[ 263 ]
الباب الخامس والسبعون / 131 / أ /
في مقتل سيدنا وابن سيدنا الحسين بن بنت رسول الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما اعتمد آل أبي سفيان في أمره عاملهم الله بما يستحقونه
(قال ابن عبد ربه: وعن) علي بن عبد العزيز قال: قرئ على أبي عبيد القاسم بن سلام وأنا أسمع، فسألته نروي عنك كما قرئ عليك ؟ قال: نعم.
(قال) قال أبو عبيدة (1): لما مات معاوية بن أبي سفيان وجاءت وفاته إلى المدينة وعليها يومئذ الوليد بن عتبة (بن أبي سفيان) فأرسل إلى الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير فدعاهما إلى البيعة، فقالا (له): بالغداة على رؤس الناس.
وخرجا من عنده فدعا الحسين برواحله فركبها وتوجه نحو مكة على المنهج الاكبر، وركب ابن الزبير وأخذ طريق " الفرع " حتى قدم مكة (2).
ومر الحسين عليه السلام (في مسيره) حتى أتى على عبد الله بن المطيع وهو على بئر له فنزل عليه، فقال للحسين: يا أبا عبد الله لا سقانا الله بعدك ماءا طيبا أين تريد ؟
(1) كذا في عنوان: " مقتل الحسين بن علي " من العسجدة الثانية من كتاب العقد الفريد: ج 5 ص 118، ط بيروت، وفي الطبعة القديمة: ج 3 ص 123، غير أن فيهما: قرأ علي أبو القاسم عبد الله بن سلام... وفي أصلي من جواهر المطالب: قرئ على أبي عبيد القاسم بن سلام وأنا أسمع وشاب يروي ما قرئ عليه، قال أبو عبيدة... ثم الظاهر أن علي بن عبد العزيز - المذكور في صدر السند - هو من يقال له علي بن غراب، وعلي بن أبي الوليد الذي يروي عنه مروان بن معاوية، وإسماعيل بن أبان الوراق، ونصر بن مزاحم المنقري وهو من رجال النسائي وابن ماجة، مترجم في تهذيب التهذيب: ج 7 ص 362.
(2) كذا في أصلي، وفي العقد الفريد: وركب ابن الزبير برذونا له وأخذ طريق العرج ؟...
[ 264 ]
قال: العراق.
قال: سبحان الله لم ؟ قال: مات معاوية وجاءني أكثر من حمل صحف (ورسائل يدعوني أن أذهب إليهم كي ينصروني) (1).
قال: لا تفعل يا أبا عبد الله فو الله ما حفظوا أباك وكان خيرا منك، فكيف يحفظونك ؟ فو الله لئن قتلت لابقيت بعدك حرمة إلا استحلت.
فخرج الحسين (من عنده) حتى قدم مكة، فأقام بها هو وابن الزبير.
وقدم عمرو بن سعيد في رمضان أميرا على المدينة والموسم، وعزل الوليد بن عتبة، فلما استوى (عمرو) على المنبر رعف، فقال أعرابي: جاءنا والله بالدم.
فتلقاه رجل بعمامته فقال (الاعرابي): مه والله عم الناس (شر).
ثم قام فخطب فناولوه عصا لها شعبتان، فقال (الاعرابي): شعب أمر الناس والله (2).
ثم خرج (عمرو) إلى مكة فقدمها يوم التروية، فقال الناس للحسين: يا أبا عبد الله لو تقدمت فصليت بالناس فإنه ليهم بذلك إذ جاء المؤذن فأقام للصلاة (3) وتقدم عمرو بن سعيد فكبر، فقيل للحسين اخرج يا أبا عبد الله إذ أبيت أن تتقدم.
فقال: الصلاة في الجماعة أفضل.
قال: فصلى ثم خرج، فلما بلغ عمرو بن سعيد (أنه) قد خرج، قال: اركبوا كل بعير بين السماء والارض واطلبوه.
فطلبوه فلم يدركوه (4).
وأرسل عبد الله بن جعفر / 131 / ب / ولديه عونا ومحمدا ليردا الحسين، فأبى أن يرجع، وخرج بابني عبد الله بن جعفر معه.
فرجع عمرو بن سعيد إلى المدينة، وأرسل إلى ابن الزبير (ليأتيه) فأبى أن يأتيه وامتنع ابن الزبير برجال من قريش وغيرهم من أهل مكة.
(فأرسل عمرو بن سعيد إليهم جيشا من المدينة، وأمر عليهم عمرو بن الزبير أخا عبد الله بن الزبير) وضرب على أهل الديوان البعث إلى مكة وهو كارهون للخروج
(1) ما بين المعقوفين زيادة اقتبسناها من القرائن الخارجية.
(2) وليلاحظ ما أوردناه في هذا المقام في كتابنا عبرات المصطفين ص 83 ط 1.
وليراجع أيضا القسم الثاني من ج 4 من أنساب الاشراف، ص 19 و 23.
وكذا يراجع أواسط مسند أبي هريرة من مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 385 ط 1.
(3) كذا.
(4) وفي العقد الفريد ج 3 ص 134: " قال فعجب الناس من قوله هذا فطلبوه فلم يدركوه ".
[ 265 ]
فقال (لهم): إما أن تأتوني ببديل وإما أن تخرجوا.
فبعثهم إلى مكة فقاتلوا ابن الزبير، فانهزم عمرو بن الزبير وأسره أخوه عبد الله فحبسه في السجن (1).
وقد كان الحسين بن علي بعث مسلم بن عقيل إلى (أهل) الكوفة ليأخذ بيعتهم، وكان على الكوفة حين مات معاوية النعمان بن بشير الانصاري فقال: يا أهل الكوفة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من ابن بنت بجدل (2) ! ! ! فبلغ ذلك يزيد فقال: يا أهل الشام أشيروا علي من أستعمل على أهل الكوفة ؟ قالوا: نرضى بما رضيت (3).
فولى (يزيد) عبيد الله بن زياد على العراقين فقدم الكوفة قبل أن يقدم الحسين.
و (كان) قد بايع مسلم بن عقيل أكثر من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة (4) وخرجوا معه يريدون عبيد الله بن زياد، فجعلوا كلما انتهوا إلى زقاق انسل منه ناس حتى بقي في شرذمة قليلة، فجعل الناس يرمونه بالاجر من فوق البيوت.
فلما رآى (مسلم) ذلك، دخل دار هانئ عروة المرادي - وكان له شرف ورأي (5) - فقال له هانئ: إن لي من ابن زياد مكانا و (إني) سوف أتمارض فإذا جاء ليعودني
(1) هذا هو الظاهر المذكور في الطبعة الثانية من كتاب العقد الفريد: ج 3 ص 134، وفي أصلي من جواهر المطالب ها هنا اختصار مخل، وإليك لفظه: وضرب (عمرو) على أهل الديوان البعث، فبعث عمرو بن سعيد جيشا إليهم من المدينة وأمر عليهم عمرو بن الزبير، وضرب عليهم البعث إلى مكة وهم له كارهون، فوصلوا إلى مكة وقاتلوا ابن الزبير، فانهزم (عمرو) بن الزبير، وأسر (ه) أخوه عبد الله فحبسه في السجن.
