الباب الثالث

الأمام علي عليه السلام وأربعة من منازل الآخرة ومواقفها

 

قال الأمام موسى بن جعفر عليهما السلام: (إني ومن يجري مجراي من الأئمة لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم فاتقوا الله في أنفسكم).

 (المناقب لابن شهرآشوب، ج 4: ص 292)

 

الفصل 1

حضوره عليه السلام عند المحتضر بنفسه الشريفة وشخصه

1 - عن أبان بن تغلب، عن أبي داود الأنصاري، عن الحارث الهمداني (1)، قال: (دخلت على أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ما جاء بك ؟ فقلت: حبي لك، يا أمير المؤمنين ! فقال: يا حارث أتحبني ؟ قلت: نعم، والله، يا أمير المؤمنين، قال: أما لو بلغت نفسك الحلقوم رأيتني حيث تحب، ولو رأيتني وأنا أذود


(1) - الحارث الأعور الهمداني - بسكون الميم - عده البرقي في الاولياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، وعن ابن داود: أنه كان أفقه الناس، مات سنة خمس وستين، وعن شيخنا البهائي كان يقول: هو جدنا وهو من خواص أمير المؤمنين عليه السلام، وعنه قال: (أتيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم نصف النهار، فقال: ما جاء بك ؟ قلت، حبك والله، قال: إن كنت صادقا لتراني في ثلاثة مواطن: حيث تبلغ نفسك هذه - وأومأ بيده إلى حنجرته - وعند الصراط، وعند الحوض)، وفي الكافي: ان حارثا الأعور أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ! احب أن تكرمني أن تأكل عندي، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام على أن لا تتكلف لي شيئا، فدخل، فأتاه الحارث بكسرة فجعل أمير المؤمنين يأكل، فقال له الحارث: إن معي دراهم وأظهرها وإذا هي في كمه - فان أذنت لي اشتريت لك، فقال له أمير المؤمنين: هذه مما في بيتك).

 (القمي: سفينة البحار، ج 1: ص 240) أقول: هذا الخبر يدل على أن للحارث الهمداني (ره) منزلة رفيعة عند علي عليسه السلام لأن مولاه يدخل بيته، ويأكل من كسرة طعامه وخبزه، وهذا كمال الأخلاص والعناية له، رضي الله عنه من سيده ومولاه.

 


[414]

الرجال (1) عن الحوض ذود غريبة الأبل لرأيتني حيث تحب، ولو رأيتني وأنا مار على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لرأيتني حيث تحب (2).

 2 - وعن الحارث - أيضا - يقول: أتيب أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة، فقال: يا أعور ! ما جاء بك ؟ قال: فقلت يا أمير المؤمنين، جاء بي والله حبك، قال: فقال: أما إني سأحدثك لتشكرها، أما إنه لا يموت عبد يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحب، ولا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يكره (3).

 3 - عن الأصبغ بن نباتة (4)، قال: (دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأود (5) في مشيته، ويخبط الأرض (6) بمحجنه (7)، وكان مريضا، فأقبل عليه أمير المؤمنين عليه السلام - وكانت له منه منزلة - فقال: كيف تجدك، يا حارث ؟ فقال: نال الدهر (8) - يا أمير المؤمنين ! - مني، وزادني أوارا وغليلا (9) اختصام أصحابك ببابك، قال: وفيم خصومتهم ؟ قال: فيك وفي الثلاثة من قبلك، فمن مفرط منهم غال (10)، ومقتصد


(1) - أي أدفع وأطرد.

 (2) - مجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 181.

 (3) - رجال الكشي، / تحقيق: الأستاذ حسن المصطفوي، ص 89، (نقلناه ملخصا).

 (4) - الأصبغ - بفتح الهمزة والباء - بن نباتة - بضم النون - كان رضي الله عنه من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وشهد معه صفين، وكان على شرط الخميس، وكان شاعرا، وعده البرقي في رجاله في أصحاب على عليه السلام من الأمين، (اعيان الشيعة، ج 4: ص 464).

 (5) - اي ينعطف في مشيه، يستقيم مرة ويعوج أخرى.

 (6) - الخبط: الضرب الشديد.

 (7) - المحجن - كمنبر -: العصا المعوجة رأسها.

 (8) - أي أصابني.

 (9) - الأوار - بالضم - حرارة الشمس وحرارة العطش، ويوم ذو أوار: ذوسموم وحر شديد، والغليل: الحقد والضغن، وحرارة الحب والحزن.

 (10) - أي غال في المحبة، وفي بعض النسخ (مفرط قال) أي مفرط في البغض والعداوة.

 


[415]

تال (1)، ومن متردد مرتاب، لا يدري أيقدم أم يحجم (2)، فقال: حسبك، يا أخاه همدان، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط (3) إليهم يرجع الغالي، وبهم يلحق التالي.

 فقال له الحارث: لو كشفت - فداك أبى وامي - الرين (4) عن قلوبنا، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا.

 قال عليه السلام: قدك (5) فأنك امرؤ ملبوس عليك (6) إن دين الله لايعرف بالرجال، بل بآية الحق، فاعرف الحق تعرف أهله.

 يا حارث إن الحق أحسن الحديث، والصادع (7) به مجاهد، وبالحق أخبرك


(1) - أي معتدل في المحبة ويتلوك.

 وفي بعض النسخ (مقتصد قال) أي مبغض وفي البحار، ج 39: ص 241 (أقال)، أي أقال البيعة.

 (2) - أحجم عنه: كف عنه أو نكص هيبة.

 (3) - النمط: جماعة من الناس.

 (4) - الرين: الطبع والدنس.

 (5) - قد مخففة - حرفية وإسمية، والأسمية على وجهين: إسم فعل مرادفة ليكفى نحو قولهم: قدني درهم، وقد زيدا درهم، واسم مرادف لحسب.

 (6) - أي اختلط الأمر عليك واشتبه، فان أقدار الرجال في الظاهر وشخصيتهم لا تكون معيارا في معرفة الدين في جميع الموارد، ولا توجب صدقهم في جميع المقال والفعال، لأنهم في مظان الخطأ والزلل، بل لابد من أن تعرف الدين والحق والباطل قبل معرفتك بالرجال حتى لا يختلط ولا يلتبس عليك الأمر، وأن تعلم أن المعيار هو الدين وحده لاأقدار الرجال، فو الله، إن هذا الكلام الشريف أحسن كلام لمعرفة الحقائق، فداك أبي وأمي وروحي وجسمي وأولادي يا أمير المؤمنين، يا ولى الله الاعظم، إن كلامك فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق.

 وقد جاء نظير هذا الكلام في كتاب الفتنة الكبرى (على وبنوه) لطه حسين (ص 40، ط دار المعارف بمصر) قال مؤلف الكتاب: (سأله رجل منهم: أيمكن أن يجتمع الزبير وطلحة وعائشة على باطل ؟ فقال: (إنك لملبوس عليك، ان الحق والباطل ليعرفان باقدار الرجال ؟ اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله).

 وما أعرف جوابا أروع من هذا الجواب الذي لا يعصم من الخطأ أحدا مهما تكن منزلته، ولا يحتكر الحق لاحد مهما تكن مكانته بعد أن سكت الوحي وانقطع خبر السماء).

 (7) - الصدع: المجاهر.

 


[416]

فأرعني سمعك (1)، ثم خبر به من كان له حصافة (2) من أصحابك، ألا إنى عبد الله، وأخو رسوله، وصديقه الأول، صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقه الاول في امتكم حقا، فنحن الأولون، ونحن الاخرون، ونحن خاصته - يا حارث ! - وخالصته، وأنا صنوه ووصيه ووليه، وصاحب نجواه وسره، اوتيت فهم الكتاب، وفصل الخطاب، وعلم القرون والأسباب، واستودعت ألف مفتاح، يفتح كل مفتاح ألف باب، يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد، وايدت واتخذت وأمددت بليلة القدر نفلا (3)، وإن ذلك يجرى لي ولمن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

 وابشرك يا حارث لتعرفني عند الممات، وعند الصراط، وعند الحوض، وعند المقاسمة، قال الحارث: وما المقاسمة، يا مولاي ؟ قال: مقاسمة النار، اقاسمها قسمة صحيحة، أقول: هذا وليي فاتركيه، وهذا عدوي فخذيه.

 ثم أخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيد الحارث فقال: يا حارث ! أخذت بيدك كما أخذ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بيدي فقال لي - وقد شكوت إليه حسد قريش والمنافقين لي -: إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل الله وبحجزته (يعني عصمته من ذي العرش تعالى) وأخذت أنت يا علي بحجزتي، وأخذ ذريتك بحجزتك، وأخذ شيعتكم بحجزتكم.

 فماذا يصنع الله بنبيه، فما يصنع نبيه بوصيه ؟ خذها إليك يا حارث، قصيرة من طويلة.

 نعم، أنت مع من أحببت، ولك ما اكتسبت - يقولها ثلاثا -.

 فقام الحارث يجر ردائه، وهو يقال: ما ابالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني.

 قال جميل بن صالح - أحد رواة الحديث -: وأنشدني أبو هاشم السيد الحميري، فيما تضمنه هذا الخبر:


(1) - أي استمع لمقالتي.

 (2) - الحصافة: العقل وسديد الرأى.

 (3) - أي زائدا.

 


[417]

قول علي لحارث عجب * كم ثم اعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا (1)

يعرفني طرفه وأعرفه * بنعته واسمه وما عملا

وأنت عند الصراط تعرفني * فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ * تخاله (2) في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين توقف لل‍ * - عرض دعيه لا تقربي الرجلا

دعيه لا تقربيه إن له * حبلا بحبل الوصي متصلا (3)

أقول: يستفاد من كتب التراجم والرجال ومن الاحاديث التي مرت عليك: أن الحارث الأعور الهمداني - رضي الله عنه - كان من الموالين المخلصين قد أصابته المحن والمصائب، وأوذي في سبيل مولاه وسيده من أوغاد الناس والنواصب حتى جاء مريضا إلى حضور مولاه وفي يده عصا، يعوج في مشيته ويستقيم اخرى، وشكا نوائبه إلى سيده ومولاه، فلما رأى علي عليه السلام وليه مهموما ومغموما تسلاه وبشره برؤيته ومعرفته في أربعة مواقف، التي هي أشد المواقف وأصعب الطرق بقوله عليه السلام: (وابشرك يا حارث، لتعرفني عند الموت، وعند الصراط، وعند


(1) - أي مقابلة وعيانا.

 (2) - أي تظنه.

 (3) - المفيد: كتاب الأمالي / المجلس الاول، الطوسي: كتاب الأمالي، ج 2: ص 238، المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 178 وج 39: ص 239.

 واعلم أن هذا الحديث الشريف يدل بدلالة واضحة أن هذه الأبيات للسيد الحميرى رحمه الله لأنك لاحظت قول الجميل في آخر الحديث: (وأنشدني أبو القاسم الحميري فيما تضمنه هذا الخبر) قال المحدث القمى، في (الكنى والالقاب) (ج 2: ص 105) (وقد نظم السيد الحميرى رحمه الله ما تضمنه هذا الحديث)، ولعل توهم الرواة وجمع كثير من الباحثين كون هذه الأبيات من انشاء على عليه السلام لعدم اشتهار البيت الاول حتى لم ينقلهما العلامة المامقاني في رجاله، ووقع في هذا التوهم - أيضا - ابن أبى الحديد في (شرح نهج البلاغة) (ج 1: ص 299) بقوله: (إن الشيعة تروى عنه شعرا قاله للحارث الهمداني).


[418]

الحوض وعند المقاسمة).

 فيدور كلامه عليه السلام للحارث الهمداني حول أربعة منازل من منازل الآخرة ومواقفها، فعلى هذا جعلنا وجيزتنا هذه في شرح كلامه عليه السلام على أربعة فصول:

1 - منزلته عليه السلام عند المحتضر، 2 - منزلته عليه السلام عند الصراط، 3 - منزلته عليه السلام عند الحوض، 4 - منزلته عليه السلام عند المقاسمة.

 وفي الفصل الاول يستدل على أن حضوره عليه السلام عند المحتضر يكون بعينه وشخصه ونعته ونفسه ومعاينة المحتضر له عيانا، وكذلك حضور النبي وأهل بيته الكرام المعصومين:، ويرد على من زعم أن الذي يشهده المحتضر عند الموت ويراه هو صور الأئمة: المشابهة لصورهم الاصلية، أو ثمرة ولايتهم أو بغضهم لا أشخاصهم الشريفة وأعيانهم المباركة، ويبحث في الثاني عن حضوره عليه السلام عند الصراط وإعطائه الموالين المحبين الجواز والبراءة.

