1001 ـ الْمُلُوكُ لا مَوَدَّةَ لَهُ .
الملك لا مودّة له، فهو إذا كان بينه وبين أحد مودّة فإنّه ينساها بأدنى تقصير ويغضب على ذلك الشخص، فيجب عدم الاعتماد على مودّة الملوك وشفقتهم وفسح المجال للتساهل والتقصير في خدمتهم.
ولا يخفى أنّ «الملوك» بفتح الميم بمعنى المَلِك، وهو وإن كان محتملا إلاّ أنّه غير متعارف وغير معهود، والظاهر أنّه بضمّ الميم، أمّا كلمة «له» فسهوٌ من النسّاخ، والصحيح «لهم»، أي لا وفاء للملوك.
1002 ـ الاَْمَلُ لا غَايَةَ لَهُ .
الأمل لا نهاية له، فمن فتح على نفسه باب الأمل في الناس فإنّ كلّ أمل يحصل له يعقبه أمل آخر، وسيبقى دوماً في محنة تعب السعي والانتظار.
1003 ـ الْخائِفُ لا عَيْشَ لَهُ .
الخائف لا عيش له، فيجب أن لا يعمل الشخص عملاً يبعث على الخوف والقلق، ويجب عدم البقاء في مكان لا يتوفّر فيه الأمان من دون ضرورة.
1004 ـ اللَّئِيمُ لا مُرُوَّةَ لَهُ .
اللئيم ـ يعني البخيل أو الدنيّ المرتبة ـ لا مروءة له، أي لا رجولة ولا آدميّة له.
1005 ـ الْفاسِقُ لا غِيبَةَ لَهُ .
الفاسق لا غيبة له، أي أنّ غيبته لا قصور ولا عيب فيها. ويجب حمل ذلك على الفاسق المتجاهر بالفسق المُعلن له، وغيبة مثل هذا الشخص في ذلك السبيل ليست حراماً ولا عيب فيها. أمّا الفاسق الّذي يخفي فسقه عن الناس ولا يتجاهر بالفسق فإنّ أحداً إذا اطّلع على ذلك لم يمكنه اغتيابه، إلاّ أن يكون هناك أمر يجوّز الغيبة، كأن يقصد أن يصل الخبر إليه فيكون باعثاً على اقلاعه وأن يحتمل أن يقلع بسبب ذلك عن فسقه.
وإذا تجاهر شخص بفسق ما وأخفى فسقاً آخر ولم يتجاهر به، جازت غيبته في ذلك الفسق الّذي تجاهر به ولم تَجُز غيبته في فسقه الّذي تكتّم عليه وأخفاه، وقد مضت الإشارة إلى ذلك سابقاً. وإنّ تفصيل أحكام الغيبة مذكورة بتفصيلها الّذي ينبغي لها في الرسالة الّتي دوّنها زبدة العلماء المتورّعين الشيخ زين الدين رحمه الله تعالى في باب الغيبة(1)، فمن شاء رجع إليها، ولا مجال في هذا الكتاب لذكر تفصيل ذلك.
1006 ـ الْمُرْتابُ لا دِينَ لَهُ .
المرتاب ـ وهو صاحب الشكّ ـ لا دين له، أي في الأمور الّتي يجب الاعتقاد بها يقيناً في الدين، ولما كان الدين ينتفي بإنكارها كما أنّه لا دين عند الشكّ بها، سواءً بعنوان تساوي الطرفين أو بعنوان رجحان طرف على آخر.
ويمكن أن يكون «المرتاب» هو صاحب القلق والاضطراب، والمراد هو أنّ صاحب القلق والاضطراب في العبادات لا دين له، فصاحب الدين يجب أن تكون طاعاته وعباداته قائمة على الاطمئنان والسكينة. أو أنّ المراد هو أنّ من يجزع ويضطرب في المصائب والنوائب لا دين له، لأنّ دين الشخص إذا كان كاملا فإنّه سيعلم أنّ ما يقع له من دون اختيار هو خير له، وأنّ الجزع والقلق والاضطراب بسببه ليس معقولا.
1007 ـ الْشَّاكُّ لا يَقِينَ لَهُ .
لا يخفى أنّ أمر كون الشاكّ لا يقين له هو ـ بحسب الظاهر ـ أمر لا يحتاج إلى بيان وتوضيح، لأنّ «اليقين» هو ما لا يرد احتمال الخلاف فيه بوجه من الوجوه، فإذا ما شكّ شخص في أمر فذلك يعني أنّه يعدّ طرفَي ذلك الأمر متساويين، كما هو المعنى المتعارف للشكّ، أو أن يكون له تردّد في الجملة ولو كان أحد الطرفَين راجحاً كما يستعمل الشكّ في هذا المعنى أحياناً. وعلى كلّ تقدير فالظاهر أنّ هذا الشاكّ لا يقين له في ذلك الباب، ولا خفاء في ذلك بحيث يحتاج إلى بيان وتنبيه.
ويمكن أن يكون المقصود هو أنّ الشاكّ ـ يعني الشخص الّذي اعتاد على الشكّ لا يقين له في أيّ باب، أو في أكثر المطالب والأمور، فعلى المرء ـ إذاً ـ تعويد نفسه على تحصيل اليقين في كلّ مطلب وعلى عدم الوقوف على الشكّ، فإنّه لو اعتاد على ذلك لبعثه هذا الأمر على البقاء على الشكّ في أكثر المواضع وعلى عدم نُشدان اليقين.
أو أن يجعله الطبع والذهن الّذي اعتاد على الشكّ لا يصل إلى اليقين في أغلب المواضع، ومهما كان الحكم واضحاً وكان العقل المستقيم السليم يحصل له اليقين فيه، لكن الشكوك والاحتمالات المخالفة للبديهة ستحصل، فلا يحصل له اليقين بذلك الاعتبار. فيجب على الشخص في بدء الأمر عدم تعويد نفسه على الشكوك والشبهات، وأن لا يفكّر في المسائل الّتي هي محلّ لتلك الشكوك والشبهات، حيث قال أحد الحكماء في آداب التعليم: يجب الابتداء بالعلوم اليقينيّة الّتي لا يطرأ عليها شك ولا شبهة، مثل الهندسة والحساب، ليعتاد الذهن على اليقين.
ويمكن أن يكون المراد بـ «اليقين» هو الدين، موافقاً للفقرة السابقة حسب المعنى الأوّل الّذي ذُكر لها، ويكون في التعبير عن «الدين» بـ «اليقين» إشارة إلى أنّ الدين يجب أن يكون بعنوان اليقين، إذ لا يكفي الظنّ والتقليد فيه.
أو أنّ المراد بـ «اليقين» هو العِلم، ويكون المراد هو أنّ الشاكّ لا علم له، أي أنّ العلم النافع من العلوم الدينية هو المبتني على اليقين والثابت بالدليل والبرهان، والّذي لا يطرأ عليه الشكّ بوجه من الوجوه، والتعبير عن العلم بـ «اليقين» إشارة إلى هذا المعنى وتأكيد عليه. فإن قال قائل: يتوجّب ـ بناءً على هذا ـ أن يُحصل على اليقين في العلم بالفروع الفقهية أيضاً، مع أنّ المشهور بين العلماء ـ بل إجماعهم على ذلك ـ هو أنّ الظنّ كاف للمجتهد، وليس هناك من تحصيل لليقين في ذلك؟
نقول في الإجابة: يمكن تخصيص الكلام في غير العلم بالفروع; وعلى تقدير عدم تخصيصه نقول بأنّ اكتفاء المجتهد بالظنّ هو بناءً على أنّهم أثبتوا في علم أصول الفقه وجوب العمل بما يتعلّق به ظنّ المجتهد إذا لم يتيسّر احراز اليقين، وهذا المعنى صار لهم يقينيّاً. وبناءً على ذلك فإنّ كلّ حكم يظنّه المجتهد ـ ولو كان ظنيّاً ـ يكون وجوب العمل به يقينيّاً، ولذلك فإنّ أحكام المجتهد إذا ضمّ إليها ثبوت الأصل المذكور تعود إلى اليقين، فيمكن ـ بذلك الاعتبار ـ عدّ الكلام شاملاً للعلم بالفروع أيضاً.
