الفصل 24

حب علي والائمة من ولده عليهم السلام عبادة ومكفر للسيئات

1 - عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، قال: (أيها الناس ! من أراد أن يطفئ غضب الله وأن يقبل الله عمله فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فالنظر إليه يزيد في الأيمان، وإن حبه يذيب السيئات كما تذيب النار الرصاص (1).

 2 - عن جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: (حب علي عبادة، وأفضل العبادة (2).

 3 - روى عن محمد بن حميد، قال: سمعت مهران بن أبي عمر يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: (حب علي عليه السلام من العبادة، وأفضل العبادة ما كتم (3).

 4 - عن الله عزوجل: (يا آدم !) لولا عبدان اريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك.

 قال: إلهي فيكونان مني ؟ قال: نعم، يا آدم ارفع رأسك وانظر، فرفع رأسه فإذا هو مكتوب على العرش: لاإله إلا الله، محمد رسول الله نبي الرحمة، علي مقيم الجنة، ومن عرف حق علي زكا وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزتي أن ادخل الجنة من أطاعه وإن عصاني، وأقسمت بعزتي أن ادخل النار من


(1) - كشفي النجفي: المناقب المرتضوية، ص 123.

 (2) - الخطيب: تاريخ بغداد: ص 351.

 (3) - إبن كثير: تاريخ دمشق، (ترجمة علي بن ابي طالب عليه السلام) / تحقيق، الشيخ محمد باقر المحمودي ج 3: ص 254.

 


[201]

عصاه وإن أطاعني (1).

 5 - عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (حب علي بن أبي طالب عليه السلام يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب (2).

 6 - عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (لو اجتمع الناس على حب ابن أبي طالب لما خلق الله عز وجل النار (3).

 7 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (إن ملك الموت يترحم على محبي علي بن أبي طالب كما يترحم على الأنبياء عليه السلام (4).

 8 - عن أبي علقمة مولى بني هاشم، قال: (صلى بنا النبي صلى الله عليه واله وسلم الصبح ثم التفت إلينا، فقال: يا معاشر أصحابي ! رأيت البارحة عمي حمزة بن عبد المطلب وأخي جعفر بن أبي طالب وبين يديهما طبق من نبق، فأكلا ساعة ثم تحول النبق عنبا، وأكلا ساعة فتحول العنب رطبا، وأكلا ساعة، ودنوت منهما فقلت: بأبي أنتما ! أي الأعمال وجدتما أفضل ؟ قالا: فديناك بالاباء والامهات وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك، وسقي الماء، وحب علي بن أبي طالب (5).

 9 - عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن فوق كل عبادة عبادة، وحبنا أهل البيت أفضل العبادة (6).

 10 - عن أبي عبد الله عليه السلام: (من أحبنا ولقي الله وعليه مثل زبد البحر ذنوبا كان


(1) - اخطب الخوارزم: المناقب، ص 227.

 (2) - ابن حجر: لسان الميزان، ج 1: ص 185، الخطيب: تاريخ بغداد، ج 4: ص 195، الكنجي: كفاية الطالب، ص 325.

 (3) - اخطب الخوارزم: المناقب، ص 28.

 (4) - اخطب الخوارزم: المناقب، ص 31.

 (5) - اخطب الخوارزم: المناقب، ص 33.

 (6) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 27، ص 91.

 


[202]

حقا على الله أن يغفر له (1).

 11 - عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن الذنوب تساقط عن ظهور شيعتنا كما تسقط الريح الورق من الشجر (2).

 12 - عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن حبنا أهل البيت ليحط الذنوب عن العباد كما تحط الريح الشديدة الورق عن الشجر (3).

 13 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (حب علي بن ابي طالب يحرق الذنوب كما تحرق النار الحطب (4).

 14 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (حب علي يخمد النيران (5).

 15 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (من أحب عليا ناداه ملك من تحت العرش أن يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر الله لك الذنوب كلها.

 ألا ومن أحب عليا لا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر، ويأكل من شجرة طوبى، ويرى مكانه من الجنة، ألا ومن أحب عليا وتولاه كتب الله له براءة من النار وجوازا على الصراط وأمانا من العذاب (6).

 16 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إن شأن علي عظيم، إن حال علي جليل، إن وزن علي ثقيل، ما وضع حب علي في ميزان أحد إلا رجح على سيئاته، ولا وضع بغضه في ميزان أحد إلا رجح على حسناته (7).

 


(1) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 27: ص 121.

 (2) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 27: ص 123.

 (3) - المصدر: ص 77.

 (4) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 39: ص 266.

 (5) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 39: ص 304.

 (6) - المصدر: ص 277.

 (7) - المصدر: ص 26.

 


[203]

17 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (يا علي ! حبك تقوى وإيمان، وبغضك كفر ونفاق (1).

 18 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (حب علي نعمة.

 واتباعه فضيلة - إلى أن قال: - لوا وحي إلى أحد بعدي لاوحي إليه، فزين الله به المحافل، وأكرم به العساكر، وأخصب به البلاد، وأعز به الأجناد - الحديث (2).

 19 - عن سعد بن حذيفة، يقول: سمعت أبي حذيفة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (ما من عبد ولا أمة يموت وفي قلبه مثقال حبة [من] خردل من حب علي بن أبي طالب عليه السلام، إلا أدخله الله عز وجل الجنة (3).

 20 - نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه واله وسلم وقال: (يا محمد ! الله العلي الأعلى يقرئ عليك السلام وقال: محمد نبي رحمتي، وعلي مقيم حجتى، لا اعذب من والاه وإن عصاني، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعنى (4).

 21 - عن جماعة: (قلنا: يا ابن عباس ! أينفع حب علي عليه السلام في الاخرة ؟ قال: تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حبه حتى سألنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال: دعوني حتى أسأل الوحي، فلما هبط جبرئيل عليه السلام سأله، فقال: أسأل ربي عز وجل عن هذا، فرفع إلى السماء ثم هبط إلى الأرض، فقال: يا محمد ! إن الله تعالى يقرئ عليك السلام ويقول: احب عليا، فمن أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، يا محمد ! حيث تكن يكن علي، وحيث يكن علي يكن محبوه (وإن اجترحوا، وإن اجترحوا (5).

 أيها الأخ العزيز ! أنت بعد ما قرأت هذه الأخبار المروية من طرق العامة و


(1) - المصدر: ص 263.

 (2) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 39: ص 37.

 (3) - المصدر: ص 247.

 (4) - المصدر: ص 259.

 (5) - المصدر: ص 294.

 


[204]

الخاصة، وأحطت بألفاظها ومعانيها تتجلى لك الحقيقة بأن حب علي عليه السلام يأكل السيئات، ويذيب الاثام ويحط الذنوب كما تسقط الريح الشديدة الورق من الشجر، ويحرق الذنوب كما تحرق النار الحطب، وأن من أحبه وأولاده ولقي الله وعليه مثل زبد البحر ذنوبا كان حقا على الله أن يغفر له، وأنه ما وضع حبه في ميزان أحد إلا رجح على سيئاته، أنه أن يغفر له، وأنه ما من عبد ولا أمة يموت وفي قلبه مثقال حبة من خردل من حبه عليه السلام إلا أدخله الله عزوجل الجنة، وليس كما يتوهمه بعض الفضلاء حيث يقول في كتابه المسمى بالفارسية: (كاوشهائي پيرامون ولايت (1) (تحقيقات حول الولاية): (هدف از الزام مودت آنان جز وسيله جوئى براى دين وآگاهى مردم از متن شريعت وعمل مردم به دستورات دين چيز ديگرى نيست).

