5 - آية خير البرية:
من الأدلة الدالة - من الايات - على أن عليا عليه السلام خير البشر من الأولين والاخرين، حتى أولي العزم من المرسلين، قوله تعالى: أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (1) قال العلامة الحافظ، جلال الدين السيوطي في تفسيره: (أخرج ابن مردويه عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله ! من أكرم الخلق على الله ؟ قال: يا عائشة ! أما تقرئين إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية) ؟ وأخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله، قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه واله وسلم فأقبل علي، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية.
فكان أصحاب النبي إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية).
وأخرج ابن عدي وابن عساكر، عن أبي سعيد مرفوعا: (علي خير البرية).
وأخرج ابن عدي، عن ابن عباس، قال: (لما نزلت إن الذين آمنوا وعملوا
(1) - البينة، 98: 7.
[298]
الصالحات اولئك هم خير البرية، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي: (هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين).
وأخرج ابن مردويه، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (ألم تسمع قول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية أنت وشعيتك (2).
وقال العلامة، أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري في تفسيره: (وقوله إن الذين آمنوا... يقول الله - تعالى ذكره -: إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمد، وعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله فيما أمر ونهى، اولئك هم خير البرية.
يقول: من فعل ذلك من الناس فهم خير البرية.
وقد حدثنا ابن حميد قال: حدثنا عيسى بن فرقد، عن أبي الجارود، عن محمد بن علي (اولئك هم خير البرية) فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: أنت يا علي وشيعتك (2).
وقال العلامة الحافظ، الكنجي الشافعي: (عن جابر بن عبد الله، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه واله وسلم فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: قد أتاكم أخى، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثم إنه أولكم إيمانا، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمرالله، وأعد لكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية.
قال: ونزلت: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية قال: (وكان أصحاب النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم إذا أقبل علي عليه السلام قالوا: جاء خير البرية).
قلت: هكذا رواه محدث الشام في كتابه بطرق شتى، وذكرها محدث العراق ومورخها عن زر، عن عبد الله، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (من لم يقل علي خير الناس فقد كفر).
وفي رواية عن حذيفة قال: سمعت النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول: (علي
(1) - الزمخشري: الدر المنثور، ج 6: ص 379.
(2) - الطبري: جامع البيان، ج: 29 / ذيل الاية.
[299]
خير البشر، من أبى فقد كفر)... وفي رواية لعائشة، عن عطاء، قال: سألت عائشة عن علي، فقالت: ذاك خير البشر، لا يشك فيه إلا كافر.
قلت: هكذا ذكره الحافظ في ترجمة علي عليه السلام في تاريخه في المجلد الخمسين وكتابه يبلغ مائتا مجلد (1).
وقال العلامة، الالوسي البغدادي في تفسيره: (أخرج ابن مردويه، عن علي - كرم الله تعالى وجهه - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ألم تسمع قول الله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ؟ هم أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جئت الامم للحساب يدعون غرا محجلين).
وأخرج ابن مردويه أيضا، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الاية إن الذين آمنوا - الاية قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي - رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه -: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين).
وأخرج ابن مردويه، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله ! من أكرم الخلق على الله تعالى ؟ قال: يا عائشة ! أما تقرئين: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ؟) (قال الالوسي:) وأنت تعلم أن هذا ظاهر في أن المراد بالبرية الخليقة مطلقا... والامامية وإن قالوا: إنه - رضي الله عنه - خير من الأنبياء وحتى اولي العزم: ومن الملائكة المقربين: لا يقولون بخيريته من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فإن قالوا: بأن البرية على ذلك مخصوصة بمن عداه - عليه الصلاة والسلام - للدليل الدال على أنه صلى الله عليه واله وسلم خير منه - كرم الله تعالى وجهه -.
قيل: إنها مخصوصة - أيضا - بمن عدا الأنبياء والملائكة (2).
(1) - الكنجي: كفاية الطالب، ص 245.
(2) - الالوسي: روح المعاني، ج 30: ص 207.
[300]
أقول: هنا ينبغي التوجه إلى نكتة أدبية وهي أن البرية فعيلة من برأ الله الخلق إلا أنه ترك فيها الهمز.
ويجوز أن تكون من البرى وهو التراب.
قال ابن المنظور في (برأ): (والبرية الخلق، وأصلها الهمز، وقد تركت العرب همزها، ونظيره النبي والذرية.
وأهل مكة يخالفون غيرهم من العرب يهمزون البريئة والنبي والذريئة من ذرأ الله الخلق).
وعجبا من الالوسي مع أنه اعترف بأن البرية هي الخليقة مطلقا كيف يقول: إن عليا - كرم الله وجهه - خير البرية ما عدا الأنبياء والملائكة ؟ ! اشهد الله على أنه ما قال هذا الكلام إلا لشئ يتلجلج في صدره، ولكراهية كانت في نفسه من أفضلية سيد الموحدين، أمير المؤمنين نفس النبي، عديل القرآن، أخ المصطفى، زوج فاطمة الزهراء، عليهم صلوات الله وملائكته وأنبيائه ألف ألف مرة.
لما ذا يقول الالوسي: إنها مخصوصة أيضا بمن عدا الأنبياء والملائكة ؟ ألم ير هذا الفاضل حديث الأشباه، وحديث المؤاخاة، وحديث الطير المشوي ؟ ألم يقرأ عن عمر بن الخطاب هذا الحديث إنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (لو أن إيمان أهل السموات والأرض وضع في كفة، ووضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي بن أبي طالب (1).
