1201 ـ الْمُسْتَبِدُّ مُتَهَوِّرٌ فِي الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ .

المستبدّ المتفرّد برأيه متهوّر في الخطأ والغلط. والتهوّر هي السقوط في شيء بلا مبالاة.

1202 ـ إِطِّراحُ(1) الْكُلَفِ أَشْرَفُ قِنْيَة .

اطّراح ـ أي ترك ـ الكُلف والمشقّات في تحصيل الدنيا والحرص عليها هو أفضل قنية ومال يكسبه المرء أو يكنزه.

1203 ـ الْوَلَهُ بِالدُّنْيا أَعْظَمُ فِتْنَة .

الوله والشغف بالدنيا أعظم فتنة، لأنّه فتنة تستتبع فتناً كثيرة في الدنيا والآخرة.

1204 ـ الْنَّدَمُ عَلى الْخَطِيئَةِ اسْتِغْفارٌ .

الندم على الخطيئة والذنب استغفار منه، أي ما إن يندم المذنب على ذنبه فإنّ ذلك هو توبة واستغفار منه، ولا حاجة لصيغة ولا لفظ في الأمر. و «الاستغفار» هو طلب المغفرة، والمراد هنا هو طلب المغفرة الّذي يكون سبباً في المغفرة والعفو.

1205 ـ الْمُعاوَدَةُ إِلى الذَّنْبِ إِصْرارٌ .

المعاودة إلى الذنب وارتكابه مرّة أخرى إصرار عليه، وذلك من الذنوب الكبيرة ولو كان ذلك الذنب من الصغائر. والمراد هو المعاودة إلى ذنب آخر ولو لم يكن من جنس الذنب السابق كما هو مذهب طائفة من العلماء، أو إلى ذنب من جنس الذنب السابق، فإن كان من جنس آخر لم يُعدّ إصراراً على الذنب الأوّل كما هو رأي بعض آخر من العلماء.

1206 ـ الْرَّأْىُ كَثِيرٌ وَالْحَزْمُ قَلِيلٌ .

الرأي كثير والحزم وبُعد النظر قليل، ولذلك لا يمكن في المسائل وغيرها من الاستشارات الاعتماد على رأي شخص ما ما لم يتّضح أمر حزمه وتدبيره وبُعد نظره. والمراد بـ «بُعد النظر» أن يلاحظ الإنسان جميع جوانب الأمر الّذي يفكّر فيه ثم يتّخذ فيه رأياً يمكن الاعتماد عليه، وليس مثل أكثر الناس الّذين يرجّحون رأياً بأدنى مرجّح يخطر في بالهم من دون تأمّل في سائر جهات ذلك الرأي.

1207 ـ الْبَرِيءُ صَحِيحٌ وَالْمُرِيبُ عَلِيلٌ .

البريء ـ وهو الطاهر الذيل الّذي لا ذنب له ـ صحيح سليم مطمئنّ، أو أنّ صحّة كلامه وصدقه مستفاد ومستنبَط من جوهر كلامه; أمّا «المريب» فهو صاحب الذنب والتقصير الّذي جعل الناس يشكّون في أمره، وهو عليل أي بمنزلة المريض في خوفه وقلقه واضطرابه; أو أنّ سقم وفساد كلامه ظاهر من أصل كلامه.

ويمكن أن يكون المراد بـ «البريء» هو الّذي أبرأ نفسه وفرّغها من الحرص على الدنيا والطمع فيها، والمراد بـ «المريب» الّذي يعيش في اضطراب وقلق في السعي لأجل الدنيا وتحصيلها. ومن الظاهر أنّ الأوّل بمنزلة السليم الصحيح والثاني بمثابة العليل المريض.

1208 ـ الْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ .

الحقّ أحقّ أن يُتّبع، أي أنّ الحقّ أجدر وأولى أن يتّبع، يعني أنّ من الأجدر بالإنسان في كلّ باب أن يتبع الحقّ وأن يقول الحقّ مهما خاف وخشي الضرر من ذلك، فذلك أولى من أن يتّبع خلاف الحقّ ولو ظنّ أنّ نفعه في ذلك.

ويمكن أن يكون المراد بـ «الحق» الأمر الثابت الراسخ; والغرض هو أنّ اتّباع الآخرة الثابتة الخالدة والسعي من أجلها أولى من اتّباع الدنيا الفانية والسعي من أجلها.

