عدالة  الصحابة  لدى  المدرستين
 


رأي  مدرسة  الخلفاء  في  عدالة  الصحابة  :
ترى مدرسة الخلفاء أنّ الصحابة كلّهم عدول ، وترجع إلى جميعهم في أخذ معالم دينها .
قال إمام أهل الجرح والتعديل الحافظ أبو حاتم الرازي([20]) في تقدمة كتابه  :
( فأمّا أصحاب رسول اللّه (ص) فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل ، وعرفوا التفسير والتأويل ، وهم الذين اختارهم اللّه عزّ وجلّ لصحبة نبيّه (ص)ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقّه ، فرضيهم له صحابة ، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة ، فحفظوا عنه (ص) ما بلّغهم عن اللّه عزّ وجلّ ، وما سنّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب ، ووعوه وأتقنوه ، ففقهوا في الدين ، وعلموا أمر اللّه ونهيه ومراده ، بمعاينة رسول اللّه (ص)ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله ، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه ; فشرّفهم اللّه عزّ وجلّ بما منّ عليهم وأكرمهم به من  وضعه إيّاهم موضع القدوة ، فنفى عنهم الشكّ والكذب والغلط والريبة والفخر واللمز ، وسمّاهم عدول الاُمّة ، فقال عزّ ذكره في محكم كتابه  : (  وَكَذلِكَ  جَعَلْناكُمْ  اُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا  شُهَداءَ عَلى النَّاسِ  ) البقرة / 143 . ففسّر النبيّ (ص) عن اللّه عزّ  ذكره قوله  : (  وَسَطاً  ) قال  : عدلا . فكانوا عدول الاُمّة ، وأئمة الهدى ، وحجج الدين ، ونقلة الكتاب والسنّة .
وندب اللّه عزّ وجلّ إلى التمسّك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم ، فقال  : (  وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ... وَيَتَّبِعْ  غَيْرَ  سَبِيلِ  المُؤْمِنِينِ نُوَلِّهِ  ما تَوَلَّى ...  )([21])الآية ، النساء / 115 .
و وجدنا النبيّ (ص) قد حضّ على التبليغ عنه في أخبار كثيرة و وجدناه يخاطب أصحابه فيها ، منها أن دعا لهم فقال  : « نضّر اللّه امرأً سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتّى يبلغها غيره » . وقال (ص) في خطبته  : « فليبلّغ الشاهد منكم الغائب » ، وقال  : « بلّغوا عنّي ولو آية ، وحدّثوا عنّي ولا حرج » .
ثمّ تفرّقت الصحابة ـ  رضي اللّه عنهم  ـ في النواحي والأمصار والثغور ، وفي  فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام ، فبثّ كلّ واحد منهم في  ناحيته والبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول اللّه (ص)([22]) ، وأفتوا في  ما سئلوا عنه ممّا حضرهم من جواب رسول اللّه (ص) عن نظائرها من  المسائل ، وجرّدوا أنفسهم مع تقدمة حسن النية والقربة إلى اللّه تقدّس اسمه لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن الحلال والحرام ، حتّى قبضهم اللّه عزّ  وجلّ . رضوان اللّه ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين .
 
وقال ابن عبد البرّ في مقدمة كتابه ـ  الاستيعاب([23])  ـ  :
( ثبتت عدالة جميعهم ) . ثمّ أخذ بإيراد آيات وأحاديث وردت في حقّ المؤمنين منهم نظير ما أوردناه من الرازي .
وقال ابن الأثير في مقدمته لكتاب اُسد الغابة([24])  :
( ... إنّ السنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة الحلال والحرام إلى  غير ذلك من اُمور الدين ، إنّما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها ، وأوّلهم والمقدّم عليهم أصحاب رسول اللّه (ص) ، فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشدّ  جهلا وأعظم إنكاراً ، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم ...
والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ في الجرح والتعديل ، فإنّهم  كلّهم عدول لا يتطرّق إليهم الجرح ... ) .
وقال الحافظ ابن حجر في الفصل الثالث ، في بيان حال الصحابة من العدالة ، من مقدمة الإصابة([25]) .
( اتّفق أهل السنّة على أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من  المبتدعة ... ) .
وروى عن أبي زرعة أ نّه قال  :
( إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول اللّه (ص) فاعلم أ نّه  زنديق ، وذلك أنّ الرسول حقّ ، والقرآن حقّ ، وما جاء به حقّ ، وإنّما أدّى ذلك إلينا كلّه الصحابة ، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة )([26]) .
كان هذا رأي مدرسة الخلفاء في عدالة الصحابة ، وفي ما يلي رأي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك . 


([20])  هو أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفّى سنة 327 هـ  ، وكتابه هذا ( تقدمة  المعرفة لكتاب الجرح والتعديل ) ط . حيدر آباد سنة 1371 هـ  ، نقلنا ما أوردناه من ص  7ـ9 منه .
([21])  ترى مدرسة أهل البيت أنّ المقصود من كلّ ذلك  : المؤمنون منهم ، كما نصّت الآية عليه ، وسيأتي مزيد بيانه إن شاء اللّه تعالى .
([22])  سترى في ما يأتي إن شاء اللّه أنّ مدرسة الخلافة منعت نشر حديث الرسول وخاصة كتابته إلى رأس المائة من الهجرة  !
([23])  الاستيعاب في أسماء الأصحاب للحافظ المحدّث أبي عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمد ابن  عبد البرّ النمري القرطبي المالكي ( 368 ـ 463 هـ ) .
([24])  اُسد الغابة في معرفة الصحابة لأبي الحسن عزّ الدين علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الأثير ( ت  : 630 هـ ) ، 1 / 3 .
([25])  الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني  الشافعي المعروف بابن حجر ( 773 ـ 852 هـ ) وقد رجعنا إلى ط . المكتبة التجارية سنة 1358 هـ بمصر 1 / 17 ـ 22 .
([26])  الإصابة 1 / 18 . وأبو زرعة  : هو عبيد اللّه بن عبد الكريم بن يزيد . قال ابن حجر في  تقريب التهذيب 2 / 536 ، الترجمة 1479  : إمام حافظ ثقة مشهور من الطبقة الحادية  عشرة من الرواة . مات سنة أربع وستين ومائتين ، وروى عنه من أصحاب الصحاح مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة .
أقول  : لست أدري ماذا يقول الإمام أبو زرعة في حقّ المنافقين من أصحاب رسول  اللّه  (صلى الله عليه وآله وسلم) .