 اي الغاية من إلزام مودتهم ليست إلا الوصول إلى وسيلة لبقاء الدين والبصيرة بمتن الشريعة والعمل بأحكام الدين.

 وايضا يقول في صفحة 80 من كتابه المذكور: (زيرا دوستى خاندان رسالت خود مطلوب اساسى وبه اصطلاح موضوعيت ندارد، ومقصود از محبت ومودت آنان پيروى از گفتار وكردار آنان است).

 أي: لأن حب آل النبوة ومودتهم ليس بنفسه مطلوبا ولاله موضوعية، بل المقصود من المحبة والمودة الأتباع لهم في أقوالهم وأفعالهم - انتهى.

 أقول: وإني لأتأسف جدا من مقال هذا الفاضل مع أنه من أهل التحقيق والمطالعة، فكأنه لم ير هذه الأخبار الكثيرة المروية من طريق العامة والخاصة، نعوذ بالله من عثرات القلم واللسان.

 هلم معي أخي المنصف نسائل هذا الفاضل و


(1) - سبحاني، الشيخ جعفر: كاوشهايى پيرامون ولايت، ص 82.

 


[205]

نظراءه: إنا إذا فرضنا رجلين مسلمين: أحدهما يحب عليا وأولاده المعصومين - صلوات الله عليهم أجمعين - والاخر بخلافه، والحال أنهما لم يوفقا على العمل بأحكام الأسلام قط، فهل هما عند الله تعالى سيان ؟ اجعل نفسك قاضيا.

 أو نفرض أنهما عملا عملا تاما كاملا ثم ماتا، ولكن أحدهما مات مع حب علي عليه السلام، والآخر بدونه فهل هما سيان عند الله عزوجل ؟ فاجعل نفسك قاضيا، واعلم أن الله عز وجل يعلم ما تخفي الصدور.

 إن قلت: في مقابل هذه الأخبار والأحاديث أخبارتنا فيها وتعارضها كما جاءت في (جامع البيان)، للحافظ الطبري: (حين نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين (1) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يا معشر قريش ! اشتروا أنفسكم من الله، لا اغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبدمناف ! لااغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب ! لااغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت رسول الله ! لا اغنى عنك من الله شيئا (2).

 وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (إن ولي محمد صلى الله عليه واله وسلم من أطاع الله وإن بعدت لحمته (3)، وإن عدو محمد صلى الله عليه واله وسلم من عصى الله وإن قربت قرابته (4).

 وما إلى ذلك من أخبار وأحاديث.

 قلت: لا تعارض ولا تنافي بين الأخبار الماضية الناطقة بأن حب أهل البيت: يأكل السيئات وتذيب الذنوب، وبين هذه الأخبار ونطائرها التي لا تبلغ عددا إلى الأخبار التي شاهدتها وملاحظتها بكثرتها، لأن لأمثال هذه


(1) الشعراء 26: 214.

 (2) - المجلسي، بحار الأنوار، ج 19: ص 66، ط القاهرة.

 (3) - اللحمة: القرابة.

 (4) - نهج البلاغة، قسم الحكم: الرقم 95.

 


[206]

الأحاديث معاريض (1) ومحامل مشخصة يعرفها من له إلمام بتعابيرها، كما أشار إلى ذلك مولانا الصادق عليه السلام بقوله: (لا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا، وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها (2).

 فإذا كان كذلك فلا تعارض ولاتنافي.

 ثم اعلم، أنه من منن الله تعالى وألطافه إلقاؤه الحقائق على ألسن المخالفين والمعاندين كي تتم الحجة، وما نحن فيه من تلك الموارد، فلاحظ حتى تصدق ما قلناه.

 أخرج ابن حجر الهيثمي المكي المتوفى سنة 974 في كتابه (الصواعق المحرقة) (ص 231) في باب الحث على حبهم: (أن صفية - عمة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم - توفي لها ابن فصاحت، فصبرها النبي صلى الله عليه واله وسلم فخرجت ساكتة.

 فقال لها عمر: صراخك، إن قرابتك من محمد صلى الله عليه واله وسلم لا تغني عنك من الله شيئا.

 فبكت، فسمعها النبي صلى الله عليه واله وسلم - وكان يكرمها ويحبها - فسألها فأخبرته بما قال عمر، فأمر بلالا، فنادى بالصلاة، فصعد المنبر، ثم قال: (ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ؟ كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي (3)، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة).

 وصح أنه صلى الله عليه واله وسلم قال على المنبر: (ما بال رجال يقولون: إن رحم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا تنفع قومه يوم القيامة، والله إن رحمي موصولة في الدنيا والاخرة، وإني - أيها الناس ! - فرطكم على الحوض).

 ولاتنافي هذه الأحاديث ما في الصحيحين وغيرهما أنه لما نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين خرج فجمع قومه، ثم عم وخص بقوله: لا اغني عنكم من الله شيئا، حتى قال: (يا فاطمة


(1) - أي لطائف الآية ودعوة قريش، والآية نزلت في أول الأمر قبل دعوة الناس وكان قبل ميلادها.

(2) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 2: ص 184.

(3) - لا يخفى ما في قوله: (سببي) وكانه من المخاريق إلا أن يكون المراد منه الدين أو القران لا القرابة السبية.

 


[207]

بنت محمد !).

 إما لأن هذه الرواية محمولة على من مات كافرا، أو أنها خرجت مخرج التغليظ والتنفير، أو أنها قبل علمه بأنه يشفع عموما وخصوصا.

 وجاء عن الحسن - رضي الله عنه - أنه قال لرجل يغلو فيهم: (ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا فأبغضونا - الحديث).

 وورد: (إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار).

 قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (الزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع أحدا عمله إلا بمعرفة حقنا).

 وفي رواية: (إن الله قد غفر لشيعتك (شيعة علي) ولمحبي شيعتك).

 وحديث: (حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة) وحديث: (حبي وحب آل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوا لهن عظيمة) وحديث: (معرفة آل محمد براءة من النار) و(حب آل محمد جواز على الصراط) و(والولاية لآل محمد أمان من العذاب) إلى آخر ما قال ابن حجر.

 الاستدراك ، الصاحب بن عباد :

حب علي لي عمل * وملجئي من الوجل

إن لم يكن لي من عمل * فحبه خير العمل (1)

وقد أتت ارواية في حديث * صحيح عن ثقات محدثينا

بأن محبة الهادي علي * أجل تجارة للتاجرينا


(1) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 326.

 


[208]

وليس تضر سيئة بخلق * يكون بها من المتخلفينا (1)

 

الحميري :

فحبي لك إيمان * وميلي عنك كفران

فعد القوم ذا رفضا * فلا عدوا ولا كانوا (2)

عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: مودة علي عليه السلام عبادة (3).

 قال رسول الله صلى الله عليه واله: حب علي عليه السلام عبادة (4).

 عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: قلت لجبرئيل: أي الاعمال أحب إلى الله عزوجل ؟ قال: الصلاة عليك يارسول الله صلى الله عليه واله وسلم وحب علي بن أبي طالب.

 (5) عن حفص الدهان قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: إن فوق كل عبادة عبادة وحبنا أهل البيت أفضل عبادة (6).

