الفصل 27

الإمام علي عليه السلام ومظلوميته

1 - عن أبي عثمان النهدي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (مررت مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بحديقة فقلت: يا رسوالله ! ما أحسنها ! قال: لك في الجنة خير منها، حتى مررت بسبع حدائق - وقال أحمد بن زهير بتسع حدائق - كل ذلك أقول له، ويقول: لك في الجنة خير منها، قال ثم جذبني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبكى، فقلت: يا رسول الله ! ما يبكيك ؟ قال: ضغائن في صدور رجال عليك لن يبدوها لك للأمر بعدي، فقلت: بسلامة من ديني ؟ قال: نعم، بسلامة من دينك (1).

 2 - عن ابن عباس قال: (خرجت أنا والنبي صلى الله عليه واله وسلم وعلي في حشان المدينة مررنا بحديقة، فقال علي: ما أحسن هذه الحديقة، يا رسول الله ! فقال: حديقتك في الجنة أحسن منها، ثم أو مأ بيده إلى رأسه ثم بكى حتى علا بكاؤه، قلت: ما يبكيك ؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني (2).

 3 - في خبر طويل، قال له: (اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا


(1) - الخطيب: تاريخ بغداد، ج 12: ص 398.

 (2) - الهشمي: مجمع الزوائد، ج 9: ص 118.

 والحشان: البساتين.

 


[706]

بعد موتي، اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.

 ثم بكى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقيل: مم بكاؤك، يا رسول الله ؟ قال: أخبرني جبرئيل عليه السلام أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده (1).

 4 - قال النبي صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام: (إذ مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم يتمالئون عليك ويمنعونك حقك).

 5 - روى جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت فاطمة عليها السلام على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو في سكرات الموت، فانكبت عليه تبكي، ففتح عينه وأفاق، ثم قال: يا بنية ! أنت المظلومة بعدي، وأنت المستضعفة بعدى، فمن آذاك فقد اذاني ومن غاظك فقد غاظني، ومن سرك فقد سرني، ومن برك فقد برني، ومن جفاك فقد جفاني، ومن وصلك فقد وصلني، ومن قطعك فقد قطعني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنك مني وأنا منك، وأنت بضعة مني وروحي التي بين جنبي، ثم قال صلى الله عليه واله وسلم: إلى الله أشكو ظالميك من امتي.

 ثم دخل الحسن والحسين عليهما السلام فانكبا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهما يبكيان ويقولان: أنفسنا لنفسك الفداء، يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ! فذهب علي عليه السلام لينحيهما عنه فرفع رأسه إليه، ثم قال: دعهما، يا أخي ! يشماني وأشمهما، ويتزودا وأتزود منهما فإنهما مقتولان بعدي ظلما وعدوانا، فلعنة الله على من يقتلهما، ثم قال: يا علي ! أنت المظلوم بعدي، وأنا خصم لمن أنت خصمه يوم القيامة (2).

 6 - عن معاوية بن ثعلبة، قال: (جاء رجل إلى أبي ذر رحمه الله - وهو جالس في المسجد وعلى عليه السلام يصلي أمامه - فقال: يا أبا ذر ! ألا تحدثني بأحب الناس إليك ؟


(1) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 28: ص 45 و50.

 (2) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 28: ص 69.

 


[707]

فوالله، لقد علمت أن أحبهم إليك أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، قال: أجل، والذي نفسي بيده، إن أحبهم إلي لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه (1).

 7 - الحسن بن علي، عن أبيه عليهما السلام قال: (لما نزلت (الم أحسب الناس الآيات) قلت: يا رسول الله ما هذه الفتنة ؟ قال: يا علي إنك مبتلى ومبتلى بك، وإنك مخاصم فأعد للخصومة).

 8 - عن ياسر الخادم، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي - صلوات الله عليهم أجمعين - قال: (قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام: يا علي ! أنت حجة الله، وأنت باب الله، وأنت الطريق إلى الله، وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى، يا على ! أنت إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، وخير الوصيين، وسيد الصديقين، يا علي ! أنت الفاروق الأعظم، وأنت الصديق الأكبر، يا على ! أنت خليفتي على امتي، وأنت قاضي ديني، وأنت منجز عداتي، يا علي ! أنت المظلوم بعدي، يا علي ! أنت المفارق بعدي، يا علي ! أنت المهجور بعدي، اشهد الله ومن حضر من امتي أن حزبك حزبي، وحزبي حزب الله، وأن حزب أعدائك حزب الشيطان (2).

 9 - عن أبي الحسن الهادي عليه السلام أنه كان يقول عند قبر أمير المؤمنين - صلوات الله عليه -: (السلام عليك، يا ولي الله ! أشهد أنك انت أول مظلوم، وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت حتى أتاك اليقين، وأشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد، عذب الله قاتلك بأنواع العذاب، وجدد عليه العذاب، جئتك عارفا بحقك، مستبصرا بشأنك، معاديا لأعدائك ومن ظلمك، ألقى على ذلك ربي إن شاء الله،


(1) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 8: ص 17، ط الكمباني.

 (2) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 28: ص 76، بالصدوق: عيون الاخبار الرضا عليه السلام، ج 2: ص 61.

 


[708]

يا ولي الله إن لي ذنوبا كثيرة فاشفع لي إلى ربك يا مولاي ! فإن لك عند الله مقاما معلوما، وإن لك عند الله جاها وشفاعة، وقد قال الله تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى (1).

 (2) 1 - عند وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: 10 - قال ابن قتيبة الدينوري: وخرج علي - كرم الله وجهه - يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، وكانوا يقولون: يا بنت رسول الله ! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي - كرم الله وجهه -: أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في بيته لم أدفنه وأخرج انازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ماكان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم (3).

 11 - وقال بعد ذكر عدم بيعة علي عليه السلام: (فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ - وهو مولى له -: اذهب فادع لي عليا، قال: فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك ؟ فقال يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله ! فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلا، فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر - رضي الله عنه - لقنفذ: عد إليه فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادعى ما ليس له، فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلا، ثم قام عمر فمشى ومعه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا


(21) - الانبياء، 21: 28.

 (2) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 100: ص 265.

 (1) - ابن قتيبه: الأمامة والسياسة، ج 1: ص 19.

 


[709]

بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.

 فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر، وبقى عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا: إذا والله، الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، فقال: إن أنا لم أفعل إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال: لا اكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يصيح ويبكي وينادي: (يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (1) (2).

 11 - قال العلامة الفيض رحمه الله: (ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام فوافوا بابه مغلقا فصاحوا به: اخرج، يا علي - ! فإن خليفة رسول الله يدعوك، فلم يفتح لهم الباب، فأتوا بحطب فضعوه على الباب وجاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمرو قال: والله، لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار فلما عرفت فاطمة عليها السلام أنهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب، فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبت فاطمة عليها السلام وراء الباب والحائط، ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحبا من داره ملبسا بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها، وقالت: والله، لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلما، ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت وقد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم باتباعنا ومودتنا والتمسك بنا، فقال الله تعالى: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (3) (4).

 


(1) - ابن قتيبه: الأمامة والسياسة، ج 1: ص 19.

 (2) - الامامة والسياسة، ج 1: ص 19.

 (3) - الشورى، 42: 23.

 (4) - ابن قتيبه: الأمامة والسياسة، ج 1: ص 19.

 


[710]

قال فتركه أكثر القوم لأجلها، - إلى أن قال: - وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سماه محسنا - وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد حتى أو قفوه بين يدي أبي بكر، فلحقته فاطمة عليها السلام إلى المسجد لتخلصه، فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة ونحيب وهي تقول:

نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنما * أبكي مخافة أن تطول حياتي

ثم قال: وا أسفاه عليك يا أبتاه، واثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن وأبو سبطيك الحسن والحسين، ومن ربيته صغيرا وواخيته كبيرا، وأجل أحبائك لديك، وأحب أصحابك عليك، أولهم سبقا إلى الأسلام ومهاجرة إليك يا خير الأنام، فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.

 ثم إنها أنت أنة وقالت: وامحمداه، واحبيباه، وا أباه، و(أبا القاسماه، وا أحمداه، واقلة ناصراه، واغوثاه، واطول كربتاه، واحزناه، وامصيبتاه، واسوء صباحاه، وخرت مغشية عليها، فضج الناس بالبكاء والنحيب وصار المسجد مأتما.

 ثم إنهم أوقفوا أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي أبي بكر وقالوا له: مد يدك فبايع، فقال: والله، لا ابايع والبيعة لي في رقابكم.

 فروي عن عدي بن حاتم أنه قال: والله، ما رحمت أحدا قط رحمتي علي بن أبي طالب عليه السلام حين اتى به ملببا بثوبه يقودونه إلى أبي بكر وقالوا: بايع، قال: فإن لم أفعل ؟ قالوا: نضرب الذي فيه عيناك، قال: فرفع رأسه إلى السماء، وقال: اللهم إني اشهدك أنهم أتوا أن يقتلوني فإنى عبد الله وأخو رسول الله، فقالوا له: مد يدك فبايع فأبى عليهم فمدوا يده كرها، فقبض على أنامله فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا، فمسح عليها أبو بكر وهي مضمومة، وهو عليه السلام يقول وينظر إلى قبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا أن يقتلونني).

 قال الراوي: إن عليا عليه السلام خاطب أبا بكر بهذين البيتين:


[711]

فإن كنت بالشورى ملكت امورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وكان عليه السلام كثيرا ما يقول: واعجبا ! تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكون بالقرابة والصحابة ؟ ! (1).

 12 - قال سليم بن قيس: (إنه أغرم عمر بن الخطاب في بعض السنين جميع عماله أنصاف أموالهم سوى قنفذ.

 قال سليم: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليس فيها إلا هاشمي، غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة، فقال العباس لعلي عليه السلام: ما ترى عمر منعه أن يغرم قنفذ كما أغرم جميع عماله ؟ فنظر علي عليه السلام إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه، ثم قال: نشكو - إلى أن قال: - فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج (2).

 أقول: بأبي وامي، من لا يتمكن من التكلم حتى ينظر أطرافه، فهذا أظهر آية المظلومية والاستضعاف.

 13 - قال المحدث القمي رحمه الله: (ومما ذكرناه ظهر شدة مصيبة أمير المؤمنين عليه السلام وعظم صبره، بل يمكن أن يقال: إن بعض مصائبه أعظم مما يقابله من مصيبة ولده الحسين عليه السلام الذي يصغر عند مصيبته المصائب، فقد ذكرت في كتاب المترجم بنفس المهموم في وقايع عاشورا عن الطبري أنه حمل شمربن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين عليه السلام برمحه ونادى علي بالنار حتى احرق هذا البيت على أهله، قال: فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، فصاح به الحسين عليه السلام: يا ابن ذي الجوشن ! أنت تدعوا بالنار لتحرق بيتي على أهلي ؟ أحرقك الله بالنار.

 


(1) - القاساني: علم اليقين ج: ص 686 االمقصد الثالث.

 (2) كتاب سليم ص 91 ط بيروت.

 


[712]

قال أبو مخنف: (حدثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: قلت لشمر بن ذي الجوشن: سبحان الله، إن هذا لا يصلح لك، أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين: تعذب بعذاب الله، وتقتل الولدان والنساء ؟ إن في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك ؟ ! قال: فقال: من أنت ؟ قلت: لااخبرك من أنا، وخشيت والله، لو عرفني أن يضرني عند السلطان، قال: فجاء رجل كان أطوع له مني شبث بن ربعي فقال: ما رأيت مقالا أسوأ من قولك ولا موقفا أقبح من موقفك، أصرت مرعبا للنساء ؟ قال: فأشهد أنه استحيى فذهب لينصرف.

