901 ـ الْسِّلْمُ ثَمَرَةُ الْحِلْمِ .

السلم ثمرة الحِلم، أي أنّ الناس مع الحليم في مقام صلح وسلم دائمي، لا يصل إليهم منه أذى. أو أنّ ثمرة حلم الحليم أن يزول عمّن تأذّى وانزعج منه أذاه وانزعاجه ويعود إلى سلمه وصُلحه وصفائه.

902 ـ الْرِّفْقُ يُؤَدِّي إلى السِّلْمِ .

الرفق واللين مع الناس يؤدّي إلى السلم، أي أنّه يسبّب مسالمة الناس للشخص وعدم تأذّيهم منه، أو أنّ الرفق بمن انزعج وتأذّى يؤدّي به إلى الرضا والصلح، ويبعث على مُسالمته سريعاً.

903 ـ الْتَّجُّوعُ أَنْفَعُ الدَّواءِ .

تجويع النفس أنفع دواء، لأنّ عدم الشبع عند الأكل وتجويع النفس بعض الشيء دائماً مانع من كثير من الأمراض وذلك لا يتيسّر لأيّ دواء، كما أنّ الإمساك عن الطعام والجوع بعد عروض المرض نافع في دفع كثير من الأمراض الّتي لا ينفع معها دواء كما هو معلوم بالتجربة، وكما صرّح بذلك الأطبّاء أيضاً.

904 ـ الْشِّبَعُ يُكْثِرُ الأَدْوَاءَ(1) .

الشبع يكثر الأدواء والأمراض ويكون سبباً في زيادتها.

905 ـ الإِسْتِغْفارُ دَواءُ الْذُّنُوبِ .

الاستغفار ـ وهو طلب المغفرة ـ دواء الذنوب الّذي تُعالج به جميع الذنوب وتُمحى بواسطته. والمراد هو طلب المغفرة الّذي يصدر بعد الندم على الذنب، بل الاستغفار هو هذا المعنى عُرفاً، فطلب المغفرة من غير ندم على الذنب لا فائدة تُرجى منه.

906 ـ الْسَّخاءُ سَتْرُ الْعُيُوبِ .

السخاء والجود ستر العيوب، يسترها عن أعين الناس. ويمكن أن يُقرأ «ستر» بكسر السين فيكون بمعنى الستار، وحاصل كليهما واحد.

907 ـ الْكَرَمُ أَفْضَلُ الشِّيِمِ.

الكرم والجود أفضل الشيم والخصال، لا خصلة أفضل منه في رفع قدر صاحبها وعلوّ مرتبته.

908 ـ الإِيْثارُ أَشْرَفُ الْكَرَمِ .

الإيثار أشرف أنواع الكرم. ذكرنا سابقاً أنّ «الإيثار» ورد بمعنى الجود والسخاء، وورد أيضاً بمعنى الجود بالشيء مع وجود الاحتياج إلى ذلك الشيء أمّا «الكرم» فقد ورد بمعنى السخاء والجود، وورد بمعنى الشرف والكرامة الحاصلة بسبب خصلة أو عمل معيّن.

وبناءً على ذلك فاذا كان «الكرم» في هذه العبارة بالمعنى الأوّل، فيجب أن يكون «الإيثار» بالمعنى الثاني، ويكون معنى العبارة أنّ الجود بالشيء مع وجود الحاجة إليه هو أشرف أفراد الجود.

وإذا كان «الكرم» في العبارة بالمعنى الثاني فيمكن أن يكون «الإيثار» بأحد المعنيين الواردين، ويكون معنى العبارة أنّ الجود والسخاء أو الجود بالشيء مع وجود الحاجة إليه هو أشرف الأُمور الباعثة على كرامة صاحب الجود وعلوّ منزلته.

909 ـ الْخَيْرُ لا يَفْنى.

عمل الخير لا يفنى، وهو باق في الآخرة بلا فناء.

910 ـ الْشَّرُّ يُعاقَبُ عَلَيْهِ وَيُخْزى(2) .

الشرّ يُعاقب عليه صاحبه ويلحق به الخزي والفضيحة في الآخرة، وقد يحصل ذلك في الدنيا أيضاً.

911 ـ الأَعْمالُ ثِمارُ النِّيّاتِ .

الأعمال ثمار النيّات والمقاصد، يعني أنّ النوايا بمنزلة الأشجار، وأنّ الأعمال بمنزلة الثمار لتلك الأشجار، وكما أنّ الأشجار تُثمر ثمارها بأدنى رعاية وتعاهد، فإنّ النيّات هي كذلك أيضاً. فمن كانت نيّته في الخير صدر منه أفال الخير بيُسر وسهولة، ومن كان نيّته في الشرّ صدرت منه السيّئات والشرور، فالسعي الأهم يجب أن يكون في النيّات وتحسينها لأنّ الأعمال ثمارها التابعة لها.

912 ـ الْعِقابُ ثِمارُ السَّيِّئاتِ .

العقاب ثمار السيّئات، أي أنّ كلّ سيّئة بمنزلة شجرة تثمر ثمرة خاصّة، فإن بقي الذنب والسيّئة إلى وقت ظهور الثمر فإنّه سيُثمر ذلك الثمر الخاص ـ وهو العقاب ـ أمّا ظنّ الأمان باحتمال عدم حصول الثمر فمن الحماقة وقلّة العقل. وسبيل العلاج هو اقتلاع تلك الشجرة بالتوبة والندم قبل موعد إثمارها ليكون الشخص في أمان من ثمرتها.

913 ـ الْدُّنْيا مَصْرَعُ الْعُقُولِ .

الدنيا موضع مصرع العقول، تزّل فيها العقول وتنخدع بأدنى غفلة، فيجب رعاية كمال الخدر منها لئلاّ ينخدع العقل بشهواتها ولذّاتها فيُغلب ويُصرع.

914 ـ الْشَّهَواتُ تَسْتَرِقُّ الْجَهُولَ .