1008 ـ الْفَجُورُ لا تَقِيَّةَ لَهُ.
الفَجور ـ بفتح الفاء وضمّ الجيم كما في بعض النسخ ـ بمعنى الفاجر أي الزاني أو المولع بالمعاصي والحريص عليها; فيكون المعنى: أنّ الزاني أو الحريص على المعاصي لا خوف له، أي لا خوف في قلبه من الله عز وجل ، إذ لا يجرؤ مَن كان في قلبه ـ ولو في الجملة ـ خوف وتقوى من الله على ارتكاب ذنب عظيم كالزنا، ولا على الحرص على المعاصي من دون اكتراث.
ويمكن أن يكون المراد هو أن الفَجور ـ بأحد المعنيين المذكورين ـ لا تقيةَ له، أي لا يحلّ له ـ بسبب التقية ـ ما حرم عليه، لأنّ الحقّ تعالى يُشدّد عليه بسبب كمال عصيانه فلا يخفّف عنه حكماً بسبب التقية، نظير أنّ أكل الميتة قد أُحلّ عند الاضطرار لغير الباغي والعادي، أمّا بالنسبة للباغي والعادي فأكل الميتة حرام ولو خافا من الهلاك. والمراد بـ «الباغي» مَن خرج على إمام زمانه أو الراغب بأكل الميتة، والمراد بـ «العادي» قاطع الطريق أو العادي بسبب المعصية.
وقال البعض بأنّ ذلك إذا تجاوز على قدر الشبع أو قدر سدّ الجوع، وبناءً على ذلك فإنّ عدم ترخيص ذلك باعتبار أنّه لا اضطرار في الزيادة، إذ لن يكون نظير ما نحن فيه، وهذا المعنى أظهر بحسب العادة، ولا يبدو أن هذا الحكم جار في موضع آخر.
وجاء في بعض النسخ لفظ «الفَخْور» بالخاء المنقوطة وهو كثير الفخر، فيكون المراد أنّ الفخور لا حذر له، أي أنّه لا يحذر من أمور تسبب خسرانه وضرره، لأنّ الفَخور برأيه وتدبيره في كلّ باب يعتقد اعتقاداً تامّاً بأنّه لا يحتاج إلى استشارة أحد، بل لا يحتاج إلى التفكير والتأمّل أيضاً، ومن الظاهر أنّ مثل هذا الشخص يفعل أشياء كثيرة تسبب له الضرر والخسران، فهو إذاً لا حزم له ولا حذر ولا تقية، والنسخة الأولى أظهر.
1009 ـ الْحَسُودُ لا يَسُودُ.
الحسود لا يسود، وهذا باعتبار أنّ هذه الخصلة ـ خصلة الحسد ـ تؤثر هذا الأثر بالخاصيّة. أو باعتبار أنّ الحقّ تعالى لمّا علم أنّ الحسود إذا ساد وتزعّم سعى في زوال نِعم رعاياه فإنّه تعالى لا يدعه يسود ويتزّعم. أو باعتبار أنّه بسبب الحرص الّذي لديه في إزالة نعمة الناس يفعل أشياء تُسقطه في الأنظار وتقلّل من شأنه فيسقط من شأن الزعامة والسيادة.
1010 ـ الْفائِتُ لا يَعُودُ.
الفائت والضائع لا يعود، أي يندر أن يرجع، فعلى الإنسان الّذي له نعمة ودولة أن يعرف قدرها، وأن لا يفعل ما يبعث على زوالها، إذ يندر أن يرجع الفائت والضائع.
ويمكن أن يكون المراد أنّ فرصة الطاعات والعبادات ووقتها يجب عدم إضاعته إذ لا يعود ما يفوت ويضيع منها، ولا يمكن تدارك وتلافي الضائع منها، وحين يأتي وقت جديد يكون ما فعله فيه من العبادات والطاعات مخصوصاً بذلك الوقت، وعليه أن لا يتدارك ما فات إذا لم يكون قد فات منه شيء، إذ يمكنه أن يفعل في وقت آخر ما كان سيفعله في هذا الوقت (من التدارك)، فيكون ما ضاع منه وفاته في ذلك الوقت قد ضاع ولا يعود.
1011 ـ الْمَسْأَلَةُ مِفْتاحُ الْفَقْرِ.
مسألة الخلق وطلب شيء منهم مفتاح الفقر والفاقة، أي إذا سأل شخص الناس ـ مع عدم حاجته وفقره ـ فإنّ هذا المعنى سيبعثه على الفقر والفاقة والحاجة إلى المسألة، فكأنّه مفتاح يُفتح به باب الفقر والفاقة في وجه هذا الشخص.
1012 ـ الْلِّجاجُ يَعْقِبُ
(2) الضُرَّ.اللجاج ـ وهو معاداة الناس ومخاصمتهم أو الإصرار على الباطل ـ يعقب الضرر، يعني أنّه يصير سبباً في خسران الدنيا والآخرة.
1013 ـ الإِسْتِشارَةُ عَيْنُ الْهِدايَةِ .
الاستشارة عين الهداية، أي أنّ استشارة الناس وطلب رأيهم ونصحهم في الأمور المهمّة سبب في الوصول إلى الصواب والسداد، أو سبب في اتّضاح سبيل الصواب له، فكأنّه عين الهداية، يعني بلوغ المطلوب أو إيضاح السبيل الموصل للمطلوب.
1014 ـ الْصِّدْقُ أَفْضَلُ رِوايَة.
الصدق أفضل رواية، يعني أفضل المناقب الّتي تروى وتحكى عن شخص ما، أو أنّ الصدق أفضل محاسن الرواية والحكاية، أو أنّ أفضل الروايات والحكايات ما كان صادقاً.
1015 ـ الْعِلْمُ أَشْرَفُ هِدايَة.
العِلم أشرف وأفضل هداية، أي هاد. أو أن المراد هو أن الهداية الحاصلة بالعلم أفضل هداية. و «الهداية» ـ كما ذُكر مكرراً ـ هي الايصال إلى الحق، أو بيان طريق الحق; والغرض هو ترجيح الهداية الحاصلة عن طريق العِلم والفِكر على مايجيء عن طريق التقليد وأشباهه.
1016 ـ الْجَنَّةُ أَفْضَلُ غايَة.
الجنّة ـ يعني دخول الجنّة ـ أفضل غاية، أي أفضل غرض وفائدة أو أفضل غاية وعاقبة، إذ أن فضيلتها ورجحانها على الأغراض الدنيويّة ظاهر، كما انّ سائر الأغراض الأُخروية يترتّب عليها، فهي إذاً أفضل الأغراض والغايات، ولا عاقبة أفضل منها; فعلى الإنسان أن يسعى فيما يكون وسيلةً لها.
1017 ـ الْقَدَرُ يَغْلِبُ الْحَذَرَ.
قضاء الحقّ تعالى وقدره يغلب حذر الإنسان. وهذا هو المضمون الّذي جاء قبل عدّة وريقات من أنّ «الْقَدَرُ يَغْلِبُ الْحاذِرَ»، وقد شرحناه فلا حاجة للإعادة.
1018 ـ الْزَّمانُ يُرِيكَ الْعِبَرَ.
الزمان يُريك العِبَر، أي أنّ كلّ مَن له بصيرة فإنّه يعتبر من مشاهدة أحوال الزمان وتغيّراته وترقّياته وتنزّلاته الّتي تقع فيه وسائر ما يحصل فيه، فيكون سلوكه وفقاً لاعتباره واتّعاظه بما يكون فيه صلاح حاله وفلاح عمله.
1019 ـ الْدُّنْيا مَحَلُّ التَّغَيُّرِ.
