601 ـ الْهَوى دَاءٌ دَفِينٌ .
الهوى داء دفين، يعني داء معنويّ لا يظهر أثره في البدن، فيجب إذاً معالجته بالتفكّر والتأمّل في أضراره ومفاسده من أجل إزالته، كما أنّ الأمراض الصورية تعالج بالأدوية.
602 ـ الْذِّكْرُ نُورٌ ورُشْدٌ .
ذِكر الحقّ تعالى نورٌ وضياء وسلوكٌ للصراط المستقيم.
603 ـ الْنِّسْيَانُ ظُلْمَةٌ وَفَقْدٌ .
نسيان الحقّ تعالى وترك ذِكره ظُلمة وضَلال عن سبيل الحق.
604 ـ الْتَّوَكُّلُ أَفْضَلُ عَمَل .
التوكّل على الله عز وجل وإيكال الإنسان أُموره إليه أفضل عمل.
605 ـ الْثِّقَةُ بِاللهِ أَقْوى أَمَل .
606 ـ الإِيْثَارُ شِيمَةُ الأَبْرَارِ .
الإيثار خصلة الأبرار، والمراد بالإيثار الإكرام والإحسان، أو تقديم الغير على النفس بإعطائه شيئاً في وقت يكون المعطي فيه أحوج إلى ذلك الشيء من المُعطى، وهو نوع خاص من الإكرام والجود كما مرّ سابقاً.
607 ـ الإِحْتِكَارُ شِيْمَةُ الْفُجَّارِ .
الإحتكار يعني جمع أجناس ـ مثل الحنطة والشعير ـ وحبسها بانتظار غلاء قيمتها. وكون الإحتكار خصلة للفجّار ظاهر، لأنّ هذا المعنى هو بنفسه ذنب إذا تحقّقت فيه شرائط مذكورة في الكتب الفقهية.
ويمكن أن يكون المراد هنا هو مطلق حبس المال وخزنه، والمراد حبسه بحيث لا يُصرف في الحقوق الواجبة أيضاً ـ كالزكاة والخمس ـ وكَون هذا أيضاً خصلة للفجّار أمر ظاهر، بل أظهر من سابقه.
أو أنّ المراد هو جمع المال الكثير وعدم انفاقه في وجوه الخيرات والمبرّات ولو كانت الحقوق الواجبة فيه قد أُدّيت، فيكون المراد ـ بناءً على ذلك ـ كراهة هذا المعنى. والمراد أنّ هذه هي خصلة الفجّار، يعني أنّ غير الفجّار لا يعملون كذلك، وأنّ الشخص ما لم يصبح فاجراً بطريق ما فإنّه لن يفعل ذلك، ولو لم يكن هذا المعنى ذنباً في ذاته، بل لمجرّد كونه مكروهاً. أو أنّ المراد هو أنّ أصل حبس المال هو خصلة للفجّار ومنهجهم، فيكون هذا المعنى مذموماً مطلقاً باعتبار التشبّه بالفجّار ولو كان هناك حبس بحيث أنّه لا يعدّ ذنباً، وبحيث أنّ صاحبه ليس فاجراً عن طريق آخر.
608 ـ الإِيْمَانُ بَرِيءٌ مِنَ الْحَسَدِ .
الإيمان بريء من الحسد، أي أنّ الإيمان الكامل لا يجتمع مع الحسد، بل يبتعد عنه وينأى، فكأنّه يبرأ منه.
أو أنّ المراد بـ «الإيمان» هو المؤمن مجازاً، والمراد هو أنّ المؤمن الكامل بريء من الحسد وأنّه لا يحسد أحداً.
609 ـ الْحُزْنُ يَهْدِمُ الْجَسَدَ .
الحزن يهدم الجسد، فيجب عدم فسح المجال له، إلاّ الحزن المحمود شرعاً الّذي يكون سبباً في الأجر والثواب، كحزن الإنسان على ما فرط منه من المعاصي والتقصيرات، وحزنه بسبب التفكّر في عاقبته.
610 ـ الْظَّالِمُ يَنْتَظِرُ الْعُقُوبَةَ .
الظالم ينتظر العقوبة، يعني أنّ عاقبة حاله العذاب والعقوبة، فكأنّه ينتظرها.
611 ـ الْمَظْلُومُ يَنْتَظِرُ الْمَثُوبَةَ .
المظلوم ينتظر الأجر والثواب، يعني أنّ عاقبته الحصول على الأجر والثواب ولو لم يكن منتظراً له. فمن كان له أدنى بصيرة يعلم أنّ العار والشنار للظالم وليس للمظلوم.
612 ـ الْعِلْمُ أَجَلُّ بِضَاعَة .
العِلم أفضل بضاعة، لأنّه رأسمال السعادة الأُخروية.
613 ـ الْتَّقْوى أَزْكَى زِرَاعَة .
التقوى أزكى زراعة وأكثرها نماءً، أو أطيب زراعة، لأنّها زراعة حاصلها السعادة الأبدية والسرمدية.
614 ـ الْنُّصْحُ يُثْمِرُ الْمَحَبَّةَ .
النُّصح وإخلاص الودّ لشخص ما يُثمر محبّته، يعني أنّ من كان قلبه ناصحاً لشخص ما، فإنّ ذلك يسبب حصول محبّته في قلب ذلك الشخص، وفي القول المشهور «القلب إلى القلب دليل»، فالإخلاص لله عز وجل سيكون أيضاً سبباً في محبّة الحقّ تعالى لهذا المخلص.
615 ـ الْغِشُّ يُكْسِبُ المْسَبَّةَ .
الغشّ ـ وهو أن يُظهر للناس خلاف ما يُبطن ـ يكسب المسبّة، لأنّ مَن يغشّ الناس إذا ظهر لهم غشّه سبّوه، أو كان بحيث يصبح مسبّة لهم.
616 ـ الْطَّاعَةُ هِمَّةُ الأَكْيَاسِ
(1) .طاعة الله عز وجل همّة الأكياس العقلاء.
617 ـ الْمَعْصِيَةُ هِمَّةُ الأَرْجَاسِ
(2) .الغرض من هاتين الفقرتين الإشارة إلى أنّه لمّا كانت طاعة الحقّ تعالى في وقت كلّ أمر واجبة، فإنّ العزم على الطاعة يجب أن يكون موجوداً على الدوام، وعلى المؤمن أن يكون عازماً دائماً على تنفيذ ما يُؤمر به، وانّ من له قصد خلاف هذا هو رجس خبيث. ولا يخفى أنّ هذا الكلام لا يظهر منه إلاّ قُبح العزم على المعصية وأنّ ذلك شيمة الفجّار الأرجاس، ولا يلزم من ذلك أنّه يصبح سبباً للعذاب والعقاب، لأنّ من الممكن أن يكون قبيحاً ويكون سبباً في استحقاق العقاب، لكنّ الحقّ تعالى لا يعاقب صاحبه تفضّلا منه وترحمّاً ما لم تبدر منه معصية، فلا منافاة بين هذا وبين ما ورد في الأحاديث من أنّ الحقّ تعالى يُثيبُ الإنسان إذا عزم على فِعل الخير لو لم يفعله، وأنّه لا يعاقب الإنسان إذا عزم على فِعل الشرّ ما لم يفعله، لأنّ من الممكن أن يكون عدم المعاقبة على مجرّد العزم على سبيل التفضّل كما ذكرنا.
