خلاصة  الأحاديث  الآنفة  :

نستخلص ممّا سبق ونستنتج  : أنّ عدد الأئمة في هذه الاُمّة اثنا عشر على   التوالي ، وأنّ بعد الثاني عشر منهم ينتهي عمر هذه الدنيا .

فقد جاء في الحديث الأوّل  :

« لا يزال هذا الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ... » .

فإنّ هذا الحديث يعيّن مدّة قيام الدين ويحدّدها بقيام الساعة ، ويعيّن عدد الأئمة في هذه الاُمّة باثني عشر شخصاً . وفي الحديث الخامس  :

« لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها » .

ويدلّ هذا الحديث على تأييد وجود الدين بامتداد الاثني عشر وأنّ بعدهم تموج الأرض .

وفي الحديث الثامن  : حصر عددهم بإثني عشر بقوله  :

« يكون بعدي من الخلفاء عدّة أصحاب موسى » .

ويدلّ هذا الحديث على أ نّه لا خليفة بعد الرسول عدا الاثني عشر . وأنّ   ألفاظ هذه الروايات المصرّحة بحصر عدد الخلفاء بالاثني عشر وأنّ بعدهم يكون الهرج وتموج الأرض وقيام الساعة تبيّن ألفاظ الأحاديث الاُخرى التي   قد   لا يفهم من ألفاظها هذا التصريح .

وبناءً على هذا لا بدّ أن يكون عمر أحدهم طويلا خارقاً للعادة في أعمار البشر كما وقع فعلا في مدّة عمر الثاني عشر من الأئمة أوصياء النبيّ (ص) .

 حيرتهم  في  تفسير  الحديث  :

لقد حار علماء مدرسة الخلفاء في بيان المقصود من الاثني عشر في الروايات المذكورة وتضاربت أقوالهم .

فقد قال ابن العربي في شرح سنن الترمذي  :

( فعددنا بعد رسول اللّه (ص) اثني عشر أميراً فوجدنا أبا بكر ، عمر ، عثمان ، عليّاً ، الحسن ، معاوية ، يزيد ، معاوية بن يزيد ، مروان ، عبد الملك ابن   مروان ، الوليد ، سليمان ، عمر بن عبد العزيز ، يزيد بن عبد الملك ، مروان ابن   محمد بن مروان ، السفّاح ... » .

ثمّ عدّ بعده سبعاً وعشرين خليفة من العباسيين إلى عصره ، ثمّ قال  :

( وإذا عددنا منهم اثني عشر ، انتهى العدد بالصورة إلى سليمان وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة ، الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز ولم أعلم للحديث معنى )([1]) .

وقال القاضي عياض في جواب القول  : أ نّه ولي أكثر من هذا العدد  :

« هذا اعتراض باطل ، لأ نّه (ص) لم يقل  : لا يلي إلاّ اثنا عشر ، وقد ولي هذا العدد ، ولا يمنع ذلك من الزيادة عليهم )([2]) .

ونقل السيوطي في الجواب  :

( أنّ المراد  : وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى القيامة يعملون بالحقّ وإن لم يتوالوا )([3]) .

وفي فتح الباري  :

( وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بدّ من تمام العدّة قبل قيام الساعة )([4]) .

وقال ابن الجوزي  :

( وعلى هذا فالمراد من « ثمّ يكون الهرج »  : الفتن المؤذنة بقيام الساعة من   خروج الدجّال وما بعده )([5]) .

قال السيوطي  :

( وقد وجد من الاثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ، هؤلاء ثمانية ، ويحتمل أن يضمّ إليهم المهديّ العباسي لأ نّه   في   العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الاُمويين ، والطاهر العباسي أيضاً لما اُوتيه من العدل ويبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهديّ لأ نّه من أهل البيت )([6]) .

وقيل  :

( المراد  : أن يكون الاثنا عشر في مدّة عزّة الخلافة وقوّة الإسلام واستقامة اُموره ، ممّن يعزّ الإسلام في زمنه ، ويجتمع المسلمون عليه )([7]) .

 وقال البيهقي  :

( وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك ثمّ وقع الهرج والفتنة العظيمة ثمّ ظهر ملك العباسية ، وإنّما يزيدون على العدد المذكور في الخبر ، إذا تركت الصفة المذكورة فيه ، أو عدّ منهم من كان بعد الهرج المذكور )([8]) .

