[ 284 ]

ثم قام (الحسين عليه السلام) يصلي وقام أصحابه خلفه فصلوا الليل كله (1).

 فلما أصبحوا - وذلك يوم عاشوراء - صلى عمر بن سعد بأصحابه وخرج الناس.

 فعبا الحسين (عليه السلام) أصحابه وكانوا اثنين وثلاثين فارسا وأربعين راجلا، فركب الحسين دابته ودعا بالمصحف / 136 / أ / فوضعه أمامه (2).

 


اليوم ماتت أمي فاطمة، وعلي أبي وحسن أخي يا خليفة الماضي ؟ وثمال الباقي ! ! ! فنظر إليها (الحسين) وقال: يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان.

 فقالت: بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله استقتلت ؟ ولطمت وجهها وشقت جيبها وخرت مغشية عليها ! ! ! فقام إليها (الحسين) فصب على وجهها الماء وقال: يا أخية اتقي الله واصبري وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الارض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شئ هالك إلا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته، ويميتهم بقهره وعزته، ويعيدهم فيعبدونه وحده، وهو فرد وحده، واعلمي أن أبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة.

 قال علي بن الحسين: ثم حرج عليها أن لا تفعل شيئا من هذا بعد مهلكه، ثم أخذ بيدها فردها إلى عندي ؟ ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يدنوا بيوتهم بعضها من بعض، وأن لا يجعلوا للعدو مخلصا إليهم إلا من جهة واحدة، وتكون البيوت عن أيمانهم وعن شمائلهم ومن ورائهم.

 (1) الظاهر أن هذا المطلب مما أخذه المصنف عن ابن أبي شاكر صاحب كتاب عيون التواريخ، ولم يصل إلينا كتابه حتى يتحقق لنا أن هذا السياق منه ومن أي مصدر وساقه هكذا، أو أن هذا السياق من الباعوني من جهة النقل بالمعنى، وكيف كان فإني لم أجد هذا السياق في مصدر غير هذا الكتاب.

 وفي تاريخ البداية والنهاية: وبات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم... وفي حوادث وقعة كربلاء من كتاب الاشراف: ج 3 ص 186، ط 1، قال: ولما جن الليل على الحسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويسبحون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون.

 (2) وفي تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 178، طبعة دار الفكر: ثم ركب الحسين فرسه وأخذ مصحفا فوضعه بين يديه، ثم استقبل القوم رافعا يديه يدعو: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة (وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة، وأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة).

 أقول: ما بين المعقوفين أخذناه مما رواه عنه عليه السلام ابن سعد في مقتل الحسين عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 8 / الورق 58 / ب /.

 


[ 285 ]

وأمر أصحابه فأوقدوا في حطب كان وراءهم لان لا يأتيهم العدو من ورائهم فقال شمر: يا حسين تعجلت النار في الدنيا ! ! ! (فقال الحسين: من هذا ؟ قالوا: شمر بن ذي الجوشن.

 فقال الحسين: أنت تقول هذا يا ابن راعية المعزى أنت والله أولى بها صليا) فقال مسلم بن عوسجة: ألا أرميه بسهم ؟ قال: لا إني أكره أن أبدأهم (1).

 (خطبة الحسين عليه السلام واحتجاجه على جيش ابن زياد) ثم قال: يا قوم انسبوني فانظروا من أنا ؟ ثم راجعوا أنفسكم هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي وأنا ابن بنت نبيكم وابن ابن عمه ؟ أليس حمزة سيد الشهداء عمي ؟ (أو ليس) جعفر الطيار عمي ؟ (2) فقال الشمر - لعنه الله -: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول ! ! ! (فقال له حبيب بن مظهر: والله يا شمر إنك لتعبد الله على سبعين حرفا، وأما نحن فو الله إنا لندري ما يقول، وإنه قد طبع على قلبك) (3).

 فقال الحسين (عليه السلام): أخبروني أتطلبوني بقتيل قتلته ؟ أو مال أخذته ؟ فلم يكلموه ! ! !


(1) ما وضع بين المعقوفات فيه، وفيما بعده، مأخوذ مما أورده البلاذري في مقتل الحسين عليه السلام من أنساب الاشراف: ج 3 ص 188، ط 1 (2) وفي رواية ابن كثير في البداية والنهاية: ج 8 ص 179،: ثم شرع يذكر للناس فضله وعظمه نسبه وعلو قدره وشرفه ويقول: (أيها الناس) راجعوا أنفسكم وحاسبوها، هل يصلح لكم قتال مثلي ؟ وأنا ابن بنت نبيكم وليس على وجه الارض ابن بنت نبي غيري ؟ ! ! وعلي أبي وجعفر ذو الجناحين عمي وحمزة سيد الشهداء عم أبي، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة.

 فإن صدقتموني بما أقول فهو الحق، فو الله ما تعمدت كذبة منذ علمت أن الله يمقت الكذب، وإلا فاسألوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، (سلوا) جابر بن عبد الله، وأبا سعيد، وسهل بن سعد، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبرونكم بذلك، ويحكم أما تتقون الله ؟ أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟ ! !... ثم قال: أيها الناس ذروني أرجع إلى مأمني من الارض ؟ فقالوا: وما يمنعك أن تنزل على حكم بني عمك ؟ ! فقال: معاذ الله * (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) *.

 (3) ما بين المعقوفين أخذناه من البداية والنهاية وغيره.

 


[ 286 ]

فنادى يا شبث بن ربعي ويا قيس بن الاشعث ويا حجار (بن أبجر، ويا يزيد بن الحارث) ألم تكتبوا إلي (أنه قد أينعت الثمار واخضر الجناب، وطمت الجمام فأقبل إلينا فإنما تقدم على جند مجندة ؟) قالوا: لم نفعل.

 قال: أما إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم (إلى مأمني من الارض ؟ ! !) فقال له قيس بن الاشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك فإنه لا يصل إليك منهم مكروه ! ! ! فقال الحسين: لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل (ولا أقر لهم إقرار العبيد، عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون، وأعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) (1).