618 ـ الْطَّاعَةُ أَوْفى
(3) حِرْز .طاعة الحقّ تعالى أوفى حرز. والحرز بمعنى التعويذ والموضع المحكم، وكلا المعنيين مناسب. وكون الطاعة أوفى حرز باعتبار أنّ المطيع سيكون بسببها محفوظاً ومصوناً من جميع الآفات الأُخروية ومن كثير من الآفات الدنيوية أيضاً، فأيّ حرز أوفى من الطاعة؟!
وجاء في بعض النسخ لفظ «أوقى» بالقاف، يعني أحفظ حرز، وجاء في بعضها لفظ «أقوى»(4).
619 ـ الْقَنَاعَةُ أَبْقى عِزٍّ .
القناعة أبقى وأدوم عزّ، لأنّ العزّة الحاصلة بسبب القناعة وقطع الطمع عن الناس هي عزّة الدنيا والآخرة، ودوامها في الآخرة أقوى وأطول من دوامها الدنيوي، كما أنّ دوامها الدنيوي يمكن إطالته وإبقاءه بالمداومة على القناعة، خلافاً للكثير من أنواع العزّة مثل العزّة الحاصلة بالمال والجاه، لأنّ الأخيرة مجرّد عزّة دنيوية في معرض الآفات، لأنّها تابعة للمال والجاه وكل منها معرّض للآفات.
620 ـ الْعِلْمُ أَعْظَمُ كَنْز .
العِلم أعظم كنز، لأنّه كنز لا يُغنيه الإنفاق، بل قد يزيده الانفاق ولا ينقصه، ولا يمكن العثور على كنز غيره بهذه الأوصاف.
621 ـ الإِخْلاَصُ أَعْلى فَوْز .
الإخلاص لله عز وجل هو أعلى فوز، لأنّه فوز بالسعادة الدنيوية والأخروية، وأيّ فوز يُقارن به؟!
622 ـ الْمَعْصِيَةُ تَفْرِيْطُ الْعَجَزَةِ
(5) .المعصية وعدم الطاعة هو تفريط وتقصير العاجزين، يعني التقصير الّذي يبدر من الّذين عجزوا عن ترويض نفوسهم على الطاعة. والغرض تعيير العصاة وذمّهم على شدّة عجزهم.
623 ـ الْمَكْرُ شِيْمَةُ الْمَرَدَةِ .
المكر خصلة المردة الأشرار، لأنّ الغالب أنّ من كان في طبعه تمرّد وطغيان يتوسّل بالمكر والحيلة للتسلّط والرياسة، أمّا غير هؤلاء فيندر أن يفكّروا بالمكر والحيلة.
ويمكن أن يكون المراد بالمردة المتمرّدين عن طاعة الحقّ تعالى، وبناءً على ذلك فإنّ من الظاهر أنّ المكر أمر خاص بهم، لأنّ مَن لا يتمرّد على طاعة الحقّ تعالى بأيّ وجه من الوجوه لا يتوسّل بالمكر والحيلة، لأنّ المكر والحيلة يستخدمان في اثبات خلاف الحق، فمن لا يخالف الحقّ لا يستخدم المكر والحيلة.
624 ـ الْمُسْتَرِيحُ مِنَ النَّاسِ الْقَانِعُ .
المستريح من الناس القانعُ، أمّا غير القانع فإنّه لن يرضى بأي مرتبة، وهو دائماً في نَصَب ومشقّة السعي، وفي حُزن وغمّ على فقدان المطلب والمقصود.
625 ـ الْحَرِيْصُ عَبْدُ الْمَطَامِعِ .
الحريص عبد المطامع، وهو ـ كالعبيد ـ في سعي من أجلها.
626 ـ الْحِرْصُ عَلاَمَةُ الأَشْقِيَاءِ .
627 ـ الْقَنَاعَةُ عَلاَمَةُ الأَتْقِيَاءِ .
628 ـ الْمُواصِلُ لِلدُّنْيا مَقْطُوعٌ .
مَن يصسل الدنيا ويحرص على مودّتها ويتعلّق بها ويرعاها ويتعاهدها مقطوع، أي مقطوع عن الله تعالى وعن الآخرة.
ويمكن أن يكون المعنى أنّ من يصل شخصاً ما من أجل الدنيا ومن أجل الأغراض الدنيويّة فإنّه مقطوع، أي سرعان ما يُقطع، وإنّ صلته لا دوام لها، خلافاً لمن تكون صلته من أجل الآخرة، إذ تكون صلة هذا الأخير باقية مستمرة.
629 ـ الْمُغْتَرُّ بِالآمَالِ مَخْدُوْعٌ .
المغترّ بالآمال والحريص عليها مخدوع، أي خدعة الشيطان، أو بمنزلة مَن انخدع ظنّاً منه بالنفع فارتكب أمراً فيه ضرره.
630 ـ الأَمَانِيُّ بَضَائِعُ النَّوْكى .
الأماني بضائع النوكى، أي بضائع الحمقى الّذين يعولّون في النفع والربح عليها.
631 ـ الآمَالُ غَرُورُ الْحَمْقى .
الآمال غَرور الحمقى الّذي يغرّهم ويخدعهم.
632 ـ الآمَالُ تُدْنِي الآجَالَ .
الآمال تُدني الآجال وتقرّبها، لأنّ صاحب الآمال الطويلة قدّر لنفسه عمراً يُناسب آماله الطويلة، فمتى حلّ أجلُه دون أن تتحقّق آمالُه تصوّر أنّ أجله قد جاءه سريعاً.
ويمكن أن يكون باعتبار أنّ صاحب الآمال ينشغل طول عمره بالسعي من أجلها، والزمن الّذي يمرّ على المنهمك في العمل يبدو في نظره أنّه انقضى سريعاً قياساً بنفس الزمن في نظر مَن لم يكن مشغولا، فيبدو العمر عند حلول الأجل في نظر الأوّل قصيراً، فكأنّ الآمال قد قرّبت أجله.
ويحتمل أيضاً أنّ الآمال الكثيرة تقصّر العمر في الحقيقة، مثل بعض الأُمور الّتي ورد في الأحاديث أنّها تسبّب قصر العمر، مثل ترك صلة الرحم وغير ذلك.
633 ـ الْمَطَامِعُ تُذِلُّ الرِّجَالَ .
المطامع ـ أو الأشياء الّتي يُطمع فيها والّتي يتعلّق الطمع بها ـ تذلّ الرجال.
634 ـ الْبِشْرُ أَوَّلُ النَّوَالِ .
