الباب الأول

في مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام


[45]

 

الفصل 1

نبذة يسيرة من الأخبار في شأن أمير المؤمنين عليه السلام من طريق العامة

1 - عن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن على عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا على ! لو أن عبدا عبد الله عزو جل مثل ما قام نوح في قومه، وكان له مثل احد ذهبا فأنفقه في سبيل الله، ومد في عمره حتى حج ألف عام على قدميه ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوما ولم يوالك لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها (1).

 2 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (يا عمار ! طاعة على طاعتي، وطاعتي طاعة الله (2).

 3 - عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا على ! من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني (3).

 4 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا عمار !) فإن سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا، فاسلك وادي على بن أبى طالب عليه السلام وخل الناس (4).

 


1 - المناقب للعلامة الخوارزمي ص 28 ط ايران.

 2 - فرائد السمطين للعلامة الجويني الشافعي ج 1 ص 178.

 3 - المصدر السابق ج 1 ص 300 ط بيروت.

 4 - المصدر ج 1 ص 178.

 


[46]

5 - عن على عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا علي ! أنت حجة الله، وأنت باب الله، وأنت الطريق إلى الله وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى، وأنت إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، وخير الوصيين، وسيد الصديقين.

 يا على ! أنت الفاروق الأعظم، وأنت الصديق الأكبر، وإن حزبك حزبي وحزبي حزب الله، وإن حزب أعدائك حزب الشيطان (1).

 6 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إن الله جعل عليا وزوجته وأبنائه حجج الله على خلقه، وهم أبواب العلم في امتي، من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم (2).

 7 - عن على بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (من سره أن يجوز على الصراط كالريح العاصف، ويلج الجنة بغير حساب فليتول وليي ووصيي وصاحبي وخليفتي على أهلي على بن أبى طالب، ومن سره أن يلج النار فليترك ولايته، فوعزة ربي وجلاله إنه لباب الله الذي لا يؤتي إلا منه، وإنه الصراط المستقيم، وإنه الذي يسأل الله عن ولايته (3).

 8 - عن الأعمش، عن عباية، عن ابن عباس قال: ستكون فتنة، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله وعلى بن أبي طالب عليه السلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يقول: (هذا اول من آمن بى واول من يصافحني، وهو فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الاكبر، وهو بابي الذي اوتى منه، وهو خليفتي من بعدي (4).

 9 - عن أبي ليلى الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (ستكون فتنة من


1 - ينابيع المودة الباب 95: ص 496.

 2 - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 ص 58.

 3 - المصدر السابق ج 1: ص 59.

 4 - كفاية الطالب للعلامة الكنجي الشافعي الباب 44 ص 187.

 


[47]

بعدي، فإذا كان ذلك فالزموا على بن أبي طالب، إنه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو معي في السماء العليا، وهو الفاروق بين الحق والباطل (1).

 10 - عن على عليه السلام: (إن الله تبارك وتعالى لو شاء لعرف الناس نفسه، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه ووجهه الذي يتوجه منه إليه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنهم عن الصراط لناكبون (2).

 11 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (يا على من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصاك فقد عصاني (3).

 12 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (على بن أبي طالب باب الدين، من دخل فيه كان مؤمنا، ومن خرج منه كان كافرا (4).

 13 - عن ام سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (على مع القرآن، والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا على الحوض (5).

 14 - وعن ام سلمة أنها كانت تقول: (كان على على الحق، من اتبعه اتبع الحق، ومن تركه ترك الحق، عهد معهود قبل يومه هذا).

 رواه الطبراني (6) 15 - أخرج ابن مردويه في المناقب عن أبي ذر - رضى الله عنه - أنه سئل عن اختلاف الناس، فقال: عليك بكتاب الله والشيخ على بن أبي طالب عليه السلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (على مع الحق والحق معه وعلى لسانه، والحق يدور


1 - كفاية الطالب الباب 44.

 2 - ينابيع المودة ج 1 ص 101 ب 29 ط ايران.

 3 - المصدر السابق ج 2 ص 82.

 4 - نفس المصدر ج 2 ص 61 ط اسلامبول.

 5 - رواه الطبراني في المعجم الصغير والاوسط.

 6 - مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي چ 9 ص 134.

 


[48]

حيث دار على (1).

 16 - عن شهر بن حوشب، قال: كنت عند ام سلمة - رضي الله عنها - إذ استأذن رجل، فقالت له: من أنت ؟ قال: أنا أبو ثابت، مولى على بن أبي طالب عليه السلام فقالت ام سلمة: مرحبا بك يا أبا ثابت ! ادخل، فدخل فرحبت به، ثم قالت: يا ابا ثابت أين طار قبلك حين طارت القلوب مطائرها ؟ فقال: مع على عليه السلام قالت: وفقت - والذي نفسي بيده - لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (على مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع على، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض (2).

 17 - قال النبي صلى الله عليه واله وسلم (تمسكوا بهذا (يعنى عليا) هو حبل الله المتين (3).