1209 ـ الْوَعْظُ النَّافِعُ ما رَدَعَ .

الوعظ النافع ما ردع، أي ما ردع الواعظ عمّا يمنع منه، حيث ورد في الحديث «إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا».

ويمكن أن يكون المراد أنّ الوعظ النافع ما روع المستمع، والغرض الإشارة إلى موعظة من يعمل بذاته بما يعظ به، لأنّ الموعظة الّتي تردع المستمع هي موعظة مثل هذا الشخص، أو أنّ الغرض هو أنّ وعظ من يُعلَم عدم ارتداعه بالموعظة يعدّ لغواً لا ينبغي الاشتغال به، أو أنّ على مَن لا يعمل بالموعظة أن لايذهب لاستماع الموعظة لأنّ ذلك لن يجلب له إلاّ الضرر بدلا من النفع.

1210 ـ الْمُسْتَشِيرُ عَلى طَرَفِ الْنَّجاحِ .

المستشير على طرف النجاح; أي أنّ من يستشير في أُموره ويعمل بما ينصح بعمله مُشرف على النجاح والفلاح، وأنّ الغالب أنّه سينجح ولا يخسر، بخلاف المستبدّ برأيه الّذي لا يستشير أحداً فيما يعمل.

1211 ـ الْمُسْتَدْرِكُ عَلى شَفا صَلاح .

المستدرك على شفا صلاح; أي أنّ من يتدارك الزلل والخطأ الّذي يرتكبه ومن يُصلح اشتباهاته مشرف على بلوغ صلاح الحال وخير المآل.

1212 ـ الْلِّسانُ سَبُعٌ إِنْ أَطْلَقْتَهُ عَقَرَ .

اللسان سبع إن أطلقته وأرخيت له العِنان عقر، أي جرح الناس أو جرحك أيضاً باعتبار جزاء ما يصدر عنه.

1213 ـ الْغَضَبُ شَرٌّ إِنْ أَطَعْتَهُ دَمَّرَ .

الغضب شرّ، إن أطعته دمّر، أي أهلكك في الآخرة، أو في الدنيا أيضاً، أو أهلك مَن كان غضبك عليه، أي أنّ الغضب لن يخمد حتّى يُهلكه.

1214 ـ الْبَغْيُ أَعْجَلُ شَيْء عُقُوبَةً .

البغي ـ وهو الظلم أو التطاول أو الكذب ـ أسرع شيء عقوبةً، وجاء في بعض النسخ لفظ «أجلّ» بدلا من «أعجل»، فيكون معناه أنّه أكبر شيء عقوبة.

1215 ـ الْبِرُّ أَعْجَلُ شَيْء مَثُوبَةً .

البرّ والإحسان إلى الناس أعجل شيء مثوبة، أي أنّ ثوابه وجزاءه يصل إلى فاعله أسرع من كلّ خير سواه، وكثيراً ما يحصل أن ينال فاعل البرّ جزاءه في الدنيا أيضاً.

1216 ـ الْعِلْمُ كَثِيرٌ وَالْعَمَلُ قَلِيلٌ .

العلم كثير والعمل قليل; والغرض هو أنّ العلم مع العمل قليل، وأنّ العلم الّذي يُنتفع به هو المقرون بالعمل، وأنّ العلم بلا عمل لا فائدة منه، بل يبعث على زيادة الوبال والنكال، حيث أنّ العقل والنقل يحكمان بذلك، وليس الأمر بحيث أنّ مطلق العمل أقلّ من العلم وأشرف منه، لأنّ العمل بلا علم كثير وهو أكثر من العلم، ولأنّ العلم أشرف من جميع الفضائل كما هو المتواتر في الأخبار والآثار.

1217 ـ الْدِّينُ ذُخْرٌ وَالْعِلْمُ دَلِيلٌ .

الدين ـ وهو ما عُبد الله عز وجل به ـ ذُخر للآخرة، والعلم دليل له أو مُوصل له.

1218 ـ الْكَرِيمُ يَشْكُرُ الْقَلِيلُ، وَاللَّئِيمُ يَكْفُرُ الْجَزِيلِ .

