ضابطتهم  لمعرفة  الصحابي


ذكر مترجمو الصحابة بمدرسة الخلفاء ضابطة لمعرفة الصحابي ، كما نقلها ابن  حجر في الإصابة وقال  :
وممّا جاء عن الأئمة من الأقوال المجملة في الصفة التي يعرف بها كون الرجل صحابياً وإن لم يرد التنصيص على ذلك ، ما أورده ابن أبي شيبة في مصنّفه من طريق لا بأس به  : أ نّهم كانوا في الفتوح لا يؤمّرون إلاّ الصحابة([8]) .
والرواية التي جاءت من طريق لا بأس به بهذا الصدد هي التي رواها الطبري وابن عساكر بسندهما ، عن سيف ، عن أبي عثمان ، عن خالد وعبادة ، قال  فيها  :
وكانت الرؤساء تكون من الصحابة حتّى لا يجدوا من يحتمل ذلك([9]) .
وفي رواية اُخرى عند الطبري عن سيف قال  :
إنّ الخليفة عمر كان لا يعدل أن يؤمّر الصحابة إذا وجد من يجزي عنه في  حربه . فإن لم يجد ففي التابعين بإحسان ، ولا يطمع من انبعث في الردّة في  الرئاسة ...([10]) .
 
مناقشة  ضابطة  معرفة  الصحابي  :
إنّ مصدر الروايتين هو سيف المتّهم بالوضع والزندقة([11]) .
وسيف يروي الضابطة عن أبي عثمان ، وأبو عثمان الذي يروي عن خالد وعبادة في روايات سيف ، تخيّله سيف  : يزيد بن اُسيد الغسّاني ، وهذا الإسم من  مختلقات سيف من الرواة([12]) .
ومهما تكن حال الرواة الذين رووا أمثال هذه الروايات ، وكائناً من كان ، فإنّ الواقع التأريخي يناقض ما ذكروا  .
فقد روى صاحب الأغاني وقال  :
أسلم امرؤ القيس على يد عمر وولاّه قبل أن يصلّي للّه ركعة  واحدة([13]) .
وتفصيل الخبر في رواية بعدها عن عوف بن خارجة المرّي قال  :
واللّه إنّي لعند عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في خلافته ، إذ أقبل رجل أفحج أجلح أمعر([14]) يتخطّى رقاب الناس حتّى قام بين يدي عمر ، فحيّاه بتحيّة الخلافة .
فقال له عمر  : فمن أنت  ؟
قال  : أنا امرؤ نصرانيّ ، أنا امرؤ القيس بن عدي الكلبي .
فعرفه عمر ، فقال له  : فما تريد  ؟
قال  : الإسلام .
فعرضه عليه عمر ، فقبله . ثمّ دعا له برمح فعقد له على مَن أسلم بالشام من  قضاعة([15]) . فأدبر الشيخ واللواء يهتزّ على رأسه ـ  الحديث([16]) .
ويخالفه ـ  أيضاً  ـ ما في قصة تأمير علقمة بن علاثة الكلبي بعد ارتداده ، وقصّته كما في الأغاني والإصابة([17]) بترجمته ما يلي  :
أسلم علقمة على عهد رسول اللّه وأدرك صحبته . ثمّ ارتدّ على عهد أبي بكر . فبعث أبو بكر إليه خالداً ففرّ منه .
قالوا  : ثمّ رجع فأسلم .
وفي الإصابة  :
شرب الخمر على عهد عمر ، فحدّه ، فارتدّ ولحق بالروم . فأكرمه ملك الروم ، قال له  : أنت ابن عمّ عامر بن الطفيل . فغضب وقال  : لا أراني أعرف إلاّ بعامر([18]) . فرجع وأسلم .
وفي الأغاني والإصابة ـ  واللفظ للأوّل  ـ  :
لمّا قدم علقمة بن علاثة المدينة وكان قد ارتدّ عن الإسلام ، وكان لخالد ابن  الوليد صديقاً ، فلقيه عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)في المسجد في جوف الليل ، وكان  عمر (رضي الله عنه) يشبّه بخالد ، فسلّم عليه وظنّ أ نّه خالد .
فقال له  : عزلك  ؟
قال  : كان ذلك .
قال  : واللّه ما هو إلاّ نفاسة عليك وحسداً لك .
فقال له عمر  : فما عندك معونة على ذلك  ؟
قال  : معاذ اللّه ، إنّ لعمر عليناً سمعاً وطاعة وما نخرج إلى خلافه .
فلمّا أصبح عمر (رضي الله عنه) أذن للناس ، فدخل خالد وعلقمة . فجلس علقمة إلى  جنب خالد ، فالتفت عمر إلى علقمة فقال له  :
إيه يا علقمة ، أنت القائل لخالد ما قلت  ؟
فالتفت علقمة إلى خالد ، فقال  :
يا أبا سليمان أفعلتها  ؟
قال  : ويحك  ! واللّه ما لقيتك قبل ما ترى ، وإنّي أراك لقيت الرجل .
قال  : أراه واللّه .
ثمّ التفت إلى عمر (رضي الله عنه) فقال  :
يا أمير المؤمنين  ! ما سمعت إلاّ خيراً .
قال  : أجل ، فهل لك أن أولّيك حوران([19])  ؟
قال  : نعم .
فولاّه إياها فمات بها ، فقال الحطيئة يرثيه ...الحديث .
وزاد في الإصابة  :
فقال عمر  : لأن يكون من ورائي على مثل رأيك أحبّ إليّ من كذا وكذا .
 