الدنيا محلّ للحوادث الّتي تغيّر الأوضاع والأحوال، فمن كان فيها مسروراً فلا يغترّ بذلك ولا يترك الأمور الّتي تبعث على حفظ ذلك السرور ودوامه، مثل شكر الحقّ تعالى وحُسن السلوك مع الناس وأمثال ذلك من الأمور; ومَن كان فيها في ضِيق فعليه أن يصبر ولا ييأس، إذ كثيراً ما يحصل أن يأتي الفَرَج سريعاً.
1020 ـ الْعَقْلُ يُوجِبُ الْحَذَرَ.
العقل يوجب الحذر، يعني الحذر ممّا يبعث على ضرر الإنسان وخُسرانه بحسب الآخرة وكذلك الدنيا، إلاّ أن يكون في الضرر الدنيويّ نفعٌ أُخروي يجبره.
1021 ـ الْهَوى ضِدُّ الْعَقْلِ.
الهوى ـ يعني القوة الشهويّة الّتي مبدؤها الهوى والرغبات ـ ضدّ العقل، فهو والعقل لا يجتمعان، أي أن مقتضي كلّ واحد منهما مُناف لمقتضي الآخر. فالقوّة الشهويّة تدعو الإنسان إلى هواها ورغبتها من دون ملاحظة لحُسن ذلك أو قُبحه، أمّا العقل فيمنعه عن القبائح، فلا يمكن اتّباع كليهما. ومن كان تابعاً للعقل وكان العقل فيه كاملا وغالباً لم يكن تابعاً للقوّة الشهويّة وكان كافّاً عن الهوى والرغبات، ومَن كانت القوّة الشهويّة غالبة فيه وكان عقله ناقصاً ومغلوباً، فإنّه يُعرض عن عقله ويتبع هواه ورغباته ونزعاته.
1022 ـ الْعِلْمُ قاتِلُ الْجَهْلِ.
لا يخفى أنّ كون العلم قاتلا للجهل ومُزيلاً له أمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان، إلاّ أن يكون المراد بـ «العِلم» العِلم القطعي القائم على الدليل; والمراد هو أنّ قاتل الجهل ومُزيله بالكليّة هو العلم القائم على الدليل والبرهان، أمّا العلم القائم على التقليد أو المستند إلى الظنّ، فإنّه وإن كان في الجملة يزيل الجهل، لكنّه ليس قاتلاً ومُزيلاً له بالكلية، إذ سيبقى الجهل موجوداً. وكثيراً ما يحصل أن يعود الجهل ويكمل، لأنّ التقليد والظنّ يمكن إزالتهما، خلافاً للعلم القطعيّ القائم على الدليل فإنّه لا يزول.
1023 ـ الْغَفْلَةُ ضِدُّ الْحَزَمِ.
الغفلة ضدّ الحزم ولا تجتمع معه، فمن شاء الأخذ بالحزم والاحتياط في الأمور فعليه إبعاد الغفلة عنه وأن يكون له خبر وعِلم عن كلّ شيء بحسب المقدور، ليمكنه ـ إذا ما حصل شيء ـ أن يأخذ بالحزم والاحتياط.
1024 ـ الْعِلْمُ داعِي الْفَهْمِ.
العلم داعي الفهم، أي أنّ من حصل على علم وذاق لذّة ذلك العلم، فإنّ علمه سيدعوه إلى الفهم، أي إلى فهم وعلم آخر، وهكذا دواليك لأنّ العلوم لا نهاية لها، فالعالِم إذاً مشغول على الدوام بتحصيل العلم، وقد ورد في بعض الأحاديث «منهومان لا يشبعان: طالب عِلم وطالب مال».
1025 ـ الْعَقْلُ مَرْكَبُ الْعِلْمِ.
العقل والفهم مركب العلم والفكر، أي أنّه لا يوجد من دونه كما أنّ المركب لا يوجد بغير راكب، فمن كان له عقل وفطنة ندر ألاّ يكتسب العلم والفكر.
1026 ـ الْصِّدْقُ خَيْرٌ مَبْنِيٌّ.
الصدق خير مبنيّ. ويمكن قراءة الفقرة بطريق الإضافة، أي «خيرُ مبنيٍّ»، فيكون معناه أنّ الصدق خير بناء. وجاء في بعض النسخ «منبيء» بصيغة اسم الفاعل من «الإنباء» وهو الإخبار الواقع، فيكون معناه أنّ الصدق خير مُخبر. أو أنّ المراد هو أنّ الصدق في الخبر من محاسن الخبر. أو أنّ معناه هو أنّ الصدق خير مخبر من حيث الفضل أو من حيث السعادة، أي أنّ دلالة الصدق عليها أقوى من سائر الفضائل.
1027 ـ الْحَياءُ خُلُقٌ مَرْضِيٌّ.
الحياء والخجل خصلة مرضيّة محمودة.
1028 ـ الْتَّجارِبُ عِلْمٌ مُسْتَفادٌ.
التجار والاختبارات العلمية عِلم مستفاد، أي أنّ الإنسان يستفيد من كل تجربة علمية، ومن الظاهر أنّه لا يوجد علم بلا فائدة.
1029 ـ الاِعْتِبارُ يُفِيدُ الرَّشادَ.
الاعتبار والاتّعاظ يفيد الرشاد، أي أنّه يكون سبباً لنيل هذه الفائدة. و «الرشاد» هو بلوغ المطلوب أو الاهتداء.
1030 ـ الْحَسَدُ يُنْشِيءُ الْكَمَدَ.
الحسد يولّد الكمد، يعني أنّه يكون سبباً ومنشأً له. و «الكمد» ـ بفتح الكاف والميم ـ بمعنى الحزن الشديد والغمّ، ومرض القلب، وتغيّر اللون وذهاب صفائه، والحسد منشأ جميعها.
1031 ـ الْهَمُّ يُذِيْبُ الْجَسَدَ.
الهمّ يذيب الجسد; فيجب إذاً عدم فسح المجال للهمّ لأجل أمور الدنيا الباطلة كما ذُكر مكرراً.
1032 ـ الْنِّيَّةُ أَساسُ الْعَمَلِ.
النية والقصد هي أساس العمل; فما لم يُحكم شخص ذلك الأساس بأن يجعله خالصاً من أجل رضا الحقّ تعالى فإنّ أعماله لن تكون مُحكمة متينة.
ويمكن أن يكون المراد هو أنّ أساس بناء العمل هو النية، فما إنْ تحصل النية فإنّ العمل يحصل بسهولة كالعمارة الّتي أُرسي أساسها; فالأصل أن يقصد الإنسان الخير وينويه.
1033 ـ الأَجَلُ حَصادُ الأَمَلِ.
الأجل والموت هو حصاد الأمل، تُحصد فيه جميع الآمال والأماني، فلِم يصبح الإنسان ـ إذاً ـ أسير شيء يُحتمل حصاده في كلّ لحظة ويُقاسي المشاق من أجله؟
1034 ـ الأَمَلُ رَفِيقٌ مُؤْنِسٌ.
الأمل رفيق مؤنس، أي أنّه يجعل الإنسان يأنس به بسرعة ويجعله لا يتمكّن من الانفصال عنه; فيجب عدم فسح المجال له، وإلاّ وقع الإنسان في أسره على الدوام.
1035 ـ التَبْذِيرُ قَرِينٌ مُفْلِسٌ.
التبذير والإسراف والانفاق بلا حدود قرينٌ مُفلس مُملق; يعني أنّه لا ينفع الإنسان أبداً، أو أنّه لمّا كان سبباً للإفلاس والإملاق للإنسان فإنّه اعتُبر مُفلساً مجازاً.
1036 ـ الْوَفاءُ حِصْنُ السُّؤْدَدِ.
الوفاء حصن السؤدد، أي أنّ مَن يفي بالعهد والميثاق والوعد فإنّ سؤدده وشرفه سيكون محفوظاً كأنّه في حصن حصين.و «الحصن» القلعة والموضع الحصين الّذي لا يُخترق.
1037 ـ الإِخْوانُ أَفْضَلُ الْعُدَدِ.
