الفصل 8

فيما ورد من العلماء والمؤرخين في أفضلية على عليه السلام من جميع البشر

1 - روى ابن الكلبي قال: (بينا عمر بن عبد العزيز جالس في مجلسه إذ دخل عليه حاجبه وامرأة ادماء طويلة حسنة الجسم والقامة ورجلان متعلقان بها، ومعهم كتاب من ميمون بن مهران، فدفعوا إليه الكتاب، ففضه وقرأه، وكان فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، عن ميمون بن مهران: سلام عليك ورحمة الله وبركاته.

 أما بعد فقد ورد علينا أمر ضاقت به الصدور وعجزت عنه الأوساع، هربنا بأنفسنا ووكلناه إلى عالمه، يقول الله عزوجل: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستبطونه منهم (1).

 وهذه المرأة والرجلان أحدهما زوجها والآخر أبوها - يا أمير المؤمنين - زعم أن زوجها حلف بطلاقها أن علي بن أبي طالب خير هذه الامة وأولاها برسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأنه يزعم أن ابنته طلقت منه وأنه لا يجوز له في دينه أن يتحذه


(1) - النساء 4: 83.

 


[324]

سهرا، وهو يعلم أنها حرام عليه كأمه.

 وإن الزوج يقول: كذبت وأثمت فقد بر قسمي وصدقت مقالتي، وإنها امرأتي على رغم أنفك وغيظ قلبك، فاجتمعوا إلى يختصمون في ذلك، فسألت الرجل عن يمينه فقال: نعم قد كان ذلك وقد حلفت بطلاقها أن عليا خير هذه الامة وأولاها برسول الله صلى الله عليه واله وسلم، عرفه من عرفه، وأنكره من أنكره، وليرضى من رضي.

 فتسامع الناس بذلك فاجتمعوا إليه، وإن كانت الألسن مجتمعة والقلوب شتى، وقد علمت - يا أمير المؤمنين - اختلاف الناس في أهوائهم وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة، فأحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله وإنهما تعلقا بها، وأقسم أبوها أنه لا يدعها معه، وأقسم زوجها أن لا يفارقها ولو ضربت عنقه إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والامتناع منه، فرفعناهم إليك - يا أمير المؤمنين - أحسن الله توفيقك وأرشدك).

 وكتب في أسفل الكتاب هذه الأبيات:

إذا ما المشكلات وردن يوما * فحارت في تأملها العيون

وضاق القوم ذرعا من نباها * فأنت لها أبا حفص أمين

لأنك قد حويت العلم طرا * وأحكمك التجارب والشؤون

وحلفك الا له على البرايا * فحضك فيهم الخظ الثمين

قال: فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني امية وأفخاذ قريش، ثم قال لأب المرأة: ما تقول أيها الشيخ ؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا الرجل وزجته ابنتي وجهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها، حتى إذا أملت خيره ورجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذبا، ثم أراد الأقامة معنا، فقال عمر: يا شيخ لعله لم يطلق امرأته فكيف حلف ؟ فقال الشيخ: سبحان الله، إن الذي حلف أبين حنثا وأوضح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك مع سني وعلمي، إنه زعم أن عليا خير هذه الامة وإلا امرأته طالق ثلاثا.

 


[325]

فقال للزوج: ما تقول ؟ هكذا طلقت ؟ قال: نعم، فقيل لما قال كاد المجلس يرتج بأهله وبنو امية ينظرون إلا أنهم لا ينطقون بشئ، كل ينظر إلى وجه عمر، فأكب عمر مليا ينكت الأرض بيده والقوم صامتون ينظرون ما يقول، ثم رفع رأسه وقال:

إذا ولي الحكومة بين قوم * أصاب الحق والتمس السدادا

وما خير الأنام إذا تعدى * خلاف الحق واجتنب الرشادا

ثم قال للقوم: ما تقولون في يمين هذا الرجل ؟ فسكتوا، فقال: سبحان الله قولوا، فقال رجل من بني امية: هذا حكم فرج، ولسنا نجتري على القول فيه، وأنت عالم بالقول، مؤتمن لهم وعليهم، فقال: قل ما عندك فإن القول ما لم يحق باطلا أو يبطل حقا جائز علي في مجلسي.

 قال: لا أقول شيئا، فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب، قال: ما تقول فيما حلف عليه هذا الرجل يا عقيلي ؟ فاغتنمها فقال: يا أمير المؤمنين إن جعلت قولي حكما، وحكمي جائزا قلت، وإن لم يكن ذلك فالسكوت أولى وأوسع لي وأبقى للمودة ؟ فقال: قولك حكم، وحكمك ماض.

 قال: فلما سمع ذلك بنو امية قالوا: ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذا جعلت الحكم إلى غيرنا ونحن من لحمتك واولى رحمك.

 فقال عمر: اسكتوا عجزا ولوما، عرضت دلك عليكم فما أبديتم له، فقالوا: ما أعطيتنا مثل ما أعطيت العقيلي ولاحكمتنا ما حكمته، فقال عمر: إ كتن أصاب وأخطاتم، وجز وعجزتم، وأبصر وعميتم فما ذنب عمر لا أبالكم ؟ أتدرون ما مثلكم ؟ قالوا لا ندري قال: لكن العقيلي يدرى، قال: ما تقول يا رجل ؟ قال يا أمير المؤمنين مثلهم كما قال الأول:

دعيتم إلى أمر فلما عجزتم * تناوله من لا يداخله عجز

فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم * نداما وهل يغني عن القدر الحرز


[326]

فقال عمر: أحسنت وأصبت فقل فيما سألتك، فقال: يا أمير المؤمنين بر قسمه ولم يطلق امرأته، فقال: وأنى علمت ذلك ؟ فقال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لفاطمة عليها السلام - وهو عندها في بيتها عائدا لها -: بنية ! ما علتك ؟ قالت: الوعك يا أبتاه وكان على غائبا في بعض حوائج النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال لها: أتشتهين شيئا ؟ فقالت: نعم، أشتهي عنبا وأنا أعلم أنه عزيز وليس بوقت عنب، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إن الله قادر أن يجيئنا به، ثم قال: اللهم آتنا به مع أفضل امتي عندك منزلة.

 فطرق علي عليه السلام الباب فدخل ومعه مكتل قد ألقى عليه طرف ردائه، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: ما هذا يا علي ؟ فقال: عنبى التمسته فاطمة عليها السلام، فقال الله اكبر الله أكبر، اللهم فكما سررتني بأن خمصت، فأكلت، وما خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى برئت.

 قال عمر: صدقت وبرت، أشهد لقد سمعته ووعيته، يا رجل خذ بيد امرأتك، فإن عرض لك أبوها فاهشم وجهه - الخبر (1).

 2 - روي عن جماعة ثقاة انه: (لما وردت حرة بنت حليمة السعدية - رضي الله عنها - على الحجاج بن يوسف الثقفي فمثلت بين يديه، قال لها: أنت حرة بنت حليمة السعدية ؟ قالت له: فراسة من غير مؤمن.

 فقال لها: الله جاء بك فقد قيل عنك أنم تفضلين عليا على أبي بكر وعمر وعثمان، فقالت: لقد كذب الذي قال: إني أفضله على هؤلاء خاصة، قال: وعلى من غير هؤلاء ؟ قالت: افضله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وداود وسليمان وعيسى بن مريم:، فقال لها: ويلك إنك تفضلينه على الصحابة وتزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من اولي العزم من الرسل ! إن لم تأتيني ببيان ما قلت ضربت عنقك.

 


(1) - احقاق الحق، ج 4، ص 292 الى 295 عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

 


[327]

فقالت: ما أنا مفضله على هؤلاء الأنبياء ولكن الله عزوجل فضله عليهم في القرآن بقوله عزوجل في حق آدم: فعصى آدم ربه فغوى (1) وقال في حق علي، وكان سعيكم مشكورا (2).

 قال: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه على نوح ولوط ؟ فقالت: الله عزوجل فضله عليهما بقوله: ضرب الله مثلا للذين كفروا إمرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين (3) علي بن أبي طالب كان مع ملائكة الله تحت سدرة المنتهى،


(1) - طه، 20: 121.

 (2) - الانسان، 76: 22.

 (3) - التحريم، 66: 11.

 وقال تعالى بعدها: وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين * ومريم ابنة عمران التى احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتينء قال الزمخشري.

 (في طي هذين التمثيلين تعريض بامي المؤمنين المذكورتين في أول السورة وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) بما كرهه وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده لما في التمثيل من ذكر الكفر ونحوه في التغليظ قوله تعالى ومن كفر فإن الله غني عن العالمين وإشارة إلى أن من حقهما أن تكونا في الأخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين وأن لا تتكلا على أنهما زوجتا رسول الله فإن ذلك الفضل لا ينفعهما إلا مع كونهما مخلصتين، والتعريض بحفصة أرجح لأن امرأة لوط افشت عليه كما أفشت حفصة على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم) إذ قال تعالى: وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض.

 وبعد كلام العلامة الزمخشري لاحظ ما قاله العلامة الطبري وابن أبى الحديد وغيرهما في عائشة وكيفية عمله مع وصي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو نفس الرسول وأخوه وزوج كريمته ونور بصره: (ولما انتهى إلى عائشة قتل علي - رضي الله عنه - قالت:

فألقت عصاه واستقرت به النوى * كما قر عينا بالأياب المسافر

فمن قتله ؟ فقيل: رجل من مراد.

 فقالت:

فإن يك نائيا فقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب


[328]

زوجته بنت محمد فاطمة الزهراء التى يرضى الله تعالى لرضاها ويسخط لسخطها.

 فقال الحجاج: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه على أبي الأنبياء إبراهيم خليل الله ؟ فقالت: الله عزوجل فضله بقوله: وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي (1)، ومولاي أمير المؤمنين قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا)، وهذه


= فقالت زينب ابنة أبي سلمة: العلي تقولين هذا ؟ فقالت: إنى أنسى فإذا نسيت فذكروني، وكان الذي ذهب بنعيه سفيان بن عبد شمس بن أبي وقاص الزهري (تاريخ الطبري، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، ج 5: ص 150).

 ومعنى البيت: كما أن المسافر إذا جاء من السفر ألقى عصاه واستقر في مكانه وبيته، وقرت أعين الأبناء والأصدقاء بإيابه ومجيئه، كذلك قرت عينى من قتل علي، فلما وصل إليها قتل علي سألت: من قاتله ؟ قيل: رجل مرادي قالت: وإن كان قاتل علي سألت: وبعيدا إلا من أخبرني بقتله غلام ليس في فيه التراب لانه من بني امية.

 قال ابن أبي الحديد في (شرح النهج)، (ج 9: ص 198): (ماتت فاطمة فجاءت نساء رسول الله كلهن إلى بني هاشم في العزاء، إلا عائشة فإنها لم تأت وأظهرت مرضا، ونقل إلى علي عليه السلام عنها كلام يدل على السرور) ووفي (صحيح البخاري)، (ج 1: ص 160، ط محمد علي صبيح وأولاده) (قالت عائشة: لما ثقل النبي صلى الله عليه واله وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض، وكان بين العباس ورجل آخر.

 قال عبد الله: قد ذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة، فقال لي: هل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة ؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب).

 وقال علي عليه السلام في الخطبة 154 من (النهج): (أما فلانة فأدركها رأى النساء وضغن غلا في صدرها كمرجل القين، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلى لم تفعل).

 وقال محمد عبده في شرح هذه الكلام: (المرجل: القدر.

 والقين - بالفتح - الحداد.

 اي أن ضغينتها وحقدها كانا دائمي الغليان كقدر الحداد فانه يغلي ما دام يصنع، ولو دعا أحد لتصيب من غيري غرضا من الأساءة والعدوان مثل ما أتت إلي - أي فعلت بي - لم تفعل لأن حقدها كان علي خاصة).

 وقال العلامة الخوئي في (شرح النهج)، (ج 9: ص 281، ط طهران) (عن مسروق، قال: دخلت على عائشة وعندها غلام أسود يقال له عبد الرحمن، قالت: أتدري لم سميته عبد الرحمن ؟ قلت: لا، قالت: حبا مني لعبد الرحمن ابن ملجم)، (وأيضا الطوسي: تلخيص الشافي، ج 4: ص 158).

 (1) - البقرة، 2: 260.

 


[329]

كلمة ما قالها أحد قبله ولابعده.

 فقال: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه على موسى كليم الله ؟ قالت: يقول الله عزوجل: فخرج منها خائفا يترقب (1)، وعلي بن أبي طالب عليه السلام بات على فراش رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يخف حتى أنزل الله تعالى في حقه: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله (2).

 قال الحجاج: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه على داود وسليمان عليها السلام ؟ قالت: الله تعالى فضله عليهما بقوله عزوجل: يا داود إنا جعلناك خليفة في الاءرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله (3).

 فقال لها: في أي شيء كانت حكومته ؟ قالت: في رجلين رجل كان له كرم (4) والاخر له غنم، فنفشت الغنم بالكرم فرعته، فاحتكما إلى داود عليه السلام فقال: تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتى يعود إلى ما كان عليه.

 فقال له ولده: لا، يا أبه، بل يؤخذ من لبنها وصوفها.

 قال الله تعالى.

 ففهمناها سليمان (5)، وإن مولانا أمير المؤمنين عليا عليه السلام قال: (سلوني عما فوق العرش، سلوني عما تحت العرش، سلوني قبل أن تفقدوني)، إنه عليه السلام دخل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم فتح خيبر فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم للحاضرين: (أفضلكم وأعلمكم وأقضاكم علي).

 فقال لها: أحسنت، فبما تفضلينه على سليمان عليه السلام ؟ فقالت: الله تعالى فضله عليه


(1) - القصص، 28: 18.

 (2) - البقرة، 2: 207.

 (3) - ص، 38: 26.

 (4) - شجرة العنب تسمى كرما لان فيها خيرا.

 (5) - الأنبياء، 21: 79.

 قال تعالى قبلها: وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما... * قال العلامة الطباطبائي: (الحرث: الزرع، والحرث أيضا: الكرم.

 والنفش رعي الماشية بالليل).

 وفيه أيضا: (إن المراد بقوله (إذ يحكمان) إذ يتناظران أو يتشاوران لا إصدار الحكم النافذ).

 وفيه أيضا: (فإن كان سليمان يداخل في حكم الواقعة فعن إذن منه، ولحكمة ما، ولعلها إظهار أهليته للخلافة بعد داود (الميزان، ج 14: ص 340).

 


[330]

بقوله تعالى: (رب (اغفر لي و) هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي (1)، ومولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: (طلقتك يا دنيا، ثلاثا لا حاجة لي فيك)، فعند ذلك أنزل الله تعالى فيه: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا (2).

 فقال: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه على عيسى ابن مريم عليه السلام ؟ قالت: الله تعالى عزوجل فضله بقوله تعالى: إذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به... * (3) فأخر الحكومة إلى يوم القيامة، وعلى بن ابى طالب لما ادعوا النصيرية فيه ما ادعوه قتلهم ولم يؤخر حكومتهم، فهذه كانت فضائله لا تعد بفضائل غيره.

 قال: أحسنت يا حرة، خرجت من جوابك، ولولا ذلك لكان ذلك، ثم أجازها وأعطاها وسرحها سراحا حسنا، رحمة الله عليها (4).

 


(1) - ص 351.

 وقال العلامة الطباطبائي في (الميزان)، (ج 17: ص 216): (وربما استشكل في قوله وهب لي ملكا لا ينبغى لأحد من بعدي أن فيه ضنا وبخلا، فإن فيه اشتراط أن لا يؤتى مثل ما أوتيه من الملك لأحد من العالمين غيره.

 ويدفعه أن فيه سؤال ملك يختص به لا سؤال أن يمنع غيره عن مثل ما اتاه ويحرمه.

 ففرق بين أن يسأل ملكا إختصاصيا، وأن يسأل الأختصاص بملك اوتيه).

 وقال صاحب (الكشاف) (ج 3: ص 375): (كان سليمان عليه السلام ناشئا في بيت الملك والنبوة ووارثا لهما، فأراد من ربه معجزة فطلب على إلفه ملكا زائدا على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الأعجاز ليكون ذلك دليلا على نبوته قاهرا للمبعوث إليهم... وعن الحجاج أنه قيل: إنك حسود، فقال: احسد مني من قال: هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي كما حكى عنه: طاعتنا أوجب من طاعة الله لأنه شرط في طاعته فقال: فاتقوا الله ما استطعتم وقال: واولى الامر منكم فاطلق طاعتنا وهذا من جرأته على الله وشيطنته) (2) - القصص، 28: 83.

 (3) - المائدة، 5: 116 و117.

 (4) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 46: ص 134.

 


[331]

3 - مناظرة قيمة ظريفة للمأمون العباسي - في أفضلية علي عليه السلام - مع الفقهاء وفي طويلة نختار ونقتطف منها موضع الحاجة: (ثم قال (يحيى بن أكثم): إنى لم ابعث فيكم لهذا (يعنى مسألة فقهية دارت بينهم) ولكني أحببت أن انبئكم أن أمير المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين الله به، قلنا: فليفعل أمير المؤمنين - وفقه الله -، فقال: إن أمير المؤمنين يدين الله على أن علي بن أبي طالب خير خلق الله بعد رسوله صلى الله عليه واله وسلم وأولى اللناس بالخلافة له.

 المأمون: يا إسحاق أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله رسوله ؟ قال إسحاق: الأخلاص بالشهادة، قال: أليس السبق إلى الأسلام ؟ قلت: نعم، قال: اقرء ذلك في كتاب الله تعالى يقول: والسابقون السابقون اولئك المقربون (1)، إنما عنى من سبق إلى الأسلام، فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الأسلام ؟ قلت: يا أمير المؤمنين ! إن عليا أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم، قال: اخبرني أيهما أسلم قبل ؟ ثم اناظرك من بعده في الحداثة والكمال، قلت: علي حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دعاه إلى الأسلام، أو يكون إلهاما من الله، قال: فأطرقت، فقال لي: يا إسحاق ! لا تقل إلهاما فتقدمه على رسول الله، لأن رسول الله لم يعرف الأسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى.

 قلت: أجل: بل دعاه رسول الله إلى الأسلام.

 قال: يا إسحاق ! فهل يخلو رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلف ذلك من نفسه ؟ قال: فأطرقت: فقال: يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلى التكلف فإن الله يقول: وما أنا من المتكلفين (2)، قلت: أجل، يا أمير المؤمنين ! دعاه بأمر الله.

 قال:


(1) - الواقعة، 56: 10.

 (2) - ص، 38: 86.

 


[332]

فهل من صفة الجبار - جل ثناؤه - أن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم ؟ قلت: أعوذ بالله، فقال: أفتراه في قياس قولك، يا إسحاق أن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم قد كلف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون فهو يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء ولايجوز عليهم حكم الرسول صلى الله عليه واله وسلم أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى الله عزوجل ؟ قلت: أعود بالله - الخبر (1).

 4 - عن الشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الملقب بالصدوق (المتوفى سنة 381) - رحمه الله -: (يجب أن نعتقد أن الله عزوجل لم يخلق خلقا أفضل من محمد صلى الله عليه واله وسلم والأئمة عليهم السلام وأنهم أحب الخلق إلى الله وأكرمهم وأولهم إقرارا به لما أخذ الله ميثالق النبيين (يعني في الذر)... وأن الله عزوجل أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته ومعرفة نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم وسبقه إلى الاقرار به، ونعتقد أن الله تبارك وتعالى خلق جميع الخلق له ولأهل بيته، وأنه لولاهم لما خلق الله سبحانه السماء ولا الأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة ولا شيئا مما خلق - صلوات الله عليهم أجمعين - (2).

 5 - عن عميد الطائفة وزعيمها الشيخ المفيد - رحمه الله -: (يجب على كل مكلف أن يعرف إمام زمانه، ويعتقد إمامته وفرض طاعته، وأنه أفضل أهل عصره وسيد قومه وأنهم في العصمة والكمال كالأنبياء عليهم السلام، ويعتقد أن كل رسول من الله تعالى فهو نبي إمام، وليس كل إمام نبيا... وأنهم الحجة على كافة الأنام كالأنبياء عليهم السلام، وأنهم أفضل خلق الله بعد نبيه صلى الله عليه واله وسلم (3).