 أيها القارئ اللبيب، أنت إذا مررت بهذه الأخبار المنقولة من الكتب المعتبرة عند العامة مر النبيه، ونظرت فيها بعين الأنصاف والأمعان يحصل لك اليقين والأطمينان بأن الأعتراف بولاية على بن أبي طالب عليه السلام وأولاده المعصومين - صلوات الله عليهم أجمعين - من أهم الفرائض وأعظمها لأنك علمت: أنه عليه السلام حبل الله المتين بينه وبين خلقه (4) ومن ألقى حبل الله من يده خر من السماء إلى الأرض فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق.

 وأنه عليه السلام غصن من أغصان النبوة، من تعلق به نجا، ومن زاغ عنه هوى (5).

 وأنه عليه السلام من ناصب خلافته من بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فهو كافر (6).

 وأنه إذا تكون فتنة فالزموا على بن أبي طالب عليه السلام (7).

 


1 - الغدير للعلامة الاميني ج 3 ص 178.

 2 - فرائد السمطين للجويني ج 1 ص 177.

 3 - دلائل الصدق ج 2 ص 32.

 4 - دلائل الصدق ج 2 ص 66.

 5 - شواهد التنزيل ج 2 ص 242.

 6 - المناقب لابن المغازلي ص 46.

 7 - ينابيع المودة ج 1 ص 129.

 


[49]

وأنه عليه السلام مع الحق والقرآن، والحق والقرآن معه لن يفترقا (1).

 وأنه عليه السلام باب حطة، من دخل فيه كان مؤمنا، ومن خرج عنه كان كافرا (2).

 وأن ولايته ولاية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وولاية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولاية الله (3).

 وأنه عليه السلام من فارقه فارق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ومن فارق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقد فارق الله (4).

 وأن طاعته طاعة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وطاعة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم طاعة الله (5).

 وأنه لو سلك الناس كلهم واديا وسلك على واديا فالمسلك المأمور بسلوكه هو وادي على (6).

 وأنه من اتبعه اتبع الحق، ومن تركه ترك الحق (7).

 وأنه يفرق بين الحق والباطل، وباب الله الذي يؤتى منه (8)، وهو الفاروق بين الحق والباطل (9).

 وأنه من عدل عنه ولايته أو فضل عليه غيره فهم عن الصراط لناكبون (10).

 وأنه باب الدين من دخل فيه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا (11).

 


1 - فرائد السمطين ج 1 ص 177.

 2 - كنز العمال ج 11 ص 610 و611.

 3 - المصدر السابق.

 4 - فرائد السمطين ج 2 صص 300 و178.

 5 - المصدر السابق.

 6 - فرائد السمطين ج 1 صص 300 و178.

 7 - مجمع الزوائد ج 9 ص 139.

 8 - كفاية الطالب ص 187.

 9 - المصدر ب 44.

 10 - ينابيع المودة ج 2 صص 82 و61.

 11 - المصدر السابق.

 


[50]

وأن الله تعالى جعله وزوجته وأبنائه عليه السلام حجج الله على خلقه (1).

 وأنه من سره أن يلج النار فليترك ولايته (2).

 وأن حزبه حزب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وحزب رسول الله حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان (3).

 وأنه عليه السلام أول من آمن بالله، وهو وزير رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقاضي دينه (4).

 فلما بلغ بنا الكلام إلى هذا المجال ينبغي أن نشير إلى نكتة مهمة تدل على أن الولاية أوجب الفرائض وأشدها، وهي أن هذه الفرائض المذكورة مع أنها من دعائم الاسلام وأركانها فقد جعل الله عز وجل في بعض الأحيان والأحوال جوازا ورخصة في تركها إلا الولاية منها.

 وها نحن نذكر - إن شاء الله تعالى - بعض الأحاديث التي وردت عن الأئمة المعصومين - صلوات الله عليهم أجمعين - في ذلك حتى تتجلى الحقيقة للمنصفين.

 1 - عن أبي العلاء الأزدي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن الله عز وجل فرض على خلقه خمسا، فرخص في أربع ولم يرخص في واحدة).

 قال العلامة المجلسي - رحمه الله -: قوله عيه السلام: (فرخص في أربع) كالتقصير في الصلاة في السفر وتأخيرها عن وقت الفضيلة مع العذر، وترك كثير من واجباتها في بعض الأحيان، أو سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء، وعن فاقد الطهورين أيضا إن قيل به، والزكاة عمن لم يبلغ ماله النصاب أو مع فقد سائر الشرائط،


1 - شواهد التنزيل ج 1 صص 58 و59.

 2 - شواهد التنزيل ج 1 صص 58 و59.

 3 - ينابيع المودة ج 2 ص 171.

 4 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 13 ص 228.

 


[51]

والحج مع فقد الاستطاعة أو غيرها من الشرائط، والصوم عن المسافر والكبير وذوي العطاش وأمثالهم بخلاف الولاية فإنها مع بقاء التكليف لا يسقط وجوبها في حال من الأحوال (1).

