501 ـ الْشَّرُّ أَقْبَحُ الأَبْوابِ.

الشرّ أقبح الأبواب، لأنّه باب يُسلك منه إلى جهنّم، فأيّ باب أقبح منه ياترى؟!

ويمكن أن تكون كلمة «أقبح» ـ بالقاف والباء ـ قد وردت في الأساس بلفظ «أفتح» ـ بالفاء والتاء ـ فيكون المعنى أنّ الشرّ هو أوسع الأبواب المُشرعة، وأنّ سدّه أمر في غاية الصعوبة والعسر، إلاّ بعصمة وحفظ الحقّ تعالى.

502 ـ الْعَاقِلُ مَنْ عَقَلَ لِسانَهُ.

العاقل هو الّذي يعتقل لسانه عن الغيبة وفحش القول وأمثال ذلك، وكذلك عن فضول الكلام، لأنّ الصمت أولى، إلاّ بقدر الضرورة، وقد ورد في بعض الأحاديث أنّ لقمان قال لابنه إن ظننتَ أنّ الكلام من فضّة، فإنّ السكوت من ذهب(1).

503 ـ الْحازِمُ مَنْ دارى زَمانَهُ.

الحازم الضابط لأمره هو من دارى زمانه، أي من دارى أهل زمانه. وقد وردت أحاديث كثيرة من طرق الشيعة والعامّة في الترغيب بمداراة الناس والحثّ عليها، حتى انّه روي عن الإمام الناطق بالحقّ الإمام جعفر الصادق صلوات الله وسلامه عليه أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: مداراة الناس نصف الإيمان(2). والمراد بالمداراة: الرفق بالناس واللين بهم وحُسن معاشرتهم ومحادثتهم.

504 ـ الْشَّرُّ مَنْطِقٌ وَبيّ(3).

الشرّ منطق وبيء غير مُستساغ، أي انّ أسوأ أفراد الشرّ المنطق السيّء الوبيل، والمراد بوبائه ووباله أنّه يشمل الأُمور غير المشروعة أيضاً، مثل الغيبة والسباب، وعلى هذا فمن الظاهر أنّه من أهم أنواع الشرّ. ويمكن أن لا يكون المراد بالـ «منطق» القول باللسان بل الاعتقاد، ولا شكّ في أنّ الاعتقادالسيّء الشامل لجميع الاعتقادات الفاسدة هو أهم أفراد الشرّ وأنواعه.

ولا يبعد أن يكون «الشرّ» بالشين ـ كما هو موجود في نُسخ الكتاب ـ تصحيف، وأنّ الصواب هو «السرّ» بالسين، يعني التناجي والمسارّة، ومن الظاهر أنّ ذلك من القول السيّء لأنّه يكون سبباً في تكدّر الحاضرين لأنّه دلالة على كونهم من الأجانب الّذي تُحجب عنهم الأسرار، بل كثيراً ما يتوهّمون أنّ المسارّة تتضمّن غيبةً لأحدهم، فيكون ذلك سبباً في تكدّر خواطرهم، وعلى الأخصّ حين تشمل المناجاة والمسارّة جميع الحضور إلاّ واحداً، إذ ينحصر أمر حجب السرّ والاعتبار من الأجانب في هذا الشخص بعينه، كما يزداد التوهّم لديه بأنّ في الحديث غيبة له، وذلك ممّا يسبب تكدّره، خلافاً لما لو كانت المسارّة دون أكثر من فرد واحد، إذ سيحتمل كلّ واحد منهم أنّ الأجنبي المحجوب عن السرّ غيره، وإن كان في الأمر غيبة فإنّه سيتوهّم أنّها غيبة لغيره، فلا يكون ذلك سبباً في تكدّر خاطر عدد كبير من الحضور.

505 ـ الْخَرَسُ خَيْرٌ مِنَ الْعَيِّ.

معناه أنّ الخَرَس أفضل من العجز في البيان، أي من العجز في إظهار وإحكام تمام المطلب الّذي يُريد إظهاره. وبناءً على هذا فإنّ من الظاهر أنّ الخَرَسَ أفضل، لأنّه عيب صوري أمّا العيّ فعيبٌ معنوي.

ويمكن أن يكون المراد بالعيّ العجز في الكلام باعتبار اللجلجة في الكلام ونحو ذلك، وكون الخرس أفضل باعتبار أنّ العيّ يسبّب سخرية الناس واستهزاءهم أكثر من الخرس.

وجاء في بعض النسخ لفظ «الغيّ»، فيكون المعنى حينذاك أنّ الخرس خيرٌ من الضلالة، أي خير من الكلام الّذي يسبب إضلال الناس، أو خير من الكلام الّذي يصدر من شخص ضالّ، ولا شبهة في أفضلية الخَرَسَ منه، غاية الأمر أنّ النسخة الأُولى أظهر كما لا يخفى على المتأمّل.

506 ـ الْطَّاعَةُ غَنِيمَةُ الأَكْياسِ .

طاعة الحقّ تعالى والانقياد له غنيمة الأكياس العُقلاء، يعني أنّ الأكياس يعدّون ذلك غنيمة. والغنيمة هي المال المستحصل من الكفّار بالحرب، والمال والنفع الّذي يحصل بعد الحرب بلا عوض.

وكون الطاعة غنيمة بالمعنى الثاني، أو بالمعنى الأوّل باعتبار أنّ الطاعة تحصل بمجاهدة النفس.

507 ـ الْعُلَماءُ حُكَّامٌ عَلَى النَّاسِ.

يعني أنّ على الناس قبول حُكم العلماء وعدم تجاوزه.

508 ـ الْرِّجَالُ تُفيدُ الْمالُ، الْمالُ ما أَفادَ الرِّجالَ.

الرجال تُعطي المال، والمال لا يُعطي الرجال. أو أنّ معناه هو أنّ الرجال يكسبون المال، والمال لا يكسب الرجال. وعلى كلّ تقدير فالمراد هو أنّ على الإنسان السعي في أن يكون رجلا، فذلك أفضل من سعيه لتحصيل المال.