الكريم يشكر القليل، أي يشكر النعمة القليلة فما فوقها، واللئيم والمسيء يكفر الجزيل، أي يكفر النعمة الكبيرة فما دونها.

1219 ـ الْدَّوْلَةُ(2) كَما تُقْبِلُ تُدْبِرُ .

الدولة كما تُقبل تُدبر، فمن أقبلتْ عليه فلا يغترّ بها بل عليه أن يغتنم الفرصة قبل أن تُدبر ليحصّل ذخيرةً له منها تنفعه في آخرته.

1220 ـ الْدُّنْيا كَما تَجْبُرُ(3) تَكْسِرُ .

الدنيا كما أنّها تجبر المكسور فإنّها تكسر أيضاً، أي أنّ من أقبلت عليه الدنيا كما أنّه يمكنه بها اصلاح كثير من الخسارات الدنيويّة والآخرويّة، فإنّ من الممكن أن يلحقه بسببها كثير من الخسارات الدنيوية والأخرويّة، فيجب عدم الحرص على طلب الدنيا، ويجب ـ بحسب المقدورـ السعي في إصلاح خسائره فيها والحذر من أن يلحقه كسر وخسارة بسببها.

1221 ـ الْعَجُولُ مُخْطِىءٌ وَإِنْ مَلَكَ .

العَجول مخطىء وإن مَلَك وصار ملكاً، أو مَلَك الأمر الّذي يعجل فيه ويصل إلى مطلبه. والغرض هو أنّ سلوك الصواب هو أن لا يعجل الإنسان في أُموره بل يفعلها بعد التأمّل والتدبّر فيها، وأنّ من يعجل في أُموره ـ ولو بلغ مطلبه ومقصده أو صار ملكاً ـ فإنّ ذلك لا يعني أنّه أصاب، بل قد أخطأ السبيل لكنّه نال مراده من باب الصدفة، وأنّ مجرّد احتمال وقوع تلك الصدفة لا يبرر الخروج عن طريق العقل.

1222 ـ الْمُتَأَنِّي مُصِيبٌ وَإِنْ هَلَكَ .

المتأنّي مُصيب وإن هلك; أي أنّ طريق الصواب هو أن يتأنّى الإنسان في أعماله ثمّ يفعلها بعد التفكّر والتدبّر وعن اطمئنان وهدوء، وإنّ من يفعل ذلك يفعل صواباً وإن هلك، لأنّ هلاكه سيكون لمحض صدفة وليس بسبب خطأه.

1223 ـ أَماراتُ الْدُّوَلِ إِنْشاءُ الْحِيَلِ .

أمارات الدول ـ أي علامات تغيّر الزمان وزوال الدول ـ إنشاء الحيل; أي أنّ أصحاب أيّ دولة من الدول إذا أنشأوا الحيل ومكروا فإنّ ذلك أمارة على أنّ تغيّراً في الزمان سيحصل وأنّ دولتهم ستزول وتنتقل إلى سواهم.

1224 ـ أَماراتُ الْسَّعادَةِ إِخْلاصُ الْعَمَلِ .

أمارات السعادة وعلاماتها إخلاص العمل، أي إخلاصه لله تعالى وعدم مزجه بشائبة من الرياء وأمثاله. وكون الإخلاص من الأمارات والعلامات باعتبار أنّ إخلاص أي فرد هو علامة لسعادته، أو باعتبار أنّ إخلاص أي عمل لدى فرد معيّن هو علامة أيضاً على سعادة ذلك الفرد.

1225 ـ إِصْطِناعُ الْعاقِلِ أَحْسَنُ فَضِيلَة .

إحسان العاقل الّذي يعلم كيف يسلك ولمن يُحسن أحسن فضيلة.

1226 ـ إِصْطِناعُ اللَّئِيمِ أَقْبَحُ رَذِيَلة.

إحسان اللئيم ـ وهو البخيل ـ أقبح رذيلة. والرذيلة ـ مقابل الفضيلة ـ هي الصفة الّتي تبعث على تسافل الدرجة والمنزلة.

وكون إحسان اللئيم أقبح رذيلة باعتبار أنّ البخيل إذا أحسن لم يخلُ إحسانه من منّة، والإحسان المقرون بالمنّ مذموم أشدّ الذمّ. ويمكن أن يكون المراد بـ «اللئيم» مُطلق المسيء، وأن يكون قبح إحسانه باعتبار المنّ أيضاً، أو باعتبار أنّ الأغلب أنّه يُحسن إلى أمثاله من المسيئين ويُنفق ذلك في مصارف السوء.