فلاحظ الأخبار والأحاديث الاتية حتى تكون على بصيرة من أمرك إن شاء الله تعالى، وإنها لكثيرة جدا، وها نحن نذكر نبذة يسيرة منها: 1 - روى العلامة الشيخ سليمان الحنفي، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته، وإلى ميكائيل في رتبته، وإلى جبرئيل في جلالته، وإلى آدم في علمه، وإلى نوح في خشيته، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى موسى في مناجاته، وإلى
(1) القندوزي: ينابيع المودة: ج 2: ص 127.
[301]
أيوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في عبادته، وإلى يونس في ورعه، وإلى محمد في حسبه وخلقه، فلينظر إلى علي، فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمعها الله فيه ولم يجمعها في أحد غيره (1).
2 - روى العلامة، الجويني الخراساني، عن أبي الحمراء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب (2).
3 - أخرج العلامة، الحسكاني الحنفي، عن أبي الحمراء، قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأقبل علي فقال رسول الله: من سره أن ينظر إلى آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في خلته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب (3).
4 - روى الحافظ، الموفق الحنفي، المعروف بأخطب خوارزم، عن الحارث الأعور - صاحب راية علي بن أبي طالب عليه السلام - قال: (بلغنا أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان في جمع أصحابه فقال: اريكم آدم في علمه، ونوحا في فهمه، وإبراهيم في حكمته، فلم يكن بأسرع من أن طلع علي عليه السلام، فقال أبو بكر: يا رسول الله ! أقست رجلا بثلاثة من الرسل ! بخ بخ لهذا الرجل، من هو يا رسول الله ؟ قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: أو لا تعرفه يا أبا بكر ؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: هو أبو الحسن علي بن أبي طالب.
فقال أبو بكر: بح بخ لك يا أبا الحسن، وأين مثلك يا أبا الحسن (4) ؟ ! 5 - روى العلامة المجلسي رحمه الله، عن علي بن الحسين، عن أبيه عليهما السلام، قال: (نظر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذات يوم إلى علي عليه السلام قد أقبل وحوله جماعة من أصحابه فقال:
(1) - القندوزي: ينابيع المودة، الباب 56: ج 2 / ص 80.
(2) - الحمويني: فرائد السمطين، ج 1: ص 170.
(3) - الحسكاني: شواهد التنزيل، ج 1: ص 19.
(4) - الخوارزمي: المناقب، ص 45.
[302]
من أحب ان ينظر إلى يوسف في جماله، وإلى إبراهيم في سخائه، وإلى سليمان في بهجته، وإلى داود في حكمته، فلينظر إلى هذا (1).
6 - روى - أيضا - عن سلمة بن قيس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: اعطى الله عليا من الفضل جزءا لو قسم على أهل الأرض لو سعهم، وأعطاه الله من الفهم لو قسم على أهل الأرض لو سعهم، شبهت لينه (3) بلين لوط، وخلقه بخلق يحيى، وزهده بزهد أيوب، وسخاؤه بسخاء إبراهيم، وبهجته ببهجة سليمان بن داود، وقوته بقوة داود، ولو اوحي إلى أحد بعدي لأوحي إليه، فزين الله به المحافل، وأكرم به العساكر، وأخصب به البلاد، وأعز به الاجناد، مثله كمثل بيت الله الحرام يزار ولا يزور، ومثله كمثل القمر إذا طلع أضاء الظلمة، ومثله كمثل الشمس إذا طلعت أنارت الدنيا - الحديث (3).
أقول: المستفاد من هذه الأحاديث التي سميت بالاشباه والنظائر لاشتمالها بمشابهات بين الأنبياء: وعلي المرتضي عليه السلام تقدم علي على جميع الملائكة والأنام حيث إن النظر إليه عليه السلام وحده يقوم مقام النظر إلى جميعهم، فإن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أثبت لعلي عليه السلام في هذه الأحاديث هيبة تشبه هيبة إسرافيل، ورتبة تشبه رتبة ميكائيل، وجلالة تشبه جلالة جبرئيل، وعلما يشبه علم آدم، وخشية تشبه خشية نوح، وخلة تشبه خلة إبراهيم، وحزنا يشبه حزن يعقوب، وجمالا يشبه جمال يوسف، ومناجاة تشبه مناجاة موسى، وصبرا يشبه صبر أيوب، وزهدا يشبه زهد عيسى عليهم السلام، وأن هذه الصفات تعلو فيه عليه السلام أعلى الدرجات.
وأحسن ما أجاد به المولى محمد كاظم الازري رحمه الله:
(1) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 39: صص 35 - 37.
(2) - اللين: ضد الخشونة.
(3) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 39: صص 35 - 37.
[303]
لك في مرتقى العلى والمعالي * درجات لا يرتقى أدناها
أنت بعد النبي خير البرايا * والسماء خير ما بها قمراها
واستدل الفخر الرازي في تفسيره بقوله تعالى: اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسئلكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين (1) على أفضلية نبينا صلى الله عليه واله وسلم على سائر الأنبياء لاجتماع خصال الأنبياء فيه كاستدلالنا بها على أفضلية علي عليه السلام.
قال: (احتج العلماء بهذه الاية أن رسولنا صلى الله عليه واله وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام، وتقريره: هو أنا بينا أن خصال الكمال وصفات الشرف كانت مفرقة فيهم (أي في الأنبياء) بأجمعهم، فداود وسليمان كانا من أصحاب الشكر على النعمة، وأيوب كان من أصحاب الصبر على البلاء، ويوسف كان مستجمعا لهاتي الحالتين، وموسى عليه السلام كان صاحب الشريعة القوية القاهرة والمعجزات الظاهرة، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كانوا أصحاب الزهد، وإسماعيل كان صاحب الصدق، ويونس صاحب التضرع.
فثبت أنه تعالى إنما ذكر كل واحد من هؤلاء الأنبياء لأن الغالب عليه كان خصلة معينة من خصال المدح والشرف.