ويمكن أن يكون معنى الفقرة الأُولى «الرجال تُفيد المال» أنّ ما يُكتسب من مصاحبتهم هو المال الحقيقي، ثمّ جاءت الفقرة الثانية لتأكيد هذا المعنى وتوضيحه، ومعناها أنّ المال هو ما أفاده الرجال وما أُكتُسب من مصاحبتهم.

509 ـ الْجُودُ مِنْ كَرَمَ الطَّبِيْعَةِ.

الجود ينشأ من كرم وشرف طبع الإنسان وخصاله.

510 ـ الْمَنُّ مُفْسِدَةُ الصَّنِيْعَةِ.

المنّ على المُحسَن إليه مُفسد ومُبطل للإحسان، ومبطل للأجر والثواب المترتّب على الإحسان.

511 ـ الْتَّجَنِّي أَوَّلُ الْقَطِيعَةِ.

التجنّي هو أوّل قطع الرحم. والتجنّي يعني تناول الثمرة من الشجرة والعلف وسائر ذلك(4)، والمراد أنّ الانقباض وعدم الانبساط إلى الأرحام هو أوّل مراتب قطع الرحم، وأنّ ذلك داخل أيضاً في قطع الرحم، وأنّ قطع الرحم يتحقّق بمجرّد الانقباض عن الأرحام، ولو كان الشخص يصلهم بسائر مراتب الصِّلة والإحسان دونما تقصير. أو أنّ هذا أوّل مراتب قطع الرحم وأهمّها، وأنّ أي مرتبة من قطع الصلة والإحسان لا تماثل في السوء هذه المرتبة. ولذلك فإنّ أكثر الناس يتوقّعون حسن الملاقاة فضلا عن سائر أنواع الصلة والإحسان، ويتأثّرون عند تركه أكثر من تأثّرهم عند قطع سائر المراتب.

512 ـ الْعَيْشُ يَحْلُوْ(5) وَيَمُرُّ.

يعني أنّ العيش هو دائماً على هذه الحال، وينبغي على الإنسان أن لا يتوقّع أن يكون العيش حلواً دائماً.

513 ـ الْدُّنْيا تَغُرُّ وَتَضُرُّ وَتَمُرُّ.

الدنيا تغرّ الإنسان وتضرّه وتمرّ ولا تبقى، فيجب إذاً الحذر منها وعدم الحرص عليها.

514 ـ الإِقْتِصادُ يُنْمي الْيَسِيرَ.

الاقتصاد والاعتدال في المعاش ـ أي بلا إسراف ولا تقتير ـ يُنمي اليسير من المعاش ويُبارك فيه.

515 ـ الإِسْرافُ يُفْني الْكَثِيرَ.

الإسراف ومجاوزة الحدّ يُفني الكثير، أي أنّ الكثير مهما كثير يفنى ويتلف سريعاً بالإسراف، فعلى الإنسان إذاً أن لا يُسرف في انفاق المال إتّكالا على كثرته.

516 ـ الْزُّهْدُ أَساسُ الْيَقِينِ.

ترك الدنيا وترك الاشتغال بها هو أساس بناء اليقين. ولا يخفى أنّ الظهر من العبارة هو أنّ اليقين هو أساس بناء ترك الدنيا، وأنّ بناء ترك الدنيا على اليقين ويحصل ويتحقّق بتحصيل اليقين، وهو ما يوافق ما ذُكر سابقاً من أنّ «الزهد ثمرة اليقين». ويمكن القول أنّه يمكن اعتبار كلّ واحد منهما أساساً للآخر، باعتبار أنّ الإنسان ما لم يبتعد عن الدنيا بعض الشيء ولا يشتغل بها، وما لم يتفكّر ويتأمّل في أحوال المبدأ والمعاد فإنّه لن يحصل على اليقين. وأنّ اليقين ما لم يحصل فإنّ ترك الدنيا لن يكون كاملا ولا راسخاً، فكلّ واحد منهما يمكن اعتباره ـ بإحدى الطرق ـ أساساً للآخر.

ويمكن أن يكون(عليه السلام) قد اعتبر ثمرة اليقين أساساً له على سبيل المبالغة، إشارة إلى أن أساس كلّ شيء، وأهم أجزائه يعدّ في نظر أصحاب البصيرة ثمرته.

517 ـ الْصِّدْقُ رَأْسُ الدِّينِ.

الصدق هو رأس الدين والتديّن، وأنّ من لا صِدق له لا دين له.

518 ـ الْسَّامِعُ شَرِيْكُ الْقائِلِ.

يعني أنّ كلّ كلام يبعث على الأجر والثواب، مثل تلاوة القرآن الكريم والأذكار والصلوات، يُحتسب الأجر والثواب لقائله، وكذلك يُحتسب لسامعه إن هو أنصتَ ونوى فِعله. وكذلك كلّ كلام يكون سبباً للوزر والعقاب، كالغيبة والسبّ، فإنّ السامع شريك في الوزر والذنب مع القائل إن هو أنصت وقَصَد ولم يكن في صدد زجر القائل ومنعه.

519 ـ الْبِشْرُ أَوَّلُ النَّائِلِ.

البِشر والطلاقة أوّل عطاء يعطيه الشخص للسائل وأمثاله، وقد تكرّر هذا المعنى.

520 ـ الْعَفْوُ تاجُ الْمَكارِمِ.

العفو عن ذنوب الناس وتقصيراتهم تاج المكارم. والمكرمة(6) بضمّ الراءعمل حسن يسبّب كرامة الإنسان وعزّه.

521 ـ الْمَعْروُفُ أَفْضَلُ الْمَغانِمِ.

الإحسان إلى الناس أفضل المغانم، لأنّ ثوابه في الآخرة عظيم، والغالب أنّ له في الدنيا أيضاً آثاراً حسنة.

522 ـ الْتَّواضُعُ يَنْشُرُ الْفَضِيلَةَ.

التواضع للناس ينشر فضيلة الإنسان وفضله.

523 ـ الْتَّكَبُرُ يُظْهِرُ الرَّذِيَلةَ.

524 ـ الْمُتعرّض للبلاء مُخاطِر.

مَن يُعرّض نفسه للبلاء ويفعل ما قد يوقعه في البلاء يُخاطر بنفسه ويعرّضها للهلاك، يعني أنّ حكمه حكم من يُهلك نفسه عالماً، وعلى العاقل أن لا يفعل ما فيه مظنّة البلاء.