1227 ـ الْعِلْمُ كَنْزٌ عَظِيمٌ لا يَفْنى .

العِلم كنز عظيم لا يفنى بالإنفاق، بل يزكو وينمو.

1228 ـ الْعَقْلُ ثَوْبٌ جَدِيدٌ لا يُبْلى .

العقل ثوب جديد لا يبلى، أي أنّه بمنزلة الثوب الجديد يزدان به صاحبُه، منتهى الأمر أنّه ثوب جديد لا يبلى بل يزداد على الأيّام رونقاً وبهاءً.

1229 ـ الأَحْمَقُ لا يَحْسُنُ بِالْهَوانِ .

الأحمق لا يحسن بالهوان، أي أنّ الأحمق إذا هان وذلّ جزاء إساءته، فإنّه لا يُقلع عن إساءته فيكون مُحسناً.

1230 ـ الْجَزاءُ عَلى الإِحْسانِ بِالإِساءَةِ كُفْرانٌ .

الجزاء على الإحسان بالإساءة كفران. و «الكفران» بمعنى الكفر مقابل الإيمان، وبمعنى ستر نعمة المنعم وإنكارها أيضاً. والظاهر أنّه ورد هنا بالمعنى الأوّل، والمراد هو أنّ مقابلة إحسان شخص ما بالإساءة إليه بمنزلة الكفر بالله عز وجل وفي حُكم الكفر. أمّا الحمل على المعنى الثاني فإنّه على الرغم من صحّته، إذ من الظاهر أنّ مقابلة إحسان أحد بالإساءة إليه كفرانٌ لنعمته، فإنّ هذا المعنى هو المعنى الظاهري، ولا يجمل حمل كلام أميرالمؤمنين صلوات الله وسلامه عليه على هذا البيان.

1231 ـ الْعالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ .

العالم هو مَن عرف قدر نفسه، أي من لا يفعل ما يُسقطه عن مرتبته ويُذلّه ويُهينه، ومن لا يتعدّى حدود قدره في سلوكه مع الناس وفيما يتوقّعونه منه، بل في كل باب من أبواب المعاش.

1232 ـ الْجاهِلُ مَنْ جَهِلَ أَمْرَهُ .

الجاهل هو من جهل أمره، أي من جهل عمله وطريق سلوكه الّذي يؤدي إلى انتظام أُمور معاشه ومعاده.

1233 ـ الْعاقِلُ يَعْتَمِدُ عَلى عَمَلِهِ; الْجاهِلُ يَعْتَمِدُ عَلى أَمَلِهِ .

العاقل يعتمد على عمله، والجاهل يعتمد على أمله، أي أنّ العاقل إذا أراد تحقيق شيء من أُمور الدنيا والآخرة فإنّه يعمل ما يثمر ذلك وينتجه، ويتوقّع ـ عن ذلك الطريق ـ تحقّق ذلك الشيء، ولا يعني ذلك أنّه يعد عمله مستقلا في تحقيق ذلك، بل له كمال التوكّل والاعتماد على لطف الحقّ تعالى، فهو يعتقد أنّ عمله منشأ ـ في الجملة ـ لحصول أهلية واستحقاق لذلك، خلافاً للجاهل الّذي يعتمدكلّ الاعتماد على محض الرجاء والأمل، كأن يكون له آمال في الدنيا فهو ينتظر تحقّقها بدون سبب ومنشأ يستدعي حصولها بحسب مجرى العادة، كما أنّه يأمل بالنجاة والفلاح في الآخرة والفوز بمراتبها العالية من دون طاعة للحقّ تعالى ومن دون أن يفعل ما يسبب رضاه عز وجل .

ويمكن أن يكون المراد بـ «العمل» خصوص الطاعات والعبادات، والمراد بـ «الأمل» الآمال الدنيويّة، والمراد هو أنّ العاقل يعتمد على الطاعات والعبادات ويثابر عليها ويهتمّ بأدائها، بينما الجاهل يعتمد على الآمال الدنيوية ويسعى في تحصيلها.