 أقول: هذا شمر مع أنه كان جلفا جافا قليل الحياء استحيى من شبث ثم انصرف، وأما الذي جاء إلى باب أمير المؤمنين وأهل بيته: وهددهم بتحريقهم، وقال: والذي نفس فلان بيده، ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه، فقيل له: إن فيه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وولد رسول الله وآثار رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأشهد أنه لم يستحي ولم ينصرف بل فعل ما فعل، ولم يكن لأمير المؤمنين عليه السلام من ينصره ويذب عنه، إلا ماروي عن الزبير أنه لما رأى القوم أخرجوا عليا عليه السلام من منزله ملببا أقبل مخترطا سيفه وهو يقول: يا معشر بني عبد المطلب ! أيفعل هذا بعلي وأنتم أحياء ؟ وشد على عمر ليضربه بالسيف فرماه خالد بن الوليد بصخرة فأصابت قفاه وسقط السيف من يده، فأخذه عمر وضربه على صخرة فانكسرت.

 وروى الشيخ الكليني عن سدير، قال: كنا عند أبي جعفر عليه السلام فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم واستذلالهم أمير المؤمنين عليه السلام، فقال رجل من القوم: أصلحك الله، فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: ومن كان بقي من بني هاشم ؟ إنما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالأسلام: عباس وعقيل: وكانا من الطلقاء، أما والله، لو أن حمزة وجعفرا كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه، ولو كانا شاهديهما لأتلفا نفسيهما، فلذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه لم يقم مرة على المنبر إلا قال في


[713]

آخر كلامه قبل أن ينزل: ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه... أقول: وهذه نقثة مصدور، ونبذ من الرزايا التي تذوب منها الصخور (1).

 2 - عند دفن فاطمة عليها السلام: 14 - عن أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام، قال: (لما قبضت فاطمة عليها السلام دفنها أمير المؤمنين سرا، وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله ! عني، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري بلى وفي كتاب الله (لي) أنعم القبول: (إنا لله وإنا إليه راجعون (2).

 قد استرجعت الوديعة، واخذت الرهينة، واخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله ! أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، وهم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكوا، وستنبئك ابنتك بتظافر امتك على هضمها فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول، ويحكم الله وهو خير الحاكمين، سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعدا - وعد الله - الصابرين، واه واها والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا، ولاعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهضم


(1) - القمي: بيت الاحزان، ص 102، ط قم.

 (2) - البقرة، 2: 156.

 


[714]

حقها، وتمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله ! المشتكى، وفيك يا رسول الله ! أحسن العزاء، صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان (1).

 3 - في قصة الشورى: قال ابن أبي الحديد: (ثم قال (عمر): ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري فدعوه له، فقال: انظر يا أبا طلحة ! إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله، واجمعهم في بيت، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحدا منهم، فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب عنقهما، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن، فارجع إلى ما قد اتفقت عليه فإن أصرت الثلاثة الاخرى على خلافها فاضرب أعناقهم، وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم (2).

 فلما دفن عمر جمعهم أبو طلحة ووقف على باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار حاملي سيوفهم ثم تكلم القوم وتنازعوا فأول ما عمل طلحة أنه أشهدهم على نفسه أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان وذلك لعلمه أن الناس لا يعدلون به عليا وعثمان، وأن الخلافة لاتخلص له وهذان موجودان، فأراد تقوية أمر عثمان وإضعاف جانب علي عليه السلام بهبة أمر لا انتفاع له به ولا تمكن له منه،


(1) - الكليني: الاصول من الكافي، ج 1: ص 381، ط الاسلامية.

 (2) - في (منهاج البراعة) للعلامة قطب الدين الراوندي رحمه الله (ج 1: ص 128): (فقال العباس لعلى عليه السلام: ذهب الأمر منا، والرجل يريد أن يكون الأمر لعثمان، فقال علي عليه السلام: أنا أعلم ذلك، ولكني أدخل معهم في الشورى لأن عمر قد استأهلني الان للامامة وكان من قبل يقول: ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: إن النبوة والأمامة لا يجتمعان في بيت، وإنى لادخل في ذلك ليظهر أنه كذب نفسه بما روى أولا).

 


[715]

فقال الزبير في معارضته: وأنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي عليه السلام وإنما فعل ذلك لأنه لما رأى عليا قد ضعف وانخزل بهبة طلحة حقه لعثمان دخلته حمية النسب لأنه ابن عمة أمير المؤمنين عليه السلام وهي صفية بنت عبد المطلب، وأبو طالب خاله، وإنما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن علي عليه السلام باعتبار أنه تيمي وابن عم أبي بكر الصديق، وكان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم حنق شديد لأجل الخلافة وكذلك صار في صدور تيم على بني هاشم، وهذا أمر مركوز في طبيعة البشر وخصوصا طينة العرب وطبايعها والتجربة إلى الان تحقق ذلك (1).

 فبقى من الستة أربعة، فقال سعد بن أبي وقاص: وأناقد وهبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن، وذلك لأنها من بني زهرة ولعلم سعد أن الأمر لايتم له، فلما لم يبق إلا الثلاثة قال عبد الرحمن لعلي وعثمان: أيكما يخرج نفسه من الخلافة ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين ؟ فلم يتكلم منهما أحد، فقال عبد الرحمن: اشهدكم أنني قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما، فأمسكا، فبدأ بعلي عليه السلام وقال له: ابايعك على كتاب الله وسنة رسول الله وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر، فقال: بل على كتاب الله وسنة رسول الله واجتهاد رأيي، فعدل عنه إلى عثمان فعرض ذلك عليه فقال: نعم، فعاد إلى علي عليه السلام فأعاد قوله، فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثا فلما رأى أن عليا عليه السلام غير راجع عما قاله وأن عثمان ينعم له بالاجابة صفق على يد عثمان وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ! فيقال: إن عليا عليه السلام قال له: والله، ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجى صاحبكما من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم.

 قيل: ففسد بعد ذلك بين عثمان


(1) - هذا صحيح ولكنه لا يبرز عمله، فأين التزكية والتقوى والعدالة والأنصاف وطرح نخوة الجاهلية والتذلل والخشوع للحق ؟ ! (مصحح).

 


[716]

وعبد الرحمن فلم يكلم أحدهما صاحبه حتى مات (1).

 أقول: إن شئت أن يتضح لك مظلومية علي عليه السلام وتألمه وتأثره من هذه الشورى فلاحظ ما قاله في شأنها فإنه قال: (فصبرت على طول المدة وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيالله وللشورى، متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر ؟ لكنى أسففت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الاخر لصهره مع هن وهن (2).

 وقال عليه السلام - أيضا: (كنت في أيام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كجزء من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ينظر إلي الناس كما ينظر إلى الكواكب في افق السماء، ثم غض الدهر مني فقرن بي فلان وفلان، ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان، فقلت: واذفراه، ثم لم يرض الدهر لي بذلك حتى أرذلني فجعلني نظيرا لابن هند وابن النابغة، لقد استنت الفصال حتى القرعى (3).

 وقال عليه السلام في كتاب له إلى معاوية: (فيا عجبا للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال (4).

 وعجبا من قوم قاسوا أبا الحسن المظلوم عليه السلام الذي هو نفس النبي صلى الله عليه واله وسلم وعديل القرآن بأوغاد الناس كأن في آذانهم وقرا ولم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه واله وسلم في


(1) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 1: ص 187.

 ومنشم - بكسر الشين -: اسم امرأة كانت بمكة عطارة، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم، فكان يقال: أشأم من عطر منشم فصار مثلا.

 (ابن منظور: لسان العرب) (2) - السيد الرضي (المجمع): نهج البلاغة، خ 3.

 (3) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 20: ص 326.

 (4) - السيد الرضي (المجمع): نهج البلاغة، ر 9.

 


[717]

علي عليه السلام: (علي بن أبي طالب مني وأنا من علي، فمن قاسه بغيره فقد جفاني، ومن جفاني فقد آذاني.

 يا عبد الرحمن إن الله تعالى أنزل علي كتابا مبينا وأمرني أن ابين للناس ما نزل إليهم ما خلا على بن أبي طالب فإنه لم يحتج إلى بيان لأن الله تعالى جعل فصاحته كفصاحتي، ودرايته كدرايتي، ولو كان الحلم رجلا لكان عليا، ولو كان العقل رجلا لكان الحسن، ولو كان السخاء رجلا لكان الحسين، ولو كان الحسن شخصا لكان فاطمة بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصرا وشرفا وكرما (1).

 للسيد رضا الهندي:

قاسوك أبا حسن بسواك * وهل بالطود يقاس الذر

أنى ساووك بمن ناووك * وهل ساووا نعلي قنبر

لابن حماد:

ليس من جوهره جوهره * مثل من جوهره من خزف

لابي القاسم الزاهي:

ما أحد قايسكم بغيركم * ومازج السلسل بالشرب اللمط

إلا كمن ضاحى الجبال بالحصى * أو قايس الأبحر جهلا بالنقط

فتعسا لقوم أخروا من قدمه الله، وقدموا من أخره الله.

 وقال ابن أبي الحديد: (عجبا لقوم أخروك وكعبك العالي، وخد سواك أضرع أسفل).

 قال ابن أبي الحديد: (قال: بليت في حرب الجمل بأشد الخلق شجاعة، وأكثر الخلق ثروة وبذلا، وأعظم الخلق في الخلق طاعة، وأوفى الخلق كيدا وتكثرا (2)، بليت بالزبير، لم يرد وجهه قط، وبيعلى بن منية يحمل المال على الأبل الكثيرة و


(1) - الحمويني: فرائد السمطين، ج 2: ص 68 / ب 15.

 (2) - (وتكبرا).

 


[718]

يعطى كل رجل ثلاثين دينارا وفرسا على أن يقاتلني، وبعائشة ما قالت قط بيدها هكذا إلا واتبعها الناس، وبطلحة لا يدرك غوره، ولا يطال مكره.

 بعث عثمان بن حنيف إلى طلحة والزبير، فعاد فقال: يا أمير المؤمنين ! جئتك بالخيبة، فقال: كلا ! أصبت خيرا وأحرت، ثم قال: إن من العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما علي، أما والله، إنهما ليعلمان أنى لست بدون واحد منهما، اللهم عليك بهما.

 نعم، وما نقموا منه إلا أن يؤمن بالله العزيز الحميد، وما منعوه عن الخلافة وما زحزحوه عنها إلا لعدله، فعن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث الشورى: (...، فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام ما هم القوم به من البيعة لعثمان قام فيهم ليتخذ عليهم الحجة فقال لهم: اسمعوا مني فإن يك ما أقول حقا فاقبلوا، وإن يك باطلا فأنكروا، ثم قال لهم: أنشدكم بالله الذي يعلم صدقكم إن صدقتم، ويعلم كذبكم إن كذبتم، هل فيكم أحد صلى إلى القبلتين كلتيها (1) غيري ؟ قالوا: لا، قال: نشدتكم بالله هل فيكم من بايع البيعتين من بيعة الفتح وبيعة الرضوان غيري ؟ قالوا: لا، قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخوه المزين بالجناحين في الجنة غيرى ؟ قالوا: لا، قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد زوجته سيدة نساء أهل الجنة غيرى ؟ قالوا: لا، - وساق الكلام إلى أن قال عليه السلام: - إذا أقررتم على أنفسكم واستبان لكم ذلك من قول نبيكم فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأنها كم عن سخطه، ولا تعصوا أمره، وردوا الحق إلى أهله، واتبعوا سنة نبيكم، فإنكم إذا خالفتم خالفتم الله، فادفعوها إلى من هو أهلها وهي له، فتغامزوا بينهم وتشاوروا وقالوا: عرفنا فضله وعلمنا أنه أحق الناس بها ولكنه


(1) - قال المجلسي،: (صلى الى القبلتين) أي معا في صلاة واحدة، وجمع في مكة بين الكعبة وبيت المقدس.

 


[719]

رجل لا يفضل أحدا على أحد، فإن وليتموها إياه جعلكم وجميع الناس شرعا سواء ولكن ولوها عثمان فإنه يهوي الذي تهوون، فدفعوها إليه (1).