 فزحفوا (يعني أهل الكوفة) إليهم فأول من رمى عسكر الحسين (عليه السلام) عمر بن سعد وصار الرجل من أصحاب الحسين يخرج وهو يقول: من يبارز ؟ (فيخرج إليه رجل من أصحاب عمر بن سعد فيقتل إلى أن قتل من أصحاب ابن سعد جماعة).

 فقال (عمر بن) الحجاج: يا حمقى أتدرون من تقاتلون ؟ هؤلاء فرسان المصر، وهم مستقتلون (2) فقال عمر بن سعد: صدقت.

 ثم حمل (ابن سعد) وحمل الناس من كل جانب، فكان أول من قتل من أصحاب الحسين مسلم بن عوسجة رحمه الله.

 وحمل الشمر - لعنه الله - على الحسين، وحملوا (معه) من كل جانب (على الحسين وأصحابه).

 وقاتل أصحاب الحسين قتالا شديدا، ولم يحملوا على ناحية إلا كشفوها، فرشقهم أصحاب عمر بن سعد بالنبل فعقروا (عامة) خيولهم فصاروا رجالة (كلهم).

 ودخل الاعداء إلى بيوتهم فأحرقوها بالنار، وفي دون ساعة قتل أصحاب الحسين عن آخرهم (3) وفيهم بضعة عشر شابا من إخوته وأهل بيته رحمهم الله ورضي عنهم ولعن


(1) ما وضع بين المعقوفات مأخوذ من تاريخ الطبري والبداية والنهاية وغيرهما.

 (2) كذا في أصلي، وفي بعض المصادر: " مستميتون " وهما بمعنى واحد.

 (3) هذا سهو من الكاتب، بل الثابت أنهم عليهم السلام حاربوا جند ابن مرجانة من أول صباح يوم عاشوراء بعد صلاة الصبح إلى الظهر - وكانت الايام أيام الصيف - وصلى الاحياء منهم صلاة الظهر جماعة مع الحسين عليه السلام.

 


[ 287 ]

الله من قتلهم وأخزاهم وحاسبهم.

 فأصابوا ابنا للحسين وهو في حجره فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقاتلونا ! ! وحمل الشمر حتى طعن في فسطاط الحسين وقال: علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله.

 فصاح النساء (وولولن) وخرجن من الفسطاط، فصاح به الحسين: حرقك الله / 136 / ب / بالنار (ويلك أتدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي ؟) ثم اقتتلوا إلى الظهر (1).

 وخرج علي بن الحسين فحمل على الناس وهو يقول: أنا علي بن الحسين بن علي نحن ورب البيت أولى بالنبي فطعنه مرة بن منقذ فصرعه.

 ثم قطعوه بالسيوف.

 فبكى الحسين وقال: قتل الله قوما قتلوك، يا بني على الدنيا بعدك العفا (2).

 وخرجت زينب بنت فاطمة وهي تقول: واأخاه وانكبت عليه، فأخذ بيدها الحسين وردها إلى الفسطاط، وجعل (الحسين) يقاتل قتال الشجاع.

 وبقي الحسين زمانا كلما انتهى إليه رجل كره أن يتولى قتله حتى أتاه رجل يقال له مالك بن نسير فضربه بالسيف على رأسه وعليه برنس من خز فامتلا دما (3) فقال (له


ثم ما ذكره الكاتب هنا ينافي ما يذكره قريبا من أنهم عليهم السلام اقتتلوا مع أصحاب ابن زياد إلى الظهر.

 وأيضا ينافيه ما يذكره بعده من قوله: " وخرج علي بن الحسين فحمل على الناس وهو يقول... ".

 (1) ما بين المعقوفات مأخوذ من كتاب أنساب الاشراف: ج 3 ص 194، طبع 1.

 (2) العفاء: التراب.

 الهلاك.

 (3) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: فضربه بالسيف على رأسه فخر وعليه برنس... والحديث رواه الطبري في تاريخه: ج 5 ص 448 قال: ومكث الحسين طويلا من النهار، كلما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه، وكره أن يتولى قتله وعظيم إثمه عليه، وإن رجلا من كندة يقال له: مالك بن النسير - من بني بداء - أتاه فضربه على رأسه بالسيف وعليه برنس له، فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه، فامتلا البرنس دما، فقال له الحسين: لا أكلت بها ولا شربت، وحشرك الله مع الظالمين.

 قال: فألقى ذلك البرنس، ثم دعا بقلنسوة فلبسها واعتم (بها) وقد أعيا وبلد، وجاء الكندي 


[ 288 ]

الحسين): لا أكلت بها ولا شربت، وحشرك الله مع الظالمين.

 ثم ألقى البرنس عن وجهه ودعا بعمامة فاعتم بها، وقد أعيا، (وجاء ابن النسير حتى أخذ البرنس ! ! !).

 وأوتي (عليه السلام) بصبي صغير من أولاده اسمه عبد الله فحمله وقبله فرماه رجل من بني أسد فذبح ذلك الطفل ! ! ! فتلقى الحسين دمه بيده وألقاه نحو السماء ؟ وقال: رب إن كنت حبست عنا النصر من السماء فاجعله لما هو خير لنا، وانتقم لنا من الظالمين.

 واشتد العطش بالحسين فحاول أن يصل إلى الفرات فمانعوه دونه، فخلص إلى شربة (من الماء) فلما أهوى إليها رماه حصين بن نمير بسهم في حنكه فأثبته (فيه) فانتزعه من حنكه ثم رمى (به) ورفع يده إلى السماء يقول: اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تذر منهم أحدا (1).