1234 ـ الْعَالِمُ يَنْظُرُ بِقَلْبِهِ وَخَاطِرِهِ; الْجَاهِلُ يَنْظُرُ بِعَيْنِهِ وَناظِرِهِ .

العالم ينظر بقلبه وخاطره، والجاهل ينظر بعينه وناظره، أي أنّ العالم ينظر إلى الأشياء بقلبه وضميره ويتفكّر ويتدبّر فيها لاستنباط الحقائق والمعارف منها والاعتبار بما يمكن أن يُعتبر به منها; أمّا الجاهل فينظر بعينه وناظره من دون تأمّل ولا تفكّر ولا استنباط معرفة ولا اعتبار.

1235 ـ الْشَّكُّ يُطْفِىءُ نُورَ الْقَلْبِ .

الشكّ يُطفىء نور القلب. الظاهر أنّ المراد هو الشكّ في العقائد الدينيّة وأنّه ينبغي تحصيل اليقين فيها.

ويمكن أن يكون المراد مطلق الشكّ وأنّه أمر يسبّب ظُلمة القلب، فكلّما قلّ الشكّ وازداد اليقين ازداد ضياء القلب ونوره، فيكون من الأولى تحصيل اليقين في كلّ باب من الأبواب.

1236 ـ الْطَّاعَةُ تُطْفِىءُ غَضَبَ الرَّبِّ .

طاعة الحقّ تعالى والانقياد له يطفىء غضب الربّ عز وجل ، أي أنّ الشخص إذا فعل أُموراً توجب سخط الحقّ تعالى وغضبه، فإنّه مع ذلك إذا التجأ إلى الطاعة والانقياد انطفأ غضب الحقّ تعالى ورحمه.

1237 ـ الإِيْمانُ بَرِيءٌ مِنَ النِّفاقِ .

الإيمان بريء من النفاق; أي أنّ المؤمن إذا كان إيمانه كاملا فإنّه لا يُنافق، لا مع الحقّ تعالى ـ وهذا ظاهر ـ ولا مع الخلق.

1238 ـ الْمُؤْمِنُ مُنَزَّهٌ عَنِ الزَّيْغِ وَالْشِّقاقِ .

المؤمن منزّه ومطهّر عن الزيغ والميل عن الحق، ومنزّه عن الشقاق والعداء، أي أنّ المؤمن الكامل لا يميل عن الحقّ ولا يُعادي الناس في أي أمر من الأُمور.

1239 ـ الْصَّادِقُ عَلى شَرَفِ(4) منجاة وكرامة .

1240 ـ الْكَاذِبُ عَلى شَفا مَهْواة وَمَهانَة .

الكاذب على شفا هاوية وبئر سحيقة ومهانة، وهذا بمنزلة تفسير «مهواة» بالبئر العميقة، لأنّ المراد بها المهانة والذلّة، حيث شبّهت المهواة بالبئر العميقة الّتي يتردّى فيها الكاذب.

ويمكن أن يكون المراد بها المرتبة المتسافلة من دركات جهنّم أو بئر من آبارها، فيكون المراد ـ بناءً على ذلك ـ أنّ الكاذب واقف ـ قبل نطقه بالكذب ـ على حافة هذه المرتبة أو البئر، فإن تلفّظ بالكذب سقط في تلك المرتبة أو البئر; أو أنّ الكاذب واقف على الحافة بعد تلفّظه بالكذب، فإن هو لم يتدارك ذلك بالتوبة السريعة أو يفعل ما يجبر ذلك فإنّه سيسقط فيها.

1241 ـ الْصَّبْرُ أَعْوَنُ شَيْء عَلى الدَّهْرِ .

الصبر أعون شيء على الدهر، أي في التغلّب على الدهر، لأنّ من شأن الدهر الإضرار بالناس من خلال ايراد المصائب والنوائب عليهم وتسبيب القلق والاضطراب بسبب ذلك لهم، فإن صبر الشخص على مصيبة من المصائب ولم يقلق ولم يضطرب فإنّه سيفعل خلاف مقصود الدهر، فكأنّه تغلّب على الدهر وأضرّ به.