 2 - عن سلمان الفارسى - رضي الله عنه -، قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ دخل علينا أعرابي فوقف وسلم، فرددنا عليه السلام، فقال: أيكم البدر التمام ومصباح الظلام محمد رسول الله الملك العلام ؟ أهو هذا صبيح الوجه ؟ قلنا: نعم، قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: يا أخا العرب ! اجلس، فقال: يا محمد آمنت بك قبل أن أراك، وصدقت بك قبل أن ألقاك غير أنه بلغني عنك أمر، قال صلى الله عليه واله وسلم: وأي، شيء بلغكم عني ؟ قال: دعوتنا إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله فأجبناك، ثم دعوتنا إلى الصلاة والزكاة والحج والصوم والجهاد، فأجبناك، ثم لم ترض عنا حتى دعوتنا إلى موالاة ابن عمك على ابن أبي طالب ومحبته، أنت فرضته أم الله فرضه من السماء ؟ فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: بل الله فرضه على أهل السماوات والأرض - إلى أن قال صلى الله عليه واله وسلم: - كنت جالسا بعد ما فرغت من جهاز عمي حمزة (يوم احد) إذ هبط على جبرئيل وقال: يا محمد ! الله يقرئك السلام، ويقول لك قد فرضت الصلاة ووضعتها عن المعتل والمجنون والصبى، (عن الحائض والنفساء وفاقد الطهورين - إن قيل به -) وفرضت الصوم ووضعته عن المسافر وفرضت الحج ووضعته عن المعتل وفرضت الزكاة ووضعتها عن المعدم، وفرضت حب على بن أبي طالب ففرضت محبته على أهل السماوات والأرض فلم اعط أحدا رخصته (2).

 3 - عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي علة تكبر على الميت خمس


1 - بحار الانوار ج 68 ص 332 الخبر رواه الكافي ج 2 ص 22 2 - بحار الانوار چ 40 ص 46


[52]

تكبيرات، ويكبر مخالفونا بأربع تكبيرات ؟ قال عليه السلام: (لأن الدعائم التي بني عليها الاسلام خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية لنا أهل البيت، فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة، وإنكم أقررتم بالخمس كلها، وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة، فمن ذلك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات، وتكبرون خمسا (1).

 4 - عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (بني الأسلام على خمس: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والولاية لنا أهل البيت، فجعل في أربع منها رخصة ولم يجعل في الولاية رخصة.

 من لم يكن له مال لم تكن عليه الزكاة، ومن لم يكن له مال فليس عليه حج، ومن كان مريضا صلى قاعدا، وأفطر شهر رمضان، والولاية صحيحا كان أو مريضا أو ذا مال أو لا مال له، فهي لازمة (2).

 5 - عن سلمان الفارسى - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ جاء أعرابي من بني عامر فوقف وسلم، فقال: يا رسول الله ! جاء منك رسول يدعونا إلى الاسلام فأسلمنا، ثم إلى الصلاة والصيام والجهاد فرأيناه حسنا، ثم نهيتنا عن الزنا والسرقة والغيبة والمنكر فانتهينا، فقال لنا رسولك: علينا أن نحب صهرك على بن أبي طالب عليه السلام، فما السر في ذلك ؟ وما نراه عبادة ؟ ! قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (لخمس خصال، أولها: أنى كنت يوم بدر جالسا بعد أن غزونا إذ هبط جبرئيل عليه السلام وقال: إن الله يقرئك السلام ويقول: باهيت اليوم بعلى ملائكتي وهو يجول بين الصفوف ويقول: الله أكبر، والملائكة تكبر معه، وعزتي وجلالي لا ألهم حبه إلا من احبه، ولا الهم بغضه إلا من ابغضه.

 


1 - الوسائل ج 2 ص 775 ط عبد الرحيم.

 2 - أو سائل ج 1 ص 14.


[53]

والثانية: أني كنت جالسا يوم احد وقد فرغنا من جهاز عمي حمزة إذ أتاني جبرئيل عليه السلام وقال: يا محمد إن الله يقول: فرضت الصلاة ووضعتها عن المريض (عن الحائض والنفساء) وفرضت الصوم ووضعته عن المريض والمسافر، وفرضت الحج ووضعته عن المقل المدقع (الفقير الملصق بالتراب) وفرضت الزكاة ووضعتها عمن لا يملك النصاب، وجعلت حب على بن أبي طالب ليس فيه رخصة.

 الثالثة: أنه ما أنزل الله كتابا ولا خلق خلقا إلا جعل له سيدا، فالقرآن سيد الكتب المنزلة، وجبرئيل سيد الملائكة - أو قال: إسرافيل - وأنا سيد الأنبياء، وعلى سيد الأوصياء ولكل أمر سيد وحبي وحب على سيد ما تقرب به المتقربون من طاعة ربهم.

 الرابعة: أن الله تعالى ألقى في روعي أن حبه شجرة طوبى التي غرسها الله تعالى بيده.

 الخامسة: أن جبرئيل عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة نصب لك منبر عن يمين العرش والنبيون كلهم عن يسار العرش وبين يديه، ونصب لعلى كرسي إلى جانبك إكراما له.

 فمن هذه خصائصه يجب عليكم أن تحبوه فقال الأعرابي: سمعا وطاعة (41).

 


1 - بحار الانوار ج 27 ص 128.