 وفي الثالث عن حضوره عن الحوض وسقايته المخلصين له عليه السلام من الكوثر، ومنعه وطرده المخالفين عنه.

 وفي الرابع عند حضوره عليه السلام عند الجنة والنار، وتقسيمهما بنفسه الشريفة لا باعتبار أن التقسيم بحبه وبغضه دون حضور شخصه.

 الأول: في حضور النبي وعلى وأولاده المعصومين عليهم السلام عند المحتضر 1 - رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (والذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتى يأكل من ثمار الجنة، أو من شجرة الزقوم، وحين يرى ملك الموت يراني ويرى عليا وفاطمة وحسنا وحسينا - صلوات الله عليهم أجمعين - فإن كان يحبنا قلت: يا


[419]

ملك الموت ! ارفق به إنه كان يحبني ويحب أهل بيتي، وإن كان يبغضنا قلت: يا ملك الموت ! شدد عليه إنه كان يبغضني ويبغض أهل بيتي (1).

 2 - عن الصادق عليه السلام، أنه قال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قال أصحابه: هلكنا يا ابن رسول الله، فإنا لانحب الموت، فقال عليه السلام ذاك عند معاينة رسول الله وأمير المؤمنين - صلوات الله عليهما -، ما من ميت يموت إلا حضر عنده محمد وعلي - صلوات الله عليهما - فإذا رآهما المؤمن استبشر وسر، فيقوم النبي صلى الله عليه واله وسلم لينصرف فيقول: إلى أين ؟ وقد كنت أتمنى أن أراكما، فقال صلى الله عليه واله وسلم: أتحب أن ترافقنا ؟ فيقول: نعم، فوصي به ملك الموت ويخبره أنه لهما محب، فهذا يحب لقاء الله ويحب الله لقاءه، وأما عدوهما فلا شيء أكره وأبغض عليه من رؤيتهما، فيعرف الملك أنه عدو لهما، فهو يكره لقاء الله والله يكره لقاءه).

 قال المصنف: (وهذا الحديث يصرح بحضور محمد وعلي - صلوات الله عليهما - عند كل ميت وروية المؤمن لهما حقيقة، لا مجازا (2).

 3 - عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري، قال: (قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا مسمع ! أنت من أهل العراق، أما تأتي قبر الحسين عليه السلام ؟ قلت: لا، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، وعدونا كثير من اهل القبائل من النصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثلون بي، قال لي: أفما تذكر ما صنع به ؟ قلت: نعم، قال: فتجزع ؟ قلت: إي والله، وأستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي، فامتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي.

 قال: رحم الله دمعتك، أما انك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا، والذين


(1) - بشارة المصطفى، ص 6.

 (2) - كتاب المحتضر لحسن بن سليمان الحلى، ص 5، ط النجف.

 


[420]

يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنا.

 أما إنك سترى عند موتك حضور ابائي لك ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، ولملك الموت أرق عليك وأشد رحمة لك من الام الشفيقة على ولدها.

 قال: ثم استعبر واستعبرت معه، فقال: الحمدلله الذي فضلنا على خلقه الرحمة، وخصنا أهل البيت.

 يا مسمع ! إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين عليه السلام رحمة لنا، وما بكى لنا من الملائكة أكثر، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر، وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتي يرد علينا الحوض، وإن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى إنه ليذيقه من ضروب الطعام - الحديث (1).

 4 - عن أبي الظبيان، قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فقال: ما يقول الناس في أرواح المؤمنين بعد موتهم ؟ قلت: يقولون: في حواصل طيور خضر، فقال: سبحان الله ! المؤمن أكرم على الله من ذلك، إذا كان ذلك أتاه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين: ومعهم ملائكة الله عز وجل المقربون، فإن أنطق الله لسانه بالشهادة له بالتوحيد، وللنبي صلى الله عليه واله وسلم بالنبوة، والولاية لأهل البيت شهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين: والملائكة المقربون معهم، وإن اعتقل لسانه خص الله نبيه صلى الله عليه واله وسلم بعلم ما في قلبه من ذلك، فشهد به، وشهد على شهادة النبي علي وفاطمة والحسن والحسين - على جماعتهم من الله أفضل السلام - ومن حضر معهم من الملائكة، فإذا قبضه الله إليه صير تلك


(1) - ابن قولويه: كامل الزيارات / الباب 32: ص 101.

 


[421]

الروح إلى الجنة في صورة كصورته، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا (1).

 5 - عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ما يموت موال لنا ومبغض لأعدائنا إلا ويحضره رسول الله وأمير المؤمنين والحسن والحسين - صلوات الله عليهم أجمعين - فيراهم ويبشرونه - الحديث (2).

 6 - قال أمير المؤمنين عليه السلام: (تمسكوا بما أمركم الله به، فما بين أحدكم وبين أن يغتبط (3) ويرى ما يحب إلا أن يحضره رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وما عند الله خير وأبقى - الحديث (4).

 7 - عن ابن أبي يعفور، قال: (قال لي أبو عبد الله عليه السلام: قد استحييت مما اردد هذا الكلام عليكم: ما بين أحدكم وبين أن يغتبط إلا أن تبلغ نفسه هذه - وأهوى بيده إلى حنجرته - يأتيه رسول الله وعلي - صلوات الله عليهما - يقولان له: أما ما كنت تخاف فقد آمنك الله منه، وما كنت ترجو فأمامك (5).

 8 - عن موسى بن جعفر عليهما السلام، قال - في اجتماع من الشيعة بنيشابور - لعلي بن راشد: (أعرف أصحابك وأقرئهم عني السلام، وقل لهم: إني ومن جرى مجراي من أهل البيت لابد من حضور جنائزكم في اي بلد كان وكنتم، فاتقوا الله في أنفسكم وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم وفك رقابكم من النار (6).

 9 - عن أبى حمزة الثمالي، قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما يصنع بأحدنا عند


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 229.

 (2) - النوري: دار السلام، ج 4: ص 286.

 (3) - الغبطة: حسن الحال.

 (4) - النوري: دار السلام، ج 4: ص 287.

 (5) - النوري: دار السلام، ج 4: ص 293.

 (6) - النوري: دار السلام، ج 4: صص 287 و293.

 


[422]

الموت ؟ قال: أما والله، يا أبا حمزة ! ما بين أحدكم، وبين أن يرى مكانه من الله منا إلا أن يبلغ نفسه هيهنا - ثم أهوى بيده إلى نحره -، ألا ابشرك يا أبا حمزة ؟ فقلت: بلى، جعلت فداك، فقال: إذا كان ذاك أتاه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وعلي عليه السلام معه يقعد عند رأسه فقال له - إذا كان ذلك - رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أما تعرفني ؟ أنا رسول الله، هلم إلينا فما أمامك خير لك مما خلفت، أما ماكنت تخاف فقد أمنته، وأما ما كنت ترجو فقد هجمت عليه، أيتها الروح أخرجي إلى روح الله ورضوانه، ويقول له علي عليه السلام مثل قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

 ثم قال: يا أبا حمزة ! ألا اخبرك بذلك من كتاب الله ؟ قول الله: الذين آمنوا وكانوا يتقون - الاية (1).

 10 - عن الأمام العسكري عليه السلام: (إن المؤمن الموالي لمحمد وآله الطيبين، المتخذ لعلي بعد محمد إمامه الذي يحتذي مثاله، وسيده الذي يصدق أقواله ويصوب أفعاله، ويطيعه بطاعة من يندبه من أطائب ذريته لامور الدين وسياسته، إذا حضره من أمر الله تعالى مالا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، وحضره ملك الموت وأعوانه، وجد عند رأسه محمدا رسول الله ومن جانب آخر عليا سيد الوصيين، وعند رجليه من جانب الحسن سبط سيد النبيين، ومن جانب آخر الحسين سيد الشهداء أجمعين، وحواليه بعدهم خيار خواصهم ومحبيهم الذين هم سادة هذه الامة بعد ساداتهم من آل محمد، ينظر العليل المؤمن إليهم فيخاطبهم، بحيث يحجب الله صوته عن اذان حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت ورؤية خواصنا عن أعينهم ليكون إيمانهم بذلك أعظم ثوابا لشدة المحنة عليهم.

 فيقول المؤمن: بأبى أنت وامى، يا رسول رب العزة، بأبى أنت وامي، يا وصي


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 178.

 


[423]

رسول رب الرحمة، بأبى أنتما وامي، يا شبلي محمد وضرغاميه، يا ولديه وسبطيه، يا سيدي شباب أهل الجنة المقربين من الرحمة والرضوان، مرحبا بكم معاشر خيار أصحاب محمد وعلي وولديهما، ما كان أعظم شوقي إليكم، وما أشد سروري الآن بلقائكم، يا رسول الله ! هذا ملك الموت قد حضرني، ولا أشك في جلالتي في صدره لمكانك ومكان أخيك.

 فيقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: كذلك هو، فأقبل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على ملك الموت، فيقول: يا ملك الموت ! استوص بوصية الله في الأحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا، فيقول له ملك الموت: يا رسول الله ! مره أن ينظر إلى ما أعد الله له في الجنان، فيقول له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لينظر إلى العلو، فينظر إلى ما لا يحيط به الألباب، ولا يأتي عليه العدد والحساب، فيقول ملك الموت: كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه، وهذا محمد صلى الله عليه واله وسلم وأعزته زواره ؟ يا رسول الله ! لولا أن الله جعل الموت عقبة لا يصل إلى تلك الجنان إلا من قطعها لما تناولت روحه، ولكن لخادمك ومحبك هذا اسوة بك وبسائر أنبياء الله ورسله وأوليائه الذين اذيقوا الموت لحكم الله تعالى.

 ثم يقول محمد صلى الله عليه واله وسلم: يا ملك الموت ! هاك أخانا قد سلمناه إليك، فاستوص به خيرا، ثم يرتفع هو ومن معه إلى روض الجنان، وقد كشف من الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل، فيراهم المؤمن هناك بعد ما كانوا حول فراشه، فيقول: يا ملك الموت ! الوحي، الوحي (1)، تناول روحي ولا تلبثني ههنا فلا صبر لي عن محمد وأعزته، وألحقني بهم، فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلها كما يسل الشعرة من الدقيق، وإن كنتم ترون أنه في شدة فليس هو في شدة بل هو في رخاء ولذة.

 


(1) - كلمة تقال في الاستعجال، والمعنى: البدار البدار.

 


[424]

فإذا ادخل قبره وجد جماعتنا هناك، وإذا جاءه منكر ونكير قال أحدهما للآخر: هذا محمد وعلي والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا، فلنتصنع لهما (1)، فيأتيان فيسلمان على محمد سلاما مفردا، ثم يسلمان على على سلاما مفردا، ثم يسلمان على الحسنين سلاما يجمعانهما فيه، ثم يسلمان على سائر من معنا من أصحابنا، ثم يقولان: قد علمنا يا رسول الله، زيارتك في خاصتك لخادمك ومولاك - الحديث (2).

 11 - عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، قال: حدثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: (منكم والله، يقبل، ولكم والله، يغفر، إنه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه ههنا - وأومأ بيده إلى حلقه ثم قال: - إنه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي وجبرئيل وملك الموت:، فيدنو منه علي عليه السلام فيقول: يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن هذا كان يحبنا أهل البيت فاحبه، ويقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يا جبرئيل إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه، ويقول جبرئيل لملك الموت: إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه وارفق به، فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبد الله، أخذت فكاك رقبتك، أخذت أمان براءتك، تمسك بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا.

 قال: فيوفقه الله عز وجل، فيقول: نعم، فيقول: وما ذاك ؟ فيقول: ولاية علي بن أبي طالب، فيقول: صدقت، أما الذي كنت تحذره فقد آمنك الله عنه، وأما الذي كنت ترجوه فقد أدركته، أبشر بالسلف الصالح مرافقة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة عليهما السلام ثم يسل نفسه سلا رفيقا - الحديث (3).

 


(1) - فلنتضع: ظ أي فلنتذلل ولنتخشع لهما.

 (2) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 173.

 (3) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 197.

