حقيقة الصراط ومنزلة على وأولاده المعصومين عليهم السلام عنده
1 - عن المفضل بن عمر، قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصراط، فقال: هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل، وهما صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الأمام المفروض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم (1).
2 - عن أبى مالك الأسدي، قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام أسأله عن قول الله تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل (2)، قال: فبسط أبو جعفر عليه السلام يده اليسار ثم دور فيها يده اليمنى، ثم قال: نحن صراطه المستقيم - الحديث (3).
أقول: قال بعض المحققين في هامش (بحار الانوار): (هذا إشارة إلى أن تعدد الأئمة عليهم السلام لا ينافي كونهم سبيلا واحدا...).
3 - عن أبى عبد الله عليه السلام في حديث، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إن الله تبارك و
(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 8: ص 66، وج 24: ص 11.
(2) - الانعام، 6: 153.
(3) - المجلسي: بحار الانوار، ج 24: ص 15.
[463]
تعالى لو شاء لعرف العباد نفسه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنهم عن الصراط لناكبون - الحديث (1).
4 - عن الأمام العسكري عليه السلام: (الصراط المستقيم صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأما الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر من الغلو وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل، وأما الصراط في الآخرة فهو طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم، لا يعدلون عن الجنة إلى النار ولا إلى غير النار سوى الجنة (2).
5 - عن أبى حمزة الثمالي، عن أبى عبد الله عليه السلام، قال: (سألته عن قول الله عز وجل: قال هذا صراط علي مستقيم (3)، قال: والله علي عليه السلام، وهو والله الميزان والصراط المستقيم (4).
قال الطبري في تفسيره: (قرأ القراء السبعة (صراط) منونا مرفوعا، و(علي بفتح اللام، وقرأ يعقوب وأبو رجاء وابن سيرين وقتادة ومجاهد وابن ميمون (علي) بكسر اللام وصفا للصراط (5).
وقال العلامة المجلسي رحمه الله: (الظاهر أنه (على) بالجر بإضافة الصراط إليه، ويؤيده ما رواه قتادة عن الحسن البصري، قال: كان يقرأ هذا الحرف: (هذا صراط علي مستقيم (6).
(1) - الكليني: الكافي، ج 1: ص 184 / باب معرفة الامام.
(2) - المجلسي: بحار الانوار، ج 8: ص 70.
(3) - الحجر، 15: 41.
(4) - البحراني: البرهان، ج 2: ص 344.
(5) - الطبري: جامع البيان، ج 14: ص 24.
(6) - المجلسي: بحار الانوار، ج 24: ص 23.
[464]
6 - عن أبي بصير، عن أبى عبد الله عليه السلام، قال: (الصراط الذي قال إبليس: لأقعدن لهم صراطك المستقيم (1) فهو علي (2).
7 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (فوعزة ربي وجلاله إنه لباب الله الذي لا يؤتي إلا منه، وإنه الصراط المستقيم، وإنه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة (3).
8 - قال الفيض القاساني رحمه الله: (عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي).
أقول: ومن الأسرار الغريبة في هذه المقطعات أنها تصير بعد التركيب وحذف المكررات: (على صراط حق نمسكه) أو (صراط علي حق نمسكه (4).
9 - عن أبي عبد الله عليه السلام: (ربنا آمنا واتبعنا مولانا وولينا وهادينا وداعينا وداعي الأنام وصراطك المستقيم السوي، وحجتك وسبيلك الداعي إليك على بصيرة هو ومن اتبعه، سبحان الله عما يشركون بولايته وبما يلحدون باتخاذ الولائج دونه، فأشهد يا إلهى أنه الامام الهادي المرشد الرشيد علي أمير المؤمنين الذي ذكرته في كتابك وقلت: وإنه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم (5) لا اشركه إماما، ولا أتخذ من دونه وليجه (6).