*          *          *
 
 
كان ما نقلناه هو الواقع التأريخي غير أنّ علماء مدرسة الخلفاء استندوا إلى  ما  رووا واكتشفوا ممّا رووا ضابطة لمعرفة صحابة رسول اللّه (ص) وأدخلوا في عداد الصحابة مختلقات سيف بن عمر المتّهم بالزندقة ممّا درسناه في كتابنا ( خمسون ومائة صحابيّ مختلق ) .
بعد دراسة رأي المدرستين في تعريف الصحابيّ ، ندرس في ما يأتي أمر عدالة الصحابة لدى المدرستين .


([8])  الإصابة 1 / 13 .

([9])  الطبري ، ط . اوربا 1 / 2151 .

([10])  الطبري ، ط . اوربا 1 / 2457 و  2458 .

([11])  راجع ترجمة سيف في أوّل الجزء الأوّل من كتاب عبد اللّه بن سبأ .

([12])  راجع مخطوطة ( رواة مختلقون ) للمؤلّف ، وكتاب عبد اللّه بن سبأ ، ط . بيروت سنة  1403  هـ  ، 1 / 117 .

([13])  الأغاني ، ط . ساسى 14 / 158 .

([14])  الأفحج  : من تدانت صدور قدميه وتباعد عقباه . والأجلح  : الذي انحسر شعره عن  جانبي  رأسه . والأمعر  : قليل الشعر .

([15]) قضاعة  :قبائل كبيرة ، منهم قبائل حيدان وبهراء وبلى وجهينة ، ترجمتهم في جمهرة أنساب  ابن حزم/440ـ460 . وكانت ديارهم في الشحر ثمّ في نجران ثمّ في الشام ، فكان  لهم  ملك ما بين الشام والحجاز إلى العراق . راجع مادة قضاعة ، معجم قبائل العرب 3  / 957 .

([16]) الأغاني ، ط . ساسي 14/157 . وأوجزه ابن حزم في جمهرة أنساب العرب/284 .

([17])  ترجمته في الإصابة 2 / 496 ـ 498 . والأغاني ، ط . ساسي 15 / 56 . وقصة تنافر علقمة  وعامر في الأغاني 15 / 50 ـ 55 . وفي جمهرة ابن حزم / 284 .

([18])  وقعت منافرة بين علقمة وعامر ذكرها الأخباريون ، قال في الأغاني ، ط . ساسي 15/50  : إنّ علقمة كان قاعداً ذات يوم يبول ، فبصر به عامر ، فقال  : لم أرَ كاليوم عورة رجل أقبح ...
فقال علقمة  : أما واللّه ما وثبت على جاراتها ولا تنازل كناتها ، يعرض بعامر ...
فقال عامر  : واللّه لأنا أكرم منك حسباً وأثبت منك نسباً ...
فقال علقمة  : لأنا خير منك ليلا ونهاراً .
فقال عامر  : لأنا أحبّ إلى نسائك ـ إلى آخر القصة ، في الأغاني ، وترجمة علقمة في  الإصابة .
ولذلك أنف علقمة من أن يكرم لأ نّه ابن عمّ عامر ويشتهر ذلك عنه .

([19])  حوران  : كورة واسعة من أعمال دمشق ذات قرى كثيرة ومزارع . معجم البلدان 2 / 358 .