الشهوات تسترقّ الجاهل وتستعبده، أي أنّ الجاهل بمنزلة العبد المطيع المنقاد لشهواته ورغباته، لا يفكر أصلا بالعاقبة ولا بالسعي للآخرة.

915 ـ الإِنْصافُ زَيْنُ الإِمْرَةِ .

الإنصاف ـ وهو العدل كما سبق تحقيقه ـ زينة الإمرة والحكومة.

916 ـ الْعَفْوُ زَكاةُ الْقُدْرَةِ .

العفو والمغفرة زكاة القدرة على الانتقام. أي إذا كان لشخص ما قدرة على الانتقام ممّن أذنب في حقّه أو حصلت له قدرة على الانتقام، فإنّ زكاة هذه النعمة الّتي منحه الله تعالى إيّاها هي العفو عن ذلك للمذنب والتجاوز عن تقصيره. وكما انّ زكاة الأموال باعث على طيبها ونمائها فإنّ العفو أيضاً سبب في تزكية القدرة وطيبتها ونمائها.

917 ـ الْمَوْعِظَةُ نَصِيْحَةٌ شافِيَةٌ .

الموعظة ـ وهي ذِكر ما يلين قلب السامع من الثواب والعقاب وأمثال ذلك ـ نصيحة شافية، أي شافية من الأمراض النفسانية والروحانية. والغرض من الفقرة هو الترغيب في الموعظة وسماعها. والنصيحة ـ كما ذكرنا سابقاً ـ هي أن يعظ شخص شخصاً بما يدلّه على خيره وصلاحه، وأصله من «النصح» بمعنى الخلوص. ولا يبعد أن يكون قد ورد في تفسير الموعظة للإشارة إلى أنّ على الواعظ أن يكون خالصاً لا غرض له من تلك الموعظة إلاّ الهداية وإصلاح حال مَن يعظهم. فإن شابته شائبة من غرض آخر من الأغراض الدنيوية الّتي تعود له لم يكن لموعظته أثر ولا شفاء.

918 ـ الْفِكْرَةُ مِرْآةٌ صافِيَةٌ .

الفكرة مرآة صافية يتجلّى فيها سيماء وحُسن كلّ عمل أو قُبحه، فالنظر فيها في كلّ عمل أمر مفيد، بل لا تتجلّى صور سائر الحقائق والأسرار أيضاً إلاّ فيها، فلا يمكن إذاً تحصيل أيّ علم ومعرفة بدون النظر إليها.

919 ـ الْعَجَلَةُ تَمْنَعُ الإِصابَةَ .

العجلة في الأُمور تمنع إصابة الصلاح والصواب فيها، فيجب إذاً الصبر في كلّ عمل للتأمّل في عاقبته ومصالحه ومفاسده.

920 ـ الْمَعْصِيَةُ تَمْنَعُ الإِجابَةَ .

المعصية وعدم الانقياد للحقّ تعالى تمنع استجابة الدعوات وتحقّق المطالب، أي أنّ الغالب هو أنّ الدعاء لا يُستجاب مع المعصية.

921 ـ اللِّجاجُ بَذْرُ الشَّرِّ .

اللجاج ـ وهو معاداة الناس أو الإصرار على الأمر الباطل ـ بذر الشرّ الّذي لايُثمر إلاّ السوء.

922 ـ الْجَهْلُ فَسادُ كُلِّ أَمْر .

الجهل فساد كلّ أمر، أي أنّه يبعث على فساد كلّ أمر.

923 ـ الْيَأْسُ عِتْقٌ مُرِيْحٌ .

اليأس ـ من الخلق ـ عِتْق مُريح يُريح الإنسان من عناء السعي وحزن الانتظار المسبّب من الطمع.

924 ـ الإِحْتِمالُ خُلُقٌ سَجِيحٌ .

الاحتمال ـ لمضايقات الناس ـ خُلُق وخصلة من خصال الاعتدال واللين.

925 ـ الْقَناعَةُ أَهْنَأُ عَيْش .

926 ـ الْغَضَبُ يُثِيرُ الطَّيْشَ .

الغضب يُثير الطيش والنزق أو زوال العقل، ولذلك يجب التمسّك بالحلم واجتناب الغضب.

927 ـ الْفِكْرُ جَلاءُ الْعُقُولِ .

الفِكر جلاءُ العقول وسببٌ في زيادة نورها كالمرآة الّتي تُجلى وتُصقل.

928 ـ الْحُمْقُ يُوجِبُ الْفُضُولَ .

الحُمق وقلّة العقل يسبّب الاشتغال بما لا يعني المرء ولا ينفعه.

929 ـ اللَّهْوُ قُوتُ الْحَماقَةِ .

اللهو واللعب قوت وطعام الحماقة، فالحماقة لا قوام لها إلاّ لهو الحياة ولعبها.

930 ـ الْعُجْبُ رَأْسُ الْحَماقَةِ .

العُجب والغُرور رأس الحماقة، أي أنّه مقدّم على سائر علامات الحمق، أو أنّ الحمق لا تبقى بدونه كما انّ البدن لا يبقى بلا رأس.

931 ـ الْتَّواضُعُ زَكاةُ الشَّرَفِ .

التواضع ـ للناس ـ زكاة الشرف والعظمة، وهي واجبة على العظماء كزكاة المال، وهي سبب في نماء شرفهم وزيادته.

932 ـ الْعُجْبُ آفَةُ الشَّرَفِ .

العُجب والغرور آفة الشرف وسبب في نقصه أو زواله.

933 ـ الْتَّقْوى مِفْتاحُ الصَّلاحِ .

التقوى ومخافة الله تعالى مفتاح صلاح الحال، أي أنّه يمكن بواسطته تحصيل صلاح حال الدنيا والآخرة.

934 ـ الْتَّوفِيقُ رَأْسُ النَّجاحِ .