525 ـ الْمُعْلِنُ بِالْمَعْصِيَةِ مُجاهِرٌ.

من يفعل المعصية عَلَناً مُجاهر، أي أنّه يجهر بالإخبار بعدم طاعته لله تعالى وعدم خوفه منه عز وجل .

ويمكن أن يكون المراد بـ «مجاهر» ما ورد في حديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): من أنّه لا غِيبةَ للمُجاهر، أي لا غيبة لمن يُجاهر بالمعصية ولا يسترها.

526 ـ اللِّسانُ تَرْجُمانُ الْعَقْلِ.

اللسان ترجمان كلام العقل ومفسّره، يعني أنّ عمل اللسان هو أن يترجم كلام العقل لا كلام اللغو الّذي لا طائل وراءه.

527 ـ الْتَّنَزُّهُ أَوَّلُ النُّبْلِ.

التنزّه من الذنوب والمعاصي أوّل النُّبل، وهو مقدّم على سائر الصفات الّتي هي علامة للنبل. والنُّبل ـ بضمّ النون وسكون الباء ـ هي النجابة والذكاء والفطنة، وكلا المعنيين محتمل هنا، لكنّ المعنى الثاني أنسب.

528 ـ الْضِّيافَةُ رَأْسُ الْمُرُءَةِ.

الضيافة رأس المروءة وأساسها، والمروءة لا توجد بلا ضيافة. أو أنّ المراد هو أنّها مقدّمة على سائر علامات المروءة، ممّا ينسجم مع ما جاء في بعض النسخ، حيث وردت بلفظ «أوَّل» بدل «رأس». وجاء في بعض النسخ «الصيانة» بدلا من «الضيافة»، فيكون المعنى حينذاك أنّ الصيانة والحفظ أوّل المروءة، يعني حفظ النفس وصونها عن ارتكاب المحرّمات والأُمور غير اللائقة.

529 ـ الْعِفَّةُ أَفْضَلُ الْفُتُوَّةِ.

العفّة عن الحرام أفضل الفتوّة، أي أفضل وأقوى علامات الفتوّة. وجاء في بعض النسخ لفظ «أصل» بدلا من «أفضل»، فيكون المعنى أنّ العفّة والتقوى هي أصل وأساس الفتوّة.

530 ـ الْحِقْدُ مَثارُ الْغَضَبِ.

الحقد موضع ثورة الغضب وسبب له، لأنّ مَن يحقد على شخص يغضب من أتفه خطأ يصدر منه. والغرض هو أنّ الحقد ـ مع أنّها خصلة ذميمة في حدّ ذاتها ـ تسبب إثارة الغضب المذموم بدوره، وقد ورد عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): «الغضب يُفسد الإيمان كما يُفسد الخلُّ العسل»(7)، وروي عن الإمام الهمام الناطق بالحقّ جعفر الصادق صلوات الله عليه: «الغضب مفتاح كلّ شرّ»(8)، وغير ذلك من الأحاديث الواردة في باب ذمّ الغضب.

531 ـ الشَّرُّ عُنْوانُ الْعَطَبِ.

الشرّ عنوان العطب والهلاك أو دليل عليه، يعني الهلاك الأخروي، وأحياناً الهلاك الدنيوي أيضاً.

وجاء في بعض النسخ «الشّرّه»(9) بدلا من «الشرّ»، فيكون معناه أنّ غلبة الحرص هي عنوان للعطب والهلاك.

532 ـ التَّجَنِّي رَسُولُ الْقَطِيعَةِ.

ذكرنا قبل عدّة فقرات أنّ «التّجَنّي أوّل القطيعة» وذكرنا شرحها. والرسول هو الّذي يُرسَل من قِبل شخص ما إلى شخص آخر برسالة معيّنة، وهذا المعنى لا مناسبة له في هذا المورد(10) ويُطلق أيضاً على مَن يعادل شخصاً ويُراسله في رماية أو نضال وأمثال ذلك. ومن الظاهر أنّ هذا المعنى هو المراد هنا، ويكون معنى الفقرة أنّ الانقباض وعدم الانبساط مع الأرحام معادلٌ لقطعهم ونضالهم وليس بأقلّ من ذلك.

533 ـ الْصَّبْرُ يُهَوِّنُ الْفَجِيعَةِ.

الصبر يهوّن المصيبة، وإنّ من يكثر جزعه عند المصيبة تشتدّ مصيبته عليه.

534 ـ الآدَابُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ.

الآداب حُلَل وأثواب متجدّدة، يعني الآداب المقرّرة في الشرع الأقدس. ويمكن أن تشمل أيضاً الآداب الشائعة لدى كلّ قوم ولو كانت مخالفة للشريعة المقدّسة.

535 ـ الْعُمْرُ أَنْفَاسٌ مَعْدُودَةٌ.

العمر أنفاس معدودة سرعان ما تنقضي، فيجب معرفة قدر كلّ نَفَس منها وعدم تضييعه وإهداره.

536 ـ الْعِلْمُ مِصْبَاحُ الْعَقْلِ.

العلم مصباح العقل، يعني المصباح الّذي أناره العقل وأزال به ظُلمة الجهل.

537 ـ الصَّوَابُ أَسَدُّ الْفِعْلِ.

الصواب والعمل الصحيح المتقن هو أحكم وأثبت الأعمال، بخلاف ما خالطه الخطأ والزلل، فإنّه سرعان ما يبطل ويزول.

538 ـ الْمَعْرِفَةُ نُورُ الْقَلْبِ.

المعرفة هي معرفة الحقّ تعالى أو معرفة ما يَحسُن معرفته، وهي نورٌ للقلب.

539 ـ الْتَّوْفِيقُ مِنْ جَذَبَاتِ الرَّبِّ.

توفيق الحقّ تعالى يعني تهيئة أسباب الخير لشخص ما، وهو من جملة جذبات الربّ عز وجل باتّجاه ساحة قُربه.

540 ـ الْتَّوْحِيدُ حَيَاةُ النَّفْسِ.

توحيد الحقّ تعالى أو العِلم به وبجميع صفات جماله وجلاله (لأنّ التوحيد يُستعمل في كلا المعنيين) هو حياة حقيقية للنفس، وبلحاظ الحقيقة فإنّ النفس تحيا بذلك وهي بدونه في حكم الميّت.