 ثم إن شمرا - لعنه الله وأخزاه - استنهض جماعة من الشجعان، وجاء بهم حتى أحاط بفسطاط الحسين، ولم يبق أحد يحول بينه وبينه فجاء غلام يشبه القمر يشتد (و) في أذنيه درتان، فخرجت زينب بنت علي ترده فامتنع عليها، وجاء إلى أبيه الحسين (2) فضربه به رجل منهم بالسيف فاتقاها بيده وصاح يا أبتاه.

 فقال الحسين: يا بني


حتى أخذ البرنس، وكان من خز، فلما قدم به بعد ذلك على امرأته: أم عبد الله - ابنة الحر أخت الحسين بن الحر البدي - أقبل يغسل البرنس من الدم، فقالت له امرأته: أسلب ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل بيتي ؟ أخرجه عني.

 فذكر أصحابه أنه لم يزل فقيرا بشر (حال) حتى مات.

 قال (الراوي): ولما قعد الحسين أتي بصبي له فأجلسه في حجره زعموا أنه عبد الله بن الحسين.

 (1) وقريبا منه رواه الطبري في حوادث عاشوراء من تاريخه: ج 5 ص 449.

 (2) كذا في أصلي، وفي تاريخ الطبري: ج 5 ص 450: وأقبل إلى الحسين غلام من أهله، فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه وقال لها الحسين: احبسيه - فأبى الغلام وجاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه وقد أهوى بحر بن كعب بن عبيد الله - من بني تيم الله بن ثعلبة بن عكاية - إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي ؟ فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلا الجلدة، فإذا يده معلقة، فنادى الغلام: يا أمتاه ؟ فأخذه الحسين فضمه إلى صدره وقال: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن علي صلى الله عليهم أجمعين.

 


[ 289 ]

احتسبها عند الله، أجرك على الله حتى تلحق بآبائك الصالحين ؟ ! ! ثم حملت الرجالة على الحسين من كل جانب وهو يجول فيهم يمينا وشمالا فيتطايرون منه تطاير المعزى عن السبع.

 وخرجت أخته زينب بنت فاطمة بنت (النبي) إليه (وهي تقول:) ليت السماء / 137 / أ / وقعت على الارض.

 وجاء عمر بن سعد (إلى الحسين) فقالت (له): يا عمر أرضيت أن يقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ؟ ! فجعلت الدموع تسيل على (خده و) لحيته وصرف وجهه عنها.

 ثم (مكث الحسين طويلا) لا يقدم عليه أحد (1) حتى نادى شمر - لعنه الله -: ويلكم ما تنتظرون بالرجل ؟ اقتلوه ! ! فحملت الرجالة عليه من كل جانب، فضربه زرعة بن شريك على يده اليسرى وضربه آخر على عاتقه، وحمل عليه سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع، فنزل إليه الشمر لعنه الله فاحتز رأسه وسلمه إلى خولى بن يزيد الاصبحي ! ! ! ثم انتهبوا سلبه رضوان الله عليه، فأخذ قيس بن الاشعث عمامته (2) وأخذ آخر سيفه، و (أخذ) آخر نعليه، و (أخذ) آخر سراويله (3) ثم انتهبوا بقية ما وجدوه من حواصله ! ! ! ثم نادى عمر بن سعد - قبحه الله - من يوطئ فرسه الحسين فانتدب أقوام بخيولهم حتى رضوا ظهره (4) فرحمة الله عليه ورضوانه وسلامه وتحيته ونعمه وإكرامه، ولعن الله باغضه وقاتله (ومعاونيهم والراضين بأعمالهم).

 قال الامام أحمد في مسنده (5) (حدثنا محمد بن عبيد) عن شرحبيل بن مدرك (


(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من تاريخ الطبري وغيره.

 (2) السلب: ما ينتزع ويؤخذ قهرا، ومنه سلب القتيل: أمتعته من سلاحه ودابته وغيرها (3) كذا.

 (4) ما أفجعه من فجيعة قلما حدث مثلها من الملاحدة إلى أمثالهم ! ! ! وهؤلاء من أولاد البغايا، والادعياء فعلوها بأشرف خلق الله ومع ذلك كانوا يدعون الاسلام ! ! ! (5) رواه أحمد في الحديث: " 86 " من مسند علي عليه السلام تحت الرقم: " 658 " من كتاب المسند: ج 1، ص 58، وفي ط 2: ج 2 ص 60.

 وجميع ما وضعناه بين المعقوفات في هذا الحديث مأخوذ من مسند أحمد.

 قال أحمد محمد شاكر في تعليق الحديث: إسناده صحيح.

 ورواه الهيثمي عن أحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني وقال: ورجاله ثقاة، ولم ينفرد نجي بهذا.

 


[ 290 ]

عن عبد الله بن نجي عن أبيه) أنه سار مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما حاذى " نينوى " وهو منطلق إلى صفين فنادى علي: اصبر أبا عبد الله اصبر أبا عبد الله بشط الفرات ! ! ! (قال نجي:) قلت: وما ذاك ؟ قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذات يوم) وعيناه تفيضان ! ! ! فسألته ؟ فقال: قام من عندي جبريل آنفا فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ! قال: فقال لي: هل أشمك من تربته ؟ قلت: بلى.

 فمد يده فقبض قبضة من تراب وأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا ! ! ! ثم سأل عن تلك الارض ؟ فقيل (يقال) لها: كربلا.

 فقال: كرب وبلاء (1).

 ووجد بالحسين رضي الله عنه ثلاثة وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة بالسيف ! ! ! وهم الشمر - لعنه الله بقتل علي الاصغر ابن الحسين - وهو زين العابدين - وهو صغير (مريض) (2) فخرجت زينب بنت علي فقالت: والله لا تقتل حتى أقتل ! ! ! فرق لها عمر وأمره بالكف عنه.

 وبعث (عمر بن سعد) بالرؤس إلى عبيد الله بن زياد، الفاسق ابن الفاسق الدعي لعنه الله وأخزاه، وكانت اثنان وسبعون رأسا، وسرح / 137 / ب / برأس الحسين مع خولى بن يزيد الاصبحي (فورد الكوفة ليلا).