توفيق الله تعالى وتهيئته أسباب الخير للإنسان رأس النجاح والفوز بالخير والسعادة، وهو مقدّم على جميع أسباب النجاح.

935 ـ الْحَسَدُ يُضْنِي(3) الْجَسَدَ .

الحسد يهزل الجسد وينحله بسبب الغم والهم الّذي يلازمه.

936 ـ الْكَرَمُ بَرِيءٌ مِنَ الْحَسَدِ .

الكرم ـ وهو الجود والسخاء أو مطلق الإحسان ـ بريء من الحسد، والكريم لا يكون حسوداً.

937 ـ الْمَنايا تَقْطَعُ الآمالَ .

مرّ ذِكرها مكرراً.

938 ـ الأَمانِي هِمَّةُ الرِّجالِ .

الأماني همّة الرجال، أي أنّ الأماني والآمال الّتي يؤمّلها الرجال والّتي تناسبهم هي قصد أعمال الخير الّتي يهتمّون بها، أمّا سواها من الأماني فقبيحة لا تليق بالرجال.

939 ـ الْقَناعَةُ سَيْفٌ لا يَنْبُو .

القناعة سيف لا ينبو ولا يغلّ، وتشبيهها بالسيف باعتبار أنّه يمكن بها قطع الآمال والأماني والعناء في تحصيل الدنيا والآلام والأحزان الّتي تلزم من ذلك، فكأنّها سيف قطع، وأمر عدم نبوه ظاهر، بل كلّما استُعمل ازداد قطعاً.

940 ـ الإِيْمانُ شِهابٌ لا يَخْبُو .

الإيمان شهاب ـ أي شعلة ساطعة من النار ـ لا يخبو ولا ينطفىء.

941 ـ الْصَّبْرُ مَطِيَّةٌ لا تَكْبُو .

الصبر مطيّة لا تكبو ولا تعثر، فمن ركبها وامتطاها أمن من العثار والكبوة.

942 ـ الْعُيُونُ مَصائِدُ الْشَّيْطانِ .

العيون مصائد الشيطان وأحابيله الّتي يصطاد بها الناس، فيجب الحذر منها والتزام اليقظة.

943 ـ الإِيْثارُ أَعْلى الإِحْسانِ .

الإيثار ـ وهو الجود أو الكرم حين يكون الإنسان أحوج إلى ما يجود به لغيره ـ أعلى أفراد الإحسان والبرّ. وجاء في بعض النسخ لفظ «الإيمان» بدلا من «الإحسان»، فيكون معناه أنّ الإيثار هو أعلى مراتب الإيمان، أي أفضل صفات المؤمن.

944 ـ الْتَّوْفِيقُ عِنايَةُ الرَّحْمنِ .

التوفيق عناية الرحمن وتوجّهه، فمن نال عنايةً اكتسب بها التوفيق وتهيّأت له جميع أسباب الخير.

945 ـ الْقُدْرَةُ تُنْسِي الْحَفِيْظَةَ .

القُدرة تعني القوّة والغِنى والتمكّن، والحفيظة بمعنى الحميّة والغضب، ووردت أيضاً بمعنى منع النفس وزجرها عن المحرّمات والمنكرات. فإذا كانت «القدرة» في هذا الكلام المعجز في بلاغته بالمعنى الأوّل أمكن حمل «الحفيظة» على كلّ واحد من المعنيين المذكورين، ويكون المعنى بناءً على أوّلهما أنّ القدرة تمنع الحميّة والغضب، أي يجب أن تمنعها، وكلّما حصلت لشخص ما قدرة على الانتقام فإنّ عليه إزالة الحميّة والغضب عن نفسه والعفو عن ذنوب الناس وتقصيراتهم.

أمّا بناءً على المعنى الثاني فيكون معنى العبارة أنّ الغالب هو أنّ الإنسان عند قدرته على المعاصي ينسى منع نفسه وزجرها عن المحرّمات. فعلى الإنسان أن يكون على بيّنة من نفسه دائماً، وأن يرسّخ هذا المعنى في نفسه: أن يمنع نفسه ويزجرها عن المنكرات في وقت المقدرة، وإلاّ فإنّ أكثر الناس يكونون ـ عند عدم وجود القدرة ـ متّقين زاهدين. وإذا كانت «القدرة» بالمعنى الثاني فالظاهر أن تكون «الحفيظة» أيضاً بالمعنى الثاني، ويكون المراد أنّ القدرة تُنسي منع النفس وزجرها عن المحرّمات، أي انّ الأمر كذلك في الأغلب، فعلى الإنسان حين حصول القدرة أن يحفظ نفسه ويراقبها كي لا ينسى ذلك.

946 ـ الْعُجْبُ يُظْهِرُ الْنَّقِيْصَةَ .

العُجب والغرور يُظهر النقيصة والخصال الذميمة للشخص، أي أنّه دليلٌ على دنائته وخسّته.

947 ـ الْسُّلُوُّ حاصِدُ الشَّوْقِ .

السلوّ والنسيان حاصد الشوق، أي انّ نسيان الله عز وجل وعدم ذِكره يقطع الشوق إلى الطاعات والعبادات ولقاء الله تعالى ورضوانه ورحمته، وفي المقابل كلّما كان ذِكر الله تعالى أكثر ازداد ذلك الشوق لدى الذاكر.

948 ـ الْصِّدْقُ لِباسُ الْحَقِّ .

الصدق لباس الحق، وأهل الحقّ لا يخلعون هذا اللباس أبداً. وجاء في بعض النسخ «لِسانُ الْحَقِّ» وهذه الفقرة وفقاً لهذه النسخة قد مرّ ذكرها سابقاً، وقد ذكرنا في شرحها عدّة احتمالات لا يخلو كلّ واحد منها من استبعاد، ومن غير المستبعد أن يكون قد وقع هناك أيضاً سهو، وأنّ الصحيح هو «لباس» كما جاء في هذا الموضع في أغلب النسخ.

