801 ـ اللِّجاجُ عُنْوَانُ الْعَطَبِ .
اللجاج ـ وهو معاداة الناس ومخاصمتهم ـ أو الإصرار على الباطل ـ عنوان العطب والهلاك، أي أنّه مبدأه.
802 ـ الْعُسْرُ يُفْسِدُ الأَخْلاقَ .
العُسر والشدّة يُفسد الأخلاق، أي أنّ التشديد على الأهل والعيال، أو على مَن يطلب من الشخص شيئاً، أو على من يتعامل معه، يُفسد كثيراً من الأخلاق، فيجب الاحتراز منه ويجب إبداء قدر من التساهل والتسامح في هذه الأُمور.
ويمكن أن يكون المراد أنّ ضيق الحال وعُسر المعيشة تفسد الأخلاق، فإنّ شوهد من شخص مُعسر سوءُ خُلق فيجب مسامحته، وإذا سعى شخص إلى الخلاص من الإعسار وضيق الحال للاحتراز عن هذا المعنى كان مأجوراً مثاباً.
803 ـ الْتَّسَهُّلُ يُدِرُّ الأَرْزَاقَ .
التسهّل يدرّ الأرزاق، أي أنّ الرفق بالأهل والعيال والتساهل معهم وعدم التضييق عليهم، وكذلك التساهل في المعاملات وعدم التشدّد فيها يبعث على درّ الأرزاق وزيادتها وسعتها.
804 ـ الْظُّلْمُ ألأَمُ الرَّذائِلِ .
الظلم ألأم وأذمّ الصفات الذميمة.
805 ـ الإِنْصافُ أَفْضَلُ الْفَضائِلِ .
الإنصاف أفضل الفضائل، يعني أفضل الصفات الّتي تسبب علوّ وزيادة مرتبة صاحبها، وقد مرّ سابقاً تحقيق معنى «الإنصاف»، ومرّ أنّ حاصله العدل حيث فسّر بعض أهل اللغة معناه بالعدل.
806 ـ الْعَدْلُ قِوامُ الْبَرِيَّةِ .
العدل قوام البريّة ونظامهم وما يمكن لهم به العيش، ويقصد به عدل الملك أو عدل جميع الرعيّة ورضا كلّ شخص منهم بحقّه.
807 ـ الْظُّلْمُ بَوارُ الرَّعِيَّةِ .
الظلم بوار الرعيّة وهلاكها وسبب في هلاكها، يعني ظلم الملك والحاكم أو ظلم الرعية بعضهم للبعض الآخر.
808 ـ الْغَضَبُ مَرْكَبُ الطَّيْشِ .
الغضب مركب الطيش والنزق، يعني أنّ مَن يغضب يركبه الطيش والنزق فيفعل أُموراً تسبّب له خفّة، فيجب إذاً السعي في ترسيخ الحِلم والتحمّل وعدم فسح المجال للغضب.
809 ـ الْحَسَدُ يُنَكِّدُ الْعَيْشَ .
الحسد ينكّد العيش ويجعله ضيّقاً عسراً، لأنّ الحسود في حزن وهمّ دائمين بسبب مشاهدة النعم الّتي ينعم بها الناس، وأيّ حياة أشقّ من الحياة الممزوجة بالحزن الدائمي؟
810 ـ الْغَفْلَةُ أَضَرُّ الأَعْداءِ .
الغفلة أضرّ الأعداء، وهي تسبب عدّة أضرار في الدنيا والآخرة لا يمكن لأيّ عدوّ أن يُلحقها بالإنسان، فيجب عدم فسح المجال للغفلة، وأن يكون الإنسان دائماً في التفات إلى إصلاح أحوال دُنياه وآخرته.
811 ـ الإِصْرارُ شَرُّ الآراءِ .
الإصرار شرّ الآراء والأفكار، يعني أنّ الإصرار على المعصية هو أسوأ أمر تتعلّق به الآراء والأفكار. أو أنّ «الإصرار» هو خصوص العزم على ارتكاب معصية أُخرى بعد صدور المعصية الأُولى كما ذكرنا سابقاً، إذ أنّ ذلك هو أيضاً من جملة الإصرار على المعصية وهو من الذنوب الكبيرة. وتبعاً لذلك فإنّ تعبير «شرّ الآراء» يُحمل على ظاهره، أي أنّه أسوأ أنواع الإصرار، لأنّ الحقّ تعالى لا يُعاقب على أي إصرار سواه، وقد ذكرنا هذا الأمر سابقاً.
ويمكن أن لا يكون المراد هو الإصرار على الذنب، بل الإصرار على كلّ رأي ونصيحة يقدّمها لمن استنصحه واستشاره. والمراد أنّ على الإنسان إذا ما استشاره أحد أن يُشير عليه بما يراه صواباً، لكنّه يجب أن لا يصرّ على رأيه لأنّ الإصرار أسوأ الآراء وشرّها، إذ كثيراً ما يحصل أن لا يكون رأيه صواباً فيبعثه ذلك على الخجل، بل يكون مظنّة للتُّهمة أيضاً بأنّ لديه غرضاً في رأيه، وأنّ إصراره كان بسبب ذلك، بل يكون الإصرار مظنّة للتهمة أساساً، وكثيراً ما يحصل أن يسبّب الإصرار إلى عدم اتّباع رأيه من قِبل من استشاره.
812 ـ الْعِلْمُ أَفْضَلُ قِنْيَة .
العلم أفضل وأحسن شيء يقتنيه الشخص ويكتسبه.
813 ـ الْعَقْلُ أَحْسَنُ حِلْيَة .
814 ـ الْعَقْلُ يُوجِبُ الْحَذَرَ .
العقل يوجب الحذر، أي الحذر والإحتراز من المعصية وعدم الانقياد، أو الحذر في كلّ أمر والحذر من كلّ شخص، والاحتراز من أن يخطأ أو يُخدع.
815 ـ الْجَهْلَ يَجْلِبُ الْغَرَرَ
(1) .الجهل يجلب الخداع ويسبّب خداع صاحبه كثيراً في أُمور الدنيا والآخرة.
816 ـ الْعَقْلُ مَرْكَبُ الْعِلْمِ .
العقل مركب العلم، وهو شبيه بالفَرَس الّذي يركبه العِلم، فمن كان له عقل كان له عِلم وفِكر.
817 ـ الْعِلْمُ مَرْكَبُ الْحِلْمِ .