10 - عن أبى بصير، عن أبى عبد الله عليه السلام، قال: (الناس يمرون على الصراط طبقات، والصراط أدق من الشعر ومن حد السيف، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبوا، ومنهم من يمر مشيا، و
(1) - الاعراف، 7: 16.
(2) - الحسكاني: شواهد التنزيل، ج 1: صص 61 و59.
(3) - الحسكاني: شواهد التنزيل، ج 1: صص 61 و59.
(4) - الفيض: تفسير الصافى، ج 1: ص 78، ط الحروفي.
(5) - الزخرف، 43: 4.
(6) - الحويزي: تفسير نور الثقلين، ج 4: ص 592.
[465]
منهم من يمر متعلقا قد تأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا (1).
11 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، قال: (إن الله تعالى إذا بعث الخلائق من الأولين والاخرين نادى منادي ربنا من تحت عرشه: يا معشر الخلائق ! غضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد، سيدة نساء العالمين على الصراط، فتغض الخلائق كلهم أبصارهم، فتجوز فاطمة على الصراط، لا يبقى أحد في القيامة إلا غض بصره عنها إلا محمد وعلي والحسن والحسين والطاهرين من أولادهم فإنهم أولادها.
فإذا دخلت الجنة بقي مرطها (2) ممدودا على الصراط، طرف منه بيدها وهي في الجنة، وطرف في عرصات القيامة، فينادي منادي ربنا: يا أيها المحبون لفاطمة ! تعلقوا بأهداب (3) مرط فاطمة سيدة نساء العالمين، فلا يبقى محب لفاطمة إلا تعلق بهدبة من أهداب مرطها حتى يتعلق بها أكثر من ألف فئام وألف فئام، قالوا: كم فئام واحد ؟ قال: ألف ألف، ينجون بها من النار (4).
1.
أقوال العلماء في معنى الصراط: 1 - قال الشيخ الصدوق، (اعتقادنا في الصراط أنه حق، وأنه جسر جهنم، وأن عليه ممر جميع الخلق، قال الله عز وجل: وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (5).
والصراط في وجه آخر اسم حجج الله، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه الله جوازا على الصراط الذي هو جسر جهنم يوم القيامة، وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام: (يا علي ! إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل على
(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 8: ص 64.
(2) - المرط - بالكسر -: كساء من صوف أو غيره تلقيه المرأة على رأسها.
(3) - الاهداب جمع هدبة - بالضم -: طرة الثوب.
(4) - المجلسي: بحار الانوار، ج 8: ص 68.
(5) - مريم، 19: 71.
[466]
الصراط فلا يجوز على الصراط إلا من كانت معه براءة بولايتك (1).
2 - قال الشيخ المفيد رحمه الله في شرح كلام الصدوق رحمه الله: (الصراط في اللغة هو الطريق، فلذلك سمي الدين صراطا لأنه طريق إلى الثواب، وله سمي الولاء لأمير المؤمنين والأئمة من ذريته: صراطا، ومن معناه قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أنا صراط الله المستقيم وعروته الوثقى التي لا انفصام لها) يعني أن معرفته والتمسك به طريق إلى الله سبحانه، وقد جاء الخبر بأن الطريق يوم القيامة إلى الجنة كالجسر تمر به الناس، وهو الصراط الذي يقف عن يمينه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وعن شماله أمير المؤمنين عليه السلام، ويأتيهما النداء من الله تعالى: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد (2).
وجاء الخبر أنه لا يعبر الصراط يوم القيامة إلا من كان معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام من النار، وجاء الخبر بأن الصراط أدق من الشعرة، وأحد من السيف على الكافر، والمراد بذلك أنه لا يثبت لكافر قدم على الصراط يوم القيامة من شدة ما يلحقهم من أهوال القيامة ومخاوفها، فهم يمشون عليه كالذي يمشي على الشئ الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف، وهذا مثل مضروب لما يلحق الكافر من الشدة في عبوره على الصراط، وهو طريق إلى الجنة وطريق إلى النار، يسير العبد منه إلى الجنة ويرى من أهوال النار.