وقالوا  :

( والذين اجتمعوا عليه  : الخلفاء الثلاثة ثمّ عليّ إلى أن وقع أمر الحكمين في   صفّين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثمّ اجتمعوا على معاوية عند صلح الحسن ، ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثمّ   لمّا   مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن   الزبير ، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة  : الوليد ، ثمّ سليمان ، ثمّ يزيد ، ثمّ هشام ، وتخلّل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز ، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد ابن   عبد الملك اجتمع الناس عليه بعد هشام تولّى أربع سنين )([9]) .

بناءً على هذا فإنّ خلافة هؤلاء الاثني عشر كانت صحيحة لإجماع المسلمين عليهم وكان الرسول قد بشّر المسلمين بخلافتهم له في حمل الإسلام إلى الناس .

قال ابن حجر عن هذا الوجه  : ( إنّه أرجح الوجوه ) .

وقال ابن كثير  :

( إنّ الذي سلكه البيهقي ووافقه عليه جماعة من أنّ المراد هم الخلفاء المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق الذي قدمنا الحديث فيه بالذمّ والوعيد فإنّه مسلك فيه نظر ، وبيان ذلك أنّ الخلفاء إلى زمن الوليد بن يزيد هذا أكثر من اثني عشر على كلّ تقدير ، وبرهانه أنّ الخلفاء الأربعة ، أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ خلافتهم محقّقة ... ثمّ بعدهم الحسن بن علي كما وقع لأنّ عليّاً أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق ... حتّى اصطلح هو ومعاوية ... ثمّ ابنه يزيد بن معاوية ، ثمّ   ابنه معاوية بن يزيد ، ثمّ مروان بن الحكم ، ثمّ ابنه عبد الملك بن مروان ، ثمّ ابنه الوليد بن عبد الملك ، ثمّ سليمان بن عبد الملك ، ثمّ عمر بن عبد العزيز ، ثمّ يزيد ابن   عبد الملك ، ثمّ هشام بن عبد الملك ، فهؤلاء خمسة عشر ، ثمّ الوليد بن يزيد ابن   عبد الملك ، فإن اعتبرنا ولاية ابن الزبير قبل عبد الملك صاروا ستّة عشر ، وعلى كلّ تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز ، وعلى هذا التقدير يدخل في   الاثني عشر يزيد بن معاوية ويخرج عمر بن عبد العزيز ، الذي أطبق الأئمة على   شكره وعلى مدحه وعدّوه من الخلفاء الراشدين ، وأجمع الناس قاطبة على   عدله ، وأنّ أ يّامه كانت من أعدل الأيام حتّى الرافضة يعترفون بذلك ، فإن   قال  : أنا لا أعتبر إلاّ من اجتمعت الاُمّة عليه لزمه على هذا القول أن لا يعدّ عليّ بن أبي طالب ولا ابنه ، لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما .

وذكر  :

أنّ بعضهم عدّ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد ، ولم يقيّد بأيام مروان ولا ابن الزبير ، لأنّ الاُمّة لم تجتمع على واحد منهما ، فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عادّاً للخلفاء الثلاثة ، ثمّ معاوية ، ثمّ يزيد ، ثمّ عبد الملك ، ثمّ الوليد بن سليمان ، ثمّ   عمر بن عبد العزيز ، ثمّ يزيد ، ثمّ هشام ، فهؤلاء عشرة ، ثمّ من بعدهم الوليد ابن   يزيد بن عبد الملك الفاسق ، ويلزمه منه إخراج عليّ وابنه الحسن ، وهو خلاف ما نصّ عليه أئمة السنّة بل الشيعة )([10]) .

ونقل ابن الجوزي في كشف المشكل وجهين في الجواب  :

أوّلا  :

( أ نّه (ص) أشار في حديثه إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه ، وإنّ حكم أصحابه مرتبط بحكمه ، فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم ، فكأ نّه أشار بذلك إلى   عدد الخلفاء من بني اُميّة ، وكأنّ قوله  : « لا يزال الدين » أي الولاية إلى أن يلي اثنا عشر خليفة ، ثمّ ينتقل إلى صفة اُخرى أشدّ من الاُولى ، وأوّل بني اُميّة يزيد بن   معاوية وآخرهم مروان الحمار ، وعدّتهم ثلاثة عشر ، ولا يعدّ عثمان ومعاوية ولا   ابن الزبير لكونهم صحابة ، فإذا أسقطنا منهم مروان بن الحكم للاختلاف في   صحبته ، أو لأ نّه كان متغلّباً بعد أن اجتمع الناس على عبد اللّه بن الزبير ، صحّت   العدّة ، وعند خروج الخلافة من بني اُميّة وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتّى استقرّت دولة بني العباس فتغيّرت الأحوال عمّا كانت عليه تغييراً بيّناً )([11]) .