الإخوان أفضل العُدد والمعونات، أي لإعانة الإنسان في الشدائد والمصاعب ودفع أذى الأعداء وأذى أبناء الزمان; والمراد الإخوان النسبيين أو جميع الأصدقاء.
1038 ـ الْتَّقْوى حِصْنُ الْمُؤْمِنِ.
التقوى حصن المؤمن، وبمنزلة الموضع الحصين الّذي يحفظه من الآفات الأخروية ومن كثير من الآفات الدنيوية أيضاً.
1039 ـ اللَّحْظُ رائِدُ الْفِتَنِ.
اللَّحْظُ (وهو النظر بمؤخّر العين) رائد الفتن. والرائد هو الّذي يتقدّم البدو يُبصر لهم مواضع الكلأ ومساقط الغيث. والمراد هو أنّ النظر ـ ولو بمؤخّر العين ـ يجب الحذر منه. لأنّه بمثابة المخبر عن الفِتن، وكثيراً ما يحصل أنّ اللحظ يُخبر الفتن لتتّجه نحو هذا اللاحظ الناظر، فيُمتحن ويُبتلى بها في الدنيا والآخرة.
1040 ـ الْهَوى أُسُّ الْمِحَنِ .
الهوى والرغبات أس المحن وأصلها; وأكثر المحن والابتلاءآت الأخروية والدنيوية مترتبة عليه.
1041 ـ الْحَياءُ تَمامُ الْكَرَمِ.
الحياء تمام الكرم والإحسان، لأنّ عمدة الحياء هو الحياء من الحقّ تعالى; ومن الظاهر أنّ من يستحيي من الحقّ تعالى لا يعصيه، وهذا هو تمام الإحسان.
1042 ـ الْصِّحَّةُ أَفْضَلُ النِّعَمِ.
1043 ـ التَّواضُعُ سُلَّمُ الشَّرَفِ.
التواضع سُلّم الشرف والفضل; يعني أنّ التواضع لله عز وجل والخلق يرفع الشخص ويرتقي به إلى حيث الشرف، فكأنّه سُلّم للشرف.
1044 ـ الْتَّكَبُّرُ أُسُّ التَّلَفِ.
التكبّر ـ يعني أمام الله عز وجل ومع الخلق أيضاً ـ أُسّ التلف والهلاك وأساسه، يعني هلاك الدين، وهلاك الدنيا أيضاً في أغلب الأوقات.
1045 ـ اللَّئِيمُ لا يَسْتَحيْي.
اللئيم ـ وهو البخيل أو كلّ عاص ـ لا يستحيي، فالبخلاء وبعض المذنبين العاصين لا يستحيون من الله عز وجل ولا يستحيون من خلقه; وبعضهم لا يستحيون من الله عز وجل .
1046 ـ الْعِلْمُ لا يَنْتَهِي.
العلم لا ينتهي، فمهما كان الإنسان ماهراً في العلوم فإنّه بمقدار ما يفكّر ويتأمّل تظهر له حقائق ومعارف كانت مجهولةً له; وقد نُقل عن الحكيم «بوذر جمهر» أنّه سُئل عن سبعين مسألة فاعترف بجهله في كلّ مسألة منها، فقال له السائل: أنت الّذي يُعطيك الملك لأجل عِلمك وحكمتك مبلغاً خطيراً من المالسنة، أفهذا هو قدر معرفتك وعلمك؟ فأجابه الحكيم: انّ ما أستلمه هو بأزاء القدر اليسير الّذي أعرفه وأعلمه، ولو كانوا سيعطونني بأزاء ما أجهله لما كفاهم أن يعطوني الدنيا بأسرها.
ويكفي شاهداً في أنّ العلم لا حدّ له أنّ الحقّ تعالى أمر سيّد الكائنات وأشرف الممكنات محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ مع كلّ عِلمه ـ أن يقول: (رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)(3) ـ وروي أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إذا أتى عليَّ يومٌ لا أزداد فيه عِلماً يقرّبني إلى الله تعالى، فلا بُورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم».
1047 ـ الْحِلْمُ تَمامُ الْعَقْلِ.
الحِلم تمام العقل، أي أنّه دليل على تمام العقل وكماله، أو الشيء الّذي يتمّ العقل به ويكمل، وأنّ العقل بلا حلم عقل ناقص.
1048 ـ الْصِّدْقُ كَمالُ النُّبْلِ.
الصدق كمال النبل، يعني أنّه دليل عليه، أو أنّ النبل يكمل به وينقص من دونه. و «النُّبل» كما ذكرنا مكرراً هو النجابة أو الذكاء والفِطنة الحادّة.
1049 ـ الْعَفْوُ أَحْسَنُ الإِحْسانِ.
العفو (عن ذنوب الناس وتقصيراتهم) أحسن الإحسان وأفضل أفراد الإحسان.
1050 ـ الإِحْسانُ يَسْتَرِقُّ الإِنْسانَ.
الإحسان يسترقّ الإنسان ويستعبده، يعني يسترقّ الشخص المُحسَن إليه.
1051 ـ الْفِتْنَةُ مَقْرُونَةٌ بِالعَناءِ.
الفتنة مقرونة بالعناء والتعب، أي أنّها سبب في العناء. فيجب أن لا يكون الإنسان باعثاً على الفتنة، وأن لا يبقى في محلّ الفتنة.
وجاء في بعض النسخ لفظ «الْقِنْيَةُ» بالقاف والنون والياء، فيكون المعنى أنّ ادّخار المال واكتنازه مقرون بالعناء والتعب، فمن شاء ألاّ يتعب وينصب فعليه إنفاق المال وعدم اكتنازه.
1052 ـ الْمِحْنَةُ مَقْرُونَةٌ بِحُبِّ الدُّنْيا.
المحنة مقرونة بحبّ الدنيا، أي أنّ الدنيا سبب في المحنة، فمن أراد اجتناب المحنة فعليه إزالة حبّ الدنيا من نفسه.
1053 ـ الْهَوى مَطِيَّةُ الْفِتَنِ.
الهوى مطيّة الفتن. و «المطيّة» هي ما يُمتطى من الدواب أو ما يُحمل عليه. والمراد هو أنّ الفتن تمتطي الهوى أو تُحمل عليه، فيجب عدم فسح المجال للهوى من أجل أن يمكن أن يبقى الإنسان محفوظاً ومصوناً من الفتن.
1054 ـ الْدُّنْيا دارُ الْمِحَنِ.
الدنيا دار المحن والمصاعب، فيجب اجتناب الابتلاء بها، ويجب اختيار الابتعاد عنها بحسب المقدور، ويجب عدم توقّع الراحة والطمأنينة فيها.
1055 ـ الْطَّاعَةُ عِزُّ الْمُعْسِرِ.
طاعة الحقّ تعالى والانقياد له عزّ المعسر الّذي أفقره الدهر، أي أنّه على الرغم من أنّ الإعسار والفاقة سبب في ذلّ هذا الشخص، فإنّ طاعته وانقياده للحقّ تعالى في الدنيا يجبر فقره ويبعث على عزّه في الدنيا أيضاً.
1056 ـ الْصَّدَقَةُ كَنْزُ الْمُوسِرِ.
الصدقة كنز الموسر. أي أنّ الموسر المتمكّن له كنز ينفعه وهو كنز الصدقة وليس كنز الذهب والفضّة، أو أنّ المراد أنّ الصدقة كنز يمكن للموسر أن يضعه بينما لا يقدر الفقير على ذلك(4).
1057 ـ الْمُقِرُّ بِالذُّنُوبِ تائِبٌ.
المقرّ بالذنوب ـ أو بالذنب بناءً على لفظ «بالذنب» الوارد في إحدى النسخ ـ تائبٌ، يعني أنّ المعترف بذنبه ومعصيته تائبٌ من ذنبه.