وقد يعبر به عن الطريق المعوج، فلهذا قال الله تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما (3)، فميز بين طريقه الذي دعا إلى سلوكه من الدين وبين طرق الضلال.
وقال تعالى فيما أمر عباده من الدعاء وتلاوة القرآن: إهدنا الصراط المستقيم (4)، فدل على أن سواه صراط غير مستقيم، وصراط الله دين الله، وصراط الشيطان
(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 8: ص 70.
(2) - ق، 5: 24.
(3) - الانعام، 6: 153.
(2) - الفاتحة، 1: 6.
[467]
طريق العصيان، والصراط في الأصل على ما بيناه هو الطريق، والصراط يوم القيامة هو الطريق للسلوك إلى الجنة والنار على ما قدمناه).
قال العلامة المجلسي رحمه الله - بعد نقل الكلام المذكور -: (أقول: لااضطرار في تأويل كونه أدق من الشعرة وأحد من السيف وتأويل الظواهر الكثيرة بلا ضرورة غير جائز، وسنورد كثيرا من أخبار هذا الباب في باب أن أمير المؤمنين عليه السلام قسيم الجنة والنار (1).
3 - قال العلامة الفيض رحمه الله: (الصراط هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل، قال الله سبحانه: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الاءرض (2).
وقد عرفت أن معرفة الله عز وجل إنما تحصل بالعلم والعمل شيئا فشيئا بحسب الأستكمالات العقلية بمتابعة السنن النبوية، والاهتداء بهداه صلى الله عليه واله وسلم، فالصراط - بهذا المعنى - عبارة عن العلوم الحقة والاعمال الصالحة، وبالجملة ما يشتمل عليه الشرع الأنوار، ولما تلا النبي صلى الله عليه واله وسلم: أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله (3) خط خطا وعن جنبيه خطوطا، فالمستقيم هو صراط التوحيد الذي سلكه جميع الأنبياء وأتباعهم، والمعوجة هي طرق أهل الضلال.
ومن وجه آخر: الصراط عبارة عن العالم العامل الهادي إلى الله عز وجل على بصيرة، وبالجملة، الأنبياء والأوصياء عليهم السلام فإن نفوسهم المقدسة طرق إلى الله سبحانه، ومن هنا قال مولانا الصادق عليه السلام: (الصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام) وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: (أنا الصراط الممدود بين الجنة والنار، وأنا الميزان)،
(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 8: ص 70 - 71.
(2) - الشورى، 42: 52 - 53.
(3) - الانعام، 6: 153.
[468]
فالصراط والميزان متحدان في المعنى بكلى معنييهما، وإنما يختلفان بالأعتبار (1).
4 - سئل العلامة الشهرستاني رحمه الله عن معنى (الصراط) بأنه جاءت في الأخبار والأحاديث الكثيرة من أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف، فأي معنى يقصد من الشعرة والسيف ؟ قال رحمه الله بعد كلام له: (والحديث المجمع على صحته ناطق بأن عليا عليه السلام قسيم النار والجنة، وأن طريقته المثلى هو المسلك الوحيد المفضي إلى الجنان والرضوان، ومعلوم لدى الخبراء أن سيرة علي عليه السلام كانت أدق من الشعرة فإنه عليه السلام ساوى في العطاء بين أكابر الصحابة الكرام - كسهل بن حنيف - وبين أدنى مواليهم، وكان يقص من أكمام ثيابه لا كساء عبده، ويحمل إلى اليتامى والأيامي أرزاقهم على ظهره في منتصف الليل، ويشبع الفقراء، ويبيت طاوي الحشا، ويختار لنفسه من الطعام ما جشب، ومن اللباس ما خشن، ويوزع مال الله على عباد الله في كل جمعة، يكنس بيت المال ويصلي فيه وهو يعيش على غرس يمينه وكد يده، وحاسب أخاه عقيلا بأدق من الشعرة في قصته المشهورة، وطالب شريحا القاضي أن يساوي بينه وبين خصمه الأسرائيلي عند المحاكمة إلى غير ذلك من مظاهر ترويضه النفس والزهد البليغ حتى غدا الاقتداء به في إمامة المسلمين فوق الطوق، وكما كانت سيرة علي عليه السلام أدق من الشعرة كانت مشايعته في الخطوة أحد من السيف نظرا إلى مزالق الأهواء والشهوات ومراقبة السلطات من بني امية وتتبعهم أولياء علي عليه السلام وأشياعه وأتباعه تحت كل حجر ومدر (2).
