شئ خاشع له وكل شئ قائم به وكل شئ ضارع إليه وكل شئ مستكين له (2).
خشعت له الصوات وكتب دونه الصفات وضلت دونه الاوهام وحات دونه الاحلام وانحسرت دونه الابصار (3) لا يقضي في الا امور غيره ولا يبرم منها شئ دونه.
فسبحانه ما أجل شأنه وأعظم سلطانه تسبح له السماوات العلى ومن في الارضين السفلى ؟ له التسبيح والعظمة والملك والقدرة والحول القوة يقضي بعلم وغيفر بحلم.
قوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف (4) وعز كل ذليل ووكلي كل نعمة وصاحب كل حسنة وكاشف كل كربة.
المطلع على كل خفية [ و ] المحصي لكل سريرة يعلم ما تكن الصدور وما ترخى عليه الستور (5) الرحيم بخلقه الرؤف بعباده من تكلم منهم سمع كلامه ومن سكت منهم علم ما في نفسه ومن عاش منهم فعليه رزقه ومن مات منهم فإليه مصيره أحاط بكل شئ علما وأحصى كل شئ عددا.
اللهم لك الحمد عددد ما تحيي وتميت وعدد أنفاس خلقك ولفظهم ومحط أبصارهم وعدد ما تجري به الريح وتحمل الساحاب ونختلف به الليل والنهار وتسير به الشمس والقمر والنجوم حمدا لا ينقضي عدده ولا يفنى مدده.
(1) هذا هو الظاهر من السياق، وفي أصلي: " ومبديه... ".
وفي الخطبة التي تقدمت في أواسط هذا الباب في الورق 55 / ب / وفي هذه الطبعة ص... " أول كل شئ وآخره، ومبدع كل شئ ومعيده... ".
(2) ضارع إليه: متذلل إليه.
ومستكين له: خاضع له.
وقريب منه معنى في المختار: " 109 " من نهج البلاغة.
(3) خشعت خضعت.
وكلت: وقفت.
وانحسرت: انقطعت.
والطاهر أن مراده عليه السلام من " الصفات " هي الصفات التي يجروها على تعالى بلا استناد إلى دليل شرعي أو عقلي.
وفي أول المختار: " 109 " من نهج البلاغة: " كل شئ خاشع له، وكل شئ قائم به، غنى كل فقير وعزة كل ذليل، وقوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف... ".
(5) قوله عليه السلام: " ما تكن الصدور ": ما يخفيه الصدور يصونه ولا يبديه.
" وترخى عليه الستور ": تسدل وتعلق عليه الستور.
[ 351 ]
اللهم كنتقبل كل شئ وإليك مصير كل شئ وتكون بعد هلاك كل شئ وتبقى ويفنى كل شئ وأنت وارث كل شئ.
أحاط علمك بكل شئ وليس يعجزك شئ ولا يتوارى عنك شئ ولا يقدر أحد قدرتك ؟ ولا يشكرك أحد حق شكرك ولا تهتدي العقول لصفتك ولا تبلغ الاوهام نعتك.
حارت الابصار دون النظر إليك فلم تبصرك عين فيخبر عنك كيف أنت ! ! ! [ و ] لا نعلم - اللهم - جيف عظمتك غير أنا نعلم أنك حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم.
لم ينته إليك نظر ولم يدركك بصر ولا يقر قدرتك ملك ولا بشر أدركت الابصار وكتبت الآجال وأحصيت الاعمال وأخذت بالنواصسي والاقدام [ لم ] تخلق الخلق لحاجة ولا لوحشة [ و ] ملات كل شئ عظمة ؟ فلا يرد / 61 / ب / ما أردت ولا يعطى ما منعت ولا ينقص سلطانك من عصاك ولا يزيد في ملكك من أطاعك.
كل سر عندك علمه، وكل غيب عندك شاهده فلم يستر عنك شئ ولم يشغلك شئ عن شئ وقدرتك على ما قضيت وقدرتك على القوي كقدرتك على الضعيف وقدرتك على الاحياء كقدرتك على الاموات وإليك المنتهى وأنت الموعود ؟ لا منجا منك إلا إليك بيدك ناصية كل دابة وبإذنك تسقط كل ورقة لا يعزب عنك مثقال ذرة في الارض ولا في السماوات ؟ [ و ] أنت الحي القيوم.