البِشر أوّل النوال والعطاء، يعني أنّه مقدّم على جميع أنواع العطاء وأفضلها، أو أنّ أوّل عطاء يجب إعطاءه للسائل وأمثاله هو البِشر والبشاشة، وقد ذُكر ذلك كراراً.
635 ـ الْمَطْلُ
(6) عَذَابُ النَّفْسِ .المَطْل (والتسويف والمماطلة) عذاب النفس والروح، يعني العذاب الروحاني. والمطل هو أن يعد الرجلُ الرجلَ بإحسان أو أداء دين ثمّ يؤجلّه كراراً، ومن الظاهر أنّ هذا المعنى عذاب النفس والروح، واليأس أهون منه.
636 ـ الْيَأْسُ يُرِيحُ النَّفْسَ
(7) .اليأس يريح النفس، وهو بمنزلة التأكيد على الفقرة السابقة.
637 ـ الأَجَلُ يَفْضَحُ الأَمَلَ .
الأجل يفضح الأمل، يعني أنّ حلول الموت يفضح الآمال الدنيوية، لأنّه يظهر حينذاك أنّها كانت خاوية بأجمعها وأنّها لا تعود إلاّ بالضرر والخسران.
638 ـ الأَجَلُ حَصَادُ
(8) الأَمَلِ .الأجل حصاد الأمل الّذي تنقطع بسببه جميع الآمال، فالأمر الّذي يُحتمل قطعه كلّ لحظة من قِبل أمر آخر لا يستحقّ السعي والاهتمام.
639 ـ الآمَالُ لاَ تَنْتَهي .
الآمال لا تنتهي، فمن أفسح المجال لنفسه للتمنّي فإنّه لن يفرغ من ذلك أبداً، لأنّ كلّ أمل يتحقّق سيحلّ محله أمل جديد، حتى يحين الأجل فتنقطع الآمال بأجمعها.
640 ـ الْجَاهِلُ لاَ يَرْعَوِي.
الجاهل لا يرعوي ولا يندم، يعني أنّ الغالب أنّه لا يكفّ عن السيّئات الّتي يرتكبها، خلافاً للعالِم الّذي ـ في الغالب ـ إذا فعل سيّئةً ارعوى وتاب منها سريعاً.
641 ـ الْحَيُّ لاَ يَكْتَفِي .
الحيّ لا يكتفي، يعني أنّ الحيّ الحريص لا يكتفي ولا يعتبر أيّ مقدار كافياً له، بل يسعى ـ ما دام حيّاً ـ في الزيادة. أو أنّ الغالب أنّ الإنسان ما دام حيّاً لا يكتفي، لأنّ الغالب أن يكون حريصاً، أو يجب عليه ـ ما دام حيّاً ـ أن لا يكتفي، يعني أن لا يقنع بأيّ قدر من الكمالات وتحصيل الخيرات والمثوبات، بل يسعى ـ ما دام حيّاً ـ في الازدياد منها(9).
642 ـ الْغِلُّ يُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ .
الغِلّ والحقد يُحبط الحسنات، يني أنّه يُبطل ثوابها. والمراد بناءً على الظاهر من مذاهب العلماء أنّ كمال وفضيلة الحسنات تبطل بالغلّ، لا أن يكون صاحب الغلّ غير مقبول في أصل العبارات، إذ لا يظهر ذلك من قول أحد من العلماء.
ويجب العلم أنّ حبط العمل بسبب عمل آخر له احتمالان:
1 ـ أنّ العمل الحَسَن يحبط بالكلية أو تحبط فضيلته نتيجة العمل السيّء، ويبقى العمل السيّء على حاله دون أن يُخفّف من عذابه أصلا، ويترتّب عليه عقاب نفس العمل السيّء على تقدير أنّ ذلك العمل الحسن لم يحصل، ومع ذلك فإنّ ذلك العمل السيّء يُحبط العمل الحسن بالكليّة أو يُحبط فضيلته.
2 ـ الاحتمال الثاني أنّ هناك موازنة تحصل بين العمل الحسن والعمل السيّء، فإن كان ثواب العمل الحسن وعقاب العمل السيّء في مرتبة واحدة، فانّ العمل السيّء سيحُبط العمل الحسن ويتساقطان كلاهما، فيكون الشخص بمنزلة مَن لم يعمل عملا حسناً ولا عملا سيّئاً. وإن كان العمل السيّء أعظم، أُنقص من عقابه بقدر ثواب العمل الحسن وبقي تتمّة عقاب العمل السيّء. وإن كان العمل الحسن أعظم، أنقص من ثوابه بقدر عقاب العمل السيّء وبقيت تتمّة ثواب العمل الحسن.
والمشهور بين علماء الشيعة هو أنّ الإحباط بكلا هذين المعنيين باطل، وأنّه ليس معقولا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التكفير وهو عكس الإحباط، وهو أن يعمل الشخص عملا حسناً فيمحو به عملا سيّئاً كان قد اقترفه، وفيه أيضاً احتمالان:
1 ـ أنّ العمل السيّء يُمحى ولا يحصل فرق في ثواب العمل الحسن، ويكون الثواب الّذي يُعطى لفاعل ذلك العمل الحسن هو ثواب من فعل ذلك العمل الحسن ولم يفعل عملا سيّئاً، ومع وجود العمل السيّء للشخص الأوّل فقد جرى تكفير عمله السيّء.
2 ـ الاحتمال الثاني أن تحصل موازنة كما ذكرنا، فينقصُ من ثواب العمل الحسن بقدر ما مُحي من عقاب العمل السيّء، وإن كان في أحدهما زيادة بقيت تلك الزيادة.
والمشهور بين العلماء أنّ التكفير بكلا هذين المعنيين باطل أيضاً وغير معقول، مع أنّ هناك آيات وأحاديث كثيرة تدلّ على وقوع الإحباط والتكفير كليهما.
ولا يخفى أنّ عدم جواز الإحباط بالمعنى الأوّل على الرغم من ظهوره وكونه ظلماً، فإنّ الآية الكريمة: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَه)(10) ظاهره في بطلانه، أمّا أدلّة عدم جواز الاحتمال الثاني فغير تامّة. فإن لم يكن هناك إجمال على عدم الجواز، فإنّ القول بالجوز لا يُستبعد، وعلى تقدير عدم جوازه فإنّ الآيات والأحاديث الدالّة على الإحباط تُحمل على أنّ العمل الحسن يكون أحياناً مشروطاً بأن يكون العمل السيّء الفلاني لم يصدر من صاحبه، فإن صدر ذلك العمل اتّضح أنّ ذلك العمل لم يكن حسناً في الأساس.