أقول: بعد ما لاحظت معني الصراط في الأخبار والأحاديث وأقوال العلماء وعرفت قول الصادق عليه السلام من أن الصراط صراطان أحدهما الأمام المفروض الطاعة، والاخر هو جسر جهنم في الاخرة، وقول أبى جعفر عليه السلام: نحن صراطه
(1) - الفيض: علم اليقين، ج 2: ص 966 - 967.
(2) - نقلناه من هامش تصحيح الأعتقاد للمفيد رحمه الله (ص 89) مع التلخيص.
[469]
المستقيم، وقول الأمام العسكري: أن الصراط ما قصر من الغلو وارتفع من التقصير، وقول أمير المؤمنين عليه السلام: أنا الصراط الممدود بين الجنة والنار، وأنا الميزان، وقول الشيخ الصدوق رحمه الله أنه جسر جهنم، وأن عليه ممر جميع الخلق، وأنه في وجه آخر اسم حجج الله، وقول الشيخ المفيد رحمه الله: سمي صراطا لأنه طريق إلى الثواب، وله سمي الولاء لعلي عليه السلام والأئمة من ولده: صراطا، وقول الفيض رحمه الله: الصراط العلوم الحقة والأعمال الصالحة، ومن وجه آخر الصراط عبارة عن العالم العامل الهادي إلى الله على بصيرة، وقول الشهرستاني رحمه الله: أن الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف هو سيرة علي عليه السلام، فبعد هذا كله جدير بنا أن ننقل كلمة قيمة ذوقية من استاذنا الأكبر كوكب الفضل الذي لاح في سماء الكمال، وحاز الجلال والجمال، صاحب الأخلاق السنية والأفعال المرضية، العالم الدقيق، والمربي الشفيق آية الله المعصومي، المشهور بالاخوند الملا علي الهمداني رحمه الله حتى يسهل الأمر في معناه ويتضح أنه يشمل جميع المعاني المذكورة والمصاديق المتعددة.
قال رحمه الله كثيرا ما في حلقات درسه ما هذا تقريره: إن الألفاظ موضوعة للمعاني العامة أصالة وبالذات ثم استعملت في المصاديق المختلفة بتناسب الأصل المشترك الجامع لها كلفظ (الحصن) (الحاء والصاد والنون) مثلا، وهو وضع للحفظ والحرز، وهذا المعنى عام شامل لكل ما يحفظ الشئ ويحرزه، فكلمة الاخلاص تسمي حصنا لأنها تحفظ قائلها بشروطها من العذاب، أو يسمى كل امرأة متزوجة محصنة لأن لها زوجا يحفظها، أو أن القفل يسمى محصنا لأنه يحرز البيت من اللصوص، ونظائر ذلك من مصاديقه.
وكلفظ (الجن) (الجيم والنون المضاعف) فإنه وضع لكل شيء مستور عن الأنظار، فإن الأشجار الكثيرة الملتفة تسمى جنات لأن بعضها يستر بعضا، أو لأن الأشياء تستر وتخفى فيها، أو أن الطفل في الرحم يسمى جنينا لأنه مستور عن النظر، وكذلك الجن، وجن عليه
[470]
الليل، والمجنة فإن الاستتار والاختفاء لوحظ في كل هذه الموارد.