541 ـ الْذِّكْرُ مِفْتَاحُ الأُنْسِ.

ذِكر الحقّ تعالى مفتاح الأُنس به، فمن شاء الأُنس بالحقّ تعالى والانقطاع عن الخلق فعليه التوسّل بذِكر الله عز وجل .

542 ـ الْمَعْرِفَةُ الْفَوْزُ بِالْقُدْسِ.

المعرفة هي معرفة الحقّ تعالى أو معرفة مطلق العلوم الدينية، وهي تعنى الفوز بالقدس والطُّهر والتنزّه عن المعاصي والمنهيّات والصفات الذميمة والملكات الرذيلة، يعني أنّها تكون سبباً لذلك. أو أنّ المعرفة الحقيقية هي الّتي تكون بالتقدّس والتنزّه، أمّا المعرفة الّتي تكون بغير ذلك فهي في الحقيقة ليست معرفة.

543 ـ الْشَّرِيعَةُ رِيَاضُ الْنَّفْسِ .

الشريعة هي المنهل الّذي يقصده الناس لشرب الماء أو للتزوّد بالماء، ويُطلق على الدين والملّة أيضاً باعتبار تشبيهه بالموضع المذكور.

ويمكن هنا أن يكون المراد هو المعنى الأوّل، ويكون معناه أنّ الشريعة الحقيقيّة والموضع الّذي يمكن الارتواء منه هي رياضة النفس وترويضها بالطاعة والانقياد للحقّ تعالى وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

ويمكن أن يكون المراد هو المعنى الثاني، فيكون المعنى أنّ الغرض من الشريعة وجَعْل الشريعة هو رياضة النفس بالطاعة والانقياد وامتثال الأوامر واجتناب النواهي.

544 ـ الْتَّوَكُّلُ حِصْنُ الْحِكْمَةِ .

التوكّل هو الاعتماد في الأُمور على الحقّ تعالى وإيكال الأمر إليه في كلّ باب. والمراد أنّ هذا المعنى هو حصن وملجأ لحفظ النفس من الشرور والبلاء، والموضع المنيع الّذي يُؤمَن داخله من الشرور والبلاء، والحكمة تعني معرفة الأشياء على وجه صحيح، وقد جعلت الحكمة التوكّل حصناً وحكمت بكونه ملجأً وحصناً.

545 ـ الْتَّوْفِيقُ أَوَّلُ النِّعْمَةِ .

التوفيق هو تهيئة الحقّ تعالى أسباب الخير للإنسان، والتوفيق هو أوّل النعمة، يعني أنّه أفضل النعم ومقدّم عليها. أو أنّ المراد هو أنّ النعمة الحقيقية أو أنّ النعمة الكاملة هو صدور الخيرات، وأوّل مقدّمات النعمة التوفيق من الحقّ تعالى.

546 ـ الْصَّمْتُ رَوْضَةُ الْفِكْرِ .

الصمت هو روضة الفكر، يعني كما أنّ الناس يبتهجون ويسُرّون بالتنزّه في الروضة والبُستان، فإنّ الفكر أو صاحب الفكر يأنس ويبتهج بالصمت والسير في روضة الصمت.

547 ـ الْغِلُّ بَذْرُ الشَّرِّ .

الغِلّ والحقد بذر الشرّ، في أيّ صدر زُرع كان منبتاً للشرّ والسوء.

548 ـ الْحَقُّ سَيْفٌ قَاطِعٌ .

الحقّ سيفٌ قاطع، أي أنّ حكم الحقّ سيف بتّار يفصل ـ بلا حيلة ولا تزوير ـ في كلّ دعوى وخصومة. أو أنّ كلام الحقّ مطلقاً شبيه بسيف قاطع لا مجال فيه لمكر ولا حيلة.

549 ـ الْبَاطِلُ غَرُورٌ خَادِعٌ .

الباطل غرور خادع، أي أنّ حكم الباطل أو كلام الباطل مطلقاً إنّما يغلب بالخداع والمكر، وأنّه ما لم يُمزج بذلك لم يُجْدِ صاحبه شيئاً.

550 ـ الْزُّهْدُ مَتْجَرٌ رَابِحٌ.

ترك الدنيا والزهد فيها تجارة رابحة.

551 ـ الْعَمَلُ وَرَعٌ رَاجِحٌ.

العمل ورعٌ راجح، يعني أنّ العمل الّذي ينفع صاحبه والّذي يمكن في الحقيقة تسميته عملا هو الّذي يكون فيه الورع راجحاً (أي غالباً) على خلافه، والمراد ـ والله تعالى يعلم ـ هو أنّ أقلّ مراتب العمل هو أن يكون الورع فيه غالباً على نقيضه، أمّا من كان عكس الورع فيه غالباً، ومَن تساوى لديه الورع ونقيضه فعمله لا يسمّى عملا، وكأنّه لم يعمل عملا حسناً أصلا. فالعمل الّذي يمكن تسميته عملا في الجملة هو عمل مَن يغلب عليه التقوى، وكلّما كانت غلبة التقوى أكثر كان العمل أكمل، حتى يصل إلى مرتبة لا يبدر من الشخص خلاف التقوى والورع أصلا، وهي مرتبة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم، وهذه المرتبة لا تتيسر إلى غيرهم.

وجاء في بعض النسخ «الْوَرَعُ عَمَلٌ رَاجِحٌ»، يعني أنّ الورع عمل ثقيل راجح في ميزان الأعمال.

552 ـ الْكِذْبُ عَيْبٌ فَاضِحٌ.

الكذب عيب فاضح، لأنّ الغالب هو أن يظهر كذب القول، فيفتضح قائلُه. ويمكن أن يكون المراد أنّه فاضح في تلك النشأة.

553 ـ الإِيْمَانُ شَفِيعٌ مُنْجِحٌ.

الظاهر أنّ المراد بـ «الإيمان» هو الإسلام، وكونه شفيعاً مُنجحاً يعني أنّه شفيع تُقبل شفاعته حتماً، باعتبار أنّ الإنسان إذا أسلم عُفي عن ذنوبه السابقة، والحديث المشهور «الإسلام يَجبّ ما قبله»(11) أي أنّ الإسلام يقطع ما قبله دليل على ذلك، فكأنّه شفع في جميع تلك الذنوب وقُبلت شفاعته.