 


[54]

 

الفصل 2

في ألقاب أمير المؤمنين عليه السلام وكناه

من ألقابه عليه السلام: أمير النحل :

ولايتي لأمير النحل تكفيني * عند الممات وتغسيلي وتكفيني

وطينتي عجنت من قبل تكويني * من حب حيدر كيف النار تكويني(1)

1 - قال العلامة سبط ابن الجوزى: (والمؤمنون يتشبهون بالنحل لأن النحل تأكل طيبا وتضع طيبا، وعلى عليه السلام أمير المؤمنين (2).

 2 - قال الصادق عليه السلام: إنما أنتم في الناس كالنحل في الطير، لو أن طيرا يعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شي إلا أكلته.

 ولو أن الناس علموا ما في أجوافكم أنكم تحبونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم ولنحلوكم في السر والعلانية.

 رحم الله عبدا منكم كان على ولايتنا (3).

 


1 - أي تحرقني من كوى يكوى.

 2 - تذكرة الخواص ص 5.

 3 - البحار ج 24 ص 112.

 


[55]

ومن ألقابه عليه السلام: الأنزع البطين 3 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا على ! إن الله قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك لمحبي شيعتك، فأبشر فإنك الأنزع البطين: المنزوع من الشرك، البطين من العلم (1).

 4 - قال العلامة سبط ابن الجوزي: (ويسمى (على عليه السلام) البطين، لأنه كان بطينا من العلم، وكان يقول عليه السلام: لو ثنيت لي الوسادة لذكرت في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم حمل بعير.

 ويسمى الانزع لأنه كان أنزع من الشرك (2).

 5 - قال ابن الأثير صاحب النهاية في مادة (نزع): (وفي صفة علي عليه السلام (البطين الأنزع): كان أنزع الشعر، له بطن.

 وقيل معناه: الأنزع من الشرك، المملوء البطن من العلم والأيمان (3).

 6 - قال العلامة ابن المنظور في لسان العرب في مادة (نزع): (البطين الانزع) والعرب تحب النزع، وتتيمن بالأنزع (4).

 

 ومن ألقابه عليه السلام: يعسوب المؤمنين

 7 - (ويسمى (على عليه السلام) يعسوب المؤمنين، لأن اليعسوب أمير النحل وهو أحزمهم (5)، يقف على باب الكوراة (6) كلما مرت به نحلة شم فاها فإن وجد منها رائحة منكرة علم أنها رعت حشيشة خبيثة، فيقطعها نصفين ويلقيها على باب الكورارة ليتأدب بها غيرها، وكذا على عليه السلام يقف على باب الجنة فيشم أفواه


1 - المناقب للعلامة ابن المغازلي الشافعي ص 401.

 2 - تذكرة الخواص ص 4.

 3 - النهاية ج 5 ص 42.

 4 - لسان العرب ج 8 ص 352.

 5 - أي أقواهم.

 6 - الكوار والكوارة: شيء يتخذ للنحل من القضبان لسان العرب.

 


[56]

الناس، فمن وجد منه رائحة بغضه ألقاه في النار (1).

 

 تكنيته عليه السلام بأبى تراب :

8 - للشاعر المفلق عبد الباقي أفندي العمري - رحمه الله -:

يا أبا الاوصياء أنت لطه * صهره وابن عمه وأخوه

إن لله في معانيك سرا * أكثر العالمين ما علموه

أنت ثاني الآباء في منتهى الدو * ر وآباؤه تعد بنوه

9 - ومما أشار إليه الشاعر الكبير الشيخ الكاظم الازري (ره):

لم تكن هذه العناصر إلا * من هيولاه حيث كان أباها

10 - قال الشيخ علاء الدين السكتواري في محاضرة الأوائل (ص 113): (أول من كني بأبي تراب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، كناه به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين وجده راقدا وعلى جنبه التراب، فقال له ملاطفا: قم، يا أبا تراب.

 فكان أحب ألقابه، وكان بعد ذلك له كرامة ببركة النفس المحمدي كان التراب يحدثه بما يجري عليه إلى يوم القيامة وبما جرى.

 فافهم سرا جليا (2).

 11 - عن سليمان بن مهران، عن عباية بن ربعي، قال: (قلت لعبدالله بن عباس: لم كنى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليا أبا تراب ؟ قال: لأنه صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها، وإليه سكونها.

 وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة، يقول: (ياليتني كنت ترابيا، أي يا ليتني من شيعة علي.

 وذلك قول الله عز وجل (ويقول الكافر:) يا ليتني كنت ترابا (3).

 


1 - تذكرة الخواص ص 4.

 2 - الغدير ج 6 ص 337.

 3 - غاية المرام للسيد البحراني ط ايران ج 1 ص 58 ولاية في النبأ: 40.

 


[57]

قال العلامة المجلسي - رحمه الله -: يمكن أن يكون ذكر الاية لبيان وجه آخر لتسميته عليه السلام بأبي تراب، لأن شيعته لكثرة تذللهم له وانقيادهم لأوامره سموا ترابا، كما في الاية الكريمة.