 6 - وعنه - رحمه الله - بعد ذكر الأختلافات في هذا الباب: (فاستدل من حكم


(1) - ابن عبد ربه: العقد الفريد / تحقيق: الدكتور عبد المجيد الترحينى، ج 5: ص 351.

 (2) - عقائد الصدوق (المطبوع مع شرح باب حادى عشر)، ص 97.

 (3) - المفيد: المقنعة، ص 3، ط (مكتبة الداورى) - قم -.

 


[333]

لأمير المؤمنين عليه السلام بأنه أفضل من سالف الأنبياء عليهم السلام وكافة الناس سوى نبي الهدى صلى الله عليه واله وسلم بأن قال: قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أفضل من كافة البشر بدلائل تسلمها أكثر من الحصر، وقوله صلى الله عليه واله وسلم: أنا سيد البشر وقوله: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وإذا ثبت أنه عليه السلام أفضل البشر وجب أن يليه أمير المؤمنين عليه السلام بالفضل بدلالته على ذلك وما قام عليه البرهان، فمن ذلك أنه صلى الله عليه واله وسلم لما دعا نصارى نجران إلى المباهلة ليوضح عن حقه ويبرهن عن ثبوت نبوته ويدل على عنادهم في مخالفتهم له صلى الله عليه واله وسلم بعد الذي أقامه من الحجة عليهم، جعل عليا في مرتبة الحكم بأنه عدله، وقضى له بأنه نفسه، ولم يحطه عن مرتبته في الفضل، وساوى بيني وبينه، فقال مخبرا عن ربه عزوجل بما حكم به من ذلك وشهد وقضى وأكد فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين (1) فدعا الحسن والحسين للمباهلة فكانا ابنيه في ظاهر اللفظ، ودعا فاطمة عليها السلام وكانت المعبر عنها بنسائه، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام وكان المحكوم له بأنه نفسه، وقد علمنا أنه لم يرد بالنفس إفادة العدل والمثل ومن يحل منه في العز والأكرام والمودة والصيانة والأيثار والأعظام والأجلال محل ذاته عند الله فيما فرض الله عليه من الأعتقاد بها، ولو لم يدل من دليل خارج على أن النبي صلى الله عليه واله وسلم أفضل من أمير المؤمنين عليه السلام لقضي هذا الأعتبار بالتساوي بينهما في الفضل والرتبة ولكن الدليل أخرج ذلك وبقي ما سواه بمقتضاه.

 ومن ذلك (أي من أدلة الأفضلية): أنه صلى الله عليه واله وسلم جعل أحكام ولائه (ولاء علي عليه السلام) أحكام ولاء نفسه، وحكم عداوته كحكم العداوة له على الانفراد... وإذا كان الحكم بذلك من حيث ما وصفناه وجب أن يكون مساويا له في الفضل


(1) - آل عمران، 3: 61.

 


[334]

الذي أوجب له من هذه الحال وإلا لم يكن له وجه في الفضل، وهذا كالأول فيما ذكرنا، فوجب التساوى بينهما في كل حال إلا ما أخرجه الدليل من فضله صلى الله عليه واله وسلم.

 ومن ذلك: قوله عليه السلام المروي عن الفئتين الخاصة والعامة: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر) فجاء علي عليه السلام... وإذا ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام أحب الخلق إلى الله تعالى فقد وضح أنه أعظمهم ثوابا عند الله وأكرمهم عليه، وذلك لا يكون إلا بكونه أفضلهم عملا وأرضاهم فعلا وأجلهم في مراتب العابدين، وعموم اللفظ بأنه أحب خلق الله إليه تعالى على الوجه الذي فسرناه وقضينا يقضي بأنه أفضل من جميع البشر - رحمه الله - إلخ (1) ومن ذلك: ما جاءت الأخبار على التظاهر والأنتشار، ونقله رجال العامة والخاصة على التطابق والاتفاق عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: أن أمير المؤمنين عليه السلام يلي معه الحوض يوم القيامة، ويحمل بين يديه لواء الحمد إلى الجنة، وأنه قسيم الجنة والنار، ويوضع له منبر، وأنه يعلو ذروته وأعلاه، ويجلس أمير المؤمنين عليه السلام دونه بمرقاة، ويجلس الأنبياء - صلوات الله عليهم - دونها، وأنه يدعى صلى الله عليه واله وسلم فيلبس حلة اخرى، وأنه لا يجوز الصراط يوم القيامة إلا من معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام).

 وقال رحمه الله: فمنها (أي من الأخبار والأحاديث التي تدل على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام): قول أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: (والله، ولو لم يخلق علي بن أبي طالب عليه السلام لما كان لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كفو من الخلق من، آدم فمن دونه)، وقوله عليه السلام: (وكان يوسف نبيا وابن نبي ابن خليل الله، وكان صديقا رسولا ؟ وكان والله، أبي، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل منه) وقوله عليه السلام وقد سئل عن أمير المؤمنين عليه السلام: ما كانت منزلته من النبي صلى الله عليه والله وسلم ؟ قال عليه السلام:


(1) - في المصدر سقط، أو خلط، أوردنا الكلام بالمعنى.

 


[335]

(لم يكن بينه وبينه فضل سوى الرسالة)، وجاء مثل ذلك بعينه عن أبيه أبي جعفر وأبي الحسن وأبي محمد الحسن العسكري، وقولهم بالآراء المشهورة: (لولا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام لم يخلق الله سماء ولا أرضا ولا جنة ولا نارا)، وهذا يفيد فضلهما بالأعمال وتعلق الخلق في مصالحهم بمعرفتهما والطاعة لهما والتعظيم والأجلال).

 وقال رحمه الله: (وقد روت العامة من طريق جابر بن عبد الله الأنصاري وأبي سعيد الخدري - رحمهما الله تعالى - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: (علي خير البشر).

 وهذا نص في موضع الخلاف.

 وروي عنها (أي عائشة) أنها قالت في الخوارج حين ظهر أمير المؤمنين عليه السلام وقتلهم: (ما يمنعني ما بيني وبين علي بن أبي طالب أن أقول فيه ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيه وفيهم، سمعته يقول: هم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة).

 ورووا عن جابر بن عبد الله الأنصاري إنه قال: (علي سيد البشر، لا يشك فيه إلا كافر).

 والأخبار في هذه كثيرة، وفيما اثبتناه مقنع، والأحتجاج بكل خبر منها له وجه، والأصل في جميعها منهجه ما ذكرناه، والله ولي التوفيق (1).

 6 - عن العلامة الجليل محمد بن علي بن عثمان الكراجكي رحمه الله: (الذي نذهب إليه في ذلك هو أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه - أفضل من جميع البشر ممن تقدم وتأخر سوى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وعلى هذا القول إجماع الشيعة الأمامية، ولم يخالف فيه منهم إلا الأصاغر الذين حادوا عن الطريق المعروفة بماهم عليه من إهمالهم (2)).

 7 - عن نابغة عصره، يحيى بن الحسن الحلي، المعروف بابن البطريق (المتوفى


(1) - رسالة التفضيل من كتاب (عدة رسائل) للشيخ المفيد، (ص 200 الى 205)، ط مكتبة المفيد - قم، (أوردناه بالتلخيص).

 (2) - التفضيل، ص 2.

 


[336]

سنة 600): (فأما ما يدل على أن ولايته عليه السلام أعظم من سائر الفروض وآكد من جميع الواجبات فهو قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (1)، فولايته قامت مقام النبوة لأن بصحة تبليغها عن الله ينفع شهادة أن لاإله إلا الله، وعدم تبليغها يبطل تبليغ الرسالة، فإذا حصلت صح تبليغ الرسالة، ومتى عدم التبليغ بهذا الأمر لا يجدي تبليغ الرسالة، وما كان شرطا في صحة وجود أمر من الأمور ماصح وجوده إلا بوجوده ووجب كوجوبه... وأما القسم الثاني: وهو أنه عليه السلام أفضل رتبة من المتقدمين والمتأخرين من الأنبياء والصديقين هو أن النبي صلى الله عليه واله وسلم أفضل الأنبياء، ورسالته أفضل الرسالات، وقد أمر القديم سبحانه وتعالى سيد رسله صلى الله عليه واله وسلم بإبلاغ فرض ولاية أمير المؤمنين - صلى الله عليه - وجعل في نفس وجوب أداء تبليغ ولايته سبب صحة تبليغ رسالته وأنه لم يصح تبليغ هذه الرسالة التي هي أفضل الرسالات إلا بتبليغ ولايته - صلى الله عليه.

 وعلى هذا حيث ثبت الولاية كثبوت هذه الرسالة صارت شيئا واحدا، وإذا كانت إمامته كرسالته صار نفس هذه كنفس هذه وفضلها كفضلها، إذ ليس يوجد من خلق الله تعالى من نفسه كنفس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سواه بدليل قوله تعالى في آية المباهلة: (وأنفسنا وأنفسكم)، فجعله تعالى نفس رسوله صلى الله عليه واله وسلم، فإذا كان نفس الرسول وولايته نفس ولايته كما قدمناه بطلت مماثلته من كافة خلق الله تعالى (2).

 8 - قال الفخر الرازي، ذيل الاية الكريمة: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض (3): (أجمعت الامة على أن بعض الأنبياء: أفضل من بعض، وعلى أن محمدا صلى الله عليه واله وسلم أفضل من الكل، ويدل عليه من وجوه، أحدها قوله تعالى: وما


(1) - المائدة، 5: 67.

 (2) - خصائص الوحى المبين في مناقب أمير المؤمنين، ص 58، ط وزارة الارشاد.

 (3) - البقرة، 2: 253.

 


[337]

أرسلناك إلا رحمة للعالمين (1) فلما كان رحمة لكل العالمين لزم أن يكون أفضل من كل العالمين (2).

 أقول: إن هذا الدليل بعينه يدل على أن عليا عليه السلام أفضل من الكل لأنه عليه السلام عديل النبي ونفسه صلى الله عليه واله وسلم بنص آية المباهلة كما اعترف وأذعن به الفخر الرازي فإنه في ذيل آية المباهلة بعد نقل كلام محمود بن الحسن الحمصي، وهو كلام جيد في أفضلية علي على الأنبياء - وقد قدمناه في كتابنا هذا (ص 200) مفصلا - قال: (و أما سائر الشيعة (يعني غير المحمود) فقد كانوا قديما وحديثا يستدلون بهذه الاية على أن عليا - رضي الله عنه - مثل نفس محمد صلى الله عليه واله وسلم إلا علي عليه السلام أفضل أيضا من سائر الصحابة.

 هذا تقرير كلام الشيعة (3) - انتهى.

 فإن الفخر لم يخالف الشيعة في هذا الكلام ولم يناقشها كأنه أقر وأذعن بأن عليا نفس النبي صلى الله عليه واله وسلم مع أنه إمام المشككين.

 نعم، ناقش الشيعة من جهة اخرى لم نطل المقال بذكرها.

 يقول الازري رحمه الله:

هو في آية التباهل * نفس النبي لاغيره إياها

فعلى هذا كما أن النبي صلى الله عليه واله وسلم أفضل من الكل يكون نفس النبي صلى الله عليه واله وسلم أفضل من الكل.

 قال الازري رحمه الله: لك

ذات كذاته حيث لولا * أنها مثلها لما آخاها

وقال - أيضا: (إن دين محمد عليه السلام أفضل الأديان فيلزم أن يكون محمد صلى الله عليه واله وسلم أفضل الأنبياء.

 بيان الأول: أنه تعالى جعل الأسلام ناسخا لسائر الأديان والناسخ يجب أن يكون أفضل لقوله عليه السلام: (من سن سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها


(1) - الانبياء، 21: 158.

 (2) - الرازي: التفسير الكبير، ج 6: ص 208.

 (3) - الرازي: التفسير الكبير، ج 8: ص 86.

 


[338]

إلى يوم القيامة) فلما كان هذا الدين أفضل وأكثر ثوابا كان واضعه أكثر ثوابا.

 من واضعي سائر الأديان، فيلزم أن يكون محمد صلى الله عليه واله وسلم من سائر الانبياء (1)).

 أقول: إذا كان المعيار في الأفضلية أكثرية الثواب كما هوالحق فيكون علي عليه السلام أفضل من جميع الأنبياء حتى اولي العزم من الرسل، لأنه عليه السلام أكثر ثوابا وأكرم منزلة عند الله تعالى، والشاهد على ذلك أخبار كثيرة من طرق العامة والخاصة، وقد أسلفناها فيما مر، ومنها: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي ابن أبي طالب عليه السلام: (يا أبا الحسن يجب أن يكون أفضل لقوله عليه السلام: (من سن سنة حسنة فله أجرها من عمل بها إلى يوم القيامة) فلما كان هذا الدين أفضل وأكثر ثوابا كان واضعه أكثر ثوابا من واضعي سائر الاديان فليزم أن محمد صلى الله عليه واله وسلم أفضل من سائر الانبياء (2)) أقول: إذا كان المعيار في الأفضلية أكثرية الثواب كما هو الحق فيكون علي عليه السلام أفضل من جميع الأنبياء حتى اولي العزم من الرسل، لأنه عليه السلام أكثر ثوابا وأكرم منزلة عند الله تعالى، والشاهد على ذلك أخبار كثيرة من طرق العامة والخاصة، وقد أسلفناها فيما مر، ومنها: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي ابن أبي طالب عليه السلام: (يا أبا الحسن لو وضع إيمان الخلائق وأعمالهم في كفة ميزان، ووضع عملك يوم احد على كفة اخرى لرجح عملك على جميع ما عمل الخلائق، وإن الله باهى بك يوم أحد ملائكته المقربين، ورفع الحجب من السماوات السبع وأشرفت إليك الجنة وما فيها وابتهج بفعلك رب العالمين، وإن الله تعالى يعوضك ذلك اليوم ما يغبطه كل نبي ورسول وصديق وشهيد (3).

 ومنها: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم الأحزاب: (لضربة علي يوم الخندق أفضل من


(1) - الرازي: التفسير الكبير، ج 6: ص 196.

 (2) - الرازي: التفسير الكبير، ج 6: ص 196.

 (3) - ينابيع المودة، ص 64.


[339]

عبادة الثقلين (1)، ويقول الازري رحمه الله:

لا فتى في الوجود إلا علي * ذاك شخص بمثله الله باهى

وقال - أيضا: (إن تفضيل بعض الأنبياء على بعض يكون لامور، منها: كثرة المعجزات التي هي دالة على صدقهم وموجبة لتشريفهم، وحصل في حق نبينا عليه السلام ما يفضل على ثلاثة آلاف، وهي بالجملة على أقسام... ومنها ما يتعلق بالعلوم، كالأخبار عن الغيوب، وفصاحة القرآن (2).

 أقول: ما قاله الفخر الرازي كلام صحيح لا يعتريه ريب ولا يختلج به وهم لأنه صلى الله عليه واله وسلم كما قال البوصيري:

فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم ولا كرم

وكل آي أتى الرسل الكرام بها * فإنها اتصلت من نوره بهم

وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من اليم أو رشفا من الديم

نعم، هو صلى الله عليه واله وسلم مدينة المعارف والايات والعلوم والحقائق، ولكن لا يمكن لأحد أن يصل إلى مدينة العلم إلا من بابها وهو ولينا علي عليه السلام.

 يقول الازري رحمه الله:

إنما المصطفى مدينة علم * وهو الباب من أتاه أتاها

وقال العلامة المناوي الشافعي: (فإن المصطفى صلى الله عليه واله وسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلها، ولابد للمدينة من باب، فأخبر أن بابها هو علي - كرم الله وجهه -، فمن أخذ طريقه دخل المدينة، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى).

 وقال - أيضا: (علي بن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة، فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها، وبهذه المنقبة ما أعلاها، ومن زعم أن المراد بقوله: (علي بابها) أنه مرتفع من العلو وهو إلارتفاع فقد تمحل لغرضه الفاسد بما


(1) - الفخر الرازي: نهاية العقول في دراية الاصول، (على ما في ذيل احقاق الحق، ج 6: ص 5).

 وفي (المواقف) (ط اسلامبول ص 617) (كما في المصدر السابق: (لضربة على خير من عبادة الثقلين).

 (2) - الرازي تفسير الكبير، ج 6: ص 197.

 


[340]

لا يجزيه ولا يسمنه ولا يغنيه (1).

 وقال العلامة الطريحي، في مادة (بوب): (وفي الخبر الصحيح: (أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب).

 رواه الكثير منهم، ونقل عليه بعضهم إجماع الامة لأنه جعل نفسه الشريفة تلك المدينة، ومنع الوصول إليها إلا بواسطة الباب، فمن دخل منه كان له عن المعصية مندوحة، وفاز فوزا عظيما، واهتدى صراطا مستقيما، نقل أن سبب الحديث أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال له: طمش طاح، فغادر شبلا، لمن النشب ؟ فقال صلى الله عليه واله وسلم: للشبل مميطا، فدخل علي عليه السلام فذكر له النبي صلى الله عليه واله وسلم لفظ الأعرابي، فأجاب بما أجاب به النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال صلى الله عليه واله وسلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها).

 ومن لطيف ما نقل هنا أن أعرابيا دخل المسجد فبدأ بالسلام على علي عليه السلام، ثم سلم على النبي صلى الله عليه واله وسلم، فضحك الحاضرون وقالوا له في ذلك، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه واله وسلم النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، فقد فعلت كما أمر صلى الله عليه واله وسلم).

 أقول: الطمش - بالكسر - الناس، يقال: ما أدري أي الطمش هو، أي أي الناس.

 وطاح: هلك، وسقط، وأشرف على الهلاك.

 والمغادرة: الترك، وأغدر الشئ: تركه وأبقاه، والشبل: ولد الأسد، وشبل الغلام أحسن شبول إذا نشأ، والميط: الشئ، وما عنده ميط أي ما عنده شيء (2).

 ومعنى الخبر: رجل مات وهلك، وترك ولدا، لمن المتاع والتركة ؟ فقال صلى الله عليه واله وسلم: التركة للولد.

 وفي (تاريخ بغداد)، عن جابر بن عبد الله، قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم الحديبية - وهو آخذ بيد علي - يقول: هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله - يمد بها صوته - أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد


(1) - فيض القدير، ج 3، ص 46، ط بيروت.

 (2) - هذه المعاني منقولة من لسان العرب.

 


[341]

البيت فليأت الباب (1).

 و- أيضا - عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها (2).

 و- أيضا - عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (أنا مدينة الحكمة وعلي بابها، ومن أراد الحكمة فليأت الباب (3).

 و- أيضا - عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (أنا مدينة الجنة وعلي بابها، فمن أراد الجنة فليأتها من بابها (4).

 وعن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (وأنا مدينة الفقه وعلي بابها (5) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (أتاني جبرئيل عليه السلام بدرنوك من درانيك الجنة، فجلست عليه، فلما صرت بين يدي ربى كلمني وناجاني فما علمني شيئا إلا علمه علي، فهو باب مدينة علمي (6).

 ويقول شمس الدين المالكي - المتوفى 780 -: وقال رسول الله: إني مدينة من العلم وهو الباب والباب فاقصد (7) ويقول العارف الكبير ابن فارض المصري:

وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا * علي بعلم ناله بالوصية

وذكر الفخر الرازي أيضا: (أن أهل بيته صلى الله عليه واله وسلم يساوونه في خمسة أشياء: في


(1) - تاريخ البغداد، ج 2، ص 377 ط مطبعة السعادة بمصر.

 (2) - المصدر السابق، ج 11، ص 48 - 50.

 (3) - تاريخ البغداد، ج 7، ص 173، و11، ص 204، وينابيع المودة، ص 38.

 والمناقب، لابن المغازلى، ص 87.

 (4) - مناقب ابن المغازلى 7 ص 86 و50.

 (5) - سبط بن الجوزي: تذكرة الخواص، ص 29.

 (6) - ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، صص 86 و50.

 (7) - اميني: الغدير، ج 6: ص 58.

 


[342]

السلام، قال: السلام عليك أيها النبي، وقال: سلام على آل ياسين (1).

 وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد، وفي الطهارة، قال تعالى: (طه) أي، يا طاهر ! وقال: ويطهركم تطهيرا (2)، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبة، قال تعالى: فاتبعوني يحببكم الله (3)، وقال: قل لاأسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (4).

 وقال - أيضا - في تفسيره: (وأنا أقول: آل محمد صلى الله عليه واله وسلم هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الال، ولاشك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الال، و- أيضا - اختلف الناس في الآل فقيل: هم الأرقاب، وقيل: هم امته، فإن حملناه على القرابة فهم الال، وإن حملناه على الامة الذين قبلوا دعوته فهم - أيضا - آل، فثبت أن على جميع التقادير هم الال، وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الال ؟ فمختلف فيه (5).

 9 - عن ابن أبى الحديد، قال: (وفي خطبة الحسن بن علي عليهما السلام لما قبض أبوه: (لقد فارقكم في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الاخرون، كان يبعثه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للحرب وجبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره).

 وعنه جاء في الحديث أنه سمع يوم احد صوت من الهواء من جهة السماء يقول: لا سيف إلا ذو الفقار، ولافتى إلا علي... فقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وآله، قال: (يا جبرئيل ! إنه (يعني عليا) مني وأنا منه (6).

 


(1) - الصافات، 37: 120.

 (2) - الاحزاب، 33: 33.

 (3) - آل عمران، 3: 31.

 (4) - الشورى، 42: 23.

 راجع (الصواعق المحرقة)، ص 147 و(فرائد السمطين)، ج 1: ص 35.

 (5) - الرازي: التفسير الكبير، ج 27، ص 166.

 (6) - ابن ابى الحديد: شرح النهج، ج 7: ص 219.

 


[343]

وقال في قصيدته الاولى من العلويات السبع - وهي قصيدة طويلة تشتمل على فتح خيبر -:

فما ماس موسى في رداء من العلى * ولا آب ذكرا بعد ذكرك أيوب

المعنى: ماس، إذا تبختر في مشيه.

 وفي هذا البيت تصريح بتفضيله على الأنبياء عليهم السلام، والمعنى أن موسى عليه السلام لم يشتمل على علاء كامل، بل علاك أكمل ولم يرجع أيوب بذكر ما آبه بل ذكرك آبه (1).

تقيلت أفعال الربوبية التي * عذرت بها من شك أنك مربوب

المعنى: تقيلت أي أشبهت، يقال: تقيل فلان أباه إذا أشبهه، وذلك لأنه عليه السلام كان يصدر عنه ما لا يصدر عن البشر كالحكم بالمغيبات وغير ذلك، وقوله (عذرت بها) يريد المبالغة والمجاز، إذ العذر الحقيقي في هذا كفر (2).

ويا علة الدنيا ومن بدء خلقها له * وسيتلو البدء في الحشر تعقيب

المعنى: علة الدنيا إي سبب وجودها، وقد وردت الأخبار بأن الأئمة عليهم السلام سبب وجودها (3).

 وقال في قصيدته الخامسة في وصفه عليه السلام:

ووارث علم المصطفى وشقيقه * أخا ونظيرا في العلى والأواصر

المعنى: الشقيق أي الأخ، والأواصر جمع الاصرة وهي القرابة وكل ما يعطف على الأنسان من رحم أو صهر أو معروف، يعني إنه اشتق من النبي صلى الله عليه واله وسلم فماثله في علاه وخلائقه الكريمة (4).

 وقال في قصيدته السابعة من العلويات السبع:


(1) - الروضة المختارة في شرح القصائد، ص 97 - 99، ط بيروت.

 (2) - الروضة المختارة في شرح القصائد، ص 97 و98، ط بيروت.

 (3) - الروضة المختارة في شرح القصائد، ص 97 و98، ط بيروت.

 (4) - المصدر السابق، ص 124.

 


[344]

يا برق إن جئت الغري فقل له * أتراك تعلم من بأرضك مودع

فيك ابن عمران الكليم وبعده * عيسى يقفه وأحمد يتبع

بل فيك جبرئيل وميكائيل وإس‍ * - رافيل والملأ المقدس أجمع

بل فيك نور الله جل جلاله * لذوي البصائر يستشف ويلمع

فيك الأمام المرتضى فيك الوص‍ * - ي المجتبى فيك البطين الأنزع

المعنى: يقفه أي يتبعه، والملأ المقدس إشارة إلى باقي الملائكة، وأما كون النبيين والملائكة في قبره فلانه حوى، ما حووه من الفضل، فكأنه كلهم فيه.

 وذكر موسى وعيسى وهما من اولى العزم ليحصل الاتصال بنبينا صلى الله عليه واله وسلم وإن كان أفضل الخلائق فإن عليا عليه السلام نفسه بنص القرآن المجيد والأخبار، وإنما بدأ بالنبيين لأن الملائكة على رأي المعتزلة أفضل من النبيين، فكأنه ارتقى عن درجة النبيين إلى الملائكة، ثم ارتقى إلى الدرجة العليا وهو نور الله الذي لا يطفأ (1).

هذا ضمير العالم الموجود عن * عدم وسر وجوده المستودع

المعنى: ضمير العالم وسره بمعنى واحد، والعالم كل موجود سوى الله، وآل محمد صلى الله عليه واله وسلم سر العالم المستودع عند اولي العلم، إذ لولاهم ما أوجد العالم، فسر الوجود هو ما علمه الله تعالى من المصالح في إيجاد هذا العالم بسبب محمد وآل محمد:، حيث كانوا ألطافا لا يصح التكليف إلا بهم، ولا يقوم غيرهم مقامهم (2).

هذا هو النور الذي عذباته * كانت بجبهة آدم تتطلع

المعنى: عذباته أي أطرافه، لأن عذبه اللسان والصوت طرفاهما، ويريد بالنور نور النبوة المنتقل من آدم إلى نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم وإنه ابن عمه وقسيمه في الشرف (3).

 وشهاب موسى حيث أظلم ليله رفعت له لألاؤه تتشعشع


(1) - الروضة المختارة، ص 139 و140.

 (2) - الروضة المختارة، ص 139 و140.

 (3) - الروضة المختارة، ص 139 و140.

 


[345]

لألأوه أي أنواره، واطلق على علي عليه السلام الشهاب - وهو الشعلة من النار - إطلاقا لاسم المسبب على السبب حيث إنه عليه السلام سبب في تفضيل موسى عليه السلام وظهور النار له (1).

ما العالم العلوي إلا تربة * فيها لجثتك الشريفة مضجع

المعنى: جعل تربته ومحل جسده الشريف العالم العلوي، وهو في ذلك بار صادق، لأن قبره عليه السلام معراج الملائكة ومحل اختلاف الأرواح، والعالم العلوي عبارة عن ذلك.

أقول فيك سميدع كلا ولا * حاشا لمثلك أن يقال سميدع

المعنى: اسميدع أي السيد السهل الأخلاق.

بل أنت في القيامة حاكم * في العالمين وشافع ومشفع

المعنى: أضرب عن الصفة بالسميدع وأثبت ما هو أعلى وأجل وهو كونه حاكما في العالمين يوم القيامة، وذلك لأنه قسيم النار والجنة، وصاحب الحوض والشفاعة (2).

وإليه في يوم المعاد حسابنا * وهو الملاذ لنا غدا والمفزع

وقال في السادسة من العلويات السبع: علم الغيوب إليه غير مدافع والصبح أبيض مسفر لا يدفع المعنى: (علم الغيوب) مبتدأ و(إليه) الخبر، و(غير مدافع) نصب على الحال، ويجوز أن يكون (غير) خبرا بعد خبر، أما إخباره عليه السلام بالمغيبات بواسطة التعليم كما قال المادح كالصبح لا يدفع نوره بل يخرق الحجب (3).

 


(1) - الروضة المختارة، ص 139 و140.

 (2) - الروضة المختارة، ص 139 و140.

 (3) - المصدر السابق، ص 141 و142.

 


[346]

وقال أيضا في (شرح النهج) (ج 7: ص 47 / ذيل الخطبة 92): (فاسألوني قبل أن تفقدوني، فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ومناخ ركابها ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلا، ومن يموت منهم موتا).

 (فصل: في ذكر امور غيبية أخبر بها الأمام ثم تحققت) واعلم أنه عليه السلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده أنهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلا أخبرهم به، وأنه ما صح من طائفة من الناس يهتدي بها مائة وتضل بها مائة إلا وهو مخبر لهم إن سألوه برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول ركابها وخيولها، ومن يقتل منها قتلا، ومن يموت منها موتا، وهذه الدعوى ليست منه عليه السلام ادعاء الربوبية ولا ادعاء النبوة ولكنه كان يقول إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أخبره بذلك، ولقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقا فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة، كإخبار عن الضربة التي يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته.

 وإخباره عن قتل الحسين ابنه عليهم السلام وما قاله في كربلاء حيث مربها، وواخباره بملك معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجاج وعن يوسف بن عمر، وما أخبر به من الخوارج بالنهروان، وما قدمه إلى أصحابه من اخباره بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب، وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، واخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص عليه السلام إلى البصرة لحرب أهلها، واخباره عن عبد الله بن زبير، وقوله فيه: (خب ضب يروم أمرا ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا وهو بعد مصلوب قريش)، وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق وهلاكها تارة اخرى بالزنج وهو الذي صحفه قوم فقالوا: بالريح... (إلى آخر ما قال)، وإن شئت الزيادة فراجع هناك.

 وقال - ايضا: (الأخبار الواردة عن معرفة الإمام علي بالامور الغيبية):


[347]

روى ابن هلال الثقفي في كتاب (الغارات) عن زكريا بن يحيى العطار، عن فضيل، عن محمد بن علي قال: لما قال علي عليه السلام: (سلوني قبل أن تفقدوني، فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها) قام إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر، فقال له علي عليه السلام: (والله لقد حدثني خليلي أن على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك، وأن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك، وأن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم)، وكان ابنه قاتل الحسين عليه السلام يومئذ طفلا يحبو، وهو سنان بن أنس النخعي.

 وروى الحسن بن محبوب، عن ثابت الثمالي، عن سويد بن غفلة أن عليا عليه السلام خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال: يا أمير المؤمنين ! إنى مررت بوادي القرى فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له، فقال عليه السلام: والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمار، فقام رجل آخر من تحت المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين ! أنا حبيب بن حمار، وإنى لك شيعة ومحب، فقال: أنت حبيب بن حمار ؟ قال: نعم، فقال له ثانية: والله إنك لحبيب بن حمار ؟ فقال: إي والله، قال: أما والله انك لحاملها، ولتحملنها ولتدخلن بها من هذا الباب، وأشار بها إلى باب الفيل بمسجد الكوفة.

 قال ثابت: فو الله، ما مت حتى رأيت ابن زياد وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي عليهما السلام، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته، وحبيب ابن حمار صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل....

 وروى محمد بن جبلة الخياط، عن عكرمة، عن يزيد الأحمسى أن عليا عليه السلام كان جالسا في مسجد الكوفة وبين يديه قوم منهم عمرو بن حريث إذا قبلت امرأة مختمرة لا تعرف، فوقفت فقالت لعلي عليه السلام: يا من قتل الرجال، وسفك الدماء، وأيتم الصبيان، وأرمل النساء، فقال عليه السلام: وإنها لهي هذه السلقلقة الجلعة المجعة، و


[348]

إنها لهي هذه، شبيهة الرجال والنساء التى ما رأت دما قط.

 قال: فولت هاربة منكسة رأسها، فتبعها عمرو بن حريث، فلما صارت بالرحبة قال لها: والله، لقد سررت بما كان منك اليوم إلى هذا الرجل، فادخلي منزلي حتى أهب لك وأكسوك، فلما دخلت منزله أمر جواريه بتفتيشها وكشفها ونزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها، فبكت، وسألته ألا يكشفها وقالت: أنا والله، كما قال لي ركب النساء، وانثيان كانثيي الرجال، وما رأيت دما قط، فتركها وأخرجها ثم جاء إلى علي عليه السلام فأخبره، فقال: إن خليلي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أخبرني بالمتمردين علي من الرجال، والمتمردات من النساء إلى أن تقوم الساعة).

 قلت: السلقلقة أي السليطة، وأصله من السلق وهو الذئب، والسلقلقة: الذئبة، والجلعة المجعة: البذية اللسان، والركب: منبت العانة)، ومن أراد الزيادة فليراجع (شرح نهج البلاغة) (الخطبة 37) أؤلها: (فقمت بالأمر حين فشلوا (1).

 وقال - أيضا: (روى صاحب كتاب (الاستيعاب) وهو أبو عمر محمد بن عبد البر، عن جماعة من الرواة والمحدثين، قالوا: لم يقل أحد من الصحابة - رضى الله عنهم -: (سلوني) إلا علي بن أبي طالب عليه السلام، وروى شيخنا أبو جعفر الأسكافي في كتاب (نقض العثمانية)، عن علي بن الجعد، عن ابن شبرمة، قال: ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر: (سلوني) إلا علي بن أبي طالب عليه السلام (2).

 ونقل عنه العلامة الخوئي هذا الكلام في شرحه (ج 7: ص 74، ط طهران) ثم قال: (أقول: وذلك لأن أنواع السؤالات غير محصورة ولا محصاة، وأصناف الطلبات غير معدودة ولا مستقصاة، فبعضها يتعلق بالمعقول، وبعضها بالمنقول، وبعضها بعالم الشهود، وبعضها بعالم الغيب، وبعضها بما كان، وبعضها بما يكون،


(1) - ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغه، ج 2: ص 286.

 (2) - ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 7: ص 46.

 


[349]

وبعضها بما هو كائن، وهكذا، فلا يمكن الجواب عن هذه كله، ولا يقدر على مثل ذلك إلا من تأيد بقوة ربانية، واقتدر بقدرة إلهية، ونفث في روعه الروح الأمين، وتعلم علوم الأولين والآخرين، وصار منبع العلم والحكمة وينبوع الكمال والمعرفة، وهو أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، ووارث علم النبيين، وبغية الطالبين، وحلال مشكلات السائلين، فلا ينصب نفسه في هذا المنصب إلا جاهل، ولا يدعي لنفسه هذا المقام إلا تائه غافل، وفي هذا المقام قال الشاعر:

ومن ذا يساميه بمجد ولم يزل * يقول سلوني ما يحل ويحرم

سلوني ففي جنبي علم ورثته * عن المصطفى ما فات مني به الفلم

سلوني عن طرق السماوات إنني * بها عن سلوك الطرق في الأرض أعلم

ولو كشف الله الغطا لم أزد به * يقينا على ما كنت أدري وأفهم

إلى أن قال: - عن أبى بصير، عن أبى جعفر عليه السلام قال: (سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه واله، فقال: علم النبي علم جميع النبيين، وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة، ثم قال عليه السلام: والذي نفسي بيده إني لاعلم علم النبي وعلم ما كان وعلم ما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة (1).

 عود الى بدء: 10 - عن سبط ابن الجوزي: (قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار، وهو مؤمن آل يس، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم، وحزقيل كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل مثل يوشع، فدل على فضل علي عليه السلام على أنبياء بني إسرائيل (2).

 11 - عن العلامة الأجل، الشيخ زين الدين العاملي النباطي (المتوفى سنة 877):


(1) - العلامة الخوئي: شرح نهج البلاغه، ج 7: صص 74 و75، ط طهران.

 (2) - ابن الجوزي: تذكرة الخواص، ص 52، ط نجف.

 


[350]

(أكثر شيوخنا يفضلونه (يعنى عليا عليه السلام) على اولي العزم: لعموم رئاسته وانتفاع جميع أهل الدنيا بخلافته، لكونه خليفة لنبوة عامة بخلاف نبوتهم، ولقول النبي صلى الله عليه واله وسلم في خبر الطائر المشوي: (ائتني باحب خلقك إليك)، ولم يستثن الأنبياء، ولأنه مساو للنبي الذي هو أفضل في قوله تعالى: وأنفسنا وأنفسكم (1) والمراد المماثلة لامتناع الاتحاد، ولأنه أفضل من الحسنين في قوله صلى الله عليه واله وسلم: (أبوهما خير منهما)، وقد جعلهما جدهما سيدين لأهل الجنة في الحديث المشهور فيهما، وقد أسند الأعمش إلى جابر الأنصاري قول النبي صلى الله عليه واله: (أي الأخوان أفضل ؟ قلت: النبيون، فقال صلى الله عليه واله وسلم: أنا أفضلهم، وأحب الأخوة إلى علي بن أبي طالب، فهو عندي أفضل من الأنبياء، فمن قال: إنهم خير منه فقد جعلني أقلهم لأني اتخذته أخا لما علمت من فضله وأمرني ربى به (2).

 12 - عن الكفعمي رحمه الله: (ثم اشتق سبحانه من نور نبيه صلى الله عليه واله وسلم نور وليه علي بن أبي طالب عليه السلام فباسمه العظيم دعا آدم ربه فلباه، وافتخر به إذ تاب عليه واصطفاه، وافتخر به نوح إذ نجاه الله به طوفانه وطماه، وافتخر به إبراهيم إذ خلصه الله به من النار وأنجاه، وافتخر به اسماعيل إذبه من الذبح بذبح عظيم فداه، وافتخر به يوسف إذ أخرجه به من الجب وملكه مصر وأعطاه، وافتخر به يعقوب إذ دعا الله به فرد عليه ولده، وبصره بعد عماه، وافتخر به لوط إذ نجاه من القرية التي كانت تعمل الخبائث وحماه، وافتخر به ايوب إذ به كشف الله ضره وبلواه، وأهله ومثلهم معهم أعطاه.

 وعن هبيرة، قال: خطبنا الحسن بن علي عليه السلام فقال: (لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يبعثه بالراية،


(1) - آل عمران، 3: 61.

 (2) - النباطي: الصراط المستقيم، ج 1: ص 210 / الفصل 18.

 


[351]

جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يفتح له (1) - الخ).

 تتميم ومما يدل على أفضليته قوله عليه السلام: (سلوني قبل أن تفقدوني) والأثر في ذلك كثير، ذكرنا منها مالا يخرجنا عما نحن فيه: 1 - قال عليه السلام: (سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض، فجاء جبرئيل في صورة رجل، فقال: إن كنت صادقا فأخبرني أين جبرئيل ؟ فنظر إلى السماء يمينا وشمالا، ثم إلى الأرض كذلك فقال: ما وجدته في السماء ولا في الأرض ولعله أنت (2).

 2 - قال الحافظ محمد بن يوسف بن محمد البلخي الشافعي في كتابه (على ما في تلخيصه، ص 16): (وروي عن علي - كرم الله وجهه - أنه قال في مجلسه العام: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن علم السماء فإني أعلمها زقاقا زقاقا، وملكا ملكا، فقال رجل من الحاضرين: حيث ادعيت ذلك يا ابن أبي طالب، أين جبرئيل هذه الساعة ؟ فغطس قليلا وتفكر في الأسرار، ثم رفع رأسه قائلا: إني طفت السماوات السبع فلم أجد جبرئيل، وأظنه أنت أيها السائل، فقال السائل: بخ، بخ، من مثلك يا ابن أبى طالب، وربك يباهي بك الملائكة ؟ ! ثم سجى من الحاضرين (3).

 3 - عن محمد بن طلحة الشافعي، فقال عليه السلام مرة: (سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرض)، وقال مرة: (لو شئت لأوقرت بعيرا من تفسير بسم الله الرحمن الرحيم)، وقال مرة: (لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الأنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والله ما من آية انزلت في بر، أو بحر، و


(1) - أحمد بن حنبل: المسند، ج 1: ص 199.

 (2) - الصفوري: نزهة الجليس، ص 458، ط بيروت.

 (3) - قاضي نور الله: احقاق الحق، ج 7: ص 621.


[352]

لا سهل، ولا جبل، ولاسماء، ولا أرض، ولا ليل، ولا نهار، إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وفي أي شيء نزلت (1).

 4 - عن سبط ابن الجوزي: (وقال عليه السلام: سلوني عن طرق السماوت فإني أعرف بها من طرق الأرضين، ولو كشف الغطاء ما ازددت يقينا (2).