العِلم مركب الحلم والتحمّل، فمن كان له عِلم كان له حِلم أيضاً، والمراد هو الترغيب في تحصيل العلم والحث عليه لأنّه يكون أيضاً سبباً للحلم الّذي يعدّ بدوره من عمدة الفضائل.
818 ـ الْعِلْمُ أَصْلُ كُلِّ خَيْر .
العلم أصل كلّ خير وحُسن، وجميع الخيرات من فروع العِلم، لأنّ العلم هو منشؤها جميعاً.
819 ـ الْجَهْلُ أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ .
الجهل أصل وأساس كلّ شرّ وسوء، وجميع الشرور من فروعه.
820 ـ الْجَهْلُ أَدْوَأُ الدّاءِ .
أي أنّ الجهل أسوأ الداء وأقبح العيوب.
821 ـ الْشَّهْوَةُ أَضَرُّ الأَعْداءِ .
الشهوة أكثر الأعداء ضرراً، وذلك ظاهر، وقد تكرر ذِكر ذلك.
822 ـ الْتَّقْوى أَقْوى أَساس .
التقوى ـ وهو الخوف من الله تعالى، أو الورع واجتناب المحرّمات ـ أقوى أساس وأمتنه إذا ما شاد الإنسان أعماله وأفعاله عليه.
823 ـ الْصَّبْرُ أَقْوى لِباس .
الصبر أقوى لباس، أي أفضل لباس يرتديه الإنسان للزينة أو للحفظ، لأنّ زينة العلم زينة معنوية، وهي أجمل من سائر أنواع الزينة الصورية الّتي تحصل بسائر الألبسة، كما أنّ حفظها حفظ من العقاب وبُطلان الأجر والثواب وحلول المصائب والنوائب، وأين ذلك من الحفظ الّذي تسببه سائر الأثواب والأردية الّتي تحفظ من الحرّ والبرد وأمثال ذلك؟ و !
824 ـ الْعَقْلُ حُسامٌ قَاطِعٌ .
العقل حسام قاطع يمكن به فصل الحقّ عن الباطل في كلّ باب.
825 ـ الْصِّدْقُ حَقٌّ صادِعٌ .
الصدق حقّ صادع. و «الحق» يُقال للأمر الثابت الّذي لا يبطل ولا يزول. و «صادع» بمعنى الظاهر والواضح والمتلألىء والفاصل بين الحقّ والباطل، والمُتكلّم بالحقّ جهاراً والمُظهر له، وكلٌّ منها مناسب هنا كما لا يخفى على المتأمِّل.
826 ـ الْيَقِينُ يَرْفَُ الشَّكَّ .
اليقين يرفع الشكّ والتردد ويُزيله. والمراد بـ «اليقين» الاعتقاد المطابق للواقع بعنوان الجزم، والقائم على الدليل والبرهان وليس التقليد وأمثال ذلك. والمراد أنّ الأمر الّذي يُزيل الشكّ تماماً هو مثل هذا الاعتقاد، وأنّ الشكّ لا يزول بغيره، لأنّه ما لم يكن بعنوان الجزم فإنّ من الظاهر أنّ الشكّ سيبقى، وأنّه ما لم يكن مطابقاً للواقع ـ ولو كان بعنوان الجزم ـ ولم يكن هناك شكّ بالفعل، فإنّ بالإمكان وقوع الشكّ، بل وقوع الجزم بخلافه حين يظهر الواقع للشخص ويحصل له القطع به.
وإذا كان الجزم مطابقاً للواقع لكنّه لم يَقُم على الدليل والبرهان فإنّ من الممكن أنّ هذا الجزم والقطع سيزول بسبب عروض شبهة الشكّ، فكأنّ الشكّ لم يزول تماماً، فالأمر الّذي يُزيل الشكّ بالكليّة هو الاعتقاد الّذي تتحقّق فيه جميع هذه الشرائط.
827 ـ الإِرْتِيابُ يُوجِبُ الشِّرْكَ .
الإرتياب والشكّ يوجب الشرك. المراد بـ «الشرك» مطلق الكفر وليس خصوص الإشراك بالله تعالى. والمراد أنّ الارتياب والشكّ في وجود الحقّ تعالى يوجب الكفر أيضاً، وأنّ الكفر لا ينحصر في الإنكار.
أو أنّ المراد هو الإرتياب والشكّ في الشرك واحتمال وجود شريك لله سبحانه. والشرك محمول على الظاهر، والمراد هو أنّ هذا الإرتياب هو شرك أيضاً، وأنّ الشرك لا ينحصر في جعل شريك لله سبحانه.
ويمكن أن لا يكون المراد بـ «الإرتياب» الشكّ، بل القلق والاضطراب الّذي هو أصل معنى الإرتياب، ثمّ شاع بعد ذلك استعمال الإرتياب في الشكّ. والمراد هو أنّ القلق والاضطراب في المصائب والنوائب هما في الحقيقة موجبان للشرك وعلامة له، لأنّ الشخص ـ نعوذ بالله ـ إذا جعل لله تعالى شريكاً يمكن أن يكون مصدراً للشرّ فإنّ القلق والاضطراب سيكونان مبرّرين باعتبار احتمال صدور الشرّ من ذلك الشريك بلا مناسبة تستدعي ذلك، أمّا إذا لم يجعل لله تعالى شريكاً وكان معتقداً بالحقّ تعالى الّذي ثبت عدلُه بالدليل والبرهان لم يكن هناك داع للقلق والاضطراب، إذ أنّ كلّ ما يقع من الأُمور الّتي لا يتسبّب الآدمي نفسه في وقوعها سيكون ـ يقيناً ـ في خير هذا الشخص وصلاحه كما تكرّر ذِكره سابقاً، وبناءً على ذلك لا يُعقل صدور القلق والاضطراب.
828 ـ الْعِلْمُ عُنْوانُ الْعَقْلِ .
العلم عنوان العقل، فمن كان له علم كان له عقل وأمكن استشارته في الأُمور.
829 ـ الْمَعْرِفَةُ بُرْهانُ الْفَضْلِ .
المعرفة بُرهان الفضل. وجاء في بعض النسخ «النُّبْل» بدلا من «الفضل»، فيكون معناه أنّ المعرفة برهان الذكاء أو النجابة.
ولا يخفى أنّ «المعرفة» تستعمل أحياناً بمعنى مطلق العِلم، وتستعمل أحياناً أُخرى في خصوص معرفة البسائط أي الأشياء غير المركّبة الّتي ليس فيها جزء، سواءً كان ذلك بعنوان تصوّرها أو بتصديق ثبوت حال لها، وقد شاع في هذا المجال أنّ العلم بواجب الوجود وصفاته يُدعى معرفة باعتبار انعدام التركيب هنا.