949 ـ الْهَوى قَرِينٌ مُهْلِكٌ .

الهوى قرينٌ مُهلك، أي مُفسد للآخرة، بل مفسد للدنيا أيضاً.

950 ـ الْعادَةُ عَدُوٌّ مُتَمَلِّكٌ .

العادة عدوّ متملّك للشخص، أي انّ اعتياد الشخص على العمل السيّء عدوّ له يتملّكه ويجعله بمثابة العبد المطيع المنقاد له، ولا يمكن للشخص ترك ذلك العمل السيّء الّذي اعتاد عليه إلاّ بالمشقّة التامّة. فعلى الإنسان أن يسعى في اجتناب الاعتياد على الأُمور السيّئة.

ومن الممكن أن يكون لفظ «مُتَمَلَّكٌ» بفتح اللام، فيكون المعنى أنّ الاعتياد على العمل السىّء عدوّ ملكه الشخص، فكأنّه قد اشترى لنفسه عدوّاً.

951 ـ الْعاقِلُ مَهْمُومٌ مَغْمُومٌ .

العاقل مهموم مغموم، أي من أجل آخرته.

952 ـ الْتَّكَرُّمُ مَعَ الإمْتِنانِ لُؤْمٌ .

التكرّم مع الإمتنان لؤم، أي بُخل أو دناءة أو لوم، أي انّ مثل هذا الكرم هو بُخل في حقيقة الأمر أو ناشيء عن الدناءة والضَّعة، أو يكون سبباً في لوم الناس لهذا المتكرّم. وباعتبار ورود صيغة التفعّل «التكرّم» بمعنى نسبة الفعل إلى النفس كما انّ «المتطبّب» يُقال لمن ينسب نفسه إلى الطبابة وليس بطبيب، فلا يُستبعد أن يكون لفظ التكرّم هنا بهذا المعنى، وأن يكون فيه إشارة إلى أنّ الكرم المقرون بالمنّة هو في حقيقته نسبة الكرم إلى النفس غير الكريمة.

ويمكن أن يكون «التكرّم» قد ورد بمعنى قبول الكرم من شخص، فيكون المعنى ـ بناءً على ذلك ـ أنّ قبول الكرم المقرون بالمنّة من اللؤم، بأحد المعاني المذكورة.

953 ـ الْحَزْمُ حِفْظُ الْتَّجْرِبَةِ .

الحزم ـ وهو ضبط الأمر ـ حفظ التجربة، أي أنّ على الحازم أن يتذكّر التجارب الّتي مرّ بها ليفيد منها حين يحتاج إليها، أو أنّ المراد هو أنّ على الحازم أن يجرّب لكي يكون له في كلّ أمر تجربة يحفظها لكي تنفعه في ذلك الباب.

954 ـ الْتَّوْفِيقُ أَفْضَلُ مَنْقَبَة .

المنقبة هي الصفة الدالّة على الرياسة والجلالة. والمراد هو أنّ أفضل المناقب هو توفيق الله تعالى للشخص، فيجب إذاً السعي في طاعته والانقياد له لكي يكون التوفيق مرافقاً للشخص، وفي ذلك منقبة لا تلحقها منقبة.

955 ـ الْشَّرَفُ اصْطِناعُ الْعَشِيرَةِ .

الشرف ـ وهو علوّ المرتبة ـ الإحسان إلى العشيرة.

956 ـ الْكَرَمُ احْتِمالُ الْجَرِيْرَةِ .

الكرم والجود أو الإحسان وعلوّ المرتبة احتمال الجريرة والتقصير، أي في الإعراض عن الذنب وعدم الانتقام من المذنب. والمراد هو أنّ ذلك أهم وأفضل أقسام الإحسان أو مطلق البرّ.

957 ـ الْغَضَبُ نارُ الْقُلُوبِ .

الغضب نار القلوب، فإذا اشتعلت لم تسلم من ضررها، فيجب إطفاؤها بماء الحلم والأناة.

958 ـ الْحِقْدُ أَلأَمُ الْعُيُوبِ .

959 ـ الأَدَبُ أَحْسَنُ سَجِيَّة .

960 ـ الْمُرُوَّةُ(4) اجْتِنابُ الْدَّنِيَّةِ .

المروءة والرجولة في اجتناب الصفات الدنيئة والخصال والأفعال الرذيلة لأنّها تبعث على نقصان الشخص.

961 ـ الْخِيانَةُ رَأْسُ النِّفاقِ .

الخيانة رأس النفاق، وهي مقدّمة في السوء على كلّ نفاق أو على سائر أركان النفاق. والنفاق هو عدم مطابقة ظاهر الشخص لباطنه، وقد مرّ ذكره سابقاً.

962 ـ الْكِذْبُ شَيْنُ الأَخْلاقِ .

الكذب شين الأخلاق وعيبها، أي أنّه أسوأ من جميع الخصال الذميمة، أو أنّ الكذب يجعل جميع أخلاق الإنسان سيّئة مهما كانت حميدة. سيّئة، ويشينها كلّها.

963 ـ الإِنْصافُ أَفْضَلُ الْشِّيَمِ .

الإنصاف والعدل أفضل الشيم والخصال وأحسنها.

964 ـ الإِفْضالُ أَفْضَلُ الْكَرَمِ .

الإفضال (وهو الإحسان والإنعام إلى الناس) أفضل الكرم.

965 ـ الْعافِيَةُ أَهْنَى النِّعَمِ .

العافية (وهي السلامة من المرض والبلاء) أهنى النعم.

966 ـ الْرِّفْقُ أَخْو الْمُؤْمِنِ .

الرفق والليّن والعطف أخو المؤمن لا ينفصل عنه.

967 ـ الْعَمَلُ رَفِيقُ الْمُوقِنِ .

العمل بالأوامر الإلهيّة رفيق الشخص الموقن بالمبدأ والمعاد.

968 ـ الْعَقْلُ أَشْرَفُ مَزِيَّة .

