الأئمة الإثنى عشر في التوراة :

 وقال ابن كثير  :

( وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه  : أنّ اللّه تعالى بشّر إبراهيم بإسماعيل وأ نّه ينميه ويكثره ويجعل من ذرّيته اثني عشر عظيماً ) .

وقال  :

( قال ابن تيمية  : وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرّر أ نّهم   يكونون مفرّقين في الاُمّة ولا تقوم الساعة حتّى يوجدوا ) .

وغلط كثير ممّن تشرّف بالإسلام من اليهود فظنّوا أ نّهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتّبعوهم([1]) .

قال المؤلف  :

والبشارة المذكورة ، أعلاه في سفر التكوين ، الإصحاح ( 17 / الرقم  : 18 ـ 20 ) من التوراة المتداولة في عصرنا . وقد جاءت هذه البشارة في الأصل العبري كالآتي  :

جاء في سفر التكوين قول ( الربّ ) لإبراهيم (ع) ما نصّه بالعبرية  :

« في لِيشّماعيل بيَرخْتي أوتؤوْفي هِفْريتي أوتو

في هِرْبيتي بِمِثوْد مِثوداو شنيم عَسار نِسيئيم يوليد

في نِتتيف لِگوي گدول »([2]) .

وتعني حرفياً  : « وإسماعيل اُباركه ، واُثمّره ، واُكثّره جدّاً جدّاً ، اثنا عش إماماً يلد ، وأجعله اُمّة كبيرة » .

 أشارت هذه الفقرة إلى أنّ المباركة ، والإثمار والتكثير إنّما يكون في صلب إسماعيل (ع) و  « شنيم عسار » تعني « اثنا عشر » ، ولفظة « عسار » تأتي في « العدد التركيبي إذا كان المعدود مذكّراً »([3]) ، والمعدود هنا « نسيئيم » وهو مذكّر وبصيغة الجمع لإضافة الـ  ( يم ) في آخر الإسم ، والمفرد « ناسي » وتعني  : « إمام ، زعيم ، رئيس »([4]) .

وأمّا قول ( الربّ ) لإبراهيم (ع) في الفقرة نفسها أيضاً  :

« في نِتتيف كوي كدول » ، نلاحظ أنّ « في نِتتيف » مكونّة من حرف العطف ( في ) ، والفعل ( ناتَن ) بمعنى  : ( أجعل ، أذهب )([5]) ، والضمير « يف » في آخر الفعل « نِتتيف » يعود على إسماعيل (ع) ، أي « وأجعله » ، وأمّا كلمة ( كوي ) فتعني  : « اُمّة ،   شعب »([6]) ، و  « كدول » تعني  : « كبير ، عظيم »([7]) ، فتصبح ( وأجعله اُمّة كبيرة ) ، فيتّضح من هذه الفقرة أنّ التكثير والمباركة إنّما هما في صلب إسماعيل (ع) ، ممّا يجعل القصد واضحاً في الرسول محمد (ص) وأهل بيته (ع) باعتبارهم امتداداً لنسل إسماعيل (ع) ، ذلك لأنّ اللّه تعالى أمر إبراهيم بالخروج من بلاد « نمرود » إلى   الشام ، فخرج ومعه امرأته « سارة » و  « لوط » ، مهاجرين إلى حيث أمرهم اللّه   تعالى ، فنزلوا أرض فلسطين . ووسّع اللّه تعالى على إبراهيم (ع) في كثرة المال ، فقال  : « ربّ ما أصنع بالمال ولا ولد لي » ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه « إنّي مكثّر ولدك حتّى يكونوا عدد النجوم » . وكانت « هاجر » جارية لسارة ، فوهبتها لإبراهيم (ع) ، فحملت منه ، وولدت له إسماعيل (ع) ، وإبراهيم يومئذ ابن « ستّ   وثمانين سنة »([8]) .

والقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة من خلال توجّه إبراهيم (ع) بالدعاء إلى اللّه تعالى  : (  رَبَّنا  إنِّي أسْكَنْتُ  مِنْ ذُرِّيَّتِي بِواد غَيْرِ ذِي زَرْع  عِنْدَ  بَيْتِكَ  الُمحَرَّمِ رَبَّنا   لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ  تَهْوِي  إلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ  مِنَ الثـَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون  )([9]) ، فالآية الكريمة تؤكّد أنّ إبراهيم (ع) قد أسكن بعضاً من   ذرّيته وهو إسماعيل (ع) ومَن ولد منه في مكّة ودعا اللّه تعالى أن يجعل في   ذرّيته الرحمة والهداية للبشرية ما بقي الدهر ، فاستجاب اللّه لدعوته بأن جعل في   ذرّيته محمداً (ص) واثني عشر إماماً من بعده . وقد قال الإمام الباقر (ع)  : « نحن بقية تلك العترة وكانت دعوة إبراهيم لنا »([10]) .


([1])  تأريخ ابن كثير 6 / 249 ـ 250 .

([2])  « العهد القديم » سِفر التكوين 17  : 20 ، ص 22 ـ 23 .

([3])  « المعجم الحديث » عبري ـ عربي / 316 .

([4])  المصدر السابق / 360 .

([5])  المصدر السابق / 317 .

([6])  المصدر السابق / 84 .

([7])  المصدر السابق / 82 .

([8])  تأريخ اليعقوبي 1 / 24 ـ 25 ، مؤسسة نشر ثقافة أهل البيت ( قم ) .

([9])  سورة إبراهيم ، الآية  : 37 .

([10])  نقلنا ما جاء في الأصل العبري من التوراة والتعليق عليها من مقال للاُستاذ أحمد الواسطي في مجلّة التوحيد ، إصدار منظمة الإعلام الإسلامي في طهران ، العدد 54 ، ص 127 ـ 128 .