ويمكن أن يكون المراد بـ «الإيمان» معناه الاصطلاحي، يعني الإسلام مع الاعتقاد بأئمّة الحق، وهم الأئمّة الاثني عشر صلوات الله الملك الأكبر. والمراد هو أنّ الإيمان يشفع في كثير من ذنوب المؤمن أو في أجمعها فتُقبل شفاعته وتُنجّز، وهناك بعض الأحاديث الأُخرى شاهد على هذا، والله تعالى يعلم.

554 ـ الْبِرُّ عَمَلٌ مُصْلِحٌ.

البرّ والإحسان عمل مُصلح، أي أنّه يُصلح حال الإنسان في الدنيا والآخرة.

555 ـ الْعُجْبُ عُنْوَانُ الْحَمَاقَةِ.

العُجْب (وهو الكِبْر والزهو) عنوان الحماقة أو دليل عليها، وقد ذكر هذا المعنى مكرّراً.

556 ـ الْقَنَاعَةُ عُنْوانُ الْفَاقَةِ.

القناعة عُنوان الفاقة والفقر، يعني أنّ السائل وأمثاله إذا أُعطي فقنع ولم يتذمّر من قلّة ما أُعطي ولم يُطالب بالمزيد كان ذلك دليلا على فاقته وفقره. وإن هو تصرّف خلافاً لذلك كان ذلك علامة على أنّه ليس فقيراً في الواقع. وجاء في بعض النسخ «عَوْنُ الْفَاقَةِ»، فيكون معناه أنّ القناعة هي عَوْن الفاقة، يعني أنّه ينبغي إعانة الفاقة ورفدها بالقناعة لئلاّ تكون مُرّة عسيرة.

557 ـ الْغِلُّ دَاءُ الْقُلُوبِ.

الغلّ والضغن والحقد داء القلوب، وعلى مَن وُجد في قلبه غلّ أن يُداويه ليصحّ من هذا الداء العُضال.

558 ـ الْحَسَدُ رَأْسُ الْعُيُوبِ.

الحسد رأس العيوب، أي أنّه مقدّم عليها في السوء، لأنّه يُفسد دنيا الحسود وآخرته ـ كما ذُكر مكرراً ـ بخلاف العيوب الأُخرى الّتي تبعث على فساد الدنيا أو على فساد الآخرة.

559 ـ الْكِبْرُ شَرُّ الْعُيُوبِ.

الكِبْر (التكبّر والعُجب) هو شرّ العيوب، لأنّه يدل على منتهى الحماقة، إذ ما معنى تكبّر من كان في أمسه نُطفة، وسيكون غداً جيفة؟!

ولا يخفى أنّه إذا وُجدت عدّة عيوب بحيث أنّ كلّ واحد منها يُعدّ ـ بلحاظ ما ـ أسوأ من باقي العيوب، فيمكن أن نقول لكلّ واحد من هذه العيوب بأنّه شرّ العيوب، ولا يلزم أن يكون شرّ العيوب أسوأها من جميع الجهات. ولذلك فلا منافاة بين هذه الفقرة والفقرة السابقة «الْحَسَدُ رَأْسُ الْعُيوبِ»، لأنّ كلا منهما يمكن ـ بلحاظ ما ـ أن يكون رأس العيوب وأسوأها. فالحسد ـ مثلا ـ هو رأس العيوب باعتبار أنّ فيه مفسدة دنيوية وأُخروية، و «الكبر» باعتبار أنّ مفسدته الأُخروية أعظم من جميع العيوب يعدّ أسوأها، مع أنّ المبالغة شائعة في أمثال هذه المقامات، ويكفي ـ بحسب العُرف ـ في إطلاق عنوان «شرّ العيوب» على عيب ما أن يكون أسوأ من كثير من العيوب الأُخرى، ولا يلزم أن يكون أسوأ منها جميعاً، ولذلك يمكن أن يكون هناك عدّة عيوب بحيث يكون كلّ واحد منها شرّ العيوب. وأيضاً كلّما وُجدت عدّة عيوب متساوية، وكانت هذه العيوب أسوأ من سائر العيوب، أمكن أن يُقال عن كلّ واحد منها بأنّه شرّ العيوب، يعني أنّه من جملة شرّ العيوب.

وجميع هذه الاحتمالات جارية أيضاً حيثما قيل في مقام صفة معيّنة بأنّها أفضل الصفات إذا وقع مثل هذا الحكم في شأن صفتين اثنتين، إذ يمكن هناك أيضاً دفع المنافاة بكلّ واحد من الاحتمالات المذكورة.

560 ـ الْرِّفْقُ يَغُلُّ حَدَّ الْمُخَالَفَةِ.

الرفق واللين يغلّ حدّ المخالفة، أي يكسر حدّها. يعني أنّ شخصاً إذا كان في مقام المخالفة، أمكن باللين والرفق كسر حدّ مخالفته وجعله باللين موافقاً.

561 ـ الْبِشْرُ يُطْفِىء نَارَ الْمُعَانَدَةِ .

البِشر وطلاقة الوجه يطفىء نار المعاندة والعداوة، وهذا أيضاً بمنزلة التأكيد على الفقرة السابقة.

562 ـ الْجَفَاءُ يُفْسِدُ الإِخَاءَ .

الجفاء (وهو ترك الصِّلة والإحسان) يفسد الإخاء، فمن أراد مؤاخاة وصداقة شخص فعليه المداومة على صِلته والإحسان إليه، وإلاّ لم يَبقَ الإخاء والصداقة.

563 ـ الْوَفَاءُ عُنْوَانُ الصَّفَاءِ .

الوفاء عنوان أو دليل وعلامة الصّفاء، يعني أنّ الشخص إذا كان يفي بالوعود الّتي يقطعها للناس فذلك علامة على أنّ باطنه صاف ومنزّه عن المكر والحيلة.

564 ـ الْمُزِيعُ وَالْخَائِنُ سَوَاءٌ.