ولا يخفى أنّ ذلك وحده لا يكفي في التوبة من عصيان الحقّ تعالى، وأنّ على المذنب أن يندم على ما ارتكب، وأن لا يعزم على تكرار الذنب. فيجب إذاً أن يُحمل هذا على الذنوب والتقصيرات في حقّ الآخرين. والمراد هو أنّ من يُذنب ويقصّر في حقّ شخص معيّن، فإنّه إذا اعترف أنّه أذنب وقصّر توجّب على ذلك الشخص العفو عنه وعن تقصيره.
أو أن نقول بأنّ الإقرار بالذنوب في ساحة الحقّ تعالى هي أيضاً من أفراد التوبة، ويُمحى بواسطتها بعض الذنوب مع أنّها ليست التوبة الّتي تُمحى بها جميع الذنوب والمعاصي، أمّا تلك التوبة (الّتي تُمحى بها جميع الذنوب) فهي التوبة المقرونة بالندم وعدم العزم على تكرار الذنب.
أو أن نقول بأنّ المراد من الإقرار بالذنوب هو الإقرار من صميم القلب بقُبح تلك الذنوب على سبيل التحقيق، وأنّ الإقرار على هذا النحو لا يصحّ من دون الندم وعدم العزم على تكرار العصيان، لأنّ الشخص إذا لم يكن نادماً وكان عازماً على تكرار الذنب، فإنّه في الحقيقة لا يعتقد بقُبح الذنب كما ينبغي، وإنّ الاعتراف الّذي يصدر من لسانه أو قلبه هو اعتراف بحسب الظاهر، وإذا ما تأمّل جيداً وجد أنّ حقيقة الاعتراف لا تتحقّق به.
1058 ـ الْمَغْلُوبُ بِالْحَقِّ غالِبٌ.
المغلوب بالحقّ ـ أي أنّ حقّاً أُخذ منه جوراً وظلماً ـ غالب، أي أنّ هذا المغلوب هو الغالب في الحقيقة، وأنّ المغلوب هو الّذي غلبه; وذلك لأنّ الحقّ تعالى سيعوّض المغلوب بالحقّ عوضاً أفضل وينتقم من الغالب، ففي الواقع ونفس الأمر يكون المغلوب بالحقّ غالباً، والغالب الظالم مغلوباً.
1059 ـ الْسَّاعاتُ تُنَقِّصُ
(5) الأَعْمارَ.الساعات تنقص الأعمار، أي أنّ كلّ ساعة تنقضي من العمر تنقصه، فيجب إذاً معرفة قدر العمر وعدم صرفه في العبث.
1060 ـ الْظُّلْمُ يُدَمّرُ الدِّيارَ.
1061 ـ الْتَّوْبَةُ تَسْتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ.
التوبة والأوبة تستنزل الرحمة والمغفرة.
1062 ـ الإِصْرارُ يَجْلِبُ
(6) النِّقْمَةَ.الإصرار (على الذنب) يجلب النقمة من الله عز وجل .
1063 ـ الْطَّاعَةُ تَسْتَدِرُّ الْمَثُوبَةَ.
الطاعة (للحقّ تعالى والانقياد له) تستدرّ المثوبة والجزاء الحسن منه عز وجل .
1064 ـ الْمَعْصِيَةُ تَجْتَلِبُ الْعُقُوبَةَ.
المعصية (لله عز وجل ) تجتلب العقوبة وجزاء السوء.
1065 ـ الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعاجِزِ.
الغيبة ـ وهي ذِكر شخص في غَيبته بسوء ـ جهد العاجز، والجهد ـ بفتح الجيم وضمّها وسكون الهاء ـ ورد بمعنى الطاقة والمشقّة كليهما. وعلى الاحتمال الأوّل يكون المعنى أنّ الغيبة هي مُنتهى طاقة ووُسع العاجز، وأنّ ذلك العاجز لم يستطع منع الشخص الّذي اغتابه عن السوء فاكتفى بغيبته وأبهج قلبه بذلك.
أمّا على الثاني فيكون المعنى أنّ الغيبة تعب ومشقّة يحمّلها العاجز لنفسه، أمّا غير العاجز فيعدّها نقصاً فيه ولا يُجيزها لنفسه.
وعلى كلّ تقدير فالمراد هو ذمّ الغيبة وبيان أنّها علامة عن العجز لصاحبها، فيجب إذاً على مَن له رجولة وعلوّ طبع أن لا يرتضيها لنفسه، وليسالغرض بيان الحكم الشرعي للغيبة في أنّها جائزة للعاجز وغير جائزة لسواه، بل حكمها الشرعي هو ـ كما مرت الإشارة سابقاً ـ أنّه إذا كان هناك غرض شرعي منها، كأن يصل الشخص خبر فيبعثه على ترك ما هو عليه في موضع يحتمل هذا المعنى جازت الغيبة، وإلاّ كانت غير جائزة، إلاّ أن يتجاهر شخص بالفسق علانيةً فتكون غيبته في ذلك جائزة مطلقاً.
وبناءً على ذلك يجب أن يُحمل ذمّ الغيبة على ذمّها عند عدم جوازها، أو عند جوازها أيضاً إذا لم يكن هناك رجحان شرعي لها. أمّا إذا كان فيها رجحان شرعي، كأن يكون الغرض إقلاع ذلك الشخص ـ مع وجود احتمال ذلك ـ فإنّ الغيبة مع أنّها علامة عن العجز فإنّها تصبح مقبولة ومستحسنة باعتبار ذلك الرجحان.
1066 ـ الْجَنَّةُ مَآلُ الْفائِزِ.
الجنة مآل (وعاقبة) الفائز، أي مآل الفائز بالطاعة والانقياد للحقّ تعالى.
1067 ـ الْبَشاشَةُ حِبالَةُ
(7) الْمَوَدَّةِ.البشاشة ـ وهي انبساط الوجه وتهلّله ـ حِبالة المودّة الّتي يمكن بها اقتناص مودّة الناس.
1068 ـ الإِنْصافُ يَسْتَدِيمُ الْمَحَبَّةَ.
الإنصاف والعدل (مع الناس) يستديم المحبّة منهم.
1069 ـ الْحَزْمُ بِإِجالَةِ الرَّأْيِ.
الحزم وضبط الأمور بإجالة الرأي وتقليب الفِكر; أي التفكّر والتأمّل حتى يظهر للإنسان ـ من خلال التأمّل الحسن في مصالح ومفاسد كلّ احتمال ـ صلاح حاله. فمن شاء أن يثبّت من عاقبة أمره ويكون حازماً فعليه أن لا يفعل شيئاً من دون تأمّل وتدبّر، بل من دون استشارة أيضاً.
1070 ـ اللِّجاجُ يُفْسِدُ الرَّأْيَ.
اللجاج يُفسد الرأي. «اللجاج» ـ كما مرّ مكرراً ـ هو مخاصمة الناس أو الإصرار الزائد على قول أو رأي والعمل على تحقيق ذلك القول أو الرأي.
وبناءً على الأوّل فإنّ إفساد اللجاج للرأي باعتبار أنّ الخصومة مع الناس تكون سبباً لتشويش الخاطر وتفرّق البال وتوزّعه. ومن الظاهر أنّ الرأي والفكر ـ مع تلك الحال ـ يكون أكثره فاسداً وباطلا. كما أنّ مثل هذا الشخص يكون راغباً بشدة في التغلّب على خصومه، فتراه يرجّح كلّ ما يخطر في باله ويعدّه نافعاً في ذلك الباب من دون أن يتأمّل في مفاسده، بل يعزم عليه، ومثل هذا الرأي في الأغلب يظهر فساده. كما أنّ اللجوج المصرّ لا اعتماد على رأيه وتفكيره في ذلك الباب، بل المعتمَد عليه هو من يكون في ذلك الباب مخلياً بالطبع مَن لا يكون لجوجاً مصرّاً على رأي من الآراء.
أمّا بناءً على المعنى الثاني فإنّ فساد رأي اللجوج هو باعتبار أنّ مَن يكون من عادته اللجاجة والإصرار على رأيه وقوله مهما ظهر له فساد تلك اللجاجة فإنّه لا يرجع عن رأيه، بل يصرّ على أفكاره الفاسدة وتدبيراته الباطلة لترويج آرائه وتنفيذها.