 حيلة الاولياء: قال يحيى بن كثير الضرير: رأيت زبير بن الحارث النامي في النوم فقلت له: إلى ما صرت يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: إلى رحمة الله ! قلت: فأي الاعمال وجدت أفضل ؟ قال: الصلاة وحب علي بن أبي طالب عليه السلام (7).

 قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: حب علي آية الايمان (8).

 


(1) المصدر صص 197 - 198.

 (2) الاميني: الغدير ج 2 ص 271.

 (3) العلامة الاميني: الحيدر آبادي في " مناقب علي " ص 53.

 (4) تفريح الاحباب في مناقب الآل والاصحاب ص 340 احقاق الحق ج 17: ص 234.

 (5) السخاوي الشافعي في (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع) ص 94 إحقاق الحق ج 17: ص 251.

 (6) المجلسي: بحار الانوار ج 27: ص 91.

 (7) المجلسي: بحار الانوار ج 39 ص 259.

 (8) المحدث الدهلوي الحنفي في (ازالة الخفاء) ج 2: ص 453.

 


[209]

وقال صلى الله عليه واله وسلم: يا علي عليه السلام ! حبك تقوى وإيمان وبغضك كفر ونفاق (1).

 وقال صلى الله عليه واله وسلم: حرمت النار على من آمن بي وأحب عليا وتولاه ولعن الله من مارى عليا وناواه.

 علي مني كجلدة ما بين العين والحاجب (2).

 وقال صلى الله عليه واله وسلم: من أحب أن يجاور الجليل في داره ويأمن حر ناره فليتول علي بن أبي طالب عليه السلام (3).

 وقال صلى الله عليه واله وسلم: ما من عبد ولا أمة يموت وفي قلبه مثقال حبة خردل من حب علي بن أبي طالب إلا أدخله الله الجنة (4) وقال صلى الله عليه واله وسلم: ولو اجتمع الناس على حبه لما خلق الله جهنم (5).

 وقال صلى الله عليه واله وسلم: حب علي بن أبي طالب يأكل السيئات كما تأكل النار احطب (6).

 وقال صلى الله عليه والله وسلم: لو اجتمع الناس على حب علي بن أبي طالب عليه السلام لما خلق الله عزوجل النار (7).

 وقال صلى الله عليه واله وسلم: حب علي بن أبي طالب حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة (8) وقال صلى الله عليه واله وسلم: إني لارجو لامتي في حب علي كما أرجو في قول لا إله إلا الله (9).

 وقال صلى الله عليه واله وسلم: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب (10).

 


(1) المجلسي: بحار الانوار ج 39 ص 263.

 (2) المجلسي: بحار الانوار ج 39: ص 247.

 (3) المجلسي: بحار الانوار ج 39: ص 247.

 (4) المجلسي: بحار الانوار ج 39 ص 247.

 (5) احقاق الحق ج 17 ص 244.

 (6) المصدر ص 243 وفي رواية: يأكل الذنوب.

 (7) المجلسي: بحار الانوار ج 39 ص 248.

 (8) المصدر ص 248 القندوزي: ينابع المودة ص 125 ط اسلامبول (9) المصدر ص 249.

 (10) القندوزي: ينابيع المودة ص 125 ط اسلامبول.

 


[211]

 

الباب الثاني

بعض الأدلة التي تدل على تفضيل الائمة عليهم السلام على سائر الناس


[213]

 

الفصل 1

1 - آية التطهير:

من كرائم الآيات التي على أن عليا وأولاده المعصومين - صلوات الله عليهم أجمعين - أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين سوى خاتم النبيين صلى الله عليه واله وسلم آية التطهير، وهي قوله عز وجل: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * (1) ووجه الأستدلال بها يظهر بعد أن نذكر نبذة يسيرة من الأحاديث التي وردت في شأن الآية من طريق العامة والخاصة، وبعد تبين مفردات الآية من كلمة (إنما) و(الرجس) و(أهل البيت) وغيرها، إن شاء الله تعالى.

 فأقول مستعينا بالله عزوجل: أجمع أصحابنا في أن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس في هذه الآية هم الخمسة الذين كانوا أصحاب الكساء، وهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وابن عمة علي المرتضى الذي هو بمنزلة روحه ونفسه وابنته التي هي مهجة قلبه وثمرة فؤاده، وسبطاه الشهيدان اللذان هما ريحانتاه من الدنيا، فهؤلاء هم أصحاب هذه الآية.

 وأما الأخبار والأحاديث الدالة على هذا المعنى التي جاءت من طريق العامة كثيرة جدا يصعب إحصاؤها:


(1) الاحزاب 33: 33.

 


[214]

ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة 310) في تفسيره الكبير المسمى بـ(جامع البيان (1) خمسة عشر حديثا بأسانيد مختلفة.

 قال: (اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: (أهل البيت)، فقال بعضهم عني به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين - رضوان الله عليهم -.

 ذكر من قال ذلك عن أبي سعيد الخدري قال: 1 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (نزلت هذه الآية في خمسة: في وفي علي - رضي الله عنه - وحسن - رضي الله عنه - وحسين - رضي الله عنه - وفاطمة - رضي الله عنها -: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

 2 - عن عائشة: (خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

 3 - عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر كلما خرج إلى الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

 4 - عن شهر بن حوشب، عن ام سلمة قالت: (كان النبي عندي وعلي وفاطمة والحسن والحسين: فجعلت لهم خزيرة فأكلوا وناموا وغطى عليهم عباءة أو قطيفة، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).

 5 - عن أبي الحمراء قال: (رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم، قال: رأيت النبي إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة فقال: الصلاة، الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

 6 - يونس بن أبي إسحاق بإسناده عن النبي صلى الله عليه واله وسلم مثله.

 


(1) - الطبري: جامع البيان، ج 22: ص 5، ط القاهرة، مصر.

 


[215]

7 - عن أبي عمار قال: (إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذا ذكروا عليا - رضي الله عنه - فشتموه، فلما قاموا، قال: اجلس حتى اخبرك عن هذا الذي شتموه، إني عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ جاءه علي وفاطمة وحسن وحسين، فألقى عليهم كساء له، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).

 8 - عن أبي سعيد الخدري، عن ام سلمة، قالت: (لما نزلت هذه الاية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * دعا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فحال عليهم كساء خيبريا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).

 قالت ام سلمة: ألست منهم ؟ قال: أنت إلى خير).

 9 - عن عطية، عن أبي سعيد، عن ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه واله وسلم: أن هذه الآية نزلت في بيتها إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * قالت: وأنا جالسة على باب البيت، فقلت: أنا يا رسول الله ألست من أهل بيت ؟ قال: إنك إلى خير، أنت من أزواج النبي صلى الله عليه واله وسلم.

 قالت: وفي البيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم).

 10 - عن أبي الديلم، قال: قال علي بن الحسين عليه السلام لرجل من أهل الشام: (أما قرأت في الأحزاب: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ؟ قال: ولأنتم هم ؟ قال: نعم).

 وأورد العلامة، جلال الدين السيوطي في تفسيره (الدر المنثور (1) عشرين رواية من طرق متعددة في أن المراد من أهل البيت هم الخمسة - صلوات الله عليهم أجمعين -.

 قال: أخرج الطبراني عن ام سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لفاطمة - رضي الله عنها -: ايتيني بزوجك وابنيه، فجاءت بهم، فالقى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليهم


(1) - السيوطي، جلال الدين: الدر المنشور، ج 5: ص 198، ط دار المعرفة - بيروت.