(2) لم أظفر على قول نعمان بن بشير: " ابن بنت رسول الله... أحب إلينا....
" إلا في كتاب العقد الفريد: ج 3 ص 134، ط عام (1346) بمصر.
(3) وفي العقد الفريد: قال: فبلغ ذلك يزيد، فقال: يا أهل الشام أشيروا علي من أستعمل على الكوفة ؟ فقالوا: ترضى من رضي به معاوية ؟ قال: نعم.
قيل له: فإن الصك بإمارة عبيد الله بن زياد على العراقيين قد كتب في الديوان.
فاستعمله (يزيد) على الكوفة فقدمها قبل أن يقدم حسين....
(4) ومثله في العقد الفريد: ج 2 ص 134، ط 2 بمصر، سنة (1346).
(5) هذه الفقرة - كبعض أخر من الفقرات - من أدلة شذوذ رواية ابن عبد ربه هذه، فإن دخول مسلم بيت هانئ كان قبل خروجه، وكذلك خروج مسلم كان بعد استيلاء ابن زياد على هانئ لا قبله، وهذا كاد أن يكون إجماعا بين المؤرخين.
[ 266 ]
(وقلت: اسقوني (ماءا) فاخرج عليه) فاضرب عنقه (كان يقولها لمسلم بن عقيل) (1) قال: فبلغ ابن زياد أن هانئ (بن عروة) مريض (يقئ الدم - وكان شرب المغرة - (وهو الطين الاحمر على ما قيل) فجعل يقيؤها) (2).
فجاء ابن زياد ليعوده، فلما دخل ابن زياد، جلس فقال هانئ: اسقوني (ماءا) فتباطؤا عليه، فقال: ويحكم اسقوني وإن كان فيه ذهاب نفسي ! ! ! فخرج ابن زياد ولم يصنع الاخر شيئا وكان (من) أشجع الناس ولكن أخذ بقلبه
(1) هذا هو الظاهر، وفي أصلي تقديم وتأخير وتصحيف ونقص فاحش وهذا نصه: فقال له هانئ: إن لي من ابن زياد مكانا وسوف أتمارض، فإذا جاء ليعودني فاضرب عنقه.
قال: فبلغ ابن زياد أن هانئ مريضا ؟ فجاء ابن زياد ليعوده وقال هانئ: إذا قلت: اسقوني فاخرج عليه واضرب عنقه.
يقولها لمسلم بن عقيل.
فلما دخل ابن زياد جلس، فقال هانئ: اسقوني.
فتباطؤا عليه، فقال: ويحكم اسقوني وإن كان فيه ذهاب نفسي.
فخرج ابن زياد ولم يصنع الاخر شيئا، قال: وكان أشجع الناس ولكن أخذ بقلبه ! ! ! (2) وهكذا ذكره أيضا ابن عبد ربه في العقد الفريد: ج 3 ص 135 طبعة سنة (1346) بمصر، وما وجدته في غيره من المصادر ومعنى قوله: " وقد أخذ بقلبه " أيضا غير واضح، وقد يقال: إنه أخذ بقلبه الجبن ؟ وقد يقال: إنه أخذ بقلبه ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن الايمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن.
والصواب إنه أخذ بقلبه كراهية هانئ من قتل الرجس ابن زياد في داره على ما هو المعتمد، مما ورد حول تخطيط قتل ابن زياد من أنه هو شريك بن الاعور الحارثي كما في كتاب أنساب الاشراف: ج 2 ص 79 ط 1، وكذلك ذكره ابن سعد، في ترجمة الامام الحسين عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 8 / الورق 54 / ب / وهكذا ذكره الدينوري في كتاب الاخبار الطوال.
ومن القرائن على كراهة هانئ من قتل الطاغوت ابن زياد في داره، أن هانئا كان من أشراف الكوفة، وله عشيرة وأحلاف وعدة وعدة فما باله يوكل أمر قتل ابن زياد إلى مسلم ؟ ولماذا يخصص مسلما بذلك ؟ وهل كان يفترق لوازم قتل ابن زياد في بيته بين أن يكون القاتل هو مسلم أم غيره ؟ وهل كان الفتاكون في الكوفة أو في عشيرته أو في الشيعة غير موجودين حتى يقوم مسلم بنفسه بذلك الامر ؟ ثم مثل هذا الامر المهم هل يفوض إلى شخص واحد يمكن أن يحول بينه وبين الوصول إلى هدفه مانع فيخيب عن الوصول إلى هدفه ويترتب على قيامه لوازم سيئة ؟ ! وبطبيعة الحال أن ابن زياد لم يأت إلى عيادة هانئ أو شريك الاعور بوحده بل في كثير من التواريخ أنه كان معه مهران غلامه فما يقال لو أن مهران الحارس لعبيد الله القائم على رأسه بالسيف يتصارع مسلم دفاعا عن عبيد الله حتى يقوم هو أيضا للدفاع عن نفسه هل كان مسلم بوحده مع شجاعته البالغة ينال أمله من قتل عبيد الله ؟
[ 267 ]
فقيل لابن زياد: ما أراد هانئ إلا قتلك ! ! فأرسل (ابن زياد إلى هانئ كي يأتيه) فقال: إني شاك لا استطيع (أن آتيه) فقال: ائتوني به وإن كان شاكيا.
فأسرجت له دابة فوثب (عليها) ومعه عصا / 132 / أ / وكان أعرج يسير قليلا (قليلا) ثم يقف ثم يقول: ما أذهب إلى ابن زياد.
فلما دخل عليه قال له (ابن زياد) يا هانئ أما كانت يد زياد عندك بيضاء ؟ قال: بلى.
قال: ويدي ؟ قال: بلى.
ثم قال: قد كانت لك (ولابيك) عندي يد (فأنا أجازيك عنها) فاخرج فقد آمنتك على نفسك ! ! ! (1) فتناول العصا من يده فضربه بها فهشم وجهه ثم قدمه فضرب عنقه.
ويغلبه قطعيا ويقتله ؟ أما كان عدم نجاحه والحال هذه مظنونا قويا ؟ أما كان هانئ يدرك ذلك وهو شيخ في سن بضع وتسعين سنة ؟ نعم كل ذلك كان يدرك ولهذا خاف من وبال القيام بهذا الامر في بيته صونا لماء وجهه ودماء عشيرته إن لم يظفر مسلم بمقصده ولهذا كره من قيام مسلم بهذا الامر، فوقع فيما خاف منه وحذر عنه، وخاب آمال محبي أهل البيت، وختم بطابع السواد على وجوه من كتب إلى الامام الحسين ثم تقاعد عنه وخذله حتى استشهد صلوات الله وسلامه عليه في عقر دارهم بأفجع وجه واستؤصل أهل بيت بيد من يدعي الاسلام وليس من الاسلام في شئ فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (1) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: ثم تناول العصا من يده فضربه فهشم وجهه ثم قدمه فضرب عنقه.