ويمكن أن يكون باعتبار أنّ اللجاج والإصرار الزائد يكون مظنّة في أنّ له غرض وهدف من ذلك، فيكون ذلك سبباً في عدم العمل برأيه، فيكون ـ من هذه الجهة ـ مُفسداً لرأيه، أى لفقدان رأيه الاعتبار.
1071 ـ الْعَجْزُ يُطْمِعُ الأَعْداءَ .
العجز يُطمع الأعداء، فيجب على كلّ شخص السعي بقدر وسعه وجهده في أن لا يكون عاجزاً أمام عدوّه، وفي تهيئة أسباب صدّ ذلك العدوّ، خصوصاً الملوك الّذين يكثر أعدؤاهم، إذ ما إن يظهر عجز أحدهم حتّى يطمع جميع أعدائه في دحره وانتزاع المُلك منه، فيجب عليه على الدوام أن يهيّئ الجيش وأسباب القتال والجدال مع أعدائه لئلاّ يكون عاجزاً أمامهم فيطمع فيه الطامعون من كلّ حدب وصوب ويفكّرون في انتزاعه مُلكه منه.
1072 ـ الْخِلافُ يَهْدِمُ الآراءَ .
الخلاف يهدم الآراء ويفسدها، أي كلّما كان أرباب الحلّ والعقد في دولة من الدول أو أصحاب أيّ مصلحة واستشارة ينزعون إلى مخالفة بعضهم البعض، ولم يكونوا متّفقين متآلفين، فإنّ هذا المعنى سيُفسد آراءهم وتدبيراتهم، لأنّهم سيخالفون كلّ من يُظهر رأياً منهم ـ ولو اعتقدوا بصلاح رأيه وصواب فكرته ـ لمجرّد مخالفته، وسيختلفون لرأيه المفاسد، فلا يصلون في نهاية الأمر إلى رأي على أمر ما، فتختلّ الأمور. فيجب إذاً على أولياء كلّ دولة وأصحاب كلّ استشارة أن يكونوا متصافين بعيدين عن الغشّ من أجل أن يتّفقوا على ما يرونه صواباً، ولئلاّ يخالفون ذلك الرأي من أجل أغراضهم وأهوائهم ويسعون في إفساده وهدمه.. ولمّا كان هذا المعنى نادراً في أساطين الدول العظيمة، فلابدّ أنّهم يُراعون أن يكون هؤلاء من العقلاء والعُلماء بحيث أنّهم إذا كانوا مختلفين فيما بينهم علموا أنّ خيانة صاحب دولتهم وملكهم ونُكران جميله لن يثمر شيئاً، وأنّ عليهم الاتّفاق بينهم ـ في مقام تدبير المُلك وانتظام أمور المملكة ـ على كلّ ما فيه الصلاح والصواب، وأنّ عليهم إذا ما أبدى أحدهم رأياً حسناً وتدبيراً لائقاً أن يستحسنوا رأيه ويسعون في ترويجه وتنفيذه، من أجل أن تنتظم أمور سلطنة الملك ودولته الّتي وجدوا العزّ بسببها ولئلاّ يجد الأعداء ثغرة في المملكة ينفذون منها، مع أنّهم إذا اختلفوا فيما بينهم في غير هذا الأمر لم يكن ذلك الاختلاف سبباً في إلحاق الضرر بصاحب المُلك والدولة.
1073 ـ الْرَّأْيُ بِتَحْصِينِ الأَسْرارِ .
الرأي بتحصين الأسرار; أي أنّ الرأي والتدبير ـ وخاصة أوقات الحروب وأمثالها ـ يكون نافعاً حين تحصّن الأسرار وتُصان في كلّ باب من أن يطّلع عليها أحد، إذ حين يطّلع شخص ـ غير صاحب السرّ ـ على ذلك السرّ فسرعان ما يفشو ذلك السرّ ويعرف الأعداء به ويستغلّون ذلك في معالجته وإحباطه فيكون ذلك الرأي والتدبير غير نافع.
1074 ـ الاْذاعَةُ شِيمَةُ الأَغْيارِ .
إذاعة الأسرار شيمة الأغيار وخصلتهم، أمّا الصديق فيجب أن يصون سرّ صديقه ولا يبوح به، وفي الحقيقة فإنّ مَن يفشي سرّ الإنسان لا يعدّ صديقاً بل من الأغيار والأجانب.
ويمكن أن يكون المراد هو أن خصلة غير الإنسان وغالب حاله هو أن يُفشي السرّ، فإن شاء الإنسان أن لا يفشو سرّه فعليه بحسب المقدور أن لا يظهر سرّه لغيره، حيث جاء في المشهور «كلّ سرٍّ جاوز الإثنين شاع»(8); وقال بعض الأكابر: المراد بالاثنين الشفتان، وليس الشخصين.
1075 ـ إضاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّةٌ .
الغصّة هي الشيء الّذي يعترض في الحلق ولا يتمكن الإنسان من ابتلاعه، أي أنّ كلّ فرصة يضيّعها الإنسان بعد أن يعلم بها هي غصّة لا يمكن علاجها، فيبقى دوماً في حسرته وندمه عليها.
1076 ـ أَوْقاتُ الْسُّرُورِ خُلْسَةٌ
(9) .أوقات السرور والفرح خلسة، أي بقدر زمن اختلاس شيء، أو أنّها سرعان ما تُختلَس، وعلى كلّ تقدير فالمراد هو أنّ السرور والفرح في الدنيا لا ثبات له ولا بقاء، فيجب عدم توقّع دوامه، ويجب عدم الحرص على طلبه، وعدم الاغترار بإقباله إذا أقبل على شخص.
1077 ـ الْغالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ .
الغالب بالشرّ مغلوب; أي أنّ من يتغلّب على شخص عن طريق إيقاع الشرّ به هو مغلوب في حقيقة الأمر وأنّ المغلوب (في الظاهر) قد تغلّب عليه، لأنّ للمغلوب ثواباً وعوضاً من الخير في الآخرة، وكذلك في الدنيا أحياناً، وللغالب وبالاً ونكالاً أخرويّاً، بل في الدنيا أحياناً.
1078 ـ الْمُحارِبُ لِلْحَقِّ مَحْرُوبٌ .
المحارب من أجل غصب حقّ أحد ظلماً هو محروبٌ، أي أنّ الضرر قد ناله في الحقيقة فأضحى مدقعاً دون صاحب الحقّ، لأنّ صاحب الحقّ سيعوّض عن حقّه وزيادة عليه في الآخرة، بل في الدنيا أحياناً.
1079 ـ الْقَلْبُ مُصْحَفُ الْفِكْرِ .
القلب مصحف الفكر، أي أنّ ما يُعلم بالفكر يجب أن يدوّن في القلب ويثبت فيه ليبقى في خاطر الإنسان.
1080 ـ الْنِّعَمِ تَدُومُ بِالشُّكْرِ .
النِّعم تدوم وتبقى بشكر الحقّ تعالى وحمده.
1081 ـ الْولاياتُ مَضامِيرُ الرِّجالِ .
الولايات والحكومات هي مضامير الرجال وميادينها الّتي يُعلم فيها قدر كلّ رجل وإمكاناته ومرتبته في الرشد والإرادة والعدل والانصاف والزهد وما يقابل ذلك.
1082 ـ الأَعْمالُ تَسْتَقِيمُ بِالْعُمَّـالِ .
الأعمال تستقيم بالعمّال; أي أنّ أعمال الرجال الكبار لا تستقيم إلاّ بالعمّال، ولا يتيسّر لهم تحصيل جميع الأعمال إلاّ بأولئك العمّال، فيجب عليهم إذاً السعي والاهتمام في تحصيل العمّال الأُمناء المعتمدين.
1083 ـ الْيَأْسُ يُعِزُّ الأَسيرَ .