والمراد بالإحباط هو هذا، وليس أن يبطل ذلك العمل في العاقبة مع وجود صحّته في وقت الوقوع واستكمال جميع شرائط الصحّة فيه، لكي لا يُنافي مذاهب العلماء، وكذلك الأمر في مسألة التكفير، حيث أنّ الظاهر جواز المعنى الثاني، بل المعنى الأوّل أيضاً إذا كان بمجرّد التفضّل، إذ من الظاهر أنّ العقل لا يأبى أن يتفضّل الحقّ تعالى على أحد بعد صدور فعل حسن منه، فيعفو عن سيّئاته أو عن سيّئة خاصّة له دون أن ينقص من ثوابه شيئاً.
فالآيات والأحاديث الدالّة على وقوع التكفير يحمل حملها على أحد هذين الوجهَين، وعلى تقدير تسليم بطلان كلا هذين الوجهين نقول: حسب القياس على ما ذُكر في الإحباط يمكن أن يكون ترتّب عقاب خاص على فعْل ما مشروطاً بعدم صدر العمل الحسن الفلاني من صاحبه، بحيث أنّ ذلك العمل إن كان قد صدر فإنّه لن يكون سبباً في العقاب في الأصل، أو لا يكون موجباً لتمام ذلك العقاب، بل يوجب عقاباً أقلّ منه. والمراد بالتكفير في الآيات والأخبار هو هذا، وليس التكفير الاصطلاحي الّذي يعني أنْ يكون الفعل السيّء موجباً لذلك العقاب في الواقع، وبسبب الفعل الحسن يُمحى العقاب بالكلية، أو أن يُمحى ذلك العقاب ويترتّب عقاب أقل منه، والله تعالى يعلم.
643 ـ الْغَدْرُ يُضَاعِفُ السَّيِّئَاتِ .
الغدر يُضاعف السيّئات، يعني أنّ من لا يفي بنذره وعهوده وأيمانه، أو من يخون أمانات الناس ولا يردّها وأمثال ذلك، أو من لا يفي بوعوده الّتي يقطعها للناس، فإنّ سيّئاته تتضاعف.
ولا يخفى أنّه لم يخطر في نظر هذا القاصر شاهداً آخر على هذا المعنى، ويمكن أن يكون المراد هو مضاعفة بعض السيّئات بسبب الغدر وعدم الوفاء، فمن يغدر بأمانة شخص ولا يردّها إليه يكون ذنبه باعتبار غدره وعدم وفائه مضاعفاً بالنسبة لذنب من غصب هذا الشيء. ولذلك فلا شبهة في زيادة ذلك الذنب بسبب الغدر، وهناك شواهد من الأخبار الأُخرى على ذلك، مثل الأخبار الواردة في أنّ مَن له دين في ذمّة شخص فامتنع ذلك الشخص عن أدائه، أمكن له أن يتقاص ذلك من مال ذلك الشخص إلاّ المال الّذي أودعه عنه واستأمنه عليه، فإنّ المقاصّة منه غير جائزة، لأنّ الحقّ تعالى أمر بأداء الأمانات إلى أهلها، أمّا الشاهد الآخر على خصوص تضاعف السيّئات فلا يحضرني الآن.
644 ـ الْمَكْرُ سَجِيَّةُ اللِّئَامِ .
المكر خصلة وسجيّة اللئام، يعني البخلاء أو الموصوفين بالصفات الذميمة.
645 ـ الْشَّرُّ حَمّالُ الآثَامِ .
جاء في بعض النسخ «جَالِبُ الآثَامِ»، وعلى أيّ تقدير فإنّ المراد أنّ صدور إثم واحد يبعث على الجرأة على الذنب، فتجتمع ذنوب كثيرة في زمن قصير، فيجب عدم فسح المجال للنفس بارتكاب الذنب.
ولا يبعد أن يكون لفظ «الشرّ» قد ورد في النسخ سهواً، والصحيح هو «الشرّه»، ومعناه أنّ غلبة الحرص حمّال للآثام أو جالب للآثام، يعني أنّها تكون سبباً في ارتكاب آثام كثيرة.
646 ـ اللُّؤْم جَمَّاعُ الْمَذَامِّ .
البخل الشديد جمّاع المذامّ، لأنّ الناس يذمّون البخيل بأنواع الذمّ، بل يكون البخل الشديد سبباً في عدّة أفعال يستحقّ البخيل الذمّ على كلّ واحد منها.
647 ـ الْمَوَدَّةُ نَسَبٌ مُسْتَفَادٌ .
المودّة والصداقة نسب مستفاد، يعني أنّه من أفراد النسب، بل هو في الحقيقة من أهم أفراده، وفيه حُسن، وهو أنّه ممّا يمكن اكتسابه خلافاً لسائر أفراد النسب الّتي لا تحصل بالكسب.
648 ـ الْفِكْرُ يَهْدِي إِلَى الرَّشَادِ .
الفكر يهدي (أو يُوصل) إلى الرشاد والطريق السويّ، فيجب إذاً في كلّ أمر يُراد له أن يكون صواباً أن يكون بعد الفكر والتأمّل.
649 ـ الْمَوَدَّةُ أَقْرَبُ رَحِم .
المودّة والصداقة أقرب رحم، وقد ذكر هذا المعنى مكرراً.
650 ـ الْصَّفْحُ أَحْسَنُ الشِّيَمِ .
الصفح والعفو (عن ذنوب الناس وتقصيراتهم) أحسن الشيم والخصال.
651 ـ الْتُّخْمَةُ تُفْسِدُ الْحِكْمَةَ .
التخمة (وهي حالة تعتري الإنسان بسبب فساد الطعام باعتبار امتلاء المعدة) تُفسد الحكمة والقول والفِعل الصابئيَن، فعلى الإنسان أن يقلّل طعامه بحيث لا يكون مظنّة للتخمة.
652 ـ الْبِطْنَةُ تَحْجُبُ الْفِطْنَةَ .
البطنة (وهي امتلاء البطن) تحجب الفطنة والفهم السريع، فعلى مَن يريد التفكير في المسائل الدقيقة وأمثالها أن يجتنب البطنة.
653 ـ الْجَزَعُ يُعَظِّمُ الْمِحْنَةَ .
الجزع وقلّة الصبر يعظّم مشقّة المحنة والمصيبة وألمها.
654 ـ الْصَّبْرُ يُمَحِّصُ الرَّزِيَّةِ.
الصبر يمحّص ويقلّل الرزيّة والمصيبة، يعني يقلل مشقّة المصيبة وألمها، أو يقلّل أصل المصيبة ويمنع من وقوع مصيبة أخرى، خلافاً للجزع وعدم الصبر الّذي يبعث على وقوع مصيبة أُخرى.
655 ـ الْعَجْزُ شَرُّ مَطِيَّة .
«المطيّة» ـ كما سَلَف ـ هي الراحلة الّتي يمتطيها الإنسان أو يحمل عليها شيئاً. والمراد هو أنّ على الإنسان أن لا يستسلم للعجز، وأن لا يجعل أساس عمله على العجز والضعف، لأنّه باعث على الخسران في الدنيا والآخرة، بل عليه أن يسعى إلى أن نفي العجز في كلّ عمل وأمر.
656 ـ الْبِشْرُ شِيْمَةُ الْحُرِّ .