وتستعمل أحياناً في خصوص العلم بالجزئي، يعني الشيء الّذي لا يمكن أن يصدق على كثيرين، سواءً كان بعنوان تصوّر له أو تصديق بثبوت حال له.
ويستعمل أحياناً في العلم بعد الجهل، وبهذا الاعتبار يُقال للحقّ تعالى «عالم» ولا يُقال له «عارف» لئلاّ يُتوهّم هذا المعنى.
ولا يخفى أنّ المعرفة في هذه الفقرة يمكن أن تكون بالمعنى الأوّل، لأنّ مطلق العلم هو دليل وبُرهان على الفضل والنُبل. ويمكن أن تكون بالمعنى الثاني، ويكون المراد خصوص المعارف الإلهية الّتي هي أفضل العلوم وأكملها.
830 ـ الْعِلْمُ لِقاحُ الْمَعْرِفَةِ .
العلم لقاح المعرفة. والظاهر أنّ المراد بـ «المعرفة» معرفة الحقّ تعالى بناءً على المعنى الثاني المذكور للمعرفة في الفقرة السابقة. والمراد هو أنّ العلم لقاح المعرفة وأنّ معرفة الحقّ تعالى تحصل به وليس بالتقليد.
وقد يكون المراد أنّ العلم ـ أي العلم النافع ـ هو الّذي يكون سبباً في معرفة الحقّ تعالى ودخلا فيها.
وهناك احتمال ضعيف في أنّ المراد به هو العلم بالجزئيّات والفروع بناءً على المعنى الثالث المذكور في الفقرة الثالثة، والمراد هو أنّ العلم هو الّذي يتلقّح الآدمي بسببه بالمعرفة، يعني أنّه يتمكّن من استنباط الجزئيات والفروع منه، وذلك هو عبارة عن الاجتهاد في اصطلاح الفقهاء، فمن لم يكن قادراً على ذلك لم يكن لعلمه كمال، وكان في نقص التقليد وانخفاض مرتبته، ويكون الكلام ـ بناءً على ذلك ـ في العلوم الفقهية.
831 ـ الْنَّزاهَةُ آيَةُ الْعِفَّةِ .
النزاهة وردت بمعنى الطهارة والنظافة، وبمعنى الابتعاد عن شيء واجتنابه ويمكن ـ بناءً على المعنى الأوّل ـ أن يكون المراد أنّ طهارة ونظافة وضع شخص،يعني في لباسه وبيته وبيعه وأوانيه وأمثال ذلك علامة تقواه وعفّته عن المحرّمات كما قيل: «الظاهر عنوان الباطن».
أمّا على المعنى الثاني فيمكن أن يكون المراد أنّ ابتعاد شخص عن الدنيا وتنزّهه عن الاشتغال بها، أو ابتعاده عن أهل الدنيا وفجّارها وأشرارها وعدم اختلاطه معهم هو آية ودليل على عفّته وتقواه.
وعلى كلّ تقدير فمن الظاهر أنّ العلامة والآية هي الّتي يحصل بواسطتها ظنّ لدى الشخص، ويكون تخلّف الحكم عنه جائزاً، فإن حصل أحياناً تخلّف في أيّ واحد من المعنيين فإنّه لن يكون منشأً للطعن في ذلك المعنى.
832 ـ الْعِلْمُ يُنْجِدُ الْفِكْرَ .
العلم يُنجد الفكر ويقوّيه، فينبغي إذاً عند الاستشارة ترجيح رأي صاحب العلم والفكر على رأي من لا عِلم له.
833 ـ الإِحْتِمالُ يُجِلُّ الْقَدْرَ.
الاحتمال يجلّ القَدْر. و «الاحتمال» هو التحمّل. والظاهر أنّ المراد أنّ تحمّل أذى الناس والإعراض عن سوء أدبهم وسوء سلوكهم والحلم عنهم وعدم السخط عليهم سبب جلالة قدر الشخص. ويُحتمل أنّ المراد هو احتمال مؤونتهم ونفقاتهم وتحمّل أداء ديونهم وقروضهم وأمثال ذلك من أنواع السخاء.
834 ـ الْسَّفَهُ يَجْلِبُ الشَّرَّ .
السَّفَه والطيش يجلب الشرّ ويعرّض البشر له.
835 ـ الْذِّكْرُ يَشْرَحُ الصَّدْرَ .
ذِكر الله تعالى شرح الصدر ويُزيل ضيقه.
836 ـ الْعَقْلُ سِلاحُ كُلِّ أَمْر .
المراد هو أنّ العقل سلاح لحفظ كلّ عمل ودفع أعداءه ورفع الموانع عنه. ويمكن أن يكون بلفظ «امرىء»، فيكون المعنى أنّه سلاح كلّ رجل أو كلّ شخص، وهذا بحسب المعنى ظاهر.
وجاء في بعض النسخ لفظ «صلاح» بالصاد، فيكون المعنى أنّ العقل هو صلاح كلّ أمر، أي أنّ كلّ أمر يكون وفقاً للعقل هو صلاح وصواب، أو أنّه صلاح كل رجل أو كلّ شخص، أي أنّ العقل يدلّه على ما فيه صلاح حاله.
837 ـ الْعِلْمُ نِعْمَ دَلِيل .
العِلم نِعم دليل ومُوصل إلى السعادة والتوفيق.
838 ـ الْحَياءُ خُلُقٌ جَمِيلٌ .
الحياء والخجل خلق وخصلة جميلة، يعني الحياء من الله عز وجل ومن الخلق كذلك.
839 ـ الْمُرِيبُ أَبَداً عَلِيلٌ .
المريب ـ يعني صاحب الشكّ أو القلق والاضطراب، أو الظّنين بالناس الّذي يتّهمهم ويشكّ فيهم ـ أبداً عليل، يعني في مشقّة وتعب شأن المريض، أو كالمريض المعنوي. فيجب ـ بحسب القدرة ـ السعي في كلّ مجال أن يكون المبنى على اليقين وأن لا يكون في الأمر شكّ. أو أن يكون الشخص في كلّ عمل مطمئنّاً هادئاً، أو أن لا يشكّ في الناس، بل يظنّ فيهم خيراً، إلاّ أن يظهر خلاف ذلك من شخص ما، ويجب بعد ذلك أيضاً ـ بحسب الوسع ـ السعي في اصلاح حاله ليحصل الاطمئنان فيه ويزول الشكّ في شأنه.