وكلفظ (الميزان) فإنه موضوع لكل ما يوزن ويقاس به الشئ، فإن ذاالكفتين والقبان هما ميزانان للأثقال والأجناس، والشاقول يسمى ميزانا لمعرفة الأعمدة، والمسطر يسمى ميزانا لاستقامة الخطوط، والمنطق يسمى ميزانا لان به يصان الكلام إفرادا وتركيبا، والصرف ميزانا لان به يوزن اعتلال الكلمة وصحيحها وسالمها وناقصها وغير ذلك من شؤون الكلمة من مضاعفها وأجوفها.
فعلى هذا اطلق الميزان على يعسوب الدين، وسيد الموحدين، وقائد الغر المحجلين، لأن بولايته عليه السلام توزن الأعمال، فإنه علليه السلام المعيار والمقياس في جميع الشؤون الانسانية، فبعدله توزن عدالة الحكام والأمراء، وبزهده يوزن زهد الزهاد والصلحاء، ولذلك جاء في الزيارة المأثورة: (السلام عليك يا ميزان الأعمال ومقلب الأحوال).
إذا ما التبر حك على المحك * تبين غشه من غير شك
وفينا الغش والذهب المصفى * علي بيننا شبه المحك
وكلفظ (الصراط) فإنه موضوع لكل شيء يوصل صاحبه إلى المطلوب كما يستفاد ذلك من صاحب (تفسير المنار) حيث قال: (وقد قالوا: إن المراد بالصراط المستقيم الدين أو العدل أو الحدود، ونحن نقول: إنه جملة ما يوصلنا إلى سعادة الدنيا والاخرة (1).
ويستفاد أيضا من صاحب (مجمع البيان) حيث قال رحمه الله: (الصراط الطريق الواضح المتسع (2) فعلى هذا صراط كل شيء بحسبه، يعني أن كل شيء يفضي سالكه إلى المطلوب ويوصله إلى المقصود فهو صراطه سواء كان ما يوصل
(1) - عبده - رشيد رضا: المنار، ج 1: ص 65.
(2) - الطبرسي: مجمع البيان، ج 1: ص 27.
[471]
جسمانيا أو غير جسماني، كان من الأعراض أو الجواهر، فيكون الدين صراطا، والعلوم الحقة والأعمال الصالحة صراطا، والأنبياء والرسل صراطا، والأمام المفروض الطاعة صراطا، والأئمة المعصومون عليهم السلام صراطا، لأنهم الدعاة إلى الله والأدلاء على مرضات الله، وأنهم السادة الولاة والذادة الحماة والقادة الهداة، ولذلك جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة: (أنتم الصراط الاقوم)، ويكون علي عليه السلام صراط حق يمسكه الله، وسيرته صراطا والجسر الممدود على جهنم صراطا، لانه يوصل المارين عليه إلى الجنة، وذلك من ألطاف الله تعالى وعنايته، ولولاه لا ينجو من النار أحد، نعم، هو أدق من الشعر، وأحد من السيف.
ولزيادة التوضيح فلاحظ - أيضا - قول الصادق عليه السلام: (فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الأمام المفروض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة)، وكرر النظر في قول العلامة الشهرستاني رحمه الله: (أن سيرة علي عليه السلام هي الصراط، وهي والله أدق من الشعرة، وأحد من السيف)، ولعل إلى هذا أشار علي عليه السلام بقوله (أنا الصراط الممدود بين الجنة والنار، وأنا الميزان).
أقول: وعلى هذا فكلما كان الاقتداء بعلي وأولاده المعصومين: في الدنيا أقوى وأشد كان العبور من الصراط في الآخرة أهون وأسهل، وإن كان الأمر على خلاف ذلك كان المرور أصعب، والسبيل أضيق، لأن كيفية مرور الناس على قدر معرفتهم واقتدائهم بعلي وأولاده الكرام - صلوات الله عليهم أجمعين -، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبوا، ومنهم من يمر مشيا ومنهم من يمر متعلقا، قد تأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا، هذا وقد وردت أخبار بأنه يجوز الناس يوم القيامة على الصراط بنور أمير المؤمنين عليه السلام، وأنه لا يجوز أحد على الصراط إلا من كان معه براءة منه عليه السلام، وإليك بعض نصوصها.