 


[425]

12 - علي بن عقبة، عن أبيه، قال: (دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام أنا والمعلى بن خنيس، فقال: يا عقبة ! لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الذي أنتم عليه، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه إلا أن تبلغ نفسه هذه - وأومأ بيده إلى الوريد قال: - ثم اتكأ وغمز إلي المعلى أن سله، فقلت: يابن رسول الله ! إذا بلغت نفسه هذه فأي شيء يرى ؟ فردد عليه بضعة عشر مرة: أي شيء يرى ؟ فقال في كلها: يرى، لا يزيد عليها، ثم جلس في آخرها فقال: يا عقبة ! قلت: لبيك وسعديك، فقال: أبيت إلا أن تعلم، فقلت: نعم، يابن رسول الله ! إنما ديني مع دمي، فإذا ذهب دمي كان ذلك، وكيف لي بك يابن رسول الله كل ساعة ؟ وبكيت، فرق لي فقال: يراهما والله، قلت: بأبى أنت وامي، من هما ؟ فقال: ذاك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي عليه السلام، يا عقبة ! لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتى تراهما، قلت: فإذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدنيا ؟ قال: لا، بل يمضي أمامه، فقلت له: يقولان شيئا جعلت فداك ؟ فقال: نعم، يدخلان جميعا على المؤمن، فيجلس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عند رأسه وعلي عليه السلام عند رجليه، فيكب عليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيقول: يا ولي الله ! أبشر، أنا رسول الله، إني خير لك مما تترك من الدنيا، ثم ينهض رسول الله فيقوم عليه علي - صلوات الله عليهما - حتى يكب عليه فيقول: يا ولي الله أبشر، أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبه، أما لأنفعنك.

 ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: أما إن هذا في كتاب الله عز وجل، قلت: أين هذا جعلت فداك من كتاب الله ؟ قال: في سورة يونس، قول الله تبارك وتعالى ههنا: الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم (1).

 أقول: قوله: (ديني مع دمي) المراد بالدم الحياة، أي لا أترك طلب الدين


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 185.

 


[426]

ما دمت حيا، وفي الكافي (إنما ديني مع دينك) أي إنما يستقيم ديني إذا كان موافقا لدينك.

 13 - عن ام سلمة - رضى الله عنها -، قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام: يا علي ! إن محبيك يفرحون في ثلاثة مواطن: عند خروج أنفسهم وأنت هناك تشهدهم، وعند المسائلة في القبور وأنت هناك تلقنهم، وعند العرض على الله وأنت هناك تعرفهم (1).

 14 - عن ابن أبي يعفور، قال: (كان خطاب الجهني خليطا لنا وكان شديد النصب لآل محمد، وكان يصحب نجدة الحروري، قال: فدخلت عليه أعوده للخلطة والتقية فإذا هو مغمى عليه في حد الموت، فسمعته يقول: ما لي ولك يا علي، فأخبرت بذلك أبا عبد الله عليه السلام فقال أبو عبد الله عليه السلام رآه ورب الكعبة، رآه ورب الكعبة، رآه ورب الكعبة (2).

 15 - عن الفضيل بن يسار، عن أبى جعفر، وعن جعفر عليهما السلام أنهما قالا: حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة: محمدا وعليا وفاطمة وحسنا وحسينا، بحيث تقر عينها أو تسخن عينها (3).

 16 - عن سدير الصيرفي، قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك يابن رسول الله، هل يكره المؤمن على قبض روحه ؟ قال: لا، والله، إنه إذا أتاه ملك الموت بقبض روحه جزع لذلك، فيقول ملك الموت: يا ولى الله ! لا تجزع فو الذي بعث محمدا لأنا أبر بك وأشفق عليك من الوالد الرحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر، قال: ويمثل (4) له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء و


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 200.

 (2) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 199.

 (3) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 193.

 (4) - سيأتي معنى التمثل في ختام البحث إن شاء الله تعالى.

 


[427]

الحسن والحسين والأئمة من ذريتهم، فيقال له: هذا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة: رفقاؤك.

 قال: فيفتح عينه فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة، فيقول: (يا أيتها النفس المطمئنة (إلى محمد وأهل بيته) ارجعي إلى ربك راضية (بالولاية) مرضية (بالثواب) فادخلي في عبادي (يعني محمدا وأهل بيته) وادخلي جنتي) فما شيء أحب إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي (1).

 17 - عن الحكم بن عتيبة، قال: (بينا أنا مع أبى جعفر عليه السلام والبيت غاض بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له (2) حتى وقف على باب البيت، فقال: السلام عليك، يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم سكت.

 فقال أبو جعفر عليه السلام: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردوا عليه السلام، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليه السلام، ثم قال: يابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك، فوالله إنى لأحبكم واحب من يحبكم، ووالله ما احبكم واحب من يحبكم لطمع في دنيا و(الله) إني لابغض عدوكم وأبرأ منه، ووالله ما ابغضه وأبرأ منه لوتر (3) كان بيني وبينه، والله إني لاحل حلالكم، واحرم حرامكم، وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إلي، إلي، حتى أقعده إلى جنبه، ثم قال: أيها الشيخ، إن أبى علي بن الحسين عليهما السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه، فقال له أبي عليه السلام: إن تمت ترد على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين، ويثلج قلبك ويبرد فؤداك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع


(1) - البحراني: البرهان، ج 4: ص 461.

 (2) - الغنزة - بالتحريك -: أطول من العصا وأقصر من الرمح.

 (3) - الوتر - بالكسر - الجناية.

 


[428]

الكرام الكاتبين لو بلغت نفسك ههنا - وأهوى بيده إلى حلقه - وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك (1) وتكون معنا في السنام الأعلى (2).

 فقال الشيخ: كيف قلت، يا أبا جعفر ؟ فأعاد عليه الكلام، فقال الشيخ: الله أكبر، يا أبا جعفر، إن أنا مت أرد على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين - صلوات الله عليهم أجمعين - وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لوقد بلغت نفسي إلى ههنا، وإن أعش ارى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى ؟ ثم أقبل الشيخ ينتحب، ينشج هاهاها حتى لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ، وأقبل أبو جعفر، يمسح بأصبعة الدموع من حماليق عينيه (3) وينفضها، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليه السلام: يابن رسول الله: ناولني يدك جعلني الله فداك، فناوله يده وقبلها ووضعها على عينيه وخده، ثم حسر عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره، ثم قام، فقال: السلام عليكم، وأقبل أبو جعفر عليه السلام ينظر في قفاه وهو مدبر، ثم أقبل بوجهه على القوم، فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فقال الحكم بن عتيبة: لم أر مأتما قط يشبه ذلك المجلس (4).

 أقول: بعد ما لاحظت هذه الأخبار والأحاديث التي هي قليلة من كثيرة فاعلم - وفقك الله - أن حضور النبي صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين والأئمة من ولده: عند المحتضر من عقائد الأمامية وخصائصهم، وقد ثبت ذلك عندهم بإجماع الأكابر


(1) - أي اما أن تموت في طاعة الله وطاعة الامام فترد على رسول الله صلى الله عليه واله أو تعيش الى أن تدرك ظهور امام منا.

 (2) - السنام الأعلى: اشرف مرتبة من المراتب الانسانية.

 (3) - حملاق العين: - بالكسر والضم - باطن الاجفان.

 (3) - شرح الكافي للمولى صالح المازندراني، ج 11: ص 415.

 


[429]

ونقل المتواتر، وبإرسالهم إياه إرسال المسلمات بحيث لا يختلجه ريب ولا يعتريه وهم حتى صارت هذه المسألة عندهم كواحد من الضروريات في مذهبهم، وهم أخذوا هذا الأعتقاد من أهل البيت عليهم السلام، بل اعترف وأقر به بعض أعاظم العامة كابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة الذي يأتي كلامه عند نقل أقوال العلماء في ذلك إن شاء الله تعالى.

 والذي - جدير بالذكر - هو أن الأخبار والأحاديث التي شاهدتها في هذا الباب مختلفة في تعابيرها، يظهر من بعضها أنهم: يمثلون للمحتضر كقول الصادق عليه السلام: (ويمثل له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء والحسن والحسين:)، ومن بعضها أن المحتضر يراهم ويعرفهم كقول أمير المؤمنين عليه السلام: يا حار ! لتعرفني عند الممات، وعند الصراط، وعند الحوض، وعند المقاسمة)، وكذا قول الصادق والباقر عليهما السلام: (حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة محمدا صلى الله عليه واله وسلم وعليا وفاطمة وحسن وحسين:)، وكذا قول الصادق عليه السلام: (رآه ورب الكعبة) قاله ثلاثا.

 ويظهر من أكثرها وجلها أنهم عليهم السلام يحضرون عند الميت بأنفسهم الشريفة وأشخاصهم العينية، ويبشرونه ويلقونه، ويجلسون عند رأسه وعند رجليه، ويعرفونه لجبرئيل عليه السلام كقول النبي صلى الله عليه واله وسلم: يا علي ! إن محبيك يفرحون في ثلاثة مواطن: عند خروج أنفسهم وأنت هناك تشهدهم...)، وقول الصادق عليه السلام: (ما يموت موال لنا إلا ويحضره رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام)، وأيضا: (ما من ميت يموت إلا حضر عنده محمد صلى الله عليه واله وسلم وعلي عليه السلام)، وأيضا: (حضره رسول الله وعلي عليهما السلام) وأيضا: (فيدنو منه علي فيقول: يا رسول الله ! إن هذا كان يحبنا أهل البيت، فيقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يا جبرئيل ! إن هذا يحبنا)، وأيضا: (يأتيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي عليه السلام يقولان له...).

 أو كقول موسى بن جعفر عليهما السلام: (لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كان و


[430]

كنتم...) أو كقول أبى عبد الله عليها السلام: (إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن شاء الله (1)، فجلس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن يمينه، والآخر عن يساره، فيقول له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أما ما كنت ترجو فهو ذا أمامك).

 أقول: إن هذه الأخبار صريحة دالة على حضورهم عند المحتضر وإن كانت كيفية حضورهم لنا مجهولة، فلا يلزم الفحص عنها لنا، فإن شئت زيادة توضيح فلا حظ كلمات أعاظم العلماء في ذلك: الثاني: أقوال العلماء حول حضور المعصومين: عند المحتضر: 1 - قال العلامة المجلسي رحمه الله: (اعلم أن حضور النبي صلى الله عليه واله وسلم والأئمة - صلوات الله عليهم أجمعين - عند الموت مما قد ورد به الأخبار المستفيضة، وقد اشتهر بين الشيعة غاية الأشتهار، وإنكار مثل ذلك لمحض استبعاد الأوهام ليس من طريقة الأخيار، وأما نحوة حضورهم وكيفيته فلا يلزم الفحص عنه، بل يكفي فيه وفي أمثاله الأيمان به مجملا على ما صدر عنهم عليهم السلام (2).

 2 - قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: (أقول: وهذا المعنى (أي حضور الأئمة عليهم السلام) مروي عن أئمة أهل البيت: بطرق كثيرة جدا (3).

 3 - قال النحرير الشيخ الحر العاملي رحمه الله: (والأحاديث في ذلك (أي في حضور الأئمة:) أكثر من أن تحصى، وقد تجاوزت حد التواتر، ودلالتها قطعية (4).

 


(1) - قال صاحب (الوافى): (كنى بمن شاء الله أمير المؤمنين عليه السلام، وإنما لم يصرح به كتمانا على المخالفين المنكرين).

 (2) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 200.

 (3) - الطباطبائي: الميزان، ج 10: ص 100.

 (4) - ابن صباغ: الفصول المهمة، ص 113.

 


[431]

4 - قال العلامة الفيض القاساني رحمه الله: (أقول: إن هذه الرؤية إنما تكون في النشأة البرزخية لا الحسية، وإن ذلك حقيقة لا تجوز فيه، ويشبه أن يكون رؤية المعصومين - صلوات الله عليهم - مختصة بمن غلب عليه ذكرهم في الحياة الدنيا إما لمحبة شديدة منه لهم، أو لبغض شديد، وتصديق ذلك قول الله عز وجل: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته (1) يعني المسيح على نبينا وعليه السلام (2).