المُزيع والخائن سواء، أي أنّ من يحرف شخصاً عن الحقّ ويدلّه على خلاف الحقّ وذلك الشخص الّذي خان بدلالته وخالف الحقّ سواء في الوِزر والوَبال، فالظالم ـ مثلا ـ ومن دلّه على الظلم سواء في ذلك الظلم وهما شريكان في عقاب ذلك وجزائه.

565 ـ الإِقْتِصَادُ نِصْفُ الْمَؤُنَةِ .

الاقتصاد (وهو الاعتدال بين الاسراف والتقتير) نصف المؤنة (وهي القوت)، وهذا ممكن باعتبار أنّ الاقتصاد والاعتدال وترك الإسراف الشائع يجعل نفقات الشخص تتناقص إلى النصف، فكأنّ هذا الشخص حصل على نصف قُوته بسبب الاقتصاد، وعليه السعي في النصف الآخر. أو باعتبار أنّ الحقّ تعالى يُعطي للشخص ـ ببركة اقتصاده واعتداله ـ نصف مؤونته بلا سعي منه، وعليه السعي في تحصيل النصف الآخر.

566 ـ الْتَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعُونَةِ .

يمكن أن تكون هذه الفقرة أيضاً تأكيداً للفقرة السابقة. والمراد هو أنّه يمكن بالتدبير وترك الإسراف وتخفيف بعض النفقات غير الضرورية تحصيل نصف المعونة والمؤونة، ولا يبقى ضرورياً تحصيل المؤونة إلاّ بقدر النصف الآخر. أو أنّه ببركة التدبير المذكور تحصل نصف مؤنة الشخص المدبّر، ولا يبقى ضرورياً عليه إلاّ السعي في النصف الآخر.

ويمكن أن يكون المراد أنّ تدبير شخص ما في عمل من الأعمال وإرشاده إلى حلّ وسبيل في ذلك الباب هو بمنزلة نصف معونته، يعني بمنزلة مساعدته في ذلك العمل بإنجاز نصف ذلك العمل له.

567 ـ الْعَفَافُ أَفْضَلُ شِيْمَة .

العَفاف والتنزّه عمّا ليس بحلال هو أفضل الشيم والخصال.

568 ـ الْكَرَمُ مَعْدِنُ الْخَيْرِ .

الكرم والجود أو مُطلق الإحسان هو معدن الخير، وفيه خير الدنيا والآخرة.

569 ـ اللُّؤْمُ أُسُّ الشَّرِّ .

اللؤم والبُخل أو مُطلق الإساءة هو أصل بناء الشرّ وأساسه، يعني أساس شرّ الآخرة، بل شرّ الدنيا أيضاً.

570 ـ الإِنْصَافُ شِيمَةُ الأَشْرَافِ .

العدل والإنصاف خصلة الأشراف، يعني ذوي الجلالة أو ذوي الحسب الرفيع أو أصحاب النسب العالي.

571 ـ الْحَيَاءُ قَرِينُ الْعَفَافِ .

الحياء قرين العفاف والتنزّه والتقوى لا ينفكّ عنه، لأنّ أهمّ أنواع الحياء هو الحياء من الله عز وجل ، وهو مقرون بالعفاف والتقوى لا ينفكّ عنه.

572 ـ الْشَّجَاعَةُ عِزٌّ حَاضِرٌ، الْجُبْنُ ذُلٌّ ظَاهِرٌ .

يعني أنّ من يكون شجاعاً لا يخاف يجعل نفسه بالفعل عزيزاً غير ذليل، وعاقبة ذلك في الغيب لا يعلمها أحد، ومن يخاف ويجبن يجعل نفسه بالفعل ذليلا، وعاقبة ذلك لا يعلمها أحد، فالأَولى إذاً اختيار الشجاعة ونبذ الجُبن.

573 ـ الْمَالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّارِ .

المال أمير ورئيس أصحاب الفسق والفجور، يعني أنّهم يتبعونه ويُطيعونه كما يطيعون الأمير والرئيس.

574 ـ الْفُجُورُ مِنْ شِيَمِ الْكُفَّارِ .

الزّنا أو مطلق ارتكاب المعاصي من خصال الكفّار، فعلى المسلم أن يَعُدّ ذلك مُنتهى العار.

575 ـ الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ .

المال رأسمال الشهوات والأماني، وسبب في حصولها.

576 ـ الْدُّنْيَا مَحَلُّ الآفَاتِ .

الدنيا محلّ الآفات، فيجب فيها التعجيل قدر الميسور في الخيرات خوفاً من أن تطرأ آفة تجعلها غير ميسورة. أو أنّ الغرض هو أنّه يجب عدم الحرص عليها، لأنّ محلّ الآفات لا يجدر بالإنسان أن يحرص عليه.

577 ـ الْمَالُ يُقَوِّي الآمَالَ.

578 ـ الآجَالُ تَقْطَعُ الآمَالَ .

الآجال تقطع الآمال، يعني أنّ حلول أجل الموت يقطع الآمال، فيكون السعي والاهتمام بشيء يُحتمل انقطاعه في كلّ آن من الحماقة وقلّة العقل.

579 ـ الْعَاقِلُ يَطْلُبُ الْكَمَال، الْجَاهِلُ يَطْلُبُ الْمَالَ .

العاقل اللبيب يطلب الكمال لا المال، والجاهل يطلب المال لا الكمال.

580 ـ الْهَوَى شَرِيكُ الْعَمَى .

الهوى والرغبة شريك العمى; لأنّ الراغب في أمر تعمى بصيرته فلا يُبصر قُبح ذلك الشيء ومفسدته. وعلى من يريد أن يكون مُبصراً في جميع الأُمور أن لا يدع للهوى إلى نفسه سبيلا.

581 ـ الأَذى يَجْلِبُ الْقِلى .

إلحاق الأذى بشخص ما يجل قِلاه وعداوته، فيجب عدم إيذاء من يُحذَر من عداوته، وعدم الاعتماد على مَن أُوذي.

582 ـ الْبَلاءُ رَدِيْفُ الرَّخَاءِ .

البلاء رديف وتابع للرخاء، والغالب أن يكون هناك بلاء بعد كمال السعة والرخاء، فيجب عدم طلب الرخاء، وعلى مَن استقبله الرخاء أن يسعى في رفع البلاء ودفعه بالدعاء والصدقة.