 


[216]

كساء فدكيا، ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء أهل محمد [وفي لفظ آخر: آل محمد] فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 قالت ام سلمة - رضي الله عنها -: فرفعت الكساء لادخل معهم، فجذبه من يدي وقال: إنك على خير).

 أقول: وأخرج هذا الحديث أحمد بن حنبل أيضا في مسنده (ج 6، ص 323).

 وأخرج الحافظ الكبير، أبو القاسم الحسكاني الحنفي النيشابوري من أعلام القرن الخامس في كتابه (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل (1)، أكثر من مائتي طريق في أن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي والحسن والحسين وامهما فاطمة الزهراء - صلوات الله وتحياته عليهم أجمعين -.

 أخي العزيز ! إن شئت أن تظهر لك الحقيقة وتكون على بصيرة من الأمر فاقرأ كلاما جيدا وهو أطيب من نفحة أزهار ونسمة أسحار للأمام الشريف، السيد شرف الدين الموسوي اللبناني - حشره الله مع أوليائه الكرام -.

 قال رحمه الله في كتابه الأغر (الكلمة الغراء) (ص 12): (فيا أهل البصائر برسول الله صلى الله عليه واله وسلم العارفين بمبلغه من الحكمة والعصمة، المقدرين قدر أفعاله وأقواله ! هل تجدون وجها لحصرهم تحت الكساء عند تبليغه الاية عن الله تعالى إلا المبالغة البليغة في توضيح ما قلناه من إختصاصها بهم وإمتيازهم بها عن العالمين ؟ وهل تفهمون من قوله: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) إلا الحصر بهم والقصر عليهم ؟ وهل ترون وجها لجذب الكساء من يد ام سلمة ومنعها من الدخول معهم - على جلالة قدرها وعظم شأنها - إلا الذي ذكرناه ؟ فأين تذهبون ؟ وأني تؤفكون ؟ إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم


(1) - حسكانى، أبو القاسم: شواهد التنزيل، ج 2: صص 92 - 10.

 


[217]

بمجنون * فيكون بحجبه إياهم في كسائه عابثا ؟ أو يكون بقوله: (اللهم، هؤلاء أهل بيتى) هاذيا ؟ أو يكون بجذبه الكساء من ام سلمة مجازفا ؟ حاشا لله إن هو إلا وحي يوحئ علمه شديد القوى * وقد تكررت منه صلى الله عليه واله وسلم قضية الكساء حتى احتمل بعض العلماء تكرار نزول الآية - أيضا -، والصواب عندنا نزول الآية مرة واحدة، لكن حكمة الصادق الأمين في نصحه ببلاغه المبين اقتضت القضيه اقتضت تكرير القضية مرة في بيت ام سلمة (1) عند نزول الآية وتبليغها لأهلها المخاطبين فيها، واخرى في بيت فاطمة (2).

 وفي كل مرة يتلو عليهم الآية مخاطبا لهم بها وهم في معزل عن الناس تحت ذلك الكساء درءا للشبهة في نحور أهل الزيغ.

 وقد بلغ - بأبي هو وامي - في توضيح اختصاص الآية بهم كل مبلغ، وسلك في إعلان ذلك مسالك ينقطع معها شغب المشاغب، ولا يبقى بعدها أثر لهذيان النواصب حتى كان بعد نزول الاية كلما خرج إلى الفجر يمر ببيت فاطمة فيقول: الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * وقد استمر على هذا ستة أشهر في رواية أنس (في مسند أحمد بن حنبل ج 3: ص 259) وعن ابن عباس سبعة أشهر، وفي رواية ذكرها النبهاني وغيره ثمانية أشهر.

 فصرح الحق عن محضه، وبدا الصبح لذي عينين) انتهى كلامه، رفع مقامه.

 


(1) - كما تدل عليه الأحاديث التي سمعتها مرويا عن ام سلمة - منه رحمه الله.

 (2) - كما يدل عليه ما أخرجه الامام أحمد بن حنبل في صفحة 107 من الجزء الرابع من مسنده، عن واثلة بن الأسقع، أنه قال من جملة حديث: (أتيت فاطمة أسألها عن علي عليه السلام قالت: ذهب الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومعه على وحسن وحسين آخذا كل واحد منهما بيده، فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه - أو قال: كساءه - ثم تلا: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

 


[218]

أقول: قال العلامة المتكلم الشيخ زين الدين النباطي البياضي في كتابه القيم (الصراط المستقيم): ذكر ابن قرطة في (مراصد العرفان) عن ابن عباس، قال: (شهدنا النبي صلى الله عليه واله وسلم تسعة عشر شهرا، يأتي كل يوم عند كل صلاة إلى باب علي عليه السلام فيسلم عليهم، ويتلو الآية، ويدعوهم إلى الصلاة (1).

 البحث عن مفردات الاية: أيها القارئ العزيز ! أنت بعد ما سمعت الأخبار والأحاديث في شأن نزول الآية من طريق العامة ينبغي لنا أن نشير إلى مفردات الاية حتى يسهل لنا استفادة ما هو المقصود من الآية وتفسيرها.

 وها نحن نذكر نظرات أئمة المفسرين واللغويين في مفردات الاية - إن شاء الله - بوجه ما.

 فأول كلمة رأيناها لفظة (إنما)، فقالوا: هي للحصر والقصر.

 قال شيخ الطائفة، أبو جعفر، محمد بن الحسن الطوسي، في تفسير التبيان: (إن لفظة (إنما) تجري مجرى ليس.

 وقد دللنا على ذلك فيما تقدم وحكيناه عن جماعة من أهل اللغة كالزجاج وغيره، فيكون تلخيص الكلام: ليس يريد الله إذهاب الرجس على هذا الحد إلا عن أهل البيت.

 فدل ذلك على أن إذهاب الرجس قد حصل فيهم، وذلك يدل على عصمتهم (2).

 قال امين الأسلام الطبرسي، وهو من أكابر علماء الأمامية وفحو لهم رضوان الله عليهم - في تفسير (مجمع البيان): (فإن قول القائل: إنما لك عندي درهم، وإنما في الدار زيد، يقتضي أنه ليس له عنده سوى الدرهم، وليس في الدار سوى زيد (3)


(1) - النباطي البياضي: الصراط المستقيم، ج 1: ص 188، ط المرتضوي.

 (2) - الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان، ج 8: ص 340.

 (3) - الطبرسي، فضل بن الحسن: مجمع البيان، ج: ص، ط دار المعرفة - بيروت.

 


[219]

وأما الارادة، فهي المصدر من باب الأفعال ل‍ (أراد، يريد) ومنقولة من (راد، يرود).

 قال الراغب في (معجم مفردات الفاظ القرآن): (والأرادة منقولة من (راد، يرود) إذا سعى في طلب شئ.

 والأرادة في الأصل قوة مركبة من شهوة، وحاجة، وأمل، وجعل إسما لنزوع النفس إلى الشئ مع الحكم فيه، بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، ثم يستعمل مرة في المبدء وهو نزوع النفس إلى الشئ، وتارة في المنتهى وهو الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، فإذا استعمل في الله فإنه يراد به المنتهى دون المبدء، فإنه يتعالى عن معنى النزوع (1).