[472]
1 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، قال: (أتاني جبرئيل عليه السلام، فقال: ابشرك يا محمد، بما تجوز على الصراط ؟ قال: قلت: بلى، قال: تجوز بنور الله، ويجوز علي بنورك، ونورك من نور الله، وتجوز امتك بنور علي، ونور علي من نورك، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (1) (2).
2 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: (إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم لم يجز عليه إلا من كان معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وذلك قوله: وقفوهم إنهم مسؤولون (3) يعني عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (4)).
3 - عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إذا كان يوم القيامة أقام الله عز وجل جبرئيل ومحمدا على الصراط، فلا يجوز أحد إلا من كان معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام (5).
4 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (إذا كان يوم القيامة يقعد علي بن أبي طالب على الفردوس - وهو جبل قد علا على الجنة فوقه عرش رب العالمين، ومن سفحه تنفجر أنهار الجنة وتتفرق في الجنان -، وهو جالس على كرسي من نور يجري بين يديه التسنيم، لا يجوز أحد الصراط إلا ومعه براءة بولايته وولاية أهل بيته، يشرف على الجنة فيدخل محبيه الجنة ومبغضيه النار (6).
5 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، قال: (معرفة آل محمد صلى الله عليه واله وسلم براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب (7).
(1) - النور، 24: 40.
(2) - المجلسي: بحار الانوار، ج 8: ص 69.
(3) - الصافات، 37: 24.
(4) - المجلسي: بحار الانوار، ج 8: ص 68.
(5) - الخوارزمي: المناقب، ص 229.
(6) - الحمويني: فرائد السمطين، ج 1: ص 292.
(7) - القندوزي: ينابيع المودة، ص 22.
[473]
6 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، قال: (حب علي عليه السلام براءة من النار (1).
7 - عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إذا جمع الله الأولين والاخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنم، لم يجز بها أحد إلا من كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (2).
8 - في حديث وكيع، قال أبو سعيد: (يا رسول الله ! ما معنى براة علي ؟ قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله (3).
9 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، قال: (إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم لم يجز الصراط إلا من كان معه كتاب ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (4).
10 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في حديث طويل: (وإن ربي عز وجل أقسم بعزته أنه لا يجوز عقبة الصراط إلا من معه براءة بولايتك وولاية الائمة من ولدك (5).
11 - قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (يا علي ! إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط، فلا يجوز على الصراط إلا من كان معه براءة بولايتك (6)).
12 - عن ابن عباس، قال: (قلت للنبي صلى الله عليه واله وسلم: يا رسول الله ! للنار جواز ؟ قال: نعم، قلت: وماهي ؟ قال: حب علي بن أبي طالب (7).
13 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (لكل شيء جواز، وجواز الصراط حب علي بن أبي طالب (8).
(1) - المناوي: كنوز الحقائق، ص 26.
(2) - الحمويني: فرائد السمطين، ج 1: ص 298.
(3) - ابن شهر آشوب: مناقب آل ابي طالب، ج 2: ص 156.
(4) - الحمويني: فرائد السمطين، ج 1: ص 290.
(5) - المجلسي: بحار الانوار، ج 39: ص 211.
(6) - القمي: سفينة البحار، ج 2: ص 28.
(7) - الخطيب: تاريخ بغداد، ج 3: ص 161.
(8) - ابن شهرآشوب: مناقب آل ابي طالب، ج 2: ص 156.
[474]
14 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم لم يجز عليه إلا من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب (1).
15 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز (2).
16 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (حب آل محمد صلى الله عليه واله وسلم جواز على الصراط (3).
17 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (إذا كان يوم القيامة أقف أنا وعلي على الصراط وبيد كل واحد منا سيف، فلا يمر أحد من خلق الله إلا سألناه عن ولاية علي، فمن كان معه شيء منها نجا وفاز، وإلا ضربنا عنقه وألقيناه في النار (12).