840 ـ الْطَّامِعُ أَبَداً ذَلِيلٌ .
841 ـ الْعِلْمُ قائِدُ الْحِلْمِ .
العلم قائد الحِلم وسببه.
842 ـ الْحِلْمُ ثَمَرَةُ الْعِلْمِ .
الحلم ثمرة العلم، وهذه الفقرة تأكيد للفقرة السابقة.
843 ـ الْيَقِينُ يُثْمِرُ الزُّهْدَ .
اليقين يثمر الزهد وترك الدنيا، يعني يثمر ترك المحرّمات فيها أو ترك الحرص على الدنيا، يعني أنّ من له يقين كامل بالله عز وجل ومراتب جلالته وعظمته، وله يقين كذلك بالآخرة وما أُعدّ فيها للمطيعين من الجنّة ونِعمها الأبدية، وما تقرّر للعاصين من جهنّم وأنواع عذابها ونكالها من أجل رغبة ولذّة لحظة عصيان، ومَن يرى أنّه لا يجدر به مخالفة مثل هذا الخالق، وأنّ عليه اجتناب فِعل ما يسبّب حرمانه من تلك النعم وابتلاءه بتلك الابتلاءآت ويبعث على خزيه وافتضاحه أمام الأوّلين والآخرين، كما أنّه لن يكون حريصاً على طلب الدنيا الدنية الفانية بل يقصر تمام حرصه وسعيه في تحصيل السعادة الأخروية.
844 ـ الْنَّصِيْحَةُ تُثْمِرُ الوُدَّ .
النصيحة تُثمر الود، يعني أنّها تكون سبباً للودّ. والنصيحة هي أن يقول الشخص للشخص ما يدلّه على ما فيه خيره. وتُستعمل أحياناً بمعنى «النُّصح» وهو الاخلاص لشخص معين وتصفية الباطن له. ومن الظاهر أنّ نصيحة شخص معين تثمر في مودّته، وهي كذلك بالمعنى الثاني أيضاً، لأنّ القلب إلى القلب دليل، وإنّ خلوص ومحبّة شخص ـ ولو لم يُظهر ذلك ـ تبعث على خلوص ومحبّة الآخر كما هو المشهور.
845 ـ الْمُرُوءَةُ إِنْجازُ الْوَعْدِ .
المُروءة والرجولة هي انجاز الوعد والوفاء بكلّ ما قطعه المرء ووعد به.
846 ـ الْعِلْمُ أَفْضَلُ هِدايَة .
العلم أفضل هداية ودليل، أو أفضل مُوصل إلى المطلب، يعني أفضل هاد أو مُوصل إلى السعادة والتوفيق.
847 ـ الْصِّدْقُ أَشْرَفُ رِوايَة .
الصدق أشرف وأفضل رواية، يعني أنّ أفضل الروايات والحكايات هو مايكون صادقاً، أو أنّه أحسن الفضائل الّتي تُروى وتُنقل عن شخص معيّن، أو أنّه أفضل محاسن الرواية.
848 ـ الْجَهْلُ يُفْسِدُ الْمَعادَ .
الجهل يُفسد الآخرة ويُبطلها.
849 ـ الْعُجْبُ يَمْنَعُ الإِزْدِيادَ .
العُجب والإعجاب بالنفس يمنع الإزدياد، لأنّ المعجب بنفسه يعتبر نفسه كاملا فلا يسعى في زيادة كماله وعلوّ مرتبته.
850 ـ الإِيْمانُ أَعْلى غايَة .
الإيمان أعلى غاية وأشرف من كلّ غرض يقصده الآدميّ، أو أعلى نهاية، يعني أنّ الفضائل إذا رُتّبت في مراتب ودرجات وكانت المرتبة الّتي تنتهي إليها تلك المراتب هي أفضلها، كان الايمان أعلى تلك النهايات وآخر تلك المراتب، وليس فوقه مرتبة وليس أشرف منه درجة. أو أنّ كلّ سلسلة لها نهاية، والإيمان هو نهاية سلسلة الفضائل، فهو إذاً أعلى النهايات، يعني أنّه أفضل منها وأشرف.
851 ـ الإِخْلاصُ أَشْرَفُ نِهايَة .
الإخلاص لله عز وجل وإخلاص النفس في عبادته تعالى أشرف النهايات بأحد المعنيين المذكورين في الفقرة السابقة على تقدير حمل لفظ «غاية» على «نهاية».
852 ـ الْيَقِينُ رَأْسُ الدِّيْنِ .
اليقين ـ وهو الاعتقاد الجازم القائم على الدليل والبرهان ـ رأس الدين، وهو كالرأس المقدّم على سائر الأعضاء والأهمّ منها جميعاً مقدّم على سائر أركان الدين وأهمّ منها جميعاً.
853 ـ الإِخْلاصُ ثَمَرَةُ الْيَقِينِ .
الإخلاص ثمرة اليقين، إذ من الظاهر أنّ من يُوقن بالمبدأ والمعاد يُخلص نفسه في عبوديّة الحقّ تعالى وطاعته وعبادته.
854 ـ الْحُزنُ شِعارُ الْمُؤْمِنِينَ .
الحزن شعار المؤمنين ولباسُهم، يعني المؤمنين الكاملين الّذين يتفكّرون دائماً في عاقبة حالهم فيحزنون لذلك ويغتمّون.
855 ـ الْشَّوْقُ خُلْصانُ
(2) الْعارِفِينَ .الشوق خُلصان العارفين، يعني أنّ الشَوق إلى الطاعات والعبادات، أو إلى لقاء الحقّ تعالى والفوز بمشاهدة أنوار جلاله وعظمته، أو رضوانه ورضاه، هو خُلصان العارفين الّذي يميّزهم ويُخلصهم، أي يمتاز العارفون بالمعارف الإلهية بذلك الشوق عن غيرهم، فمن كان له ذلك الشوق كان عارفاً، ومن لم يكن ذلك الشوق فليس بعارف. أو أنّ العارفين يمتازون عن غيرهم بذلك الشوق، فمن كان له شوق أشدّ كانت معرفته أكمل.
ويمكن أن يكون المراد أنّ الشوق هو إخلاص العارفين، يعني أنّه دليلٌ على إخلاصهم، فالعارف الّذي له ذلك الشوق يُعلم أنّه أخلص نفسه لله عز وجل دون سواه، ومَن لم يكن فيه ذلك الشوق فإنّه لم يخلص بعدُ.