 5 - قال الشيخ الأقدم، المفيد رحمه الله: (القول في رؤية المحتضرين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام عند الوفاة: هذا باب قد أجمع عليه أهل الامامة، وتواتر به الخبر عن الصادقين من الأئمة عليهم السلام، وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال للحارث الهمداني:

(يا حار همدان ! من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا)

(يعرفني طرفه وأعرفه * بعينه واسمه وما فعلا)

في أبيات مشهورة، وفيه يقول إسماعيل بن محمد (الحميري) السيد رحمه الله:

ويراه المحضور حين تكون * الروح بين اللهاة (3) والحلقوم

ومتى ما يشاء أخرج للناس * فتدمى وجوههم بالكلوم (4)(5)

أقول: فانظر كيف ادعى رحمه الله الاجماع وتواتر الخبر في ذلك، كذلك العلامة المجلسي رحمه الله بقوله: (وإنكار مثل ذلك لمحض استبعاد الأوهام ليس من طريق الأخيار)، وكذلك العلامة الفيض، بقوله: (إن ذلك حقيقة لا تجوز فيه)، أيضا


(1) - النساء، 4: 159.

 (2) - القاساني: علم اليقين، ج 2: ص 856.

 (3) - اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.

 (4) - الكلوم: جمع الكلم - بفتح الكاف وسكون اللام -: الجرح.

 (5) - المفيد: أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، ص 48.

 


[432]

العلامة الطباطبائي والمحدث النحرير، الشيخ الحر العاملي - رحمهما الله - وكذلك ابن أبى الحديد بقوله: (إنه لا يموت ميت حتى يشاهده حاضرا عنده) وبقوله: (و ليس هذا بمنكر).

 ولم يذهب أحد من الأصحاب إلى تأويل هذه الأخبار ولا توجيهها، نعم، قال الشيخ الأجل، المفيد رحمه الله في ذيل العبارة الماضية بعد ادعائه الأجماع على حضورهم عليهم السلام عند المحتضر: (غير أني أقول فيه: إن معنى رؤية المحتضر لهما عليهما السلام هو العلم بثمرة ولايتهما أو الشك فيهما والعداوة لهما، أو التقصير في حقوقهما...).

 وذهب - أيضا - إلى هذا القول السيد الأجل، علم الهدى - تغمده الله برحمته - بقوله: (قوله عليه السلام: (من يمت يرني) أنه يعلم في ذلك الحال ثمرة ولايته عليه السلام وإنحرافه عنه... وإنما اخترنا هذا التأويل لان أمير المؤمنين عليه السلام جسم فكيف يشاهده كل محتضر ؟ والجسم لا يجوز أن يكون في الحالة الواحدة في جهات مختلفه... (1).

 وأنا ما أقول شيئا في هذين الرجلين العظيمين السندين اللذين تفتخر بهما الأمامية بل جميع المسلمين في كل الأعصار، غير أني أعلم أن الأخبار الماضية الصريحة الناطقة بحضور النبي وأمير المؤمنين والأئمة المعصومين عليهم السلام عند المحتضر لا توافق قولهما ولا تساعد رأيهما، وما أنا بمتفرد بهذا بل يكون جمع من العلماء العظام معترضين على هذا التوجيه، وههنا أنا أذكر كلامهم توضيحا للمرام: قال العلامة المجلسي رحمه الله بعد ذكر خمسة أوجه والخامس للسيد رحمه الله: (ولا يخفى أن الوجهين الأخيرين بعيدان عن سياق الأخبار، بل مثل هذه التأويلات رد للأخبار وطعن في الاثار... ويمكن أن يكون لهم أجساد مثالية كثيرة لما جعل


(1) - الجزائري: الانوار النعمانية، ج 4: ص 210.

 


[433]

الله لهم من القدرة الكاملة التي بها امتازوا عن سائر البشر - إلى أن قال: - والأولى في أمثال تلك المتشابهات الأيمان بها وعدم التعرض لخصوصياتها وتفاصيلها وإحالة علمها إلى العالم عليه السلام كما مر في الأخبار التي أوردناها في باب التسليم، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم (1).

 وقال الشيخ الجليل الحسن بن سليمان الحلي، تلميذ الشهيد الأول - رحمهما الله - بعد نقل كلام الشيخ السعيد المفيد رحمه الله: (الشيخ رحمه الله اعترف بالحديث وصدقه لكنه أوله بمعنى علم المحتضر بثمرة ولايتهما والشك فيهما والعداوة لهما والتقصير في حقوقهما على اليقين بعلامات يجدها في نفسه دون رؤية البصر لأعيانهما ومشاهدة النواظر لأجسادهما باتصال الشعاع، فيقال له: أهذا الذي أنكرت من رؤية البصر لأجسادهما بعينهما وقلت: إنه ليس المراد، بل المراد العلم بثمرة ولايتهما أو عداوتهما، قل: هل هو شيء استندت فيه إلى برهان من الكتاب أو من السنة يجب التسليم له والأنقياد إليه والأعتماد عليه كما روي عن الصادق عليه السلام، أنه قال: (من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل) أو أخذته من غيرهما (2) ؟ فإنا وجدنا هذا التأويل لا يوافق الأخبار الواردة عنهم عليه السلام الصريحة الصحيحة من أن الأموات يرون الأموات والأحياء بعد الموت وكذلك الأحياء يرونهم حقيقة في اليقظة والنوم، ويرون أهاليهم وما يسرهم فيهم وما يغمهم، ونذكر إن شاء الله تعالى بعض ما رويناه في هذا المعنى وأنه حقيقة لا مجاز.

 ومنعه، من رؤيته لهما عليهما السلام بسبب عدم اتصال الشعاع، جوابه أن يقال له: هبك علمت أن الرؤية في هذا العالم اتصال الشعاع من الرائي إلى المرئي فمن أين


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 202.

 (2) - في هذا الكلام جفاء بالنسبة الى الشيخ،، عصمنا الله من عثرات اللسان والقلم.

 


[434]

لك هذا الحكم يجري بعد الموت في عالم البقاء والله سبحانه يقول: وكان الله على كل شيء مقتدرا (1)، ويقول: ويخلق ما لا تعلمون (2)، وقد جاء في الحديث عنهم عليهم السلام: (لا تقدر عظمة الله تعالى على عقلك فتهلك، فقدرته سبحانه بلا كيف ولا يحيط بها العلم)، ولو سئل المنكر لرؤية المحتضر لهما - صلى الله عليهما - عند موته عيانا: هل يقدر الله سبحانه أن يري المحتضرين الحجج - صلوات الله عليهم أجمعين - عند الممات وبعده كما أقدر النائم أن يرى من يراه في أبعد البلاد في حياة المرئي وبعد موته على صورته وقالبه الذى كان يعرفه به، وربما أكل معه وشرب، وتحدنا بما قد يفيد العلم، أو لا يقدر ؟ لاسبيل إلى إنكار القدرة، فإذا جاز وقوعها فلا يجوز تأويله والعدول عن الظاهر من غير ضرورة ولا امتناع، وقد روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (من رآني فقد رآني فإني لا يتمثل بي الشيطان، ومن رأى أحدا من أوصيائي فقد رآه فإنه لا يتمثل بهم الشيطان)، وهذا الحديث يعم في الحياة وبعد الممات، وهو نص في الباب (3).

 وقال العلامة النوري رحمه الله: (السادس من الأحتمالات: أن يكون المراد من الحضور كشف الحجاب عن بصر المحتضر فيراهم عليهم السلام وهم في مستقرهم ومقامهم من ذلك العالم من دون حركة وسير منهم لذلك، كرؤية الناس جميعا كوكبا معينا في آن واحد في أمكنة متباعدة... ومع ذلك كله فلا يساعده ما مر من الأخبار (4).

 أقول: نعم، لا توافقه الأخبار، لأن الأخبار والأحاديث صريحة بأن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجلس عند رأس المحتضر، وعلي عليه السلام عند رجليه أو يدنو منه، أو


(1) - الكهف، 18: 45.

 (2) - النحل، 16: 8.

 (3) - الحسن بن سليمان الحلي: كتاب المحتضر، ص 2، ط النجف.

 (4) - النوري: دار السلام، ج 4: ص 306.

 


[435]

يأتيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، أو أتاه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وهذه الأحاديث لا تساعد كشف الحجاب عن بصر المحتضر فيرونهم وهم عليهم السلام في مقامهم من دون حركة منهم (1).

 وقال المحدث الكبير والعالم الخبير، السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله بعد نقل الأخبار الكثيرة في حضور النبي وأهل بيته الكرام: عند المحتضر: (ولم يذهب أحد من الأصحاب إلى تأويل هذا ولا إلى إنكاره.

 نعم، ذهب سيدنا الأجل علم الهدى - تغمده الله برحمته - إلى تأويله فقال: معنى قوله: (من يمت يرني) أنه يعلم في ذلك الحال ثمرة ولايته عليه السلام وانحرافه عنه، لأن المحتضر قد روي أنه إذا عاين الموت وقاربه ارى في تلك الحال ما يدل على أنه من أهل الجنة والنار، وقد تقول العرب: رأيت فلانا، إذا رأى ما يتعلق به من فعل أو أمر يعود إليه، وإنما اخترنا هذا التأويل لأن أمير المؤمنين عليه السلام جسم فكيف يشاهده كل محتضر ؟ والجسم لا يجوز أن يكون في الحالة الواحدة في جهات مختلفة، ولهذا قال المحصلون: إن ملك الأموات الذي يقبض الأرواح جنس، ولايجوز أن يكون واحدا لأنه جسم (2) والجسم لا يجوز أن يكون في حالة واحدة في أماكن متعددة، فقوله تعالى: يتوفيكم ملك الموت (3) أراد به الجنس كما قال: والملك على أرجائها (4).

 هذا كلامه رحمه الله، والعجب منه كيف ارتكب تأويل هذه الأخبار الكثيرة مع أن


(1) - وأيضا ان نسبة الكوكب بالناظرين إليه نسبة متساوية، وان نسبتهم عليهم السلام بالمحتضرين مختلفة، فيلقون المحبين بوجه مستبشر، ويواجهون المنكرين بوجه عبوس متنكر، وهذا يستدعى التفاتا خاصا لكل واحد من الطائفتين فلا يساعد الاستقرار في مكان واحد مع وضع واحد.

 (استاد ولي) (2) - قد ثبت في الفلسفة الأسلامية إن الملائكة وجودات مجردات عن المادة والجسمية، وقد ثبت - ايضا - في الأخبار أن للمك الموت أعوانا، وبهذين الامرين تنحسم مادة الأشكال، والتنظير بملك الموت فحسب.

 (استادولي) (3) - الم السجدة، 41: 11.

 (4) - الحاقة، 69: 17.

 


[436]

بعضها من جهة صراحته في المطلوب غير قابل للتأويل لهذا الدليل العقلي، وقد أسلفنا الجواب عن كلامه، وهو أن شيخنا المعاصر - أدام الله أيامه - بنى هذا على تعدد البدن المثالي فيكون لعلي عليه السلام أبدان متعددة كل بدن منها في مكان من الأمكنة المختلفة.

 وأما الذي رجحناه نحن أخذا من مفاهيم الأخبار فهو القول بالتمثل، بأن الله سبحانه يمثل للميت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين والأئمة: كما مثله لأهل السماوات حين رآه النبي صلى الله عليه واله وسلم في جميع السماوات واقفا يصلي والملائكة تصلي خلفه فقال: هذا علي بن أبي طالب عليه السلام تركته في الأرض وها هو قد سبقني إلى السماء، فقال الله عز وجل: هذا شخص مثل علي بن أبي طالب، خلقته في جميع السماوات حتى تنظر إليه الملائكة فتطمئن إليه نفوسهم من شدة حبهم لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

 ويؤيده ما رواه الكليني في رواية سدير الصيرفي، عن مولانا عليه السلام في قول ملك الموت للمحتضر: افتح عينيك فانظر، قال: (ويمثل له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم رحمه الله)، فيكون عليه السلام يأتي إلى بعض المحتضرين بنفسه الشريفة وصورته الأصلية، ويأتى إلى بعض آخر بصورته الممثلة المشابهة لتلك الصورة الأصلية، وهذا غير الجواب الأول الذي بني على البدن المثالي، وهذا التمثل من باب ما رواه شيخنا الكليني - طاب ثراه - قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إن ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الاخرة مثل له ماله وولده وعمله (1)...).

 أقول: وفي كلام السيد الجزائري، نظر يأتي في معنى التمثيل في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

 


(1) - الجزائري: الانوار النعمانية، ج 4: ص 210، ط تبريز.