 ولكونه عليه السلام صاحبهم وقائدهم ومالك امورهم سمي أبا تراب (1).

 

 ومن ألقابه عليه السلام: أمير المؤمنين :

12 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (لو يعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين لما أنكروا فضائله، سمي بذلك وآدم بين الروح والجسد، وحين قال (الله): الست بربكم قالوا: بلى (2).

 فقال الله تعالى: أنا ربكم، ومحمد نبيكم، وعلى أميركم (3).

 13 - عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام: قلت: جعلت فداك، لم سمي أمير المؤمنين أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: (لأنه يميرهم العلم، أما سمعت كتاب الله عز وجل: ونمير أهلنا (4).

 14 - عن أبان بن الصلت، عن الصادق عليه السلام: (سمي أمير المؤمنين، إنما هو من ميرة العلم، وذلك أن العلماء من علمه امتازوا، ومن ميرته استعملوا (5).

 15 - عن عبد المؤمن، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قلت له: لم سمي أمير المؤمنين أمير المؤمنين ؟ فقال لي: لأن ميرة المؤمنين منه، هو كان يميرهم العلم (6).

 16 - لما ولد على عليه السلام، وجاء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى بيت أبي طالب اهتز وتبسم


1 - البحار ج 35 ص 51.

 2 - الاعراف 172.

 3 - ينابيع المودة ج 2 ص 63 ط اسلامبول.

 4 - البحار ج 37 ص 293 والآية في يوسف 65.

 5 - البحار ج 37 ص 334.

 6 - البحار ج 37 ص 295.

 


[58]

في وجهه، فقال: (السلام عليك يا رسول الله.

 ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم * قد افلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * (1).

 فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: قد أفلحوا بك، أنت والله، أميرهم تميرهم من علومك، وأنت والله دليلهم وبك ويهتدون (2).

 أقول: المستفاد من هذه الأخبار أن تسمية على عليه السلام بأمير المؤمنين في لامتيار المؤمنين منه وميرته لهم، وهذا يشعر بأن الأمير مشتق من المير، وهذا خلاف واضح، لأن الأمير فعيل من الأمر - مهموز الفاء -، والمير أجوف يائي، ولا تناسب بينهما في الاشتقاق.

 والجواب ما اختاره العلامة المجلسي - رحمه الله -، قال في البحار (ج 37: ص 293): (الميرة - بالكسر - جلب الطعام، يقال: مار عياله، يمير ميرا، وأمارهم وامتار لهم.

 ويرد عليه أن الأمير فعيل من الأمر، لامن الأجوف.

 ويمكن التفصي عنه بوجوه: الأول: أن يكون على القلب، وفيه بعد من وجوه، لا يخفى.

 الثاني: أن يكون (أمير) فعلا مضارعا على صيغة المتكلم، ويكون عليه السلام قد قال ذلك ثم اشتهر به كما في تأبط شرا.

 الثالث: أن يكون المعنى أن امراء الدنيا إنما يسمون بالأمير، لكونهم متكفلين لميرة الخلق، وما يحتاجون إليه في معاشهم بزعمهم.

 وأما أمير المؤمنين عليه السلام فإمارته لأمر أعظم من ذلك، لأنه يميرهم ما هو سبب لحياتهم الأبدية وقوتهم الروحانية، وإن يشارك سائر الأمراء في الميرة الجسمانية. وهذا أظهر الوجوه). تم كلامه رفع مقامه.

 


1 - المؤمنون 1 - 3.

 2 - شفاء الصدور للعلامة الحاج الميرزا أبي الفضل الطهراني: ص 76 وبحار الانوار ج 35 ص 38.

 


[59]

أقول: قوله - رحمه الله -: أما الوجه الأول ففيه بعد من وجوه، لأن القلب بنفسه خلاف القاعدة الأدبية.

 وثانيا إذا نقل من (مير) عين الفعل - وهي الياء - إلى مكان فاء الفعل - وهو الميم - يصير مير: يمر، ومع ذلك إذا اشتق الأمير من (يمر) لم يحصل المقصود، لأن الأمير مهموز الفاء، واليمير ليس كذلك.

 وهذا خلاف المقصود.

 واما قوله - رحمه الله -: (والثاني إن يكون (أمير) فعلا مضارعا متكلما - إلى آخر كلامه (ره) فهذا وإن كان أقرب إلى الواقع من الوجه الأول، ولكن هذا أيضا غير صحيح، لأن الفعل إذا نقل على نحو الحكاية ك‍ (تأبط شرا) لا يتغير إعرابه، ولازم ذلك أن يكون (أمير) في أمير المؤمنين دائما بالضم.

 وهذا فاسد بالضرورة، لأنه يتغير بحسب العوامل المختلفة بلا شك.

 وأما قوله - رحمه الله -: (الثالث أن يكون المعنى أن امراء الدنيا يسمون بالأمير - إلى آخر كلامه، رفع مقامه) فهذا كلام وجيه، وقول لطيف يحتاج إلى بسط الكلام حتى يتضح المقصود والمرام.