 وعن أبي ذر، في كلام له طويل: (فمازال يناشدهم ويدلوهم ما أكرمه الله تعالى وأنعم عليه به حتى قام قائم الظهيرة ودنت الصلاة - إلى أن قال: - ثم نهض إلى الصلاة، قال: فتأمر القوم فيما بينهم وشاوروا فقالوا: قد فضل الله علي بن أبي طالب بما ذكر لكم ولكنه رجل لا يفضل أحدا على أحد ويجعلكم ومواليكم سواء، وإن وليتموه إياها ساوى بين أسودكم وأبيضكم ولو وضع السيف على عنقكم، لكن ولوها عثمان فهو أقدمكم ميلا، وألينكم عريكة، وأجدر أن يتبع مسرتكم، والله غفور رحيم (2).

 4 - في أمر التحكيم 16 - من الموارد التي تصرح وتعلن بأنه عليه السلام مظلوم مضطهد، قصة رفع المصاحف على رؤوس الرماح وأمر التحكيم وظهور الخوارج.

 قال ابن أبي الحديد: (إن الذي دعا إليه (أي أمر التحكيم) طلب أهل الشام له واعتصامهم به من سيوف أهل العراق، فقد كانت أمارات القهر والغلبة لاحت، ودلائل النصر والظفر وضحت، فعدل أهل الشام عن القراع إلى الخداع، وكان ذلك برأي عمرو بن العاص، وهذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير... (3)، ونحن نذكر ما أورده نصربن مزاحم في (كتاب صفين) في هذا المعنى فهو ثقة، ثبت صحيح النقل، غير منسوب إلى هوى ولا إدغال، وهو من رجال أصحاب الحديث.

 قال نصر: حدثنا عمر وبن شمر، عن أبي ضرار، عن عمار بن ربيعة، قال:


(1) - المجلسي: بحار الأنوار، 890: ص 346، ط الكمباني.

 (2) - الطوسي: كتاب الأمالي، ج 2، ص 166.

 (3) - من هرير الفرسان بعضهم على بعض كما تهر السباع، وهو صوت دون النباح.


[720]

غلس علي عليه السلام بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين، وقيل: عاشر شهر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق والناس على راياتهم وأعلامهم، وزحف إليهم أهل الشام، وقد كانت الحرب أكلت الفريقين ولكنها في أهل الشام أشد نكاية وأعظم وقعا، فقدملوا الحرب وكرهوا القتال وتضعضعت أركانهم.

 قال: فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب (1) عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه، وبيده الرمح، فجعل يضرب رؤوس أهل العراق بالقناة ويقول: سووا صفوفكم - رحمكم الله -، حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره، ثم حمدالله وأثنى عليه وقال: الحمدلله الذي جعل فينا ابن عم نبيه، أقدمهم هجرة، وأولهم إسلاما، سيف من سيوف الله صبه الله على أعدائه، فانظروا إذا حمى الوطيس، وثار القتام، وتكسر المران، وجالت الخيل بالأبطال، فلا أسمع إلا غمغمة (2) أو همهمة فاتبعوني وكونوا في أثري ثم حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر.

 قال: وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين: يا أبا الحسن ! يا علي ! ابرز الي، فخرج إليه علي عليه السلام حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: إن لك يا علي ! لقدما في الأسلام والهجرة، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخر هذه الحروب حتى ترى رأيك ؟ قال: وما هو ؟ قال: ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق، ونرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا وبين أهل الشام.

 فقال علي عليه السلام: قد عرفت ما عرفت، إن هذه لنصيحة وشفقة، ولقد أهمني


(1) - الكميت من الخيل للمذكر والمؤنث: ما كان لونه بين الاسود والاحمر والذنوب - بفتح الذال - الفرس الوافر الذنب.

 (2) - الوطيس: التنور، المعركة، وحمى الوطيس أي اشتدت الحرب.

 والقتام الغبار.

 والمران: جمع مرانة - بالتشديد - وهى الرماح الصلبة.

 والغمغمة: أصرات الابطال عند الوغى.

 


[721]

هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد، إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم.

 قال: فرجع الرجل وهو يسترجع، وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت -... وروى نصر عن رجاله، قال: لما بلغ القوم إلى ما بلغوا إليه قام علي عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم ولم يبق منهم إلا آخر نفس، وإن الأمور إذا أقبلت أعتبر آخرها بأولها، وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا وأنا غاد عليهم بالغداة احاكمهم إلى الله.

 قال: فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص، وقال: يا عمرو ! إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل، فما ترى ؟ قال: إن رجالك لا يقومون لرجاله ولست مثله، هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره، أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم، وأهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم، ولكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا، وإن ردوه اختلفوا، ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك وبينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم، وإني لم أزل اؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه، فعرف معاوية ذلك وقال له صدقت.

 قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن جابر بن عمير الأنصاري قال: والله، لكأني أسمع عليا يوم الهرير... قال (الراوي): فلا والذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب، إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج


[722]

بسيفه منحنيا فيقول: معذرة إلى الله وإليكم من هذا، لقد هممت أن أفلقه ولكن يحجزني عنه أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي) وأنا اقاتل به دونه صلى الله عليه.

 قال: فكنا تأخذه فنقدمه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف، فلا والله ماليث بأشد نكاية منه عليه السلام في عدوه.

 قال نصر: فحدثنا عمرو بن شمر، عن جابر قال: سمعت تميم بن حذيم يقول: لما أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام في وسط الفيلق حيال موقف علي ومعاوية، فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت في أطراف الرماح وهي عظام مصاحف العسكر، وقد شدوا ثلاثة أرماح جميعا وربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم، يمسكه عشرة رهط.

 قال نصر: وقال أبو جعفر وأبو الطفيل: استقبلوا عليا بمائة مصحف، ووضعوا في كل مجنبة (1) مائتي مصحف، فكان جميعها خمسمائة مصحف.

 قال أبو جعفر: ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي عليه السلام، وقام أبو شريح الجزامي حيال الميمنة، وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة، ثم نادوا: يا معشر العرب ! الله، الله، في النساء والبنات والأبناء فمن للروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم ؟ الله، الله، في دينكم، هذا كتاب الله بيننا وبينكم.

 فقال علي عليه السلام: اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا وبينهم إنك أنت الحق المبين.

 فاختلف أصحاب علي عليه السلام في الرأي فطائفة قالت: القتال، وطائفة قالت: المحاكمة إلى الكتاب، ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى حكم الكتاب.

 فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت أوزارها -.

 فجاءه (يعني عليا.

) من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكى السلاح سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودت جباههم من السجود، يتقدمهم مسعر


(1) المجنبة - بكسر النون المشددة -: ميمنة الجيش وميسرته.

 


[723]

ابن فدكى وزيد بن حصين وعصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا علي ! أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم.

 فقال لهم: ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله، وأول من أجاب إليه، وليس يحل لي ولا يسعني في ديني أن ادعى إلى كتاب الله فلا أقبله، إنى إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن، فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم ونقضوا عهده، ونبذوا كتابه، ولكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم وأنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون.

 قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتينك، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله.

 قال نصر: فحدثني فضيل بن خديج، عن رجل من النخع قال: سأل مصعب إبراهيم بن الأشتر عن الحال كيف كانت ؟ فقال: كنت عند علي عليه السلام حين بعث إلى الاشتر ليأتيه وقد كان الأشتر أشرف على معسكر معاوية ليدخله، فأرسل إليه علي عليه السلام يزيد بن هاني أن ائتني، فأتاه فأبلغه، فقال الأشتر: ائته فقل له: ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي، إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني، فرجع يزيد بن هاني إلى علي عليه السلام فأخبره، فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج (1) وعلت الأصوات من قبل الأشتر وظهرت دلايل الفتح والنصر لأهل العراق، ودلايل الخذلان والادبار على أهل الشام.

 فقال القوم لعلى: والله، ما نراك إلا أمرته بالقتال.

 قال: أرأيتموني ساررت رسولي إليه ؟ أليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون ؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلا فوالله، اعتزلناك.

 فقال: ويحك يا يزيد قل له: أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره، فقال الأشتر: أبرفع هذه المصاحف ؟ قال: نعم، قال: أما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع خلاقا وفرقة، إنها مشورة ابن النابغة.

 ثم قال


(1) - الرهج - بالفتح فالسكون وبالتحريك -: ما اثير من الغبار.

 


[724]

ليزيد بن هانئ: ويحك ألا ترى إلى الفتح ؟ ألا ترى إلى ما يلقون ؟ ألا ترى إلى الذي يصنع الله لنا ؟ أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه ؟ فقال يزيد: أتحب أنك ظفرت ههنا وأن أمير المؤمنين بمكانة الذي هو فيه، يفرج عنه ويسلم إلى عدوه قال: سبحان الله، لا والله، لا احب ذلك، قال: فإنهم قد قالوا له وحلفوا عليه: لترسلن إلى الاشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك.

 فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح يا أهل الذل والوهن أحين علوتم القوم وظنوا أنكم لهم قاهرون ورفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ؟ وقد والله تركوا ما أمر الله به فيها وتركوا سنة من انزلت عليه، فالا تجيبوهم، أمهلوني فواقا فإني قد أحسست بالفتح، قالوا: لا نمهلك، قال: فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر، قالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك، قال: فحدثوني عنكم و- قد قتل أماثلكم وبقى أراذلكم - متى كنتم محقين ؟ أحين كنتم تقتلون أهل الشام فأنتم الآن حين أمسكتم عن قتالهم مبطلون ؟ أم أنتم الان في إمساككم عن القتال محقون فقتلاكم إذن - الذين لا تنكرون فضلهم وأنهم خير منكم - في النار ؟ قالوا: دعنا منك يا أشتر ! قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله، إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا، فقال: خدعتم والله فانخدعتم، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم، يا أصحاب الجباه السود كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقا إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت، ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة (1)، ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون.

 فسبوه وسبهم، وضربوا بسياطهم وجه دابته، وضرب بسوطه وجوه دوابهم وصاح بهم علي عليه السلام فكفوا، وقال الأشتر: يا أمير المؤمنين ! احمل الصف على الصف يصرع القوم، فتصايحوا إن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة ورضي بحكم


(1) - النيب جمع الناب وهى الناقة المسنة.

 


[725]

القرآن، فقال الأشتر: إن كان أمير المؤمنين قد قبل ورضي فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين، فأقبل الناس يقولون: قد رضي أمير المؤمنين، قد قبل أمير المؤمنين، وهو ساكت لايبض بكلمة مطرق إلى الأرض، ثم قام فسكت الناس كلهم فقال... ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت منهيا، وقد أحببتم البقاء، وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون، ثم قعد (1).

 قال نصر بن مزاحم: (لما كتب علي الصلح يوم صالح معاوية فدعا الأشتر ليكتب، قال قائل: اكتب بينك وبين معاوية، فقال: إني والله لأنا كتبت الكتاب بيدي يوم الحديبية وكتبت بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: لا أرضى، اكتب: (باسمك اللهم) فكتبت هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل ابن عمرو، فقال: لو شهدت أنك رسول الله لم اقاتلك، قال علي: فغضبت فقلت: بلى، والله إنه لرسول الله وإن رغم أنفك، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: اكتب ما يأمرك، إن لك مثلها، ستعطيها وأنت مضطهد (2).

 وقال - أيضا: (وفي كتاب عمر بن سعد: هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين، فقال معاوية: بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته، وقال عمرو: اكتب اسمه واسم أبيه، إنما هو أميركم وأما أميرنا فلا.

 فلما اعيد إليه الكتاب أمر بمحوه، فقال الأحنف: لا تمح اسم إمرة المؤمنين عنك، فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا، لا تمحها وان قتل الناس بعضهم بعضا، فأتى مليا من النهار أن يمحوها.

 ثم إن الأشعث بن قيس جاء فقال: امح هذا الاسم، فقال علي: لا إله إلا الله، و


(1) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 2: صص 206 - 219، نصر بن مزاحم: كتاب الصفين، ص 473.