وروى الطبري في حوادث العام: (60) من تاريخه: ج 5 ص 391: عن حسين بن نصر (عن أبيه) عن أبي ربيعة عن أبي عوانة عن حصين بن عبد الرحمان قال: فأرسل (ابن زياد) إلى هانئ فأتاه فقال (له): ألم أوقرك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أفعل بك ؟ قال (هانئ): بلى.
قال: فما جزاء ذلك ؟ قال: جزاؤه أن أمنعك ! ! ! قال تمنعني ؟ (قال: بلى) قال: فأخذ قضيبا مكانه ؟ فضربه به... أقول: وهذه الشهامة - التي كانت بعد فوات وقتها - قد رواها عن هانئ جماعة منهم ابن سعد في ترجمة الامام الحسين عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 8 / الورق 54 / ب / قال: ثم مضى (ابن زياد) حتى دخل القصر، وأرسل إلى هانئ بن عروة وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة، فقال (له): ما حملك على أن تجير عدوي وتنطوي عليه: فقال (له هانئ): يا ابن أخي إنه جاء حق هو أحق من حقك وحق أهل بيتك ! ! ! فوثب عبيد الله وفي يده عنزة فضرب بها رأس هانئ حتى خرج الزج واغترز في الحائط ونثر دماغ الشيخ فقتله مكانه ؟.
[ 268 ]
ثم أرسل إلى مسلم بن عقيل فخرج عليهم بالسيف فما زال يقاتلهم حتى أثخنوه بالجراح (1) ثم أسروه وأتوا به ابن زياد فقدمه ليضرب عنقه، فقال: دعني حتى أوصي (فقال له ابن زياد أوص.
) فنظر في وجوه الناس فقال لعمر بن سعد: ما أرى هنا قرشيا غيرك، أدن مني حتى أكلمك.
فدنا منه، فقال له (مسلم): هل لك أن تكون سيد قريش ما كانت قريش ؟ إن الحسين (ومن) معه (هم) تسعون إنسانا بين رجل وامرأة في الطريق فارددهم واكتب إليهم بما أصابني.
ثم ضربت عنقه رحمه الله.
فقال عمر (لا) بن زياد: أتدري ما الذي قال لي ؟ قال: اكتم على ابن عمك.
قال: هو أعظم من ذلك ؟ قال: وما هو ؟ قال: أخبرني أن الحسين قد أقبل ومن معه وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة فاردده إليه بما قد أصابني.
فقال (ابن زياد): أما والله إن دللت عليه لا يقاتله (أحد) غيرك، فبعث معه جيشا، وكان قد جاء الحسين الخبر، وهو ب " شراف " فهم أن يرجع ومعه خمسة من ولد عقيل فقالوا: نرجع وقد قتل أخونا وقد جاءك من الكتب ما تثق به ؟ فقال الحسين لبعض أصحابه: والله مالي عن هؤلاء من صبر ؟ ! قال: فلقيه الجيش على خيولهم وقد نزلوا كربلاء (فقال حسين: أي أرض هذه ؟ قالوا: كربلاء.
قال: أرض كرب وبلاء) وأحاطت بهم الخيل.
فقال الحسين لعمر بن سعد: يا عمر اختر مني (واحدة) من ثلاث خصال: إما أن تتركني أرجع من حيث جئت، وإما أن تسيرني إلى يزيد فأضع يدي في يده (2) وإما
(1) ظاهر هذه العبارة أن استشهاد مسلم رفع الله مقامه كان بعد شهادة هانئ، ولكن المذكور في جميع المصادر الوثيقة القديمة أن هانئا استشهد بعد استشهاد مسلم صلوات الله عليهما.
(2) كذا في روايات آل أمية، والثابت في روايات شيعة أهل البيت عليهم السلام أنه عليه السلام لم يسأله إلا أن يتركوه كي يرجع إلى مأمنه وما جاء منه.
وقد روى غير واحد من الحفاظ منهم ابن كثير في ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 175، قال: روى أبو مخنف عن عبد الرحمان بن جندب عن عقبة بن سمعان قال: لقد صحبت الحسين من مكة إلى حين قتل، والله ما من كلمة قالها في موطن إلا وقد سمعتها، وإنه لم يسأل (من القوم) أن يذهب إلى يزيد فيضع يده إلى يده، ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور، ولكن طلب منهم أحد أمرين: إما أن يرجع من حيث جاء، وإما أن يدعوه يذهب في الارض العريضة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه ؟ ! !
[ 269 ]
أن تسيرني إلى الترك أقاتلهم حتى أموت.
فأرسل (عمر) إلى ابن زياد بذلك، فهم به، فقال له شمر بن ذي الجوشن - لعنه الله وأخزاه -: قد أمكنك الله من عدوك فتدعه ؟ ! ! لا إلا أن ينزل على حكمك ! ! ! فأرسل (ابن زياد بذلك إلى عمر بن سعد، فأرسل به عمر إلى الحسين عليه السلام فقال الحسين:) أنا أنزل على حكم ابن مرجانة ؟ والله لا أفعل ذلك أبدا.
وأبطأ عمر (عن تنفيذ أمر عبيد الله في محاربة الحسين عليه السلام، فأمر ابن زياد) شمر بن ذي الجوشن عليه لعائن الله أن يقدم (على عمر فيأمره بقتال الحسين، وقال لشمر: فإن) قاتل (فهو) وإلا فاقتله أنت وكن مكانه / 132 / ب /.
(1) وكان مع عمر بن سعد ثلاثون رجلا من أهل الكوفة فقالوا: يعرض عليكم ابن رسول الله ثلاث خصال فلا تقبلون منها شيئا ؟ فتحولوا مع الحسين رضي الله عنه فقاتلوا (حتى قتلوا).
ورآى رجل من أهل الشام عبد الله بن حسن (بن علي) وكان من أجمل الناس (2) فقال: لاقتلن هذا الفتى.
فقال له رجل: دعه فما تصنع بقتله ؟ فأبى وحمل عليه بالسيف فضربه وقتله، فلما أصابته الضربة قال: يا عماه.
قال (الحسين): لبيك صوتا ؟ قل ناصره وكثر واتره، فحمل الحسين على قاتله فقطع يده ثم ضربه ضربة أخرى ثم اقتتلوا ؟.
(قال ابن عبد ربه:) وحدثني علي بن عبد العزيز، قال: حدثني الزبير قال: حدثني محمد بن الحسن (بن علي عليهم السلام) قال: لما نزل عمر بن سعد بالحسين عليه السلام وأيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(1) هكذا رممنا لفظ المصنف بما وضعناه بين المعقوفات، وما في كتاب العقد الفريد أيضا يحتاج إلى ترميم، وهذا لفظه في الطبعة الثانية منه: قال: وأبطأ عمر عن قتاله، فأرسل ابن زياد إلى شمر بن ذي الجوشن وقال له: إن تقدم عمر وقاتل (فهو) وإلا فاتركه ؟ وكن مكانه... وقريبا منه رواه مرسلا في ترجمة الامام الحسين من تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 170، ط دار الفكر.