583 ـ الْشَّهَوَاتُ مَصَائِدُ الْشَّيْطَانِ .

الشهوات هي مصائد الشيطان الّتي يصطاد بها الناس ويجعلهم من أتباعه.

584 ـ الْعَدْلُ فَضِيلَةُ السُّلْطَانِ .

العدل فضيلة السلطان، يعني أنّ فضل السلطان وعلوّ مرتبته مقرون بعدله، فكلّ سلطان لا يعدل لا فضل له.

585 ـ الْعَفْوُ أَفْضَلُ الإِحْسَانِ .

العفو عن الذنب والتقصير أفضل إحسان، وأفضل من سائر أنواع الإحسان.

586 ـ الْبَذْلُ مَادَّةُ الإِمْكَانِ .

البذل والعطاء مادّة التمكين ورأسماله، يعني أنّ الجود والكرم يجعل المرء ذا مكانة ومنزلة.

587 ـ الإِعْتِذَارُ مُنْذِرٌ نَاصِحٌ .

المعنى الشائع للإعتذار هو طلب العذر والعفو، ولذلك فمن الممكن أن يكون المراد أنّ من بدر منه تقصير في حقّ شخص ما وأراد الاعتذار منه وطلب العفو، فانّ نفس خجله وانفعاله في تلك الحال هما مُنذرٌ ناصحٌ يحذّرانه من ارتكاب تقصير وذنب آخر، وإذا كان لديه أدنى بصيرة فإنّه لن يفعل بعد ذلك ما يُخجله ويُوقفه مثل هذا الموقف.

أو أنّ ملاحظة الخجل والانفعال في وقت الاعتذار من قِبل أي شخص من أصحاب البصيرة هو مُنذر من فِعل الذنب وارتكاب التقصير وكاف في منعهم من ذلك.

و «الاعتذار» ورد أيضاً بمعنى اندراس الرسم، ويمكن أن يكون هنا بهذا المعنى، ويكون المراد انّ اندراس رسوم وآثار السابقين مُنذرٌ ناصحٌ، لأنّ مَن له أدنى فهم إذا شاهد ذلك عَلِمَ أنّ الدنيا بعدم ثباتها وعدم دوامها ليست جديرة بالحرص عليها والسعي في تحصيلها، وأنّها أينما توجّهت فإنّها سرعان ما تنقضي، وأنّ على المرء أن يتدبّر أمر آخرته الّتي لا يمكن تحمّل عذابها الأبدي وعقابها السرمديّ.

وورد في بعض النسخ لفظ «الاعتبار» بدلا من «الاعتذار»، فيكون المعنى أنّ الاعتبار مُنذرٌ ناصح، وتأويله وبيانه ظاهر ممّا ذكرناه في الوجه الأخير فلا حاجة لبيان منفصل، وهذه النسخة أظهر من سواها.

588 ـ الْطَّاعَةُ مَتْجَرٌ رَابِحٌ .

طاعة الحقّ تعالى تجارةٌ رابحة.

589 ـ الْحَقُّ أَفْضَلُ سَبِيل .

طلب الحقّ في كلّ باب من الأبواب هو أفضل سبيل.

590 ـ الْعِلْمُ خَيْرُ دَلِيل .

591 ـ الْخَشْيَةُ شِيْمَةُ السُّعَدَاءِ .

الخشية من الله عز وجل شيمة السعداء وخصلتهم.

592 ـ الْوَرَعُ شِعَارُ الأَتْقِيَاءِ .

الورع يعني اجتناب ما حرّم الله تعالى، وقد روي عن الإمام الهمام باقر علوم الأوّلين والآخرين محمّد الباقر صلوات الله وسلامه عليه: قال الله عز وجل : ابنَ آدم اجتنِبْ ما حرّمتُ عليك تكن من أورع الناس.

والشعار ـ كما سبق ـ ما وَلِي الجسدَ من الثياب، أمّا المتّقي فهو من يخاف الله تعالى، والمراد هو أنّ الورع لباس الّذين يخافون الله عز وجل لا يفارقهم مثل الشعار الملاصق لأبدانهم لا يخلعونه عنهم.

593 ـ اللِّئَامُ أَصْبَرُ أَجْسَاداً .

يعني أنّ أبدان اللئام لها تحمّل كبير تجاه الصدمات فهم لا يخشونها، أمّا نفوسهم فلا صبر لها، ولذلك يجزعون في المصائب فيلطمون أنفسهم ويُلحقون بأبدانهم أنواع الأذى.

594 ـ الْكِرَامُ أَصْبَرُ أَنْفُساً .

يعني أنّ نفوس الكرام صابرة في المصائب والنوائب فهم لا يجزعون، أمّا أبدانهم فليس لها قابلية كبيرة لتحمّل الصدمات. ولا يخفى أنّ ظهر هذه الفقرات هو أنّ النفس لدى الإنسان مجرّدة عن البدن كما هو مذهب الحكماء.

595 ـ الْمُؤْمِنُونَ أَعْظَمُ أَحْلاَماً .

المؤمنون أعظم عقولا، يعني أنّ عقولهم أكمل من عقول الآخرين.

596 ـ الْيَقِينُ جِلْبَابُ الأَكْيَاسِ .

اليقين ـ يعني العلم القطعي بما يجب حصول اليقين فيه، مثل أحوال المبدأ والمعاد ـ هو جلباب الأكياس العقلاء لا يخلعونه أبداً.

597 ـ الإِخْلاَصُ شِيمَةُ أَفَاضِلِ النَّاسِ .

الإخلاص لله عز وجل وعدم إشراك غيره معه ـ بأيّ وجه ـ في الطاعات والعبادات خصلة أفاضل الناس وكرامهم.

598 ـ الْجَهْلُ يُفْسِدُ الْمَعَادَ .

الجهل يُفسد الآخرة.

599 ـ الإِعْجَابُ يَمْنَعُ الإِزْدِيَادَ .

الإعجاب بالنفس والغرور يمنع الإزدياد، أي يمنع زيادة الكمال وعلوّ المرتبة، لأنّ المعجب بنفسه يعتقد أنّه قد بلغ الكمال فلا يسعى في الإزدياد، فيبقى في نفس مرتبته.