856 ـ الْيَقِينُ أَفْضَلُ عِبادَة .
اليقين ـ يعني بالمعارف الإلهية ـ أفضل عبادة وأحسن من جميع العبادات كما تتكرر مراراً.
857 ـ الْمَعْرُوفُ أَشْرَفُ سِيادَة .
المعروف ـ يعني الإحسان إلى الناس أو مطلق البرّ ـ أشرف سيادة، أي أنّه أفضل ما يسبّب السيادة والعظمة.
858 ـ الْتَّوْفِيقُ رَأْسُ السَّعادَةِ .
توفيق الله تعالى وتهيئته أسباب الخير لشخص معيّن ـ رأس السعادة، وهو مقدّم على جميع أسباب السعادة.
859 ـ الإِخْلاصُ مِلاكُ الْعِبادَةِ .
الإخلاص أصل بناء العبادة، والعبادة الّتي لا تكون قائمة على الإخلاص والّتي تكون مشوبة بالرياء وأمثاله يكون أساسها فاسداً باطلا.
860 ـ الإِخْلاصُ أَعْلى الإِيْمانِ .
الإخلاص أعلى الإيمان، يعني أنّه أعلى الأُمور الّتي يجب وجودها في الإيمان، وجميع أجزاء الإيمان وشرائطه وفروعه دونه في الرتبة.
861 ـ الإِيْثارُ غايَةُ الإِحْسانِ .
الإيثار ـ يعني الجود والكرم، أو الجود مع حاجة ذلك الشخص إلى ما يجود به ـ هو غاية الإحسان، وهو أفضل أنواع البرّ.
862 ـ الْيَقِينُ جِلْبابُ الأَكْياسِ .
اليقين جلباب ورداء الأكياس ـ أي أنّ العقلاء والأكياس لا يبتعدون عن اليقين بالمعارف الإلهية ويجعلونه بمنزلة الجلباب والرداء.
863 ـ الْعَدْلُ أَقْوى أَساس .
العدل أقوى أساس، وهو أساس مهما بُني فوقه كان ثابتاً محكماً.
864 ـ الْنِّعَمُ يَسْلُبُها الْكُفْرانُ .
النعم يسلبها كُفران النعم وعدم شُكرها.
865 ـ الْقُدْرَةُ يُزِيْلُها الْعُدْوانُ .
القدرة يُزيلها العدوان والظلم، وسرعان ما يصبح الظالم عاجزاً.
866 ـ الإِساءَةُ يَمْحاها
(3) الإِحْسانُ .الإساءة إلى شخص يمحوها الإحسان إليه، يعني أنّ الإحسان هو الّذي يمحو الإساءة ويُرضي الشخص المساء إليه.
ويمكن أن يكون المراد هو أنّ الحسنة تمحو السيّئة، وقد ورد في القرآن الكريم (إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّـئَاتِ)(4). ولا يخفى أنّ من جملة الحسنات الّتي تُذهب السيّئات الصلوات الخمس، وقد ورد في الآية الكريمة إشعار بذلك باعتبار أنّ هذه العبارة جاءت بعد الأمر بالصلاة. وقد روي عن خاتم الرسل(صلى الله عليه وآله وسلم): «الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما»(5) وروي عن الإمام محمّد الباقر أو الإمام جعفر الصادق صلوات الله عليهما قال: قال أميرالمؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: «سمعت حبيبي رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أرجى آية في كتاب الله (وَأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ)(6) الآية، والّذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً إنّ أحدكم ليقوم من وضوئه فتتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل اللهَ بوجهه وقلبه لم ينفتل وعليه شيء من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه، فإنْ أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك، حتى عدّ الصلوات الخمس.
ثم قال: يا عليّ إنّما منزلة الصلوات الخمس لأُمّتي كنهر جار على باب أحدكم، فما يظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثمّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرّات، أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك ـ واللهِ ـ الصلوات الخمس لأُمّتي»(7).
وروي عن الإمام جعفر الصادق صلوات الله وسلامه عليه في تفسير هذه الآية قال: «صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار»(8).
والظاهر أنّ هذه الصلاة هي نافلة الليل، فهي إذاً من جملة الحسنات المذكورة، والظاهر أنّ غير الصلاة هو أيضاً من الحسنات الّتي تذهب بالسيّئات، بل روي عن الإمام أميرالمؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في حديث: «.. وإنّ الله يكفّر بكلّ حسنة سيّئة»(9) انتهى الحديث.
فيجب السعي في الحسنات من كلّ نوع وصنف بقدر الوسع لعلّها تذهب بالسيّئات وتمحوها.
وروي عن الإمام جعفر الصادق صلوات الله وسلامه عليه ـ ضمن حديث ـ قال: «.. يهمّ (العبد) بالسيّئة أن يعملها، فإن لم يعملها لم يُكتب عليه شيء، وإن هو عملها أُجّل سبع ساعات وقال صاحبُ الحسنات لصاحب السيّئات ـ وهو صاحب الشمال ـ : لا تعجل عسى أن يُتبعها بحسنة تمحوها، فإنّ الله يقول: (إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّـئَاتِ)، أو الاستغفار، فإنْ هو قال: «أستغفر الله» لم يُكتب عليه شيء، وإنْ مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة ولا استغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيّئات: أُكتُب على الشقيّ المحروم»(10).
867 ـ الْكُفْرُ يَمْحاهُ
(11) الإِيْمانُ .الكفر يمحوه الإيمان، فلا يبقى بعد الإيمان عذاب على الكفر السابق، بل تُمحى أيضاً جميع الذنوب المرتكبة أيّام الكفر بدلالة الحديث الشريف: «الإسلام يجبّ ما قبله»(12).
868 ـ الْشَّرُّ يُزْرِي ويُرْدِي .
الشرّ يُعيب ويُهلك، أو يُردي في المهالك الدنيويّة والأُخرويّة.
869 ـ الْحِرْصُ يُذِلُّ وَيُشْقِي .
870 ـ الْزُّهْدُ مَتْجَرٌ رابِحٌ .
الزهد ـ يعني ترك الدنيا، يعني ترك محرّماتها أو مشتبهاتها أيضاً ـ متجر رابح.
871 ـ الْبِرُّ عَمَلٌ صالِحٌ .
صلة الناس والإحسان إليهم عمل صالح، أي أنّه من أهم أفراد العمل الصالح.