18 - عن بلال بن حمامة، قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذات يوم ضاحكا مستبشرا، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف، فقال: ما أضحكك يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ قال: بشارة أتتني من عند ربي، إن الله لما أراد أن يزوج عليا فاطمة أمر ملكا أن يهز شجرة طوبى، فهزها فنثرت رقاقا (أي صكاكا) (5) وأنشأ الله ملائكة التقطوها، فإذا كانت القيامة ثارت الملائكة في الخلق فلا يرون محبا لنا أهل البيت محضا إلا دفعوا إليه منها كتابا: براءة له من النار، من أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من امتي من النار (6).
البراة في القصائد والمدائح: 1 - لابن حماد:
واناس يعلون في الدرجات * واناس يهوون في الدركات
(1) - ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 2: ص 156.
(2) - الاميني: الغدير، ج 2: ص 323.
(3) - القندوزي: ينابيع المودة، ص 22.
(4) - المجلسي: بحار الانوار، ج 7: ص 332.
(5) - الرقاق: الصحائف، والصك: الكتاب، فارسيته (چك) وجمعه: أصك وصكوك وصكاك.
(6) - الخطيب: تاريخ بغداد، ج 4: ص 210.
[475]
لا يجوز الصراط إلا امرئ * من عليه أبوكم ببراة
وله أيضا:
لا يجوز الصراط إلا من أعطاه * براة وبالنجاة استخصا (1)
الشاعر:
(هو أبو الحسن، علي بن عبيدالله بن حماد، العدوي الشاعر البصري، من أكابر علماء الشيعة وشعرائهم ومحدثيهم ومن المعاصرين للصدوق رحمه الله (2).
وقال العلامة الأميني رحمه الله: (هو علم من أعلام الشيعة وفذ من علمائها ومن صدور شعرائها ومن حفظة الحديث المعاصرين للشيخ الصدوق ونظرائه (3).
وقال - أيضا: (جرت مفاخرة بين جمال الدين الخليعي الشاعر، وبين ابن حماد الشاعر، وحسب كل أن مديحه لأمير المؤمنين عليه السلام أحسن من مديح الاخر، فنظم كل قصيدة وألقياها في الضريح العلوي المقدس محكمين الأمام عليه السلام فخرجت قصيدة الخليعي مكتوبا عليها بماء الذهب، (أحسنت) وعلى قصيدة ابن حماد مثله بماء الفضة، فتأثر ابن حماد وخاطب أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: أنا محبك القديم وهذا حديث العهد بولائك، ثم رأى أمير المؤمنين عليه السلام في المنام، وهو يقول له: إنك منا، وإنه حديث العهد بأمرنا فمن اللازم رعايته (4).
2 - الكاتب:
إني وجبرئيل، وإنك يا أخي ! * يوم الحساب وذو الجلال يراني
لعلى الصراط فلا مجاز لجايز * إلا لمن من ذي الجلال أتاني
ببراءة فيها ولايتك التي * ينجو بها من ناره الثقلان (5)
(1) - ابن شهرآشوب: مناقب آل ابي طالب، ج 2: ص 157.
(2) - القمي: الكنى والالقاب، ج 1: ص 265.
(3) - الاميني: الغدير، ج 4: ص 153.
(4) - الاميني: الغدير، ج 6: ص 13.
(7) - ابن شهر آشوب: مناقب آل ابي طالب، ج 2: ص 157.
[476]
3 - الحميري :
ولدى ! الصراط ترى عليا * واقفا يدعو إليه وليه المنصورا
الله أعطى ذا عليا كله * وعطاء ربي لم يكن محظورا (1)
4 - العبدي :
وإليك الجواز تدخل من شئت * جنانا ومن تشاء جحيما (2)
(1) - ابن شهرآشوب: مناقب آل ابي طالب، ج 2: ص 157.
(2) - الاميني: الغدير، ج 2: ص 323.