 وقال الشيخ الطوسي رحمه الله في (التبيان): (ليس يخلو إرادة الله الأذهاب الرجس عن أهل البيت من أن يكون ما أراد منهم من فعل الطاعات واجتناب المعاصي، أو يكون عبارة عن أنه أذهب عنهم الرجس بأن فعل لهم لطفا اختاروا عنده الأمتناع من القبائح.

 والأول لا يجوز أن يكون مرادا، لأن هذه إلارادة حاصلة مع جميع المكلفين فلا إختصاص لأهل البيت في ذلك، ولا خلاف في أن الله تعالى خص بهذه فلا اختصاص الاية أهل البيت بأمرلم يشركهم فيه غيرهم فكيف يحمل على ما يبطل هذا التخصيص ويخرج الاية من أن يكون لهم فيها فضيلة ومزية على غيرهم ؟ (2).

 وقال العلامة الطباطبائى رحمه الله في تفسير الاية: (والمعنى أن الله سبحانه تستمر إرادته أن يخصكم بموهبة العصمة بإذهاب اعتقاد الباطل وأثر السيئ عنكم أهل البيت.

 (3) وأما مفهوم الأذهاب، فهو يستعمل على قسمين، مرة يطلق ويراد منه إزالة الشئ عن المحل بعد ثبوته، كقول الفقيه: (الماء يذهب القذارة والنجاسة) أو


(1) - الراغب الاصبهاني: معجم مفردات الفاظ القرآن / تحقيق: نديم مرعشلي، ص.

 (2) - الطوسي، محمد بن الحسن: التبيان، ج 8، ص 356.

 (3) - الطباطبائى، محمد حسين: الميزان، ج 16: ص 331.

 


[220]

(أذهبت التوبة والأنابة ذنبي)، وتارة يطلق ويراد منه دفع الشئ عن المحل قبل عروضه وإن كان المحل ممكنا في حد ذاته لعروضه، كقولك لخليلك: (أذهب حبك والوصول إليك مشقة الطريق عني) أو (أذهب الله عنك السوء والبلاء) أو كقولك للحفار: (ضيق فم الركية) وكقول النحاة: (جرد المبتدء عن العوامل اللفظية) أو (إن مصيبة فلان أذهب عني النوم).

 اي فإن حبك والوصول إليك يمنع عروض التعب علي، فإن الله يدفع عنك السوء والبلاء وفإن الحفار يضيق فم الركية من بدء الأمر، والمبتدء جاء ابتداء من دون العوامل اللفظية.

 فإن هذه الأمثال كلها للدفع بخلاف الأمثال الأولية، فإن الماء أذهب القذارة بعد عروضه في المحل، والتوبة والأنابة الذنب بعد وقوعه في النفس.

 وأما مفهوم الرجس، فهو ما قال الراغب في (المفردات): (الرجس الشئ القذر، والرجس يكون على أربعة أوجه: إما من حيث الطبع، وإما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، وإما من كل ذلك كالميتة، فإن الميتة تعاف طبعا وعقلا وشرعا.

 والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر، وجعل الكافرين رجسا من حيث إن الشرك بالعقل أقبح الأشياء (1).

 وقال ابن المنظور في (لسان العرب): (قال الزجاج: الرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل.

 قالوا: رجس نجس.

 والرجس المأثم وفي حديث: لما ولد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ارتجس إيوان كسرى، أي اضطرب.

 وفى الحديث: إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد رجسا فلا ينصرف حتى يسمع صوتا ورجس الشيطان وسوسته.

 والرجس الشك، العقاب (2).

 وقال العلامة الطباطبائي في (الميزان): (والرجس - بالكسر فالسكون - صفة


(1) الراغب الاصبهاني: معجم مفردات الفاظ القرآن / تحقيق: نديم مرعشلي ص.

 (2) ابن منظور: لسان العرب ؟ تحقيق: علي شيري ج: ص [مع تلخيص وتقديم وتأخير].

 


[221]

من الرجاسة وهي القذارة، والقذارة هيئة في الشئ توجب التجنب والتنفر منها، وتكون بحسب ظاهر الشئ كرجاسة الخنزير، وبحسب باطنه وهو الرجاسة والقذارة المعنوية كالشرك والكفر - إلى أن قال: - وأياما كان فهو إدراك نفساني وأثر شعوري من تعلق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيئ (1).

 ثم إن الرجس الذي هر معرف باللام في الآية وإن كان في حد ذاته لا يفيد العموم لأنه في سياق الأثبات إلا أنه يفيده باعتبار وقوعه مفعولا ليذهب، لأن الأذهاب في معنى سلب الرجس ونفيه، ولا يصدق سلبه إطلاقا إلا بانتفاء كل فرد منه خصوصا مع قوله تعالى: (ويطهركم تطهيرا) ضرورة عدم حصول التطهير برفع بعض الأقذار دون بعض.

 فبناء على هذا فالآية الكريمة تدل على تنزههم عليهم السلام عن كل رجس يصدق عليه عنوان الرجس سواء كان ذنبا أو غير ذنب، بل مطلق اتباع الهوى ولو في المباحات.

 وأما مفهوم أهل البيت، فهو ما قال الراغب في (المفردات): (أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب، أو دين، أو ما يجري مجراهما من صناعة، وبيت، وبلد.

 فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب.

 وتعورف في اسرة النبي عليه [وآله] الصلاة والسلام مطلقا إذا قيل أهل البيت، لقوله عزوجل: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت - الآية.

 وقال أيضا في مادة (بيت): (أصل البيت مأوى الأنسان بالليل لأنه يقال: بات أقام بالليل، كما يقال: ظل بالنهار.

 ثم قد يقال للمسكن: بيت، من غير اعتبار الليل فيه - إلى أن قال: - وصار أهل البيت متعارفا في آل النبي عليه [وآله] الصلاة والسلام).

 


(1) - الطباطبائى، محمد حسين: الميزان، ج 16: ص 330.

 ط الاخوندي.

 


[222]

وقال ابن المنظور في (لسان العرب): (والبيت من الشعر مشتق من بيت الخباء لأنه يضم الكلام كما يضم البيت أهله).

 وقال العلامة الطباطبائي،: (وبالبناء على ما تقدم تصير لفظة أهل البيت اسما خاصا في عرف القرآن بهؤلاء الخمسة، وهم النبي وعلي وفاطمة والحسنان - عليهم الصلاة والسلام - لا يطلق على غيرهم، ولو كان من أقربائه الأقربين، وإن صح بحسب العرف العام إطلاقه عليهم (1).

 وأقوى دليل على أن المراد بأهل البيت هم الخمسة الطيبة والأئمة المعصومون: هو ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد نزول قوله تعالى: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها (2)، فإنه صلى الله عليه واله وسلم بعد نزولها كان يمر على بيت أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ويقول: (الصلاة رحمكم الله - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

 أيها القارئ الذكي ! أنت خبير بأن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أفضل الناس حكمة، وأصوبهم رأيا، وأظهرهم عصمة، وأقواهم نظما، وأصلحهم علما وعملا، فلابد من أن يكون عمله هذا إلى ستة أشهر، أو ثمانية، أو تسعة، أو ثمانية عشر شهرا، أو إلى أن فارق الدنيا - كما سيأتي عن القمي، - عن مصلحة مهمة وحكمة تامة، فإن فعله صلى الله عليه واله وسلم هو الفضل، وما هو بالهزل لأنه مدينة الحكمة والمعرفة والحقيقة، فكأن في استمرار قوله وفعله صلى الله عليه واله وسلم على ذلك إلى آخر عمره الشريف إعلانا وتبيانا وإفصاحا بأن المراد من الأهل في الاية - كما استظهره الالوسي في تفسيره ذيل الآية وأيده أخبار كثيرة عنهم: - هم الذين يمر عليهم في كل يوم خمس مرات، وهم المراد من الاية التى يتلو عليهم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس


(1) - الطباطبائى، محمد حسين: الميزان، ج 16: ص 330.