969 ـ الْعَدْلُ أَشْرَفُ سَجِيَّة .

970 ـ الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسانِهِ .

المرء مخبوء تحت لسانه، فما لم يتكلّم لم يظهر قدره ومرتبته وعيبه وفضله.

971 ـ الْكَرِيْمُ مَنْ بَدَأَ بإِحْسانِهِ .

الكريم من بدأ بإحسانه، أي من أعطى قبل أن يُسئل، أو مَن أحسن قبل أن يحسن إليه أحد، أمّا الإحسان إلى مَن أحسن فليس كرماً.

972 ـ الْمَعْرُوفُ ذَخِيرَةُ الأَبَدِ .

المعروف والإحسان إلى الناس ذخيرة الأبد، أي الذخيرة والزاد الباقي دائماً، أو ذخيرة الآخرة الباقية دوماً.

973 ـ الْحَسَدُ يُذِيبُ الْجَسَدَ .

الحسد يُذيب الجسد بسبب الحزن والهمّ الّذي يسبّبه الحسد.

974 ـ الْحِرْصُ عَناءٌ مُؤَبَّدٌ .

الحرص والطمع عناء مؤبّد، لأنّ الحريص لا يقنع بأيّ مرتبة، ومهما حصل على شيء أراد الزيادة عليه، فهو في عناء وتعب دائمين.

975 ـ الْطَّمَعُ رِقٌّ مَخَلَّدٌ .

الطمع رقّ وعبوديّة مخلّدة، لأنّ صاحب الطمع يخضع لمن يطمع فيه كالعبد، وليس لطمعه نهاية، كلّما توصّل إلى شيء طمع في شيء آخر، فهو دائماً في عبودية أحد ما.

976 ـ الْتَّواضُعُ أَشْرَفُ السُّؤْدَدِ .

التواضع (يعني في ساحة الحقّ تعالى وأمام الناس كذلك) أشرف السؤدد العظمة، أي أنّه سبب في نيل أشرف السؤدد وأفضل أنواع العظمة .

977 ـ الْبِرُّ غَنِيمَةُ الْحازِمِ .

البرّ (وهو صلة الناس والإحسان إليهم، أو مطلق الإحسان والخير) غنيمة الحازم، أي أنّ الحازم يعدّه غنيمة ونفعاً عظيماً ينفعه في العاقبة.

978 ـ الإِيْثارُ أَعْلى الْمَكارِمِ .

الإيثار ـ وهو الجود، أو الجود بالشيء عند الحاجة إليه ـ أعلى المكارم والصفات الّتي يفضل بها الإنسان على سواه.

979 ـ الْتَّفْرِيطُ مُصِيْبَةُ الْقادِرِ .

التفريط ـ وهو التقصير ـ مصيبة القادر المتمكّن، أي أنّ كلّ من قصّر في عمل من أعمال الخير مع وجود القدرة على فعل ذلك العمل، كان تقصيره مصيبة له يوم القيامة وأورثه كمال الحزن والألم.

980 ـ الْقَدَرُ يَغْلِبُ الْحاذِرَ .

القدر ـ يعني قضاء الحقّ تعالى وتقديره ـ يغلب الحاذر. والمراد هو أنّ الحذر لا نفع له أصلا، وأنّ كلّ ما قدّره الحقّ تعالى واقع بلا محالة، وكل ما لم يقدّره الحقّ لا يقع.. فالحذر لا نفع له أصلا كما يظنّ بعض الناس، لأنّ الأمر بلزوم الحذر والمنع من إلقاء النفس في التهلكة ظاهر في القرآن الكريم وفي أحاديث كثيرة، كما أنّ الدعاء والتصدّق وأمثال ذلك ـ كما وارد في أحاديث كثيرة ـ يدفع البلاء ويزيد في العمر، وهذا مناف للقول المذكور.

وجواب هذه الشبهة أنّ الحقّ تعالى جعل التقدير في بعض المواضع مشروطاً بأنّ الأمر الفلاني إذا وقع فإنّ هذا الأمر المعيّن سيقع، وإذا لم يقع ذلك الأمر لم يقع هذا الأمر. فمثلا جرى التقدير بأنّ شخصاً إذا ألقى بنفسه من على سطح داره فإنّه يموت، وإذا لم يُلقِ نفسه لا يموت، فلذلك توجّب أن لا يلقي أحد بنفسه عمداً من على سطح داره وحذّر من ذلك، فإن لم يحذر الإنسان فإنّه سيكون قد أهلك نفسه بنفسه. وكذلك قدّر أنّه إذا تصدّق الإنسان أو دعا فإنّه ينجو من المرض الفلاني أو البلاء الفلاني، وإن لم يفعل اُبتلي بذلك، فيكون الدعاء أو التصدّق نافعاً في ذلك المورد ويكون الحذر مؤثراً فيه.

فيكون المراد إمّا أنّ الحذر الزائد عن المعتاد لا نفع فيه في غلبة تقدير الحقّ تعالى، بل يكفي الحذر الّذي أُمر به الإنسان شرعاً بالاحتراز عمّا يكون مظنّة للشرّ، وإمّا أن يكون الحذر ممّا استحسنه الشرع، كالاحتراز عن البليّات بالدعاء والتصدّق وأمثال ذلك، أمّا ما زاد على ذلك فلا نفع فيه ممّا يُعتدّ به، وإمّا أنّ المراد أن حذر الإنسان لا نفع فيه في المواضع الّتي لا يُستحسن الشرع الحذر فيها، لأنّ الله تعالى إذا أراد شيئاً فإنّ تقديره غالب على تدبير الإنسان، وانّ ما يحذر منه الإنسان سيُدركه مهما حذر منه واجتنبه، وانّ حذر الإنسان لن يعود عليه بغير الضرر والخُسران.