(2) انطباق هذا السياق على شهادة قاسم بن الحسن عليهما السلام - على ما رواها أكثر المؤرخين - أظهر من انطباقه على شهادة عبد الله بن الحسن صلوات الله عليهما.
[ 270 ]
قد نزل بنا ما ترون من الامر، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون (أن) الحق لا يعمل به ؟ والباطل لا ينتهى عنه ؟ ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا (ذلا و) ندما (1).
وقتل رضوان الله عليه يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بالطف من شاطئ الفرات بموضع يدعى كربلاء.
و (قد كان) ولد عليه السلام) لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.
وقتل وهو ابن ست وخمسين سنة.
قتله سنان بن أبي أنس ؟ وأجهز عليه خولى بن يزيد بن حمير ؟ لعنهما الله وأخزاهما، وأتى برأسه لعبيد الله بن زياد الدعي وهو يقول: أوقر ركابي فضة وذهبا أنا قتلت الملك المحجبا خير عباد الله أما وأبا (وخيرهم إذ ينسبون نسبا) فقال له ابن الدعي: فإذا كان خير عباد الله أما وأبا فلم قتلته ؟ قدموه فاضربوا عنقه (فضربت عنقه) (2).
وعن روح بن زنباع (عن الغاز بن ربيعة الجرشي) قال: (3) إني مع يزيد بن معاوية إذ أقبل زحر بن قيس الجعفي حتى دخل على يزيد، فقال (له يزيد): ما وراؤك يا زحر ؟ قال: أبشرك يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، قدم علينا الحسين في تسعة عشر رجلا من أهل بيته وستين رجلا من شيعته، فبرزنا إليهم / 133 / أ / وسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الامير (أو القتال) فأبوا إلا القتال فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية، حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام الرجال جعلوا يلوذون منا بالاكام والحفر كما يلوذ الحمام من الصقر
(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من الطبعة الثانية من كتاب العقد الفريد، وفيه وفي أصلي معا تصحيفات أصلحناها على وفق المصادر السالمة على التصحيف.
(2) جملة: " فضربت عنقه " مأخوذة من العقد الفريد.
(3) ما بين المعقوفات كلها مأخوذ من كتاب العقد الفريد، وفيه: إذ أقبل زحر بن قيس الجعفي حتى وقف بين يدي يزيد... والحديث رواه أيضا الطبري بالسند المذكور في تاريخه: ج 5 ص 459 طبع الحديث بمصر.
[ 271 ]
(1) فلم يكن إلا كنحر جزور أو نومة حتى أتيناهم عن آخرهم ؟ فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مرملة ؟ وخدودهم معفرة تصهرهم الشمس وتسفي عليهم الرياح بقاع سبسب طعمة للعقاب والرخم (2).
وعن (علي بن) عبد العزيز (عن الزبير بن بكار) عن محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي (عن أبيه) قال: لما خرج الحسين إلى الكوفة ساخطا لولاية يزيد بن معاوية، كتب يزيد بن معاوية لعبيد الله بن زياد الدعي وهو واليه على العراق: أنه بلغني أن حسينا قد سار إلى الكوفة (1) وقد ابتلى به زمانك من بين الازمان، وبلدك من بين البلدان وابتليت أنت به من بين العمال، وعندها تعتق أو تكون عبدا (كما يعتبد العبيد) ! ! ! فقتله (عبيد الله) - قاتله الله ولعنه وأخزاه - وبعث برأسه وثقله وأهله إلى يزيد، فلما وضع الرأس بين يديه تمثل بقول (حصين) بن الحمام المري: نفلق هاما من رجال أعزة علينا وإن كانوا ؟ أعق وأظلما فقال له علي بن الحسين - رحمه الله (3) وهو في السبي -: كتاب الله أولى بك من
(1) هكذا شأن أبناء من غلب، وكلاب أهل النار، وفراش خروء الطواغيت، مرتزقة المنافقين في التقول بالباطل والتفوه بالترهات، ويكفي لقطع نباح هذا الشقي وأمثاله، المراجعة إلى ما تجلى في يوم عاشوراء من مسابقة الحسين وأصحابه عليهم السلام في الرواح إلى الله تعالى برواية الموثوقين من المؤرخين.
وكذا يكفي ما أبداه بعض الحاضرين في كربلاء من أشقاء هذا الرجس زحر بن قيس حيث اعتذر عن قتاله وقتله لال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار (51) من شرحه على نهج البلاغة ج 3 ص 307، وفي ط الحديث بمصر ج 3 ص 262، قال: ثارت علينا إصابة أيديها في مقابض سيوفها كالاسود الضارية تحتم الفرسان يمينا وشمالا وتلقي أنفسها على الموت، لاتقبل الامان ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية، أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويدا لاتت على نفوس العسكر بحذافيرها ! !.
(2) وفي كتاب العقد الفريد: " وهامهم مزملة، وخدودهم معفرة... بقاع سبسب، زوارهم العقبان والرخم.
قال: فدمعت عينا يزيد، وقال: لقد كنت أقنع من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن ابن سمية أما والله لو كنت صاحبه لتركته، رحم الله أبا عبد الله وغفر له.
(3) وفي العقد الفريد: خرج الحسين إلى الكوفة... فكتب يزيد إلى عبيد الله... وهو واليه بالعراق: إنه قد بلغني...
[ 272 ]
الشعر، يقول الله تبارك وتعالى * (ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختار فخور) * (23 / المجادلة: 57).
فغضب يزيد لعنه الله وجعل يعبث بلحيته وقال: غير هذا من كتاب الله أولى بك وبأبيك، قال الله: * (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) * (42 / الشورى: 42).
(ثم قال يزيد:) ما ترون يا أهل الشام في هؤلاء ؟ فقال رجل منهم: لا تتخذ من كلب سوء جروا ! ! ! فقال النعمان بن بشير الانصاري: انظر ما كان يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم لو رآهم في هذه الحالفة فاصنعه بهم.
قال (يزيد): صدقت خلوا عنهم واضربوا عليهم القباب، وأمال عليهم المطبخ وكساهم ؟ وأخرج إليهم جوائز كثيرة، وقال: لو كان بين ابن مرجانة وبينهم نسب ما قتلهم.
ثم ردهم إلى المدينة (1).
وعن الرياشي قال: أخبرني محمد بن أبي رجاء، قال: أخبرنا أبو معشر عن يزيد بن / 133 / ب / (أبي) زياد، عن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (2) قال: حدثني أبي قال: أتي بنا إلى يزيد بن معاوية بعد ما قتل الحسين ونحن اثنا عشر غلاما، وكان أكبرنا علي بن الحسين وكل واحد قد غلت يده إلى عنقه، فقال لنا أحرزتم أنفسكم عبيد
(1) ما بين المعقوفات مأخوذ من كتاب العقد الفريد، وغيره.