 (2) - نصر بن مزاحم: كتاب الصفين، ص 509.

 


[726]

الله أكبر، سنة بسنة، أما والله لعلى يدي دار هذا يوم الحديبية حين كتبت الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسهيل بن عمرو، فقال سهيل: لا اجيبك إلى كتاب تسمى فيه رسول الله، ولو أعلم أنك رسول الله لم اقاتلك، إني إذا ظلمتك إن منعتك أن تطوف ببيت الله وأنت رسول الله، ولكن اكتب (محمد بن عبد الله) اجبك، فقال محمد صلى الله عليه واله وسلم: يا علي ! إني لرسول الله، وإني لمحمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة، كتابي إليهم من محمد بن عبد الله، فاكتب: محمد بن عبد الله.

 فراجعني المشركون في هذا إلى مدة، فاليوم أكتبها إلى ابنائهم كما كتبها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى آبائهم سنة ومثلا.

 فقال عمرو بن العاص: سبحان الله، ومثل هذا شبهتنا بالكفار ونحن مؤمنون ؟ فقال له علي: يا ابن النابغة ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا ؟ وهل تشبه إلا امك التي وضعت بك... (1).

 17 - قال ابن أبي الحديد: (فبينا علي عليه السلام واقفا بين جماعة من همدان وحمير وغيرهم من أفناء (2) قحطان إذ نادى رجل من أهل الشام: من دل على أبي نوح الحميري ؟ فقيل له: قد وجدته فماذا تريد ؟ قال: فحسر عن لثامه فإذا هو ذوالكلاع الحميري ومعه جماعة من أهله ورهطه، فقال لأبي نوح: سر معي، قال: إلى أين ؟ قال: إلى أن نخرج عن الصف، قال: وما شأنك ؟ قال إن لي إليك لحاجة، فقال أبو نوح: معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتبة، قال ذوالكلاع: بلى فسر فلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى اخيك، فإنما اريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه.

 فسار أبو نوح وسار ذوالكلاع فقال له: إنما دعوتك احدثك حديثا حدثنى


(1) - كتاب الصفين، ص 508.

 (2) - أي أخلاط.

 


[727]

عمرو بن العاص قديما في خلافة عمر بن الخطاب ثم أذكرناه الان به فاعاده، إنه يزعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: (يلتقي أهل الشام وأهل العراق وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمار بن ياسر).

 فقال أبو نوح: نعم، والله إنه لفينا، قال: نشدتك الله أجاد هو على قتالنا ؟ قال أبو نوح: نعم، ورب الكعبة، لهو أشد على قتالكم منى، ولوددت أنكم خلق واحد فذبحته وبدأت بك قبلهم....

 قلت: واعجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار ولا يعتريهم الشك لمكان علي عليه السلام، ويستدلون على أن الحق مع أهل العراق بكون عمار بين أظهرهم ولا يعبئون بمكان علي عليه السلام، ويحذرون من قول النبي صلى الله عليه واله وسلم: (تقتلك الفئة الباغية) ويرتاعون لذلك، ولا يرتاعون لقوله صلى الله عليه واله وسلم في علي عليه السلام: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) ولا لقوله: (لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)، وهذا يدلك على أن عليا عليه السلام اجتهدت قريش كلها من مبدأ الأمر في إخمال ذكره وستر فضائله وتغطية خصائصه حتى محى فضله ومرتبته من صدور الناس كافة إلا قليلا منهم (1).

 18 - وقال - أيضا: (في شكواه وتظلمه عليه السلام من قريش قال عليه السلام: (اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم أضمروا لرسولك صلى الله عليه واله وسلم ضروبا من الشر والغدر، فعجزوا عنها وحلت بينهم وبينها، فكانت الوجبة بي والدائرة علي، اللهم احفظ حسنا وحسينا، ولاتمكن فجرة قريش منهما مادمت حيا، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد (2).

 19 - وقال له قائل: يا أمير المؤمنين ! أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ترك ولدا (1) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 8: ص 16.

 (2) - ابن ابى الحديد: شرح النهج، ج 20: ص 289.

 


[728]

ذكرا قد بلغ الحلم وآنس منه الرشد أكانت العرب تسلم إليه أمرها ؟ قال: لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل، ما فعلت إن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه واله وسلم وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته، ونفرت به ناقته مع عظيم إحسانه إليها، وجسيم مننه عندها، وأجمعت مذكان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته، ولولا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة وسلما إلى العز والأمرة لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا، ولارتدت في حافرتها، وعاد قارحها جذعا، وبازلها بكرا.

 ثم فتح الله عليها الفتوح فأثرت بعد الفاقة، وتمولت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الأسلام ما كان سمجا، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا، وقالت: لو لا أنه حق لما كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الامراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره وانقطع صوته وصيته حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لايعرف، وما عسى أن يكون الولد لو كان، إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يقربني ما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة بل للجهاد والنصيحة، أفتراه لو كان له ولدهل كان يفعل ما فعلت: وكذاك لم يكن يقرب ما قربت، ثم لم يكن عند قريش والعرب سببا للحظوة والمنزلة بل للحرمان والجفوة.

 اللهم إنك تعلم أني لم ارد الأمرة، ولاعلو الملك والرياسة، وإنما أردت، القيام بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الامور مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها، والمضي على منهاج نبيك، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك (1).

 20 - وقال - أيضا: (قال عليه السلام: كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم


(1) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 20: ص 299.

 


[729]

أظهرته في، وستظهره في ولدي من بعدي، مالي ولقريش ! إنما وترتهم بأمر الله ورسوله، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين (1).

 21 - وقال عليه السلام: (ما زلت مظلوما منذ قبض الله تعالى نبيه إلى يوم الناس (2).

 22 - وعن مسيب بن نجبة قال: (بينما علي يخطب وأعرابي يقول: وامظلمتاه) فقال علي عليه السلام: ادن، فدنا، فقال: لقد ظلمت عدد المدر والوبر (3).

 وجاء أعرابي يتخطا فنادى: يا أمير المؤمنين مظلوم، قال علي: (ويحك وأنا مظلوم ظلمت عدد المدر والوبر).

 23 - عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن والده: (أن عليا عليه السلام لم يقم مرة على المنبر إلا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: مازلت مظلوما منذ قبض الله نبيه (4).

 24 - وكان أبو ذر - رضي الله عنه - يعبر عن أمير المؤمنين عليه السلام بالشيخ المظلوم المضطهد (5).

 أقول: وإنه عليه السلام يطلع على البئر إلى نصفه ويخاطب البئر ويقول:

وفي الصدر لبانات * إذا ضاق لها صدري

نكت الأرض بالكف * وأبديت لها سري

فمهما تنبت الأرض * فذاك النبت من بذري(6)

25 - وقال عليه السلام: (وقد قال قائل: إنك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص !


(1) - ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة ج 20: ص 328.

 (2) - القمي: سفينة البحار، ج 2: ص 108، المجلسي: بحار الأنوار، ج 41: ص 51، ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 106 (مع زيادة).

 (3) - القمي: سفينة البحار، ج 2: ص 108.

 (4) - القمي: سفينة البحار، ج 2: ص 108.

 (5) - القمي: سفينة البحار، ج 2: ص 108.

 (6) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 40: ص 300. ونكت الارض بالقضيب: هو أن يؤثر فيها بطرفه فعل المفكر المهموم. واللبانة: الحاجة من غير فاقة ولكن من همة. (ابن منظور لسان العرب).


[730]

فقلت: بل، أنتم والله، لأحرص وأبعد، وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقا لى وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه، فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به.

اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هولي، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تتركه (1).

 26 - وقال عليه السلام - أيضا: (اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قد قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري، وقالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تمنعه، فاصبر مغموما، أو مت متأسفا، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولاذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وألم للقلب من وخز الشفار (2).

 27 - وقال ابن أبي الحديد: (وروى الزبير بن بكار - أيضا - في كتابه عن رجال أسند بعضهم، عن بعض، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: أرسل إلي عثمان في الهاجرة (3)، فتقنعت بثوبي وأتيته فدخلت عليه وهو في سريره وفي يده قضيب وبين يديه مال دثر (4) صبرتان من ورق وذهب، فقال: دونك خذمن هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني، فقلت: وصلتك رحم، إن كان هذا المال ورثته أو أعطاكه معط أو اكتسبته من تجارة كنت أحد رجلين: إما آخذ وأشكر، أوفر وأجهد، وإن


(1) - السيد الرضي (المجمع): نهج البلاغة، خ 171.

 (2) - السيد الرضي (المجمع): نهج البلاغة، خ 216.

 والاستعداء: الاستعانة والانتصار.

 والرافد: المعين.

 والوخز: الطعن الخفيف.

 والشفار: جمع الشفرة وهو السكين العظيم.

 (3) - الهاجرة، نصف النهار في القيظ.

 (4) - أي كثير.

 


[731]

كان من مال الله وفيه حق المسلمين واليتيم وابن السبيل، فوالله، مالك أن تعطينيه، ولالي أن آخذه، فقال: أبيت والله، إلا ما أبيت، ثم قام إلي بالقضيب فضربني، والله ما أرد يده حتى قضى حاجته، فتقنعت بثوبي رجعت إلى منزلي... الخبر (1).

 شكواه عليه السلام من تكاهل أصحابه وتواكلهم 28 - قال ابن أبي الحديد: (قال إبراهيم: وقدم علج (2) من أهل الأنبار على علي عليه السلام فأخبره الخبر، فصعد المنبر فخطب الناس وقال: (إن أخاكم البكري قد اصيب بالأنبار (3) وهو معتز لا يخاف ما كان، واختار ما عند الله على الدنيا، فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم، فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا).

 ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلم متكلم منهم بكلمة فلم ينبس أحد منهم بكلمة، فلما رأى صمتهم نزل وخرج يمشي راجلا حتى أتى النخيلة والناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم فقالوا: ارجع يا أمير المؤمنين، ونحن نكفيك، فقال: ما تكفونني ولا تكفون أنفسكم، فلم يزالوا به حتى صرفوه إلى منزله وهو واجم كئيب.

 ودعا سعيد بن قيس الهمداني فبعثه من النخيلة في ثمانية الاف، وذلك أنه اخبر أن القوم جاؤوا في جمع كثيف، فخرج سعيد بن قيس على شاطئ الفرات في طلب سفيان بن عوف حتى إذا بلغ عانات سرح أمامه هانئ بن الخطاب الهمداني فأتبع اثارهم حتى دخل أداني أرض قنسرين وقد فاتوه وانصرف.

 قال: ولبث علي عليه السلام ترى فيه الكابة والحزن حتى قدم عليه سعيد ابن قيس، وكان تلك الأيام عليلا فلم يقو على القيام في الناس بما يريده من القول، فجلس بباب السدة


(1) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 9: ص 16.

 (2) - العلج: الرجل الضخم القوى من كفار العجم أو مطلقا.

 (3) - وهو حين أغار على أهله أخو غامد سفيان بن عوف.

 


[732]

التي تصل إلى المسجد ومعه ابناه حسن وحسين عليهما السلام وعبد الله بن جعفر (1).

 29 - وقال عليه السلام: (ولقد أصحبت الامم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أخاف ظلم رعيتي... أيها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم امراؤهم، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت - والله - أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم (2).

 30 - وقال عليه السلام: (... ولكن بمن وإلى من ؟ اريد أن اداوي بكم وأنتم دائي، كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أن ضلعها معها.

 اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي، وكلت النزعة بأشطان الركي (3).

 31 - وقال عليه السلام: (يا أشباه الرجال ولارجال، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة - والله - جرت ندما وأعقبت سدما، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لاعلم له بالحرب، لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسا، وأقدم فيها مقاما مني ؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذاقد ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع (4).

 


(1) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 88.

 (2) - السيد الرضي (المجمع): نهج البلاغة، خ 95.

 (3) - الضلع - بفتح الضاد وتسكين اللام: الميل.

