انتشار البركة من آدم ( ع ) و الاحتفال
بذكره :
وفي بعض الأخبار أنّ الله جلّ اسمه تاب على آدم ( ع ) عصر التاسع
من ذي الحجّة بعرفات ، ثمّ أفاض به جبرائيل عند المغيب إلى
المشعر الحرام ، وبات فيه ليلة العاشر يدعو الله ويشكره على قبول
توبته . ثمّ أفاض منه صباحاً إلى منى وحلق فيه رأسه يوم العاشر
إمارةً لقبول توبته وعتقه من الذنوب ، فجعل الله ذلك اليوم عيداً
له ولذرّيته ، وجعل كلّ ما فعله آدم أبد الدهر من مناسك الحجّ
لذرّيته ، يقبل توبتهم عصر التاسع بعرفات ، ويذكرون الله ليلا
بالمشعر الحرام ، ويحلقون رؤوسهم يوم العاشر بمنى . ثمّ أضيف إلى
هذه المناسك ما فعله بعد ذلك إبراهيم وإسماعيل ( ع ) وهاجر ، وتمّت
بها مناسك الحجّ للناس .
إذاً ، فإنّ أعمال الحجّ كلّها تبرّك بتلك الأزمنة والأمكنة التي
حلّ بها عباد الله الصالحون اُولئك ، وكلّها احتفال بذكرهم أبد
الدهر .
وفي ما يأتي نضرب مثالا لانتشار الشؤم ـ أيضاً ـ إلى المكان من
المكين .
انتشار الشؤم إلى المكان من المكين :
روى مسلم أنّ رسول الله ( ص ) عام تبوك نزل بالناس الحجر عند
بيوت ثمود ، فاستسقى الناس من الآبار التي كان يشرب منها ثمود ،
فعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم . فأمرهم رسول الله (ص) فأهرقوا
القدور وعلفوا العجين الإبل . ثمّ ارتحل بهم حتّى نزل بهم على
البئر التي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم
الذين عذّبوا ، قال : إنّي أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، فلا
تدخلوا عليهم(4) .
وفي لفظ مسلم :
و لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلاّ أن تكونوا باكين ،
حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم . ثمّ زجر و أسرع حتّى خلفها .
وفي لفظ البخاري :
ثمّ قنع رأسه وأسرع السير حتّى أجاز الوادي .
و في رواية اُخرى بمسند أحمد :
و تقنّع بردائه و هو على الرحل(5)
.
منشأ الشؤم و البركة في المكان :
من أين نشأ شؤم بلاد ثمود وآبار ثمود وانتشر منها إلى غيرها عدا
أ نّه نشأ من قوم ثمود ، وانتشر منهم إلى بلادهم وآبارهم ، وبقي
فيها إلى عصر خاتم الأنبياء ( ص ) ، وإلى ما شاء الله ، ومن أين
نشأ فضل بئر ناقة صالح (ع) عدا ما كان من شرب ناقة صالح ( ع )
منها ، وانتشر الفضل منها إلى البئر ، وبقي فيها إلى عصر خاتم
الأنبياء ( ص ) ، وإلى ما شاء الله .
وليست ناقة صالح ( ع ) وبئرها بأكرم على الله من إسماعيل (ع) وبئره
زمزم ، بل كذلك جعل الله البركة في زمزم من بركة إسماعيل ( ع ) أبد
الدهر .
و كذلك شأن انتشار البركة ممّا يفيضه الله على عباده الصالحين في
أزمنة خاصّة مثل بركة يوم الجمعة .
بركة يوم الجمعة :
في صحيح مسلم :
« أنّ الله خلق آدم يوم الجمعة ، وأدخله الجنّة يوم الجمعة ... »(6) .
هذا وغيره ممّا أفاضه الله على عباده الصالحين في يوم الجمعة ،
خلّد البركة في يوم الجمعة أبد الدهر .
البركة في شهر رمضان :
وكذلك الشأن في بركة شهر رمضان ; فقد قال سبحانه :
( شَهْرُ رَمَضانَ الذي اُ نْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدىً لِلْناسِ
وَبَيِّنات مِنَ الهُدى وَالفُرْقان ) البقرة / 185 .
وقال سبحانه :
( إنَّا أ نْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ l وَما أدْراكَ ما
لَيْلَةُ القَدْرِ l لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ
ألْفِ شَهْر ... ) القدر / 1 ـ 3 .
إذاً فقد انتشرت البركة من ليلة القدر التي اُنزل فيها القرآن على
خاتم أنبياء الله ( ص ) إلى جميع أزمنة شهر رمضان ، وتخلّدت
البركة في ذلك الشهر من تلك الليلة إلى أبد الدهر .
بعد انتهائنا من الإشارة إلى رجحان الإحتفال بذكرى أصفياء الله ،
نؤكد أنّنا نقصد من الإحتفال بذكر أصفياء الله - مثلاً - : قراءة
سيرة رسول الله ( ص ) الصحيحة غير المنحرفة في ليلة ميلاده ،
و إطعام الطعام في سبيل الله و إهداء ثوابه لرسول الله ( ص ) ، مع
الإجتناب من القيام بأعمال ابتدعها بعض المتصوّفة .
4ـ اورده مسلم باختصار في صحيحه , كتاب الزهد
والرقائق , باب لاتدخلوا مساكن الذين ظلموا انفسهم ..... الحديث
40. واللفظ لمسند احمد 2/117 صحيح البخاري كتاب المغازي , باب نزول
النبي (ص) الحجر.
5ـ مسند احمد 2/66
6ـ صحيح مسلم , كتاب الجمعة باب فضل الجمعه ح17و18