 5 - عن الأصبغ بن نباتة، قال: (لما جلس علي عليه السلام في الخلاقة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، لابسا بردة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، متنعلا نعل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، متقلدا سيف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فصعد المنبر، فجلس عليه السلام عليه متمكنا، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه، ثم قال: يا معشر الناس ! سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم (3)، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم زقا زقا (4)، سلوني، فأن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله، لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوارة بتوراتهم حتى تنطق التوارة، فنقول: صدق علي، ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي، ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ؟ ولولا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب (5).

 ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية، آية في ليل انزلت أو في نهار انزلت، مكيها ومدنيها، سفريها


(1) - ابن طلحة: مطالب السؤول، ص 46.

 (2) - ابن الجوزي: تذكرة الخواص، ص 17.

 (3) - السفط: الذى يعيى فيه الطيب وما أشبهه، والسفط كالجوالي.

 (4) - الزق مصدر (زق الطائر الفرخ)، وزقه: أطعمه بفيه.

 (5) - الرعد، 13: 39.

 


[353]

وحضريها، ناسخها ومنسوخها، محكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم.

 فقام إليه رجل يقال له ذعلب - وكان ذرب اللسان بليغا في الخطب، شجاع القلب - فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة، لاخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه، فقال: يا أمير المؤمنين ! هل رأيت ربك ؟ قال: ويلك يا ذعلب، لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره، فقال: فكيف رأيته ؟ صفه لنا، قال: ويلك، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الأيمان.

 ويلك يا ذعلب، إن ربي لا يوصف بالبعد، ولا بالحركة، ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة، لا يوصف باللطف، عظيم العظمة، لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء، لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة، لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة، لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمحسة، قائل لا باللفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيء فلا يقال: شيء فوقه، وأمام كل شيء فلا يقال: له أمام، داخل في الأشياء لا كشئ في شيء داخل، وخارج منها لا كشئ من شيء خارج.

 فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال: تالله، ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لاعدت إلى مثلها ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين ! كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب، ولم يبعث إليهم نبي ؟ قال: بلى، يا أشعث ! قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم رسولا حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه، فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه، فاجتمعوا إلى بابه فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا وأهلكته، فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد.

 فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي، فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم.

 فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم و


[354]

امنا حواء ؟ قالوا: صدقت أيها الملك، قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته وبناته من بنيه ؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين، فتعاقدوا على ذلك فمحا الله ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم، قال الأشعث: والله، ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله، لاعدت إلى مثلها أبدا.

 ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني.

 فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عصاه، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه، فقال: يا أمير المؤمنين ! دلني على عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار، قال له: اسمع يا هذا، ثم افهم، ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني، ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها أي الكفر بعد الأيمان.

 ايها السائل ! فلا تغترن بكثرة المساجد، وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتي، أيها السائل ! إنما الناس ثلاثة: زاهد وراغب وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه، ولا يحزن على شيء منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام.

 قال له: يا أمير المؤمنين ! فما علامة المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه، وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه وإن كان حميما قريبا، قال: صدقت والله، يا أمير المؤمنين ! ثم غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسم علي عليه السلام على المنبر ثم قال: مالكم ؟ هذا أخي الخضر عليه السلام.

 ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه واله وسلم ثم قال للحسن عليه السلام: يا حسن ! قم، فاصعد المنبر فتكلم بكلام


[355]

لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون: إن الحسن بن على لا يحسن شيئا، قال الحسن عليه السلام: يا أبت ! كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى ؟ قال له: بأبي وامي، اواري نفسي عنك وأسمع وأرى وأنت لا تراني، فصعد الحسن عليه السلام المنبر، فحمد الله بمحامد بليغة شريفة وصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم صلاة موجزة ثم قال: ايها الناس ! سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (أنا مدينة العلم وعلى بابها، وهل تدخل المدينة إلا من بابها).

 ثم نزل، فوثب إليه علي عليه السلام فحمله وضمه إلى صدره، ثم قال للحسين عليه السلام: يا بني ! قم، فاصعد المنبر وتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون: إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك، فصعد الحسين عليه السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه واله وسلم صلاة موجزة ثم قال: معاشر الناس ! سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يقول: (إن عليا هو مدينة هدى، فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك).

 فوثب إليه علي فضمه إلى صدره وقبله، ثم قال: معاشر الناس ! اشهدوا أنهما فرخا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ووديعته التي استودعنيها وأنا أستودعكموها، معاشر الناس ! ورسول الله سائلكم عنهما (1).

 تذييل: قال العلامة الأميني (ره): (لم أر في التاريخ قبل مولانا أمير المؤمنين من عرض نفسه لمعضلات المسائل وكراديس الأسئلة، ورفع عقيرته بجأش رابط بين الملأ العلمي بقوله: (سلوني) إلا صنوه النبي الأعظم، فإنه صلى الله عليه واله وسلم كان يكثر من قوله: (سلوني عما شئتم) وقوله: (سلوني سلوني) وقوله: (سلوني، ولا تسألوني عن شئى إلا أنبئتكم به)، فكما ورث أمير المؤمنين علمه صلى الله عليه واله وسلم ورث مكرمته هذه وغيرها، وهما صنوان في المكارم كلها، وما تفوه بهذا المقال أحد بعد


(1) - الصدوق رحمه الله التوحيد، ص 305.

 ولا يخفى ما في الذيل ولعله خلط لعدم مساعدته سنهما ثم شأنهما عليهما السلام.

 


[356]

أمير المؤمنين عليه السلام الا وقد فضح ووقع في ربيكة، وأماط بيده الستز عن جهله المطبق، نظراء: الف - إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي والى مكة والمدينة، والموسم لهشام بن عبد الملك، حج بالناس سنة 107 وخطب بمنى، ثم قال: (سلوني، فأنا ابن الوحيد، لا تسألوا أحدا أعلم مني)، فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الاضحية أواجبة هي ؟ فمادرى أي شيء يقول له، فنزل عن المنبر (1).

 ب - مقاتل بن سليمان، قال إبراهيم الحربي: قعد مقاتل بن سليمان، فقال: (سلوني عما دون العرش إلى لويانا)، فقال له رجل ؟ آدم حين حج من حلق رأسه، قال: فقال له: ليس هذا من عملكم ولكن الله أراد أن يبتليني بما أعجبتني نفسي (2).

 ج - قال سفيان بن عيينة: قال مقاتل بن سليمان يوما: (سلوني عمادون العرش)، فقال له إنسان: يا أبا الحسن ! أرايت الذرة أو النملة أمعاؤها في مقدمها أو مؤخرها ؟ قال: فبقي الشيخ لا يدري ما يقول له، قال سفيان: فظننت أنها عقوبة عوقب بها (3).

 د - قال موسى بن هارون الحمال: بلغني أن قتادة قدم الكوفة فجلس في مجلس له وقال: (سلوني عن سنن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى اجيبكم)، فقال جماعة لأبي حنيفة: قم إليه فسله، فقام إليه فقال: ما تقول يا أبا الخطاب، في رجل غاب عن أهله فتزوجت أمرأته، ثم قدم زوجها الأول فدخل عليها وقال: يا زانية تزوجت وأنا حي ؟ ثم دخل عليها زوجها الثاني فقال لها: تزوجت يا زانية ولك زوج ؟ كيف اللعان فقال قتادة: قد وقع هذا ؟ فقال له أبو حنيفة: وإن لم يقع نستعد له، فقال له قتادة:


(1) - ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 2: ص 305.

 (2) - الخطيب: تاريخ البغدادي، ج 13: ص 163.

 (3) - الخطيب: تاريخ البغدادي، ج 13: ص 166


[357]

لا اجيبكم في شيء من هذا، سلوني عن القرآن، فقال له أبو حنيفة: ما تقول في قوله عز وجل: قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به (1) من هو ؟ قال قتادة: هذا رجل من ولد عم سليمان بن داود، كان يعرف اسم الله الأعظم، فقال أبو حنيفة: أكان سليمان يعلم ذلك الاسم ؟ قال: لا، قال: سبحان الله ويكون بحضرة نبي من الأنبياء من هو أعلم منه ؟ قال قتادة: لا اجيبكم في شيء من التفسير، سلوني عما اختلف الناس فيه، فقال له أبو حنيفة: أمؤمن أنت ؟ قال: أرجو، قال له أبو حنيفة: فهلا قلت كما قال إبراهيم فيما حكى الله عنه حين قال له: أولم تؤمن قال: بلى (2) ؟ قال قتادة: خذوا بيدي، والله، لادخلت هذا البلد أبدا (3).

 ه‍ - حكي عن قتادة أنه دخل الكوفة، فاجتمع عليه الناس، فقال: سلوا عما شئتم، وكان أبو حنيفة حاضرا - وهو يومئذ غلام حدث - فقال: سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم انثى ؟ فسألوه، فافحم، فقال أبو حنيفة: كانت انثى، فقيل له: كيف عرفت ذلك ؟ فقال: من قوله تعالى: (قالت) ولو كانت ذكرا لقال: (قال نملة) (لأن النملة) مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والانثى (4).

 أقول: قال ابن الحاجب في بعض تصانيفه: " إن مثل الشاة والنملة والحمامة من الحيوانات فيها تأنيث لفظي ولذا كان قول من قال: إن النملة في قوله تعالى: " قالت نملة " إنثى لورود تاء التأنيث في (قالت) وهما لجواز أن يكون ذكرا في الحقيقة وورود تاء للتأنيث في الفعل نظرا إلى التأنيث اللفظي ولذا قيل: إفحام


(1) - النمل، 27: 40.

 (2) البقرة 2: 260.

 (3) الانتفاء لابي عمر صاحب الاستيعاب ص 156.

 (4) الدميري: حياة الحيوان ج 2 ص 368.

 


[358]

قتادة خير من جواب أبي حنيفة وهذا هو الحق (1)).

 و- قال عبيدالله بن محمد بن هارون، سمعت الشافعي بمكة، يقول: سلوني عما شئتم احدثكم من كتاب الله وسنة نبيه، فقيل: يا أبا عبد الله ! ما تقول في محرم قتل زنبورا ؟ قال: وما آتاكم الرسول فخذوه (2).

 ز - (إن ابن الجوزي قال يوما على منبره: سلوني قبل أن تفقدوني، فسألته امرأة عما روي أن عليا سار في ليلة إلى سلمان فجهزه ورجع، فقال: روي ذلك، قالت: فعثمان ثم ثلاثة أيام منبوذا في المزابل وعلي عليه السلام حاضر، قال: نعم، فقالت: فقد لزم الخطاء لأحدهما، فقال إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن زوجك فعليك لعنة الله، وإلا فعليه، فقالت: خرجت عائشة إلى حرب علي بإذن النبي صلى الله عليه واله وسلم، أو لا ؟ فانقطع ولم يحر جوابا (3).

 وافتخر به داود إذا به شد الله ملكه، والحكمة وفصل الخطاب آتاه، وافتخر به سليمان إذ به الملك أولاه، وجعل الريح الرخاء تجري بامره إلى مرتضاه، وافتخر به إدريس إذ به رفعه الله مكانا عليا وآواه، وافتخر به ذوالنون إذ أخرجه الله به من الظلمات الثلاث وكلاه، وأنبت عليه شجرة من يقطين، ومن الغم أنجاه، وافتخر به زكريا إذ نادى: رب لا تذرني فردا، فوهب له به يحيى وأعطاه، وافتخر به دانيال إذ به خلصه الله من السباع ورعاه، وافتخر به ذوالقرنين إذ به ملكه الأرض، ونصره على من ناواه، وافتخر به صالح إذ ايده الله بناقته، ومن شر ثمود كفاه، وافتخر به هود إذ به نجاه الله، وقطع دابر من كفر به وعاداه، وافتخر به شعيب إذ به أخذت الرجفة من كذبه وعصاه، وافتخر به موسى إذ به كلمه الله وناداه، وفلق له البحر باسمه، وأغرق فرعون ومن والاه، وافتخر به يوشع بن نون حين رد الله به


(1) - شرح نهج البلاغة، للعلامة الخوئى، ج 7: ص 75.

 (2) طبقات الحفاظ للذهبي ج 2 ص 288 - وراجع الغدير الاغر ج 6 صص 195 - 196.

 (3) - شرح نهج البلاغة، للعلامة الخوئى، ج 7: ص 74.

 


[359]

عليه الشمس، وأجابه حين دعاه، وافتخر به عيسى إذ كلمه الله به الميت، وناجاه، وافتخر به محمد صلى الله علبه واله وسلم إذ فداه بنفسه ووقاه، وساواه في الشرف، وفي الشدائد واساه، وقال صلى الله عليه واله وسلم فيه: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وافتخر به جبرائيل إذ كان خادمه ومولاه، وما حمل في معركة قط إلا حمل معه بإذن الله، ووقف ببابه سائلا، فآثره بقوته في طواه، وافتخر به ميكائيل وقال: (من مثلي وقد قبلت من علي فاه وافتخر به إسرافيل إذ حرك مهده الشريف وناغاه، وافتخر به عزرائيل فقال: (من مثلي وقد امرت ان أقبض أرواح شيعته بإذنه ورضاه)، وافتخر به رضوان فقال: من مثلى وقد امرت أن ازخرف الجنان لعلي ومن والاه، وافتخر به مالك فقال: من مثلى وقد امرت أن اسعر النار لمن أبغض عليا وعاداه، وافتخر به البيت الحرام إذ كان فيه مولده ومرباه، ورفع شرفه وحط عنه الجبت ورماه، وافتخرت به الجنة إذ كتب على أبوابها: (علي ولي الله)، وافتخرت به النار إذ كتب على حيطانها: (أنا حرام على من أحب عليا ووالاه)، وصافحته الاملاك والأفلاك حين ارتقى منكبي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، إمام توسل به كل متوسل إلى الله - الخ (1).

 13 - عن العلامة الفيض القاساني،: (وإن نبينا صلى الله عليه واله وسلم أرسل إلى سائر الأنبياء وأوصيائهم: في مقامه العقلي الكلي، وبشرهم وأنذرهم وهم يومئذ مكلفون بطاعته وامتثال أمره واجتناب معصيته تصديقا لقوله سبحانه: هذا نذير من النذر الاولى (2)، وإنه الضامن على الله سبحانه ما وعدبه أهل الاستجابة والطاعة، وما توعد به أهل التكذيب والمعصية، وإن أمير المؤمنين عليه السلام خليفته على ذلك كله في سائر امته من الأولين والاخرين، سواء الأنبياء والامم (3).

 وقال - أيضا: (فإن النبي والولي في السر واحد، فمدح الولي مدح النبي...


(1) - الكفعمي: المصباح، صص 733 - 735.

 (2) - النجم، 53: 56.

 (3) - القاساني: علم اليقين، ج 2: ص 600 و605.

 


[360]

ومن عجيب ما اتفق أن ابن أبى الحديد المعتزلي العقيدة العامي المذهب قد نطق بهذا السر فيما مدح به عليا عليه السلام حيث قال:

والله لولا حيدر ما كانت ال‍ * - دنيا ولا جمع البرية مجمع

وإليه في يوم المعاد حسابنا * وهو الملاذ لنا غدا والمفزع

فانظر كيف أقسم أنه لولا حيدر ما كانت الدنيا، فلأجله الأيجاد وإليه الحساب يوم المعاد، لأن من هو المصدر، إليه العود والرجوع ضرورة، ولقد ضمن هذا المعنى - أيضا - ابن أبى الحديد في قوله:

ويا علة الدنيا ومن بدء خلقها * له وسيتلو البدء في الحشر

تعقيب (1):

 14 - عن العلامة المجلسي رحمه الله: (تأكيد وتأييد: اعلم أن ما ذكره، (2) من فضل نبينا وأئمتنا - صلوات الله عليهم - على جميع المخلوقات، وكون أئمتنا عليهم السلام أفضل من سائر الأنبياء، هو الذي لا يرتاب فيه من تتبع أخبارهم عليهم السلام على وجه الأذعان واليقين، والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى، وإنما أوردنا في هذا الباب (يعنى باب تفضيلهم على الأنبياء) قليلا منها وهي متفرقة في الأبواب لاسيما باب صفات الأنبياء وأصنافهم عليهم السلام، وباب أنهم عليهم السلام كلمة الله، وباب بدء أنوارهم، وباب أنهم أعلم من الأنبياء، وأبواب فضائل أمير المؤمنين وفاطمة - صلوات الله عليهما -، وعليه عمدة الأمامية، ولا يأبى ذلك إلا جاهل بالأخبار (3).

 15 - عن العلامة الخوئي في شرحه على نهج البلاغة: (إن أمير المؤمنين عليه السلام أفضل جميع امة النبي صلى الله عليه واله وسلم... من حيث كثرة الثواب، ومن حيث جمعه للخصال الحميدة والكمالات الذاتية والفضائل النفساتية، أما كثرة الثواب فلظهور أن الثواب مترتب على العبادة، وبكثرتها وقلتها تتفاوت الثواب والجزاء زيادة و


(1) - القاساني: علم اليقين، ج 2: ص 600 و605.

 (2) - يعنى الصدوق (ره) في (رسالة الاعتقاد).

 (3) - المجلسي: بحار الانوار، ج 26: ص 297.

 


[361]

نقصانا، وستعرف أنه أعبد من الكل، فيكون أكثر مثوبة، ولو لم يكن له من العبادات إلا ضربته يوم الخندق التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إنها أفضل من عبادة الثقلين لكفى في إثبات هذا المرام فضلا عن سائر عباداته التي لا يضبطها الصحف والدفاتر، ولا يحصيها الزبر والطوامير (1).

 16 - عن العلامة المظفر،: (في (الدر المنثور)، عن الديلمي في مسند الفردوس بسند أخرجه عن علي عليه السلام قال: سألت النبي صلى الله عليه واله وسلم عن قول الله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه (2)، فقال: إن الله أهبط آدم بالهند... حتى بعث الله إليه جبرئيل قال: قل: (اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوءا وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم.

 اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لاإله إلا أنت، عملت سوءا وظلمت نفسي فتب على إنك أنت التواب الرحيم).

 فهذه الكلمات التي تلقى آدم.

 وأما دلالة هذه الاية مع تفسيرها بهذه الأخبار على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام فأوضح من أن تحتاج إلى بيان، لأن توسل شيخ النبيين بمحمد وآله بتعليم الله سبحانه وهم في آخر الزمان، والأعراض عن أعاظم المرسلين وهم أقرب إليه زمانا لأدل دليل على فضلهم على جميع العالمين، وعلى عصمتهم من كل زلل وإن كان مكروها، فإن آدم عصى بارتكاب المكروه فلا يصح التوسل بهم في التوبة عما ارتكب إلا لانهم لم يرتكبوا معصية ومكروها، فلابد أن تنحصر خلافة الرسول بآله لفضلهم على الأنبياء... (3).

 وقال - أيضا - (ص 139): (... لأن اتحاد نورهما الذي سبق أدل دليل على امتياز علي بالفضل حتى على الأنبياء عليهم السلام، ومن كان كذلك يتعين للأمامة لاسيما و


(1) - الخوئي: شرح نهج البلاغة، ج 2: ص 394.

 (2) - البقرة، 2: 37.

 (3) - المظفر، محمد حسن: دلائل الصدق، ج 2: ص 88.

 


[362]

في بعض أخبار النور الاتية أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: (فأخرجني نبيا، وأخرج عليا وصيا)، وفي بعضها: (ففي النبوة، وفي علي الأمامة).

 وقال - أيضا - (ص 302): (إن عليا عليه السلام هو الساقي على حوض النبي صلى الله عليه واله وسلم يذود عنه الناس، وهو بظاهره يقتضي الامتياز والفضل على جميع الناس).

 وقال - أيضا - (ص 402): (فإن عليا حسنة من حسناته (أي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم) فلا أفضل من سيد الوصيين، إلا سيد المرسلين زاد الله في شرفهما وصلى عليهما وعلى آلهما الطاهرين).

 وقال - أيضا - (ص 204): (لو ذكر (رسول الله صلى الله عليه واله وسلم) فضله الواقعي (أي فضل علي عليه السلام) وأن الله أقدره على خوارق العادات حيث إنه أظهر مصاديق قوله تعالى في الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثلي، تقول للشئ: كن، فيكون) أو بين فضائله الفاضلة التي يفوق بها الأنبياء والسابقين ويمتاز بها عن الامة أجمعين لخاف صلى الله عليه واله وسلم من طوائف من امته أن يقولوا بربوبيته كما وقع لكثير منهم لما رأوا منه بعض خوارق العادات).