 


[437]

وقال العلامة الشهيد، السيد محمد علي القاضي الطباطبائي رحمه الله في تعليقته على (الأنوار النعمانية): (إعلم أن الاعتقاد بحضور النبي صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين بل الأئمة من ولده عليهم السلام عند المحتضر من اعتقادات الأمامية ومن العقائد الحقة الخاصة بهم، وعليه ضرورة مذهبهم، وقد أخذوا وتعلموا هذا الأعتقاد عن أهل البيت سلام الله عليهم، والدليل العقلي الذي أوجب لسيدنا علم الهدى، وشيخه الأعظم، شيخنا المفيد، أن ذهبا إلى تأويل الدلائل النقلية الواردة عن أئمتنا: فهو بالنظر إلى الأجسام الطبيعية المادية ومكانها دليل تام لا شك فيه بحسب الظاهر، فإن من الواضح أن حضور الجسم الواحد في آن واحد وحالة واحدة في أمكنة متعددة وجهات مختلفة غير ممكن، ولكن لما لم يتحقق في زمن السيد رحمه الله هذه المباحث على نحو التحليل العلمي، لذا ذهب السيد رحمه الله إلى ذلك التأويل، وأما اليوم فقد حقق في محله أن حضورهم عليهم السلام عند المحتضر لا ينحصر أن يدن في مكان الأجسام الطبيعية كما يتخيل في بادي النظر حتى يرد ذلك الأشكال العقلي، بل من الممكن أن يكون حضورهم في مكان الأجسام اللطيفة أو مكان الأرواح المجردة... ولهم عليهم السلام بحسب نفوسهم القدسية القدرة والأستعداد بالتصرف في جميع الأمكنة من أمكنة الأجسام الكثيفة واللطيفة والأرواح الأدنى والوسطى والعليا، وإحاطة التصرف في عالم الملك والملكوت بإذن الله تعالى وإقداره.

 نعم، إن كان المكان منحصرا إلى مكان الجسم المادى فقط فيرد حينئذ ذلك الأشكال العقلي، ولكن ليس كذلك (1).

 وعنه رحمه الله - أيضا: (ومما هو جدير بالذكر هنا أن لبعض المحققين في تحقيق تعدد الأمكنة كلمة قيمة لا مجال لذكرها تفصيلا، وأما إجمالها فهو: (أن قسم


(1) - القاضي الطباطبائي: هامش الأنوار النعمانية، ج 4: ص 212، وأيضا الجنة المأوى، ص 175.

 


[438]

المكان على ستة أقسام، ثلاثة منها في الأجسام، ومن الأجسام الكثيفة والمتوسطة واللطيفة، وثلاثة منها للأرواح من الأرواح الأدنى والوسطى والعليا، ويختلف تزاحم الأجسام في تلك الأمكنة بعضها مع بعض وعدمه، وسرعة الحركة والسير فيها أيضا مختلفة، وللأنبياء والأولياء المعصومين عليهم السلام مراتب ودرجات، ولهم بحسب نفوسهم القدسية القدرة والاستعداد بالتصرف في جميع تلك الأمكنة والأحاطة بجميع الملك والملكوت بإذن الله تعالى وإقداره).

 وبعد إمعان النظر والتأمل فيما ذكره ينحل بعض الشبهات والأشكالات التي يتخيلها الأنسان كحضور الأئمة عليهم السلام في آن واحد في أمكنة متعددة وسيرهم في مدة قليلة إلى مسافة كثيرة بعيدة، وأمثال ذلك، وأظن أن وجود تلك الأمكنة وسرعة الحركة فيها وتفاوتها في هذا العصر من البديهيات، وأكثرها من المشاهدات والحسيات، وراجع إلى كتاب (وسيلة المعاد) للعلامة الجليل المولى حبيب الله القاساني رحمه الله تجد تفصيل ما ذكرناه (1).

 نظر المؤلف في المسألة: ولما بلغ الكلام في هذا البحث إلى هنا جدير بنا أن نشير إلى نكتة مهمة ينبغي التوجه إليها وهي: إن للخلقة أسرارا، ولكل من العوالم سننا وأطوارا، فإن عالم الطبيعة أضيق العوالم وأخسها، وعالم الاخرة أوسع العوالم وأشرفها، ولكل واحد منهما نظام خاص وسنن معينة فعلى هذا إياك أن تقايس بين النظامين، وأن تجري أحكام كل واحد منهما على الاخر، فإن من شؤون هذا العالم العنصري الطبيعي عدم إمكان وقوع جسم واحد في وقت واحد في أمكنة متعددة، وقول من يقول: (كيف يمكن أن يكون جسم واحد في آن واحد وحالة واحدة في أمكنة متعددة ؟) صحيح واضح لا شك فيه، ولكن فيه قياس نظام هذا العالم


(1) - العلامة كاشف الغطاء: الجنة المأوى / في الهامش، ص 175، ط تبريز.

 


[439]

المادي بنظام عالم الاخرة، والحال أن للاخرة نظاما خاصا وأحكاما معينة مخصوصة بها، وأن سننها لا تطابق سنن الدنيا في جميع الشؤون، فلا يرد الأشكال المذكور من حضور النبي صلى الله عليه واله وسلم والأئمة من ولده عليهم السلام عند المحتضر بأشخاصهم وأنفسهم الشريفة (لأن حضورهم عليهم السلام إنما يقع في أول مرحلة من مراحل الاخرة.

) وهذا التفاوت بين النظامين منصوص عليه في بعض الايات والأخبار الواردة عن المعصومين، فها إليك بعض نصوصها: فأما الايات فهى: نظام الدنيا: إنا خلقنا الأنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا (1).

 نظام الاخرة: فإنما هي زجرة واحدة فإذاهم بالساهرة (2).

 نظام الدنيا: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد (3).

 نظام الاخرة: وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون (4).

 نظام الدنيا: هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون (5).

 نظام الاخرة: متكئين فيها على الاءرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا (6).

 فالأمعان في هذه الايات الشريفة يشهد لما قلناه من تفاوت النظامين، فإن تكون الأنسان وخلقته يكون في الدنيا من نطفة أمشاج بخلاف الاخرة فإن الأنسان يقوم فيها من زجرة واحدة لامن مني يمنى كما يكون في الدنيا.

 


(1) - الدهر، 76: 2.

 (2) - النازعات، 79: 13 و14.

 (3) - ق، 50: 19.

 وتحيد: تميل وتفر.

 (4) - العنكبوت، 29: 64.

 (5) - يونس، 10: 5.

 (6) - الدهر، 76: 13.

 والمراد من الزمهرير القمر.

 


[440]

وأيضا، إن الموت والهلاك في الدنيا من السنن القطعية وإن الاخرة لهي الحيوان، لاهلاك فيها ولا ممات.

 وأيضا، إن من أهم سنن الدنيا جريان الشمس والقمر، والحال أنهما في الاخرة جمعا وكورا فلا يكون فيها شمس ولا قمر.

 وأما الاخبار فهى: 1 - عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، أنه قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان له، وضوؤهما من نور عرشه، وحرهما من جهنم، فإذا كانت القيامة عاد إلى العرش نورهما، وعاد إلى النار حرهما، فلا يكون شمس ولا القمر (1).

 2 - وعنه عليه السلام: (إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يلد ويخرج من بطن امه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الاخرة وأهلها، ويوم يبعث حيا فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا (2).

 3 - قال رجل: (يا رسول الله ! هل في الجنة من ليل ؟ قال: وما هيجك على هذا ؟ قال: سمعت الله يذكر في الكتاب: ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا (3)، فقلت: الليل من البكرة والعشي، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ليس هناك ليل وأنما هو ضوء ونور، يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو، وتأتيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلوات التي كانوا يصلون فيها في الدنيا، وتسلم عليهم الملائكة (4).

 4 - في تفسير علي بن إبراهيم رحمه الله: (قوله: النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (5)،


(1) - الحويزي: تفسير نور الثقلين، ج 5: ص 481.

 (2) - البحراني: البرهان، ج 3: ص 7.

 (3) - مريم، 19: 62.

 (4) - السيوطي: الدر المنثور، ج 4: ص 278.

 (5) - غافر، 4: 46.

 


[441]

قال: ذلك في الدنيا قبل القيامة، وذلك أن في القيامة لا يكون غدو وعشي، لأن الغدو إنما يكون في الشمس والقمر، وليس في جنان الخلد ونيرانها شمس ولا قمر (1).

 أقول: فلاحظ كيف أثبت أبو الحسن الرضا عليه السلام أحكاما للاخرة لم تكن معهودة في الدنيا بقوله عليه السلام: (فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا)، وقوله: (فلا يكون شمس ولا قمر)، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (ليس هناك ليل وإنما هو ضوء ونور)، وكذلك ما ذكر في تفسير علي بن إبراهيم رحمه الله من نفي الغدو والعشي في القيامة، والحال أنه من أهم سنن الدنيا جريان الشمس والقمر والليل والنهار والعشي والغدو، فيستفاد من ذلك كله أن نظام الاخرة مغاير لنظام الدنيا، والمقايسة بين أحكامهما غير صحيحة، وأن لكل من العالمين نظاما خاصا لا تجري أحكام أحدهما على الآخر.

 فالآن أقول: اشهد الله، أن المستفاد لي من مفاهيم الأخبار الكثيرة ومن بعض الآيات القرآنية (2) بمعونة الأخبار هو حضور النبي صلى الله عليه واله وسلم وعلي والأئمة من ولده: عند المحتضر بأشخاصهم، وأنفسهم الشريفة، وأعيانهم المباركة، وإن لم تكن كيفية حضورهم لنا معلومة مشهودة، لا ما ذهب إليه العلمان السندان: سيدنا الأجل، علم الهدى، الشريف المرتضى، وشيخنا المعظم السعيد، المفيد - رحمهما الله تعالى وتغمدهما برحمته وغفرانه - من أن المقصود من حضور النبي وأهل بيته الكرام عليهم السلام هو العلم بثمرة ولايتهم ورؤية أثر محبتهم أو بغضهم وعداوتهم.

 ولعمري، إن طرح تلك الأخبار الكثيرة التي جاوزت حد التواتر وتضعيفها أولى وأحرى من إرتكاب هذا التأويل، فإنه لم يتبين لي كيف أولا الأحاديث التي


(1) - الحويزي: تفسير نور الثقلين، ج 5: ص 480.

 (2) - كقوله تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم (يونس، 10: 62 - 64).

 


[442]

هي صريحة في المطلوب وناطقة بالمقصود بما ذهبا إليه، كقوله عليه السلام: (يحضره رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام)، أو: (ما من ميت يموت إلا حضره محمد صلى الله عليه واله وسلم وعلي عليه السلام)، أو: (فجلس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن يمينه والاخر عن يساره)، أو (يا حار ! لتعرفني عند الممات)، أو: (يجلس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عند رأسه، وعلي عليه السلام عند رجليه)، أو: (يا ولاي لله أنا علي بن أبي طالب)، أو: (فيقوم علي عليه السلام حتى يكب عليه) أو: (فيقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يا ولى الله ! أبشر، أنا رسول الله، إنى خير لك)، أو: (يا على ! إن محبيك يفرحون في ثلاثة مواطن: عند روج أنفسهم وأنت هناك تشهدهم، وعند المسألة في القبور وأنت هناك تلقنهم، وعند العرض على الله وأنت هناك تعرفهم)، أو: (فيقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يا جبرئيل ! إن هذا كان يحبنا أهل البيت)، أو كقول ملك الموت: (أبشر بالسلف الصالح مرافقة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي وفاطمة عليهما السلام)، أنشدك الله أيها القارئ هل تفهم من هذه الأخبار غير ما ذكرناه ؟ أمعن النظر فيها واجعل نفسك قاضيا.

 إن قلت: يحتمل أن يحمل ويأول هذه الأخبار على حضورهم عليهم السلام نحو التمثل والمثال والصورة، لاعلى نحو الحقيقة والعينية والواقعية كما يدل على هذا حديث التمثل (1).

 قلت: هذا الوجه وإن تعرض له العلامة المجلسي، على وجه الأحتمال والأمكان بقوله: (يمكن أن يخلق الله تعالى لكل منهم مثالا بصورته، وهذه الأمثلة يكلمون الموتى ويبشرونهم من قلبهم: كما ورد في بعض الأخبار بلفظ التمثيل (2)، واختاره - أيضا - تلميذه السيد نعمة الله الجزائري، على نحو الحتم و


(1) - اورده البحراني في (البرهان) (ج 4: ص 460) وهو: (ويمثل له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين والائمة من ذريتهم - صلوات الله عليهم - فيقال له: هذا رسول الله، وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام رفقاؤك).

 (2) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 201.