 ط الاخوندي.

 (2) - طه: 132.

 


[223]

أهل البيت ويطهركم تطهيرا) لاغيرهم من الأقرباء والأزواج، ومن هنا لم يوجد في الأخبار والأحاديث شيء يدل على مروره صلى الله عليه واله وسلم على بيت غير علي وفاطمة عليهما السلام، ولم يدع ذلك أحد حتى المنحرفون عن علي كمقاتل وعكرمة وعروة، الذين سعوا في إطفاء نور الله تعالى وإنكار المسلمات.

 اعلم أيها المدقق ! أن النبي صلى الله عليه واله وسلم فسر هاتين الايتين الكريمتين بقوله، وفعله كما فسر وبين آية المباهلة بقوله، وفعله، وعمله على ما جاء في (تذكرة الخواص): (إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم غدا محتضنا الحسين، آخذا بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي عليه السلام خلفهم).

 وفي آخر، قال صلى الله عليه واله وسلم: (هلموا فهؤلاء أبناؤنا - وأشار إلى الحسن والحسين - وهذه نساؤنا - يعني فاطمة - وهذه أنفسنا - يعني نفسي - وأشار إلى علي عليه السلام (1).

 وقال الشيخ العالم الكامل، محمد بن أبي طلحة الشافعي: (فانظر بنور بصيرتك - أيدك الله بهدايتها - إلى مدلول هذه الاية وترتيب مراتب عبارتها، وكيفية إشاراتها إلى علو مقام فاطمة عليها السلام في منازل الشرف وسمو درجاتها، وقد بين صلى الله عليه واله وسلم ذلك وجعلها بينه وبين علي عليهما السلام تنبيها على سر الاية وحكمتها، فإن الله عزوجل جعلها مكتنفة من بين يديها ومن خلفها ليظهر بذلك الاعتناء بمكانتها، وحيث كان المراد من قوله (أنفسنا) نفس علي مع النبي صلى الله عليه واله وسلم جعلها بينهما، إذا الحراسة بالأحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأبناء في دلالتها (2).

 أقول: وإليك شطر من الأخبار والأحاديث في ذلك من العامة والخاصة.

 


(1) - ابن الجوزي: تذكرة الخواص الامة، ص 14.

 (2) - ابن ابي طلحة الشافعي: مطالب السؤول، ص 7.

 


[224]

الف) وأما من طريق العامة:

1 - فعن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن جده، قال: قال أبو الحمراء، خادم النبي صلى الله عليه واله وسلم: (لما نزلت هذه الآية: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يأتي باب علي وفاطمة عند كل صلاة فيقول: الصلاة - رحمكم الله - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت - الآية (1).

 2 - أخرج ابن مردويه، وابن عساكر، وابن النجار، عن أبي سعيد الخدري، قال: (لما نزلت: وأمر أهلك بالصلاة كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يجئ إلى باب علي صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: الصلاة - رحمكم الله - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * (2).

 3 - عن الحسن بن علي عليهما السلام في خطبة طويلة: (ولما نزلت: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها يأتينا جدي صلى الله عليه واله وسلم كل يوم عند طلوع الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت - يرحمكم الله - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * (3).

 4 - عن أنس بن مالك، وعن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنهم - قال: (كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يأتي كل يوم باب فاطمة عند صلاة الفجر فيقول: (الصلاة يا أهل بيت النبوة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * تسعة أشهر بعد ما نزلت وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.

وروي هذا الخبر عن ثلاثمائة من الصحابة (4).

 5 - قال شهاب الدين الالوسي: (والمراد بأهله صلى الله عليه واله وسلم قيل: أزواجه وبناته و


(1) - الحسكاني: شواهد التنزيل، ج 1: ص 381.

 (2) - السيوطي: الدر المنثور، ج 4: ص 313.

 (3) - القندوزي: ينابيع المودة، ص 482، ط اسلامبول.

 (4) - المصدر: ص 174.

 


[225]

صهره علي - رضي الله تعالى عنهم - وقيل: ما يشملهم وسائر مؤمني بني هاشم والمطلب، وقيل: جميع المتبعين له - عليه الصلاة والسلام - من امته.

 وأستظهر أن المراد أهل بيته صلى الله عليه واله وسلم وايد بما أخرجه ابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها كان - عليه الصلاة والسلام - يجئ إلى باب علي - كرم الله تعالى وجهه - صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: (الصلاة - رحمكم الله - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * وروى نحو ذلك الامامية بطرق كثيرة (1).

 6 - قال القرطبي: (وكان عليه السلام بعد نزول هذه الآية وأمر أهلك بالصلاة يذهب كل صباح إلى بيت فاطمة وعلي - رضوان الله عليهما - فيقول: الصلاة (2).

 7 - قال فخر الدين الرازي: (وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد نزول هذه الآية يذهب إلى فاطمة وعلي عليهما السلام كل صباح ويقول: الصلاة، وكان يفعل ذلك أشهرا (5).

 ب) ومن طريق الخاصة:

8 - قال علي بن إبراهيم القمي، في تفسيره: (فإن الله أمره أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهل محمد صلى الله عليه واله وسلم عند الله منزلة خاصة ليست للناس، إذ أمرهم مع الناس عامة، ثم أمرهم خاصة، فلما أنزل الله هذه الاية كان رسول الله صلى اله عليه واله وسلم يجئ كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم يأخذ بعضادتي الباب ويقول: الصلاة، الصلاة - يرحمكم الله - إنما يريد الله ليذهب


(1) - الآلوسي: تفسير روح المعاني، ج 16: ص 284.

 (2) - القرطبي: تفسير الجامع لاحكام القرآن، ج 11: ص 263.

 (3) - الفخر الرازي: التفسير الكبير، ج 22: ص 137.

 


[226]

عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراء فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شهد المدينة حتى فارق الدنيا.

 وقال أبو الحمراء خادم النبي صلى الله عليه واله وسلم: أنا أشهد به يفعل ذلك (1).

 9 - وقال المولى الفيض القاساني رحمه الله: (وفي (العيون)، عن الرضا عليه السلام في هذه الآية قال: خصنا الله بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع الامة بإقامة الصلاة، ثم خصنا من دون الامة، فكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجئ إلى باب علي وفاطمة عليهما السلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر، في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول: الصلاة - رحمكم الله -.

 وما أكرم الله أحدا من ذراري الأنبياء بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها وخصنا من دون جميع أهل بيتهم (2).

 10 - قال الشيخ الطبرسي،: (روى أبو سعيد الخدري، قال: لما نزلت هذه الآية وأمر أهلك بالصلاة كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يأتي باب فاطمة وعلي عليهما السلام تسعة أشهر عند كل صلاة فيقول: الصلاة - رحمكم الله - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * ورواه ابن عقدة - بإسناده من طرق كثيرة - عن أهل البيت: وعن غيرهم مثل أبي برزة وأبي رافع.