سبحانك ما أعظم ما يرى من خلقك وما أعظم ما نرى من ملكوتك وما أقلها فيما غاب عنا منه ؟ ! وما أسبغ نعمك في الدنيا و [ ما ] أحقرها في [ جنب ] نعيم الآخرة وما أشد عقوبتك في الدنيا وأيسرها في عقوبة الآخرة ! !.
وما الذي يصى من خلقك ؟ ويعتبر من قدرتك وصف من سلطانك ؟ فيما يغيب عنا منه مما قصرت أبصارنا عنه وكلت عقولنا عنه وحالب الغيوب بيننا وبينه (1).
فمن قرع سمعه وأعمل فكره كيف أقمت عرشك ؟ وكيف رذأت خلقك وكيف علقت في الهواء سماواتك وكيف مددت أرضك ؟ رجع طرفه حسيرا وعقله مبهورا وسمعه والها (2) وفكره
(1) كذا في أصلي، والمراد من السلطان هو استيلاؤه تعالى وسلطته على الجائنات.
وكلت: أعيت ووقفت.
وحالت: فصلت وحجزت.
(2) الظاهر أن هذا هو الصواب، وفي أصلي تصحيف كثير، وفيه: " رجع طرفه خاسرا " والظاهر أنه مصخف عن " خاسئا " كما في الآية الرابعة من سورة الملك، وهو قوله تعالى: (ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا) أي كليلا.
والحسير: المتلهف.
المعيي.
[ 352 ]
متحيرا، [ ف ] كيف يطلب علم ما قبل ذلك من سلطانك (1) إذ أنت وحدك في الغيوب التي لم يكن فيها غيرك ولم يكن فيها سواك.
لا أحد شهدك حين فطرت الخلق ولا أحد حضرك حين ذرأت النفوس فكيف لا يعظم شأنك عند من عرفك وهو يرى من خلقك ما يرتاع به عقولهم ويملؤ قلوبهم من رعد يقرع له القلوب ؟ وبرق يخطف له الابصار ؟ وملائكة خلقتهم فأسكنتهم سماواتك (2) وليست فيهم فترة ولا عندهم غفلة ولا بهم معصية هم أعلم خلقك بك وأخوفهم لك ؟ وأقومهم بطاعتك ليس يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول لم يسكنوا الاصلاب ولم يضمهم الارحام أنشأتهم إنشاءا [ و ] أنزلتهم سماواتك وأرمتهم بجوارك وائتمنتهم على وحيك وجنبتهم الآفات ووقيتهم السيئآت وطهرتهم من الذنوب / 62 / أ / (3) فلولا تقويتك لم يقووا ولولا تثبيتك لم يثبتوتا ولولا رهبتك لم يطيعوا ولولاك لم يكونوا.
أما إنهم على مكانتهم منك ومنزيلتهم عندك وطول طاعتهم إياك لو عاينوا ما يخفى عليهم لاحتقروا أعمالهم ولعرفوا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك (4) [ ولم يطيعوك حق طاعتك ].
فسبحانك خالقا ومعبودا ومحمودا بحسن بلائك عند خلقك، خلقت مأدبة مطعما ومشربا (5) ثم أرسلت داعيا إليها فلا الداعي أجبنا ولا فيما رغبتنا فيه رغبنا، ولا إلى
(1) المبهور: المنقطع.
المعيي من كثرة الجهد.
والواله: المتحير من شدة الوجد.
(2) وقريت منه جدا في المختار: " 109 " من نهج البلاغة.
ولعل المراد من قوله: " ما يرتاع به عقولهم ": ما يتقلب فيه عقولهم من كبرياء الله تعالى وكثرة نعمه.
(3) هذا هو الصواب، وفي أصلي: " أنشأهم إنشاءا... ووقاهم السيآت.
".
(4) ما وضعناه بين المعقوفين مأخوذ من المختار: " 109 " من نهج البللاغة.
(5) كذا في أصلي، وفي رواية الاسكافي المتوفى (240) في كتاب المعيار والموانة ص 284 ط 1: فسبحانك خالق ومعبودا، وسبحانك بحسن بلائك عند خلقك محمودا... وفي تفسير سورة " فاطر " من تفسير علي بن إبراهيم المتوفى بعد العام (307) - ج 2 ص 207 ط 3: سبحانك خالقا ومعبودا ما أحسن بلاءك عند خلقك ؟ وفي المختار: (109) من نهج البلاغة: سبحانك خالقا ومعبودا بحسن بلائك عند خلقك... وكثيرا من هذه الفقرات وما بعدها رواه أيضا المصنف عن أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة التي مرت في أواسط هذا الباب في الورق 55 / أ / وهي الخطبة التي استنفر بها أمير المؤمنين عليه السلام أهل الكوفة حرب معاوية.