ويمكن أن يكون المراد بـ «البرّ» مطلق عمل الخير، ويكون المراد أنّ عمل الخير هو العمل الصالح، ولا يوجد عمل صالح غيره، لأنّ سواه ـ مهما كان ـ إن كان ذنباً ومعصية ففساده ظاهر، وإن لم يكن خيراً ولا شرّاً فإنّه في الحقيقة ليس صالحاً بل فاسداً، لأنّه يفسد حالما يُفعل فلا يترتّب عليه أثر، خلافاً لعمل الخير الّذي لا يفسد، وإذا بقي أثره فكأنّ أصله باق بلا فساد.
872 ـ الْزُّهْدُ قَصْرُ الأَمَلِ .
الزهد وترك الدنيا هو تقصير الأمل، يعني أنّ ترك الدنيا الّذي هو أمر مستحسن ـ علاوة على ترك محرّمات الدنيا أو مشتبهاتها ـ هو أيضاً أن لا يحرص الإنسان على الدنيا، وأن لا يكون له آمال طويلة فيها، وأن لا يسعى في الدنيا، من دون أن يتركها كليّاً، لأنّ تركها كليّاً ليس حسناً، بل إنّ طلبها جزء منه واجب وجزء منه مستحبّ، كما ذكرنا سابقاً.
873 ـ الإِيمانُ إِخْلاصُ الْعَمَلِ .
الإيمان هو إخلاص العمل لله عز وجل وعدم الإشراك به في الطاعات والعبادات بأيّ وجه من الوجوه. والمراد هو أنّ الإيمان الكامل هو ما كان بإخلاص عمل، وإلاّ فإنّ المشهور هو أنّ أصل الإيمان هو الاعتقادات وإنّ العمل ليس جزءاً منه في الأصل فضلا عن الإخلاص في العمل.
874 ـ الأَمَلُ يُنْسِي الأَجَلَ .
الأمل يُنسي الأجل والموت، لأنّ صاحب الأمل والحريص على تحصيل الأمل ينهمك في السعي في ذلك بحيث أنّه ينسى الموت والاستعداد له.
875 ـ الْظُّلْمُ تَبِعاتٌ مُوبِقاتٌ .
الظلم تبعات ومظالم مهلكة. و «المظلمة» هي الحقّ الّذي يؤخذ من الشخص ظلمظاً فيُطالِب به الشخص. وكون الظلم مظالم باعتبار أنّ الغالب هو أنّ الظالم لا يكتفي بظلم واحد، فإنّ هو ظلم عدّة مرّات صار في رقبته عدّة مظالم كلّ واحد منها يسبّب هلاكه في الآخرة، وقد يُهلكه في الدنيا أيضاً. أو باعتبار أنّ كلّ ظلم ـ ولو كان ماليّاً كما هو غالب الظلم ـ سبب في عدّة مظالم، لأنّ من يغصب حقّاً لشخص ستكون للمظلوم مظلمة لديه، وكذلك ستكون لوارث المظلوم بعد وفاته لأنّ ذلك الحقّ ينتقل بالإرث لوارثه فيكون له استحقاق المطالبة من الظالم، وكذلك الأمر لوارث الوارث إلى يوم القيامة، فتكون في رقبة الظالم وعهدته مظلمة لكلّ واحد من هؤلاء.
876 ـ الْشَّهَواتُ سُمُومٌ قَاتِلاتٌ .
الشهوات سموم قاتلة تسبب الهلاك الأخروي، بل الهلاك الدنيوي أيضاً.
877 ـ الْفَوْتُ حَسَراتٌ مُحْرِقاتٌ .
فوات الفرصة وعدم الاستعداد للآخرة إلى أن تضيع الفرصة حسرات مُحرقات، لأنّ كلّ موقف من مواقف الآخرة وكل نوع من الألم والعذاب يراه الإنسان، وتصوّره لضياع وفوات كلّ نعمة وثواب تسبب حسرة تحرق القلب والروح.
878 ـ الْفِكْرُ يُفِيدُ الْحِكْمَةَ .
الفكر يفيد الحكمة، يعني أنّه يكون سبباً القول والفعل الصائبَين.
879 ـ الإِعْتِبارُ يُثْمِرُ الْعِصْمَةَ .
أي أنّ ثمرة الاعتبار من الدنيا وزوال الدول ونكباتها السريعة وعدم بقاء أثر منها بعد فترة وجيزة، وكذلك من مشاهدة عاقبة حال الظالمين والجائرين وأمثالهم في أغلب الاوقات أن يصون الإنسان نفسه عن الحرص على الدنيا وعن المبالغة في السعي من أجلها، ويكفّها عن الظلم والجور وأمثال ذلك ممّا شاهد من سوء عاقبة ذلك.
880 ـ الإِصْرارُ أَعْظَمُ حَوْبَة .
الإصرار على الذنب أعظم إثم وذنب، أي أنّ إثمه أعظم من الذنوب الأُخرى، هذا إذا قرأنا «حوبة» بالنصب. ويمكن أن تُقرأ «حوبة» بالجرّ، فيكون المعنى عندئذ أنّ الإصرار أعظم ذنب. وعلى أيّ تقدير فإنّ المراد هو أنّ الإصرار على الذنب هو من الذنوب الكبيرة ولو كان الذنب المصرّ عليه من الصغائر، وقد روي عن الإمام جعفر الصادق صلوات الله وسلامه عليه «لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار»(13) أي انّ الصغيرة تصبح بالإصرار من الكبائر، كما انّ الكبيرة بالاستغفار والتوبة.
ويمكن أن يكون المراد أنّ إثم الاصرار أعظم أيضاً من سائر الذنوب الكبيرة، ويمكن أن يؤيّد هذا الأمر ما روي عن الإمام جعفر الصادق قال: «لا والله لا يقبل شيئاً من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه»(14). والإصرار ـ كما ذكرنا سابقاً ـ هو أن يصدر من الشخص ذنب متكرر، أو أن يذنب الشخص فيعزم على تكرار ذلك الذنب أو على ارتكاب ذنب غيره.
وقال بعض العلماء أنّ الاصرار هو العزم على تكرار الذنب ولو لم يكرره فعلا. وروي عن الإمام محمد الباقر صلوات الله عليه قال: «الإصرار أن يذنب الرجل فلا يستغفر الله ولا يحدّث نفسه بالتوبة، فذاك الإصرار»(15) ويظهر من هذا الحديث الشريف أنّ مجرّد عدم التوبة بعد الذنب يعدّ إصراراً ولو لم يعزم الرجل على ارتكاب الذنب بل كان مردداً في ذلك، أو أن يكون الشخص لم يحدّث نفسه بارتكاب الذنب أو بعدم ارتكابه أصلا.