 وأصل المثل: (لا تنقش الشوكة بالشوكة فان ضلعها معها) يضرب للرجل يخاصم آخر ويستعين عليه بمن هو من قرابته أو أهل مشربه.

 ونقش الشوكة: اخراجها من العضو تدخل فيه.

 وكلت: ضعفت.

 والنزعة: جمع نازع.

 والاشطان: جمع شطن وهو الحبل.

 والركى: جمع ركية، وهى البئر.

 والخبر في النهج (خ 119).

 وفي (اختصاص) المفيد، (ص 156).

 (4) - السيد الرضي: نهج البلاغة، خ 27.

 والحلم: الاناة والعقل، أي لكم حلوم الاطفال.

 والسدم


[733]

32 - وقال عليه السلام: (انبئت بسرا قد اطلع اليمن، وإنى - والله - لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق.

 وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم، فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته.

 اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بى شرا مني، اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء (1).

 33 - وقال عليه السلام في كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن عباس بعد قتل محمد بن أبي بكر: (أما بعد فإن مصر قد افتتحت، ومحمد بن أبي بكر -، قد استشهد، فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا، وقد كنت حثثت الناس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها، ومنهم المعتل كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا، أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا، فوالله لولا طمعي عند لقاء عدوي في الشهادة، وتوطيني نفسي على المنية لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا، ولا التقي بهم أبدا (2).

 34 - وقال عليه السلام في كتاب له إلى معاوية جوابا عنه: (وقلت: إنى كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى ابايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه ولا مرتابا بيقينه، وهذه حجتي إلى غيرك قصدها ولكني أطلقت لك


- محركة - الندم والحزن مع أسف أو غيظ.

 والنغبة: الجرعة.

 التهمام - بفتح التاء - الاغتمام.

 والنفس أيضا: الجرعة.

 لله أبوهم: دعاء لهم بالخير.

 وذرفت: أي زدت (1) - السيد الرضي (المجمع): نهج البلاغة، خ 25.

 و(سيدالوان منكم) أي تكون لهم الدولة دونكم.

 (2) - السيد الرضي: نهج البلاغة، ر 35.

 


[734]

منها بقدر ما سنح من ذكرها (1).

 35 - عن سليم بن قيس: (فألقوا في عنقه (علي) حبلا، وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت - إلى أن قال: - فماتت حين ماتت، وإن في عضدها كمثل المدملج، ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا (2).

 36 - وقال عليه السلام: (غدا ترون أيامي، ويكشف لكم عن سرائري، وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي (3).

 37 - روى الكليني، عنه عليه السلام في خطبة: (ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من بيته وخاصته وشيعته فقال: قد عملت الولاة قبلى أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (4) متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لتفرق عني جندي، حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلى وفرض إما متى من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

 أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام، ورددت صاع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم


(1) - السيد الرضي: نهج البلاغة، ر 28.

 والخشاش - كتاب -: ما يدخل في عظم ألف البعير من خشب لينقاد.

 والغضاضة: النقض.

 وسنح: أي ظهر.

 (2) - كتاب سليم بن قيس، ص 84، ط بيروت.

 وعتله: جذبه وجره عنيفا.

 (3) - السيد الرضي (المجمع): نهج البلاغة، خ 147.

 (4) - أعمالهم التى خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كثيرة جدا: ذكر طائفة منها غير واحد من علمائنا الامامية رحمه الله فراجع (شرح التجريد) لنصير الدين الطوسى رحمه الله، و(الشافي) للشريف المرتضى، و(دلائل الصدق) للعلامة المظفر، و(عبقات الانوار) للمير حامد حسين، و(الغدير) للعلامة الاميني، و(معالم المدرستين) للعلامة العسكري، وأجودها جمعا وتحريرا كتاب (النص والاجتهاد) للسيد شرف الدين العاملي رحمه الله.

 


[735]

كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد، ورددت قضايا من الجور قضي بها، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام، وسبيت ذراري بني تغلب، ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا، وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الأغنياء، وألقيت المساحة، وسويت بين المناكح، وأنفذت خمس الرسول صلى الله عليه واله وسلم كما أنزل الله عز وجل وفرضه، ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى ماكان عليه، وسددت ما فتح فيه من الأبواب، وفتحت ما سد منه، وحرمت المسح على الخفين، وحددت على النبيذ، وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخرجت من ادخل مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في مسجده ممن كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أخرجه، وأدخلت من اخرج بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ممن كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن، وعلى الطلاق على السنة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم، ورددت سبايا فارس وسائر الامم.

 إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله وسلم، إذا لتفرقوا عني.

 والله، لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: يا أهل الأسلام ! غيرت سنة عمر ! ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا.

 ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذه الامة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار، وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى


[736]

الجمعان (1)، فنحن والله عنى بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله صلى الله عليه واله وسلم، فقال تعالى: (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل (فينا خاصة) كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله (في ظلم آل محمد) إن الله شديد العقاب (2) لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به، ووصى به نبيه صلى الله عليه واله وسلم، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا الله وكذبوا رسوله، وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا، ومنعونا فرضا فرضه الله لنا، ما لقي أهل بيت نبي من امته ما لقينا بعد نبينا صلى الله عليه واله وسلم، والله المستعان على من ظلمنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (3).

 أقول: ونتعرض في شرح الخطبة لموردين لهما إلمام بمظلوميته وأهله: ونحيل القراء الكرام لشرح سائر الفقرات إلى كتاب الوافي (الجزء 14: ص 15) وشروح الكافي (قسم الروضة، ح 21).

 قوله عليه السلام: (ورددت فدك إلى ورثة فاطمة)، قال الياقوت: (فدك - بالتحريك وآخره كاف - قال ابن دريد: فدكت القطن تفديكا إذا نفشته.

 وفدك قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله - صلى الله عليه (وآله) وسلم - في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلاث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله صلى الله عليه (و آله) وسلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء، وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولاركاب فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم، و


(1) - الانفال، 8: 41.

 (2) - الحشر، 59: 7.

 (3) - الكليني: الروضة من الكافي، صص 59 - 63، القاساني: الوافي، الجزء 13: ص 14.

 


[737]

فيها عين فوارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة - رضي الله عنها -: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نحلنيها، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: اريد لذلك شهودا، ولها قصة... فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره برد فدك إلى ولد فاطمة - رضي الله عنها - فكانت في أيديهم في أيام عمربن عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها، فلم تزل في أيدي بني امية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب، فكان هو القيم عليها يفرقها في بني علي بن أبي طالب، فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم، فلما ولي المهدى بن المنصور الخلافة أعادها عليهم، ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب فطالب بها فأمر أن يسجل لهم بها، فكتب السجل وقرء على المأمون، فقام دعبل الشاعر وأنشد:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمون هاشما فدكا (1)

وقال الاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود، الكاتب الشهير المصري، مؤلف الموسوعة العلوية (الأمام علي بن أبي طالب) في تقديمه للكتاب القيم (فدك) للعلامة السيد محمد حسين الموسوي القزويني الحائري (ص 6:) ذلك أن أرض فدك - نحلة كانت أو ميراثا - هي حق خالص لفاطمة، لا يمكن المماراة فيه).

 وقال السيوطي: (عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الاية: (وآت ذالقربى حقه) (2) دعا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاطمة فأعطاها فدك).

 وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما نزلت (وآت ذالقربى


(1) - الحموي: معجم البلدان، ج 4، ص 238.

 (2) - الاسراء، 17: 25.

 


[738]

حقه) أقطع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاطمة فدكا (1).

 وقال البلاذري: (عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي: إن بنى امية اصطفوا فدك وغيروا سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيها، فلما ولي عمربن عبد العزيز - رضي الله عنه - ردها إلى ما كانت عليه (2).

 وقوله عليه السلام: (فأعطيت من ذلك سهم ذي القربى) قال الحافظ الهيثمي: (إن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم غير أنه لم يعطي قربى، رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كما كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعطيهم (3).

 وقال الطبري: (عن ابن عباس، قال: جعل سهم الله وسهم الرسول واحدا ولذي القربى، فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطى غيرهم (4).

 وعن قتادة (إنه سئل عن سهم ذى القربى فقال: كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله صدقة على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (5).

 وقال الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام (المتوفى 224): (حدثنا حجاج عن الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب أن يزيد بن هرمز حدثه أن نجدة كتب إلى ابن عباس يساله عن سهم ذي القربى، فكتب إليه: انه لنا، وقد دعانا عمر لينكح أيامانا، ويخدم منه عائلنا، فأبينا عليه إلا أن يسلمه لنا كله، وأبى ذلك علينا، قال ابن هرمز: أنا كتبت ذلك الكتاب من ابن عباس إلى نجدة (6).

 


(1) - السيوطي: الدر المنثور، ج 4: ص 177.

 (2) - البلاذري: فتوح البلدان، ص 44.

 (3) - الهيثمي: مجمع الزوائد، ج 5، ص 241.

 (4) - الطبري: جامع البيان، ج 10: صص 7 و6.

 (5) - الطبري: جامع البيان، ج 10: صص 7 و6.

 (6) - الاموال، ص 466.

 


[739]

وقال - أيضا: (إن عمر بن الخطاب قال: جاءني خمس العراق، لا أدع هاشميا إلا زوجته، ولا من لا جارية له إلا أخدمته.

 قال: وكان يعطي الحسن والحسين عليهما السلام (1).

 وقال ابن أبي الحديد: (واعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة أبا بكر كان في أمرين في الميراث والنحلة، وقد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث، ومنعها أبو بكر إياه أيضا وهو سهم ذوي القربى....

 إن فاطمة عليها السلام أتت أبا بكر فقالت: لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى، ثم قرأت عليه قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى - الاية) (2)، فقال لها أبو بكر: بأبى أنت وامي ووالد ولدك السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وحق قرابته، وأنا أقرء من كتاب الله الذي تقرئين منه ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا، قالت: أفيك هو ولأقربائك ؟ قال: لا، بل انفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين...).

 وقال أيضا: عن عروة قال: أرادت فاطمة أبا بكر على فدك وسهم ذوي القربى، فأبى عليها وجعلهما في مال الله تعالى).

 و- أيضا - عن جويبر، عن أبي الضحاك، عن الحسن بن محمد بن على بن أبي طالب عليه السلام: إن أبا بكر منع فاطمة وبني هاشم سهم ذوي القربى، وجعله في سبيل الله في السلاح والكراع (3).

 وقال البخاري: (عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: أن فاطمة عليها السلام بنت


(1) - الاموال، ص 466.

 (2) - الانفال، 8: 41.

 (3) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 16: صص 230 و231.

 والكراع: من ذوات الحافر والابل.

 


[740]

النبي صلى الله عليه واله وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه واله وسلم في هذا المال، وإني والله لا اغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم... فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة عليها السلام منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك (1) فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس - الخبر (2).

 كونه عليه السلام سيد المظلومين 38 - ذكر ابن أبي الحديد مباحثة له مع استاذه أبي جعفر النقيب، قال: (قلت له مرة: ما سبب حب الناس لعلي بن أبي طالب عليه السلام وعشقهم له وتهالكهم في هواه ؟ ودعني في الجواب من حديث الشجاعة والعلم والفصاحة وغير ذلك من الخصائص التي رزقه الله سبحانه الكثير الطيب منها، فضحك وقال لي: كم تجمع جراميزك علي (3) ! ثم قال: ههنا مقدمة ينبغي أن تعلم وهى: أن أكثر الناس موتورون من الدنيا، أما المستحقون فلاريب في أن أكثرهم محرومون، نحو عالم يرى أنه لاحظ له في الدنيا، ويرى جاهلا غيره مرزوقا وموسعا عليه، وشجاع قد ابتلي في الحرب وانتفع بموضعه ليس له عطاء يكفيه ويقوم بضروراته، ويرى غيره وهو جبان فشل يفرق من ظله مالكا لقطر عظيم من الدنيا وقطعة وافرة من المال والرزق، وعاقل سديد التدبير صحيح العقل قد قدر عليه رزقه وهو يرى غيره


(1) - وجد عليه: غضب.

