الخلاف حول الاحتفال بذكرى الأنبياء
و عباد اللّه الصالحين
أدلّة القائلين باستحباب الإحتفال :
يستدلّ من يرى استحباب الإحتفال بذكرهم بأنّ جلّ مناسك الحج احتفال
بذكرى الأنبياء و الأولياء كما سنذكر أمثلة منها فيما يأتي :
أ ـ مقام إبراهيم :
قال سبحانه وتعالى :
( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إبْراهِيم مُصَلَّىً ) البقرة /
125 .
وفي صحيح البخاري(1)
ما ملخّصه :
إنّ إبراهيم وإسماعيل ( ع ) لمّا كانا يبنيان البيت ، جعل إسماعيل
يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا
الحجر ، فوضعه له ، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة.
وفي رواية بعدها :
حتّى ارتفع البناء وضعف الشيخ على نقل الحجارة ، فقام على حجر
المقام ، فجعل يناوله الحجارة .
* * *
إنّ الله سبحانه أمر الناس ـ كما هو واضح ـ أن يتبرّكوا بموطىء
قدمي إبراهيم ( ع ) في بيته الحرام ويتّخذوا منه مصلّى ، إحياءً
لذكرى إبراهيم وتخليداً ، وليس فيه شيء من أمر الشرك باللّه جلّ
اسمه .
ب ـ الصفا و المروة :
قال الله سبحانه :
( إنَّ الصَفا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ
البَيْتَ أوْ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ
بِهِما ) البقرة / 158 .
وروى البخاري ما ملخّصه :
أنّ هاجر لمّا تركها إبراهيم ( ع ) مع ابنها إسماعيل بمكّة و نفد
ماؤها عطشت وعطش ابنها وجعل يتلوّى ، فانطلقت إلى جبل الصفا كراهية
أن تنظر إليه ، فقامت عليه تنظر هل ترى أحداً ، فلم ترَ أحداً ،
فهبطت من الصفا حتّى إذا بلغت الوادي ، سعت سعي الإنسان المجهود
حتّى جاوزت الوادي ، ثمّ أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى
أحداً ، فلم ترَ أحداً ، فعلت ذلك سبع مرّات .
قال ابن عباس : قال النبي ( ص ) : فذلك سعي الناس بينهما ... »
الحديث(2) .
* * *
جعل الله السعي بين الصفا والمروة من مناسك الحجّ ، إحياءً لذكرى
سعي هاجر بينهما واحتفالا بعملها ، واستحباب الهرولة في محلّ
الوادي الذي سعت فيه هاجر سعي الإنسان المجهود ، إحياءً لذكرى
هرولتها هناك .
ج ـ رمي الجمار :
روى أحمد والطيالسي في مسنديهما عن رسول الله ( ص ) أنّه قال :
إنّ جبريل ذهب بإبراهيم ( ع ) إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ،
فرماه بسبع حصيات ، فساخ . ثمّ أتى الجمرة الوسطى ، فعرض له
الشيطان ، فرماه بسبع حصيات ، فساخ . ثمّ أتى الجمرة القصوى ،
فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات ، فساخ ...(3)
هكذا جعل الله إحياء ذكرى رمي إبراهيم ( ع ) الشيطان والاحتفال
بذكره من مناسك الحجّ .
د ـ الفدية :
قال الله سبحانه في قصّة إبراهيم وإسماعيل ( ع ) :
( فَبَشَّرْناهُ بِغُلام حَلِيم l فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ
السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إنِّيْ أرى في المَنامِ
أنِّيْ أذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أبَتِ افْعَلْ ما
تُؤْمَرُ سَتِجِدُنِي إنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ l
فَلَمَّا أسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ l وَنادَيْناهُ أنْ يا
إبْراهِيمَ l قَدْ صَدَّقْتَ الرُؤْيا إنَّا كَذلِكَ نَجْزِي
الُمحْسِنِينَ l إنَّ هذا لَهُوَ البَلاءُ المُبِينُ l
وَفَدَيْناهُ بِذِبْح عَظِيم ) الصَّافَّات / 101 ـ 107
وكذلك جعل الله إحياء ذكرى فداء إبراهيم ( ع ) ابنه إسماعيل ( ع
) و إرسال الله الكبش فدية له والاحتفال بها من مناسك الحجّ ، وأمر
الحجّاج بالفدية في منى اقتداءً بإبراهيم ( ع ) و احتفالاً بذكرى
موقفه من طاعة الله .
* * *
في مقام إبراهيم ( ع ) ، انتشرت البركة من قدمي إبراهيم ( ع ) إلى
موطىء قدميه ، وأمر الله باتّخاذه مسجداً في بيته الحرام ، وجعله
الله من مناسك الحجّ إحياءً لذكره .
وفي ما يأتي نذكر انتشار البركة من آدم ( ع ) أبي البشر .
1ـ صحيح البخاري , كتاب الانبياء باب يزفون
النسلان في المشئ 2/158و 159
2ـ صحيح البخاري , كتاب
الانبياء
باب يزفون النسلان في المشئ 2/158وراجع معجم البلدان , مادة زمزم ,
بذكر تاريخ اسماعيل من تاريخ الطبري وابن الاثير.
3ـ مسند احمد 1/306. وقريب منه في 127, و مسند
الطيالسي , ح2697 وراجع مادة الكعبة من معجم البلدان وتاريخ
ابراهيم و اسماعيل من تاريخ الطبري و ابن الاثير