881 ـ الْبَغْيُ أَعْجَلُ عُقُوبَةً .
البغي ـ يعني الظلم والجور أو الطغيان ـ أعجل عقوبةً وجزاءً، أي انّ عقوبة البغي وجزاءه أسرع وصولا من عقوبة سائر الذنوب، والغالب أنّ عقوبة البغي تقع في الدنيا، وهذا بناءً على قراءة «عقوبة» بالنصب، أمّا إذا قرأناها بالجرّ فيكون المعنى أنّ البغي والجور أعجل عقوبة، وهذا إمّا على سبيل المبالغة في أنّ العقوبة الأعجل يلزم منها أنّ العقوبة كأنّها عجلت، أو يجب وضع تقدير في الكلام، وهو أنّ عقوبة البغي هي أسرع عقوبة من غيرها.
882 ـ الإِيْثارُ شِيمَةُ الأَبْرارِ .
الإيثار ـ وهو الجود والكرم، أو الجود بالشيء مع كون الشخص المعطي أحوج إليه ـ هو خصلة الأبرار.
883 ـ الإحْتِكارُ شِيْمَةُ الْفُجَّارِ .
الإحتكار شيمة الفجار والفسّاق. والمراد بـ «الإحتكار» ـ كما ذكرنا سابقاً ـ هو حبس المال وعدم أداء حقوقه، أو حبس الأجناس طمعاً في غلائها، أو مطلق جمع المال الكثير وعدم انفاقه في وجوه الخير والمبرّات. والظاهر أنّ الأوّل فسق وأنّه شيمة الفسّاق، وكذلك المعنى الثاني إذا تحقّقت شرائط حُرمته كما ورد تفصيله في كتب الفقه. أمّا بناءً على المعنى الثالث فالمراد كراهته وأنّه خصلة الفسّاق وشيمتهم، فغير الفاسق سينزعج لأنّه قد شبّه نفسه بالفسّاق وتتبّع خصلتهم ولو لم يتضمّن فعله فسقاً.
884 ـ الْحَسُودُ لا يَبْرَأُ .
الحسود لا يبرأ، أي أنّ الحسود يندر أن يبرأ من مرضه الروحاني إلاّ بمجاهدة النفس والمواظبة على التأمّل والتفكّر في مفاسد الحسد وأضراره. ويمكن أن يكون المراد هو أنّ الحسود لا يبرأ من مرض الغم والحزن الّذي هو مرض روحاني، وما دام الحسد موجوداً فيه فإنّه مبتلى بهذا المرض، لأنّه كلّما حصل شخص على نعمة فإنّ الحسود سيحسده وسيحزن ويغتمّ من ذلك، ولا يمكن أن يخلو زمن من هذا الأمر، فالحسود لا يبرح على الدوام حزيناً مغموماً.
885 ـ الْشَّرِهُ لا يَرْضَى .
الشّره صاحب الحرص لا يرضى، بل كلّما حصل على شيء طالب بالمزيد، فهو لا يرضى ما لم يعالج حمصه وشرهه.
886 ـ الْحَسُودُ لا خُلَّةَ لَهُ .
الحسود ليس له خليل ولا صديق، لأنّه إذا صادق شخصاً فصار خليله ثمّ نال خليله نعمةً من النعم فإنّ الحسود سيحسده ويسعى في زوال تلك النعمة، أو يتمنّى زوالها ولو لم يسعَ في إزالتها، وهذا ـ على كلّ تقدير ـ يتنافى مع الخلّة والصداقة، فيجب إذاً عدم الاعتماد على الصديق الحسود.
887 ـ اللَّجُوجُ لا رَأْيَ لَهُ .
اللجوج ـ وهو من يتمادى بطبيعته ويصرّ في كلامه وأفعاله زيادة عن الحدّ ـ لا يُعتمد على رأيه وفكره، لأنّ من شأنه أن يروّج ويزيّن فِعله أو قوله الّذي يخطر في خاطره من دون أن يتأمّل ويتفكّر في صحّته أو سقمه، بل حتّى لو ظهر له فساد وبطلان فعله وقوله، فلا يُعتمد في المشورة والتدبير على رأي اللجوج.
888 ـ الْخائِنُ لا وَفاءَ لَهُ .
الخائن لا وفاء له، يعني أنّ مَن خان شخصاً لا ينبغي الاعتماد على وفائه، لأنّه كما خان أوّلا فإنّه سيخون ثانياً، فعلى الملوك والرؤساء أن لا يثقوا بالخونة الّذين خانوا ملكهم أو رئيسهم السابق ولو خانوهم من أجل هؤلاء الجُدد، إذ لا يبعد أن يخونوهم من أجل غرض معيّن كما خانوا سادتهم من أجل غرض معيّن.
889 ـ الْتَّكَبُّرُ عَيْنُ الْحَماقَةِ .
التكبّر على الناس عين الحماقة وقلّة العقل، لأنّ التكبّر من الصفات المذمومة عند الله تعالى وعند الخلق، ولا يتصوّر فيه نفع أو لذّة أصلا.
890 ـ الْتَّبْذِيرُ عُنْوان الْفاقَةِ .
التبذير والإسراف عنوان الفاقة والفقر، أي أنّه مبدأ وسبب للفاقة أو علامة لها ودلالة على أنّ المسرف سرعان ما سيفتقر.
891 ـ الْنَّجاة مَعَ الإِيْمانِ .
النجاة مع الإيمان، أمّا غير المؤمن فلا نجاة له.
892 ـ الْفَضْلُ مَعَ الإِحْسانِ .
الفضل مع الإحسان إلى الناس، فمن برّ الناس وأحسن إليهم زادت درجتُه وعلا قدرُه.
893 ـ اللُّؤْمُ مَعَ الإِمْتِنانِ .
الدناءة والخسّة أو اللوم والملامة والعذل ـ على قراءة «لوم» مع الامتنان، أي إذا أحسن شخص إلى شخص ثمّ منَّ عليه كان مُلاماً أو كان دنيئاً خسيساً.
894 ـ الْنَّدَمُ عَلى الْخَطِيئَةِ يَمْحُوها .
الندم على الخطيئة يمحوها، لأنّ ذلك هو حقيقة التوبة، وليس هناك شبهة في أنّ التوبة الخالصة تمحو الذنب، والآيات والروايات الدالّة على ذلك تفوق الحدّ والحصر.