البِشر وطلاقة الوجه شيمة الحرّ الّذي لم يجعل نفسه أسيراً لآلام الدنيا وأحزانها.
657 ـ الْعَقْلُ يَنْبُوعُ الْخَيْرِ .
العقل ينبوع الخير، لأنّه لا ينبع منه إلاّ الهدي إلى الخيرات. والمراد بـ «العقل» الذهن السليم والإدراك المستقيم، أو العِلم والفكر، بقرينة المقابلة مع الجهل في الفقرة الثانية.
658 ـ الْجَهْلُ مَعْدِنُ الشَّرِّ .
الجهل معدن (وموضع إقامة) الشرّ، لأنّه يكون منشأً لكثير من الشرور والآثام.
659 ـ الْشِّبَعُ يُفْسِدُ الْوَرَعَ .
الشبع يفسد الورع، لأنّه يبعث على عدّة أُمور تتنافى مع الورع، كالكسل والتثاقل في العبادات والطاعات وتأخيرها عن أوائل الأوقات وأمثال ذلك.
660 ـ الْشَّرَهُ أَوَّلُ الطَّمَعِ .
الشره (وهو زيادة الحرص) أوّل الطمع، يعني مبدأ الطمع، والطمع ينشأ منه، ولولاه لما رضي أحد بذلّة الطمع.
661 ـ الإِنْفِرَادُ رَاحَةُ الْمُتَعَبِّدِينَ.
الانفراد والوحدة راحة المتعبّدين، لأنّهم في وحدتهم يتعبّدون بفراغ بال القدر الّذي يشاؤونه من العبادة، ويأمنون من وسوسة الرياء وشائبتها.
662 ـ الْزُّهْدُ سَجِيَّةُ الْمُخْلِصِينَ .
الزهد وترك الدنيا خصلة المخلصين، يعني الّذين أخلصوا أنفسهم لله تعالى وطلبوا رضاه وتقرّبوا إليه.
ويمكن أن يُقرأ بلفظ «مُخلَصين» بفتح اللام، أي الّذين أُخلصوا، يعني أنّ الحقّ تعالى أخلصهم لمحبّته وعبوديّته، أو أنّهم أخلصوا أنفسهم بأنفسهم لله تعالى.
663 ـ الْشَّوْقُ شِيْمَةُ الْمُوقِنِينَ .
الشوق خصلة أصحاب اليقين، وهم الّذين حصلوا على اليقين بالمعارف الإلهية وأحوال المبدأ والمعاد، فصار شوق الآخرة وبلوغ تلك الدار الخالية من المشقّة ثابتاً فيهم ومحكماً في نفوسهم.
664 ـ الْخَوْفُ جِلْبَابُ الْعَارِفِينَ .
الخوف (من الله عز وجل ) جلباب العارفين ورداؤهم. والعارفون هم الّذين اكتسبوا المعارف الإلهية، إذ اتّضح لهم قدر من مراتب عظمة وجلال الحقّ تعالى وشدّة غضبه وبأسه وعِلمه بما يفعل كلّ شخص وبما يخطر على باله، وكمال قدرته على الانتقام بأيّ نحو يشاء. ومن الجليّ أنّ معرفة هذه المعاني سبب في كمال الخوف والخشية منه تعالى ومن معصيته، وقد قال الحقّ تعالى: (إنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ)(11)، أي أنّ الخوف والخشية الّتي يجب أن تكون والكائنة فعلا ليست لغير العلماء.
665 ـ الْفِكْرُ نُزْهَةُ الْمُتَّقِينَ .
لا يخفى أنّ استعمال «نزهة» في هذا المعنى أمر شائع، منتهى الأمر أنّ بعض أهل اللغة قالوا بأنّ هذا خطأ، وبأنّه لم يأتِ في هذا المعنى، بل هو بمعنى التنزّه أي الابتعاد عن شيء ما والاحتراز عنه، وأنّ «النزهة» بمعنى البُعد، و «النزه» هو المكان البعيد عن شيء ما، وقد قال عمر: الجابية أرض نزه، يعني أنّها بعيدة عن الوباء والطاعون. والجابية قرية من قرى دمشق.
ولا يخفى على المتأمّل أنّ «نزهة» لم ترد في هذا المعنى على سبيل الحقيقة، بل يمكن استعمالها على سبيل المجاز، لأنّ المتنزهات ـ كالبساتين والمزارع والمراتع ـ بعيدة عن الكدورة، فيمكن ـ بهذا الاعتبار ـ إطلاق لفظ «نزهة» عليها، فمن الممكن أن يكون قد صار شائعاً من هذا الطريق.
666 ـ الْسَّهَرُ رَوْضَةُ الْمُشْتَاقِينَ .
السهر روضة المشتاقين، وكما يبتهج الناس بالسير في الرياض النضرة، فإنّ المشتاقين يبتهجون بسهر الليل وقيامه والاشتغال فيه بالطاعات والعبادات.
667 ـ الإِخْلاصُ عِبَادَةُ الْمُقَرَّبِينَ.
الإخلاص عبادة المقرّبين في أعتاب الحضرة الربوبية، أي أنّ أهم عباداتهم هو الإخلاص، أي إخلاص أنفسهم لرضا الحقّ تعالى ونفي أيّ قصد آخر.
ويمكن أن يكون المراد أنّ الإخلاص يعني أنّ العبادة المقترنة بالإخلاص هي عبادة المقرّبين، أمّا عبادة الآخرين فيندر أن تكون عن إخلاص محض وأن لا تشوبها شائبة من رياء أو سواه من الأغراض الدنيوية. خصوصاً إذا ما قلنا بأنّ الإخلاص هو أن لا يكون للشخص أيّ قصد إلاّ امتثال أوامر الحقّ تعالى ونيل رضاه، حتى لو كان ذلك القصد نيل ثوابه أو اجتناب عقابه أو رغبة في جنّته أو خوفاً من ناره كما قال بعض العلماء، حيث يظهر ـ بناءً على ذلك ـ أنّ الإخلاص لايوجد إلاّ في عبادة المقرّبين.
668 ـ الْوَجَلُ شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ .
الوجل والخوف (من الله عز وجل ) هو شعار المؤمنين ورداؤهم الّذي يُباشر أبدانهم.
669 ـ الْبُكَاءُ سَجِيَّةُ الْمُشْفِقِينَ .
البكاء سجيّة المشفقين، أي المشفقين على أنفسهم. و «المشفق» على أحد هو الّذي يكون له كمال الحرص على إصلاح أحواله والخوف من أن يُصيبه ضرر.
670 ـ الْذِّكْرُ لَذَّةُ الْمُحِبِّينَ .
ذِكر الله تبارك وتعالى لذّة المحبّين، يعني الأمر الّذي يلتذّون به ويسعدون، وحقيقة «اللذّة» هي إدراك الملائم، فاللذة الجسمانية هي إدراك أمر يلائم أحد قواه الجسمانية، مثل الطعم الّذي يلائم الحاسّة الذائقة، أمّا اللّذة العقلية فهي إدراك أمر يلائم العقل ويعتبره العقل حَسَناً، ولذّة الذّكر من اللذّات العقلية الّتي هي أقوى اللذّات.