ثم إنه تعالى لما ذكر الكل أمر محمدا - عليه الصلاة والسلام - بأن يقتدي بهم بأسرهم، فكان التقدير كأنه تعالى أمر محمدا صلى الله عليه واله وسلم أن يجمع من خصال العبودية والطاعة كل الصفات التي كانت مفرقة فيهم بأجمعهم ولما أمره الله تعالى بذلك امتنع أن يقال: إنه قصر في تحصيلها، فثبت أنه حصلها، ومتى كان الأمر كذلك ثبت أنه اجتمع فيه من خصال الخير ما كان متفرقا فيهم بأسرهم، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يقال: إنه أفضل منهم (2) أقول: فبناء على هذا فلا تنس أحاديث الأشباه ودلالتها على أفضلية علي عليه السلام.
(1) - الانعام، 6: 90.
(2) - الرازي: التفسير الكبير، ج 13: ص 69.
[304]
قال الحافظ العلامة، أبو عبد الله، الكنجي الشافعي: (قلت: تشبيهه لعلي عليه السلام بآدم في علمه، لأن الله علم آدم كل شيء كما قال عزوجل: وعلم آدم الاسماء كلها (1).
فما من شيء ولا حادثة ولا واقعة إلا وعند علي عليه السلام فيها علم، وله في استنباط معناها فهم، وشبهه بنوح في حكمته، أو في رواية (في حكمه) وكأنه أصح، لأن عليا عليه السلام كان شديدا على الكافرين رؤوفا بالمؤمنين كما وصفه الله في القرآن: والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (2).
وأخبر الله عزوجل عن شدة نوح على الكافرين بقوله: رب لا تذر على الاءرض من الكافرين ديارا (3)، وشبهه في الحلم بإبراهيم خليل الرحمن كما وصفه الله عزوجل في القرآن بقوله: إن إبراهيم لاواه حليم (4).
فكان متخلقا بأخلاق الأنبياء، متصفا بصفات الأصفياء (5).
7 - روى العلامة، الشيخ سليمان الحنفي، عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا علي ! لو أن أحدا عبد الله حق عبادته ثم شك فيك وأهل بيتك أنكم أفضل الناس، كان في النار (6).
8 - وروى عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: (لو وضع أعمال امتي في كفة، ووضع عملك يوم احد في كفة اخري لرجح عملك، وإن الله باهى بك يوم احد ملائكته المقربين، ورفعت الحجب من السماوات، وأشرفت إليك الجنة وما فيها، وابتهج بفعلك رب العالمين (7).
9 - روى أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، الفقيه المتكلم رحمه الله، عن
(1) - البقرة، 2: 31.
(2) - الفتح، 48: 29.
(3) - نوح، 71: 26.
(4) - التوبة، 9: 114.
(5) - الكنجي: كفاية الطالب، الباب 23: ص 122.
(6) - القندوزي: ينابيع المودة، ج 2: ص 78.
(7) - المصدر السابق، ج 17: ص 127.
[305]
النبي صلى الله عليه واله وسلم، أنه قال لأمير المؤمنين عليه السلام: (يا أبا الحسن ! لو وضع إيمان الخلائق وأعمالهم في كفه ميزان، ووضع عملك يوم احد في الكفة الاخرى لرجح عملك يوم احد على جميع ما عمل الخلائق، وإن الله تعالى باهي بك يوم احد ملائكته المقربين، ورفع الحجب من السماوات السبع، وأشرفت إليك الجنة وما فيها، وابتهج بفعلك رب العالمين، وإن الله ليعوضك بذلك اليوم ما يغبطك به كل نبي وصديق وشهيد (1).
أقول: هذه الأحاديث شاهدة لأمير المؤمنين عليه السلام بفضل عظيم وقدر خطير لا يعادله فيه أحد من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين.
يقول الازري رحمه الله:
لا فتى في الوجود إلا علي * ذاك شخص بمثله الله باها
10 - روى الحافظ الكنجي، عن أبي عقال، عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، (سأل أبو عقال النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال: يا رسول الله ! من سيد المسلمين ؟ فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم من تظن، يا أبا عقال ؟ فقال: آدم، فقال صلى الله عليه واله وسلم: ههنا من أفضل من آدم، فقال: يارسول الله ! أليس الله خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وزوجه حواء أمته، وأسكنه جنته ؟ فمن يكون أفضل منه ؟ فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: من فضله الله عزوجل ؟ فقال: شيث.
فقال صلى الله عليه واله وسلم: أفضل من شيث ؟ فقال: إدريس، فقال صلى الله عليه واله وسلم: افضل من إدريس ونوح ؟ فقال: هود، فقال صلى الله عليه واله وسلم: أفضل من هود وصالح ولوط ؟ فقال: موسى وهارون، فقال صلى الله عليه واله وسلم: أفضل من موسى وهارون ؟ قال: فإبراهيم إذن، قال صلى الله عليه واله وسلم: أفضل من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ؟ قال: فيعقوب، قال صلى الله عليه واله وسلم: أفضل من يعقوب ويوسف ؟ قال: فداود، قال صلى الله عليه واله وسلم: أفضل من داود وسليمان ؟ قال: فأيوب إذن، قال صلى الله عليه واله وسلم: أفضل من أيوب ويونس ؟ قال: زكريا إذن، قال صلى الله عليه واله وسلم: أفضل من زكريا ويحيى ؟ قال: فاليسع إذن، قال صلى الله عليه واله وسلم، أفضل من اليسع وذي الكفل قال: فعيسى
(1) - التفضيل، ص 25.
وأورده صاحب (ينابيع المودة)، (في ج 1: ص 63).
[306]
إذن، قال صلى الله عليه واله وسلم: أفضل من عيسى ؟ قال أبو عقال: ما علمت من هو، يا رسول الله ! ملك مقرب.
فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم مكلمك، يا أبا عقال (يعني نفسه).