 أخي العزيز ! إن عليا عليه السلام حيث إنه باب مدينة علم النبي وفقهه وحكمته، وإن نوره متحد مع نوره ومشتق من منبعه، وإنه نفس النبي وروحه وعيبة علمه، إنهما تراضعا من ثدي واحد، وإنهما مشتقان من نور الله عز وجل، فكل ما ثبت من الفضائل والكمالات لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فهو ثابت لعلى عليه السلام.

 وها نحن ننقل - بعون الله تعالى - كلمات من كبار علماء العامة والخاصة حتى يتبين الحق إن شاء الله.

 


[60]

 

الفصل 3

أقوال علماء العامة في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله

1 - قال العلامة الشيخ سليمان الحنفي الشافعي في خطبة كتابه ينابيع المودة (ص 1): (وهو الذي خلق أولا من نور ذاته الأقدس الحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله وسلم التي هي جامعة للعوالم الغيبيه والشهودية، ومحيطة بالمقامات الملكوتية والجبروتية، وجعل محمدا صلى الله عليه واله وسلم خير خلقه، ومبدء العوالم في إيجاده - وساق الخطبة إلى أن قال - وأكرمه تلطفا، وشرفه تعطفا بسيادة الكونين، وجعله برزخا بين الوجوب والامكان - إلى آخر كلامه).

 2 - قال العلامة القسطلانى على ما في عقبات الأنوار المعرب (ج 4: ص 181): (فهو صلى الله عليه وآله الجنس العالي على جميع الأجناس، والأب الأكبر لجميع الموجودات.

 ولما انتهى الزمان بالأسم الباطن في حقه صلى الله عليه واله وسلم إلى وجود جسمه وإرتباط الروح به انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر فظهر محمد صلى الله عليه واله وسلم بكليته جسما وروحا فهو صلى الله عليه واله وسلم وإن تأخرت طينته فهو خزانة السر، وموضع نفوذ الأمر فلا ينفذ امر إلا منه، ولا ينقل خبر إلا عنه).

 3 - قال العلامة الديار بكرى: (وما من نبى يأخذ شيئا من الكمالات، إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر عنهم وجود طينته إذ لا تعلق بمشكاته لوجوده


[61]

الطيني فإنه موجود قبلهم بحقيقته، لأنه أبو الأرواح كما أن آدم أبو الأشباح (1).

 4 - عن العلامة الديار بكري (وفي شواهد النبوة: إن نبينا صلى الله عليه وآله وإن كان آخر الأنبياء في عالم الشهادة لكنه أولهم في عالم الغيب، قال - عليه الصلاة والسلام -: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين - إلى أن قال: - آدم فهو وسائر الأنبياء - وإن كانوا في مشهد علم الربوبية - ما لم يظهروا بصورة جسمانية عنصرية في الشهادة لم يوصفوا بالنبوة، بخلاف نبينا صلى الله عليه (وآله) فإنه لما وجد بوجود روحاني بشره وأعلمه بالنبوة بالفعل، وفي كل الشرائع أعطى الحكم له لكن بأيدي الانبياء والرسل الذين كانوا نوابه كما أن عليا عليه السلام، ومعاذ بن جبل في عالم الشهادة ذهبا بنيابته إلى اليمن وبلغا الأحكام، فإن ثبوت النبوة ليس إلا باعتبار شرع مقرر من عند الله، فجميع الشرايع شريعته إلى الخلق بأيدي نوابه، ولما ظهر بالوجود الجسماني العنصري نسخ تلك الشرايع التي كان اقضاها بحسب الباطن، فإن اختلاف الاسم في الاستعدادات والقابليات مقتض لاختلاف الشرايع (2).

 5 - عن العلامة البوصيري في المحمدية:

محمد سيد الكونين والثقلين * والفريقين من عرب ومن عجم

قال الرومي ما ملخصه: (محمد صلى الله عليه واله وسلم سيد على الأطلاق في الوجودين وأشرف العالمين لإختصاصه بدين، هو أظهر الأديان الحقة).

فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم ولا كرم

وقال بشرحه: (المعنى أنه فاق جميع الأنبياء عليهم السلام بشرف طينته، ونزاهة عنصره، وكمال صفائه، وفضائل ملكاته).

وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم


1 - عبقات الانوار المعرب ج 4: صص 128 و184.

 2 - عبقات الانوار المعرب ج 4: صص 182 و184.

 


[62]

قال العصام بشرحه ما ملخصه: (فإن قلت: هم عليهم السلام سابقون على النبي صلى الله عليه (وآله).

 قلت: هم سألوا منه مسائل مشكلة في علم التوحيد، والصفات فأجاب النبي صلى الله عليه واله وسلم وحل مشكلاتهم - إلى أن قال - وروح نبينا مقدم على أرواح سائر الأنبياء.

 والحاصل كل الأنبياء من نبينا لا من غيره استفادوا العلم وطلبوا الشفاعة. إذا هو بحر من العلم، وسحاب من الجود (1).