وهذا رواه أيضا الطبراني في الحديث: " 80 " من ترجمة الامام الحسين تحت الرقم: " 2846 " من المعجم الكبير: ج 3 ص 123، طبع بغداد.
ورواه ابن عساكر عن طريق آخر في الحديث: " 260 " من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق، ص 208 ط بيروت.
وقريبا من هذا الذيل مستقلا الطبراني في الحديث: " 82 " من ترجمة الامام الحسين تحت الرقم: " 2848 " من المعجم الكبير: ج 3 ص 124، ط 1.
وهاهنا كان في أصلي نقص أكملناه من كتاب العقد الفريد: ج 3 ص 137، ط 2.
(2) كذا في كتاب العقد الفريد، طبع 2 / غير أنه كان فيه: " محمد بن الحسين ".
وفي أصلي: أخبرنا أبو معمر، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب...
[ 273 ]
أهل العراق (1) وما علمت بخروج أبي عبد الله و (لا) بقتله ؟ (2).
فقال له علي بن الحسين: يقول الله: يا يزيد * (ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختار فخور) *.
فعاظ ذلك يزيد وأجابه بما تقدم (في الحديث المتقدم آنفا).
أبو الحسن المدائني عن إسحاق، عن إسماعيل عن سفيان عن أبي موسى: عن الحسن البصري قال: قتل مع الحسين ستة عشر من أهل بيته والله ما على (وجه) الارض يومئذ أهل بيت يشبهون بهم ! ! ! (3) وحمل أهل الشام بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا على الاقتاب ! ! فلما دخلن على يزيد قالت فاطمة بنت الحسين: يا يزيد (أ) بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا ؟ ! قال: (بل) حرائر كرام ادخلي على بنات عمك تجديهن فعلن ما فعلت ! ! ! قالت فاطمة: فدخلت (عليهن) فما وجدت فيهن سفيانية إلا ملتدمة تبكي (4).
وقالت فاطمة بنت عقيل ترثي الحسين ومن أصيب معه من أهله: عين بكي بعبرة وعويل واندبي إن ندبت آل الرسول ستة كلهم لصلب علي قد أصيبوا وخمسة لعقيل
(1) كذا في أصلي، وفي العقد الفريد: وكان كل واحد منا مغلولة يده إلى عنقه ! ! ! فقال لنا (يزيد): أحرزت أنفسكم عبيد أهل العراق ؟... (2) إلى هنا ينتهي هذا الحديث في كتاب العقد الفريد، ط 2، وما بعده من بقية هذا الحديث غير موجود فيه.
(3) كذا في الطبعة الثانية من كتاب العقد الفريد: ج 3 ص 137 وفي أصلي: وعن إسحاق بن إبراهيم، عن شقيق عن أبي موسى عن الحسن البصري قال: قتل مع الحسين ستة عشر (رجلا) من أهل بيته، والله ما على الارض يومئذ خير منهم.
وهذا رواه أيضا الطبراني في الحديث: " 88 " من ترجمة الامام الحسين عليه السلام تحت الرقم: " 2854 " من المعجم الكبير: ج 3 ص 127، ط 1.
(4) كذا في كتاب العقد الفريد، وفي أصلي: قال: حرائر كرام، ادخلن (على) بنات عمكن تجدوهن ؟ قد فعلن ما فعلتن... وملتدمة: ضاربة وجوههن لما حل من مآتم الحسين عليه السلام.
[ 274 ]
ومن حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم عندي ومعي الحسين فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم فأخذته فبكى (فتركته فدنا منه، فأخذته فبكى) فتركته، فقال له جبريل: أتحبه يا محمد ؟ قال: نعم (1) قال: إن أمتك ستقتله ! ! ! وإن شئت أريتك (من) تربة الارض التي يقتل بها ؟ ((قال: بلى) فبسط جناحه فأراه منها فبكى النبي صلى الله عليه وسلم (2).
وقال محمد بن خالد: قال إبراهيم النخعي: لو كنت فيمن قتل الحسين ودخلت الجنة لاستحييت أن انظر الى وجه رسول الله صلى الله عليه ! ! ! (3) وعن ابن لهيعة، عن أبي الاسود (محمد بن عبد الرحمان) / 134 / أ / قال: لقيت رأس الجالوت قال: إن بيني وبين ابي داود سبعين أبا وإن اليهود إذا رأوني عظموني وعرفوا حقي وأنتم ليس بينكم وبين نبيكم إلا أب واحد قتلتم ابنه ! ! ! (4) وعن عبد الوهاب بن بشار أن الحكم (5) قال:
(1) كذا في الطبعة الثانية من العقد الفريد، وفي أصلي: " فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم فأخذته فبكى فتركته فنزل جبريل عليه السلام وقال: يا محمد أتحبه ؟ قال: نعم... ".
(2) وللحديث - أو ما في معناه - مصادر وأسانيد ذكرنا كثيرا منها في مقدمة كتابنا عبرات المصطفين فليراجع.
(3) وهذا رواه أيضا الطبراني في الحديث: " 63 " من ترجمة الامام الحسين عليه السلام تحت الرقم : " 2829 " من المعجم الكبير: ج 3 ص 119.
ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث: " 323 " من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق، ص 260 ط بيروت.
(4) وهذا رواه أيضا ابن سعد في الحديث: "... " من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من كتاب الطبقات الكبرى: ج 8 / الورق 68 / ب / قال: أخبرنا عمرو بن خالد المصري قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الاسود محمد بن عبد الرحمان قال: لقيني رأس الجالوت، فقال: والله إن بيني وبين داود لسبعين أبا، وإن اليهود لتلقاني فتعظمني وأنتم ليس بينكم وبين نبيكم إلا أب واحد قتلتم ولده ! ! ! (5) كذا في أصلي، وفي العقد الفريد: (وعن) ابن عبد الوهاب، عن يسار بن عبد الحكم قال... والحديث رواه أيضا ابن قتيبة في كتاب الحرب من عيون الاخبار: ج 1، ص 212 قال: روى سيار بن الحكم (سنان بن حكيم " خ " عن أبيه قال: انتهب الناس ورسا في عسكر الحسين بن علي يوم قتل فما تطيبت منه امرأة إلا برصت.
هذا هو الظاهر المذكور في كتاب العقد الفريد، وفي أصلي تصحيف.
[ 275 ]
انتهب عسكر الحسين (عليه السلام) فوجدوا فيه طيبا فما تطيبت به امرأة إلا برصت.
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر وهم صغار، ولم يبايع قط صغيرا إلا منا.
(1) وقيل لعلي بن الحسين: ما أقل ولد أبيك ؟ قال: العجب كيف ولدت (له) وكان رضي الله عنه يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، فمتى كان يتفرغ للنساء ! ! (2) وعن يحيى بن إسماعيل (عن سالم) عن الشعبي قال: قيل لابن عمر: إن الحسين قد توجه إلى العراق.