 (2) - صحيح البخاري، ج 5: ص 177 / باب غزوة خيبر، و- أيضا - ج 4: ص 96 قريبا منه.

 (3) - جمع جراميزه: إذا تقبض ثم وثب عليه.

 


[741]

أحمق مائقا تدر عليه الخيرات وتتحلب عليه أخلاف الرزق، وذى دين قويم وعبادة حسنة وإخلاص وتوحيد وهو محروم مضيق الرزق، ويرى غيره يهوديا أو نصرانيا أو زنديقا كثير المال حسن الحال، حتى إن هذه الطبقات المستحقة يحتاجون في أكثر الوقت إلى الطبقات التى لااستحقاق لها وتدعوهم الضرورة إلى الذل لهم والخضوع بين أيديهم إما لدفع ضرر أو لاستجلاب نفع.

 ودون هذه الطبقات من ذوي الاستحقاق أيضا ما نشاهده عيانا من نجار حاذق، أو بناء عالم، أو نقاش بارع، أو مصور لطيف، على غاية ما يكون من ضيق رزقهم وقعود الوقت بهم وقلة الحيلة لهم، ويرى غيرهم ممن ليس يجري مجراهم ولا يلحق طبقتهم مرزوقا مرغوبا فيه كثير المكسب، طيب العيش واسع الرزق، فهذا حال ذوي الاستحقاق والاستعداد.

 وأما الذين ليسوا من أهل الفضائل كحشو العامة فإنهم أيضا لا يخلون من الحقد على الدنيا والذم لها والحنق والغيظ منها لما يلحقهم من حسد أمثالهم وجيرانهم، ولايرى أحد منهم قانعا بعيشه ولا راضيا بحاله، بل يستزيد ويطلب حالا فوق حاله.

 قال: فإذا عرفت هذه المقدمة فمعلوم أن عليا عليه السلام كان مستحقا محروما بل هو أمير المستحقين المحرومين وسيدهم وكبيرهم ومعلوم أن الذين ينالهم الضيم وتلحقهم المذلة والهضيمة يتعصب بعضهم لبعض ويكونون إلبا ويدا واحدة على المرزوقين الذين ظفروا بالدنيا ونالوا ماربهم منها لاشتراكهم في الأمر الذي آلمهم وساءهم وعضهم ومضهم، واشتراكهم في الانفة والحمية والغضب والمنافسة لمن علا عليهم وقهرهم وبلغ من الدنيا ما لم يبلغوه.

 فإذا كان هؤلاء أعني المحرومين متساوين في المنزلة والمرتبة، وتعصب بعضهم لبعض فما ظنك بما إذا كان منهم رجل عظيم القدر، جليل الخطر، كامل الشرف، جامع للفضائل، محتوعلى الخصائص والمناقب، وهو مع ذلك محروم


[742]

محدود، وقد جرعته الدنيا علاقمها، وعلته عللا بعد نهل (1) من صابها وصبرها، ولقي منها برحا بارحا وجهدا جهيدا، وعلا عليه من هو دونه، وحكم فيه وفي بنيه وأهله ورهطه من لم يكن ما ناله من الأمرة والسلطان في حسابه، ولا دائرا في خلده ولا خاطرا بباله، ولاكان أحد من الناس يرتقب ذلك له ولا يراه له، ثم كان في آخر الأمر أن قتل هذا الرجل الجليل في محرابه، وقتل بنوه بعده، وسبي حريمه ونساؤه وتتبع أهله وبنو عمه بالقتل والطرد والتشريد والسجون مع فضلهم وزهدهم وعبادتهم وسخائهم وانتفاع الخلق بهم ؟ فهل يمكن ألا يتعصب البشر كلهم مع هذا الشخص ؟ وهل تستطيع القلوب ألا تحبه وتهواه وتذوب فيه وتفنى في عشقه انتصارا له وحمية من أجله وأنفة مما ناله، وامتعاضا مما جرى عليه (2) ؟ وهذا أمر مركوز في الطباع ومخلوق في الغرائز كما يشاهد الناس على الجرف إنسانا قد وقع في الماء العميق وهو لا يحسن السباحة، فإنهم بالطبع البشرى يرقون عليه رقة شديدة، وقد يلقي قوم منهم أنفسهم في الماء نحوه يطلبون تخليصه لا يتوقعون على ذلك مجازاة منه بمال أو شكر ولا ثوابا في الاخرة، فقد يكون منهم من لا يعتقد أمر الاخرة ولكنها رقة بشرية، وكأن الواحد منهم يتخيل في نفسه أنه ذلك الغريق، فكما يطلب خلاص نفسه لو كان هذا الغريق كذلك يطلب تخليص من هو في تلك الحال الصعبة للمشاركة الجنسية.

 وكذلك لو أن ملكا ظلم أهل بلد من بلاده ظلما عنيفا لكان أهل ذلك البلد يتعصب بعضهم لبعض في الانتصار من ذلك الملك والاستعداء عليه، فلو كان من جملتهم رجل عظيم القدر جليل الشأن قد ظلمه الملك أكثر من ظلمه إياهم، و


(1) - النهل: الشرب الاول للابل، والعلل الثانية منه.

 (2) - معض من الامر: غضب وشق عليه.

 


[743]

أخذ أمواله وضياعه، وقتل أولاده وأهله، كان لياذهم به وانضواؤهم إليه واجتماعهم والتفافهم به أعظم وأعظم، لأن الطبيعة البشرية تدعو إلى ذلك على سبيل الأيجاب الاضطراري، ولا يستطيع الأنسان منه امتناعا (1).

 39 - ونقل - أيضا - عن استاذه أبي جعفر النقيب بعد كلام طويل له: (وأما علي عليه السلام فقتل بالكوفة بعد أن شرب نقيع الحنظل وتمنى الموت، ولو تأخر قتل ابن ملجم له لمات أسفا وكمدا، ثم قتل ابناه بالسم والسيف، وقتل بنوه الباقون مع أخيهم بالطف، وحملت نساؤهم على الأقتاب سبايا إلى الشام، ولقيت ذريتهم وأخلافهم بعد ذلك من القتل والصلب والتشريد في البلاد والهوان والحبس والضرب ما لا يحيط الوصف بكنهه - الخ (2).

 40 - ونقل عنه - أيضا - قال: (واعلم أن كل دم أراقه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بسيف علي عليه السلام وبسيف غيره فإن العرب بعد وفاته عليه السلام عصبت تلك الدماء بعلي بن أبي طالب عليه السلام وحده، لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلا بعلي وحده، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله....

 فقلت له: إنى لأعجب من علي عليه السلام كيف بقي تلك المدة الطويلة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

 وكيف ما اغتيل وفتك في جوف منزله مع تلظي الأكباد عليه ؟ فقال: لولا أنه أرغم أنفه بالتراب ووضع خده في حضيض الأرض لقتل، ولكنه أخمل نفسه، واشتغل بالعبادة والصلاة والنظر في القرآن، وخرج عن ذلك الزي الأول، وذلك الشعار ونسي السيف، وصار كالفاتك يتوب ويصير سائحا في


(1) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 10: ص 223.

 (2) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 7: ص 175.

 


[744]

الارض أو راهبا في الجبال....

 تركوه وسكتوا عنه، ولم تكن العرب لتقدم عليه إلا بمواطأة من متولي الأمر وباطن في السر منه، فلما لم يكن لولاة الأمر باعث وداع إلى قتله وقع الأمساك عنه، ولولا ذلك لقتل، ثم اجل بعد معقل حصين، فقلت له: أحق ما يقال في حديث خالد ؟ فقال: إن قوما من العلوية يذكرون ذلك، ثم قال: وقد روي أن رجلا جاء إلى زفر بن الهذيل صاحب أبي حنيفة فسأله عما يقول أبو حنيفة في جواز الخروج من الصلاة بأمر غير التسليم نحو الكلام والفعل الكثير أو الحدث، فقال: إنه جائز قد قال أبو بكر في تشهده ما قال - الخ (1).

 41 - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لما اسري بالنبي صلى الله عليه واله وسلم إلى السماء قيل له: إن الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك، قال: أسلم لأمرك يا رب، ولا قوة لي على الصبر إلا بك، فماهن ؟ قيل له: أولهن الجوع والأثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت يا رب ورضيت وسلمت ومنك التوفيق والصبر.

 وأما الثانية فالتكذيب والخوف الشديد وبذلك مهجتك في محاربة أهل الكفر بمالك ونفسك، والصبر على ما يصيبك منهم من الأذى ومن أهل النفاق، والألم في الحرب والجراح، قال: قبلت يا رب ورضيت وسلمت ومنك التوفيق والصبر.

 وأما الثالثة فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل، أما أخوك علي فيلقى من امتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم وآخر ذلك القتل، فقال: يا رب قبلت ورضيت ومنك التوفيق والصبر، وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصبا الذي تجعله لها، وتضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلى


(1) - ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 300.

 


[745]

حريمها ومنزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان وذل ثم لاتجد مانعا وتطرح ما في بطنها من الضرب (1) قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، قبلت يا رب وسلمت ومنك التوفيق والصبر، ويكون لها من أخيك ابنان يقتل أحدهما غدرا، ويسلب ويطعن، تفعل به ذلك امتك، قلت: يا رب قبلت وسلمت، أنا لله وإنا إليه راجعون - الحديث (2).

 42 - (دخلت ام سلمة على فاطمة عليها السلام فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ قالت: أصبحت بين كمد وكرب: فقد النبي، وظلم الوصي،


(1) - قال ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان) (ج 1: ص 268) في ترجمة أحمد بن محمد السرى بن يحيى بن أبي دارم المحدث الكوفي: (قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفى الحافظ بعد أن أرخ موته: كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: أن فلانا رفس (الرفس: الصدمة بالرجل في الصدر) فاطمة حتى أسقطت بمحسن...).

 وقال ابن أبي الحديد في شرحه (ج 14: ص 193): (فقال (النقيب أبو جعفر): إذا كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أباح دم هبار بن الأسود لأنه روع زينب فألقت ذابطنها، فظهر الحال أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذابطنها).

 وقال الشهرستاني في (الملل والنحل) (ج 1: ص 57): (قال إبراهيم بن يسار ابن هانئ النظام: إن فلانا ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام).

 وفي (أنساب الأشراف) لأحمد بن يحيى البلاذري (المتوفى 279) (ج 1: ص 586): (إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاءه... ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة: يا ابن....

 أتراك محرقا علي بابي ؟ قال: نعم، ذلك أقوى فيما جاء به أبوك).

 وفي (العقد الفريد) لأحمد بن محمد بن عبدربه الأندلسي (ج 5: ص 13): (الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة، فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر رجلا - سماه - ليخرجوا من بيت فاطمة، فقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فقالت: يا ابن....

 أجئت لتحرق دارنا ؟ قال: نعم).

 وفي (الأمامة والسياسة) لابن قتيبة الدينوري (المتوفي 276) (ج 1: ص 12): (فدعا بالحطب وقال: والذي نفسي بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا... أن فيها فاطمة ! قال: وإن).

 (2) - ابن قولويه: كامل الزيارات، ب 108: ص 332.

 


[746]

هتك - والله - حجابه من أصبحت إمامته مقبضة (مقتضبة) على غير ما شرع الله في التنزيل، وسنها النبي صلى الله عليه واله وسلم في التأويل، ولكنها أحقاد بدريه، وترات احدية كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة... (1).

 5 - بعد شهادته عليه السلام ومن أعظم مصائبه عليه السلام وأشد مظلوميته أنه صارت المنابر في الشرق والغرب طيلة أربعين سنة بل أكثر محلا لشتمه، وموقفا للعنه وسبه ومعرضا للوقيعة فيه وإهانته.