 وقال - أيضا - (ص 244): (قال صلى الله عليه واله وسلم: (علي مني وأنا من علي) وهو دليل المشاركة في العصمة والفضل وسائر الصفات الحميدة).

 وقال - أيضا - (ص 248): (إن النبي صلى الله عليه واله وسلم وعليا مخلوقان من نور واحد متفقان بالصفات الفاضلة والمنافع، ومخالفان للناس كما أن الناس مختلفون بينهم).

 وقال - أيضا - (ص 169): (ودلالتها (1) على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام واضحة،


(1) - قوله: (ودلالتها) أي دلالة الاية الكريمة وهى قوله تعالى: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون (الزخرف، 43: 45).

 جاء في (ينابيع المودة) (الباب 15 ص 82): (عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لما عرج بي إلى السماء انتهى بي السير مع جبرئيل إلى السماء


[363]

فإن بعث الرسل وأخذ الميثاق عليهم في القديم بولاية علي عليه السلام وجعلها محل الاهتمام العظيم في قرن أصلي الدين الربوبية والنبوة لا يمكن أن يراد بها إلا إمامة من له الفضل عليهم كفضل محمد صلى الله عليه واله وسلم).

 وقال (ص 170): (فما أعظم قدر نبينا الأطيب وأخيه الأطهر عند الله تبارك وتعالى حتى ميزهما على جميع عباده، وأكرمهما ببعث الرسل الأكرمين على الأقرار بفضلهما ورسالة محمد صلى الله عليه واله وسلم وأمامة علي عليه السلام، وأخذ الميثاق عليهم بها مع الشهادة بالوحدانية).

 17 - عن العلامة السيد علي البهبهاني رحمه الله: (وقد تبين مما بيناه أيضا أن أئمتنا - سلام الله عليهم - أفضل من سائر الأنبياء حتى اولي العزم منهم، أما تقدمهم على غير اولي العزم منهم فقد اتضح مما ظهر لك من أن مرتبة الأمامة فوق مرتبة النبوة والرسالة، وأما تقدمهم على اولي العزم منهم مع ثبوت الأمامة لهم فمن جهة أن الأمامة والولاية لها مراتب، وأتم مراتبها وأكملها ما ثبت لنبينا صلى الله عليه واله وسلم، ولذا كان أفضل الأنبياء عليهم السلام ومرتبة إمامة الفرع في مرتبة أصله، فإمامة أئمتنا - سلام الله عليهم - أيضا أتم مراتب الأمامة والولاية، وقد تبين أيضا أن النبوة والأمامة قد يجتمعان كما في نبينا صلى الله عليه واله وسلم وإبراهيم الخليل، بل في اولي العزم مطلقا، وقد تفترق النبوة عن الأمامة كما في غير اولي العزم من الأنبياء عليهم السلام، وقد تفترق الأمامة عن النبوة كما في أئمتنا عليهم السلام.

 فان قلت: ما ذكرت من أن الأمامة مرتبة فوق النبوة يتنافى مع افتراق الأمامة


= الرابعة، فرأيت بيتا من ياقوت أحمر، فقال جبرئيل: هذا البيت المعمور، قم، يا محمد فصل إليه.

 قال النبي صلى الله عليه واله: جمع الله النبين ورائي صفا، فصليت بهم، فلما سلمت أتاني آت من عند ربى فقال: يا محمد، ربك يقرئك السلام ويقول لك: سل الرسل على ما ارسلتم من قبلك، فقلت: معاشر الرسل على ما ذا بعثكم ربي قبلي ؟ فقالت الرسل: على نبوتك، وولاية علي بن أبى طالب عليه السلام.

 وهو قوله تعالى: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا - الاية).

 


[364]

عنها لأن نيل المرتبة الفائقة متفرع على نيل المرتبة النازلة.

 قلت: استحقاق المرتبة الفائقة - أي الأمامة - على استحقاق المرتبة النازلة وهي النبوة متحقق، واستحقاقها ثابت في أئمتنا عليهم السلام وإنما منع عنها ثبوت مرتبة الخاتمية لخاتم النبيين صلى الله عليه واله وسلم، وإليه يشير قوله صلى الله عليه واله وسلم في بعض أحاديث المنزلة المروي عن طرق العامة بعد قوله صلى الله عليه واله وسلم (إلا أنه لا نبي بعدي) (ولو كان لكنت (1).

 أقول: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة، فان لا تكن نبيا فإنك وصي نبي ووارثه، بل أنت سيد الأوصياء وإمام الأتقياء (2).

 وقال - أيضا: (عن زيد الشحام قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عليه السلام عبدا قبل أن يتخذه نبيا، وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له الأشياء قال: (إني جاعلك للناس إماما) فمن عظمها في عين إبراهيم، قال: (ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)، قال: لا يكون السفيه إمام التقي وإذا ثبت أن إمامته كانت بعد نبوته بل رسالته وخلته تبين لك أنها مرتبة فوق النبوة (3).

 وقال - أيضا - (ص 60): (وأما كونه من الرسول صلى الله عليه واله وسلم... على ما رواه الفريقان أنه قال صلى الله عليه واله وسلم: (أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى، وعلي مني وأنا منه).

 وهي منقبة جليلة دالة على اتحادهما وتساويهما في الكمال وعدم ارتقاء أحد من الناس مرتبته ودرجته).

 وقال (ص 50): (وبعد ما ظهر لك أن الاية الكريمة (4) تدل على أن علم


(1) - البهبهاني: مصباح الهداية في إثبات الولاية، ص 115.

 (2) - شرح نهج البلاغة، لابن أبى الحديد، ج 13: ص 210.

 (3) - البهبهاني: مصباح الهداية، ص 112.

 (4) - يعنى آية ومن عنده علم الكتاب التى بحثنا عنها تفصيلا سابقا.

 


[365]

الكتاب كله عند مولانا أمير المؤمنين والائمة المعصومين من ذريته - سلام الله عليهم أجمعين - ظهر لك أنهم أعلم وأفضل من اولي العزم من الانبياء عليهم السلام لأن علومهم محدودة وليس عندهم علم الكتاب كله).

 وقال (ص 130): (واعلم أن هذه الروايات المستفيضة (1) من الجانبين تدل على أن الخمسة الطيبة - صلوات الله عليهم - أفضل الخلائق أجمعين من الأولين والآخرين حتى اولى العزم من الأنبياء - سلام الله عليهم - ضرورة أنهم لو لم يكونوا أفضل من جميعهم لم يكونوا واسطة في إيجادهم).

 وقال (ص 142): إن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأبناءه الطاهرين - سلام الله عليهم أجمعين - هم الذين اختارهم الله على جميع خلقه).

 وقال (ص 184): (إنه عليه السلام أفضل الخلق بعد خاتم النبيين صلى الله عليه واله وسلم حتى الأنبياء عليهم السلام).

 وقال (ص 236): (ويستفاد من هذه الروايات الشريفة المفسرة للاية الكريمة (2) المستفيضة من طريق العامة المتواترة من طريقنا: أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام سيد المؤمنين، وخيرهم، وأفضلهم بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم، وأنه بمنزلة


(1) - الأحاديث المستفيضة هي الاخبار التى تصرح ب‍: لولاهم ما خلق الله جل جلاله آدم، ولا الجنة، ولا النار، ولا العرش، ولا الكرسي، ولا السماء، ولا الملائكة، ولا الأنس، ولا الجن.

 (2) - الآية الكريمة هي قوله تعالى: طوبى لهم وحسن مآب (الرعد، 13: 28).

 والأخبار والروايات المفسرة للاية الكريمة أحاديث كثيرة تصرح وتبين أن طوبى شجرة أصلها في دار على عليه السلام في الجنة، وفي دار كل مؤمن منها غصن، وجاءت - أيضا - أخبار كثيرة بأن طوبى شجرة أصلها في دار رسول الله صلى الله عليه واله، ومقتضى الجمع بين الأخبار، والأحاديث أن نقول: إن دار علي عليه السلام ودار النبي صلى الله عليه واله واحدة غدا في الجنة، كما تعلن بهذا الجمع رواية شريفة أوردها مصباح الهداية (ص 234) من طريق العامة عن أبى جعفر عليه السلام، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه واله عن قوله: طوبى لهم وحسن مآب، فقال: شجرة في الجنة أصلها في داري، وفرعها على أهل الجنة: فقيل له: يا رسول الله ! سألناك عنها فقلت: شجرة في الجنة أصلها في دار علي، وفرعها على أهل الجنة، فقال: إن داري واحدة غدا في مكان واحد).

 


[366]

نفس النبي صلى الله عليه واله وسلم وليس أحد أقرب منه إلى النبي درجة ومنزلة، توضيح ذلك: أن قوله صلى الله عليه واله وسلم في جواب السائل: (إن داري ودار علي واحدة غدا في مكان واحد) يدل على أن منزلته عليه السلام منه صلى الله عليه واله وسلم منزلة نفسه الشريفة، وهما في درجة واحدة عند الله تعالى شأنه).

 18 - عن العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء رحمه الله: (وقد ذكروا أن مريم عليها السلام لما جاءها المخاض بعيسى عليه السلام أوت إلى بيت المقدس لتضعه فيه، فنوديت: اخرجي يا مريم، فهذا بيت العبادة لا بيت الولادة، وفاطمة بنت أسد لما أحست بالطلق - وهي بالكعبة - أنسدت أبوابها ولم تقدر على الخروج حتى وضعت عليا - سلام الله عليه -، لعل في هذه الحادثة الغريبة أسرارا ورموزا أجلها وأجلاها أن الله سبحانه كأنه يقول: أيها الكعبة، إني ساطهرك من رجس الأوثان، والأنصاب، والأزلام بهذا المولود فيك، وهكذا كان، فإن النبي صلى الله عليه واله وسلم دخلها عام الفتح، والأصنام معلقة على جدرانها، ولكل قبيلة من قبائل العرب صنم، فأصعد عليا عليه السلام على منكبه وصار حطمها ويرمي بها إلى الأرض والنبي صلى الله عليه واله وسلم يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا (1).

 وقد نظم الشافعي هذه الفضيلة بأبيات تنسب إليه، يقول في آخرها:

وعلي واضع أقدامه * في محل وضع الله يده

فإن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يحدث عن المعراج قائلا: (أن الله عز شأنه وضع يده على كتفي حتى أحسست بردها على كبدي).

 وفي ولادته رمز آخر لعله أدق وأعمق، وهو أن حقيقة التوجه إلى الكعبة هو التوجه إلى ذلك النور المتولد فيها، ولو أن القصد مقصور على محض التوجه إلى تلك البنية والأحجار لكان - أيضا - نوعا من عبادة الأصنام (معاذ الله) ولكن التناسب يقتضي أن البدن وهو تراب يتوجه


(1) - الاسراء، 17: 84.

 


[367]

إلى الكعبة التي هي تراب، والروح التي هي جوهر مجرد تتوجه إلى النور المجرد، وكل جنس لاحق بجنسه، النور للنور، والتراب للتراب.

 وإلى بعض هذا أشار بعض شعراء فاطميين إذ يقول عن الأمام:

بشر في العين إلا أنه * من طريق الحق نور وهدى

جل أن تدركه أبصارنا * وتعالى أن نراه جسدا

فهو التسبيح زلفى راكع * سمع الله به من حمدا

تدرك الأفكار منه جوهرا * كاد من إجلاله أن يعمدا

فهو الكعبة والوجه الذي * وحد الله به من وحدا

وهذان السطران من الشعر وإن كان فيه شيء من الغلو ففيه كثير من الحقيقة، وفيه لمعات من التوحيد، نعم، نتوجه بأبداننا في صلواتنا إلى الكعبة، وبأرواحنا إلى النور الذي أشرق وأضاء فيها... (1) وعنه رحمه الله في خطبته يوم ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام: (قال الله سبحانه في محكم كتابه: وأشرقت الاءرض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء (2).

 نعم، في مثل هذا اليوم أو هذه الليلة أشرقت الأرض بنور ربها، وجئ بوارث النبيين وجامع علوم الاولين والآخرين، إمام الشهدا وسيد الصديقين، واحتفالنا بانبثاق هذا النور الألهي (3) في مثل هذا اليوم ليس كاحتفال الأمم بيوم ولادة ملوكها أو عظمائها وسلاطينها ورجال نهضتها، بل احتفال بالنعمة والآية الكبرى والمثل الأعلى الذي تنزلت الأحدية به من عليا ملكوتها الشامخ، وجبروتها الباذخ، وقدس تجردها إلى عوالم الناسوت وتقمص المادة لتعود المادة روحا، والجسد عقلا، والموت حياة.

 


(1) - جنة المأوى، ص 122، ط تبريز.

 (2) - الزمر، 39: 69.

 (3) - يعنى هجومه وإقباله.

 


[368]

نحتفل بذكرى ولادة بحر العلم الخضم الذي تدفق بنهج البلاغة، وهو نبع من ينابيعه، وشرعة من مشاريعه، ولا جاءت العصور، ولا انجلت الدهور عن كتاب بعد كتاب الله العظيم أنفع ولا أجمع ولا ألمع ولا أنصع منه في إقامة براهين التوحيد، ودلائل الصنعة، وأسرار الخلقة، وأنوار الحقيقة، وتهذيب النفس، وسياسة المدن، وحكمة التشريع، والعظات البليغة، والحجج الدامغة، وإنارة العقول، وطهارة النفوس بينا نراه يفيض ينابيع الحكمة النظرية والعملية ويرهق على توحيد الصانع، ويعرق في وصف الملائكة والمجردات بيانا، ويمثل لك الجنة والنار عيانا....

 نحتفل بذكرى ولادة الأمام الذي وضع الدنيا تحت قدميه، وكانت - وهى العزيزة لغيره - أحقر شيء لديه، الأمام الذي عرف حقيقتها، وأعطاها حقها، قال: (يا دنيا غرى غيري)، الأمام الذي لولا ضرب ماضيه ما اخضر للأسلام عود، ولا قام له عمود، بل لولاه لما استقام الوجود، ولاعرف المعبود... (1).

 19 - عن المولى الحاج محمد علي (2): (اعلم أن من تتبع الأخبار والاثار، وجاس خلال تلك الديار ظهر عنده كالشمس في رائعة النهار أن أفضل جميع المخلوقات، وأشرف جميع الموجودات هم الأنوار الأربعة عشر، وهم أهل دائرة واحدة هي أعلى الدوائر الكونية لا دائرة فوقها في الشرف والفضيلة، وهم من طينة واحدة، ونور كل واحد منهم من جنس نور الآخر، لكن بالتقدم والتأخر


(1) - جنة المأوى، ص 136.

 (2) - قال في (الذريعة) (ج 18: ص 350): (اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء عليها السلام المسماة بـ(خطبة اللمعة) للمولى محمد على بن أحمد القراچه داغى الاونسارى المحشى للقوانين، فرغ منه في 1286، وكان حيا الى 1306، وقد طبع بايران في 1297، وصدر الكتاب بشطر واف من مناقبها وفضائلها وأحوالها وما يتعلق بها من ذكر أدعيتها وأحرازها وعدد أولادها.

 والاونسار - بالواو والنون والسين - من قرى قراچه داغ.

 


[369]

كالضوء من الضوء على ما في الخبر.

 والمبدأ في تلك الدورة العلية والسلسلة الجلية هو ختم الأنبياء والمنتهى هي فاطمة الزهراء وبعد ختم الأنبياء في درجة الفضيلة هو ختم الأولياء وبعده أولاده المعصومون... ثم المحقق من الروايات والأخبار أن مرتبة الأنبياء مطلقا تحت مرتبة هؤلاء الأنوار، فيكون كل من الأنوار الأربعة عشر أفضل من الأنبياء حتى اولي العزم منهم أيضا لكون الأنبياء مطلقا مخلوقين من أنوار هؤلاء الأنوار، والنور أسفل من المنير بمراتب كثيرة (1).

 وقال - أيضا: (وفي كتاب (المناقب) مسندا إلى صعصعة بن صوحان أنه دخل على أمير المؤمنين لما ولي، فقال: يا أمير المؤمنين ! أنت أفضل، أم آدم أبو البشر ؟ قال على عليه السلام: تزكية المرء نفسه قبيح، قال الله تعالى لادم: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة - الاية (2)، وإن أكثر الاشياء أباحنيها الله، وتركتها وما قاربتها، ثم قال: أنت أفضل أم نوح ؟ فقال علي عليه السلام: إن نوحا دعا على قومه، وأنا ما دعوت على ظالمي حقي، وابن نوح كان كافرا، وابناي سيدا شباب أهل الجنة.

 قال: أنت أفضل، أم موسى ؟ قال عليه السلام: إن الله تعالى أرسل موسى إلى فرعون فقال: إني أخاف أن يقتلون (3)، وأنا ما خفت حين ارسلني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بتبليغ سورة براءة أن أقرأها على قريش في الموسم مع أني كنت قتلت كثيرا من صناديدهم، فذهبت إليهم وقرأتها عليهم وما خفتهم.

 قال: أنت أفضل، أم عيسى بن مريم ؟ فقال عليه السلام: عيسى كانت امه في بيت المقدس، فلما جاءت وقت ولادتها سمعت قائلا يقول: اخرجي، هذا بيت العبادة لا بيت الولادة، وأما امي فاطمة بنت أسد لما قرب وضع حملها كانت في الحرم،


(1) - اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء ص 93.

 (2) - البقرة، 2: 35.

 (3) - الشعراء، 26: 14.

 وفي المصحف: (فأخاف).

 


[370]

فانشق حائط الكعبة وسمعت قائلا يقول لها: ادخلي، ودخلت في وسط البيت وأنا ولدت به، وليس لأحد هذه الفضيلة لاقبلي ولا بعدي (1) 20 - عن الشيخ محمد عبده:.

 وأحيانا كنت أشهد أن عقلا نورانيا لا يشبه خلقا جسدانيا فصل عن الموكب الألهي، واتصل بالروح الأنساني، فخلعه عن غاشيات الطبيعة، وسما به إلى الملكوت الأعلى، ونما إلى مشهد النور الأجلى، وسكن به إلى عمار جانب التقديس بعد إستخلاصه من شوائب التلبيس (2).

 21 - قال الجاحظ - مع نصبه - في رسالة له في فضل أهل البيت:: (والمولد مكان عظيم، والنشأ مبارك مكرم، والشأن عظيم، والعلم كثير، وليس له نظير، والهمة عالية، والقوة كاملة، والبيان عجيب، واللسان خطيب، والصدر رحيب - الخ (3).

 22 - عن العلامة ابن الصباغ المالكي: (فهؤلاء (أي الآل) هم أهل البيت المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال، المستحقون لتوقيرهم مراتب الأعظام والأجلال، ولله در القائل إذ قال:

هم القوم فاقوا العالمين مناقبا * محاسنها تجلى وآياتها تروى (4)

أقول: إذا كان عليه السلام عقلا نورانيا لا يشبه خلقا جسدانيا، أو إذا كان لم يكن له نظير، أو فاق هو وأولاد، المعصومون العالمين صاروا أفضل من جميع الأنبياء، والنبي صلى الله عليه واله وسلم وإن كان أفضل منهم إلا أنهم من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو منهم عليهم السلام.

 وإلى هنا نختم البحث عن أفضلية على وذريته:، فخذ قصيرة من طويلة، وفي هذا غني وكفاية.

 ولنشرع الان في البحث عن مقاماته ومقاماتهم الأربعة في


(1) - اللمعة البيضاء، ص 99.

 (2) - مقدمة شرح نهج البلاغة، ص 4.

 (3) - بهج الصباغة، ج 3: ص 150.

 (4) - الفصول المهمة، ص 29.

 


[371]

مواقف الاخرة وهو الباب الثالث من هذا الكتاب.