 وقال أبو جعفر عليه السلام: أمره الله تعالى أن يخض أهله دون الناس ليعلم الناس ان لأهله عند الله منزلة ليست للناس عامة، ثم أمرهم خاصة.

 (واصطبر عليها) أي واصبر على فعلها وعلى أمرهم بها (3).

 


(1) - علي بن إبراهيم: تفسير القمى، ج 2: ص 67.

 (2) - القاساني، ملا محسن: تفسير الصافي، ص 337، ط المشهد.

 (3) - الطبرسي: مجمع البيان، ج 7: ص 27.

 وهنا يلزمنى أن انوه على شيء وهو: أن جميع من تصدى للبحث عن تعيين أهل البيت في آية التطهير لم يتعرض لهذه الآية التى بحثنا عنها فيما أعلم، وهذا استدلال بديع أوردناه تشديدا للاحتجاج وتتميما للفائدة.

 وإنى كنت كالسابقين غافلا عنها وقد نبهنى عليها المحقق البارع، والفاضل الذكي الألمعي الأستاذ علي أكبر الغفاري - حياه الله وبياه وجعل اخراه خيرا من أولاه -.

 ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، فاعف عنا واغفر لنا، يا رب العالمين.

 


[227]

أيها القارئ الكريم ! وبعد ما بيناه وأوضحناه من مفردات آية التطهير وشأن نزولها ينبغي لنا أن نشير إلى ما هو المقصود من الاية في هذا الباب.

 نعم، غرضنا من هذه الاية الكريمة أن نستفيد منها أن أهل البيت - صلوات الله عليهم أجمعين - هم أفضل البشر وخير البرية من الأولين والاخرين بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

 وبيان ذلك: أن الاية تصرح على حصر الأرادة وقصرها من الله تعالى في إذهاب الرجس بجميع أنواعه وأقسامه حتى اتباع الأميال والأهواء في المباحات عن أهل البيت: وتطهيرهم تطهيرا كاملا، لأنك لاحظت وشاهدت فيما سبق أن الاية مصدرة بلفظة (إنما) وهي للحصر، مع استمرار الأرادة من الله تعالى بإرادة خاصة وعناية ربانية لأذهاب الرجس ودفعه في جميع الشؤون عن أهل البيت عليه السلام مع تطهير هم تطهيرا خاصا، لأنه اكد بالمصدر، فيصير المعنى هكذا: يا أهل بيت النبي، يا أصحاب الكساء ! أنتم الذين أراد الله هكذا - فقط أن يذهب عنكم أقسام الرجس، ويطهركم تطهيرا كاملا شاملا.

 ففي هذه الاية الكريمة فضيلة عظيمه لأهل البيت عليهم السلام.

 قال ابن حجر الهيثمي المكي في كتابه (الصواعق) (1): (ثم هذه الاية منبع فضائل أهل البيت النبوي لاشتمالها على غرر من مآثرهم والاعتناء بشأنهم حيث ابتدأت بـ(إنما) المفيدة لحصر إرادته تعالى في أمرهم على إذهاب الرجس - الذى هو الاثم أو الشك فيما يجب الأيمان به - عنهم وتطهيرهم من سائر الأخلاق والأحوال المذمومة، وسيأتي في بعض الطرق تحريمهم على النار، وهو فائدة ذلك التطهير وغايته، إذ منه إلهام الانابة إلى الله تعالى وإدامة الأعمال الصالحة - إلى أن قال: - ومن تطهيرهم تحريم صدقة الفرض، بل والنفل على قول مالك عليهم لأنها أو ساخ الناس مع كونها تنبئ عن ذل الاخذ وعز المأخوذ منه، وعوضوا عنها خمس الفئ والغنيمة المنبئ عن عز الاخد وذل المأخوذ منه - إلى


(1) - ابن حجر: الصواعق المحرقة، ص 144.

 


[228]

أن قال -: وحكمة ختم الآية بـ(تطهيرا) المبالغة في وصولهم لأعلاه وفي رفع التجوز عنه، ثم تنوينه تنوين التعظيم والتكثير والأعجاب المفيد إلى أنه ليس من جنس ما يتعارف ويؤلف.

 ثم أكد - صلى الله عليه - ذلك كله بتكرير طلب ما في الاية لهم بقوله: (اللهم هؤلاء أهل البيتي...)، وأكده أيضا بطلب الصلاة عليهم بقوله: (فاجعل صلاتك عليهم)، وأكده أيضا بقوله: (أنا حرب لمن حاربهم)... فأقامهم مقام نفسه. والحقوا به أيضا في قصة المباهلة). انتهى ملخصا.

 وقال العلامة الأميني - حشره الله مع أوليائه الكرام - في (الغدير) (1) (إن سد الأبواب الشارعة في المسجد كان لتطهيره عن الأدناس الظاهرية والمعنوية، فلا يمر به أحد جنبا، ولا يجنب فيه أحد.

 وأما ترك بابه صلى الله عليه واله وسلم وباب أمير المؤمنين عليه السلام فلطهارتهما عن كل رجس ودنس بنص آية التطهير حتى إن الجنابة لاتحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما، كما يعطي ذلك التنظير بمسجد موسى الذي سأل ربه أن يطهره لهارون وذريته، أو أن ربه أمره أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو وهارون.

 وليس المراد بتطهيره من الأخباث فحسب، فإنه حكم كل مسجد.

 ويعطيك خبرا بما ذكرناه ما مر في الأحاديث من أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يدخل المسجد وهو جنب، وربما مر وهو جنب، وكان يدخل ويخرج منه وهو جنب، وما ورد عن أبي سعيد الخدري من قوله صلى الله عليه واله وسلم: (لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك)، وقوله صلى الله عليه واله وسلم: (ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء وكل جنب من الرجال إلا على محمد وأهل بيته: علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين)، وقوله صلى الله عليه واله وسلم: (ألا لا يحل هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلا لرسوله الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

 ألا


(1) - الاميني: الغدير، ج 3: ص 211.

 


[229]

قد بينت لكم الأسماء أن لا تضلوا (1)، وقوله صلى الله عليه واله وسلم: لعلي (أما أنت فإنه يحل لك في مسجدي ما يحل لي، ويحرم عليك ما يحرم علي.

 قال حمزة بن مطلب: يا رسول الله ! أنا عمك، وأنا أقرب إليك من علي ! قال: صدقت يا عم، إنه - والله - ما هو عني، إنما هو عن الله تعالى).

 - إلى أن قال رحمه الله: فزبدة المخض من هذه كلها: أن إبقاء ذلك الباب والأذن لأهله بما أذن الله لرسوله مما خص به مبتن على نزول آية التطهير النافية عنهم كل نوع من الرجاسة، ويشهد لذلك حديث منا شدته يوم الشورى، وفيه قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أفيكم أحد يطهره كتاب الله غيري ؟ حتى سد النبي صلى الله عليه واله وسلم: أبواب المهاجرين، وفتح بابي إليه) - إلى آخر ماقاله رحمه الله.

والسر في فضل صلاة المسجد * قبر لمعصوم به مستشهد

بقطرة من دمه مطهرة * طهره الله لعبد ذكره والنص

في المعصوم بالغسل ورد * تعبدا بالغسل مع طهر الجسد

عن أبي طيبة الحجام قال: (حجمت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأعطاني دينارا وشربت دمه، فلما اطلع على ذلك قال: ما حملك على ذلك ؟ قلت: أتبرك به، قال: أخذت أمانا من الأوجاع والأسقام والفقر والفاقة، ولا يمسك النار أبدا).