فمثلا لو امتنع شخص عن الذهاب للحجّ أو للجهاد من أن يُقتل أو أن تصيبه آفة، فإنّ ذلك ليس معقولا مع وجود أمر الحقّ تعالى بذلك، لأنّه لو شاء الله تعالى لهذا الشخص أن يُقتل أو أن تصيبه آفة لأصابه ذلك ولو تحصّن بحصن حديدي. فالحذر من تنفيذ أمر مثل هذا الآمر والفرار منه هو عين الحمق والجهل، ولن يعود على الإنسان بغير الوزر والوبال. بل يجب أن يُعلم أنّ ما أمر به تعالى هو عين نفع هذا الشخص وصلاحه، وأنّه لو أصابه بسبب ذلك ضرر بحسب الظاهر، فإنّ نفعه ـ في الحقيقة ـ في ذلك، وأنّه سينال عوض ضرره أضعافاً مضاعفة، وأنّه لو عصى فإنّ من الممكن أن يصيبه ذلك الضرر مضافاً إلى وزر العصيان ووباله، وعلى تقدير أنّه سيبقى ـ بسبب عصيانه ـ سالماً من ذلك الضرر، فإنّه سيكون قد حرم نفسه يقيناً ممّا فيه نفعه وصلاح حاله، وأنّه سيندم يوم الجزاء ويتحسّر على ذلك.

فالحذر والفرار من شخص ما سيكون معقولا لو أراد ذلك الشخص الإضرار بالإنسان، ولو لم يكن لذلك الشخص ـ على تقدير الفرار والحذر منه ـ سلطة على الإنسان، لأنّ مثل ذلك الشخص قد يكون غرضه مجرّد الإضرار، وقد يكون الحذر والفرار منه سبباً في النجاة والسلامة منه، أمّا الحقّ تعالى القادر علىكلّ شيء والّذي لا يُتصوّر منه قصد الإضرار، فإنّ الحذر من أمره والفرار منه هو عين الجهل وسببٌ للخزي والفضيحة.

ويمكن أن يكون المراد أنّ قدر الحقّ تعالى حيثما قُدّر حصول الأمر حتماً يغلب الحاذر وأنّ الحذر آنذاك لا ينفع، فعلى الإنسان أن لا يظنّ في كلّ بلاء ومصيبة أنّه لو دبّر التدبير الفلاني لما أصابه ما أصابه كما هي طريقة أكثر العوام، حيث أنّهم يحزنون لذلك حزناً كثيراً في كلّ بلاء ومصيبة، والله تعالى يعلم.

981 ـ الأطْرافُ مَجالِسُ الأَشْرافِ .

الأطراف مجالس الأشراف والأجلاّء، لأنّهم لا يهتمّون بالجلوس في صدر المجلس، ويجلسون حيثما وجدوا فسحة في المجالس لا يضيّقون فيها على أحد من الناس. ويمكن أن يكون المراد شاملا للبيت أيضاً، إذ أنّ الأشراف يُقيمون في أكثر الأوقات في أطراف المدن باعتبار خلوتها وابتعادها عن الزحام.

982 ـ الْوَرَعُ ثَمَرَةُ الْعَفافِ .

الورع ثمرة العفاف. ولا يخفى أنّ «الورع» ـ كما يقول أصحاب اللغة ـ بمعنى التقوى أو الخوف من الله عز وجل ، وأنّ «العفاف» بمعنى كفّ النفس عمّا لا يحلّ، وهذا هو عين معنى التقوى، وهو مترتّب على مخافة الله.

وعلى كلّ تقدير فإنّ كون الورع ثمرة العفاف فيه إشكال، إلاّ أن يكون المراد هو أنّ الورع يكون سبباً لازدياد الخوف والخشية من الله عز وجل ، وعدمه يسبّب زوال ذلك وضعفه، فعلى الإنسان ترك العصيان رأساً، كى يبقى في قلبه الخوف من الله تعالى، ليمنعه من الشفاء والخسران، وإلاّ فبمجرّد العصيان مرة أو أكثر فسوف يخرج من قلبه الخوف من الله تعالى وسوف لا يرتدع من أيّ ذنب وسيشقى بشقاء الأبد.

ويمكن أن يراچ من العفاف خصوص عفّة البطن والفرج، وهي وإن كانت في اللغة أعمّ من ذلك ـ كما ذكر ـ لكن كثر استعمالها فى هذين، وعليه يكون المعنى انّ عفة البطن والفرج سبب للورع والتقوى في أيّ مجال كان، فالورع التام ثمرة تلك العفّة، ويؤيّده ما ورد في كثير من الروايات من انّه لا عبادة أفضل من عفّة البطن والفرج، بل ربما يكون هو سرّ الأفضلية.

983 ـ الْكُتُبُ بَساتِينُ الْعُلَماءِ .

الكتب بساتين العلماء، يبتهجون ويسرّون بمطالعتها كما يبتهج سواهم عند التنزّه في البساتين.

984 ـ الْحِكَمُ رِياضُ الْنُّبَلاءِ .

الحِكم والعلوم رياض النبلاء (وهم الأذكياء أو النجباء).

985 ـ الْعُلُومُ نُزْهَةُ الأُدَباءِ .

العلوم نُزهة الأُدباء، أي نُزهة الّذين يُحسنون تعلّم ما يسمعون وما يرون. وذكرنا قبلا أنّ استعمال النزهة في هذا المعنى شائع، غاية الأمر أنّ بعض أصحاب اللغة عدوّا ذلك خطأ. وعلى تقدير التسليم بصحّة قولهم يؤول استعمالها في هذا المعنى على سبيل المجاز، وقد ذكرنا ذلك فلا داعي للإعادة.

986 ـ الْحِلْمُ فِدامُ السَّفِيهِ .

الحِلم فِدام السفيه ـ والفِدام هو ما يُشدّ على فم الإبريق ونحوه ـ فإذا تكلّم الأبله السفيه بالهذر وحلم السامع عنه وتغاضى عنه، صمت السفيه وأغلق فمه، وإن أجابه السامع استمرّ ولجّ في هذره وساء الحال.