 الاستدراك افضلية علي عليه السلام في القصائد والمدائح أيها القارئ الكريم ! أنت بعد ما لاحظت وشاهدت أفضلية علي عليه السلام على جميع البشر حتى الانبياء وأولي العزم من الرسل في الآيات القرآنية بمعونة الاخبار والاحاديث التي جاءت من الفريقين جدير بنا أن نشير إلى أفضليته عليه السلام في القصائد والمدائح فعلى هدا نختار ونختطف منها موضع الحاجة أي الابيات التي تصرح بمقصودنا كالاشعار التي تدل على إتحاد النورين (نور البنوة ونور الولاية) أو أن عليا عليه السلام نظير النبي أو خير البرية أو أن الانبياء توسلوا به، أو انه عليه السلام أصل الاصول أو أنه خير الورى أو أنه خير البشر أو انه صنو النبي أو أنه واحد البشر أو انه خير الانام أو أنه علة الخلق أو أنه مشبه للرسول أو أن هديه هدي النبي أو أنه نفس النبي أو أنه روح النبي أو عضو منه أو أن الله يوحى إلى رسوله بلسان علي أو أنه أمير البرايا أو لولاه لم يخلق تراب أو لولا حيدر ما كانت الدنيا ولا جمع البرية أجمع أو من أجله خلق الزمان أو أنه نار موسى أو لولا حيدر لم يكن في الارض ديار وأمثال هذه الكلمات التي جاءت في القصائد فلاحظ.

 

 بولس سلامه :

جلجل الحق في المسيحي حتى * عد من فرط حبه علويا

أنا من يعشق البطولة والالها * م والعدل والخلاق الرضيا

فإذا لم يكن علي نبيا * فلقد كان خلقه نبويا

أنت رب العالمين إلهي * فأنلهم حنانك الابويا


[372]

وأنلني ثواب ما سطرت كفي * فهاج الدموع في مقليا

سفر خير الانام من بعد طه * ما رأى الكون مثله آدميا

يا سماء اشهدي ويا أرض قري * واخشعي إنني ذكرت عليا

وله ايضا :

هو فخر التاريخ لا فخر شعب * يدعيه ويصطفيه وليا

لا تقل شيعة هواة علي * إن في كل منصف شيعيا

إنما الشمس للنواظر عيد * كل طرف يرى الشعاع السنيا (1)

قال الشاعر قي مقدمة ديوانه:

فيا أبا الحسن ! ماذا أقول فيك... وإن شعري لحصاة في ساحلك يا أمير الكلام ! ولكنها حصاة مخضوبة بدم الحسين الغالي فتقبل هذه الملحمة وانظر من رفارف الخلد إلى عاجز شرف قلمه بذكرك (2) عبد الباقي العمري البغدادي :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعا * ببطن مكة عند البيت إذ وضعا

وأنت نقطة باء مع توحدها * بها جميع الذي في الذكر قد جمعا

وأنت صنو نبي غير شرعته * لانبياء اله العرش ما شرعا

وأنت أنت ركن الذي حطت له قدم * في موضع يده الرحمن قد وضعا

وأنت ركن يجير المستجير به * وأنت حصن لمن من دهره فزعا

وأنت أنت الذي للقبلتين مع * النبي أول من صلى ومن ركعا

وأنت أنت الذي في نفس مضجعه * في ليل هجرته قد بات مضطجعا

ما فرق الله شيئا في خليقته * من الفضائل إلا عندك اجتمعا

وباب خيبر لو كانت مسامرة * كل الثوابت حتى القطب لا ينقلبا


(1) - بولس سلامه: عيد الغدير ص 307 - 312 وعبشميا: في النسبة إلى عبد شمس.

 (2) - بولس سلامه: عيد الغدير ص 12.

 


[373]

فاقبل فدتك نفوس العالمين ثنا * بمثله العالم العلوي ما سمعا

وله ايضا :

يا أبا الاوصياء أنت لطه * صهره وابن عمه وأخوه

إن لله في معانيك سرا * أكثر العالمين ما علموه

أنت ثاني الآباء في منتهى الدو * ر وآباؤه تعد بنوه

خلق الله آدما من تراب * فهو ابن له وأنت أبوه (1)

 

ابن أبي الحديد المعتزلي :

لقد فاز عبد للوصي ولائه * وإن شابه (2) بالموبقات (3) الكبائر

وخاب معاديه ولو حلقت به (4) * قوادم فتخاء الجناحين كاسر (5)

هو النبأ المكنون والجوهر الذي (6) * تجسد من نور من القدس زاهر

وذو المعجزات الواضحات أقلها * الظهور على مستودعات السرائر

ووراث علم المصطفى وشقيقه (7) * أخا ونظيرا في العلى والاواصر (8)

ألا إنما الاسلام لولا حسامه * كعفطة عنز (9) أو قلامة حافر


(1) - الاميني: الغدير ج 6: ص 338.

 (2) - شابه: خلطه.

 (3) الموبقات: المهلكات في الآخرة وقد جاء في الخبر: (حب علي حسنة لا تضر معها سيئة).

 (4) حلقت: ارتفعت. (5) القوادم: جمع قادمة وهي الريش الاول من الجناح في كل جناح عشرة والفتخاء: العقاب والكاسر التي تكسر ما تصيده والمعنى أن معاديه لا ينجو ولا مخلص له من الهلاك ولو كان على جناح هذا الطائر.

 (6) - النبأ الخبر: والمكنون: المستور كأنه خبر من الله لا يعلم سر فضله إلا الله.

 (7) الشقيق: الاخ.

 (8) الاواصر: جمع آصرة وهي القرابة.

 (9) - العفطة من العنز ما ينشر من أنفها.

 


[374]

ألا إنما التوحيد لولا علومه * كعرضة ضليل أو كنهبة كافر

ألا إنما الاقدار طوع يمينه * فبورك من وتر مطاع وقادر(1)

تعاليت عن مدح فأبلغ خاطب * بمدحك بين الناس أقصر قاصر

صفاتك أسماء وذاتك جوهر * برئ المعاني من صفات الجواهر (2)

يجل عن الاعراض والاين والمتى * ويكبر عن تشبيهه بالعناصر (3)

إذا طاف قوم في المشاعر والضفا * فقبرك ركني طائفا ومشاعري

وإن ذخر الاقوام نسك عبادة * فحبك أوفى عدتي وذخائري

وان صام ناس في الهواجر حسبة * فمدحك أسنى من صيام الهواجر

وإن اك فيما جئته شر مذنب * فربك ياخير الورى خير غافر

إذا كنت للنيران في الحشر قاسما * أطعت الهوى والغي غير محاذر

نصرتك في الدنيا بما أستطيعه * فكن شافعي يوم المعاد وناصري

فليت ترابا حال دونك لم يحل * وساتر وجه منك ليس بساتر

لتنظر ما لاقى الحسين وما جنت * عليه العدى من مفظعات الجرائر

من ابن زياد وابن هند وابن * سعد وأبناء الاماء العواهر

بنى الوحي هل أبقى الكتاب لناظم * مقالة مدح فيكم أو لناثر

إذا كان مولى الشاعرين وربهم * لكم بانيا مجدا فما قدر شاعر


(1) الاقدار: جمع قدر وهو قضاء الله تعالى واليمين القوة وجعله وترا لانه لا يماثله أحد من الناس.

 مطاع أي تطيعه الاقدار.

 (2) قوله: " صفاتك أسماء " أي لازمة كلزوم الاسماء مسماها. وقوله: " وذاتك جوهر برئ المعاني " فانه عليه السلام لا يحزن كغيره على فوات أطماع الدنيا ولا يفرح بما أوتي منها.

 (3) اما الاين فليس مكانه كمكان الغير لانه عليه السلام إما في محراب أو جهاد في سبيل الله. أما المتى وهو الزمان كان عليه السلام صائما أو قائما أو داعيا.

 اما قوله: " ويكبر عن تشبيهه بالعناصر " لانه عليه السلام خلق من نور.

 


[375]

فأقسم لولا أنكم سبل الهدى * لضل الورى عن لاحب (1) النهج ظاهر

فلو لم تكونوا في البسيطة (2) زلزلت * وأخرب من أرجائها كل عامر

فانظر أخي الكريم ! كيف جعل عليا أخا ونظيرا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم في العلى والاواصر وخاطبه ياخير الورى ! وإذا كان علي عليه السلام نظيرا لرسول الله وكان خير الورى فيكون مقدما على جميع الانبياء والرسل.

 وله ايضا :

يابرق إن جئت الغري (3) فقل له * أتراك تعلم من بأرضك مودع

بل فيك ابن عمران الكليم وبعده * عيسى يقفيه وأحمد يتبع

بل فيك جبريل ومكيال واس‍ * - رافيل والملأ المقدس (5) أجمع

بل فيك نور الله جل جلاله * لذوي البصائر يستشف ويلمع

فيك الامام المرتضى فيك الوصي * المجتبى فيك البطين الانزع (6)

هذا ضمير العالم الموجود عن * عدم وسر وجوده المستودع (7)


(1) - اللاحب: الظاهر.

 (2) - البسيطة: الارض.

 (3) الغري أرض النجف على مشرفها السلام.

 (4) يقفيه أي يتبعه.

 (5) والملأ المقدس إشارة إلى باقي الملائكة اما كون الملائكة والنبيين في قبره فلانه حوى ما حووه من الفضل فكأنه كلهم فيه وإن نبينا وإن كان أفضل الخلائق الا أن عليا عليه السلام نفسه بنص القرآن. وإنما بدأ بالنبيين لان الملائكة على رأي المعتزلة أفضل من النبيين فكان ارتقى عن درجة النبيين إلى الملائكة ثم ارتقى إلى درجة العليا وهو نور الله الذي لا يطفأ.

 (6) المرتضى والمجتبى من ألقابه والبطين الانزع: البطين من العلم المنزوع من الشرك.

 (7) ضمير العام وسره بمعنى واحد والعالم كل موجود سوى الله وآل محمد صلى الله عليه واله وسلم سيد العالم أي لاجلهم خلق الله هذا العالم.

 


[376]

هذا هو النور الذي عذباته (1) * كانت بجبهة آدم تتطلع

وشهاب موسى حيث أظلم ليله * رفعت له لالاؤه تتشعشع

يا هازم الاحزاب لا يثنيه عن * خوض الحمام مدجج ومدرع (2)

يا قالع الباب الذي عن هزها (3) * عجزت أكف أربعون وأربع

لولا حدوثك قلت إنك جاعل * الارواح في الاشباح (4) والمستنزع

لولا مماتك قلت إنك باسط * الارزاق تقدر في العطاء وتوسع

ما العالم العلوي إلا تربة (5) * فيها لجثتك الشريفة مضجع

ما الدهر إلا عبدك القن (6) الذي * بنفوذ أمرك في البرية مولع

أأقول فيك سميدع كلا ولا * حاشا لمثلك أن يقال سميدع (7)

بل أنت في يوم القيامة حاكم * في العالمين وشافع ومشفع

والله لولا حيدر ما كانت ال‍ * - دنيا ولا جمع البرية مجمع

من أجله خلق الزمان وضوئت * شهب كنسن وجن ليل أدرع (8)

وإليه في يوم المعاد حسابنا * وهو الملاذ لنا غدا والمفزع


(1) - عذباته: أطرافه.

 (2) - الحمام: الموت. والمدجج: التام السلاح. والمدرع: لابس الدرع.

 (3) - أنث الباب مع أنه مذكر لان غفل عن ذلك واريد من حصن اليهود.

 (4) الاشباح: الاجسام. والمعنى: لولا حدوثك قلت إنك المحيي المميت الا أن المحدث يحتاج إلى محدث.

 (5) جعل تربته الشريفة ومحل جسده الشريف العالم العلوي لان قبره عليه السلام معراج الملائكة ومحل إختلاف الارواح والعالم العلوي عبارة عن ذلك.

 (6) القن هو الذي يملك هو وأبوه يعني الدهر. منقاد له كانقياد العبد لمولاه.

 (7) - السميدع: السيد. ثم ارتقى إلى ما هو أعلى وأجل وهو عليه السلام حاكم في العالمين لانه قسيم النار والجنة.

 (8) كسنن أي استترن في مغيبها. وجن الليل: أظلم. والادرع الذي اسود أوله وأبيض باقيه.

 


[377]

وله أيضا :

ألم تخبر الاخبار في فتح خيبر * ففيها لذي اللب والملب أعاجيب

وفوز علي بالعلى فوزها به * فكل إلى كل مضاف ومنسوب

وما أنس لا أنس اللذين تقدما * وفرهما والفرقد علما حوب

وللراية العظمى وقد ذهبا بها * ملابس ذل فوقها وجلابيب

يشلهما من آل موسى شمردل * طويل نجاد السيف أجيد يعبوب

أحضرهما أم حضر أخرج خاضب * وذان هما أم ناعم الخد مخضوب

عذرتكما إن الحمام لمبغض * وإن بقاء النفس للنفس محبوب

حنانيك فاز العرب منك بسؤدد * تقاصر عنه الفرس والروم والنوب

فما ماس موسى في رداء من العلى * ولا آب ذكرا بعد ذكرك أيوب

يا علة الدنيا ومن بدو خلقها * له وسيتلو البدو في الحشر تعقيب

ظننت مديحي في سواك هجاءة * وخلت مديحي إنه فيك تشبيب

أقول: القصيدة طويلة جدا أخذنا منها موضع الحاجة.

 وله ايضا وقل:

السلام عليك يا مولى الورى (1) * نصا به نطق الكتاب المنزل

وخلافة ما إن لها لو لم تكن * منصوصة عن جيد مجدك معدل (2)

عجبا لقوم أخروك وكعبك ال‍ * - عالي وخد سواك أضرع أسفل (3)


(1) المولى هنا بمعنى الاولى بالولاية والنيابة والخلافة كما نص به الكتاب والنبي صلى الله عليه واله وسلم.

 (2) - و" خلافة " معطوفة على قوله (نصا) يقول: لو لم يكن عليك نص بالخلافة لما جاز العدول بها عنك فكيف وقد حصل النص ! وذلك لانه أفضل الخلق وتقديم المفضول على الفاضل قبيح.

 والجيد العنق وهو استعارة.

 (3) جعل كعبه عليه السلام الذي يباشر الارض عاليا على غيره وجعل خد من تقدم عليه لغير حق أضرع.

 أي ذليلا.

 


[378]

عجبا لهذي الارض يضمر تربها * أطواد مجدك كيف لا تتزلزل (1)

يا أيها النبأ العظيم فمهتد * في حبه وغواة قوم ضلل (2)

يا أيها النار التي شب السنا * منها لموسى والظلام مجلل (3)

يا فلك نوح حيث كل بسيطة * بحر يمور وكل بحر جدول (4)

يا وارث التوراة والانجيل والفر * قان والحكم التي لا تعقل

لولاك ما خلق الزمان ولا دجي * غب ابتلاج الفجر ليل أليل

سمعا أمير المؤمنين قصائدا * يعنو لها بشر ويخضع جرول

الدر من ألفاظها لكنه * در له ابن الحديد يفصل

هي دون مدح الله فيك وفوق ما * مدح الورى وعلاك منها أكمل

 

الخطيب الخوارزمي :

ألا هل من فتى كأبي تراب * إمام طاهر فوق التراب

إذا ما مقلتي رمدت فكحلي * تراب مس نعل أبي تراب

هو البكاء في المحراب لكن * هو الضحاك في يوم الحراب

كأن الناس كلهم قشور * ومولانا علي كاللباب

ولايته لا ريب كطوق * على رغم المعاطس في الرقاب


(1) يضمر أي يخفي ويستر ويتعجب من الارض حيث احتوت على شريف مجده الذي هي كالجبال حلما وعلما ولم تتزلزل هيبة وعجزا.

 (2) جاء في تفسير قوله تعالى: عم يتسائلون إنه أمير المؤمنين عليه السلام.

 وغواة: جمع غاو وهو الخائب هنا.

 وضلل: جمع ضال يريد أن المهتدي محبه والخائب والضال مبغضه.

 (3) آل محمد عليهم السلام كانوا سبب ظهور نار النور من جانب الطور فأقام السبب مقام المسبب وشب: رفع. والسنا: الضوء.

 (4) - آل محمد عليهم السلام نجا بهم نوح عليه السلام وهم فلك نجاة والبسيطة: الارض. ويمور: يضطرب. والجدول: النهر الصغير بالنسبة إلى غيره.

 


[379]

ففاطمة ومولانا علي * ونجلاه سروري في الكتاب (1)

 

الكوثرية للعلامة السيد رضا الهندي :

أمفلج ثغرك أم جوهر * ورحيق رضابك أم سكّر

قد قال لثغرك صانعه: * إنا أعطيناك الكوثر

والخال بخدك أم مسك * نقطت به الورد الاحمر

أم ذاك الخال بذلك الخد * فتيت الند على مجمر

عجبا من جمرته تذكو * وبها لا يحترق العنبر

إلى أن قال:

فلقد أسرفت وما أسلف‍ * ــت لنفسي ما فيه أعذر

سودت صحيفة أعمالي * ووكلت الامر إلى حيدر

هو كهفي من نوب الدنيا * وشفيعي في يوم المحشر

قد تمت لي بولايته * نعم جمت عن أن تشكر

لاصيب بها الحظ الاوفى * واخصص بالسهم الاوفر

بالحفظ من النار الكبرى * والامن من الفزع الاكبر

هل يمنعني وهو الساقي * أن إشرب من حوض الكوثر

أم يطردني عن مائدة * وضعت للقانع والمعتر

يا من قد أنكر من آيا * ت أبي حسن ما لا ينكر

إن كنت لجهلك بالايا * م جحدت مقام أبي شبر

فاسأل بدرا واسأل أحدا * وسل الاحزاب وسل خيبر

من دبر فيها الامر ومن * أردى الابطال ومن دمّر

من هد حصون الشرك ومن * شاد الاسلام ومن عمّر


(1) الاميني: الغدير ج 4 ص 397.

 


[380]

من قدّمه طه وعلى * أهل الايمان له أمر

قاسوك أبا حسن بسوا * ك وهل بالطود يقاس الذر

أنى ساووك بمن ناوو * ك وهل ساووا نعلي قنبر

من غيرك من يدعى للحر * ب وللمحراب وللمنبر

أفعال الخير إذا انتشرت * في الناس فأنت لها مصدر

وإذا ذكر المعروف فما * لسواك به شيء يذكر

أحييت الدين بأبيض قد * أودعت به الموت الاحمر

قطبا للحرب يدير الضر * ب ويجلو الكرب بيوم الكر

فاصدع بالامر فناصر * ك البتار وشانئك الابتر

لو لم تؤمر بالصبر وكظم الغي‍ * - ظ وليتك لم تؤمر

ما نال الامر أخو تيم * وناوله منه حبتر

لكن أعراض العاجل ما * علقت بردائك يا جوهر

أنت المهتم بحفظ الدي‍ * - ن وغيرك بالدنيا يغتر

أفعالك ما كنت فيها * إلا ذكرى لمن اذكر

حججا ألزمت بها الخصما * ء وتبصرة لمن استبصر

آيات جلالك لا تحصى * وصفات كمالك لا تحصر

من طول فيك مدائحه * عن أدنى واجبها قصّر

فاقبل يا كعبة آمالي * من هدي مديحي ما استيسر

وقال شاعر تتمة لهذه القصيدة:

كف لطمت عين الزهراء * كانت للبغي هي المصدر

والكسر بأضلاع الزهراء * أبدا الآباد فلا يجبر


[381]

شاعر :

أخو أحمد المختار صفوة هاشم * أبو السادة الغر الميامين مؤتمن

وصي إمام المرسلين محمد * علي أمير المؤمنين أبو الحسن

هما ظهرا شخصين والروح واحد * بنص حديث النفس والنور فاعلمن (1)

 

عبد المنعم الفرطوسي

قال طه: كنا أنا وعلي * عند عرش الرحمن أسنى ضياء

قبل إيجاد آدم بألوف * من سنى الازمان والآناء

وسلكنا في صلبه وانتقلنا * بين أصلاب خيرة الآباء

وقسمنا نورين في أبوينا * من إناء مطهر لاناء

فعلي مني وإني حقا * من علي على صعيد سواء (2)

 

وله أيضا :

قال طه: إن النبيين أسمى * من جميع الملائك الاصفياء

وأنا أفضل النبيين شأنا * ومقاما وأكرم السفراء

ولك الفضل في الخلائق بعدي * ولباقي الائمة الاتقياء

يا علي لم يخلق الخلق لولانا * ولا كان منه خلق السماء

وانطوى الكون من جنان ومن نار * ومن آدم ومن حواء (3)

وله أيضا

وقال: ما من نبي الا ويحكى * بنظير من أحسن النظراء

 


(1) الحمويني: فرائد السمطين ج 1 ص 15 ط بيروت.