اليأس يُعزّ الأسير; أي أنّ الأسير الّذي أسره الطمع إذا قطع طمعه ويئس عن الخلق أضحى عزيزاً وتخلّص من الذلّ والمهانة الّتي كان فيها.
1084 ـ الْطَّمَعُ يُذِلُّ الأَمِيرَ .
1085 ـ الْسَّخَـاءُ يُكْسِبُ الْحَمْدَ .
السخاء والجود سبب في اكتساب مدح الناس وثنائهم.
1086 ـ الْعَفْوُ يُوجِبُ الْمَجْدَ .
العفو عن تقصيرات الناس وذنوبهم يوجب مجد الإنسان وعظمته.
1087 ـ الإِمامَةُ نِظامُ الأُمَّةِ .
الإمامة نظام الأمّة، أي أنّ اتّخاذ كلّ أمة لنفسها إماماً وقدوة يبعث على انتظام أحوال تلك الأمّة وأمورها، لأنّ من الظاهر أنّ أمور أيّ أمّة لن تنتظم من دون قائد لها يطيعه جميع أفرادها وينقادون له ولا يتجاوزون أوامره، سواء كان ذلك القائد عادلاً أم جائراً، ولولا ذلك لسلك كلّ فرد وفق هواه ورغباته، ولساد بين أفراد الأمّة الهرج والمرج في أقرب فرصة، ولتفرّق أفراد الأمّة. فيجب إذاً أن يكون هناك قائد آمر يخاف منه الجميع ويهابونه فلا يتعدّون ولا يجورون، وإنّ وجود مثل هذا القائد ـ ولو كان ظالماً ـ أفضل من عدمه، لأنّ الظلم الّذي يلحق بفرد واحد ـ أيّاً كان ـ لا يعادل المفاسد المترتّبة على الهرج. وعلى تقدير أنّ أفراد الأمّة يتعاملون فيما بينهم بالعدل والإنصاف (من دون قائد لهم) فإنّ من الواضح أنّ الأقوام الّتي ليس لها حاكم والّتي لا تعيش في ظلّ قائد وسائس سيهاجمون هذه الأمّة من الأطراف والأكناف بهدف النهب والسلب، وأنّ مقابلة أولئك الأقوام لن تتحقق وتتيسّر من دون حاكم وقائد.
ويمكن أن لا يكون المراد بـ «الإمامة» مطلق القدوة والحاكم، بل الإمام المنصوب من جانب الحقّ تعالى، حيث أنّ الاعتقاد بالإمامة ـ وهو أحد أصول الدين ـ هو بهذا المعنى; وكون «الإمامة» بهذا المعنى وكون إطاعة مثل هذا الإمام سبباً في انتظام أحوال جميع الأمّة ممّا لا يحتاج إلى بيان، لأنّ الفوائد المترتّبة على وجود مطلق الملك ستترتب أيضاً بأبلغ وجه وأفضله على وجود الإمام، وسيكون وجوده باعثاً على رواج الملّة البيضاء والشريعة الغرّاء وتشييد قواعد الدين وأركانه، وتهذيب شرائعه وأحكامه، فتكون طاعته سبباً في السعادة الدنيويّة والأُخروية، وهو ممّا جعل علماء الشيعة يعدّون نصب الإمام واجباً على الله عز وجل ، حيث يستدلّون على ذلك بأنّه لطف، أي أنّه ممّا يسبب قرب المكلّفين من الطاعة وبُعدهم عن المعصية، و «اللطف» بهذا المعنى واجب على الحقّ تعالى، وقد ورد ذلك بالتفصيل في كتب أصحابنا رضوان الله عليهم أجمعين.
1088 ـ الْطّاعَةُ تَعْظِيمُ الإمامَةِ .
الطاعة والانقياد هي تعظيم الإمامة.
إذا كان المراد بـ «الإمامة» الإمام المنصوب من جانب الحقّ تعالى، فمن الظاهر أنّ تعظيم هذا المنصب وتجليله وكذلك تعظيم الإمام والاعتقاد بعظمته هو المصداق الرئيسي لطاعة الحقّ تعالى والانقياد له، بل ذلك عين معنى الإيمان الّذي لا تُقبل طاعة ولا عبادة إلاّ به، كما في الأحاديث المتواترة في هذا الباب.
وإذا كان المراد مطلق الإمام والحاكم فيكون المراد بتعظيم الإمامة هو تعظيم الإمام، وكون تعظيم كلّ إمام من جملة طاعة الحقّ تعالى باعتبار أنّه يحصل بسببه دفع أذاه وضرره عن هذا الشخص (المطيع)، وباعتبار أنّه لو فعل العكس لكان فعله مظنّة الضرر، فبذلك الاعتبار يكون من الطاعة تعظيم الإمام سواءً كان ذلك الإمام مسلماً أم كافراً، ولو كان الإمام مؤمناً حامياً للمؤمنين وحارساً لهم فمن الظاهر أنّ تعظيمه والدعاء له طاعة عظيمة، لأنّ وجود مثل هذا الإمام خير محض ومحض الخير وهو نفع عام للمؤمنين لا يترتّب مثله على وجود أيّ مؤمن، بل لو لم يكن الإمام مؤمناً وكان حامياً للمؤمنين وحارساً لهم وكان عدم وجوده مظنّة لتسلّط الظالمين على المؤمنين فلا يبعد أن يكون تعظيمه والدعاء له جيد ويعدّ طاعة بهذا الاعتبار.
وقد ورد في الحديث أنّ نمرود لمّا أخرج إبراهيم على نبيّنا(10) وعليه الصلاة والسلام من ملكه سار إبراهيم حتّى بلغ مِلك سلطان آخر يُدعى عرارة (وهي حكاية مفصّلة)... فلمّا خرج إبراهيم من ملك ذلك السلطان وسار نحو الشام خرج الملك معه يمشي خلفه يُشايعه إعظاماً له لما شاهد منه من معجزات ـ مع أنّ ذلك الملك كان كافراً ـ فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمش قدّام الجبّار المتسلّط ويمشي هو خلفك، ولكن اجعله أمامك وامشِ خلفه وعظِّمه وهَبْه فإنّه مسلّط، ولابدّ من إمرة في الأرض برّة أو فاجرة، فوقف إبراهيم(عليه السلام) وقال للملك: امضِ فإنّ إلهي أوحى إليَّ الساعة أن أعظّمك وأهابك، وأن أقدّمك أمامي وأمشي خلفك إجلالاً لك.
وإذا كان مثل إبراهيم الخليل ـ وهو نبيّ عظيم الشأن ـ عليه أن يعظّم ملك كافر فلا يسير أمامه، فيجب أن يكون الآخرين والملوك الباقين على هذا القياس.
1089 ـ الْدُّنْيا دارُ الْمِحْنَةِ .
الدنيا دار المحنة والابتلاء; مرّ مفصّلاً كراراً.
1090 ـ الْهَوى مَطِيَّةُ الْفِتْنَةِ .
الهوى مطيّة الفتنة، مرّ ذكرها كراراً.
1091 ـ الْعَفْوُ أَحْسَنُ الإِنْتِصارِ .
العفو من ذنوب الناس وتقصيراتهم أحسن الانتصار والانتقام، لأنّ الخجل والانفعال الّذي سيصيب المذنب آنذاك سيكفي لإيلامه إن كان له أدنى شعور وغيرة، كما إنّ ذلك العفو سيكون سبباً في نيل صاحبه الأجر والثواب والمدح وذكر الخير، فأيّ انتقام يُقارن به؟!
1092 ـ الْباطِلُ يَزِلُّ بِراكِبِهِ .
الباطل يزلّ براكبه، أي يُسقطه أرضاً.
1093 ـ الْظُّلْمُ يُرْدِي صاحِبَهُ .
الظلم يُردي صاحبه ويُهلكه، أي يهلكه في الآخرة، ويهلكه في الدنيا أيضاً أحياناً; أو أنّ المعنى هو أنّ الظلم يردي صاحبه أي يُلقيه في الهلاك موافقاً للمعنى الأوّل، أو يلقيه من علوّ المرتبة والعزّة إلى الذلّ والهوان.