 وفي زيارة الحسين عليه السلام: (وأشهد أن دمك سكن في الجنة).

 وورد في الأخبار: (تخضب فاطمة عليها السلام في الجنة بدم ولدها الحسين).

 ومن الزيارة الجامعة التى رواها ابن طاووس، (إن الله طهركم من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن كل ريبة ورجاسة ونجاسة).

 وذكر العلامة الحلى، في (تذكرة الفقهاء) في أول نكاحه عند عد جملة فضائل النبي صلى الله عليه واله وسلم: (إنه يتبرك بدمه وبوله، وظاهره الطهارة) (2)


(1) - سنن البيهقى، ج 7: ص 65.

 (2) - الانصاري، الشيخ محمد علي، اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء، صص 31 و32.

 


[230]

1 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (إن ابنتي فاطمة حوراء آدمية لأنها لم تحض ولم تطمث (1).

 2 - وعنه صلى الله عليه واله وسلم: (سميت فاطمة بتولا لأنها تبتلت وتقطعت عما هو معتاد العورات في كل شهر، ولأنها ترجع كل ليلة بكرا، وسميت مريم بتولا لأنها ولدت عيسى بكرا (2).

 3 - وعنه صلى الله عليه واله وسلم: (وإنما سميت فاطمة البتول لأنها تبتلت من الحيض والنفاس (3).

 4 - عن علي عليه السلام قال: (إن النبي صلى الله عليه واله وسلم سئل عن بتول وقل: إنا سمعناك يا رسول الله تقول: مريم بتول، وفاطمة بتول ؟ فقال: البتول لم تر حمرة قط - أي لم تحض - فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء (4).

 5 - عن أبي جعفر عليه السلام، عن آبائه عليه السلام قال: (إنما سميت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم الطاهرة، لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قط يوما حمرة ولا نفاسا (5).

 6 - عن الله عزوجل: (إني فطمتك بالعلم، وفطمتك عن الطمث.

 ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها - تبارك وتعالى - بالعلم وعن الطمث بالميثاق (6).

 7 - عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا حميراء إن فاطمة ليست كنساء الادميين، لا تعتل كما تعتلين (7).

 


(1) - الخطيب: تاريخ بغداد، ج 12: ص 321.

 و(الطمث) في اللغة (دم الجارية).

 (2) - قاضي نور الله: احقاق الحق / مع تعاليق السيد المرعشي النجفي، ج 10: ص 25، (نقلا عن العلامة الكشفي الحنفي في (المناقب المرتضوية) [ص 119، ط بمبئى]).

 (3) - القندوزى: ينابيع المودة، ص 260، ط اسلامبول.

 (4) - قاضى نور الله: احقاق الحق / مع تعاليق السيد المرعشي النجفي، ج 10: ص 25.

 (5) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 43: ص 19.

 (6) - المصدر، ص 13.

 (7) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 43: ص 16.

 


[231]

أخى العزيز ! يستفاد من آية التطهير بمعونة هذه الأخبار والأحاديث أنها عليها السلام لا تزال كانت بكرا، وأنها عليها السلام طاهرة مطهرة دائما كحورات الجنان، قال الله عزوجل في شأنهن: إنا أنشأناهن إنشاءاً فجعلناهن أبكاراء * (1) وقال الطبرسي، في تفسيرها: (كلما يأتيهن أزواجهن وجدوهن أبكارا).

 وروى العلامة المجلسي رحمه الله، عن الصادق عليه السلام: (حرم الله النساء على علي مادامت فاطمة حية لأنها طاهرة لا تحيض (2).

 انتهى.

 ويستفاد منها أيضا أن الله عزوجل طهر أهل البيت: من كل دنس سواء كان ظاهرية أو باطنية، صلوات الله عليهم أجمعين.

 قال العلامة المظفر في (دلائل الصدق (3): (ومنها [أي الأخبار] ما حكاه عن ابن أبى شيبة بسنده عن ام سلمة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء، وكل جنب من الرجال إلا على محمد وأهل بيته: علي وفاطمة والحسن والحسين - صلوات الله عليهم أجمعين - ويعضد هذه الأخبار ويفيد مفادها أخبار عديدة - ثم قال - فظهر حلية المسجد لعلي عليه السلام جنابة ونوما، وليس هو إلا لطهارة نفسه القدسية طهارة لا يدنسها ما يدنس غيره - إلى أن قال: - وبالجملة لا وجه لاستثناء باب أبي بكر وهو ليس ممن طهرهم الله من الرجس حتى يحسن دخوله المسجد جنبا) (4).

 وقال العلامة الشيخ السعيد، جمال الدين، الحسن بن زين الدين، الشهيد الثاني في (منتقى الجمان (5): (وروى الصدوق في كتاب (من لا يحضره الفقيه) عن النبي صلى الله عليه واله وسلم - مرسلا - أنه قال: (إن فاطمة - صلوات الله عليها - ليست كأحد منكن، إنها


(1) - الواقعة، 35 و36.

 (2) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 43: ص 16.

 (3) - المصدر ج 2: ص 400، ط القاهره.

 (4) - المظفر، الشيخ محمد حسن: دلائل الصدق، ج: ص.

 (5) - الشهيد الثاني: منتقى الجمان، ج 1: ص 224، ط النشر الاسلامي - تابعة لجامعة المدرسين - قم.

 


[232]

لا ترى دما في حيض ولانفاس كالحورية).

 وقال بعد نقل خبر آخر: (ولا يخفى ما في هذه الروايات من المنافاة لما سبق في حديث قضاء الحائض للصوم دون الصلاة من أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يأمر فاطمة عليها السلام بذلك.

 ووجه الجمع حمل أمره صلى الله عليه واله وسلم لها على إرادة تعليم المؤمنات، وهو نوع من التجوز في الخطاب شائع، ولعل المقتضي له في هذا الموضع رعاية خفاء هذه الكرامة كغيرها مما ينافي ظهوره بلاء التكليف).

 مما قيل في تفضيل الائمة على الأنبياء عليهم السلام نظما: قال العلامة الشيخ زين الدين العاملي النباطي (المتوفى سنة 877) في كتابه (الصراط المستقيم (1): قال ابن الرومي:

رأيتك عند الله أعظم زلفة * من الأنبياء المصطفين ذوي الرشد

وجدت هذا البيت مفردا فأحببت أن أنسج على منواله، وأقتدي به في إفضاله، فقلت:

فآدم لما أن عصى زال فضله * وفي هل أتى شكر الإمام علي الرفد

وامرأتا نوح ولوط فخانتا * ونور الورى عن ظهر فاطمة يبدي

وقد سأل إبراهيم إحياء ميت * ليطمئن منه القلب بالواحد الفرد

ولو كشف المستور مولاي لم يزد * يقينا على ما كان في سالف العهد

وقد خاف موسى حين ولى مبادرا * وبات علي لم يخف سطوة الضد

سليمان جاء الذكر فيه بقوله * هب الملك لاتحبيه من أحد

بعدي ودنيا أتت مولاي زي بثينه * فقال اعزبي عني ولا تمكثي عندي

فقد عرف التفضيل حقا لطالب * لحق ولم يحتج إلى متعب الكد

فقد ضل من قاس العتيق بحيدر * ولا ملحة فيه لمنفعة تجدي


(1) النباطي: الصراط المستقيم ج 1 ص 230.