فقال أبو عقال: سررتني، والله يا رسول الله ! فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: أزيدك، يا أبا عقال ؟ قال: نعم، فقال صلى الله عليه واله وسلم: اعلم يا أبا عقال أن الأنبياء والمرسلين ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيا، لو جعلوا في كفة وصاحبك في كفة لرجح عليهم، فقلت: ملأتني سرورا يا رسول الله، فمن أفضل الناس بعدك ؟ فذكر له نفرا من قريش ثم قال: علي بن أبي طالب، فقلت: يا رسول الله فأيهم أحب إليك ؟ قال: علي بن أبي طالب، فقلت: لم ذلك ؟ فقال صلى الله عليه واله وسلم: خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد - إلى أن قال: - يا أبا عقال ! فضل علي على سائر الناس كفضل جبرئيل على سائر الملائكة).
ثم قال الكنجي: (هذا حديث حسن عال (2).
11 - روى العلامة الكراجكي رحمه الله عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (علي أفضل من خلق الله تعالى غيري، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما، وإن فاطمة سيدة نساء العالمين (3).
12 - وروى عن أبي ذر، قال: (نظر النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام فقال: هذا خير الأولين والاخرين من أهل السماوات والأرضين... (4).
13 - وعن النبي صلى الله عليه واله وسلم (يا علي ! أنت أمير من في السماء، وأمير من في الارض، وأمير من مضى، وأمير من بقي، ولا أمير قبلك ولا أمير بعدك، ولا يجوز أن يسمى بهذا الاسم من لم يسمه الله عزوجل به (5).
(1) - كذا والظاهر أن الخبر دخيل (م).
(2) - الكنجي: كفاية الطالب، ص 316.
(3) - التفضيل، ص 16 و19.
(4) - المصدر.
(5) - المصدر.
[307]
أقول: ولا يرتاب ذو مرة في أن من كان أمير من في السماء وأمير من في الأرض وأمير من مضى ومن بقي لكان أفضلهم وأشرفهم وخيرهم.
14 - روى العلامة ابن المغازلي عن حذيفة بن اليمان، قال: (آخي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين أصحابه الأنصار والمهاجر، فكان يؤاخى بين الرجل ونظيره، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي.
قال حذيفة: رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سيد المسلمين وإمام المتقين ورسول رب العاليمن، الذي ليس له في الأنام شبيه ولا نظير، وعلي بن أبي طالب أخوان (1).
15 - روى العلامة القندوزي عن زيد بن أوفى، قال: (لما آخى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين أصحابه فقال علي عليه السلام: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني وبين أحد ! فقال صلى الله عليه واله وسلم: والذي بعثني بالحق نبيا ما أخرتك إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، وأنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة، وأنت أخي ورفيقي.
ثم تلا: إخوانا على سرر متقابلين المتحابون في الله ينظر بعضهم إلى بعض (2).
16 - روى العلامة، السيد هاشم البحراني، عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا جابر ! أي الأخوة أفضل ؟ قال: قلت البنون من الأب والأم.
فقال صلى الله عليه واله وسلم: إنا معاشر الأنبياء إخوة وانا أفضلهم، ولأحب الأخوة إلى علي بن أبي طالب، فهو عندي أفضل من الأنبياء فمن زعم أن الأنبياء أفضل منه فقد جعلني أقلهم، ومن جعلني أقلهم فقد كفر، لأني لم أتخذ عليا أخا إلا لما علمت من فضله (3).
17 - وروى عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام: (أنا
(1) - ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، ص 38.
(2) - القندوزي: ينابيع المودة، ج 1: ص 55.
(3) - البحراني: البرهان في تفسير القرآن، ج 4: ص 148.
[308]
رسول الله المبلغ عنه، وأنت وجه الله المؤتم به، فلا نظير لي إلا أنت، ولا مثل لك إلا أنا (1).
18 - روى العلامة الكنجي عن ابن عمر، قال: (آخي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله ! آخيت بين أصحابك ولم تواخ بينى وبين أحد ! فقال رسول الله صلى اله عليه واله وسلم: أنت أخي في الدنيا والاخرة.
ثم قال: قلت: هذا حديث حسن عال صحيح (2).
أقول: لحديث المؤاخاة مصادر شتي وطرق مختلفة، فان جمعا من الحفاظ وأئمة الحديث ذكروه بأسانيد متعدده تجده بنصه في (الغدير) الأغر (ج 3: ص 112 إلى 124) أخرجه العلامة الأميني - حشره الله مع أوليائه الكرام - من خمسين طريقا.
وجاءت طرقه أيضا في (فضائل الخمسة) للعلامة الفيروز آبادي (ج 1: ص 318، إلى 332).
وذكره أيضا العلامة المجلسي - طيب الله مرقده - في البحار بأسانيد شتى (ج 38: ص 330 إلى 347).
ولا ريب أنه لم تكن هذه المؤاخاة إلا على أساس المماثلة والمشاكلة بين الأشخاص في الكمالات النفسانية والدرجات الروحية، وإن شئت زيادة بصيرة فأمعن النظر في كلام الحافظ الكنجي الشافعي، قال: (فإذا أردت قرب منزلته عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تأمل صنيعه في المؤاخاة بين الصحابة، جعل يضم الشكل إلى الشكل والمثل إلى المثل، فيؤلف بينهم إلى أن آخى بين أبي بكر وعمر، وادخر عليا عليه السلام لنفسه واختصه باخوته.
وناهيك بها من فضلية وشرف إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (3)).
أقول: واشهد الله ورسوله على أن حديث المؤاخاة من أدل الدليل على إمامة
(1) - البحراني: البرهان في تفسير اقرآن ج 4: ص 148.
(2) - الكنجي: كفاية الطالب، الباب 47: ص 194.
(3) - ق، 50: 37.