فإنه شمس فضل، هم كواكبها * يظهرن أنوارها للناس في الظلم

قال الرومي بشرحه: (يقول: إنما اتصلت تلك الايات الباهرات بهم من نوره صلى الله عليه واله وسلم، لأنه شمس فضل الله تعالى ورحمته للناس كافة، والرسل عليهم السلام كانوا مظاهر نوره وحملة سره على درجات استعدادهم، ومراتب قابلياتهم يظهرون أنوار حقائقه وأسرار دقائقه لاقوامهم قرنا بعد قرن (2).

 6 - عن العلامة ابن الفارض المصري، العارف الكبير، في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله وسلم:

وإنى وإن كنت ابن آدم صورة * فلي منه معنى شاهد بابوتي

وكلهم عن سبق معناي دائر * بدائرتي أو وارد بشريعتي

ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن * شهود ولم تعهد عهود بذمتي

فلا حى إلا عن حياتي حياته * وطوع مرادي كل نفس مريدة

ولا قائل إلا بنطقي محدث * ولا ناظر إلا بناظر مقلتي

وروحي للأرواح روح وكلما * ترى حسنا في الكون من حسن طينتي

بعترته استغنت عن الرسل الورى * وأصحابه والتابعين الأئمة

وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا * علي بعلم ناله بالوصية


1 - عبقات الانوار ص 180.

 2 - المصدر ص 178.

 


[63]

القصيدة طويلة جدا ذكرنا منها ما يناسب المقام ويوضح المرام.

 7 - عن العلامة الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه (التعظيم والمنة في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه واله وسلم (ص 95)، قال ذيل هذه الاية لتؤمنن به ولتنصرنه (1): (في هذه الاية من التنويه بالنبي صلى الله عليه (وآله) وتعظيم قدره العلى ما لا يخفى، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء واممهم كلهم من امته.

 ويكون قوله (بعثت إلى الناس كافة) لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة، بل يتناول من قبلهم أيضا.

 ويتبين بذلك معنى قوله صلى الله عليه (وآله): (كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد).

 وأن من فسره بعلم الله بأنه سيصير نبيا، لم يصل إلى هذا المعنى، لأن علم الله محيط بجميع الأشياء، ووصف النبي صلى الله عليه و(آله) بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولهذا رأى آدم اسمه مكتوبا على العرش (محمد رسول الله)، فلا بد من أن ذلك معنى ثابت في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير في المستقبل لم يكن له خصوصية بأنه نبى وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلابد من خصوصية للنبى صلى الله عليه (وآله) لأجلها أخبر بهذا الخبر - إلى أن قال - فحقيقته موجودة من ذلك الوقت وإن تأخر جسده الشريف (2).

 8 - رواية العلامة سبط ابن الجوزي في الحقيقة المحمدية والعلوية عليهما السلام: (عن على عليه السلام قال بعد الحمد والثناء، لما أراد الله أن ينشئ المخلوقات ويبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة قبل دحو الأرض ورفع السماوات، ثم


1 - آل عمران: 81.

 2 - الخصائص الكبرى للعلامة جلال الدين السيوطي ج 1 ص 4 ط بيروت.

 


[64]

أفاض نورا من نور عزه فلمع قبس من ضيائه وسطع.

 ثم اجتمع في تلك الصورة وفيها هيئة نبينا صلى الله عليه (وآله) فقال له تعالى: أنت المختار وعندك مستودع الأنوار، وأنت المصطفى المنتخب الرضي المنتجب المرتضى، من أجلك أضع البطحاء، وأرفع السماء، واجري الماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك علما للهداية، وأودع أسرارهم من سري بحيث لا يشكل عليهم دقيق، ولا يغيب عنهم خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي والمنبهين على قدري والمطلعين على أسرار خزائني.

 ثم أخذ الحق سبحانه عليهم الشهادة بالربوبية، والأقرار بالوحدانية، وأن الأمامة فيهم، والنور معهم.

 ثم إن الله أخفى الخليفة في غيبه، وغيبها في مكنون علمه، ونصب العوالم، وموج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفا عرشه على الماء.

 ثم أنشأ الملائكة من أنوار إبتدعها، وأنواع إخترعها، ثم خلق الله الأرض وما فيها.

 ثم قرن بتوحيده نبوة نبيه محمد صلى الله عليه (وآله) وصفيه، فشهدت السماوات والأرض والملائكة والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم وما في الأرض له بالنبوة.

 فلما خلق آدم أبان للملائكة فضله، وأراهم ما خصه به من سابق العلم، فجعله محرابا وقبلة لهم، فسجدوا له وعرفوا حقه.

 ثم بين لآدم حقيقة ذلك النور ومكنون ذلك السر.

 فلما حانت أيامه أودعه شيئا ولم يزل ينتقل من الأصلاب الفاخرة إلى الارحام الطاهرة إلى أن وصل إلى عبد المطلب.

 ثم إلى عبد الله، ثم إلى نبيه صلى الله عليه (وآله)، فدعا الناس ظاهرا وباطنا، وندبهم سرا وعلانية - إلى أن قال - فنحن أنوار السماوات والارض، وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمور (1).

 


1 - تذكرة الخواص ص 130.