 


[443]

الجزم بقوله: (وأما الذي رجحناه نحن أخذا من مفاهيم الأخبار فهو القول بالتمثل... فيكون عليه السلام (يعني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم) يأتي إلى بعض المحتضرين بنفسه الشريفة وصورته الأصلية، ويأتي إلى بعض آخر بصورته الممثلة المشابهة لتلك الصورة الأصلية... (1) إلا أن هذا مضافا إلى مخالفته للأخبار الماضية الناطقة بأنهم عليهم السلام يحضرون عند المحتضر بأعيانهم لا أمثالهم وأشباههم وصورتهم المشابهة لصورتهم الأصلية مناف لما في ذيل حديث التمثل، إذ جاء في ذيله: (فيقال له: هذا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين - صلوات الله عليهم - رفقاؤك).

 وهذه العبارات لا تساعد مع التمثل المذكور بتا، أعني أنه لا يجوز أن يقال لأشباههم عليهم السلام: هذا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وهكذا سائر الأئمة عليهم السلام، و- أيضا - إن معنى التمثل غير المثول وهو الانتصاب بين يدي أحد أو الحضور عنده، ويمكن أن يقرأ ما في الحديث على صيغة المجرد فيكون بهذا المعنى دون التمثل، والشاهد على ذلك ما جاء في البحار عن محمد بن علي عليهما السلام، قال: (مرض رجل من أصحاب الرضا عليه السلام فعاده فقال: كيف تجدك ؟ قال: لقيت الموت بعدك ؟ - يريد مالقيه من شدة مرضه - فقال عليه السلام: كيف لقيته ؟ قال: شديدا أليما، قال: ما لقيته إنما لقيت ما يبدؤك به يعرفك بعض حاله، إنما الناس رجلان: مستريح بالموت، ومستراح منه، فجدد الأيمان بالله وبالولاية تكن مستريحا، ففعل الرجل ذلك، ثم قال: يابن رسول الله ! هذه ملائكة ربي بالتحيات والتحف يسلمون عليك وهم قيام بين يديك، فأذن لهم بالجلوس.

 فقال الرضا عليه السلام: اجلسوا ملائكة ربي، ثم قال للمريض: سلهم امروا بالقيام بحضرتي ؟ فقال المريض: سألتهم فذكروا أنه لو حضرك كل من خلقه الله من


(1) - الجزائري: الانوار النعمانية، ج 4: ص 212.

 


[444]

ملائكته لقاموالك ولم يجلسوا حتى تأذن لهم، هكذا أمرهم الله عز وجل، ثم غمض الرجل عينيه، وقال: السلام عليك يابن رسول الله، هذا شخصك ماثل لي مع أشخاص محمد صلى الله عليه واله ومن بعده من الأئمة عليهم السلام وقضى الرجل (1).

 أقول: والشاهد قوله (ماثل لي) حيث اطلق عليه عليه السلام وعلى رسول الله والأئمة المعصومين عليهم السلام، وهو فاعل من الثلاثي المجرد، لا يقال: هو ماض من المفاعلة ؟ لأنه من هذا الباب لم يستعمل إلا للمشابهة وهو غير مناسب هنا (2).

 ومما يسهل الأمر ويؤيد حضورهم عليهم السلام بأنفسهم الشريفة عند المحتضرين في ساعة واحدة في أمكنة مختلفة الأخبار المشتملة لوعدهم عليهم السلام زيارة زائريهم ومواليهم بعد الموت كقول أبى عبد الله الصادق عليه السلام: (من زارني في حياته زرته بعد وفاته (2)، وعند تطاير الكتب، وعند الصراط، وعند الميزان، كقول أبى الحسن الرضا عليه السلام: (من زارني على بعد داري وشطون مزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى اخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 194.

 (2) - لا يخفى أن هناك إشكالا آخر على نظرية حضور أعيانهم عليهم السلام وهو أنه لا شك في حضورهم عليهم السلام لكل واحد من المؤمنين والمنافقين على هيئة خاصة على قدر حظه من الايمان والنفاق والصفات المختلفة الراسخة في نفسه، كما اشير إليه في الأخبار، فيتلاقون بعضا بالبشرى والسرور، وبعضا بالعبوس والتنكر، وهذه الحالات والهيئات المختلفة لا تجتمع في آن واحد في واحد من الاشخاص، وهذا غير الاشكال الأول على حضور الجسم الواحد في آن واحد في أمكنة مختلفة، ويمكن الجواب عن هذا كله بأنا لسنا بصدد بيان كيفية حضورهم وحل الاشكالات الواردة عليه وبيان كيفية نظام الاخرة، وإنما نستهدف في هذا البحث قصور توجيهات القوم وتأويلاتهم بالتمثل وغيره، وإنما نعلم بتا أنه ليس بالتمثل لأن المتمثل غير الوجود الحقيقي للممثل، ونعلم أيضا أن الحضور بأعيانهم الحقيقية فحسب، وأما كيفيته فغير واضح لنا، وإنما نعلم كليا أن نظام الاخرة غير هذا النظام وأن التزاحم من خواص هذا العالم، والله أعلم بحقيقة الحال.

 (استاد ولي).

 (3) - النوري: دار السلام، ج 4: ص 294.

 


[445]

الصراط، وعند الميزان (1)، أو حضورهم عند جنائز مواليهم في أي بلد كانوا كقول ابي الحسن الكاظم عليه السلام: إنى ومن يجري مجراي من الأئمة لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم، فاتقوا الله في أنفسكم (2)، و- أيضا - الأخبار الناطقة بأن من رآهم فقد رآهم كقول النبي صلى الله عليه واله وسلم: (من رآني في منامه فقد رآني لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي (3).

 فإن المناط والمعيار في كل هذه الموارد واحد، فإذا يمكن لهم: أن يجيئوا لزيارة الوف الجنائز لمواليهم، أو ملايين نفر من زائريهم في المواطن الثلاثة المذكورة في حديث أبى الحسن الرضا عليه السلام في ساعة واحدة وفي أمكنة متعددة فكذلك يمكن لهم أن يحضروا عند آلاف من المحتضرين بلا فرق بين الموارد أصلا، لأن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز سواء.

 1.

 المحتضر في القصائد والمدائح 1 - قد مر منافي ص 299 أشعار السيد الحميري رحمه الله وقد نظم قول أمير المؤمنين عليه السلام للحارث الهمداني رحمه الله: (وابشرك يا حارث، لتعرفني عند الممات وعند الصراط وعند الحوض وعند المقاسمة) الخبر.

 2 - وله رحمه الله :

كذب الزاعمون أن عليا * لن ينجي محبه من هنات

قد وربي دخلت جنة عدن * وعفا لي الأله عن سيئاتي

فأبشروا اليوم أولياء علي * وتوالوا الوصي حتى الممات

ثم من بعده تولوا بنيه * واحدا بعد واحد بالصفات


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 102: ص 40.

 (2) - ابن شهر آشوب: مناقب آل ابي طالب، ج 4: ص 292.

 (3) - النوري: دار السلام، ج 4: ص 272.

 


[446]

3 - وأيضا :

احب الذي من مات من أهل وده * تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك

ومن كان يهوى غيره من عدوه * فليس له إلا إلى النار مسلك

حدث الحسين بن عون، قال: (دخلت على السيد ابن محمد الحميري عائدا في علته التى مات فيها، فوجدته يساق به، ووجدت عنده جماعة من جيرانه وكانوا عثمانية، وكان السيد جميل الوجه، رحب الجبهة، عريض ما بين السالفين، فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد، ثم لم تزل تزيد وتنمي حتى طبقت وجهه بسوادها، فاغتم لذلك من حضره من الشيعة، وظهر من الناصبة سرور وشماتة، فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء، فلم تزل تزيد - أيضا - وتنمي حتى أسفر وجهه وأشرق وافتر (1) السيد ضاحكا مستبشرا فقال: كذب الزاعمون - الأشعار)، و(احب الذي - إلى آخره (2).

 4 –

أيها المرجي لقاه في الممات * كل موت فيه لقياك حياة

ليتما عجل بي ما هو آت * علني ألقى حياتي في الردى

فائزا منه بأوفى النعم

الشاعر: هو السيد العلامة، الحاج الميرزا إسماعيل الشيرازي، وهو ابن عم سيد الطائفة، آية الله الميرزا الشيرازي.

 توفي في 11 شعبان سنة 1305 في الكاظمية، وكان قد جاء إليها من سامراء قبل شهرين، وحمل إلى النجف الأشرف فدفن هناك، كان عالما فاضلا جليلا شاعرا أديبا، قرأ على ابن عمه الميرزا الشيرازي في سامراء


(1) - ضحك ضحكا حسنا.

 (2) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 193، وقد نظم الشاعر المعاصر الشيخ عبد المنعم الفرطوسى هذه القصة، أوردناه تحت الرقم 5.

 


[447]

وكان من أفضل تلامذته، وله أشعار في مدح أمير المؤمنين عليه السلام (1).

 وقد أخذنا واقتطفنا هذه القطعة من الأشعار من قصيدة غراء له، في مدح أمير المؤمنين عليه السلام التي جاءت بتمامها في كتاب (الغدير) القيم (ج 6: ص 31) و(سفينة البحار) (ج 2: ص 230) مطلعها:

رغد العيش فزده رغدا * بسلاف (2) منه تشفي سقمي

5 - إذا رمت يوم البعث تنجو من اللظى * ويقبل منك الدين والفرض والسنن

فوال عليا والأئمة بعده * نجوم الهدى تنجو من الضيق والمحن

فهم عترة قد فوض الله أمره * إليهم لما قد خصهم منه بالمنن

أئمة حق أوجب الله حقهم * وطاعتهم فرض بها الخلق تمتحن

نصحتك أن ترتاب فيهم وتنثني * إلى غيرهم من غيرهم في الأنام من ؟

فحب علي عدة لوليه * يلاقيه عند الموت والقبر والكفن

كذلك يوم البعث لم ينج قادم * من النار إلا من تولى أبا الحسن


(1) - الامين: اعيان الشيعة، ج 3: ص 4324، ط بيروت.

 (2) - السلافة من الخمر: اخلصها.

 


[448]

الشاعر:

هو الحافظ الشيخ رجب البرسي، وفي (الأعيان): (كان حيا سنة 812، وتوفي قريبة من هذا التاريخ، كان فقيها محدثا حافظا أديبا مصفا في الأخبار وغيرها (1)، وفي (الآمل): (الشيخ رجب البرسي كان فاضلا شاعرا منشئا أديبا، له كتاب (مشارق أنوار اليقين) (2)، وفي (الكنى والألقاب): (الحافظ رجب البرسى فاضل محدث شاعر أديب منشئ... والبرسي نسبة إلى برس وهي قرية بين الكوفة والحلة، وعن (معجم البلدان) قال: برس بالضم موضع بأرض بابل، به آثار لبخت نصر (3).

 والأبيات موجودة في (مشارق الانوار) (ط بيروت، ص 245) و(الغدير) (ج 7: ص 49).

6 - وحضور الوصي حق لدى الم‍ * - وت عيانا بشخصه المترائي

هي بشرى لمبغض ومحب * من علي بالخوف أو بالرجاء

فيفوز المحب فيها بنعمى * ويخيب القالي بها بالشقاء

حار همدان كل ميت يراني * في حديث لسيد الأتقياء

وهو يوصى به منانا وعطفا * ملك الموت ساعد الالتقاء

حين يمسي من الحنو عليه * خير ام تحنو على الابناء

ويمنيه بالبقاء فيأبى * رغبا في ثواب يوم البقاء

حين زفت إليه بشرى علي * بجنان الخلود عند اللقاء

فتسل الروح الأمينة منه * سل رفق لشعرة برخاء

وتجلى للحميري دليل * بحضور الوصي قرب الفناء

حينما وجهه استحال ابتداء * لسواد من نكتة سوداء

ظهرت فيه لانحراف قديم * كان منه عن منهج الاهتداء


(1) - الامين: اعيان الشيعة، ج 6: ص 465، ط بيروت.

 (2) - الحر العاملي: امل الامل، تحت عنوانه.

 (3) - القمي: الكنى والقاب، ج 2: ص 151.