[ 353 ]
ما شوقتنا إليه تشوقنا أقبلنا كلنا على جيفة نأكل منها ولا نشبع، وقد زاد بعضها على بعض فافتضحنا بأكلها ؟ واصطلحنا على حبها فأعمت أبصار صالحينا وفقهائنا (1) فهم ينظرون بأعين غير صحيحة، ويسمعون بأذان غير سميعة، فحيث ما زالت زالوا معها، وحيث ما أقبلت أقبلوا إليها، وقد عاينوا المأخوذين على الغرة كيف فجأ بهم الاومر، ونزل بهم المحذور، وجاءهم من فراق الاحبة ما يتوقعون، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون (2) فارقوا الدنيا وصاروا إلى القبور، وعرفوا ما كانوا فيه من الغرور، فاجتمعت عليهم حسرتان: حسرة الفوت وحسرة الموت (3) فاغبرت لها وجوههم، وتغيرت ألوانهم، وعرقت جباههم وشخصت أبصارهم، فبردت أطرافهم وحيل بينهم وبين المنطق (4) وإن أحدهم لبين أهله ينظر ببصره ويسمع بأذنه.
ثم زاده الموت في جسده حتى خالط بصره فذهب من الدنيا معرفته، وهلكت عند ذلك حجته، وعاين هول امر كان مغطى عنه، فأخد لذلك بصره.
ثم زاده الموت في جسده حتى بلغت نفسه الحلقوم، ثم خرج روحه من جسده فصار جسدا ملقى ببين أهله لا يجيب داعيا ولا يسمع باكيا.
فنزعوا ثيابه ثم غسلوه ثم وضئوه للصلاة، ثم كفنوه إداجا في أكفانه، ثم حملوه إلى قبره فنزلوه حفرته، ثم تركوه مخلى بمعظعات من الامور (5)، ثم المسألة من منكر ونكير
(1) وفي نهج البلاغة: ثم أرسلت داعيا يدعو إليها، فلا الداعي أجابوا ولا فيما رغبت إليه رغبوا ولا إلى ما شوقت إليه اشتاقوا ! ! ! أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها واصطلحوا على حبها....
(2) وفي نهج البلاغة: كيف نزيل بهم ما كانوا يجهلون، وجاءهم من فراق الدنيا ما كانوا يأمنون، وقدموا من الاخرة على ما كانوا يوعدون، فغير موصوف ما نزل بهم....
(3) وفي الخطبة الاستنفارية المتقدمة في وسط هذا الباب في الورق 55 / ب /: فاجتمعت عليهم خلتان: سكرة الموتا وحسرة الفوت....
(4) وفي المعيار الموازنة ص 285 ط 1: اجتمعت عليهم خلتان: سكرة الموت وحيرة الفوت، فاغترت لها وجوههم وتغيرت لها الوانهم وفترت لها أطرافهم....
(5) كذا في أصلي هاهنا، وفي الخطبة الاستنفارية المتقدمة في وسط الباب: ثم حملوه حتى أتوا به قبره فأدخلوه [ فيه ] ثم انصرفوا عنه، وخلوه بمفظعات الامور، مع ظلمة القبر وضيقه ووحشته... وفي المعيار والموازنة ص 286 ط 1: فخلا في ظلمة القبر وضيقه ووحشته، فذلك مثواه حتى يبلى جسده ويصير رفاتا ورميما...
[ 354 ]
[ و ] من ظلمة وضيق ووحشة فذلك مثواه حتى يبلى جسده، ويصير ترابا.
حتى إذا بلغ الامر إلى مقداره [ و ] ألق آخر الخلق بأوله جاء أمر من خالقه أراد به تجديد خلقه، فأمر بصوت من سماواته فمارت السماء مورا وفزع من فيها وبقي ملائكتها على أرجائها (1).
ثم وصل الامر إلى الارض والخلق لا يشعرون (2) فأرج أرضهم وأرجفها وزلزلها وقلع جبالها ونسفها وسيرها [ و ] دك بعضها بعضا من هيبته وجلاله، وأخرج من فيها فجددهم بعد إبلائهم وجمعهم بعد فرقتهم [ لما ] يريد من توقيفهم [ ومساءلتهم عن الاعمال ] ويجمعهم (3) فريقا [ في ] ثوابه وفريقا [ في ] عقابه، فخلد الامر لابده (4) دائم خيره وشره [ و ] لم ينس الطاعة من المطيعين ولا المعصية من العاصين (5) فأراد الله أن يجازي هؤلاء وينتقم من هاؤلاء.