[309]
علي عليه السلام وتقدمه على جميع البشر ممن تقدم وتأخر سوى النبي صلى الله عليه واله وسلم، لأنه عليه السلام نظير النبي صلى الله عليه واله وسلم ومثله كما لاحظته في الأخبار الماضية.
يقول الازري رحمه الله: لك ذات كذاته حيث لولا أنها مثلها لما آخاها اللهم اجعلنا ممن تمسك بولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
19 - روى العلامة ابن المغازلي، عن أبي جعفر السباك، عن أنس بن مالك، قال: (اهدي لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم طائر مشوي أهدته له امرأة من الأنصار، فدخل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فوضعت ذلك بين يديه.
فقال: اللهم أدخل علي أحب خلقك إليك من الأولين والاخرين ليأكل معي من هذا الطائر، قال أنس: فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلا من الأنصار من قومي، فجاء علي فطرق الباب، فرددته وقلت: رسول الله صلى الله عليه واله وسلم متشاغل، ولم يعلم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لذلك، فقال: اللهم أدخل علي أحب خلقك إليك من الأولين والاخرين يأكل معي من هذا الطائر، قلت: اللهم اجعل رجلا من قومي الأنصار: فجاء علي فرددته، فلما جاء الثالثة قال لي رسول الله: قم فافتح الباب لعلي، فقمت ففتحت الباب، فأكل معه، فكانت الدعوة له (1).
20 - روى الحاكم، أبو عبد الله النيشابوري عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك، قال: (كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقدم لرسول الله فرخ مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، قال قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار.
فجاء علي - رضي الله عنه - فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على حاجة، ثم جاء فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على حاجة، ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: افتح، فدخل فقال صلى الله عليه واله وسلم: ما حبسك علي ؟ فقال: إن هذه آخر ثلاث كرات يرددني أنس بزعم أنك على حاجة، فقال صلى الله عليه واله وسلم: ما حملك على ما صنعت ؟ فقلت: يا رسول الله ! سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي، فقال: إن الرجل قد يحب قومه.
(1) - ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، ص 168.
[310]
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (1).
أقول: إن حديث الطير حديث معتبر متواتر، وقد روي من طرق عديدة من الصحابة والتابعين، وأخرجه العلماء والحفاظ في كتبهم المعتبرة بصور مختلفة وعبارات متفاوتة قريبة المعنى وإليك بعض نصوصها.
1 - عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: (اهدي إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم نحامة (2) مشوية، فقال: اللهم ابعث إلى أحب خلقك إليك وإلى نبيك يأكل معي من هذه المائدة.
قال: فأتي علي - الحديث (3).
2 - عن إسماعيل بن أبي المغيرة، عن أنس بن مالك، قال: (اهدي لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم أطيار، فقسمها بين نسائه، فأصاب كل امرأة منهن ثلاثة، فأصبح عند بعض نسائه قطاتان (4)، فبعثت بهما إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي من هذا الطعام.
فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فجاء علي - الحديث (5).
3 - عن عثمان بن الطويل، عن أنس بن مالك، قال: (اهدى للنبي صلى الله عليه واله وسلم طير كان يعجبه أكله، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل من هذا الطائر معى، فجاء علي - الحديث (6).
4 - عن زبير بن عدي، عن أنس قال: (اهدي إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم طير مشوي، فلما وضع بين يديه قال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر،
(1) - المستدرك، ج 3، ص 130، ط حلب.
(2) - النحامة: طائر أحمر يقال له بالفارسية: سرخ آوى (ابن منظور: لسان العرب).
(3) - ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، صص 167 - 156.
(4) - المصدر.
(5) - المصدر.
(6) - المصدر.
[311]
قال: فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، قال: فجاء علي - الحديث (1).
5 - عن ابن عباس، قال: (اتي النبي صلى الله عليه واله وسلم بطائر، فقال: اللهم ائتني برجل يحبه الله ورسوله، فجاء علي - الحديث (2).
6 - عن نافع، عن أنس بن مالك: (إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قرب إليه طير، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، قال: فجاء علي يأكل معه (3).
7 - عن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك قال: (اهدي لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم حجل مشوي (4) بخبزة وصنابة، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام، فقالت عائشة: اللهم اجعله أبي، وقالت حفصة: اللهم اجعله أبي، قال أنس: اللهم اجعله سعد بن عبادة، فسمعت حركة بالباب فخرجت فإذا علي بالباب - (5).
أقول: وهنا نشير إلى فوائد هامة ينبغي الألتفات إليها: الأولى: المستفاد من هذه الأحاديث أن عليا عليه السلام أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخير البشر، لأنك قد لاحظت دعاء النبي صلى الله عليه واله وسلم (اللهم أدخل علي أحب خلقك إليك من الاولين والاخرين ليأكل معي من هذا الطير) فجاء علي عليه السلام.
وأيضا: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل من هذا الطائر معي، فجاء علي عليه اسلام).
وإن شئت أن يبرد قلبك وقرت عينك فانظر كلاما هو أطيب من نفحة الأزهار وهو ما قاله العلامة الكنجي الشافعي، قال: (وقيه (أي في حديث الطير) دلالة
(1) - ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، صص 167 - 156.
(2) - المصدر.
(3) - ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، ص 167.
(4) - الحجل: القبح، وبالفارسية: كبك، وهو طائر معروف.
والصناب - بالكسر -: ادام يتخذ من الخردل والزبيب، أو الخردل والزيت.
(5) - ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 2: ص 112.
[312]
واضحة على أن عليا عليه السلام أحب الخلق إلى الله، وأدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبي صلى الله عليه واله وسلم حيث قال عزوجل: (ادعوني فاستجب لكم (1).