671 ـ الْهَوى آفَةُ الأَلْبَابِ .
الهوى آفة العقول، لأنّه كثيراً ما يغلب على العقل، فيرتكب الإنسان ـ باعتبار غلبة الهوى ـ ما يعتبره العقل قبيحاً وينفر منه، فيجب بذل الوسع في إزالة الهوى والخلاص منه.
672 ـ الإِعْجَابُ ضِدُّ الصَّوَابِ .
الإعجاب (بالنفس) ضدّ الصواب والفكر الصحيح ولا يجتمع معه، فمن شاء أن يكون فكره صائباً فعليه أن يتخلّص من الإعجاب والغُرور.
673 ـ الْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ .
العقل حفظ التجارب، أي أنّ على العاقل أن يحفظ في ذهنه التجارب الّتي سبق له القيام بها، من أجل أن يستخدم كلّ تجربة منها حين يحلّ نظيرٌ لها، أي أن يجتنب نظير ما سبق أن تضرّر منه، ويختار ما انتفع بأمثاله.
674 ـ الْصَّدِيْقُ أَقْرَبُ الأَقَارِب .
الصديق (الحسَنَ) أقرب الأقارب، وأنفع من سائر الأقارب.
675 ـ الْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ .
المرء أحفظ لسرّه، فإن هو أراد لسرٍّ ما أن لا يفشو، فعليه الاحتفاظ به وعدم البوح به لأحد، إذ ليس لسرّه أحفظ من نفسه.
676 ـ الْحَرِيْصُ مَتْعُوبٌ فِيمَا يَضُرُّهُ
(12) .الحريص متعوب فيما يضرّه، والمراد الحريص على الدنيا الّذي يُتعب نفسه دوماً في أُمور تضرّ بآخرته، بل تضرّ بدُنياه أيضاً.
ولا يخفى أنّ أهل اللغة ذكروا أنّ «متعوب» خطأ، إذ يُقال للشخص إذا كَلَّ وأعيا: «تَعِبٌ»، وإذا أتعبه غيرُه «مُتْعَبٌ»، ولذلك فإنّ «متعوب» في هذه العبارة سيكون سهواً من أحد الكتّاب أو رواة الحديث، والصحيح «تَعِبٌ» أو «مُتَعْبٌ»، أو أنّ الكلام ليس من كلام أميرالمؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، بل من كلام مَن ليس له مهارة بلغة العرب ثمّ دخل سهواً في كلمات الإمام صلوات الله وسلامه عليه.
677 ـ الْعَاقِلُ يَضَعُ نَفْسَهُ فَيَرْتَفِعُ .
العاقل يضع نفسه ويتواضع فيرتفع ويكون هذا المعنى سبباً في ارتفاع مرتبته.
678 ـ الْجَاهِلُ يَرْفَعْ نَفْسَهُ فَيَتَّضِعُ.
الجاهل يرفع نفسه فيتّضع، ويكون هذا المعنى سبباً في ضعة مرتبته.
679 ـ الْصَّبْرُ ثَمَرَةُ الإِيْمَانِ .
الصبر (في المصائب) ثمرة الإيمان، وكل من كان كامل الإيمان كان ملازماً للصبر والاحتمال، لأنّه يعلم يقيناً بأنّ حسناته تتضاعف بالصبر، وأنّ الجزع لا ثمرة له غير الضرر في الدنيا والآخرة.
680 ـ الْمَنُّ يُنَكِّدُ الإِحْسَانَ .
المنّة تنكّد الإحسان والبرّ وتقلّلهما.
681 ـ الْكِذْبُ مُجَانِبُ الإِيْمَانِ .
الكذب مجانب الإيمان، أي أنّه غريبٌ عن الإيمان الكامل ولا يجتمع معه.
682 ـ الْصِّدْقُ نَجَاةٌ
(13) وَكَرَامَةٌ .الصدق نجاة وكرامة. و «الكرامة» و «الكرم» هو كلّ ما يبعث على ارتفاع وجلالة قدر الإنسان.
683 ـ الْكِذْبُ مَهَانَةٌ وَخِيَانَةٌ
(14) .684 ـ الْصَّمْتُ وَقَارٌ وَسَلاَمَةٌ .
الصمت وقار وسلامة من المفاسد الّتي تترتب على الكلام في الغالب.
685 ـ الْعَدْلُ فَوْزٌ وَكَرَامَةٌ
(15) .العدل فوز وكرامة، يعني الفوز بالخيرات الأخروية والدنيوية.
لا يخفى أنّ للعدل والعدالة معنيين مشهورين:
أوّلهما: مقابل الفسق، وهو ـ بناءً على القول الأظهر الّذي اشتهر بين متأخّري الفقهاء ـ أن لا يرتكب الإنسان معصية كبيرة ولا يصرّ على الصغيرة، أي لا يصدر منه صغيرة من الصغائر بكثرة، سواءً كانت تلك الصغائر المرتكبة من نوع واحد أو من عدّة أنواع. وقال البعض انّ ما يُنافي العدالة هو الإصرار على نوع واحد، فإن صدرت عدّة صغائر وكان كلّ واحد منها من نوع معين لم يكن ذلك منافياً للعدالة.
وفي حكم الإصرار أن يرتكب الشخص الصغيرة ويقصد ارتكاب صغيرة أُخرى، سواءً من نفس نوع تلك الصغيرة أو من نوع آخر. وقال بعض آخر: بأنّ مايُنافي العدالة أن يقصد الشخص ارتكاب نفس الصغيرة ولو لم يرتكبها بعدُ، فيكون الإصرار بكلا الوجهين مُخرجاً من العدالة.
وقد وقع خلاف كثير في تعيين الكبيرة والصغيرة، فقال البعض: بأنّ «الكبيرة» هي المعصية الّتي قُرر لها حدّ في الشرع الأقدس. وقال آخرون: بأنّها ما جاء فيها توعّد شديد في القرآن الكريم أو في سنّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). وقال البعض الآخر: بأنّها المعصية الّتي أوعد الله تعالى عليها بالنار، وهذا القول أظهر، وتدلّ عليه عدّة أحاديث.
وجاء في بعض الأحاديث أنّ الكبائر سبعة، وفي بعضها أنّها تقرب من سبعين، وقالت طائفة من الفقهاء بأنّ كلّ معصية هي «كبيرة»، مع أنّ بعضها يعدّ «صغيرة» قياساً بالبعض الآخر، مثل التقبيل المحرّم قياساً إلى الزنا، وغصب درهم قياساً إلى غصب دينار، وبناءً على ذلك فإنّ العادل هو الّذي لا يرتكب أيّ معصية.