 فلما انتهى إلى القصر وجده مغلقا فرجع إلى بيته فوضعه تحت إجانة (3) وقال لزوجته: جئتك بعز الدهر ! ! ! قالت: وما هو ؟ قال: رأس الحسين بن علي ! ! ! قالت: جئت والله بخزي الدنيا والاخرة (بمجيئك برأس) ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله لا يجمعني وإياك فراش أبدا (فقامت وتنحت عنه) ! ! فاستدعى (خولى) بزوجة له أخرى فنامت عنده، قالت الثانية: فو الله ما زلت


هكذا ذكره في مجمع الزوائد: ج 9 ص 187.

 ورواه ابن عساكر بأسانيد في الحديث: " 213 " من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق، ص 165، ط 1.

 ورواه عنه ابن كثير في أواخر ما جرى على الحسين وأهل بيته عليهم السلام من تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 199، طبع دار الفكر.

 (1) من قوله: " ثم سأل - إلى قوله: - كرب وبلاء " غير مذكور في حديث أحمد بن حنبل.

 (2) لا عهد لي بالحديث على هذا النسق، والامام زين العابدين عليه السلام لم يكن صغيرا، كيف وقد كان معه في وقعة كربلاء ابنه أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام.

 (3) الاجانة: إناء يغسل فيه الثياب، والجمع: أجاجين.

 


[ 291 ]

أرى النور ساطعا من تلك الاجانة إلى السماء، قالت: ورأيت طيورا بيضاء ترفرف حولها ! ! ! (2) فلما أصبح (خولى) غدا به إلى ابن زياد فصيره بين يديه، فجعله في طست وجعل ينكت ثناياه بقضيب في يده ! ! ! فقال له زيد بن أرقم: (ارفع قضيبك عن هاتين الثنيتين) فو الله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يترشفه ؟ ولقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما.

 ثم بكى.

 فقال عبيد الله: أبكى الله عينيك فو الله لولا أنك شيخ وقد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك (2) ! ! ! فخرج (زيد بن أرقم) وهو يقول: يا معشر العرب قتلتم ابن فاطمة، وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم أرضيتم بالذل ؟ فتبا لمن رضي بذلك.

 ثم نصب (ابن زياد) رأس الحسين بالكوفة بعد أن طيف به ! ! ! ثم دعا زحر بن قيس فبعث معه برأس الحسين رضي الله عنه ورؤس أصحابه إلى يزيد.

 وأقام عمر بن سعد بعد قتل الحسين يومين ثم دخل الكوفة ومعه بنات الحسين وأخواته سبايا ومن كان معهم من النساء والصبيان، وعلي بن الحسين مريض فاجتازوا بهم على الحسين وأصحابه وهم صرعى فصاح النساء ولطمن الخدود وصاحت زينب أخته: وامحمداه هذا حسين منبوذ بالعراء مرمل بالدماء مقطع الاعضاء، وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا.

 فأبكت كل عدو وصديق (3) ! ! ! فلما أدخلوهم على (ابن) زياد لبست زينب أرذل ثيابها وتنكرت وحفت بها إماؤها، فقال (ابن) زياد: من هذه ؟ فلم تكلمه، فقال ذلك ثلاثا وهي لا تكلمه فقال


(1) ومثله بتوضيح في تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 190، طبع دار الفكر.

 ولكن المستفاد من الطبري: أن قائلة هذا القول هي الامرأة الاولى التي هاجرت الشقي، كما في تاريخ الطبري: ج 5 ص 455.

 (2) وللحديث مصادر وأسانيد، يجدها الطالب في تاريخ الطبري: ج 5 ص 456 وغيره.

 وأيضا يجد الطالب للحديث أسانيد ومصادر تحت الرقم: " 321 - 322 " وتعليقهما من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق ص 259 طبعة 1.

 وهكذا كان سادة حفاظ أهل السنة تصنع مع الصحابة العدول ! ! ! (4) والحديث ذكره الطبري في تاريخه: ج 5 ص 456.

 


[ 292 ]

بعضهم: سبحان الله / 138 / أ / هذه زينب بنت فاطمة الزهراء، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها (ابن) زياد: الحمد لله الذي فضحكم وكذب أحدوثتكم ! ! ! فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه (وآله) وسلم وطهرنا من الرجس تطهيرا، لا كما تقول، وإنما يفتضح الفاسق الكاذب (وهو غيرنا).

 قال: فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ قالت: كتب (الله) عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم.

 فغضبب ابن زياد وقال: قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك فبكت وقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، وأبرت أهلي، وأضعت درعي، واجتثثت أصلي، فإن يشفك هذا فقد اشفيت.

 فقال: هذه سجاعة ولقد كان أبوها سجاعا ! ! فقالت: ما للمرأة والسجاعة (1).

 ونظر (ابن) زياد الى علي بن الحسين فقال: ما اسمك ؟ قال: علي بن الحسين قال: ألم يقتل (الله) علي بن الحسين ؟ فسكت فقال: ما لك لا تتكلم ؟ فقال: * (الله يتوفى الانفس حين موتها) * * (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا) * (145 آل عمران 3) قال: أنت والله منهم.

 ثم قال لرجل: أنظر ويحك هذا هل أدرك ؟ فكشف عنه وقال: نعم، فقال: اقتله.

 (فلما ولى قال): علي (بن الحسين): من توكل بهؤلاء النسوة ؟ (2) وتعلقت به زينب وقالت: حسبك يا ابن زياد أما رويت من دمائنا وهل أبقيت منا أحدا ؟ ثم اعتنقته وقالت: أسألك بالله إن كنت مؤمنا إلا قتلتني معه.

 قال: دعوه.

 ثم نادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس وصعد المنبر فخطب وقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب حسين بن علي وشيعته.