فلحقه على ثلاث مراحل من المدينة - وكان غائبا عند خروجه - فقال: أين تريد ؟ قال: العراق - وأخرج إليه كتب القوم (و) قال: هذه بيعتهم وهذه كتبهم - فناشده الله أن يرجع، فأبى (الحسين من الرجوع) فقال: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بين الدنيا والاخرة، فاختار الاخرة، وأنت بضعة منه، فو الله ما نالها أحد من أهل بيتك، وما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم فارجع فأنت تعلم غدر أهل العراق وما كان أبوك يلقى منهم.
فأبى (الحسين من أن يرجع) فاعتنقه (ابن عمر) وبكى وقال استودعك الله من قتيل (3).
وقال الفرزدق: خرجت أريد مكة فإذا (أنا) بقباب مضروبة (وفساطيط) فقلت: لمن هذه ؟ قالوا: للحسين.
فعدلت إليه وسلمت عليه، فقال: من أين أقبلت ؟
(1) كذا في أصلي، وفي الطبعة الثانية من كتاب العقد الفريد: ج 3 ص 138: ولم يبايع قط صغيرا إلا هم.
وللحديث مصادر وأسانيد يجدها الباحث تحت الرقم: " 192 - 196 " من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق، ص 149، ط 1 (2) وللحديث مصادر يجد الباحث بعضها في ترجمة الامام علي بن الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق.
وفي كتاب العقد الفريد قبل هذا الحديث ما لفظه: (حدث) علي بن عبد العزيز، عن الزبير، عن مصعب بن عبد الله قال: حج الحسين خمسة وعشرين حجة ملبيا ماشيا.
وليلاحظ الحديث: " 196 " وما بعده من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق ص 150، ط 1 (3) وللحديث مصادر وأسانيد.
[ 276 ]
قلت: من العراق.
قال: كيف تركت الناس ؟ قلت: (تركتهم و) القلوب معك والسيوف عليك، والنصر من عند الله.
والله أعلم.
(1)
(1) كذا في أصلي، وجملة: " والله أعلم " غير موجودة في العقد الفريد.
ورواه أيضا في أواسط كتاب الياقوتة في العلم: ج 1، ص... ط 2 بمصر، وفي ط بيروت: ج 2 ص 128، قال: ولقي الحسين بن علي - رضوان الله عليهما - الفرزدق في مسيره إلى العراق فسأله عن الناس ؟ فقال: القلوب معك والسيوف عليك، والنصر في السماء ؟.
[ 277 ]
تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام من أصحابه وأهل بيته ومن أسر منهم (1) قال أبو عبيدة: حدثنا الحجاج، عن أبي معشر (2) قال: قتل الحسين (عليه السلام) وقتل معه (جماعة من) أهل بيته (3) منهم: عثمان بن علي وأبو بكر ابن علي وجعفر بن علي وعباس بن علي، وكانت أمهم أم البنين بنت حزام الكلبية وإبراهيم بن علي (4) لام ولد / 134 / ب /.
(1) كذا في العقد الفريد: ج 3 ص 139، من الطبعة الثانية بمصر، سنة (1346).
وبعد قوله: " منهم " في أصلي من جواهر المطالب بقدر كلمتين غير مقروء لوقوعهما تحت التلزيقة.
(2) كذا في أصلي، وفي العقد الفريد: ج 3 ص 139، ط 2 بمصر: " قال أبو عبيد... " والظاهر أن أبا معشر هو نجيح بن عبد الرحمان المدني السندي مولى بني هاشم المترجم في تهذيب التهذيب ج 10، ص 419.
(3) ما وضعناه بين المعقوفين من كلمتي: " جماعة من " كان غير مقروء من أصلي لوقوعه تحت التلزيقة وفي العقد الفريد: قتل الحسين بن علي، وقتل معه عثمان بن علي وأبو بكر بن علي... (4) كذا في أصلي ومثله ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد: ج 3 ص 139، والظاهر انه سهو منهما، ولم يذكره أحد من القدماء، فليراجع أسامي أولاد أمير المؤمنين عليه السلام في أول ترجمته عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 19، ط بيروت دار صادر.
وهكذا يراجع ما أورده في تعداد الشهداء وأسمائهم في أواخر مقتل الحسين عليه السلام من القسم المخطوط من الطبقات الكبرى: ج 8 ص 61 / أ /.
وليلاحظ أيضا ما نقله البلاذري في الحديث: (233) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الاشراف: ج 2 ص 189، ط 1.
وأيضا يلاحظ ما أورده ابن أبي الدنيا في عنوان: " ولد علي.. " في آخر مقتله ص 115، ط 1.
وليراجع أيضا ما ذكره الطبري في آخر مقتل الحسين عليه السلام من تاريخه: ج 5 ص 455 ط مصر.
وأيضا يراجع ما رواه محمد بن سليمان في عنوانه: " خبر أولاد علي... " في أواسط الجزء الخامس من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: ج 2 ص 48 ط 1.
ويراجع أيضا ما رواه الطبراني في الحديث: (30) من ترجمة الامام الحسين برقم: (803) من المعجم الكبير 3 ص 103.
ويلاحظ أيضا ما أورده الشيخ المفيد في الحديث: (34) من كتاب الاختصاص ص 82 ط 1.
ويراجع أيضا ما ذكره الشيخ المفيد في خاتمة سيرة أمير المؤمنين من كتاب الارشاد، ص 355، والاربلي في كشف الغمة: ج 1 ص 440.
[ 278 ]
و (أيضا قتل معه عليه السلام) عبد الله بن حسن (وقاسم بن حسن) (1) وخمسة من ولد عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم (1) وعون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر، وثلاثة من بني هاشم (من غير بني أبي طالب) فجميعهم تسعة عشر رجلا (3).
وأسر من بني هاشم اثنا عشر رجلا وغلاما فيهم علي بن الحسين، ومحمد بن (علي بن) الحسين، و (جماعة من النساء والفتيات فيهن) فاطمة بنت الحسين (4) ولم تقم لبني حرب بعدهم قائمة حتى سلبهم الله ملكهم (5) وقطع دابرهم وأورثهم اللعنة والخزي والعار إلى آخر الابد.
وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف: جنبني دماء أهل البيت فإني رأيت بني حرب سلبوا ملكهم لما قتلوا الحسين (6).
(1) ما بين المعقوفين لابد منه، وقد سقط من جواهر المطالب والعقد الفريد معا، وشهادة قاسم بن الحسن في كربلاء قطعية وشواهدها أيضا موفرة، كما أن شهادة أخيه الصغير - غير من تقدم ذكره - قطعية فانظر عبرات المصطفين: ج 2 ص 110.
(2) وهكذا جاء في رثاء بعض بنات عقيل لهم كما في أكثر المصادر - وكما في زفرات الثقلين: ج 1، ص 149، ط 1: عين ابكي بعبرة وعويل واندبي إن ندبت آل الرسول ستة كلهم لصلب علي قد أصيبوا وخمسة لعقيل (3) الظاهر أن هذا هو الصواب، وفي جواهر المطالب والعقد الفريد معا: " سبعة عشر رجلا ".