وتخصيص هذا المعنى في السفيه ـ مع أنّه يصحّ في غيره أيضاً ـ باعتبار أنّ غير السفيه قد يلتفت إلى قبح مقاله فيكفّ، خلافاً للسفيه الّذي كلّما أجبته تكلّم بكلام أقبح وأسوأ، أو إشارة إلى أنّ من يتكلّم بالهذر في حُكم السفيه والأبله، لأنّه لو لم يكن سفيهاً لما تكلّم بالهذر وآذى الناس.

987 ـ الْوَرَعُ شِيْمَةُ الْفَقِيْهِ .

الورع شيمة الفقيه وخصلته، والفقيه هو العالم بالأحكام الشرعية.

988 ـ الأَدَبُ صُورَةُ الْعَقْلِ .

الأدب صورة العقل وشبهه، فلو شاء أحد النظر في عقل شخص ما ودرايته فإنّه ينظر إلى أدبه، فإنّ عقله بقدر أدبه. و «الأدب» هو حسن السلوك ومحاسن الأوضاع والأطوار لدى شخص في الأقوال والأفعال، وكذلك ورد بمعنى حُسن التعلّم. والمعنى الأوّل أنسب في هذه الفقرة. وكذلك ورد «الأدب» بمعنى الذكاء والظرافة أيضاً، وهي أيضاً عين العقل الّذي قيل أنّ الأدب هو صورته، وهو إذاً لايُناسب هذا المعنى.

989 ـ الأَمَلُ حِجابُ الأَجَلِ .

الأمل حجاب الأجل، أي أنّه لا يدع صاحبه يفكّر في الموت ويُعدّ نفسه له، فكأنّ الأمل حجاب يغطّي الأجل ويستره.

990 ـ الأَدَبُ كَمالُ الْرَّجُلِ .

الأدب كمال الرجل. و «الأدب» هنا يمكن أن يكون بكلّ واحد من المعاني الثلاثة الواردة في الفقرة السابقة.

991 ـ الْمَرْءُ لا يَصْحَبُهُ إِلاّ الْعَمَلُ .

المرء لا يصحبه إلاّ العمل، فعليه إذاً أن يكون كمال سعيه في حسن عمله الّذي سيكون رفيقه وقرينه بعد مفارقته لهذه الدنيا، وليس فيما تكون نهاية مصاحبته ورفقته مدى أيام العمر القليلة.

والمراد بكون العمل مصاحباً أنّ أثره من النفع والضرر سيكون باقياً وملازماً لصاحبه. ويمكن أن يحمل ذلك على ظاهره، وبناءً على ما ورد في الأحاديث فإنّ عمل هذا الشخص سيتجسّم ويتصوّر له في قبره ويبقى معه في قبره ويوم حشره إلى أن يُعرض على الله عز وجل (5)، ويتصوّر في صورة شخص في كمال الحسن وجمال المنظر وطيب الرائحة يبشّره بروح وريحان وجنّة نعيم، ويتصوّر العمل القبيح في صورة أقبح خلق الله تعالى وأنتنهم رائحة يبشّره بالحميم والجحيم، نعوذ بالله تعالى منه.

ولا يخفى أنّ تجسّم الأعمال الّتي هي أعراض عديدة انعدمت بحيث أنّ عين ذاتها تصبح شخصاً مجسّماً لا يُتعقّل بحسب الظاهر. ولا يبعد أن يكون المراد هو أنّ الحقّ تعالى يخلق بأزاء العمل الحسن وبسببه شخصاً حسن الهيئة، ويخلق بأزاء العمل القبيح وبسببه شخصاً قبيح الهيئة، فيصاحب كلّ منهما صاحب ذلك العمل ويبشّرانه بالأخبار المفرحة أو المحزنة، والله تعالى يعلم.

992 ـ الْتَّكَبُّرُ فِي الْوِلايَةِ ذُلٌّ فِي الْعَزْلِ .

التكبّر على الناس في زمن الولاية والحكومة ذلٌّ في وقت العزل، أي يكون سبباً في الذلّ بعد العزل، لأنّ الناس الّذين شاهدوا تكبّر هذا الشخص في ذلك الوقت وأُجبروا على تحملّه سيكونون بعد عزله في صدد الانتقام منه بإذلاله وإهانته.

وعلى تقدير أنّ الناس لا ينتقمون من هذا الشخص، فإنّ من المعلوم أنّه بعد عزله لن يكون بإمكانه أن يستمرّ في سلوكه السابق ويتوجّب عليه تغيير سلوكه، وفي ذلك كفاية في ذلّه، فعليه في زمن حكومته وولايته أن يسلك مع الناس سلوكاً يمكنه الاستمرار فيه إذا عُزل عن منصبه.

993 ـ الْتَّعَزُّزُ بِالتَّكَبُّر ذُلٌّ .

التعزّز بالتكبّر ذلّ; أي أنّ ما يتصوّره البعض من أنّهم يصبحون أعزّاء بتكبّرهم على الناس هو تصوّر خاطىء، بل التكبّر سبب فى ذلّهم وباعث في ذمّ الناس لهم وغيبتهم لهم، وسبب فى أن يكون كلّ فرد من أفراد الناس في صدد مجازاة تكبّر هذا الشخص والسعي في إذلاله. هذا في الدنيا، أمّا الذلّ والهوان الّذي سيلحقه في الآخرة فله شآنه المنفصل، لأنّ التكبّر من الصفات الذميمة جداً بحسب الشرع المقدّس، وعقابه معلوم، والذل والهوان الّذي سيلحق صاحبه معلوم، حيث ورد في بعض الأحاديث أنّ الحقّ تعالى يحشر المتكبّرين في يوم الجزاء في هيئة النمل، فيسحقهم الناس بأقدامهم حتى يفرغ الجميع من الحساب، ثمّ يُحاسب هؤلاء المتكبّرين، وغير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا الباب.