فأثاب أهل الطاعة بجواره وحلول داده وعيش رغد، وخلود أبد، ومجاورة الرب (6)
(1) وفي المعيار والموازنة: حتى إذا بلغ [ الكتاب أجله ] والامر مقاديره [ و ] ألحق آخر الخلق بأوله، وجاء من تأمر الله ما يريد [ ه ] من تجديد خلقه، أمر بصوت من سماواته أمار السماء فشقها وفطرها وأفزع من فيها وبقى ملائكتها على أرجائها....
وفي المختار: (105) من نهج البلاغة: حتى إذا بلغ الكتاب أجله، والامر مقاديره وألحق آخر الخلق بأوله، وجاء من أمر الله ما يريده من تجديد خلقه، أماد السماء وفطرها وأرج الارض وأرجفها، وقلع جبالها ونسفها، ودك بعضها بعضا من هيبة جلالته....
(2) هذا هو الصواب الموافق لما تقدم في الخطبة الاستنفارية ومثلها في كتاب المعيار والموازنة، وفي أصلي هاهنا: " وخلق رفاة لا يشعرون ".
(3) هذا هو الصواب الموافق لما مر في الخطبة الاستنفارية والمعيار والموازنة ص 287 ط 1، وما وضع بين المعقوفين مأخود منهما.
وفي أصلي هاهنا: " لما يريد من يحصيهم ويجمعهم.. ؟ ".
(4) كذا في أصلي، وفي امعيار والموازنة: ثم ميزهم فجعلهم فريقين: فريقا في ثوابه وفريق في عقابه.. وفي المختار: (105) من نهج البلاغة: ثم ميزهم لما يريده من مسألتهم عن خفايا الاعمال، وخبايا الافعال، وجعلهم فيقين أنعم لى هؤلاء، وانتقم من هؤلاء... (5) وفي الخطبة الاستنفارية: ثم خلد الامر لابده، دائم خيره مع المطيعين وشره مع العاصين، وأثاب أهل الطاعة بجواره والخلود في داره، وعيش رغد وخلود دائم وجواورة رب كريم....
(6) وفي المعيار والوازنة: فأثاب أهل الطاعة بجواره وبخلوده في داره ؟ وعيش رغد وخلود أبد، ومجاورة رب كريم...
[ 355 ]
ومرافقة محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم حيث لا ظعن ولا تغيير وحيث لا يصيبهم الاحزان ولا تعترضهم الاخطار ولا تشخصهم الابصار (1).
وأما أهل المعصية فخلدهم في النار، أو [ و ] ثقت منهم الاقدام وغلت منهم الايدي إلى الاعناق (2) في لهب قد اشتد حره، ونار قد أطبقت على أهلها لا يدخل عليهم منها روح، همهم شديد وعذابهم يزيد، لا مدة للدار فتفنى ولا أجل للقوم فينقضي (3).
اللهم إني أسألك بأن لك الفضل والرحمة أنت وليها لا يليها أحد سوالك، أسألك باسمك المخزون المكنون - الذي قام به عرشك وكرسيك وسماواتك وأرضك، وبه ابتدعت خلقك - الصلاة والسلام على محمد والنجاة من النار برحمتك فأنت أرحم الراحمين.
= والمراد من الجوار أو المجاورة: كونهم في دار كرامته تعالى ومضع تشريفه كما يقال لمن جاور مكة المكرمة جار الله.
(1) وفي المختار: (105) من نهج البلاغة: فأما أهل طاعته فأثابهم بجواره وخلدهم في داره، حيث لا يظعن النزال، ولا يتغير بهم الحال....
(2) لعل هذا هو الصواب أي شدت وربطت أقدانهم بالوثاق - وهو بفتح أوله وكسره: الحبل.
القبد.
والجمع الوثق على نية العنق.
ولفظ أصلي كان هكذا: " وابعث " وفي الخطبة الاستنفارية المتقدمة: فأما أهل المعصية بفخلدهم في النار وقد غلت منهم الايدي إلى الاعناق وقرن منهم النواصي بالاقدام...
(3) وفي نهج البلاغة والخطبة الاستنفارية: " ولا أجل للقوم فيقضى " وهذا مقتبس من الآية: (36) من سورة فاطر: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوتا ولا يخفف عنهم من عذابها...).