 


[65]

9 - عن العلامة المجلسي (1) - رحمه الله - في الحقيقة المحمدية والعلوية: (فاعلم أن أكثر ما أثبتوه لهذه العقول قد ثبت لأرواح النبي والأئمة عليهم السلام في أخبارنا المتواترة على وجه آخر، فإنهم أثبتوا القدم للعقل، وقد ثبت التقدم في الخلق لأرواحهم إما على جميع المخلوقات أو على سائر الروحانيين في أخبار متواترة.

 وأيضا أثبتوا لها التوسط في الايجاد أو الاشتراط في التأثير، وقد ثبت في الأخبار كونهم عليهم السلام علة غائية لجميع المخلوقات، وأنه لولاهم ما خلق الله الأفلاك وغيرها.

 وأثبتوا لها كونها وسائط في إفاضات العلوم والمعارف على النفوس والارواح، وقد ثبت في الأخبار أن جميع العلوم والحقائق والمعارف بتوسطهم تفيض على سائر الخلق حتى الملائكة والأنبياء.

 والحاصل أنه قد ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم: الوسائل بين الخلق وبين الحق في إفاضة جميع الرحمات والعلوم والكمالات على جميع الخلق.

 فكلما يكون التوسل بهم والأذعان بفضلهم أكثر كان فيضان الكمالات من الله أكثر - إلى أن قال رحمه الله: - فعلى قياس ما قالوا يمكن أن يكون المراد بالعقل نور النبي صلى الله عليه واله وسلم الذي انشعب منه أنوار الأئمة عليه السلام).

 


1 - بحار الانوار ج 1 ص 103.

 


[66]

 

الفصل 4

في أن كل ما ثبت للنبى صلى الله عليه وآله من الفضائل المنثورة والمنظومة فهو ثابت لعلى عليه السلام

أخي العزيز ! أنت بعد ما لاحظت هذه الكلمات من العامة والخاصة، منثورها ومنظومها في شأن سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم فاعلم أنها متحققه لمولانا على عليه السلام لاتحاد نورهما عليهم السلام، واشتقاقهما من منبع واحد، وارتضاعهما من ثدي واحد.

 قال الازري رحمه الله:

وتراضعتما بثدي وصال * كان من جوهر الجلى غذاها

وقال الشاعر:

هما ظهرا شخصين والنور واحد * بنص حديث النفس والنور فاعلمن

تو نور احمد وحيدر يكى دان * كه تا گردد به تو اسرار آسان

(الشيخ العطار):

هر دو يك در ز يك صدف بودند * هر دو پيرايه شرف بودند

(الحكيم السنائى):

از محمد وز على بهر سجود قدسيان * هيكل توحيدي اندركاخ سرمد ساختند


[67]

چون على عين محمد شد محمد از على * آفريدند وعلى باز از محمد ساختند

أيها القارئ العزيز ! إذا قرأت عن العلامة الديار بكرى: ما من نبي يأخذ شيئا من الكمالات إلا من مشكاة خاتم النبيين، يظهر لك أن عليا عليه السلام من حيث إنه نفس النبي صلى الله عليه واله وسلم كذلك منشأ الكمالات ومنبع الفيوضات للنبيين عليهم السلام.

 وأيضا إذا قرأت عن العلامة الشيخ سليمان الحنفي: أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مبدأ العوالم في ايجاده، وأن له سيادة الكونين، وهو برزخ بين الوجوب والامكان، وهو محيط بالمقامات الكونية، فكذلك علي عليه السلام، لأنهما من نور واحد.

 وأيضا، عن العلامة القسطلاني: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم جنس العالي على الأجناس، والأب الكبير لجميع الموجودات، فإذا على عليه السلام أب كبير لجميع الموجودات لاتحاد نورهما عليها السلام.

 وأيضا عن العلامة البوصيري المصري:

وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من اليم أو رشفا من الديم

فإذا كلهم عن على عليه السلام ملتمس لأنهما عليها السلام من شجرة واحدة وأيضا عن العلامة ابن الفارض المصري، العارف الكبير:

وإني وإن كنت ابن آدم صورة * فلي منه معنى شاهد بابوتي

ولا قائل إلا بنطقي محدث * ولا ناظر إلا بناظر مقلتي

وروحي للأرواح روح وكلما * ترى حسنا في الكون من حسن طينتي

فإذا لا ناطق من الأنبياء، إلا بنطق على عليه السلام محدث، ولا ناظر إلا بمقلة علي عليه السلام ناظر لأتحاد نورهما عليهما السلام.

 وأيضا، قرأت من رواية ذكرها العلامة سبط ابن الجوزي في تذكرته (ص 130): إن الله جعل رسوله صلى الله عليه واله وسلم محرابا وقبلة للملائكة، فسجدوا له وعرفوا حقه.

 ثم ندب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الناس سرا وعلانية، فإذا على عليه السلام قبلة ومحراب للملائكة، وعلى عليه السلام ندبهم سرا وعلانية لأنهما عليها السلام مرتضعان من ثدي واحد.

 


[68]

وأيضا، عن العلامة المجلسي -، -: أن جميع العلوم والمعارف والحقائق بتوسطهم تفيض على سائر الناس وأنهم بين الخلق والحق في إفاضة الرحمات والعلوم والكمالات على جميع الخلق.