 فوثب إليه عبد الله بن عفيف الازدي - وكان شيخا كبيرا ضريرا قد ذهب بصره قد ذهب إحدى عينيه بصفين والاخرى يوم الجمل، وكان لا يفارق المسجد يصلي فيه إلي الليل ثم ينصرف فلما سمع عبيد الله (قال ما قال) - قام فقال: يا ابن مرجانة إن


(1) والحديث موجود باختلاف طفيف، في تاريخ الطبري: ج 5 ص 457.

 (2) ما بين المعقوفات مأخوذ من تاريخ الطبري: ج 5 ص 458.

 


[ 293 ]

الكذاب ابن الكذاب لانت أبوك والذي ولاك (ظ) وأبوه، يا ابن مرجانة تقتلون أولاد الانبياء وتتكلمون بكلام الصديقين ؟ ! ! فقال ابن زياد: علي به.

 فأخذوه فنادى بشعار الازد: (مبرور يا مبرور) فوثب إليه فئة من الازد فانتزعوه / 138 / أ / فأرسل إليه (ابن زياد) من أتاه به فقتله وصلبه في السبخة (1).

 ثم سير النساء والصبيان مع شمر بن ذي الجوشن لعنه (الله) ومعهم علي بن الحسين، وقد جعل ابن زياد الغل في عنقه وفي يده، وحملهم على الاقتاب، فلم يكلمهم علي بن الحسين في الطريق حتى بلغ الشام فدخلوا به على يزيد، فقال: ما وراءك يا زحر ؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين.

 - وذكر ما تقدم من كلام يزيد -.

 (ف‍) قال (يزيد): لعن الله ابن مرجانة لو كنت صاحبه لعفوت عنه (2) ثم دخلوا على يزيد بالرؤس ووضعوا الرأس بين يديه وحدثوه بالحديث، فسمعت الحديث هند بنت عبد الله - وكانت تحت يزيد - فتلفعت بثوبها وخرجت وقالت: يا أمير المؤمنين أرأس الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم فأعولي عليه وحدي على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عجل عليه ابن مرجانة فقتله.

 ثم (إن يزيد) أذن للناس فدخلوا عليه ورأس الحسين بين يديه ومعه قضيب ينكث به في ثغره ! ! ! فقال له أبو برزة (3): أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين ؟ ! وطالما


(1) ورواه أيضا الطبري في تاريخه: ج 5 ص 459.

 (2) ورواه الطبري في تاريخه: ج 5 ص 465.

 (3) وهو نضلة بن عبيد الاسلمي الصحابي المترجم في كتاب تهذيب التهذيب وغيره.

 والحديث رواه بأسانيد ابن أبي الدنيا، في مقتل الحسين عليه السلام كما في أوائل كتاب الرد على المتعصب العنيد - لابن الجوزي - ص 46 طبع بيروت.

 ورواه أيضا البلاذري في الحديث: " 63 " من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من كتاب أنساب الاشراف: ج 3 ص 214 طبع بيروت.

 ورواه أيضا الطبري في تاريخه: ج 5 ص 465.

 ورواه أيضا بأسانيد المدافع عن يزيد ابن كثير الدمشقي في تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 192 - 197، طبع دار الفكر.

 


[ 294 ]

(كان) يرشفه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك يا يزيد تجئ يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجئ هذا ومحمد صلى الله عليه وسلم شفيعه.

 ثم قام فولى.

 فقال يزيد: أتدرون من أين هذا ؟ إنه (كان يقول: أبي) خير من أبيه وأمي خير من أمه وجدي خير من جده، وأنا خير منه فأتي من قلة فقهه (1) و (كأنه) لم يقرأ (قوله تعالى): * (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء) * الاية: (26 / آل عمران: 3).

 وقيل: لما وفد أهل الكوفة بالرأس (الشريف، و) دخلوا مسجد دمشق أتاهم مروان بن الحكم فسألهم كيف صنعوا ؟ فأخبروه، ثم قام عنهم.

 فأتاهم يحيى (2) بن الحكم فسألهم / 139 / ب / فسألهم فأعادوا له الكلام فقال: حجبتم عن محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فلما دخلوا على يزيد، قال يحيى بن الحكم متمثلا: لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد ذي النسب الوغل سمية أمسى نسلها عدد الحصا وليس لال المصطفى اليوم من النسل ؟ فضرب يزيد في صدره وقال: اسكت (3) ثم أمر بعلي بن الحسين زين العابدين فأدخل (عليه) مغلولا فقال: يا يزيد لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغلولين لفك أغلالنا.

 قال: صدقت، وأمر بفك


(1) وهذه الحماقة والحمارة من يزيد لم يقبلها منه أحدد حتى أصلب حماته المدافعين عنه كالذهبي وابن الجوزي وابن كثير.

 قال ابن كثيري أوائل ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 151 طبعة دار الفكر: بل الناس إنما (كان) ميلهم إلى الحسين لانه السيد الكبير، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس على وجه الارض يومئذ أحد يساميه ولا يساويه.

 (2) هذا هو الصواب، وفي أصلي: " مروان بن الحكم... ".

 وقريبا مما هنا، رواه الطبري في أواخر مقتل الحسين عليه السلام من تاريخه: ج 5 ص 460 و 465 (3) من قوله: " وقيل: لما وفد أهل الكوفة بالرأس... " إلى هنا، كان في أصلي مؤخرا عما يأتي في الصفحة التالية، وكان قبل قول المصنف الاتي: " وسمع أهل المدينة ليلة قتل الحسين مناديا.. " متصلا به، وقدمناه لانه أوفق بالسياق: 


[ 295 ]

قيده (1) ثم أدخل (عليه) نساء الحسين عليه السلام والرأس بين يديه، فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لينظرا الرأس، وجعل يزيد يستره عنهما، فلما رأينه صحن وولولن فقالت فاطمة بنت الحسين: أبنات رسول الله يا يزيد هكذا أسرى سبايا ؟ فقال: يا ابنة أخي لقد كنت أكره ذلك.