 (2) الفرطوسي: ملحمة أهل البيت ج 1: ص 62.

 (3) المصدر ص 70.

 


[382]

وعلي في امتي هو مثلي * ونظيري من سائر الاولياء (1)

وله أيضا

قال: إن شئت أن ترى في البرايا * شخص موسى في البطش والاجتراء

وترى آدما بعلم ويحيى * مع نوح في زهده والذكاء

فترى المرتضى فهذي المزايا * فيه قد جمعت من الانبياء (2)

وله أيضا :

قد تغذى من روحه وهداه * بلبان الاخا ودر الصفاء

حيث صدر النبي مهد وثير * ويداه للحفظ خير وقاء

كان يدني فراشه منه حتى * لا ينام النبي والمهد نائي

ويهز المهد الذي هو فيه * بحنو في ساعة الاغفاء

ويناغيه وهو في المهد ملقى * بحنان في ضحكه والبكاء

وتربى في حجره وهو طفل * مستظلا من عطفه برداء

حين آوى إليه في عام عسر * عم شيخ البطحاء بالبأساء

فرعاه حتى ترعرع منه * فهو غرس في خلقه والنماء

وتلقى الآداب منه دروسا * فدروسا من حكمة وذكاء

فهو صنو له وأحمد صنو * لعلي في دوحة العلياء (3)


(1) المصدر ص 70.

 (2) الفرطوسي: ملحمة أهل البيت ج 1: ص 69.

 (3) المصدر ج 2 ص 8.

 


[383]

نابغة الدهر الشيخ محمد حسين الاصفهاني رحمه الله :

اسمه العلى ومذ تجلى مشرقا نور الهدى * خرت له الاصنام طرا سجدا

وفي اسمه كنز النجاح والفرج * حدث بما شئت هنا ولا حرج

سماه باسمه العلي الاعلى * تكرما منه له وفضلا

اسم سما في عالم الاسماء * كالشمس في كواكب السماء

اسم به يستدفع البلاء * وإن يكن أبرمه القضاء

اسمك به أورقت الاشجار * إسم به أينعت الثمار

وقامت السبع العلى بلا عمد * باسم علي فهو خير معتمد

اسم به استدارت الافلاك * اسم به استجارت الاملاك

اسم به آدم نال الصفوة * من ربه ونال منه عفوه

وباسمه نوح نجا من الغرق * وفلكه جرى على خير نسق

وباسمه نال الخليل الخلة * شرفه الله بتلك الحلة

ونال منه البرد والسلامة * بل منه نال منصب الامامة

وباسمه موسى غدا كليما * ونال منه منزلا كريما

وباسمه سما المسيح ذو العلى * إلى السماء آمنا من البلا

وباسمه استغاث سيد الورى * حين الذي جرى عليه ما جرى

وباسمه كل نبي وولي * نجى من الشر الذي به ابتلي (1)


(1) الكمباني: الانوار القدسية / صححه وعلق عليه: الشيخ علي النهاوندي ص 32 31.

 


[384]

الشيخ الحر العاملي رحمه الله :

كيف تحظا بمجدك الاوصياء ؟ * وبه قد توسل الانبياء

ما لخلق سوى النبي وسبطيه * السعيدين هذه العلياء

فبكم آدم استغاث وقد مس‍ * - ته بعد المسرة الضراء

يوم أمسى في الارض فردا غريبا * ونأت عنه عرشه حواء

فتلقى من ربه كلمات * شرفتها من ذكركم أسماء

فاستجب الدعاء منه ولولا * ذكركم ما استجيب منه الدعاء

ثم يعقوب قد دعا مستجيرا * من بلاء بكم فزال البلاء

وأتاه بكم قميص يوسف وارتد * بصيرا وتمت النعماء

وبكم كان للخليل ابتهال * ودعاء لربه واشتكاء

حين ألقاه عصبة الكفر في النا * ر فما ضر جسمه الالقاء

أيضام الخليل من بعد ما كا * ن إليكم له هوى التجاء ؟

وبكم يونس استغاث ونوح * إذ طغا الماء واستجد العناء

وبأسمائكم توسل أيوب * فزالت عنه بها الاسواء

لعلي مجد غدا دون أد - * ناه الثريا في البعد والجوزاء

أي فخر كفخره والنبيون * عليهم عهد له وولاء

بعض شعراء الموصل :

وبهم آدم توسل لما * ضل عن رشده عن التضليل

إذ تلقى من ربه كلمات * آدم فاستخصه بالقبول

وأنارت بروح شيث ونوح * ثم أفضت إلى النبي الخليل

وجرت في محل كل زكي * ورضي من نسل إسماعيل


[385]

ثم صارت محمدا وعليا * وهما في الفخار أصل الاصول (1)

الشيخ البهائي رحمه الله:

إمام البرية أصل الاصول * شفيع الانام بيوم مهول

فتى حبه الله ثم الرسول * وصي النبي وزوج البتول

حوى في الزمان الندى والفخارا (2)

السيد ميرزا علي آغا الشيرازي:

كيف أدري وهو سر * فيه قد حار العقول

حادث في اليوم لكن * لم يزل أصل الاصول

مظهر لله لكن * لا اتحاد لا حلول

غاية الادراك أن أدري * بأني لست أدري (3)

ابن الرومي :

رأيتك عند الله أعظم زلفة * من الانبياء المصطفين ذوو الرشد (4)

 

العلامة النباطي البياضي :

فآدم لما أن عصى زال فضله * في هل أتى شكر الإمام علي الرفد

وقد سأل إبراهيم إحياء ميت * ليطمئن منه القلب بالواحد الفرد

ولو يكشف المستور مولاي لم يزد * يقينا على ما كان من سالف العهد

وقد خاف موسى حين ولى مبادرا * وبات علي لم يخف سطوة الضد


(1) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 168.

 (2) الاميني: الغدير ج 11 ص 246.

 (3) الاميني: الغدير ج 6 ص 37 (4) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 266.

 


[386]

أبو الرقعمق الانطاكي (المتوفى سنة 399) :

لا والذي نطق النبي * بفضله يوم الغدير

ما للامام أبي علي * في البرية من نظير (1)

الصاحب بن عباد :

لآل محمد أصبحت عبدا * وآل محمد خير البرية

اناس حل فيهم كل خير * مواريث النبوة والوصية

البياري أمير المؤمنين لنا إمام * له العلياء والرتب السنية

فلم أنكرتم لو قلت يوما * بأن المرتضى خير البرية

ستذكر بغضه وقلاه يوما * أتاك ردى وحم لك المنية (2)

أبو الحسين فاذشاه :

من قال ليس المرتضى خير الورى * بعد النبي فهو في قعر لظى (3)

 

الحميري :

أشهد بالله وآلائه * والله عما قلته سائل

إن علي بن أبي طالب * لخير ما حاف وما ناعل (4)


(1) الاميني: الغدير ج 4: ص 112.

 (2) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 صص 67 - 71.

 (3) المصدر.

 (4) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 صص 67 - 71.


[387]

الخطيب الخوارزمي :

إن علي بن أبي طالب خير * الورى والطالب الغالب

خير الورى والطالب الغالب * بعد النبي ابن أبي طالب (1)

الحسن بن حمزة العلوي :

جاء إلينا في الخبر * بأنه خير البشر

فمن أبى فقد كفر * بفضل من يفاضل (2)

 

أبو الطفيل الكناني :

إشهد بالله وآلائه * وآل ياسين وآل الزمر

إن علي بن أبي طالب * بعد رسول الله خير البشر

لو يسمعوا قول نبي الهدى * من حاد عن حب علي كفر (3)

 

عمر النوقاني :

أشهد بالله وآلائه * شهادة بالحق لا بالمرا

إن علي بن أبي طالب * خير الورى من بعد خير الورى (4)

 

ابن حجاج :

فمذهبي أن خير الناس كلهم * بعد النبي أمير المؤمنين علي (5)


(1) المصدر.

 (2) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 صص 67 - 71.

 (3) المصدر.

 (4) المصدر.

 (5) المصدر.

 


[388]

الحميري :

ألم يك خيرهم أهلا وولدا * وأفضلهم معالا ينكرونا

ألم يك أهله خير الانام * وسبطاه الفائزينا (1)

 

الناشي :

إن الإمام علي عند خالقه * غداه فينا أخوه فاعرف الذنبا

هذا نبي وهذا خير امته * دينا وأعلى البرايا كللهم نسبا (2)

 

الفضل بن عتبة :

ألا إن خير الناس بعد محمد * مهيمنه التاليه في العرف والنكر (3)

ديك الجن :

إن عليا خير أهل الارض * بعد النبي فاربعي أو أمضي (4)

 

البشنوي الكردي:

خير البرية خاصف النعل الذي * شهد النبي بحقه في المشهد

وبعلمه وقضائه وبسيفه * شهد الرسول مع الملائك فاشهد (5)

 

ابن الحجاج :

أهلا وسهلا بالاغر * ابن الميامين الغرر


(1) المصدر.

 (2) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 صص 67 - 71.

 (3) المصدر.

 (4) المصدر.

 (5) الاميني: الغدير ج 4 ص 39.

 


[389]

أهلا وسهلا يابن زم‍ * ــزم والمشاعر والحجر

يابن الذي لولاه ما * اقتربت ولا انشق القمر

يابن الذي هو والنبي * محمد خير البشر

ومن استجاز خلاف ذلك * أو رواه فقد كفر (1)

 

ابن شهر آشوب :

ألا إن خير الناس بعد نبينا * علي ولي الله وابن المهذب

به قام للدين الحنيف عموده * وصار رفيقا ذا رواق مطنب (2)

عن الحميدي:

علي أمير المؤمنين أخو الهدى * وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا

أسر إليه أحمد العلم جملة * وكان له دون البرية واعيا (3)

مما قيل على لسان الاشعث بن قيس الكندي:

أتانا الرسول رسول الوصي * علي المهذب من هاشم

رسول الوصي وصي النبي * وخير البرية من قائم

وزير النبي وذو صهره * وخير البرية في العالم

له الفضل والسبق بالصالحات * لهدي النبي به يأتمي (4)


(1) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 260.

 (2) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 323.

 (3) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 36.

 (4) الاميني: الغدير ج 10 ص 14.

 


[390]

ومن قول زجر بن قيس إلى خاله جرير :

جرير بن عبد الله لا تردد الهدى * وبايع عليا إنني لك ناصح

فإن عليا من وطئ الحصى * سوى أحمد والموت غاد ورائح (1)

ومن قول النجاشي أحد بني الحرب بن كعب:

جعلتم عليا وأشياعه * نظير ابن هند أما تستحونا ؟

إلى أفضل الناس بعد الرسول * وصنو الرسول من العالمينا (2)

 

الصاحب بن عباد وقالوا:

علي علا قلت: لا * فإن العلا بعلي علا

ولكن أقول كقول النبي * وقد جمع الخلق كل الملا

ألا إن من كنت مولى له * يوالي عليا وإلا فلا (3)

ابن حماد :

الله سماه عليا عنده * فما على علائه خلق علا (4)

وله أيضا:

سلام على أحمد المرسل * سلام على الفاضل المفضل

سلام على من علا في العلى * فسماه رب العلى علي (5)


(1) المصدر.

 (2) الاميني: الغدير ج 10 ص 14.

 (3) الديوان ط بيروت ص 260.

 (4) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 108 - 110.

 (5) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 108 - 110.

 


[391]

وله أيضا سماك رب العلى عليا * إذ لم تزل عالي المكان

يا سيدا ما له من نظير * ولا شبيه ولا مدان (1)

وله أيضا:

الله سماه عليا باسمه * فسما علوا في العلى وسموقا (2)

العوني :

علي علا عند ذي العرش عاليا * علي تعالى عن شبيه وعن ند

أنا مولى لعلي وعلي لي ولي * بأبي اسم علي بأبي ذكر علي

علي علا في المواقف كلها * ولكنهم قد خانهم فيه مولد

وقال قوم قد علا برازا * أقرانه يبتزها ابتزازا فهو علي إذ علا العديا

وفرقة قالت علي الدار * في جنة الخلد مع الابرار إذ نال منه المنزل العلويا

وفرقة قالت علاهم علما * وكان أعلاهم أبا واما فوال كهف الكرم الفتيا (3)


(1) المصدر.

 (2) السموق: العلو والطول.

 (3) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 108 - 110.

 


[392]

العوني :

عدل القرآن وصنو المصطفى وأبو * السبطين أكرم به من والد

وأب بعل المطهرة الزهراء والنسب * الطهر الذي ضمه حقا إلى نسب (1)

العبدي :

وإنك وجهه الباقي وعين * له ترعى الخلائق أجمعينا

وله أيضا:

وهو عين الله والوجه الذي * نوره نور الذي لا ينطفى

وله أيضا:

فسماه في القرآن ذو العرش جنبه * وعروته والوجه والعين والاذنا (2)

وله أيضا:

أنت عين الله والجنب من فر * ط فيه يصلى لظى مذموما (3)

وله أيضا:

يا علي بن أبي طالب يابن الاول * يا حجاب الله والباب القديم الازلي

أنت أنت العروة الوثقى التي لم تفصل * أنت باب الله من يأتيك منه يصل (4)

ابن حماد :

وجنب الله فيه قوم * فأضحوا في القيامة نادمينا (5)


(1) أيضا ص 241.

 (2) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 272.

 (3) ايضا ص 273.

 (4) ايضا ص 274.

 (5) ايضا ص 274.

 


[393]

ابن طباطبا الاصبهاني :

يا من حكى الماء فرط رقته * وقلبه في قساوة الحجر

ياليت حظي كحظ ثوبك من * جسمك يا واحد البشر

لا تعجبوا من بلا غلالته * قد زر أزراره على القمر (1)

أبو عبد الله المفجع :

أيها اللائمي لحبي عليا * قم ذميما إلى الجحيم خزيا

أبخير الانام عرضت لا زل‍ * - ت مذودا عن الهدى مزويا

أشبه الانبياء كهلا وزولا * وفطيما وراضعا وغذيا

كان في علمه كآدم إذ عل‍ * - م شرح الاسماء والمكنيا

وكنوح نجا من الهلك من س‍ * ـير في الفلك إذ علا الجوديا

- إلى أن قال -

فارتقى منكب النبي علي * صنوه ما أجل ذاك رقيا

فأماط الاوثان عن ظاهر الك‍ * - عبة ينفي الارجاس عنها نفيا

ولو أن الوصي حاول مس الن‍ * - جم بالكف لم يجده قصيا

أفهل تعرفون غير علي * وابنه استرحل النبي مطيا ؟ ! (2)

الشيخ علي بن الشهيفنة الحلي :

يا روح أنس من الله البدء بدا * وروح القدس على العرش العلى بدا

يا علة الخلف يامن لا يقارب خير الم‍ * - رسلين سواه مشبه أبدا

أنت الذي اختارك الهادي البشير أخا * وما سواك ارتضى من بينهم أحدا


(1) الاميني: الغدير ج 3 ص 345.

 (2) الاميني: الغدير ج 3 ص 353.

 


[394]

أنت الذي عجبت فيك الملائك في * بدر ومن بعده إذ شاهدوا أحداً(1)

ابن حماد:

جل العلي علا * عن مشبه ونظير

إمام كل إمام * أمير كل أمير

حجاب كل حجاب * سفير كل سفير

باب إلى كل رشد * نور على كل نور (2)

أبو القاسم الزاهي :

يا سادتي! يا آل ياسين فقط * عليكم الوحي من الله هبط

لولاكم لم يقبل الفرض ولا * رحنا لبحر العفو من أكرم شط

أنتم ولاة العهد في الذر ومن * هواهم الله علينا قد شرط

ما أحد قايسكم غيركم * ومازج السلسل بالشرب اللمط

إلا كمن ضاهى الجبال بالحصا * أو قايس الابحر جهلا بالنقط (3)

الصاحب بن عباد :

ما لعلي العلى أشباه لا * والذي لا إله إلا هو مبناه

مبنى النبي تعرفه * وابناه عند التفاخر ابناه

إن عليا علا على شرف * لو رامه الوهم زل مرقاه

يا ضحوة الطير هنئي شرفا * فاز به لا ينال أقصاه (4)


(1) الافندي: رياض العلماء ج 4 ص 107 ط مكتبة آية الله المرعشي.

 (2) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 268.

 (3) الاميني: الغدير ج 3 ص 396 (4) القمي: الكنى والالقاب ج 1 ص 312.

 


[395]

أبو الحسن الخليعي :

حبذا يوم الغدير * يوم عيد وسرور

إذ أقام المصطفى * من بعده خير أمير

قائلا: هذا وصيي * في مغيبي وحضوري

وظهيري ونصيري و* وزيري ونظيري

تالله ما ذنب من يقيس إلى * نعلك من قدموا بمغتفر

أنكر قوم عيد الغدير وما * فيه على المؤمنين من نكر

حكمك الله في العباد به * وسرت فيهم بأحسن السير

وأكمل الله فيه دينهم * كما أتانا في محكم السور

نعتك في محكم الكتاب وفي * التوراة باد والسفر والزبر

عليك عرض العباد تقض على * من شئت منهم بالنفع والضرر

والمادحون المخبرون غلوا * وبالغوا في ثناك واعتذروا

وعظمتك التوراة والصحف الاولى * وأثنى الانجيل والزبر

والانبياء المكرمون وفوا * فيك بما عاهدوا وما غدروا (1)

ابن حماد العبدي :

ما لعلي سوى أخيه * محمد في الورى نظير

ألا إنه نفسي ونفسي نفسه * به النص أنبا وهو وحي منزل


(1) الاميني: الغدير ج 6 ص 11، 10، 13.

 


[396]

أمير النحل مولى الخلق * في خم على الابد

شبيه المصطفى بالفض‍ * - ل لم ينقص ولم يزد

وجنب الله في كتب * وعين الواحد الصمد

ما لابن حماد سوى من حمدت * آثاره وأبهجت غرانه (1)

ذاك علي المرتضى الطهر الذي * بفخره قد فخرت عدنانه

صنو النبي هديه كهديه * إذ كل شيء شكله عنوانه (2)

ابن حماد :

وسماه رب العرش في الذكر نفسه * فحسبك هذا القول إن كنت ذا خبر

وقال لهم هذا وصيي ووارثي * ومن شد رب العالمين به أزري

على كزري من قميص أشارة * بأن ليس يستغني القميص عن الزر

وله ايضا:

من الذي قال النبي له * أنت مني مثل روحي في البدن

وله ايضا:

الله سماه نفس أحمد في * القرآن يوم البهال إذ ندبا

فكيف شبهه بطائفة * شبهها ذو المعارج الخشبا (3)


(1) (غران) جمع الغرير: الخلق الحسن ومنه المثل: أدبر غريره وأقبل هريره أي أدبر حسنه وجاء سيئه.

 (2) الاميني: الغدير ج 4 ص 147 - 161.

 (3) اشارة إلى قوله تعالى: كأنهم خشب مسندة.

 


[397]

ديك الجن :

عضو النبي المصطفى وروحه * وشمّه وذوقه وريحه السوسي

نفسه من نفسه وجنسه من جنسه * وعرسه من عرسه فهل له معادل الجماني

وأنزله منه النبي كنفسه * رواية أبرار تأدت إلى بر

فمن نفسه فيكم كنفس محمد * ألا بأبي نفس المطهر والطهر (1)

عبد المنعم الفرطوسي :

أنت نفسي وأنت مني بحق * مثل رأسي من سائر الاعضاء (2)

العبدي:

أشهد بالله لقد قال لنا * محمد والقول منه ما خفى

لو أن إيمان جميع الخلق ممن * سكن الارض ومن حل السما

يجعل في كفه ميزان لكي * يوفي بإيمان علي ما وفى (3)

عبد المنعم الفرطوسي :

قال طه للمرتضى يوم أحد * حين أبلى في الله خير بلاء

لو وضعنا في كفة كل فعل * من فعال الابرار والصلحاء

ووضعنا الاعمال في يوم أحد * منك في كفة بوزن سواء


(1) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 2: صص 217 - 218.

 (2) ملحمة أهل البيت ج 1: ص 285.

 (3) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 2: ص 9.