994 ـ الْتَّكَبُّرُ بِالدُّنْيا قُلٌّ .

التكبّر بسبب الدنيا والعلوّ فيها قُلّ، أي من قلّة البصيرة ودنائة الفطرة، ومن كان له أدنى علوّ في فطرته يعلم أنّ الدنيا ليس لها قدر ولا مقدار، ولا ثبات ولا بقاء بحيث يمكن أن تكون سبباً للتكبّر.

995 ـ الْعِلْمُ أَصْلُ الْحِلْمِ .

العلم أصل الحلم، والحلم من فروع العلم وأغصانه.

996 ـ الْحِلْمُ زِيْنَةُ الْعِلْمِ .

الحلم زينة العلم وسبب في جماله ورونقه.

997 ـ الْحَسُودُ لا شِفاءَ لَهُ .

الحسود لا شفاء له; أي أنّه لا يشفى من مرض الحزن والهم اللازم للحسد ولا يبرأ، بل كلّما نال أحد نعمة في يوم من الأيّام سبّب ذلك حزنه وغمّه، وأضحى يحترق في همّه وغمّه. فإن هو أراد الشفاء من ذلك المرض المعضل والداء الوبيل فعليه إزالة الحسد من نفسه بقانون العقل والحكمة ومنهاج التأمّل والفكرة.

998 ـ الْخائِنُ لا وَفاءَ لَهُ .

الخائن لا وفاء له، وقد ذُكرت هذه الفقرة وجرى شرحها قبلا، فلا داعي للإعادة.

999 ـ الْحَقُودُ لا راحَةَ لَهُ .

صاحب الحقد لا راحة له، لأنّ من له هذه الصفة والخصلة لا يمرّ عليه وقت إلاّ وفي قلبه ضغن وحقد علد أحد، وفي نفسه فكر الانتقام من ذلك الشخص، فهو دوماً في تعب ونَصَب.

1000 ـ الْمُعْجِبُ لا عَقْلَ لَهُ .

المعجب بنفسه لا عقل له، فالعُجب والغرور من قلّة العقل والفطنة.

 

 

الهوامش:

(1) تسلسل هذا الحديث هو 904، لكنه ورد في الكتاب بهذا التسلسل خطأً، واستمر تسلسل باقي الأحاديث على هذا المنوال.

(2) ورد في طبعة صيدا بلفظ «يُجزى»، وفي طبعة دمشق بلفظ «يبلى»، وفي طبعة بمبي كما في المتن.

(3) كذا صريحاً بخطّ المصنّف(رحمه الله)، وهو كذلك في طبعة دمشق (ص 30، ص2) وفي طبعة صيدا (ص 12، س 1)، أمّا في طبعة بمبي (ص 23، س 10) فقد جاء بلفظ «يفني» بالفاء، وكذلك الحال في إحدى النسخ الخطّية.

قال ابن الأثير في «النهاية»: «في الحديث أنّ مريضاً اشتكى حتّى أصابه الضناء ـ وهو شدّة المرض ـ حتّى نحل جسمه». وصرّح الطريحي(رحمه الله) في «مجمع البحرين» بمثل هذه العبارة أيضاً، لكنّه يحتمل قويّاً، بل يمكن القول بظنّ متاخم للعلم أنّ العبارة كانت «ينضي» ـ بتقديم النون على الضاد ـ وقد صرّح جميع أرباب اللغة بمعناه المناسب هنا، فقال ابن الأثير في «النهاية»: «في الحديث: إنّ المؤمن لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره، أي يهزله ويذهب بلحمه ويجعله نضواً. والنضو ـ بالكسر ـ الدابة الّتي هزلتها الأسفار وأذهبت بلحمها، ومنه حديث عليّ(عليه السلام): ألا أُعلّمكم كلمات لو رحلتم فيهنّ المطيّ لأنضيتموهنّ، وحديث ابن عبدالعزيز: أنضيتم الظهر أي هزلتموه». وصرّح الطريحي في مجمع البحرين والزبيدي في تاج العروس بمثل هذه العبارة. فالإنضاء الّذي هو مصدر من باب إفعال من مادة «ن ض و» بمعنى الإهزال. و «ينضي» هنا مضارع من ذلك الباب بلا شبهة ولا إشكال، والحمد لله على كلّ حال.

(4) ورد لفظ «المروّة» في شرح المصنّف(رحمه الله) بخطّه صريحاً، أمّا في طبعة بمبي (ص 24، س 1) وفي طبعة صيدا (ص 12، س 8) فقد ورد بتشديد الواو وهو من إعلال كلمة «المروءة»، أمّا في طبعة دمشق (ص 30، س 11) فقد وردت كلمة «المروءة» ـ بتخفيف الواو وبعدها الهمزة ـ مطابقة للأصل، وهو الأصح.

(5) إعلم أنّ الأحاديث الدالّة على تجسّم الأعمال نُقلت في أبواب متفرقة في كتب الحديث، ويمكن للراغب الرجوع إليها في مظانّها، ولكن نقل معظمها في كتب الأخبار المعتبرة في باب «إدخال السرور على المؤمن»، وإنّ الرجوع إلى الباب المذكور كاف لأهل الاكتفاء، ويشبه مضمون الحديث المذكور في المتن في بعض الجهات هذا الحديث الشريف الّذي نقله الصدوق رضوان الله عليه في «الخصال» في باب «الثلاثة» بهذه العبارة (ص56 النسخة المطبوعة سنة 1302 في ايران): «حدّثنا أبي(رضي الله عنه) قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه(عليهم السلام) قال: قال عليّ(عليه السلام): إنّ للمرء المسلم ثلاثة أخلاّء، فخليل يقول له: أنا معك حيّاً وميتاً، وهو عمله، وخليل يقول له: أنا معك إلى باب قبرك ثمّ أُخليك، وهو ولده، وخليل يقول له: أنا معك إلى أن تموت، وهو ماله، فإذا مات صار للوارث.