فأمر بالد ووعد بالأجابة، وهو عزوجل لا يخلف الميعاد، وما كان الله ليخلف رسله وعده، ولا يرد دعاء رسوله لأحب الخلق الميعاد، وما كان الله ليخلف رسله وعده، ولا يرد رسوله لأحب الخلق إليه، ومن أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبته ومحبة من يحبه لحبه كما أنشدني بعض أهل العلم في معناه: بالخمسة الغر من قريش وسادس القوم جبرئيل بحبهم رب فاعف عني بحسن ظني بك الجميل (2) العدد الموسوم في هذا البيت أراد بهم أهل البيت أصحاب العلاء الذين قال الله تعالى في حقهم: (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (3) وهم محمد صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين:، وسادس القوم جبرئيل.
الثانية: إن أكثر هذه الأحاديث لاتذكر مصدر هذا الطبر المشوي الذي أكل منه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أكل معه علي عليه السلام وإن ذكر في بعضها، فأنك شاهدت ألفاظ الأحاديث التي مرت عليك، فقيها (قدم لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم أو اهدي قرب ووضع بين يديه) وما شابه ذلك، فهل كان هذا الطير من أطيار الدنيا أو من طيور الجنة ؟ يظهر من بعض الأحاديث أن هذا الطير من أطيب طعام الجنة أتى به جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم، كالخبر الاذي أخرجه العلامة لمجلسي - رحمه الله - ضمن حديث طويل عن علي عليه السلام في البحار، ج 38، ص 348.
ويستفاد أيضا من هذا الحديث أن عائشة كانت تمنع الأمام عليه السلام من الدخول على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والعمدة في هذا الباب أن هذه الفضيلة من خصائص
(1) - الغافر 40: 60.
(2) - الكنجي الشافعي كفاية الطالب الباب 33 ص 151.
(3) الاحزاب 33: 33.
[313]
أمير المؤمنين عليه السلام وأنه أحب الناس إلى الله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم وأفضلهم، والاختلاف في هوامش هذه الفضيلة وجوانبها لا يقدح في أصلها.
الثالثة: إن حديث الطير من الأحاديث المعتبرة الصحيحة التي قد أجمعت أئمة الحديث والحفاظ على صحته وتوثيق سنده، وقد وروده بطرق شتى وأسانيد عديدة، منهم الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيشابوري في مستدركه (1)، قال: (و قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادد على ثلاثين نفسا).
وقال الحافظ الذهبي في تلخيصه على ما في ذيل المستدرك: (وقد رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا)، وأخرجه الحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقبه عن أربعة وعشرين طريقا.
وقال الحافظ المقتول في سنة 658 الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (2): (و حديث أنس الذي صدرته في أول الباب أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيشابوري عن ستة وثمانين رجلا كلهم روره عن أنس، وهذا ترتيبهم على حروف المعجم) ثم ذكر أسامي كلهم.
وأخرجه ابن عساكر من عشرين طريقا (3)، وجاء حديث الطير في ذيل إحقاق الحق بالتفصيل (4) ثم إن الموضوع مما نظمه شعراء أهل البيت عليهم السلام - رحمه الله - المتوفى سنة 173:
نبئت أن أبانا كان عن أنس * يروي حديثا عجيبا معجبا
عجبا في طائر جاء مشويا به بشر * يوما وكان رسول الله محتجبا
أدناه منه فلما أن رآه دعا ربا * قريبا لأهل الخير منتجبا
(1) المصدر ج 3 ص 131.
(2) الكنجي الشافعي كفاية الطالب الباب 33 ص 152.
(3) - ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 2: ص 105.
(4) - ابن عساكر تاريخ دمشق ج 2 ص 105.
[314]
أدخل إلي أحب الخلق كلهم * طرا إليك فأعطاه الذي طلبا
فاعتز (1) بالباب معتز فقال له * من ذا ؟ وكان وراء الباب مرتقبا
من ذا ؟ فقال: علي قال: إن له * شأنا له أهتم منه اليوم فاحتجبا (2)
وقال صاحب بن عباد - رحمه الله -:
من كمولاي علي زاهد * طلق الدنيا ثلاثا ووفى
من دعي للطير أن يأكله * ولنا في بعض هذا مكتفى (3)
افتراءات وشبهات وقعت حول حديث الطير:
أولها من المدعي المعاند ابن تيمية الحراني أنه قال: (فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح، ولا صححه أئمة الحديث ولكن هو مما رواه بعض الناس كما رووا أمثاله في فضل غير علي (4).
أقول: وقد ذكرنا آنفا تواتره من كلام أعلامهم، وما أقول في رجل أفتى أئمة المذاهب الأربعة بفسقه وكفره، ومات في السجن.
وقال أيضا هذا الغاوي الناكب عن الحق: (إن الطير ليس فيه أمر عظيم هنا يناسب أن يجئ أحب الخلق إلى الله ليأكل معه فإن إطعام الطعام مشروع للبر والفاجر، وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الاكل ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأي أمر عظيم يناسب أن يجئ أحب الخلق إلى الله يفعله ؟ (3).
قال العلامة المظفر - رحمه الله -: (والجواب: أن الأمر العظيم تعريف الأحب إلى الله
(1) - اعتز: تشرف وتعظم.
(2) - ديوان الحميرى، ص 69، ط دار مكتبة الحياة.
(3) - كفاية الطالب الباب 46 ص 192.
(4) - منهاج السنة، ج 4، ص 99، ط الرياض.
أقول: وقد ينبغى جدا أن نسميه منهاج الضلالة.
(5) - المصدر.
[315]
تعالى للناس بدليل وجداني فإنه آكد من اللفظ وأقوى في الحجة، كما عرفهم نبي الهدى صلى الله عليه واله وسلم أن عليا حبيب الله في فصة خيبر بإخبارهم أنه يعطي الراية من يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، وأن الفتح على يده، على أنه يكفى في المناسبة رغبة النبي صلى الله عليه واله وسلم بأن يأكل مع أحب الخلق إلى الله وإليه (1).