 


[449]

واستقامت عقيدة الحق منه * حين وافى لجعفر باستواء

فتجلى منه المحيا منيرا * بعد هذا من نكتة بيضاء

طبقت وجهه المبارك حتى * صار كالبدر مشرقا بالضياء

مستفيقا من سكرة الموت صحوا * وهو يشدو بغبطة

وهناء:

(كذب الزاعمون أن عليا * لا ينجي محبه من بلاء)

إي وربى وردت جنة عدن * وعفا لي الأله عن أخطائي

كل هذا المأثور في الدين صدق * ويقين حق بغير افتراء (1)

الشاعر:

هو الفاضل الألمعي، الشيخ عبد المنعم الفرطوسي المعاصر.

 قال العلامة المجاهد، الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر، في تقريظه على ديوانه (ملحمة أهل البيت) (2).

 فقد أطلعني جناب العلامة الجليل، الشاعر الألمعى، الشيخ عبد المنعم الفرطوسي - أدام الله تأييده وتسديده - على جزء من ملحمته الشعرية الرائعة التي نظم فيها اصول الدين، وشيئا مهما من اسس العقيدة الأسلامية وقسطا من المعالم العامة للشريعة الأسلامية الغراء كما نظم حياة الرسول الأعظم الشريفة بما حفلت به من آيات باهرات وأمجاد وكرامات وسيرة أهل البيت - عليهم الصلاة والسلام - وأضواء من حياتهم وعلومهم وموفور حكمتهم وعطائهم الفكري والروحي، فوجدت الملحمة فريدة في بابها - إلى آخر ما قاله رحمه الله).

 2.

 القرآن والمحتضر: 1 - قال الله تعالى: الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحيوة الدنيا و


(1) - الفرطوسي: ملحمة اهل البيت عليهم السلام، ج 2: ص 29.

 (2) - الفرطوسي: ملحمة اهل البيت عليهم السلام، ج 1: ص 7.

 


[450]

في الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم (1).

 في الكافي بإسناده عن أبان بن عثمان، عن عقبة أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن الرجل إذا وقعت نفسه في صدره يرى، قلت: جعلت فداك وما يرى ؟ قال: يرى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيقول له رسول الله: أنا رسول الله، أبشر، ثم قال: ثم يرى علي بن أبي طالب عليه السلام فيقول: أنا علي بن أبى طالب الذي كنت تحب، أما لأنفعنك اليوم، قال: قلت له: أيكون أحد من الناس يرى هذا، ثم يرجع إلى الدنيا ؟ قال: لا، إذا رأى هذا أبدا مات وأعظم ذلك قال: وذلك في القرآن، قول الله عز وجل: الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الاخرة لا تبديل لكلمات الله.

 أقول: وهذا المعنى مروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بطرق كثيرة جدا، وقوله (و أعظم ذلك) أي عده عظيما (2).

 وعن ابن شهرآشوب، روايته عن زريق، عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى (لهم البشرى في الحيوة الدنيا)، قال: هو أن يبشراه بالجنة عند الموت، يعني محمدا وعليا عليهما السلام (3).

 2 - قال الله تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * (4) في (البرهان)، عن الأمام أبى محمد العسكري عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة لا يستيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون


(1) - يونس، 10: 64.

 (2) - الطباطبائي: الميزان، ج 10: ص 100.

 (3) - البحراني: البرهان، ج 2: ص 191.

 (4) - الزخرف، 41: 31 - 30.

 


[451]

وقت نزوع روحه وظهور ملك الموت له، وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدة علته وعظيم ضيق صدره بما يخلفه من أمواله وعياله وما هو عليه من اضطراب أحواله في معاطبه وعقباته وقد بقيت نفسه حزارتها، وانقطعت آماله فلم ينلها، فيقول له ملك الموت: مالك تجرع غصصك ؟ فيقول: لاضطراب أحوالى وأنقطاعى دون آمالي.

 فيقول له ملك الموت: وهل يجزع عاقل من فقد درهم زائف وقد اعتاض منه بألف ألف ضعف الدنيا ؟ (فيقول: لا)، فيقول له ملك الموت: فانظر فوقك، فينظر فيرى درجات الجنان وقصورها التي تقصر دونها الأماني، فيقول له ملك الموت: هذه منازلك ونعمك وأموالك ومن كان من ذريتك صالحا فهو هناك معك، أفترضي به بدلا مما ههنا ؟ فيقول: بلى، والله.

 ثم يقول ملك الموت: انظر، فيرى محمدا وعليا والطيبين من آلهما في أعلى عليين، فيقول له: أو تراهم وهؤلاء سادتك وأئمتك ؟ هم هنا جلاسك وآناسك، (أ) فما ترضى بهم بدلا مما تفارق هنا ؟ فيقول: بلى وربي، وذلك ما قال الله تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا فما أمامكم من الأموال فقد كفيتموه، ولا تحزنوا على ما تخلفونه من الذراري والعيال والأموال، فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدل منهم، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، هذه منازلكم، وهؤلاء آناسكم وجلاسكم، ونحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم (1).

 3 - قال الله تعالى: يا أيتها النفس المطمئنةء ارجعي إلى ربك راضية


(1) البحراني: البرهان ج 4 ص 111 المجلسي: بحار الانوار ج 6 ص 176.

 


[452]

مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي (2).

 في (البرهان)، عن سدير الصيرفي قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، يابن رسول الله، هل يكره المؤمن على قبض روحه ؟ قال: لا، إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك، فيقول له ملك الموت: يا ولي لله ! لا تجزع، فو الذي بعث محمدا بالحق نبيا لأنا أبر بك وأشفق عليك من الوالد البر الرحيم بولده، افتح عينيك وانظر، قال: فيمثل له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام، فيقول: هؤلاء رفقاؤك، فيفتح عينيه وينظر إليهم، ثم ينادي نفسه: يا أيتها النفس المطمئنة (إلى محمد وأهل بيته) إرجعي إلى ربك راضية مرضية (بالولاية وبالثواب) فادخلي في عبادي (يعنى محمدا وأهل بيته)، فما من شيء أحب إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادى (2).

 4 - قال الله تعالى: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا (3).

 عن جابر، عن أبى جعفر عليه السلام في قوله تعالى: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا قال: ليس من أحد من جميع الأديان يموت إلا رأى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين حقا من الأولين والاخرين (4)).

 3.

 نهج البلاغة والمحتضر: 1 - قال عليه السلام: (فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم وسمعتم وأطعتم، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا (5).

 


(1) - الفجر، 89: 30.

 (2) - البحراني: البرهان، ج 4: ص 461.

 (3) - النساء، 4: 159.

 (4) - المجلسي: بحار الانوار، ج 6: ص 188.

 (5) - نهج البلاغة، الخطبة 20.

 


[453]

قال ابن أبى الحديد في شرحه: (ويمكن أن يعني (علي عليه السلام) به ما يعاينه المحتضر من ملك الموت وهول قدومه، ويمكن أن يعني به ما كان عليه السلام يقوله عن نفسه أنه لا يموت ميت حتى يشاهده عليه السلام حاضرا عنده (1).

 والشيعة تذهب إلى هذا القول وتعتقده وتروي عنه عليه السلام شعرا قاله للحارث الأعور الهمداني: (يا حار همدان ! من يمت يرني - إلى آخر الأشعار)، وليس هذا بمنكر إن صح أنه عليه السلام قاله عن نفسه، ففي الكتاب العزيز ما يدل على أن أهل الكتاب لا يموت منهم ميت حتى يصدق بعيسى بن مريم عليه السلام، وذلك قوله: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا (2).

 2 - قال عليه السلام: (وداعيكم وداع امرء مرصد للتلاقي ! غدا ترون أيامي، ويكشف لكم عن سرائري، وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي (3) قال المولى صالح البرغاني في شرح هذا الكلام گويند: (أرصد له) أي أعد، پس مرصد به معنى (مهيا شده) باشد (4).

 وداع من شما را وداع كردن مردى است كه چشم به ملاقات أو دارند واصحاب أو متوقع ومهياى وصل أو باشند نه وداع كسى كه ديگر ملاقات با اصحاب نكند.

 مى تواند ملاقات روز آخرت باشد، ومى تواند مراد آن ملاقات باشد كه در ابيات مشهور به حارث همداني گفت ودر ديوان مذكور است، وهي هذه: يا حار همدان من يمت يرني... (5).

 أقول: أيها الموالى الكريم ! أحب أن أختم هذا المقال بحديث شريف مناسب


(1) - حضوره عليه السلام عند المحتضر مما لايرد كما مر، ولكن كلامه هذا لا يدل عليه لما فيه من التخويف والوعيد، كما لا يخفى.

 وحضوره عليه السلام للبشرى والسرور للمؤمن (استادولى).

 (2) - ابن أبى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 1: ص 298.

 (3) - نهج البلاغة، الخطبة 147.

 (4) - هذا على بنائه للمجهول، وفي بعض الشروح كشرح عبده والصبحي صالح بالمعلوم، أي منتظر.

 (5) - ابن أبى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 2: ص 41.

 


[454]

للباب وفيه بشارة ومسرة لمحبي الأئمة الطاهرين الأطياب عليهم السلام (عن أبى بصير، عن أحدهما عليهما السلام، قال: إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ست صور، فيهن صورة أحسنهن وجها، وأبهاهن هيئة، وأطبهن ريحا، وأنظفهن صورة، قال: فيقف صورة عن يمينه، واخرى عن يساره، واخرى بين يديه، واخرى خلفه، واخرى عند رجله، وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه، فإن اتي عن يمينه منعته التي عن يمينه ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست، قال: فتقول أحسنهن صورة: ومن أنتم - جزاكم الله عني خيرا - ؟ فتقول التى عن يمين العبد: أنا الصلاة، وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة، وتقول التي بين يديه: أنا الصيام، وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة، وتقول التي عند رجليه: أنا بر من وصلت من إخوانك، ثم يقلن من أنت، فأنت أحسننا وجها، وأطيبنا ريحا، وأبهانا هيئة ؟ فتقول: أنا الولاية لآل محمد - صلوات الله عليهم أجمعين (1).

 الاستدراك قال ابن أبي الحديد في (شرح النهج): روى أبو غسان النهدي قال: دخل قوم من الشيعة على علي عليه السلام في الرحبة وهو على حصير خلق فقال: ما جاء بكم ؟ قالوا: حبك يا أمير المؤمنين ! قال: أما إنه من أحبني رآني حيث يحب أن يراني ومن أبغضني رآني حيث يكره أن يراني (2).

 عن عثمان بن سعيد عن أبي علي بن راشد قال: اجتمعت العصابة بنيسابور في


(1) المجلسي: بحار الانوار ج 6 ص 234.

 (2) ابن أبي الحديد: شرح النهج: ج 4: ص 104.

 


[455]

أيام أبي عبد الله عليه السلام فتذاكروا ما هم فيه من الانتظار للفرج وقالوا: نحن نحمل في كل سنة إلى مولانا ما يجب علينا وقد كثرت الكاذبة ومن يدعي هذا الامر فينبغي لنا أن نختار رجلا ثقة نبعثه إلى الامام ليتعرف لنا الامر.

 فاختاروا رجلا يعرف بأبي جعفر محمد بن إبراهيم النيسابوري ودفعوا إليه ما وجب عليهم في السنة من مال وثياب وكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار والدراهم خمسين ألف درهم والثياب ألفي شقة وأثواب مقاربات ومرتفعات وجاءت عجوز من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها (شطيطة) ومعها درهم صحيح فيه درهم ودانقان وشقة من غزلها خام تساوي أربعة دراهم وقالت: ما يستحق علي في مالي غير هذا فادفعه إلى مولاي فقال: يا امرأة أستحي من أبي عبد الله عليه السلام أن أحمل إليه درهما وشقة بطانة.

 فقالت: ([الأخ ل لم] لا تفعل ؟ إن الله لا يستحي من الحق هذا الذي يستحق فاحمل يا فلان ! فلئن ألقى الله عزوجل وما له قبلي حق قل أم كثر أحب إلي من أن إلقاه وفي رقبتي لجعفر بن محمد حق.

 قال: فعوجت الدرهم وطرحته في كيس فيه أربع مائة درهم لرجل يعرف بخلف بن موسى اللؤلؤي وطرحت الشقة في رزمة فيها ثلاثون ثوبا لاخوين بلخيين يعرفان بابني نوح بن إسماعيل وجاءت الشيعة بالجزء الذي فيه المسائل وكان سبعين ورقة وكل مسألة تحتها بياض وقد أخذوا كل ورقتين فحزموها بحزائم ثلاثة وختموا على كل حزام بخاتم وقالوا: تحمل هذا الجزء [خ ل: الحزم الحزائم] معك وتمضي إلى الامام فتدفع الجزء إليه وتبيته عنده ليلة وعد عليه وخذه منه فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعب فاكسر منها ختمه وانظر الجواب فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الامام فادفعه إليه وإلا فرد إموالنا علينا.