600 ـ الْعُجْبُ أَضَرُّ قَرِين .

الإعجاب بالنفس أضرّ أمر يُقارن المرء، لأنّ العجب أسوأ الخصال، وقد روي عن الإمام الناطق بالحقّ جعفر الصادق صلوات الله عليه أنّه قال: «إنّ الله تعالى علم أنّ الذنب خيرٌ للمؤمن من العُجب، ولولا ذلك لما اُبتلي مؤمنٌ بذنب أبداً»(12).

وروي أيضاً عنه صلوات الله وسلامه عليه قال: «مَن دخله العُجبُ هلك»(13).

وروي أيضاً عنه صلوات الله وسلامه عليه (في حديث) أنّ موسى(عليه السلام) سأل الشيطان «... فأخبرني بالذنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذتَ عليه؟ قال: إذا أعْجَبَتْهُ نفسُه، واستكثر عملَه، وصَغُرَ في عينيه ذنبُه»(14).

وقال(عليه السلام) أيضاً: «أوحى الله تعالى إلى داود(عليه السلام): يا داود بشّر المذنبين وأنذر الصدّيقين، قال: كيف أُبشّر المذنبين وأُنذر الصدّيقين؟ قال: يا داود بشّر المذنبين بأنّي أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصدّيقين أن لا يُعجبوا بأعمالهم، فإنّه ليس عبد يُعجب بالحسنات إلاّ هلك»(15).

يعني أنّني إذا جازيتُ كلّ عبد وفق أعماله ولم أتفضّل عليه وألطف به هلك واستحقّ الهلاك، فليس مِن عمل لعامل يستحق أن يعجب به، وعلى كلّ امرىء أن يستصغر عمله ويأمل لطفي وفضلي.

وروي أيضاً عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «أتى عالمٌ عابداً فقال له: كيف صلاتك؟ فقال: مِثلي يُسئَل عن عبادته وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا! فقال: كيف بكاؤك؟ قال: أبكي حتّى تجري دموعي. فقال له العالم: فإنّ ضحكك وأنت خائف أفضل من بكائك وأنت مُدلّ، وإنّ المدلّ لا يصعد من عمله شيء»(16).

و «المدلّ» هو الّذي يُظهر الدلال بحُسنه وجماله أو بأعماله وأفعاله، ويُستعمل أحياناً في مَن ينبسط ولا يخاف.

وروي أيضاً عن الإمام الصادق(عليه السلام) أو عن الإمام محمد الباقر صلوات الله وسلامه عليهما قال: «دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صدّيق والعابد فاسق. وذلك أنّه يدخل العابد المسجد مُدلاّ بعبادته يدلّ بها فتكون فكرته في ذلك، وتكون فكرة الفاسق في التندّم على فِسقه ويستغفر الله ممّا صنع من الذنوب»(17).

وهناك أحاديث كثيرة أُخرى في هذا الباب.

 

الهوامش:

(1) الكافي 2: 114.

(2) الكافى 2، 117.

(3) كذا بخطّه صريحاً. وأصل الكلمة «وبيء»، وقلْب الهمزة ياء هنا لأجل رعاية السجع مع كلمة «العيّ» الّتي ستأتي في نهاية الفقرة اللاحقة.

قال في مجمع البحرين: «الوباء يمدّ ويقصر: المرض العام الّذي يعبّر عنه بالطاعون. ووبئت الأرض ـ من باب تعب ـ كثر مرضها. والمرعى الوبيء الّذي يأتي بالوباء، والشراب الّذي يمرض». وقد عبّر الشارح(رحمه الله) عن الوبيء ـ وهوالممُرض ـ بالوبال.

(4) يمكن أن يكون المراد بـ «التجنّي» هو ادّعاء الذنب على مَن لم يفعله، واختلاق الذنب كذباً لمن ليس مذنباً في حقيقة الأمر. جاء في «أقرب الموارد»: تجنّي الثمرة تجنّياً: تناولها من شجرتها، وعلى فلان: ادّعى عليه ذنباً لم يفعله». وورد التصريح بهذا المضمون في سائر كتب اللغة أيضاً، ويكفي في إثبات استعمال هذه الكلمة في هذا المعنى هذا الشعر الشائع الّذي صار في حكم المَثَل:

«إذا برم المولى بخدمة عبده *** تجنّى له ذنباً وإن لم يكن له ذنبُ»

ومن محاسن الصدف أنّني بعد كتابة هذا الهامش شاهدتُ حاشية السيّد محمّد جمال الدين القاسمي في ذيل هذه العبارة (ص 19، س 13) حيث قال: «وفي القاموس: تجنّى عليه: ادّعى ذنباً لم يفعله»، فالحمد لله على الوفاق.

(5) كتب الشارح(رحمه الله) فوق كلمة «يحلو» كلمة «لي» وفوقها حرف «خ»، أيّ انّ في بعض النسخ لفظ «يحلو لي» كما هو الموجود في نسخة دمشق، وقال المصحّح في ذيل الصفحة: «يحلو لي مضارع من احلولى أي حلا»، وجاء في طبعة الهند (ص 15، س 6) لفظ «يحلو» مطابقاً لما في المتن.

(6) جاء في أقرب الموارد: «المكرم والمكرمة بضمّ رائيهما: فعل الكرم».

(7) الكافي 2: 302.

(8) وسائل الشيعة 11: 292 ح 3 من أبواب جهاد النفس.

(9) جاء في أقرب الموارد: «شره على الطعام وإليه ـ كعلم ـ شرهاً ـ بفتحتين ـ اشتدّ حرصه عليه، فهو شره وشرهان».

(10) أعتقد أنّ الشارح رضوان الله عليه أخطأ هنا وشطّ عن الحقيقة، لأنّ «التجنّي» هو ادّعاء ذنب كذباً على مَن لا ذنب له، والرسول بهذا المعنى المذكور في المتن، وقد بسطنا القول في بيان معناه قبل وريقات قليلة، فراجع إن شئت.

(11) وسائل الشيعة 1: 18 (المقدّمة).

(12) الكافي 2: 313.

(13) الكافي 2: 313.

(14) أُصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني 9: 336.

(15) الكافي 2: 314.

(16) الكافي 2: 314.

(17) الكافي 2: 314.