وقد يُعتبر في العدالة أمر آخر أحياناً، وهو أن لا يصدر من الشخص خلاف المروءة، والمراد بذلك هو أن لا يفعل ما يسبّب ذلّه وسقوطه في أعين الناس وما يكون سبباً في استهزاء الناس به، ولو كان ذلك صغيرة من الصغائر، ويجب أن لايصرّ على الصغيرة، كسرقة لُقمة وأمثالها. أو أن يفعل ما ليس بذنب أصلا، كالذهاب إلى السوق ببدن عار أو رأس عار لمن ليس هذا شأنُه، وكارتداء الفقيه لباس الجندي، وارتداء التاجر لباس الحمّالين، وتقبيل رجل زوجته أو جاريته أمام الناس، والإكثار من قصّ الحكايات المضحكة وأمثال ذلك.
وقال بعض العلماء: بأنّهم لا يعدّون ترك المروءة هذا ضمن معنى العدالة، وقالوا: بأنّ هذا المعنى مع كونه شرطاً في الشهادة، إلاّ أنّه ليس جزءاً من معنى العدالة، بل هو شرط آخر، وكما أنّ العدالة واجبة فإنّ هذا المعنى واجب أيضاً، وأنّ العدالة هي ترك المعصية بالتفصيل المذكور.
وثانيهما: مقابل الظلم والجور، وهذا المعنى يشيع استعماله في العدل لدى السلاطين والحكّام، أي أن لا يظلموا ولا يجوروا على الناس في الضرائب وفي غيرها، وأحياناً ـ بل في أكثر الأوقات ـ يُعتبر في العدالة أمر آخر أيضاً، وهو أن يعدل ولا يدع ـ بقدر الوسع ـ أحداً يظلم أحداً أو يجور عليه، فإن اطّلع على ظُلم أحد فإنّ عليه تدارك ذلك وانتزاع حقّ المظلوم من الظالم. ومن الظاهر أنّ العدل بجميع هذه المعاني هو كرامة، أي سبب في كرامة هذا الشخص وارتفاع منزلته، وسبب في الفوز بالخيرات الأُخروية، بل بالخيرات الدنيوية أيضاً. ويمكن أيضاً ـ وخاصّة في المعنى الثاني ـ أن يكون المراد الفوز والظفر بالأعداء والغلبة عليهم.
686 ـ الْعَدْلُ أَغْنَى الْغَناءِ
(16) .العدل أغنى الغناء، يعني أفضل الغناء، لأنّ العدل بجميع المعاني المذكورة في الفقرة السابقة سيكون ـ يقيناً ـ سبباً في الغناء الأخروي، وذلك أغنى الغناء.
ولا يخفى أنّ العدل ـ الّذي هو مقابل الظلم والجور ـ سيكون يقيناً سبباً في غنى الناس في الدنيا أيضاً، وإذا لم يكن هناك ظلم أصلا فلن يبقى فقير ولا محتاج واحد في العالم، لأنّ فقر بعض الناس إنّما يحصل بسبب ظلم وجور الآخرين عليهم، فإن أُعيدت لهم الأموال الّتي صودرت منهم ظلماً فإنّهم سيصبحون أغنياء. أمّا البعض الآخر الّذين ليسوا كذلك فإنّهم إن أُعطوا الحقوق الّتي أوجبها الحقّ تعالى لمستحقّيها من الزكاة والخُمس وغيرها، ولم يكن عليهم جور ولا حيف، فإنّهم سيكتفون بأجمعهم ولن يبقى أحد محتاجاً فقيراً كما ورد في الأحاديث.
687 ـ الْحُمْقُ أَدْوَأُ الدَّاءِ .
الحُمق أدوأ الداء، وقد ذُكر ذلك كراراً.
688 ـ الْعِلْمُ حَيَاةٌ وَشِفَاءٌ .
العلم حياة وشفاء، يعني الحياة الحقيقية وشفاء الأمراض المعنوية.
689 ـ الْجَهْلُ دَاءٌ وَعَيَاءٌ .
الجهل داء (يعني داء روحاني) وعَياء، يعني سبب العياء والعجز في كثير من مهمّات الدنيا والآخرة.
690 ـ الْقَنَاعَةُ عِزٌّ وَغَنَاءٌ .
القناعة عزّ وغناء، وقد ذُكر ذلك كراراً.
691 ـ الْحِرْصُ ذُلٌّ وَعَنَاءٌ .
692 ـ الْبَخِيلُ مُتَعَجِّلُ الْفَقْرِ .
البخيل متعجّل الفقر والفاقة، يعني أنّه يستعجل الفقر فيجعل نفسه فقيراً ويسلك سلوك الفقراء وهو بعدُ لم يفتقر.
693 ـ الْدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الشَّرِّ .
الدنيا مزرعة الشرّ، والغالب هو أن لا يُزرع فيها إلاّ الشرّ.
694 ـ الْدُّنْيَا مُنْيَةُ الأَشْقِيَاءِ .
الدنيا مُنية الأشقياء، فغير الأشقياء لا يتمنّى الدنيا.
695 ـ الآخِرَةُ فَوْزُ السُّعَدَاءِ .
الآخرة فوز السعداء، يعني أنّهم يفوزون في الآخرة بمطالبهم ومآربهم.
696 ـ الْمُلُوكُ حُمَاةُ الدِّينِ .
الملوك حُماة الدين وحُرّاسه، وإنّما وُضعت الملوكية لهذا الأمر، فالملك الّذي لا يحمي الدين حاز المُلك بغير حق.
697 ـ الْعَدْلُ قِوَامُ الرَّعِيَّةِ .
العدل ـ يعني عدل الملوك والحكّام وعدم ظلمهم للرعية ـ قِوام الرعية الّذي يمكّنها من العيش.
698 ـ الْشَّرِيْعَةُ صَلاَحُ الْبَرِيَّةِ .
الشريعة (المقدّسة الّتي شرعها نبيّنا الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو شريعة أي نبيّ من الأنبياء(عليهم السلام)) صلاح البرية، يعني الأحكام الّتي وُضعت في الشريعة لمصلحة البرية بحسب الآخرة أو الدنيا، لأنّ أي حُكم من أحكام الشريعة لم يشرّع عبثاً، ولا يمكن أن تعود المصلحة من ذلك الحكم إلى الحقّ تعالى، فلا احتمال ـ إذاً ـ أن تكون الشريعة إلاّ لصلاح البرية(17).
699 ـ الْتَّوَكُّلُ مِنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ .
التوكّل (على الله تعالى وإيكال أُمور العبد إليه) من قوّة اليقين، يني أنّه ينشأ منه، أو أنّه من جملة أجزائه.
700 ـ الْشَّكُّ يُفْسِدُ الدِّينَ .
الشكّ يُفسد الدين، وكما أنّ إنكار الأُمور الّتي يعدّ الاعتقاد بها من ضرورات الدين يُفسد الدين، فإنّ الشكّ فيها يُفسد الدين أيضاً، سواء كان مع تساوي الطرفين (طرفي الشكّ) أو مع رجحان طرف على طرف.