 فقال (رجل) ممن كان بين يديه - وهو رجل أزرق أحمر -: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية - (يعني) فاطمة بنت علي - فأخذت بثياب أختها زينب - وكانت أكبر منها - فقالت (زينب): كذبت ما ذاك لك ولا له.

 فقال يزيد: كذبت إن ذلك لي ولو شئت لفعلت ! ! ! قالت / 139 / أ /: كلا والله ما جعل الله ذلك إليك إلا أن تخرج من ملتنا ! ! ! فازداد (يزيد) غيظا ثم قال: تستقبليني بمثل هذا ؟ ! إنما خرج من الدين أبوك وأخوك ! ! ! قالت: زينب: بدين الله ودين أبي وأخي وجدي اهتديت أنت وأبوك.

 قال: كذبت يا عدوة الله.

 (قالت:) أنت أمير تشتمنا ظلما وتقهرنا بسلطانك.

 ثم بكت ؟ ! فقام الشامي وقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية.

 (ف‍) قال (له يزيد): اعزب (عنا) وهب الله لك حتفا قاضيا (2).

 ثم أدخلهن دوره فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا أتتهن وأقمن مأتما (3).

 فقال يزيد: جهزوهم (إلى المدينة) وأمر النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهن ويسير معهم (إلى أن يوصلهم المدينة).

 وكان مع الحسين امرأته الرباب بنت امرئ القيس - وهي أم سكينة - فحملت إلى الشام ثم عادت إلى المدينة، فخطبها الاشراف فقالت: ما كنت لاتخذ حموا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت مدة سنة لم يظلها سقف وماتت كمدا (4).

 وقيل: إنها أقامت على قبره سنة.

 


(1) من قوله: " ثم أمر بعلي بن الحسين... " إلى هنا، كان في أصلي مؤخرا، عن سالفه المتصل به، فقدمناه لانه أوفق للواقع ونفس الامر.

 (2) وهذا ما قبله، ذكرهما ابن كثير - مع مزجها ببعض نفثاته الاموية - في تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 194 - 195.

 (3) من هذا وأمثاله يستفاد، أن يزيد مع عتوه وتفرعنه، كان أسلس من مرتزقة بني أمية المانعين من إقامة عزاء ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 (4) الحمو: أبو زوج المرأة.

 أبو امرأة الرجل.

 والكمد: الحزن والغم الشديد.

 


[ 296 ]

ولما ورد نعيه (عليه السلام) إلى المدينة صاح نساء بني هاشم، وخرجت ابنة عقيل صارخة وهي حاسرة وهي تقول: ماذا تقولون إذ قال النبي لكم: ماذا فعلتم وأنتم آخر الامم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي أن نصحت لكم آن تخلفوني بسوء في ذوي رحم ولما بلغ عبد الله بن جعفر قتل ابنيه مع الحسين (عليه السلام) دخل عليه بعض مواليه، فقال: هذا ما لقينا من الحسين ؟ ! ! فحذفه بنعلم وقال: يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا ؟ والله لو شهدته ما فارقته حتى قتلت معه ؟ والله لمما يسليني عنهما أنهما أصيبا معه، وهو أخي وابن عمي.

 وسمع أهل المدينة ليلة قتل الحسين (عليه السلام) مناديا ينادي (1): أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي ومرسل وقبيل قد لعنتم على لسان ابن داوود وموسى وصاحب الانجيل قال (الراوي): ومكث الناس ثلاثة أشهر (يرون) كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس.

 وروى ابن عساكر (2) أن طائفة من الناس ذهبوا لغزو بلاد الروم فوجدوا بحائط كنيسة (ظ) مكتوبا: أترجوا أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب


(1) وقريبا منه نظما ونثرا رواه ابن عساكر في الحديث " 332 - 336 " من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق، ص 266 - 268 طبع 1.

 ورواه أيضا الطبري في أواخر مقتل الحسين عليه السلام من تاريخه: ج 5 ص 467.

 ورواه أيضا ابن كثير في أواخر شهادة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 201 طبع دار الفكر.

 (2) وهذا رواه أيضا محمد بن سليمان في الحديث: " 689 " وما بعده في الجزء السادس من كتابه مناقب علي عليه السلام الورق / 155 / أ /.

 ورواه ابن عساكر بأسانيد في الحديث: " 340 " وما بعده من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق، ص 271 طبع بيروت.

 


[ 297 ]

فسألوا أهل الكنيسة: من كتب هذا ؟ قالوا: إن هذا مكتوب (ها هنا) من قبل أن يبعث نبيكم بثلاث مائة سنة وحكى أبو جناب الكلبي وغيره (1) أن أهل كربلاء لا يزالون يسمعون نوح نساء الجن على الحسين وهن يقلن: مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود أبواه من عليا قريش وجده خير الجدود خرجوا إليه بوفدهم فهم له شر الوفود قتلوا ابن بنت نبيهم سكنوا به نار الخلود وروي أن الذين قتلوه رجعوا وهم يشربون الخمر، والرأس معهم فبرز لهم قلم من حديد فكتب في الحائط: أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب وروى الامام أحمد بن حنبل في مسنده (2) عن ابن عباس / 140 ب / قال: رأيت


(1) وللحديث وتاليه مصادر وأسانيد، يجدها الطالب تحت الرقم: (337) وما بعده من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق ص 269 ط 1.

 وكذلك ذكره ابن العديم بأسانيد في ترجمة الامام الحسين عليه السلام من كتاب بغية الطالب في تاريخ حلب، ص 110، ط 1.

 (2) رواه أحمد بن حنبل في الحديث: (33 - 34) من باب فضائل الامام الحسن والامام الحسين عليهما السلام من كتاب الفضائل / الورق 148 / ب /.

 وأيضا رواه أحمد في الحديث: (398) وتاليه في مسند ابن عباس من كتاب المسند: ج 1، ص 143، طبعة 1.