ومما قال ابن تيمية الحراني: (إن الحديث يناقض مذهب الرافضة فإنهم يقولون: إن النبي كان يعلم أن عليا أحب خلق إلى الله، وأنه جعله خليفة من بعده وهذا الحديث يدل على أنه ما كان يعرف أحب الخلق إلى الله (2).
والجواب من العلامة المظفر -، -: (إنا لا نعرف وجه الدلالة على أنه لا يعرفه، أتراه لو قال: ائتني بعلي يدل على عدم معرفته له (3) ؟ وكيف لا يعرفه وقد قال كما في بعض الأخبار: (اللهم ائتني بأحب الخلق إليك وإلى).
وقال لعلي في بعض آخر: (ما حسبك علي) ؟ وقال له في بعضها: (ما الذي أبطأ بك) ؟ فالنبي صلى الله عليه واله وسلم كان عارفا به لكنة أبهم ولم يقل: ائتني بعلي، ليحصل التعيين من الله سبحانه فيعرف الناس أن عليا هو الاحب إلى الله تعالى بنحو الاستدلال).
ومن الشبهات حول هذا الحديث ما في المواقف وشرحها وهو أنه لا يفيد أنه عليه السلام أحب إليه في كل شيء لصحة التقسيم وإدخال لفظ الكل والبعض ألا ترى أن يستإنه يصح فسر إن يستفسر ويقال: أحب إليه في كل الأشياء أو في بعض الأشياء ؟ فلا يدل على الأفضلية مطلقا.
(1) - دلائل الصدق، ج 2، ص 283.
(2) - منهاج السنة، ج 4، ص 99.
(3) - قال مصحح الكتاب: أتراه صلى الله عليه وآله أنه قال يوم خيبر: (لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) أكان لا يعرفه حين هذا القول ؟ ولو كان لا يعرفه فكيف أعطى الراية عليا ؟ على أن قبيل هذا الكلام انما يصدر ممن يكون عارفا بالمقصود وانما يكنى به ليكون أوضح في الدلاية، وهذا مالا يجهله من له آدنى المام بالادب.
(استادولى)
[316]
وقال العلامة المظفر - رحمه الله - في جوابه: (إن الأطلاق مع عدم القرينة على الخصوص يفيد العموم في مثل المقام، ألا ترى أن كلمة الشهادة تدل على التوحيد ؟ وبمقتضى ما ذكره ينبغي أن لا تدل عليه لامكان الاستفسار بأنه لا إله إلا هو في كل شيء أو في السماء أو في الأرض، إلى غير ذلك فلا تفيد نفي الشرك مطلقا، وهذا لا يقوله عارف (1).
ومن تلك الشبهات: أنه خبر واحد من أخبار الاحاد لأنه رواه أنس ابن مالك وحده.
وأجابه الشيخ المفيد - رحمه الله -: بأن الامة بأجمعها قد تلقته بالقبول ولم يروا أن أحدا رده على أنس ولا أنكر صحته عند روايته، فصار الأجماع عليه هو الحجة في صوابه مع أن المتواتر قد ورد بأن أمير المؤمنين عليه السلام احتج به في مناقبه يوم الدار فقال: (أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء أحد غيري ؟ قالوا: اللهم لا، قال: اللهم اشهد).
فاعترف الجمبع بصحته، ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام ليحتج ببالطل لاسيما وهو في مقام المنازعة (2).
ولنختم بنقل كلام عن العلامة المجلسي - رحمه الله -: قال (ره) بعد ذكر أخبار الطير: (اعلم أن تلك الأخبار مع تواترها واتفاق الفريقين على صحتها تدل على كونه - صلوات الله عليه - أفضل الخلق وأحق بالخلافة بعد الرسول صلى الله عليه واله وسلم.
أما دلالتها على كونه أفضل فلأن حب الله تعالى ليس إلا كثرة الثواب والتوفيق والهداية المرتبة على كثرة الطاعة والاتصاف بالصفات الحسنة كما برهن في محله أنه تعالى منزه عن الانفعالات والتغيرات، وإنما اتصافه
(1) - دلائل الصدق، ج 2، ص 438.
(2) - البحار، ج 38، ص 358.
[317]
بالحب والبغض وأمثالهما باعتبار الغايات... فظهر أن حبه تعالى إنما يترتب على متابعة الرسول صلى الله عليه وله وسلم، فبثت أنه - صلوات الله عليه - أفضل من جميع الحلق.
وإنما خص الرسول صلى الله عليه واله وسلم بالاجماع وبقرينة أنه كان هو القائل لذلك فالظاهر أن مراده أحب سائر الخلق إليه تعالى.
وأما كونه أحق بالخلافة فلأن من كان أفضل من جميع الصحابة بل من سائر الأنبياء والأوصياء لا يجوز العقل تقدم غيره عليه (1).
(1) - البحار، ج 38، ص 358.
[318]
غرر من الاخبار في تفضيل على وذريته عليهم السلام على جميع البرية
1 - عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (ما تكاملت النبوة لنبي في الأظلة (في عالم الأشباح) حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي، ومثلوا له فأقروا بطاعتهم وولايتهم (1).
2 - عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما نبئ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا على من سوانا (2).
3 - عن أبي جعفر عليه السلام: (وليايتنا ولياة الله التي لم يبعث ثبيا قط إلا بها (3).
4 - عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما من نبي نبئ ولا من رسول ارسل إلا بولايتنا وتفضيلنا على من سوانا (4).
(1) - البحار، ج 26، ص 281 و280.
(2) - المصدر.
(3) - المصدر.
(4) - المصدر.