ثم إن ما صوبناه من أعداد الشهداء صلوات الله عليهم ووضعناه في المتن بين المعقوفات، إنما هو بالنسبة إلى من استشهد منهم في كربلاء، فرائد الشهداء مسلم بن عقيل صلوات الله عليه خارج عن هذا العدد.
(4) هذا هو الصواب، وفي أصلي: " وأسر اثنا عشر رجلا وغلاما من بني هاشم فيهم محمد بن الحسين... وفاطمة بنت الحسين... " وفي العقد الفريد: وأسر أثنا عشر غلاما من بني هاشم فيهم محمد بن الحسين وعلي بن الحسين وفاطمة بنت الحسين فلم تقم لبني حرب قائمة... (5) إلى هنا رواه ابن عبد ربه في العقد الفريد: ج 3 ص 139، وفيه: " فلم تقم لبني حرب قائمة حتى سلبهم الله ملكهم ".
(6) وهذا رواه أيضا ابن سعد، في آخر مقتل الحسين من الطبقات الكبرى: ج 8 / الورق 71 / ب / قال:
[ 279 ]
هذا (ما) ذكره ابن عبد ربه في كتاب العقد (1) والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وذكر غيره في مقتله (عليه السلام) زيادة على ذلك أحببت ذكرها على سبيل الاختصار: قال ابن أبي شاكر في تاريخه (2): لما نزل الحسين عليه السلام ب " شراف " طلعت عليه أعنة الخيل، فنزل في أبنيته ؟ وجاء القوم في ألف فارس فوقفوا مقاتلين للحسين في حر الظهيرة، فأمر الحسين رجلا فأذن ثم خرج (فخطبهم) فقال: أيها الناس معذرة من الله إليكم إنني والله ما أتيتكم حتى قدمت علي رسلكم بكتبكم أن اقدم إلينا.
فإن كنتم (لقدومي) كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي خرجت منه ؟ ! ثم ركب (وأراد الانصراف) فركبوا وحالوا بينه وبين الانصراف ثم تسايروا حتى أنزلوه بكربلاء) (3).
فلما كان من الغد قدم عمر بن سعد بن ابي وقاص في أربعة آلاف فارس، وكان
قالوا: وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف: أما بعد فجنبني دماء بني عبد المطلب فإني رأيت آل حرب لما قتلوهم لم يناظروا.
(1) ذكرنا في أول هذا الباب أن ابن عبد ربه أورد هذا، في عنوان: " مقتل الحسين " من العسجدة الثانية من العقد الفريد: ج 3 ص 123، ط 2، وفي ط لبنان: ج 5 ص 118.
(2) كذا في أصلي، والظاهر أن لفظه: " أبي " زائدة، والرجل ذكره ابن كثير قبيل ختام تاريخ البداية والنهاية: ج 14، ص 303 قال: وفي يوم السبت حادي عشرة (أي حادي عشر عام: (764) صلينا بعد الظهر... على الشيخ صلاح الدين محمد بن شاكر الليثي ؟ (وقد كان) تفرد في صناعته وجمع تاريخا مفيدا نحوا من عشر مجلدات، وكان يحفظ ويذاكر ويفيد رحمه الله وسامحه.
أقول: وذكره أيضا صاحب كشف الظنون في حرف العين منه: ج 2 ص 1185، قال: (وكتاب) عيون التواريخ - في ست مجلدات - لفخر الدين محمد بن شاكر الكتبي المتوفى سنة (764) انتهى فيه (إلى حوادث) آخر سنة (760) وهو في الغالب يتبع ابن كثير، لا سيما في الحوادث، وكثيرا ما ينقل صفحة فأكثر بحروفه.
أقول: ومن أراد المزيد فليلاحظ مقدمة كتاب فوات الوفيات من تأليفه.
(3) أنظر تفصيل القصة في أوائل حوادث سنة (61) من تاريخ الطبري ج 5 ص 402 ط الحديث بمصر.
[ 280 ]
عبيد الله بن الدعي زياد قد ولى عمر بن سعد (الري ودستبى) ثم جاء كتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد: امنع الحسين وأصحابه الماء فقال: اختاروا مني واحدة من ثلاث: أن أذهب إلى يزيد حتى أضع يدي في يده، وإما أن أذهب من حيث أتيت، وإما أن أذهب إلى البعوث فأقاتل الترك ؟ ! ! فكتب (عمر) بذلك لعبيد الله، فقال: لا ولا كرامة إلا أن يضع يده في يدي.
وكان (ابن زياد) قد لان للاجابة، فقال له الشمر - لعنه الله -: لئن رحل من بلادك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة منك، وأنت أولى بالضعف منه / 135 / أ / ولكن (اكتب إليه أن) ينزل على حكمك (فترى فيه بعده رأيك.
فكتب عبيد الله بذلك إلى عمر بن سعد، فعرضه عمر على الحسين عليه السلام) فأبى الحسين (من قبول ذلك) (1).
فكتب عبيد الله إلى عمر بن سعد: إني لم أبعثك لتكف عن الحسين وأصحابه فانظر فإن استسلم ونزل (على حكمي) فأتني به، وإلا فازحف إليهم واقتلهم فإن قتل الحسين فأوطئ صدره الخيل وظهره فإنه قاطع عاق وامنعهم من الماء، فإن مضيت لامرنا فامض ؟ وإن أبيت فخل بين شمر (بن) ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرنا (بأمرنا).
(و) بعد (ه) فصول كثيرة اختصر (نا) ها.
فلما جاء الشمر بالكتاب إلى عمر وقرأة قال: ويلك لا قرب الله دارك وقبح ما جئت به، أظنك والله أنك ثنيته (ظ) عما كتبت به إليه وأفسدت علينا أمرنا.
فقال الشمر: أخبرني ما أنت صانع لامر أميرك ؟ أتقاتل عدوه أم لا ؟ وخل
(1) وقريب منه ذكره الطبري في تاريخه ج 5 ص 413 ط مصر ثم قال: قال أبو مخنف: فأما عبد الرحمان بن جندب فحدثني عن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها، والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعوني فلاذهب في هذه الارض العريضة حتى ننظر ما يسير أمر الناس.
[ 281 ]
بيني وبين الجند والعسكر، قال (عمر): لا ولا كرامة، أنا أتولى ذلك.
فقال دونك (1).
فنهض (عمر) وذلك عشية الخميس لتسع مضين من المحرم (2).
وجاء الشمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقال: أين بنو أختنا ؟ فخرج العباس وعبد الله وجعفر بنو علي فقالوا: مالك وما تريد ؟ فقال: أنتم يا بني أختي آمنون ! ! فقالوا: لعن الله أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أمان له ؟ ! ! ! ونادى عمر بن سعد: يا خيل الله اركبي ! ! ! فركب الناس بعد صلاة العصر، والحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه وقد خفق برأسه بين ركبتيه، فسمعت أخته الضجة فقالت: يا أخي أما تسمع الاصوات قد اقتربت ؟ فرفع رأسه وقال: إني رأيت جدي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في المنام هذه الساعة وقال: إنك تقدم علينا (وشيكا) (3).