 قال أبو جعفر: فسرت حتى وصلت إلى الكوفة وبأدت بزيارة أمير


[456]

المؤمنين عليه السلام ووجدت على باب المسجد شيخا مسنا قد سقط حاجباه على عينيه من اكبر وقد تشنج وجهه متزرا ببرد متشحا بآخر وحوله جماعة يسألونه عن الحلال والحرام وهو يفتيهم على مذهب أمير المؤمنين عليه السلام فسألت من حضر عنده فقالوا: أبو حمزة الثمالي.

 فسلمت عليه وجلست إليه فسألني عن أمري فعرفته الحال ففرح بي وجذبني إليه وقبل بين عيني وقال: لو تجدب [خ ل: تخرب نحرت تجرت] الدنيا ما وصل إلى هؤلاء حقوقهم وإنك ستصل بحرمتهم إلى جوارهم.

 فسررت بكلامه وكان ذلك أول فائدة لقيتها بالعراق وجلست معهم أتحدث إذ فتح عينيه ونظر إلى البرية وقال: هل ترون ما أرى ؟ فقلنا: وأي شيء رأيت ؟ قال: أرى شخصا على ناقة.

 فنظرنا إلى الموضع فرأينا رجلا على جمل فأقبل فأناخ البعير وسلم علينا وجلس فسأله الشيخ وقال: من أين إقبلت ؟ قال: من يثرب.

 قال: ما وراءك ؟ قال: مات جعفر بن محمد عليهما السلام فانقطع ظهري نصفين وقلت لنفسي: إلى أن أمضي ؟ فقال له أبو حمزة: إلى من أوصى ؟ قال: إلى ثلاثة أولهم أبو جعفر المنصور وإلى ابنه عبد الله وإلى ابنه موسى.

 فضحك أبو حمزة والتفت إلي وقال: لا تغتم فقد عرفت الامام.

 فقلت: وكيف أيها الشيخ ؟ ! فقال: أما وصيته إلى أبي جعفر المنصور فستر على الامام وأما وصيته إلى ابنه الاكبر والاصغر فقد بين عن عوار الاكبر ونص على الاصغر.

 فقلت: وما فقه ذلك ؟ فقال: قول النبي صلى الله عليه واله وسلم (الامامة في أكبر ولدك يا علي ما لم يكن ذا عاهة) فلما رأيناه قد أوصى إلى الاكبر والاصغر علمنا أنه قد بين عن عوار كبيره ونص على صغيره فسر إلى موسى فإنه صاحب الامر.

 قال أبو جعفر: فودعت أمير المؤمنين وودعت أبا حمزة وسرت إلى المدينة وجعلت رحلي في بعض الخانات وقصدت مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وزرته و


[457]

صليت ثم خرجت وسألت أهل المدينة: إلى من أوصى جعفر بن محمد ؟ فقالوا: إلى ابنه الافطح عبد الله فقلت: هل يفتي ؟ قالوا: نعم فقصدته وجئت إلى باب داره فوجدت عليها من الغلمان ما لم يوجد على باب دار أمير البلد فأنكرت ثم قلت: الامام لا يقال له: لم وكيف فاستأذنت فدخل الغلام وخرج وقال: من أين أنت ؟ فأنكرت وقلت: والله ! ما هذا بصاحبي.

 ثم قلت: لعلة من التقية فقلت: قل: فلان الخراساني فدخل وأذن لي فدخلت فإذا به جالس في الدست (1) على منصة عظيمة وبين يديه غلمان قيام فقلت في نفسي: ذا أعظم الامام يقعد في الدست ! ثم قلت: هذا أيضا من الفضول الذي لا يحتاج إليه يفعل الامام ما يشاء فسلمت عليه فأدناني وصافحني وأجلسني بالقرب منه وسألني فأحفى (2) ثم قال: في أي شيء جئت ؟ قلت: في مسائل أسأل عنها وأريد الحج.

 فقال لي: اسأل عما تريد.

 فقلت: كم في المائتين من الزكاة ؟ قال: خمسة دراهم.

 قلت: كم في المائة ؟ قال: درهمان ونصف.

 فقلت: حسن يا مولاي أعيذك بالله ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء ؟ قال: يكفيه من رأس الجوزا ثلاثة.

 فقلت: الرجل لا يحسن شيئا.

 فقمت وقلت: أنا أعود إلى سيدنا غدا.

 فقال: إن كان لك حاجة فإنا لا نقصر.

 فانصرفت من عنده وجئت إلى ضريح النبي صلى الله عليه واله وسلم فانكببت [خ ل: فبكيت] على قبره وشكوت خيبة سفري وقلت: يارسول الله ! بأبي أنت وأمي إلى من أمضي في هذه المسائل التي معي ؟ إلى اليهود أم إلى النصارى أم إلى المجوس


(1) الدست: صدر البيت المجلس الوسادة والمراد هنا الاول.

 (2) فأحفى: من الحفاوة وهي المبالغة في السؤال عن الرجل والعناية في أمره (لسان العرب / حفا ج 14: ص 8).

 


[458]

أم إلى فقهاء النواصب ؟ إلى أين يارسول الله ؟ فما زلت أبكي وأستغيث به فإذا أنا بإنسان يحركني فرفعت رأسي من فوق القبر فرأيت عبدا أسودا عليه قميص خلق وعلى رأسه عمامة خلق فقال لي:: يا أبا جعفر النيسابوري ! يقول لك مولاك موسى بن جعفر عليه السلام: (لا إلى اليهود ولا إلى النصارى ولا إلى المجوس ولا إلى أعدائنا من النواصب إلي فأنا حجة الله قد أجبتك عما في الجزو وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس فجئني به وبدرهم شطيطة الذي فيه درهم ودانقان الذي في كيس أربع مائة درهم اللؤلؤي وشقتها التي في رزمة الاخوين البلخيين) قال: فطار عقلي وجئت إلى رحلي ففتحت وأخذت الجزو والكيس والرزمة فجئت إليه فوجدته في دار خراب وبابه مهجور ما عليه أحد وإذا بذلك الغلام قائم على الباب فلما رآني دخل بين يدي ودخلت معه فإذا بسيدنا عليه السلام جالس على الحصير وتحته شاذكونه (1) يمانية فلما رآني ضحك وقال: (لا تقنط ولم تفزع ؟ لا إلى اليهود ولا إلى النصارى والمجوس أنا حجة الله ووليه ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد الكوفة جري أمري ؟ !).

 قال: فأزاد ذلك في بصيرتي وتحققت أمره.

 ثم قال لي: (هات الكيس) فدفعته إليه فحله وأدخل يده فيه وأخرج منه درهم شطيطة وقال لي: هذا درهمها ؟) فقلت: نعم فأخذ الرزمة وحلها وأخرجها [أخرج ظ] ممنها شقة قطن مقصورة طولها خمسة وعشرون ذراعا وقال لاي (اقرأ عليها السلام كثيرا وقل لها: قد جعلت شقتك في أكفاني وبعثت إليك بهذه من أكفاننا من قطن قريتنا صريا قرية فاطمة عليها السلام وبذر قطن كانت تزرعه بيدها الشريفة لاكفان ولدها وغزل أختي حكيمة بنت عبد الله عليه السلام وقصارة (2) يده لكفنه فاجعليها في كفنك).

 


(1) الشاذكونه: معرب شادكونه أي عباءة أو جبة فراش أو متكأ.

 (2) القصارة: فضل الشئ (لسان العرب / قصر ج 5: 101) ولعل المعنى غاية جهده بيده.

 


[459]

ثم قال: (يا معتب ! جئني بكيس نفقة مؤناتنا) فجاء به فطرح درهما فيه وأخرج منه أربعين درهما وقال: (اقرأها مني السلام وقل لها: (ستعيشي [كذا] تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر ووصول هذا الكفن وهذه الدراهم فانفقي منها ستة عشر درهما واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك وما يلزم عليك وأنا أتولى الصلاة عليك).

 فإذا رأيتني فاكتم فإن ذلك أبقى لنفسك وافكك هذه الخواتيم وانظر هل أجبناك أم لا ؟ قبل أن تجئ بدراهمهم كما أوصوك فإنك رسول).

 فتأملت الخواتيم فوجدتها صحاحا ففككت من وسطها واحدا فوجدت تحتها: ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال: نذرت لله عزوجل لاعتقن كل مملوك كان في ملكي قديما.

 وكان له جماعة من المماليك ؟ تحته الجواب من موسى بن جعفر عليه السلام: (من كان في ملكه قبل ستة أشهر والدليل على صحة ذلك قوله تعالى: حتى عاد كالعرجون الجديد في النخلة ستة أشهر).

 وفككت الآخر فوجدت فيه: ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال: أتصدق بمال كثير بما يتصدق ؟ تحته الجواب بخطه عليه السلام: (إن كان الذي حلف بهذا اليمين من أرباب الدنانير تصدق بأربعة وثمانين دينارا وإن كان من أرباب ادراهم تصدق بأربعة وثمانين درهما وإن كان من أرباب الغنم فيتصدق بأربعة وثمانين غنما وإن كان من أرباب البعير فبأربعة وثمانين بعيرا والدليل على ذلك قوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين (2) فعددت مواطن رسول اله صلى الله عليه واله وسلم قبل نزول الآية فكانت أربعة وثمانين موطنا).

 


(1) يس 36: 39.

 (2) التوبة 9: 25.

 


[460]

وكسرت الاخرى فوجدت تحته: ما يقول العالم عليه السلام في رجل نبش قبرا وقطع رأس الميت وأخذ كفنه ؟ الجواب تحته بخطه عليه السلام: (تقطع يده لاخذ الكفن من وراء الحرز ويؤخذ منه مائة دينار لقطع رأس الميت لانا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه من قبل نفخ الروح فيه فجعلنا في النطفة عشرين دينارا وفي العلقة عشرين دينارا وفي المضغة عشرين دينارا وفي اللحم عشرين دينارا وفي تمام الخلق عشرين دينارا فلم نفخ فيه الروح لازمناه ألف دينار على أن لا يأخذ ورثة الميت منها شيئا بل يتصدق بها عنه أو يحج أو يغزي بها لانها أصابته في جسمه بعد الموت).

 قال أبو جغفر: فمضيت من فوري إلى الخان وحملت المال والمتاع إليه وأقمت معه وحج في تلك السنة فخرجت في جملته (1) معادلا له (2) في عماديته (3) في ذهابي يوما وفي عمادية أبيه يوما ورجعت إلى خراسان فاستقبلني الناس وشطيطة من جملتهم فسلموا علي فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم بما جرى ودفعت إليها الشقة والدراهم وكادت تنشق مرارتها (4) من الفرح ولم يدخل إلى المدينة من الشيعة إلا حاسد أو متأسف على منزلتها ودفعت الجزء إليهم ففتحوا الخواتيم فوجدوا الجوابات تحت مسائلهم.

 وأقامت شطيطة تسعة عشر يوما وماتت رحمها الله فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها فرأيت أبي الحسن عليه السلام على نجيب فنزل عنه وأخذ بخطامه وقف


(1) الجملة: الجماعة (لسان العرب / جمل ج 11 ص 128).

 (2) معادلا له: أي راكبا معه (لسان العرب / عدل ج 11 ص 342).

 (3) المعاد: البناء المرتفع وكأنه استعارها هنا المنزل الذي ينزله الرجل في السفر (لسان العرب / عمد ج 3 ص 303).

 (4) المرارة يقال لها بالفارسية: زهره.

 


[461]

يصلي عليها مع القوم وحضر نزولها إلى قبرها ونثر [خ ل طرح] في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام فلما فرغ من أمرها ركب البعير وألوى برأسه نحو البرية وقال: (عرف أصحابك واقرأهم عني السلام وقل لهم: إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم فاتقوا الله في أنفسكم وأحسنوا الاعمال لتعينونا على خلاصكم وفك رقابكم من النار).

 قال أبو جعفر: فلما ولى عليه السلام عرفت الجماعة فرأوه وقد بعد والنجيب يجري به فكادت أنفسهم تسيل حزنا إذا لم يتمكنوا من النظر إليه.

 وفي ذلك عدة آيات وكفى بها حجة للمتأمل الذاكر (1).

 


(1) الثاقب في المناقب: ص 439 - 446.