[319]
5 - عن أبي الحسن عليه السلام: (ولاية علي عليه السلام مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله نبيا إلا بنبوة محمد صلى الله عليه واله وسلم ووصية علي عليه السام (1).
6 - عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (يا علي ما بعث الله نبيا ! إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعا أو كارها (2)).
7 - عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا حعفر عليه السلام يقول: (إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي عليه السلام، وأخذ عهد النبيين بولاية علي عليه السلام (3).
8 - عن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (إن الله تبارك وتعالى توحد بملكه، فعرف عباده نفسه، ثم فوض إليهم أمره، وأباح لهم جنته، فمن أراد الله يطهر قلبه من الجن والأنس عرفه ولايتنا، ومن أراد أن يطمس على قلبه أسك عنه معرفتنا، ثم قال: يا مفضل والله ما استوجب آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي عليه السلام، وما كلم الله موسى تكليما إلا بولاية علي عليه السلام، ولا أقام الله عيسى ابن مريم آية للعالمين إلا بالخصوع لعلي عليه السلام، ثم قال: أجمل الأمر: ما استاهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية لنا (4).
9 - وجد بخط مولانا أبي محمد العسكري عليه السلام: (أعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب، ونسوا الله رب الأرباب، والنبي وساقى الكوثر في مواقف الحساب، ولظى، والطامة الكبرى، ونعيم دار الثواب، فنحن السنام الأعظم، وفينا النبوة والولاية والكرم، ونحن منار الهدى، والعروة الوثقى، والأنبياء كانوا يقتبسون من أنوارنا، ويقتفون آثارنا، وسيظهر حجة الله على الخلق بالسيف المسلول لأظهار الحق.
وهذا خظ الحسن بن علي ابن محمد بن على بن موسى بن
(1) - البحار، ج 26، ص 281 و280.
(2) - المصدر.
(3) - المصدر.
(4) - البحار، ج 26، ص 294.
[320]
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين (1) 10 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا) الحديث (2).
11 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء بعدي على أفضل من علي بن أبي طالب، وإنه إمام امتي وأميرها، وإنه لوصيي وخليفتي عليها، من اقتدى به بعدي اهتدى، ومن اهتدى بغيره ضل وغوى، إنى أنا النبي المصطفى، ما أنطق بفضل علي بن أبي طالب عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، نزل به الروح المجتبى عن الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى (2).
12 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (معاشر الناس فضلوا على فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وانثى، بنا أنزل الله الرزق، وبقى الخلق - الحديث (4).
13 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (خير من يمشي على وجه الأرض بعدي علي ابن أبي طالب (5).
14 - عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن الله فضل اولي العزم من الرسل بالعلم على الأنبياء، وورثنا علمهم، وفضلنا عليهم في فضلهم، وعلم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما لا يعلمون، وعلمنا علم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فروينا لشيعتنا، فمن قبل منهم فهو أفضلهم، وأبنما
(1) - البحار، ج 26، ص 264.
(2) - البحار، ج 26، ص 335.
(3) - كنز الفوائد، ص 208.
(4) - الاحتجاج، ج 1، ص 75.
(5) كشف الغمة ج 1 ص 157.
[321]
نكون فشيعنا معنا (1).
15 - عن أبي جعفر عليه السلام: (لقد سأل موسى العالم - يعني الخضر) مسألة لم يكن عنده جوابها، ولقد سأل العالم موسى مسألة لم يكن عنده جوابها، ولو كنت بينهما لأخبرت كل واحد منها بجواب مسألته، ولسألتهما عن مسألة لا يكون عندهما جوابها (2).
16 - عن أبي جعفر عليه السلام: (يا عبد الله (يعني عبد الله بن الوليد السمان) ما تقول الشيعة في علي وموسى وعيسى عليهم السلام ؟ قال: قلت جعلت فداك ومن أي حالات تسألني ؟ قال: أسألك عن العلم، فأما الفضل فهم سواء.
قال: قلت: جعلت فداك فما عسى أقول فيهم ؟ فقال: هو والله أعلم منهما (4).
17 - وجد في ذخيرة أحد حواري المسيح عليه السلام رق مكتوب بالقلم السرياني منقولا من التوارة وذلك: (لما تشاجر موسى والخضر عليهما السلام في قضية السفينة والغلام والجدار ورجع موسى إلى قومه سأله أخوه هارون عما استعلمه من الخضر عليهما السلام في السفينة وشاهده من عجائب البحر.
قال: بينما أنا والخضر على شاطئ البحر إذا سقط بين أيدينا طائر أخذ في منقاره قطرة من ماء البحر ورمى بها نحو المشرق، ثم أخذ ثانية ورمى بها نحو المغرب، ثم أخذ ثالثة ورمى بها نحو السماء، ثم أخذ رابعة ورمى بها نحو الأرض، ثم أخذ خامسة وألقاها في البحر، فبهت الخضر وأنا، قال موسى: فسألت الخضر عن ذلك فلم يجب وإذا نحن بصياد يصطاد، فنظر إلينا وقال: مالي أراكما في فكر وتعجب ؟ فقلنا: في أمر الطائر، فقال: أنا رجل صياد وقد علمت إشارته وأنتما نبيان لا تعلمان ؟ قلنا: ما نعلم إلا ما علمنا الله عزوجل، قال: هذا طائر في البحر يسمى مسلما لأنه إذا صاح يقول
(1) - البحار، ج 26، ص 199.
(2) - البحار، ج 26، ص 195.
(3) - البحار، ج 26، ص 194.
[322]
في صياحه (مسلم)، وأشار بذلك إلى أنه يأتي في آخر الزمان نبي يكون عليم أهل المشرق والمغرب وأهل السماء والأرض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر، ويرث علمه ابن عمه ووصيه (1).
(1) البحار ج 26 ص 199.