فلطمت أخته وجهها (وقالت: يا ويلتا.
فقال ليس لك الويل يا أخية اسكني رحمك الرحمان).
فقال له العباس: يا أخي أتاك القوم.
فنهض وقال: يا عباس اركب (إليهم) حتى تلقاهم فقل لهم: ما بدا لكم ؟
(1) انظر تفصيل القصة في تاريخ الطبري ج 5 ص 411 ط الحديث بمصر.
وفي حوادث وقعة الطف من كتاب أنساب الاشراف: ج 3 ص 183، ط 1، قال: فلما أوصل شمر الكتاب إليه، قال عمر: يا أبرص لا قرب الله دارك ولا سهل محلتك، وقبحك وقبح ما قدمت له، والله إني لاظنك (أنت الذي) ثنيته عن قبول ما كتبت به إليه.
فقال له شمر: أتمضي لامر الامير ؟ وإلا فخل بيني وبين العسكر وأمر الناس.
فقال عمر: لا ولا كرامة، ولكني أتولى الامر.
قال: فدونك.
(2) هذا هو الصواب، الموافق لما في كتاب الطبقات الكبرى وتاريخ الطبري والبداية والنهاية: ج 8 ص 176، وغيرها وفي أصلي من جواهر المطالب: لسبع مضين من المحرم... وهذا وما حوله رواه ابن كثير في ترجمة الامام الحسين من تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 176، ط دار الفكر.
(3) الظاهر أن هذا هو الصواب، وفي أصلي: إنك الان تقدم علينا ؟...
[ 282 ]
فأتاهم العباس في نحو عشرين فارسا فقال: ما تريدون ؟ قالوا: أمر الامير أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم ؟ ! ! قال (العباس): فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم.
فوقفوا ورجع (العباس) إلى الحسين فأخبره (بما قالوا، فقال له الحسين: يا أخي القهم وقل لهم: أمهلونا هذه الليلة حتى ننظر في أمرنا) ثم رجع رسولا (إليهم) فقال: يا هؤلاء إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه الليلة حتى ينظر في أمره فإذا أصبحنا / 135 / ب / التقينا إن شاء الله تعالى.
وإنما أراد (الحسين عليه السلام أن يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره) وأن يوصي أهله.
فقال عمر لاصحابه: ما تريدون ؟ فقال عمرو بن الحجاج: سبحان الله ؟ والله لو كان (هؤلاء) من الديلم وسألك ذلك، لكان ينبغي (لك) أن تجيبه.
فرجع (ابن سعد إلى موقفه).
وخطب الحسين (عليه السلام) أصحابه (1) فقال: إني قد أذنت لكم أن تنطلقوا في (سواد هذا) الليل وأن تتخذوه جملا فإن القوم إنما يريدونني فلو أصابوني لما طلبوكم (2).
فقال العباس أخوه: والله لا نفعل ذلك أبدا.
ثم تكلم (بقية) إخوته وأولاده وبنو أخيه وبنو عبد الله بن جعفر بنحو ذلك.
فقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم من القتل ما مسكم (بمسلم أخيكم) اذهبوا فقد أذنت لكم (3)
(1) هذا هو الصواب، وفي أصلي: فرجع الحسين إلى أصحابه... وفي مقتل الحسين عليه السلام من كتاب الطبقات الكبرى: ج 8 / الورق 57 / ب / قال: وجمع حسين أصحابه في ليلة عاشوراء ليلة الجمعة فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما أكرمه الله به من النبوة وما أنعم الله به على أمته وقال: إني لا أحسب القوم إلا مقاتلوكم غدا، وقد أذنت لكم جميعا فأنتم في حل مني وهذا الليل قد غشيكم فمن كانت له منكم قوة فليضم رجلا من أهل بيتي إليه وتفرقوا في سوادكم حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، فإن القوم إنما يطلبونني فإذا رأوني لهوا عن طلبكم.
(2) هذا هو الظاهر الموافق لما في تاريخ البداية والنهاية - وغيره - وما بين المعقوفين أيضا مأخوذ منه.
وفي أصلي: إني قد أذنت لكم أن تنطلقوا في الليل... وإنما المراد أنا، ولو أصابوني لما طلبوكم.
(3) لعل هذا هو الصواب، وفي أصلي: يا بني عقيل حسبكم من القتل ما مسكم بالله ؟... وفي البداية والنهاية: يا بني عقيل حسبكم بمسلم أخيكم اذهبوا...
[ 283 ]
قالوا: لا والله نفديك بأنفسنا وأهلينا فقبح الله بعدك.
وقال مسلم بن عوسجة: والله لو لم يكن معي سلاح لقاتلتهم بالحجارة ! ! ! وقال سعيد بن عبد الله الحنفي: والله لانخليك حتى يعلم الله أننا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك، والله لو علمت أنني أقتل ثم أحيى ثم أقتل ثم أحيى سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ! ! ! وتكلم جماعة (آخرون من) أصحابه بمثل ذلك.
فجعل الحسين (عليه السلام) يصلح سيفه وهو يقول: يا دهر أف لك من خليل كم لك بالاشراق والاصيل من صاحب أو طالب قتيل (والدهر لا يقنع بالبديل (1) وإنما الامر إلى الجليل وكل حي سالك سبيل) (قال علي بن الحسين زين العابدين: فأعادها أبي مرتين أو ثلاثا حتى حفظتها وفهمت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل) (2).
قال: فلما سمعته (زينب) ابنة علي وقد خنقته العبرة نهضت وهي تقول: واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت فاطمة الزهراء أمي وعلي أبي والحسن أخي يا خليفة الماضي وثمال الباقي (3).
فقال لها الحسين: يا أخية لا يذهبن حلمك - وترقرقت عيناه -.
فلطمت وجهها وشقت جيبها وخرت مغشيا عليها.
فقام إليها الحسن فرش على وجهها الماء وقال: يا أخية اعلمي أن أهل السماوات والارض يموتون ولا يبقون ولي أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وإني أقسم عليك يا أخية (أن) لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي وجها (4).
(1) هذا الشطر، والشطران التاليان الموضوعان بين المعقوفين لم تكن في أصلي، وإنما أخذناها من مصادر أخر.
(2) هذا هو الظاهر المذكور في كثير من المصادر الموثوقة، وقد حذف من أصلي ولذا وضعناه بين المعقوفين.
(3) الثمال - بكسر الثاء - الملجأ، والغياث.
(4) وفي تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 177، ما معناه: عن علي بن الحسين زين العابدين قال: أعاد أبي الابيات مرتين - أو ثلاثا - حتى حفظتها وفهمت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددتها، ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل ! ! وأما عمتي (زينب) فقدمت حاسرة حتى انتهت إليه فقالت: واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة ؟ ! !