 ورواه أيضا أبو طاهر المخلص - كما في أوائل الجزء الرابع من كتاب الفوائد المنتقاة الحسان العوالي عن الشيوخ الثقات - قال: حدثني أحمد بن عيسى حدثنا إسحاق، أخبرني حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: قال ابن عباس: رأيت رسول الله (ص) في المنام أشعث أغبر في يده قارورة من دم فقلت: يا رسول الله ما هذا الدم ؟ قال دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم ! ! ! (قال عمار:) فأحصي ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي قتل فيه الحسين رحمه الله.

 أقول: وللحديث أسانيد ومصادر، يجد الباحث كثيرا منها تحت الرقم: (324) وما بعده وتعليقاته من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق ص 261 ط 1، ببيروت.

 وقد ذكر أيضا البيهقي بأسانيد في كتاب دلائل النبوة الورق / 222 / أ / وفي ط بيروت: ج 6 ص... 


[ 298 ]

النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أشعث أغبر ومعه قارورة وفيها دم فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا (الدم) ؟ قال: دم الحسين وأصحابه مازلت التقطه منذ اليوم.

 (قال الراوي:) فأحصي ذلك اليوم فوجد (وه) يوم قتله.

 وقال ابن أبي الدنيا (1) استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال: قتل الحسين والله وأصحابه فقالوا: كلا يا ابن عباس ؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة من دم فقال: ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي ؟ قتلوا ابني حسينا وهذا دمه ودم أصحابه أرفعه إلى الله عز وجل.

 فكتب اليوم الذي قال فيه (ابن عباس) وتلك الساعة فما لبثوا إلا أربعا وعشرين يوما حتى جاءهم الخبر إلى المدينة بقتله في تلك الساعة.

 وروى الترمذي (2) عن أبي سعيد الاشج عن أبي خالد الاحمر عن رزين: عن سلمى (3) قالت: دخلت على على أم سلمة وهي تبكي قلت: ما يبكيك ؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب.

 فقلت: ما (بك) يا رسول الله ؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا.

 ثم قال: فعلوها ؟ ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا، ثم استيقظت (ووقعت) مغشيا عليها.

 


(1) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن هانئ أبو عبد الرحمان النحوي حدثنا مهدي بن سليمان حدثنا علي بن زيد بن جدعان قال: استيقظ ابن عباس من نومه... هكذا رواه عنه ابن كثير في أواخر ما يتعلق بالامام الحسين وأهل بيته من كتاب البداية والنهاية: ج 8 ص 200 ط دار الفكر.

 وانظر الحديث: (324) وما بعده من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق ص 261 ط 1.

 (2) رواه الترمذي في الحديث الخامس من باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام من كتاب المناقب تحت الرقم: (386) من سننه: ج 5 ص 323، وفي ط: ج 13، ص 193.

 (3) هذا هو الصواب المذكور في سنن الترمذي وغيره من المصادر، وفي أصلي: (زر بن حبيش عن سليم) وهو تصحيف فاحش.

 ورواه أيضا الطبراني تحت الرقم: (882) من مسند أم سلمة في المعجم الكبير: ج 23 ص 373.

 وللحديث أسانيد أخر يجدها الطالب تحت الرقم: (327) من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق ص 263، ط 1.

 


[ 299 ]

وأما قبره عليه السلام فقد اشتهر عند المؤرخين (أنه) بالطف من كربلاء (1).

 وذكر ابن جرير الطبري: أن موضع قبره عفي أثره (2).

 وأما رأسه (الشريف) فالمشهور بين أهل التاريخ والسير: انه بعثه (ابن) زياد بن أبيه الفاسق إلى يزيد بن معاوية، وبعث به يزيد إلى عمرو بن سعيد الاشدق (المعروف ب‍) لطيم الشيطان وهو إذ ذاك (أمير) بالمدينة فنصبه ودفن عند أمه بالبقيع (3).

 وذكر ابن أبي الدنيا أن الرأس (الشريف) لم يزل في خزانته حتى هلك، فأخذ ثم غسل وكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق.

 والله أعلم.

 وذكر الحافظ ابن عساكر رحمه الله (4) أن يزيد لما وضع الرأس (الشريف) بين يديه تمثل بقول ابن الزبعرى: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل (5) ثم نصبه بدمشق ثلاثة أيام / 141 / أ / ثم وضع بخزانة السلاح حتى كان زمن سليمان بن عبد الملك فجئ به وقد بقي عظما أبيضا فكفنه وصلى عليه ودفنه في مقابر المسلمين.

 


(1) وهو بقعة مقدسة معروفة يعرفها أكثر الامم الاسلامية من سكنة العراق ومن حولهم يردها كل يوم ألوف من زواره، ولم ينقطعوا عنها قط حتى في الايام التي كانت زواره تسجن أو تقتل.

 (2) نعم قد سعى طواغيت الامة مرارا لمحو قبره وطمس أثره، ولكن صار سعيهم تبابا، ولم يزده الله تبارك وتعالى إلا عزة وكرامة، فبعث أولياءه فعمروه في كل عصر أحسن من التعمير المتقدم.

 (3) هذا غير ثابت.

 (4) رواه ابن عساكر في ترجمة " ريا " مربية يزيد بن معاوية من تاريخ دمشق.

 ورواه عنه محامي بني أمية ابن كثير الدمشقي في أواخر ما جرى على أهل البيت عليهم السلام من كتابه: البداية والنهاية: ج 8 ص 192، و 204 طبعة دار الفكر.

 ورواه أيضا الذهبي - ولكن باختصار، ثم قال: وهي قوية الاسناد - كما في ترجمة الامام الحسين عليه السلام من سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 319 وليلاحظ ترجمة الامام الحسين عليه السلام من كتاب أنساب الاشراف: ج 3 ص 216 ط 1.

 وليراجع أيضا كتاب الرد على المتعصب العنيد، ص 46 ط 1.

 (5) القرم - على زنة فلس -: عظيم القوم.

 سيد القوم.