 43 - قال الحموي في معجمه في كلمة (سجستان): (لعن علي بن أبي طالب (رضى الله عنه) على منابر الشرق والغرب، ولم يلعن على منبرها إلامرة، وامتنعوا على بني امية حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد - إلى أن قال: - وأي شرف أعظم من امتناعهم (2) من لعن أخي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على منبرهم وهو يلعن منابر الحرمين مكة والمدينة ولنعم ما أجاد الخفاجي: أعلى المنابر تعلنون بسبه وبسيفه نصبت لكم أعوادها (3) 44 - قال العلامة الأميني رحمه الله: (وقد صارت (اللعن والسب) سنة جارية، ودعمت في أيام الامويين سبعون ألف منبر يلعن فيها أمير المؤمنين واتخذوا ذلك كعقيدة راسخة أو فريضة ثابتة أو سنة متبعة يرغب فيها بكل شوق (4).

 


(1) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 43: ص 156.

 والوتر: الانتقام، وجمعه: أوتار، و(ترات) جمعه على غير قياس.

 ويمكن أن يكون جمع الوتر بمعنى الفرد، لكون ضرباته عليه السلام وترأ لا احتاجت الاولى منها الى ثانية.

 (2) - الحموي: معجم البلدان، ج 3: ص 191.

 (3) - القمي: الكنى والالقاب، ج 2: ص 217.

 (4) - الاميني: الغدير، ج 10: ص 266.

 


[747]

45 - قال ابن أبي الحديد: (إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لمعاوية: لتتخذن يا معاوية، البدعة سنة، والقبيح حسنا، أكلك كثير، وظلمك عظيم (1).

 46 - وقال عليه السلام: (أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب مالايجد فاقتلوه ولن تقتلوه، ألا إنه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الأيمان والهجرة (2).

 47 - قال ابن أبي الحديد: (إن معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما بسب على عليه السلام والبراءة منه، وخطب بذلك عى منابر الاسلام، وصار ذلك سنة في أيام بني امية إلى أن قام عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - فأزاله.

 ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ: إن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: (اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك، وصد عن سبيلك، فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما)، وكتب بذلك إلى الافاق، فكانت هذه الكلمات يشاربها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز.

 وذكر أبو عثمان - أيضا: أن هشام بن عبد الملك لما حج خطب بالموسم فقام إليه إنسان فقال: يا أمير المؤمنين ! إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب، فقال: اكفف فما لهذا جئنا.

 وذكر المبرد في الكامل: أن خالد بن عبد الله القسري لما كان أمير العراق في خلافة هشام كان يلعن عليا عليه السلام على المنبر فيقول: (اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم صهر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على ابنته وأبا الحسن والحسين، ثم يقبل على الناس فيقول هل كنيت ؟


(1) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 79.

 (2) - السيد الرضي: نهج البلاغة، خ 57.

 ومندحق البطن: بارزها.

 ورحب اللعوم: واسعه.

 


[748]

وروى أبو عثمان - أيضا: إن قوما من بني امية قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن لعن هذا الرجل ! فقال: لا والله، حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلا... وروى أهل السيرة أن الوليدبن عبد الملك في خلافته ذكر عليا عليه السلام فقال: (لعنه الله (بالجر) كان لص ابن لص)، فعجب الناس من لحنه فيما لا يلحن فيه أحد ومن نسبته عليا عليه السلام إلى اللصوصية وقالوا: ما ندري أيهما أعجب ؟ ! وكان الوليد لحانا.

 وأمر المغيرة بن شعبة - وهو يومئذ أمير الكوفة من قبل معاوية - حجر ابن عدي أن يقوم في الناس فيلعن عليا عليه السلام، فأبى ذلك، فتوعده، فقام فقال: أيها الناس إن أميركم أمرني أن ألعن عليا، فالعنوه.

 فقال أهل الكوفة: لعنه الله، وأعاد الضمير إلى المغيرة بالنية والقصد....

 وكان الحجاج - لعنه الله - يلعن عليا عليه السلام ويأمر بلعنه، وقال له متعرض به يوما وهو راكب: أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني عليا فغير اسمي وصلني بما اتبلغ به فإني فقير، فقال للطيف ما توصلت به قد سميتك كذا ووليتك العمل الفلاني فاشخص إليه.

 وروى ابن الكلبي عن أبيه، عن عبد الرحمن بن السائب، قال: قال الحجاج يوما لعبدالله بن هانئ - وهو رجل من بني أود - حي من قحطان -، وكان شريفا في قومه قد شهد مع الحجاج مشاهده كلها وكان من أنصاره وشيعته -: والله، ما كافأتك بعد، ثم أرسل إلى أسماء بن خارجة سيد بني فزارة أن زوج عبد الله بن هانئ بابنتك، فقال: لا، والله، ولا كرامة، فدعا بالسياط، فلما رأى الشر قال: نعم ازوجه، ثم بعث إلى سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليامية زوج بنتك من عبد الله بن أود، فقال: ومن أود ؟ لا والله لا ازوجه ولا كرامة، فقال: على بالسيف، فقال: دعني اشاور أهلى، فشاورهم فقالوا: زوجه ولاتعرض نفسك لهذا الفاسق، فزوجه.

 فقال الحجاج لعبدالله: قد زوجتك بنت سيد فزارة وبنت سيد همدان وعظيم


[749]

كهلان وما أود هناك، فقال: لا تقل - اصلح الله الأمير - ذاك، فإن لنا مناقب ليست لاحد من العرب، قال: وما هي ؟ ما سب أمير المؤمنين عبد الملك في ناد لنا قط.

 قال: منقبة والله، قال: وشهد منا صفين مع أمير المؤمنين معاوية سبعون رجلا، ما شهد منا مع أبي تراب إلا رجل واحد وكان والله ما علمته امرء سوء، قال: منقبة والله، قال: ومنا نسوة نذرن إن قتل الحسين بن علي أن تنحركل واحدة عشر قلائص، ففعلن، قال: منقبة والله، قال: وما منا رجل عرض عليه شتم أبي تراب ولعنه إلا فعل وزاد ابنيه حسنا وحسينا وامهما فاطمة، قال: منقبة والله (1).

 48 - قال العلامة الكراجكي: (في أرض الشام بنو سراويل، وبنو السرج، وبنو سنان، وبنو الملحي، وبنو المكبري، وبنو الطشتي، وبنو القضيبي، وبنو الدرجا.

 وأما بنو السراويل فأولاد الذي سلب سرابيل الحسين عليه السلام، وأما بنو السرج فأولاد الذين أسرجت خيله لدوس جسد الحسين عليه السلام.

 ووصل بعض هذه الخيل إلى مصر فقلعت نعالها من حوافرها وسمرت على أبواب الدور ليتبرك بها، وجرت بذلك السنة عندهم حتى صاروا يتعمدون عمل نظيرها على أبواب دور أكثرهم، وأما بنو سنان فأولاد الذي حمل الرمح الذي على سنانه رأس الحسين عليه السلام، واما بنو المكبري فأولاد الذي كان يكبر خلف رأس الحسين عليه السلام، وفي ذلك يقول الشاعر:

ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا

وأما بنو الطشتي فأولاد الذي حمل الطشت الذي ترك فيه رأس الحسين عليه السلام وهو بدمشق مع بني الملحي، وأما بنو القضيبي فأولاد الذي أحضر القضيب إلى يزيد - لعنه الله - لنكت ثنايا الحسين عليه السلام، وأما بنو الدرجا فأولاد الذي ترك الرأس في


(1) - ابن أبى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 56 - 61.

 


[750]

درج جيرون (1).

 49 - قال المحدث القمي رحمه الله: (عن أبي جعفر عليه السلام قال: جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام: مسجد الأشعث، ومسجد جرير، ومسجد سماك، ومسجد شبث بن ربعي - لعنهم الله - (2).

 50 - قال العارف الصمداني، المولى عبد الصمد الهمداني رحمه الله: (لما آل نوبة الأمارة إلى عمر بن عبد العزيز تفكر في معاوية وأولاده ولعنه عليا عليه السلام وقتل أولاده من غير استحقاق، فلما أصبح أحضر الوزراء فقال: رأيت البارحة أن هلاك ال أبي سفيان بمخالفتهم العترة، وخاطر ببالي أن أرفع لعنهم، وقال وزراؤه: الرأي رأي الأمير، فلما صعد المنبر يوم الجمعة قام إليه ذمي متمول، واستنكح منه بنته، قال عمر: إنك عندنا كافر، لا تحل بناتنا للكافر، فقال الذمي: فلم زوج نبيكم بنته فاطمة من الكفر علي بن أبي طالب ؟ فصاح عليه عمر فقال: من يقول إن عليا كافر ؟ فقال الذمي: إن لم يكن علي كافرا فلم تلعنونه ؟ فتخجل عمر ونزل، وكتب إلى قاضي بلاد الأسلام: إن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رفع لعن علي عليه السلام لأن ذلك كان بدعة وضلالة وأمر القواد خمسمائة من شجعان حتى لبسوا السلاح تحت ثيابهم في جمعة اخرى وصعد المنبر، وكان عادتهم لعنه عليه السلام آخر الخطبة، فلما خرج من الخطبة قال: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى (حقه) وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون (1) مقام اللعن ونزل، وصاح القوم من جوانب المسجد: كفر أمير المؤمنين، وحملوا عليه ليقتلوه، فنادى القواد فصاح بهم حتى أظهروا الأسلحة وخلصوه من أيديهم والتجا بإغاثة القواد إلى قصره، فصارت قراءة هذه الاية سنة في آخر الخطبة، وتفرق الناس قائلين:


(1) - الكواجكي: كنز الفوائد، ص 350.

 (2) - القمي: سفينة البحار، ج 1: ص 602، (سجد).

 (3) - النحل، 16: 90.

 


[751]

غيرت السنة، وابدلت السنة) - الخ (1).

 51 - قال الرضي أبو الحسن - رحمه الله -:

يا ابن عبد العزيز لو بكت العين * فتى من امية لبكيتك

غير أنى أقول إنك قد طبت * وإن لم يطب ولم يزك

بيتك أنت نزهتنا عن السب والقذ * ف فلو أمكن الجزاء جزيتك

ولو أنى رأيت قبرك لاستح‍ * - ييت من أن أرى وما حييتك

وعجيب أنى قليت بنى مرو * ان طرا وأنني ماقليتك

دير سمعان لا أغبك غيث * خير ميت من آل مروان ميتك (2)

52 - قال المسعودي: (ذكر بعض الأخباريين أنه قال لرجل من أهل الشام من زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم: من أبو تراب (هذا) الذي يلعنه الإمام علي المنبر ؟ قال: أراه لصا من لصوص الفتن (3).

 53 - قال نصربن مزاحم: (خرج عليهم (أي على أصحاب علي عليه السلام) فتى شاب يقول:

أنا ابن أرباب الملوك غسان * والدائن اليوم بدين غسان

أنبأنا أقوامنا بما كان * أن عليا قتل ابن عفان

ثم شد، فلا ينثني يضرب بسيفه، ثم (جعل) يلعن (عليا ويشتمه ويسهب في ذمه، فقال له هاشم بن عتبة: إن هذا اكلام بعده الخصام، وإن هذا القتال بعده الحساب، فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به،


(1) - الهمداني: بحر المعارف، ص 137.

 (2) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 47 ص 60.

 ودير سمعان - بكسر السين وفتحها - دير بنواحي دمشق عنده قبر عمر بن عبد العزيز.

 (3) - المسعودي: مروج الذهب، ج 3: ص 42.

 


[752]

قال: فإني اقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي، وأنكم لا تصلون، واقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا، وأنتم وازرتموه على قتله (1).

 54 - قال ابن أبي الحديد: (لما استوثق الأمر لأبي العباس السفاح وفد إليه عشرة من امراء الشام فحلفوا له بالله وبطلاق نسائهم وبأيمان البيعة بأنهم لا يعلمون - إلى أن قتل مروان - أن لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم أهلا ولاقرابة إلا بني امية).