1094 ـ الْكَرَمُ حُسْنُ الاِصْطِبارِ .
الكرم حسن الاصطبار، أي أنّ من أفراد الكرم الرئيسية هو أن يصبر الإنسان صبراً جميلاً في المصائب والنوائب ولا يجزع.
1095 ـ الْحَزْمُ شِدَّةُ الاِسْتِظْهارِ .
الحزم والتفكّر في العاقبة شدّة الاستظهار، و «الاستظهار» في الأصل بمعنى الاستعانة وتقوية الظهر، ويُستعمل بذلك الاعتبار في الاحتياط في كلّ أمر من أجل إراحة البال والأمن من المفسدة في ذلك الأمر.
والمراد هو أنّ الحزم هو أن يعمد الشخص إلى لزوم كمال الاستظهار في كلّ أمر ويحتاط نهاية الاحتياط، وأن لا يفعل ذلك الأمر ما لم يكن مطمئناً غاية الاطمئنان منه، وكذلك في الالتزام الدقّة في الأمور الّتي يُهتمّ بها، مثل الطاعات والعبادات وأمور الدنيا المهمّة، حيث عليه رعاية الاحتياط الكامل في الإتيان بها على الوجه اللازم، وفي اجتناب أي خطأ فيها.
1096 ـ الْتَّجْرِبَةُ تُثْمِرُ الاِعْتِبارَ .
التجربة تثمر الاعتبار; أي أنّ ثمرة التجربة وفائدتها هي أن يعتبر الإنسان منها فلا يرتكب ما شاهد منه ضرراً، حيث جاء في الحديث «لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحر مرّتين»، أي أنّ المؤمن إذا لُدغ من شيء فإنّه لا يكرّر ارتكابه لئلاّ يُلدغ من جديد.
1097 ـ الْعِزُّ إدْراكُ الاِنْتِصارِ .
العزّ والغلبة في إدراك الانتصار والانتقام، أي أنّ الإنسان إذا أحسّ بأنّ بإمكانه الانتقام والانتصار فإنّ ذلك يكفيه عزّةً وغلبة، وليس من حاجة له في الانتقام، بل الأولى له العفو، وقد ذكرناه مكرراً.
1098 ـ الْقَناعَةُ رَأْسُ الْغِنى.
القناعة رأس مال الغِنى، حيث يمكن بها اكتساب غنى الدنيا والآخرة.
1099 ـ الْوَرَعُ أَساسُ التَّقْوى .
الورع أساس التقوى، ولا يخفى أن الورع والتقوى بمعنى واحد، أو أنّ الورع بمعنى التوقّي عن المحارم، أمّا التقوى فتعني الخوف من الحقّ تعالى، وعلى أيّ تقدير فإنّ القول بأنّ الورع هو أساس التقوى فيه إشكال، بل أنّ كلا اللفظين ـ بناءً على الرأي الأوّل ـ بمعنىً واحد، أمّا بناءً على الرأي الثاني فإنّ التقوى هو أساس الورع، إلاّ أن يُقال على سبيل المبالغة بأنّ ثمرة شيء من الأشياء هي أساس ذلك الشيء، فيمكن بناءً على ذلك القول بأنّ الورع ـ وهو ثمرة التقوى حسب المعنى الثاني ـ هو أساس التقوى.
أو أن يكون المراد هو أنّ الورع هو أساس بقاء التقوى بالمعنى الثاني وأنّه سبب في ثباته ورسوخه، وأنّ الشخص إذا خالف التقوى وارتكب أمراً غير مشروع فإنّ خوف الحقّ تعالى سيزول من قلبه فلا يبالي بارتكاب المحرّمات الأخرى ويتجرّأ على ارتكابها، فيجب إذاً على الإنسان عدم السماح لنفسه بارتكاب ما يُنافي الورع.
أو أنّ المراد بـ «الورع» هو خصوص التوقّي من الأفعال المحرّمة، ويكون المراد هو أنّ هذا المعنى هو أساس التقوى بمعنى التقوى الحقيقية الّتي تشمل امتثال جميع الأوامر وترك جميع المناهي.
1100 ـ الْحِرْصُ يُزْرِي بِالمُرُوَّةِ .
الحِرص والطمع يُزري بالمروءة والرجولة وينقصها.
الهوامش:
(1) إشارة إلى الكتاب الشريف «كشف الريبة في أحكام الغيبة» من نفائس تأليفات العالم الربّاني الشهيد الثاني رضوان الله عليه، الّذي طُبع كراراً، وقد طُبعت ترجمته قبل عدّة سنوات بقلم العالم الجليل أبي محمد البسطامي(رحمه الله).
(2) أورد الشارح(رحمه الله) كلمة «يعقب» بفتح الياء; وجاء في القاموس: «عقبه خلفه كأعقبه»، وجاء في (أقرب الموارد): «أعقبه خلفه كعقبة ـ بتخفيف القاف وفتحها ـ ».
(3) طه: 114.
(4) ذكر في ورقة منفصلة مُلحقة بالكتاب مايلي:
«يُحتمل أنّ المعنى ـ والله ورسوله وأهل بيته يعلمون ـ هو أنّ الصدقة ـ وهي إعطاء الزكاة ـ تبعث على نموّ مال الموسر حتّى يضحي كنزاً لا ينفد بسرعة، أو أنّ كلّ صدقة تبعث على نماء المال كما انّ الأحاديث الواردة تدلّ على ذلك».
(5) أورد الشارح(رحمه الله) «تنقّص» بلفظ المضارع من باب التفعيل، وضبط إعرابه صريحاً، مع أنّ كتب اللغة أوردت «نقص ـ بتشديد القاف من باب تفعيل ـ الشيء وأنقصه ـ من باب أفعال ـ لغة في نقصه (مخفّفاً ومجرّداً) أي صيّره ناقصاً»، فكأنّ الشارح(رحمه الله) ضبط إعراب الكلمة نظراً للمقابلة مع كلمة «يدمّر» في الفقرة اللاحقة، أي أنّه اختار هذه القراءة هنا مراعاةً للمشاكلة والازدواج مع كلمة «يدمّر» الواردة في الفقرة اللاحقة، والّتي هي مضارع من باب تفعيل، ويمكن للقارئ قراءة الكلمة بكلّ واحد من الوجوه الثلاثة المذكورة.
(6) كذا بخطّ الشارح; وجاء في القاموس «جلبه يجلبه ـ بالكسر ـ ويجلبه ـ بالضمّ ـ جلْباً وجلَباً ـ محرّكة ـ واجتلبه: ساقه من موضع إلى آخر، فجلب هو وانجلب». فقد اتّضح أنّ الفعل جاء من باب ضرب يضرب، وباب نصر ينصر، وأنّه استُعمل لازماً ومتعدّياً.
(7) جاء في كتب اللغة: «الحبالة ـ بكسر الحاء ـ بمعنى المصيدة» وجاء في «منتهى الارب»: «حبالة ككِتابة: مصيدة الصيّاد، والجمع حبائل; منه الحديث: النساء حبائل الشيطان; وحبائل الموت: أسبابُه».
(8) مصرع بيت شعر، والمصرع الثاني هو: «كلّ عِلم ليس في القرطاس ضاع».
(9) جاء في المنجد «الخلسة ـ بضمّ الخاء وسكون اللام وفتح السين والتاء في الآخر ـ اسم من «اختلس» وما يخلس، والفرصة: المناسبة; ومنه قولهم: «الفرصة سريعة الفوت بطيئة العَود».
(10) عدم ذكر كلمة (وآله) راجع إلى العمل بحديث يتضمّن الأمر بعدم ذكر الآل تشريفاً وتعظيماً لإبراهيم الخليل باعتباره جدّاً للنبيّ الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا الحديث منقول عن الأئمّة المعصومين(عليهم السلام).