 كبير القوم.

 وتمثل يزيد بأبيات ابن الزبعرى وغيره، أمر مستفيض وقد رواه جماعة من أولياء يزيد.

 


[ 300 ]

ومما ينسب إلى يزيد بن معاوية: أنه أنشد والرأس بين يديه: نعب الغراب (فقلت) قل أو لا تقل فقد اقتضيت من الرسول ديوني قال بعض أهل التاريخ: هذا كفر لا يقوله مقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

 وذكر ابن الكلبي (1) أن الماء لما أجري على قبر الحسين (عليه السلام) ليعفى قبره وأثره فنضب الماء ؟ (بعد) أربعين يوما فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ من التراب قبضة قبضة ويشمها حتى وقع على قبر الحسين (عليه السلام) فشم رائحته أزكى من المسك فبكى وقال: بأبي أنت وأمي ما أطيبك و (ما) أطيب تربتك وما حوت ثم أنشد: إرادوا ليخفوا قبره عن وليه وطيب تراب القبر دل على القبر (2) وقال ابن القفطي في تاريخه (3): إن السبي لما ورد على يزيد بن معاوية خرج


(1) ورواه بسنده عنه ابن عساكر في الحديث: ج (346) من ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق ص 275، ط 1.

 (2) هذا هو الصواب المذكور في غير واحد من المصادر، وفي أصلي وبعض المصادر كالبداية والنهاية: ج 8 ص 203: " عن عدوه " ! ! ! وكون هذا غلطا وتحريفا واضح، لان الذين أرادوا إخفاء قبر الحسين عليه السلام وأجروا عليه الماء وحرثوه، هم كانوا من ألد أعداء أهل البيت عليهم السلام كموسى العباسي والمتوكل العباسي وأمثالهما، وكان هدفهم من ذلك محو آثار أهل البيت ومعاليهم كي لا يلتجئ إليهم أحد، ولكي لا يعرفهم ومناهجهم إنسان لانهم خافوا أن يؤل الاياب والذهاب إلى مراقدهم المقدسة سببا للثوران على الطواغيت والقضاء على الظالمين.

 وهؤلاء أرادوا أخفاء قبره عليه السلام عن أحبائه وشيعته، لا عن أعدائه من النواصب والخوارج، كما هو واضح لكل بصير يراجع ما صنعه العباسيون بقبر الحسين عليه السلام فليراجع المنصفون تاريخ المتوكل العباسي وشقيقه موسى العباسي.

 وأما أحباء أهل البيت عليهم السلام فهم في طول القرون سعوا في إعلاء كلمة أهل البيت، وتعمير قبورهم وزيارتهم والالتفاف بها، ودعوة الناس إلى إقامة الصلوات وقراءة القرآن والدعاء حولها.

 (3) قال الكاتب الچلبي في عنوان: " تاريخ " من كتاب كشف الظنون: ج 1، ص 301: (ابن القفطي) هو الوزير جمال الدين علي بن يوسف النحوي المتوفى (عام) " 646 " (وتاريخه) كبير (مرتب) على (ترتيب) السنوات... 


[ 301 ]

لتلقيه فلقي الاطفال والنساء من ذرية علي والحسن والحسين، والرؤس على أسنة الرماح وقد أشرفوا على ثنية العقاب، فلما رآهم أنشد: لما بدت تلك الحمول وأشرقت تلك الرؤس على ربا جيرون (1) نعب الغراب فقلت: قل أو لا تقل فقد اقتضيت من الرسول ديوني يعني بذلك أنه قتل الحسين بمن قتله رسول الله (ص) يوم بدر مثل عتبة جده ومن مضى من أسلافه ! ! وقائل مثل هذا (القول) برئ من الاسلام ولا يشك في كفره.

 وسئل الكيا الهراسي وهو من كبار الائمة (2) عن لعنة يزيد بن معاوية ؟ فقال: لم يك


(1) وليلاحظ خصوصيات جيرون في نفس هذه المادة من كتاب معجم البلدان: ج 2 ص 199.

 قال ياقوت في عنوان " دمشق " من معجم البلدان: ج 2 ص 468 ط بيروت: قال: وقيل في ذم دمشق: فما هي إلا بلدة جاهلية بها تكسد الخيرات والفسق ينفق فحسبهم جيرون فخرا وزينة ورأس ابن بنت المصطفى فيه علقوا وما في المتن رواه أيضا سبط ابن الجوزي في أواخر الباب التاسع من كتاب تذكرة الخواص.

 وذكره أيضا في ترجمة الامام الحسين عليه السلام من كتاب مرآت الزمان / الورق 17 / أ /.

 (2) وهو علي بن محمد بن علي المولود سنة " 450 " عام: " 504 " عن أربع وخمسين عاما، وهو مترجم في مصادر كثيرة.

 وذكره الحافظ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في ترجمة الرجل من كتاب السياق - ذيل تاريخ نيسابور - قال: (هو) ثاني أبي حامد الغزالي، بل أرجح منه في الصوت والمنظر اتصل بخدمة الملك بركياروق السلجوقي وحظي عنده بالمال والجاه، وارتفع شأنه وتولى القضاء بتلك الدولة.

 وكان يستعمل الاحاديث في ميادين الكفاح إذا طارت الرؤس في مهاب الرياح.

 وكان قد سئل عن يزيد بن معاوية ؟ فقدح فيه وشطح، وقال: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل.

 (قال:) فأما قول السلف فلاحمد ومالك وأبي حنيفة (فيه) قولان: تلويح وتصريح، ولنا قول واحد (هو) التصريح، وكيف لا وهو اللاعب بالنرد، والمتصيد بالفهود ومدمن الخمر، وهو القائل: أقول لصحب ضمت الكأس شملهم وداعي صبابات الهوى يترنم خذوا بنصيب من نعيم ولذة فكل وإن طال المدى يتصرم ولا تتركوا يوم السرور إلى غد فرب غد يأتي بما ليس يعلم