الهوامش:
(1) هذه الفقرة غير موجودة في طبعة بمبي (أُنظر ص 17، س 8).
(2) قال السيّد محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي ذيل هذه الفقرة ص 22: «يريد من ]الأرجاس[ الأرجاس المعنوية، وهي الذنوب والمعاصي، لكونها مؤسّسة على الشهوة والهوى، يركن إليها أهلُ الرجس، وهم الكفّار والفسّاق».
(3) هكذا ورد في طبعة دمشق (ص 12، س 2).
(4) هكذا في طبعة صيدا (ص 8، س 9).
(5) طبعة دمشق مطابقة لما في المتن، وقال السيّد محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي ذيل ص 22: «يريد بالعجزة من ليس لهم همّة عالية»، وجاءت طبعة صيدا بلفظ «الفجرة» ـ بالفاء والراء المهملة ـ جمع فاجر.
(6) ورد في طبعة دمشق «في الطمع» بدلا من «المطل»، وكلمة «في» خطأ بلا شبهة، لأنّ فقرات هذا الباب مبدوءة بحرف الألف لا غير.
(7) كذا صريحاً بخطّه (بصيغة المضارع ونصب كلمة النفس)، ولكن في طبعة صيدا وبمبي لفظ «مُريح» بصيغة اسم الفاعل، وهو الأنسب. وجاء في طبعة دمشق «راحة النفس في اليأس» بدلا من عبارة المتن. (ص 22، س 8).
(8) جاء في طبعة دمشق لفظ «يحصده» بدلا من «حصاد». والحصاد ـ بفتح الحاء ـ بمعنى المحصود.
وجاء في «أقرب الموارد»: «الحصاد: الزرع المحصود، وحصاد كلّ شجرة ثمرتها. يُقال: أخذوا حصاد الشجر، وحصاد البقول البريّة ما تناثر من حبّها عند هيجها». ويبدو من معنى الشارح(رحمه الله) أنّه أخذه بلفظ المصدر واعتبر أنّ المراد منه هو اسم الفاعل.
(9) لعلّ المراد هو أنّ الشخص الحيّ لا يكتفي برفع حاجته، لأنّ حاجات أُخرى ستعقب تلك الحاجة، وقد صار ذلك في حكم المثل المشهور المتضمّن في البيت التالي:
«نروح ونغدو لحاجاتنا *** وحاجةُ مَن عاش لا تنقضي»
(10) الزلزلة: 7 ـ 8.
(11) فاطر: 28.
(12) جاء في طبعة دمشق «مَتْعُوبٌ فِي جَالِبِ ضرِّهِ» (ص 23، س 11).
(13) جاء في طبعة بمبي (ص 18، س 12) وطبعة دمشق (ص 24، س 2) وطبعة صيدا (ص 9، س 2) لفظ «منجاة». وقال الطريحي في «مجمع البحرين»: «الصدق منجاة: أي مُنج من الهلكة».
(14) جاء في طبعة دمشق لفظ «وندامة» بدلا من «وخيانة».
(15) في طبعة دمشق بلفظ «ومكانة» بدلا من «وكرامة».
(16) قال ابن الأثير في «لسان العرب»: «قال ابن سيدة: الغنى ـ مقصور ـ ضدّ الفقر، وإذا فُتح مُدّ. فأمّا قوله:
«سيُغنيني الّذي أغناكَ عنّي *** فلا فقرٌ يدوم ولا غَناءُ»
فإنّه يُروى بالفتح والكسر، فمن رواه بالكسر أر مصدر «غانيت». ومن رواه بالفتح أراد الغنى نفسه. قال أبو إسحاق: إنّما وجهه «ولا غناء» لأنّ الغناء غير خارج عن معنى الغنى. قال: وكذلك أنشده مَن يُوثق بعلمه».
وقال الفيروزآبادي في «القاموس»: «الغنى ـ كإلى ـ التزويج وضدّ الفقر، وإذا فُتح مُدّ».
وقال الزبيدي في «تاج العروس» في شرح «وإذا فُتح مدّ»: «ومنه قول الشاعر:
سيُغنيني الّذي أغناكَ عنّي *** فلا فقرٌ يدوم ولا غَناءُ
ثم نقل كلام ابن سيّدة، ثمّ عقّب عليه بالقول: «فلا عبرة بإنكار شيخنا على المصنّف في إيراد المفتوح الممدود بمعنى المكسور المقصور».
(17) نظير هذا البيان ما ذكره السيّد عليّ خان المدني رضوان الله عليه في «رياض السالكين» في الروضة العشرين في شرح دعاء مكارم الأخلاق، في شرح عبارة «واستصلح بقدرتك ما فسد منّي»، حيث قال (ص 211، الطبعة الثانية المطبوعة سنة 1317 في طهران): «قوله(عليه السلام): «واستصلح بقدرتك ما فسد منّي». الصلاح حصول الشيء على الحالة المستقيمة النافعة، ونقيضه الفساد وهو خروجه عن تلك الحالة. والاستصلاح هنا ليس معناه طلب الصلاح حقيقةً كما تقتضيه صيغة الاستصلاح، لأنّ طلب الصلاح قد وقع منه عامّاً من جميع العباد، وذلك بالأوامر والنواهي الشرعيّة. قال الزمخشري في الأساس: أمر الله ونهى لاستصلاح العباد. بل هو من باب: استخرجت الوتد من الحائط، فإنّه ليس فيه طلب خروجه، بل معناه: لم أزل أتلطّف وأتحيّل حتى خرج. فمعنى «استصلح ما فسد منّي»: تلطّف فيما فسد منّي حتى يصلح. ويُحتمل أن يكون «استصلِح» بمعنى «أصلِح»، كاستجاب بمعنى أجاب».
ونصّ عبارة الزمخشري في «أساس البلاغة» في مادّة «ص ل ح» (ج 2، ص 23 طبع بيروت) كالتالي: «وأمر الله تعالى ونهى لاستصلاح العباد».
ولا يخفى أنّ ملخّص هذا البيان ـ كما ثبت في علم الكلام ـ أنّ أفعال الله تعالى معلّلة بأغراض، ولا يمكن أن يكون الغرض منها جلب فائدة من الله تعالى لنفسه، إذ يلزم من ذلك الاحتياج، وهو تعالى غنيّ غير محتاج، فيجب أن يعود الغرض إلى المخلوق.
وللكاتب تحقيق مبسوط في غاية النفاسة في هذا الباب، وذلك في كتاب «كشف الكُربة في شرح دعاء الندبة»، وهو ـ كما يُستشفّ من اسمه ـ شرح للكاتب على دعاء الندبة الشريف الّذي يُقرأ في الأعياد الأربعة، في ذيل عبارة الدعاء «أين مؤلّف شملِ الصلاح والرضا»، وفّقنا الله لاتمام الشرح وطبعه ونشره بحرمة محمد وآله صلوات الله عليه وعليهم.