 


[398]

لاستبان الرجحان عنك فيما * فيه أبليت عند وقت اللقاء

ولقد فاخر الاله وباهى * بك غر الملائك الامناء

ولقد أشرفت بما كان فيها * لك ترنو عينا جنان السماء

حينما قد أزاح رب البرايا * كل حجب عنها وكل غطاء

وهو في الحشر سوف يجزيك فض‍ * - لا منه عملت خير جزاء

يغبط الانبياء فضلك فيه * وجميع الابرار والاولياء (1)

ابن العطار الواسطي الهاشمي :

ولقد أرانا الله أفضل خلقه * في الطائر المشوي لما أن دعا

المفجع :

كان النبي لما تمنى * حين أتوه طائرا مشويا

إذ دعا الله أن يسوق أحب * الخلق طرا إليه سوقا وحيا

ابن حماد :

وفي قصة الطير لما دعا * النبي الاله وأبدي الضرع

أيارب ابعث إلى أحب * خلقك يامن إليه الفزع

فلم يستتم النبي الدعاء * إذا إمام الهدى قد رجع

ثلاث مرار فلما انتهى * إلى الباب دافعه واقترع

فقال النبي له ادخل فقد * أطلت احتباسك يا ذا الصلع

فخبره أنه جاءه * ثلاثا ودافعه من دفع

فقطب في وجه من رده * وأنكر ما بأخيه صنع


(1) ملحمة أهل البيت ج 1 ص 288.

 


[399]

فأورثه برصا فاحشا * فظل وفي الوجه منه بقع (1)

الشيخ إبراهيم الكفعمي العاملي :

هنيئا هنيئا ليوم الغدير * ويوم النصوص ويوم السرور

ويوم الكمال لدين الاله * وإتمام نعمة رب غفور

ويوم العقود ويوم الشهود * ويوم العهود لصنو البشر

ويوم الفلاح ويوم النجاح * ويوم الصلاح لكل الامور

ويوم الامارة للمرتضى * أبي الحسنين الامام الامير

ترى ألف عبد له معتقا * ويختار في القوت قرص الشعير

أمير السرايا بأمر النبي * وليس عليه بها من أمير (2)

الايرواني :

كيف لتحصى صفاتك الكتاب * ومزاياك ما لهن حساب

ليت شعري وهل يحيط بمعناك * خبير كما أحاط الكتاب

فلعمري ما أنت في الناس إلا * نفس طه وما بذاك ارتياب (3)

علي كالنبي بكل فضل سوى * فضل النبوة قد عداه

هو المعنى بالباب الذي من * أتى الهادي النبي فقد أتاه

فتى في كنهه خبط البرايا * وفي معنى الحقيقة منه تاهوا


(1) ابن شهر آشوب مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 285.

 (2) الكفعمي: المصباح ص 701.

 (3) من ديوان شعراء الحسين (الايرواني) ص 226.

 


[400]

أبو محمد العوني :

يا آل أحمد لولاكم لما طلعت * شمس ولا ضحكت أرض من العشب

أبوكم خير من يدعى لحادثة * فيستجيب بكشف الخطب والكرب

عدل القران وصي المصطفى وأبو * السبطين أكرم به من والد وأب (1)

الشيخ عبد الرضا المقري الكاظمي :

وقفت دون سعيك الانبياء * فلتطل مفخرا بك الاوصياء

وعن الانبياء فضلا عليك * الله أثنى فحبذا الاثناء

وإذا لم يكن سوى آية التط * - هير فيكم لكان فيها اكتفاء

كنت نورا وليس كون ولا * آدم بل ليس كان طين وماء

أنت عين اليقين سلطان موسى * والعصى منه واليد البيضاء

وسنا النار حين آنسها من * جانب الطور إذ بدا اللالاء

روح قدس به تأيد عيسى * ولامواته به إحياء

أنت لو لم تكن لما عبد الله * ولا للانام كان اهتداء (2)

عبد المنعم الفرطوسي :

سئل المصطفى بأي لسان * لك يوحى الخطاب رب العطاء

قال يوحيه في لسان علي * وسألت الباري بوقت النداء

أنت خاطبتني بصوتك حقا * أم بصوت الوصي من أصفيائي

قال: إني لا أشبه الناس طرا * أنا شيء ولست كالاشياء

من سناك الذاكي خلقت عليا * وهو نور خلقته من سنائي


(1) الاميني: الغدير: ج 4 ص 127.

 (2) الاميني: الغدير ج 11: ص 354.

 


[401]

وأحب العباد بعد اطلاعي * لك بالغيب سيد الاوصياء

فأتاك الخطاب بالوحي مني * بلسان الحبيب من أوليائي

ليكون اطمينان نفسك أمرا * ثابتا باليقين دون انتفاء (1)

السيد علي خان شارح الصحيفة السجادية :

أمير المؤمنين فدتك نفسي * لنا من شأنك العجب العجاب

تولاك الاولى سعدوا ففازوا * وناواك اللذين شقوا فخابوا

ولو علم الورى ما أنت أضحوا * لوجهك ساجدين ولم يحابوا

يمين الله لو كشف المغطى * ووجه الله لو رفع الحجاب

خفيت على العيون وأنت شمس * سمت من أن يجللها سحاب

وليس على الصباح إذا تجلى * ولم يبصره أعمى العين عاب

لسر ما دعاك أبا تراب * محمد النبي المستطاب

فكان لكل من هو من تراب * إليك وأنت علته انتساب

فلولا أنت لم يخلق سماء * ولولا أنت لم يخلق تراب

وفيك وفي ولائك يوم حشر * يعاقب من يعاقب أو يثاب

بفضلك أفصحت توراة موسى * وإنجيل ابن مريم والكتاب

وهل لسواك بعد غدير خم * نصيب في الخلافة أو نصاب

ألم يجعلك مولاهم فذلت * على رغم هناك لك الرقاب

وكم سفهت عليك حلوم قوم * فكنت البدر تنبحه الكلاب (2)


(1) ملحمة أهل البيت ج 1 ص / 78 (2) الاميني: الغدير ج 11: ص 346.

 


[402]

الملا مهر علي :

هاعلي بشر كيف بشر * ربه فيه تجلى وظهر

هو والمبدأ شمس وضياء * هو والواجب شمس وقمر

أذن الله وعين الباري * ياله صاحب سمع وبصر

علة الكون ولولاه لما * كان للعالم عين وأثر

فلك في فلك فيه نجوم * صدف في صدف فيه درر

جنس الاجناس علي و* بنوه نوع الانواع إلى حادي عشر

كل من مات ولم يعرفهم * موته موت حمار وبقر

قوسه قوس صعود ونزول * سهمه سهم قضاء وقدر

ما رمى رمية إلا وكفى * ما غزى غزوة إلا وظفر

أسد الله إذا صال وصاح * أبو الايتام إذا جاد وبر

بوتراب وكنوز العالم عنده نحو تراب ومدر

من له صاحبة كالزهراء * أو سليل كشبير وشبر

أيها الخصم تذكر سندا * متنه صح بنص وخبر

إذ أتى أحمد في خم غدير * بعلي وعلي الرحل نبر

قال من كنت أنا مولاه * فعلي له مولى ومفر

العبدي الكوفي :

محمد وصنوه وابنته * وابناه خير من تحفى واحتذا

صلى عليهم ربنا باري الورى * ومنشئ الخلق على وجه الثرى

صفاهم الله تعالى وارتضى * واختارهم من الانام واجتبى

لولاهم الله ما رفع السما * ولا دحى الارض ولا انشأ الورى

لا يقبل الله لعبد عملا * حتى يواليهم بإخلاص الولا


[403]

ولا يتم لامرء صلاته * إلا بذكراهم ولا يزكو الدعا

لوان عبدا لقى الله بأعما * ل جميع الخلق برا وتقى

ولم يكن والى عليا حبطت * أعماله وكب في نار لظى (1)

عن الحماني :

هم صفوة الله التي ليس مثلها * وما مثلهم في العالمين بديل

خيار خيار الناس من لا يحبهم * فليس له إلا الجحيم مقيل

وأنزله منه النبي كنفسه * رواية أبرار تأدت إلى البشر

فمن نفسه منكم كنفس محمد * إلا بأبي نفس المطهر والطهر (2)

السيد علي تقي الحيدري :

يا عليا سمت به العلياء * لمعال ليست لهن انتهاء

لك اسم من اسمه الله قدما * شقه حين لم تكن أسماء

كنت والمصطفى ضياء ونورا * تعبدان الاله إذ لا ضياء

حين لا الارض يوم ذلك أرض * في فضاء ولا السماء سماء

ثم لما قضى الاله تعالى * إنكم بين خلقه شهداء

كنت أنت المولود في البيت فضلا * واختصاصا لم يؤته الانبياء

نلت في ذاك رفعة لم ينلها * إنبياء قدما ولا أوصياء

وحططت الاصنام عنه بحزم * فهي بعد التاليه دهرا هباء

ذاك يوم ارتقيت مرقى عظيما * خلت للحجب كان منك ارتقاء


(1) الغدير: ج 2 ص 298.

 (2) الغدير: ج 3 ص 66.

 


[404]

فوق كتف النبي أحمد لكن * ذاك مرقى ما فوقه استعلاء

أنت من أهل بين طه وممن * أذهب الرجس عنه والفحشاء

أنت نفس النبي في قل تعالوا * ندع أبنائنا وتدعى النساء

انت من أحمد كما كان من * موسى أخوه وليس فيه مراء

الشيخ محمود عباس العاملي :

فوحق آيات الكتاب المنزل * ومكون الاكوان ذي المجد العلي

وبحق هادينا النبي المرسل * ما حاز كل المكرمات سوى علي

وسواه لا عين لديه ولا أثر

أنت خير الانام من بعد طه * وبهذا قد جائت الانباء

وحديث المشوي ينبأ عنه * ياله خير طائر وشواء

أنت صنو الهادي وأنت أخوه * أفهل أنت والقصي سواء

أنت ثاني الثقلين وابناك سبطا * أحمد ثم فاطم الزهراء

أنتم علة العوالم طرا * حيث لولاكم الوجود فناء

أنتم للورى سفينة نوح * ليس عنها للعالمين غناء

أنتم للورى أمان كما * الشهب أمان لمن حوته السماء (1)

الشيخ الصالح التميمي الحلي :

غاية المدح في علاك ابتداء * ليت شعري ما يصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخير ابن عم * وأمير إن عدت الامراء

ما ترى ما استطال إلا تناهى * ومعاليك ليس لهن انتهاء

أنت للحق سلم ما لراق * يتأتى بغيره الارتقاء


(1) العلامة السيد علي تقي الحيدري: كتاب الوصي ص 122.

 


[405]

أنت ثاني ذوي الكساء ولعمري * أشرف الخلق من حواه الكساء

ولقد كنت والسماء دخان * ما بها فرقد ولا جوزاء

شمل الروح من نسيمك روح * حين من ربه أتاه النداء

قائلا من أنا فروى قليلا * وهو لولاك فاته الاهتداء

لك اسم رآه خير البرايا * مذ تدلى وضمه الاسراء

خط مع اسمه على العرش قدما * في زمان لم تعرف الاسماء

ثم لاح الصباح من غير شك * وبدا سرها وبان الخفاء

وبرى الله آدم من تراب * ثم كانت من آدم حواء

معدن الناس كلها الارض لكن * انت من جوهر وهم حصباء

الشيخ مغامس بن داغر :

رآه آدم نورا بين أربعة * لالاؤها فوق ساق العرش من كثب

فقال: يا رب من هذا ؟ فقيل له * قول المحب وما في القول من ريب

هم أوليائي وهم ذرية لكما * فقر عينا ونفسا فيهم وطب

أما وحقهم لولا مكانهم * منى لما دارت الافلاك بالقطب

كلا ولا كان من شمس ولا قمر * ولا شهاب ولا افق ولا حجب

ولا سماء ولا أرض ولا شجر * للناس يهمي عليه واكف السحب

ولا جنان ولا نار مؤججة * جعلت أعدائهم فيها من الحطب

وخاف نوح فناجى ربه فنجا * بهم على دسر الالواح والخشب

وفي الجحيم دعا الله الخليل بهم * فأخمدت بعد ذلك الحر واللهب

وقد دعا الله موسى إذ هوى صعقا * بحقهم فنجا من شدة الكرب (1)


(1) الغدير: ج 7 ص 29 - 30.

 


[406]

الشيخ رجب البرسي :

ولائي لآل المصطفى وبنيهم * وعترتهم أزكى الورى وذويهم

بهم سمة من جدهم وأبيهم * هم القوم أنوار النبوة فيهم

تلوح وآثاره الامامة تلمع

بحبهم طاعتنا تتقبل * وفي فضلهم جاء الكتاب المنزل

يعم شزا هم كل أرض ويشمل * وإن ذكروا فالكون ند ومندل (1)

لهم أرج من طيبهم يتضوع

دعا بهم موسى ففرج كربه * وكلمه من جانب الطور ربه

أذا حاولوا أمرا تسهل صعبه * وإن برزوا فالدهر يخفق قلبه

لسطوتهم وااسد في الغاب تفزع

فلولا هم ما سار فلك ولا جرى * ولا ذرأ الله الانام ولا برى

كرام متى ما زرتهم عجلوا القرى * وإن ذكر المعروف والجود في الورى

فبحر نداهم زاخر يتدفع (2)

محمد الحميري :

بحق محمد قولوا بحق * فإن الافك من شيم اللئام

أبعد محمد بأبي وأمي * رسول الله ذي الشرف التهامي

أليس علي أفضل خلق ربي * وأشرف عند تحصيل الانام

ولايته هي الايمان حقا * فذرني من أباطيل الكلام

وطاعة ربنا فيها وفيها * شفاء للقلوب من السقام

علي إمامنا بأبي أنت وأمي * أبو الحسن المطهر من حرام


(1) الند بفتح المعجمة وكسرها: عود يتحز به المندل: العود الطيب الرائحة.

 (2) الاميني: الغدير 7: ص 46.

 


[407]

إمام هدى أتاه الله علما * به عرف الحلال من الحرام

ولو أنى قتلت النفس حبا * له ما كان فيها من أثام

يحل النار قوم أبغضوه * وإن صلوا وصاموا ألف عام

ولا والله لا تزكو صلاة * بغير ولاية العدل الامام

أمير المؤمنين بك اعتمادي * وبالغر الميامين اعتصامي

فهذا القول لي دين وهذا * إلى لقياك يا ربي كلامي

برئت من الذي عادى عليا * وحاربه من أولاد الطغام

تناسوا نصبه في يوم خم * من الباري ومن خير الانام

برغم الانف من يشنأ كلامي * علي فضله كالبحر طامي

وأبرأ من أناس أخروه * وكان هو المقدم بالمقام

الشيخ كاظم الازري :

أيها الراكب المجد رويدا * بقلوب تقلبت في جواها

إن أتيت أرض الغريين فاخضع * واخلع النعل دون وادي طواها

فتواضع فثم دارة قدس * تتمنى الافلاك لثم ثراها

ثم قل والدموع سفح عقيق * والحشا تصطلي بنار غضاها

يابن عم النبي أنت يد الله * التي عم كل شيء نداها

أنت قرآنه القديم وأو * صافك آياته التي أوحاها

أنت بعد النبي خير البرايا * والسما خير ما بها قمراها

لك في مرتقى العلى والمعالى * * درجات لا يرتقى أدناها

حبك الله في مآثر شتى * هي مثل الاعداد لا تتناهى

ليت عينا بغير روضك ترعى * قذيت واستمر فيها قذاها

لك ذات كذاته حيث لولا * أنها مثلها لما آخاها


[408]

فتراضعتما بثدي وصال * كان من جوهر التجلى غذاها

لك نفس من جوهر اللطف صيغت * جعل الله كل نفس فداها

هي قطب المكونات حيث لولا * هالما دارت الرحى لولاها

وهي الآية المحيطة بالكون * وفي كل شيء تراها

لك كف من أبحر الله تجري * أنهر الانبياء من جدواها

لم تكن هذه العناصر إلا من * هيولاه حيث كان أباها

وسمت باسمه سفينة نوح * واستقرت به على مجراها

وبه نال خلة الله إبراهيم * وباسمه النار قد أطفاها

وبسر سرى في ابن عمران * وأطاعت تلك اليمين عصاها

وبه سخر المقابر عيسى * فأجابت نداءها موتاها

يا أخا المصطفى لدي ذنوب * هي عين القذى وأنت جلاها

لا فتى في الوجود إلا علي * ذاك شخص بمثله الله باها

إنما المصطفى مدينة علم * وهو الباب من أتاه أتاها

فتأمل بعم تنبئك عنه * نبأ كل فرقة أعياها

ثم سل إنما وليكم الله * تجد الاعتبار في معناها

آية خصت الولاية لله * وللطهر حيدر بعد طاها

هل أتت هل أتى بمدح سواه * لا ومولى بذكره حلاها

هو في آية التباهل نفس النبي * ليس غيره إياها

وهو علامة الملائك واسأل * روح جبريل كيف عنه هداها

ابن العرندس :

هم النور نور الله جل جلاله * هم التين والزيتون والشفع والوتر

مهابط وحي الله خزان علمه * ميامين في أبياتهم نزل الذكر


[409]

وأسمائهم مكتوبة فوق عرشه * ومكنونة من قبل أن يخلق الذر

ولولاهم لم يخلق الله آدما * ولا كان زيد في الانام ولا عمرو

ولا سطحت أرض ولا رفعت سما * ولا طلعت شمس ولا أشرق البدر

ونوح به (بهم) في الفلك لما دعا نجا * وغيض به (بهم) طوفانه وقضي الامر

ولولاهم نار الخليل لما غدت * سلاما وبردا وانطفى ذلك الجمر

ولولاهم يعقوب ما زال حزنه * ولا كان عن أيوب ينكشف الضر

ولان لداود الحديد بسرهم * فقدر في سرد يحير به الفكر

ولما سليمان البساط به سرى * أسليت لله عين يفيض له القطر

وسخرت الريح الرخاء بأمره * فغدوتها شهر وروحتها شهر

وهم سر موسى والعصا عندما عصى * أوامره فرعون والتقف السحر

ولولاهم ما كان عيسى بن مريم * لعازر من طي اللحود له نشر

سرى سرهم في الكائنات وفضلهم * وكل نبي فيه من سرهم سر

علا بهم قدري وفخري بهم غلا * ولولاهم ما كان في الناس لي ذكر (1)

إبن بشارة الغروي :

من ظلمة الليل لي المأنس * إذ فيه تبدو الشهب الكنس

إلى قوله:

ونار موسى سرها حيدر * العالم الخنذيذ (2) والدهرس

والاسد المغوار يوم الوغى * تفرق من صولته الاشوس (3)

لو قامت الحرب على ساقها * قام إليها وهو لا ينكش


(1) الاميني: الغدير ج 7 ص 18.

 (2) الخنذيذ: الخطيب البليغ.

 (3) الاشوس: الجري على القتال الشديد.

 


[410]

كم قد في صارمه فارسا * وصير السيد له ينهس (1)

هو ابن عم المصطفى والذى * قد طاب من دوحته المغرس

عيبة علم الله شمس الهدى * ونوره الزاهر لا يطمس

مهبط وحي لم ينل فضله * وكنهه في الوهم لا يحدس

قد طلق الدنيا ولم يرضها * ما همه المطعم والملبس

يقطع الليل بتقديسه * يزهو به المحراب والمجلس

وفي الندى بحر بلا ساحل * وفي المعالي الاصيد الا رأس

إذا رقى يوما ذرى منبر * وألسن الخلق له خرس

يريك من ألفاظه حكمة * يحتار فيها العالم الكيس

فيالها من رتب نالها * من دونها كيوان والاطلس!

إلى قوله:

والله لولا حيدر لم يكن * في الارض ديار ولا مكنس

فليس يحصي فضله ناثر * أو ناظم في شعره منبس (2)

فلا تعدل بأهل البيت خلقا * فأهل البيت هم أهل السيادة

فبغضهم من الانسان خسر * حقيقي وحبهم عبادة (3)


(1) السيد: الذئب الاسد والسيد تخفيف السيد نهس: أخذ بمقدم أسنانه ونتفه.

 (2) الاميني: الغدير ج 11: ص 380 - 382.

 (3) الفيروز آبادي: فضائل الخمسة ج 2 ص 82.