 وروى أبو الحسن المدائني قال: حدثنى رجل قال: كنت بالشام فجعلت لا أسمع أحدا يسمي أحدا أو يناديه يا علي أو يا حسن أو يا حسين، وإنما أسمع معاوية والوليد ويزيد، حتى مررت برجل فاستقيته ماء فجعل ينادي: يا علي يا حسن يا حسين، فقلت: يا هذا إن أهل الشام لا يسمون بهذه الأسماء ! قال: صدقت، إنهم يسمون ابنائهم بأسماء الخلفاء، فإذا لعن أحدهم ولده أو شتمه فقد لعن اسم بعض الخلفاء، وأنا سميت أولادي بأسماء أعداء الله، فإذا شتمت أحدهم أو لعنته فإنما ألعن أعداء الله (2).

 55 - وقال - أيضا: (فأما عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - فإنه قال: كنت غلاما أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود، فمربي يوما وأنا ألعب مع الصبيان ونحن نلعن عليا، فكره ذلك ودخل المسجد، فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وردي، فلما رآني قام فصلى وأطال في الصلاة شبه المعرض عني، حتى أحسست منه بذلك، فلما انتقل من صلاته كلح في وجهي، فقلت له: ما بال الشيخ ؟ فقال لي: يا بنى ! أنت اللاعن عليا منذ اليوم ؟ قلت: نعم، قال: فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ؟ فقلت: يا أبت وهل كان علي من أهل بدر ؟ فقال: ويحك وهل كانت بدر كلها إلاله ؟ فقلت: لاأعود، فقال: الله إنك


(1) - نصر بن مزاحم: وقعة الصفين، ص 354.

 (2) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 7: ص 159.

 


[753]

لا تعود ؟ قلت: نعم، فلم ألعنه بعدها.

 ثم قال عمر: كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة وهو حينذ أمير المدينة، فكنت أسمع أبي يمر في خطبته تهدر شقاشقه حتى يأتي إلى لعن علي عليه السلام فيجمجم ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به، فكنت أعجب من ذلك، فقلت له يوما: يا أبت أنت أفصح الناس وأخطبهم، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك، حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عييا ؟ فقال: يا بني إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد ! فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري، فأعطيت الله عهدا لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لاغيرنه، فلما من الله على بالخلافة أسقطت ذلك وجعلت مكانه (إن الله يأمر بالعدل والأحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)، وكتبت به إلى الافاق فصار سنة (1).

 56 - قال في (تجارب السلف) ما هذا معربه: (وحلف سبعون نفرا من مشايخ دمشق بالطلاق والعتاق والحج أنا لا نعرف نبيا غير يزيد، ثم اعتذروا عن زين العابدين عليه السلام وتضرعوا، فعفا عليه السلام عنهم جميعا (2).

 57 - قال الشيخ المفيد،: (لما بلغ عائشة نزول أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار كتبت إلى حفصة بنت عمر: (أما بعد فلما نزلنا البصرة ونزل علي بذي قار، والله داق عنقه كدق البيضة على الصفا، إنه بمنزلة الأشقر إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر).

 فلما وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك ودعت صبيان بني تيم وعدي، وأعطت جواريها دفوفا وأمرتهن أن يضربن بالدفوف ويقلن: (ما الخبر ؟


(1) - ابن ابى الحديد: شرح النهج، ج 4: ص 58.

 (2) - تجارب السلف، ص 69.

 


[754]

ما الخبر ؟ علي كالأشقر بذي قار، إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر).

 فلبغ ام سلمة - رضي الله عنها - اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سب أمير المؤمنين والمسرة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة، فبكت وقالت: أعطوني ثيابي حتى أخرج إليهن واوقع بهم، فقالت ام كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام: أنا أنوب عنك فإنني أعرف منك، فلبست ثيابها وتنكرت وتخفرت واستصحبت جواريها متخفرات وجاءت حتى دخلت عليهن كأنها من النظارة، فلما رأت إلى ماهن فيه من العبث والسفه كشفت نقابها وأبرزت لهن وجهها ثم قالت لحفصة: إن تظاهرت أنت واختك على أمير المؤمنين عليه السلام فقد تظاهر تما على أخيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قبل فأنزل الله عز وجل فيكما ما أنزل، والله من وراء حربكما.

 وأظهرت حفصة خجلا وقالت: إنهن فعلن هذا بجهل، وفرقتهن في الحال (1).

 أقول: وكفى في مظلوميته عليه السلام وصيته بإخفاء قبره عن المسلمين حذرا من أن يهتك الخوارج - عليهم لعائن الله - حرمته مع كونه عليه السلام أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وأولهم وأقدمهم إيمانا، ولا يزال مخفيا إلى زمان هارون العباسي، والقصة مشهورة.

 59 - ولنختم هذا الفضل بنقل خبر يكشف عن آثار الذب عن حريمهم عليهما السلام ونصرتهم في مظلوميتهم.

 قال العلامة المجلسي رحمه الله: (عن أبي الحسن داود البكري قال: سمعت علي بن دعبل بن علي الخزاعي يقول: (لما حضر أبي الوفاة تغير لونه، وانعقد لسانه، واسود وجهه، فكدت الرجوع عن مذهبه، فرأيته بعد ثلاث في ما يرى النائم وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء، فقلت له: يا أبه ما فعل الله بك ؟ فقال: يا بني ! إن الذي رأيته من اسوداد وجهي وانعقاد لساني كان من شربي الخمر


(1) المفيد الجمل ص 149.

 ونقل هذه القصة مع تفاوت يسير ابن أبي الحديد في شرحه (ج 14: ص 13) والمحدث القمي رحمه الله في (سفينة البحار) (ج 1: ص 285) وأحمد زكي صفوت في (جمهرة الرسائل) (ج 1: ص 377).

 


[755]

في دار الدنيا، ولم أزل كذلك حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء فقال لي: أنت دعبل ؟ قلت: نعم، يا رسول الله ! قال: فأنشدني قولك في أولادي، فأنشدته قولي:

لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت * (يوما) وآل أحمد مظلومون قد قهروا

مشردون نفوا عن عقر دارهم * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

قال: فقال لي: أحسنت، وشفع في، وأعطاني ثيابه، وها هي، وأشار إلى ثياب بدنه (1).

 الاستدراك مظلوميته بجهالة الناس وحمقهم وعنادهم قال ابن أبي الحديد: وأعجب وأطرف ما جاء به الدهر وإن كانت عجائبه وبدائعه جمة أن يفضي الامر لعلي عليه السلام إلى أن يصير معاوية ندا له ونظيرا مماثلا يتعارضان الكتاب والجواب (2).

 إن معاوية لما عزم على مخالفة الامام أمير المؤمنين عليه السلام أراد اختبار أهل الشام فأشار إليه ابن العاص أن يأمرهم بذبح القرع وتذكيته فإن أطاعوه فهو صاحبهم والا فلا وأمرهم بذلك فأطاعوه وصارت بدعة اموية (3).

 إن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن القرح يذبح ؟ فقال عليه السلام: القرع ليس يذكى فكلوه ولا تذبحوه ولا يستهوينكم الشيطان.

 (4).


(1) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 49: ص 241.

 (2) القمي: سفينة البحار ج 2: ص 332 / مادة علا.

 (3) هامش الوسائل ج 17: ص 160.

 (4) الحر العاملي: وسائل الشيعة ج 17: ص 160.

 


[756]

عن ابن إسحاق الا رجائي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري لم امرتم بالاخذ بخلاف ما يقوله العامة ؟ فقلت: لا أدري فقال: إن عليا - صلوات الله عليه - لم يكن يدين الله بشئ إلا خالف عليه العامة إرادة الابطال أمره وكانوا يسألونه - صلوات الله عليه - عن الشئ الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم بشئ جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس (1).

 وحكي عن أبي حنيفة من قوله: خالفت جعفرا في كل ما يقول إلا لا أدري أنه يغمض عينيه في الركوع والسجود أو يفتحهما (2).

 ولذلك صارت مخالفة العامة من مرجحات الروايات ولذلك قال الشيخ رحمه الله: والثاني من المرجحات كون الرشد في خلافهم كما صرح به في غير واحد من الاخبار المتقدمة ورواية علي بن أسباط قال: قلت للرضا عليه السلام: يحدث الامر لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك.

 فقال عليه السلام: ائت فقيه البلد واستفته في أمرك فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه فإن الحق فيه.

 وفي مرسلة داود بن حصين (عن الصادق عليه السلام): إن من وافقنا خالف عدونا ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه.

 ورواية الحسين بن خالد: شيعتنا المسلمون لامرنا الآخذون بقولنا المخالفون لاعدائنا فمن لم يكن كذلك فليس منا فيكون حالهم حال اليهود الوارد فيهم قوله صلى الله عليه واله وسلم: خالفوهم ما استطعتم (3) انظر جار الله ! محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي كيف جار على الامام عليه السلام وحاد عن الطريق المستقيم حيث قال في تفسير كشافه في ذيل فإذا فرغت


(1) الشيخ الاعظم الانصاري: الرسائل ؟ باب التعادل والتراجيح ص 805.

 2) الشيخ الاعظم الانصاري: الرسائل ؟ باب التعادل والتراجيح ص 807.

 (3) - المصدر ص 806.

 


[757]

فانصب * وإلى ربك بارغب * (1): ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر الصاد - أي فانصب عليا للامامة ولو صح هذا للرافضي لصح للناصبي أن يقرأ هكذا ويجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض علي وعداوته (2).

 وقال العلامة الفيض (ره) جوابا عنه: أقول: نصب الامام والخليفة بعد تبليغ الرسالة أو الفراغ من العبادة أمر معقول بل واجب لئلا يكون الناس بعده في حيرة وضلال فيصح أن يترتب عليه وأما بغض علي عليه السلام وعداوته فما وجه لترتبه على تبليغ الرسالة أو العبادة فما وجه معقوليته ؟ على أن كتب العامة مشحونة بذكر محبة النبي صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام وإظهار فضله للناس مدة حياته وإن حبه إيمان وبغضه كفر انظروا إلى هذا الملقب بجار الله العلامة كيف أعمى الله بصيرته بغشاوة حمية التعصب في مثل هذا المقام بمثل هذا المنكر والزور بلى إنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (3).

 أقول: أيها المتعصب المعاند !

دع المكارم لا ترحل لبغيتها * فاقعد فإنك أنت الطاع الكاسي

يعجبني هنا نقل ما قاله العلامة المعتزلي في مبغضي أهل البيت عليهم السلام وناصبيهم في (شرح النهج) في ذيل كلام علي عليه السلام (4).

 (ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم إيه أبا وذحة (5)).

 قال: إن المفسرين بعد الرضي رحمه الله قالوا في قصة هذه الخنفساء وجوها... و


(1) - الانشراح 94: 7 و8.

 (2) الزمخشري: تفسير الكشاف ج 4: ص 268.

 (3) العلامة الفيض: تفسير الصافي ذيل الآية.

 (4) نهج البلاغة الخطبة 115.

 (5) الوذحة: الخنفساء.

 


[758]

منها: أن الحجاج كان مثفارا (1) وكان يمسك الخنفساء حية ليشفي بحركتها في الموضع حكاكه.

 قالوا: ولا يكون صاحب هذا الداء إلا شائنا مبغضا لاهل البيت عليهما السلام.

 قالوا: ولسنا نقول: كل مبغض فيه هذا الداء وانما قلنا كل من فيه هذا الداء فهو مبغض.

 قالوا: وقد روى أبو عمر الزاهد ولم يكن من رجال الشيعة في أماليه وأحاديثه عن السياري عن أبي خزيمة الكاتب قال: ما فتشنا أحدا فيه هذا الداء إلا وجدناه ناصبيا.

 قال أبو عمر: وأخبرني العطافي عن رجاله قالوا: سئل جعفر بن محمد عليه السلام عن هذا الصنف من الناس فقال: رحم منكوسة يؤتى ولا يأتي وما كانت هذه الخصلة في ولي الله تعالى قط ولا تكون أبدا وإنما تكون في الكفار والفساق والناصب للطاهرين.

 وكان أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي من القوم وكان أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم قالوا: ولذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر: يا مصفر إسته (2).

 


(1) - المثفار نعت سوء للرجل.

 (2) - ابن أبي الحديد: شرح النهج ج 7: ص 207.