وقد ردّ ابن حجر في فتح الباري على هذا الاستدلال .

ونقل ابن الجوزي الوجه الثاني عن الجزء الذي جمعه أبو الحسين بن المنادي في المهدي ، وأ نّه قال  :

( يحتمل أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان ، فقد وجدت في   كتاب دانيال  : إذا مات المهدي ، ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر ، ثمّ   خمسة من ولد السبط الأصغر ، ثمّ يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر ، ثمّ يملك بعده ولده فيتمّ بذلك اثنا عشر ملكاً كلّ واحد منهم إمام مهديّ ، قال  : وفي رواية ... ثمّ يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا  : ستّة من ولد الحسن ، وخمسة من ولد الحسين ، وآخر من غيرهم ، ثمّ يموت فيفسد الزمان ) .

علّق ابن حجر على الحديث الأخير في صواعقه وقال  :

( إنّ هذه الرواية واهية جدّاً فلا يعول عليها )([12]) .

وقال قوم  :

( يغلب على الظنّ أ نّه عليه الصلاة والسلام أخبر ـ  في هذا الحديث  ـ بأعاجيب تكون بعده من الفتن حتّى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميراً ، ولو أراد غير هذا لقال  : يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا ، فلمّا أعراهم عن   الخبر عرفنا أ نّه أراد أ نّهم يكونون في زمن واحد ... )([13]) .

قالوا  :

( وقد وقع في المائة الخامسة ، فإنّه كان في الأندلس وحدها ستّة أنفس كلّهم   يتسمّى بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسية ببغداد إلى من كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج )([14]) .

قال ابن حجر  :

( وهو كلام من لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في   البخاري هكذا مختصرة ... )([15]) . وقال  :

( إنّ وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق فلا يصحّ أن يكون المراد )([16]) .

قال المؤلف  :

هكذا لم يتّفقوا على رأي في تفسير الروايات السابقة ، ثمّ إنّهم أهملوا إيراد الروايات التي ذكر الرسول (ص) أسماء الاثني عشر لأ نّها كانت تخالف سياسة الحكم بمدرسة الخلفاء مدى القرون . وخرّجها المحدّثون بمدرسة أهل البيت في   تآليفهم بسندهم إلى أبرار الصحابة عن رسول اللّه (ص) ونقتصر هنا على   إيراد نزر يسير منها في ما يأتي ممّا رواه الفريقان  :


([1])  شرح ابن العربي على سنن الترمذي 9 / 68 ـ 69 .

([2])  شرح النووي على مسلم 12 / 201 ـ 202 . وفتح الباري 16 / 339 ، واللفظ منه ، وكرّره  في ص 341 .

([3])  تأريخ الخلفاء للسيوطي / 12 .

([4]) فتح الباري 16 / 341 . وتأريخ الخلفاء للسيوطي / 12 .

 (5،[6]) الصواعق المحرقة/19 . وتأريخ  الخلفاء للسيوطي/12 . وعلى هذا يكون لأتباع مدرسة الخلفاء ، إمامان منتظران أحدهما المهدي ، في مقابل منتظر واحد لأتباع مدرسة أهل البيت .

([7])  أشار إليه النووي في شرح مسلم 12 / 202 ـ 203 . وذكره ابن حجر في فتح الباري 16  /  338 ـ 341 . والسيوطي في تأريخ الخلفاء / 10 .

([8])  نقله ابن كثير في تأريخه 6 / 249 عن البيهقي .

([9])  تأريخ الخلفاء / 11 . والصواعق / 19 . وفتح الباري 16 / 341 .

([10])  تأريخ ابن كثير 6 / 249 ـ 250 .

([11])  فتح الباري 16 / 340 ، عن ابن الجوزي في كتابه ( كشف المشكل ) .

([12])  فتح الباري 16 / 341 . والصواعق المحرقة لابن حجر / 19 .

([13])  فتح الباري 16 / 338 .

([14])  شرح النووي 12 / 202 . وفتح الباري 16 / 339 ، واللفظ للأخير .

([15])  فتح الباري 16 / 338 .

([16])  فتح الباري 16 / 339 .