895 ـ الْعُجْبُ بِالْحَسَنَةِ يُحْبِطُها .
العُجب بالحسنة ـ أي الافتخار والإدلال بها ـ يُحبطها ويُبطلها، وقد مرّ ذلك سابقاً.
896 ـ الْعاجِلَةُ غُروُرُ الْحَمْقى .
العاجلة (أي الدنيا) غُرور الحمقى. و «الغُرور» بضمّ الغين هو الخداع، أمّا «الغَرور» بفتح العين فهو الخادع. وعلى الاحتمال الثاني يُحمل الكلام على ظاهره، أمّا بناءً على الاحتمال الأوّل فيجب حمله على المبالغة، أي أنّ الدنيا لشدّة خداعها فكأنّها عين الخداع ونفسه، أو أن يُراد من الخداع الخادع على سبيل المجاز، وكلا الوجهَين شائع في كلام العرب.
897 ـ الْغَفْلَةُ شِيْمَةُ النَّوْكى .
الغفلة شيمة الحمقى وخصلتهم، فمن كان كامل العقل عليه أن لا يغفل عن مهام آخرته ودُنياه.
898 ـ الإِصْرارُ سَجِيَّةُ الْهَلْكى.
الإصرار ـ خصلة الهلكى والمفسدين، أي الإصرار على المعصية كما ذكر مكرراً، أو الإصرار على نقل الكلام والمبالغة في التأكيد على صدقه ـ كما ذُكر سابقاً أنّه علامة لكذب القائل وناقل الكلام، أو الإصرار على الرأي مع ظهور فساده لأنّ ذلك أيضاً خصلة مذمومة تسبّب هلاك الدنيا والآخرة.
899 ـ الْغِيْبَةُ آيَةُ الْمُنافِقِ .
انتقاص الآخرين في غيبتهم علامة المنافق، أي مَن لا يوافق ظاهره باطنه، أمّا غير المنافق فعليه إن شاهد سوءاً من شخص وتيسّر له إظهار ذلك له فليفعل وليمنعه منه، وإلاّ وجب عليه السكوت وعدم إظهار ذلك.
وقد ذُكر سابقاً أنّ الآية والعلامة هي ما يؤدّي إلى الظنّ ويدلّ عليه بحسب الغالب ولو تخلّفت عن ذلك أحياناً. وبناءً على ذلك فلا منافاة بين هذا الكلام وبين جواز الغيبة في بعض الأحيان كما ذكر العلماء المحقّقون، مثل أن يغلب على الظنّ أنّه لو جرى ذمّه في غيبته ثمّ بلغه ذلك لبعثه ذلك على ترك ما كان فيه، فالغيبة بقصد هذا المعنى جائزة، بل مُستحسنة، ولو انحصر علاج ترك ذلك الشخص ما هو فيه في غيبته وجبت.
أمّا جواز غيبة من يتجاهر بالفسق فباعتبار أنّ ذلك ليس غيبة في الحقيقة، لأنّ الغيبة هي أن يُذكر شخص في غَيبته بأمر يسوءه لو سمع به، أمّا إذا تجاهر شخص بالمعصية فإنّ ذلك يعني أنّ إظهار ذلك لن يسوءه، ولو كان يسوءه ما تجاهر بفعله علانية، فيكون إظهار ذلك في غيبته غير معدود غِيبةً، أمّا لو ارتكب ذلك الشخص ذنباً آخر فأخفاه ولم يتجاهر بفعله لم تكن غيبته في ذلك جائزة.
900 ـ الْنَّمِيمَةُ شِيْمَةُ الْمارِقِ .
النميمة ونقل حديث شخص لشخص آخر للإفساد بينهما شيمة المارق، والمارق هو الخارج من الدين. والغرض من الكلام إظهار قُبح هذه الخصلة وشناعتها وأنّها من شأن المارقين الخارجين من الدين، أمّا المتديّنون فليس معقولا أن يكونوا نمّامين. أو أنّ قُبح تلك الخصلة بمرتبة بحيث أنّ صاحبها كأنّه مرق من الدين وخرج من دينه.
الهوامش:
(1) ضبط الشارح(رحمه الله) لفظ «الغرر» بضمّ الغَين تصوّراً منه أنّه جمع «غرّة» وفسّره بأنّه الخداع، بينما «غرّة» بمعنى الخداع هي بكسر الغين وجمعها «غِرر» بكسر الغين، و «الغَرر» بفتح الغيث هي المناسب للمعنى هنا. قال في «منتهى الإرب»: «الغرر ـ محرّكة ـ الهلاك، اسم من التغرير، والخطر. ونهى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر، وهو مثل بيع السمك في الماء والطير في الهواء.
(2) جاء في منتهى الإرب: «خُلصان ـ بالضمّ ـ الخدن والحبيب، الواحد والجمع فيه سواء، يُقال: هو خُلصاني وهم خُلصاني».
(3) قال الفيروزآبادي في القاموس: «محاه يمحوه ويمحاه: أذهب أثره فمحا هو»، فيتّضح أنّ هذه الكلمة معتلّة الواو وأنّها جاءت من بابين، يعني من باب «نصر ينصر» و «منع يمنع» ويستعمل كذلك لازماً كما أنّ «فمحا هو» نصّ في ذلك. فنسخة المصنّف ـ كما هو صريح خطّه ـ يطابق المتن «يمحاها» مثل نسخة بمبي (ص 22، س 5)، وهكذا الأمر في الفقرة القادمة، يعني «الكفر يمحاه الإيمان»، أمّا طبعة دمشق فقد وردت بلفظ «يمحوها» و «يمحوه» (انظر ص 28، س 5)، وكذلك في طبعة صيدا (ص 11، س 6).
(4) هود: 114.
(5) مستدرك الوسائل 3: 16، فتح الباري 8: 269.
(6) هود: 114.
(7) البحار 79: 220 نقلا عن تفسير العياشي 2: 161.
(8) من لا يحضره الفقيه 1: 473.
(9) بحار الأنوار 74: 386 .
(10) الكافي 2: 43.
(11) ذكرنا في ذيل الفقرة السابقة أنّ طبعة دمشق وطبعة صيدا وردتا بلفظ «يمحوه».
(12) وسائل الشيعة 1: 18 (المقدّمة).
(3) الكافي 2: 228.
(14) شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني 9: 282.
(15) الفصول المهمة في أصول الأئمّة للحر العاملي 2: 222.