وكذلك فإنّ الصبر على المصيبة لمّا كان باعثاً على دفع المصائب الأُخرى ـ كما هو وارد في الأحاديث الأُخرى ـ وإنّ ذلك مخالف لإرادة الدهر، فإنّ الدهر سيتكدّر من صبر هذا الشخص، وسيكون هذا الصبر معيناً لذلك الشخص على الدهر.

ولا يخفى أنّ أمثال هذا الكلام ليس على سبيل الحقيقة بل هو من المجازات والتمثيلات الشائعة بين الناس، لأنّ من الظاهر أنّ الدهر ـ الّذي يسمّيه العرب «الزمان» أيضاً ـ على تقدير أنّه أمر موجود وأنّه ليس من الأمور الاعتبارية، فإنّه لا فهم له ولا شعور لكي تكون له خصومة مع أحد.

وكذلك فإنّ سائر الأُمور الّتي تُنسب إلى الدهر ليس شيء منها من فِعل الدهر، بل لكلّ واحد منها سبب وفاعل معلوم، غاية الأمر أنّه لمّا كان الغالب في الدهر أنّ المصائب والنوائب تتوالى على الناس تبعاً لأسبابها، فقد شاع تشبيه الدهر بشخص له خصومة وعداء مع الناس، فهو يسعى في إيذائهم، ومن لوازم هذا المعنى أنّ الشخص الّذي يدفع عن نفسه مكروهاً أو مصيبة سيكون قد تغلّب هذا الدهر وأضرّ به، والمراد هو مجرّد أنّ الصبر يبعث على فراغ هذا الشخص من الجزع والاضطراب، ويبعث كذلك على دفع بعض المصائب الأُخرى عنه; أو أنّ المراد هو أنّ أكثر أهل الدهر لمّا كان بصدد الشماتة بالناس، وأنّ الصبر يبعث على أنّهم لا يستطيعون الشماتة كما يحبّون وعلى الغلبة عليهم، فقد نُسبت هذه الأُمور إلى الدهر على سبيل المجاز العقلي، من قبيل نسبة حال أهل منطقة إلى تلك المنطقة، كما في قوله تعالى: (وَسْـَلِ الْقَرْيَةَ)(5) حيث أمر بسؤال القرية بينما المراد هو سؤال أهل تلك القرية.

1242 ـ الْحَزْمُ وَالْفَضِيلَةُ فِي الْصّبْرِ .

الحزم والفضيلة في الصبر، حيث أنّ من الظاهر أنّ الصبر في الأُمور وعدم الإقدام على العمل إلاّ بعد التأمّل والتدبّر هو حزم وتدبير، وأنّ ذلك سبب في ارتفاع المرتبة أيضاً، باعتبار أنّ ما فعله الشخص بعد التأمّل والتفكّر كان أمراً حسناً، وأنّ الصبر في المصائب والنوائب هو فضيلة وعلوّ درجة; وباعتبار أنّ ما يترتّب عليه من المنافع الدنيويّة والأُخروية هو من الحزم والتدبير أيضاً.

1243 ـ الْعَقْلُ مُنَزِّهٌ عَنِ الْمُنْكَرِ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ .

العقل منزِّه ـ يعنى منزِّه صاحبَه ـ عن المنكر، آمرٌ إيّاه بالمعروف.

1244 ـ الْعَقْلُ حَيْثُ كانَ آلَفُ مَأَلُوف.

العقل حيث كان فهو آنس أنيس للإنسان.

1245 ـ الْصَّبْرُ خَيْرُ جُنُودِ الْمُؤْمِنِ.

الصبر خير جنود المؤمن، وهو ـ علاوة على سائر صفاته وأفعاله ـ يكون سبباً في النجاة والفلاح.

1246 ـ الْصِّدْقُ أَشْرَفُ خَلائِقِ الْمُوقِنِ .

الصدق أشرف وأفضل خصال وخلائق الموقن، أي الّذي له يقين في الدِّين.

1247 ـ الْعَقْلُ شَجَرَةٌ ثَمَرهُـا الْسَّخاءُ وَالْحَياءُ.

العقل شجرة ثمرها السخاء والحياء، ولا يوجد عاقل ليس فيه هاتان الخصلتان.

1248 ـ الْدِّينُ شَجَرَةٌ أَصْلُها الْتَّسْلِيمُ وَالْرِّضِا .

الدين شجرة أصلها وأساسها الطاعة والرضا، أي طاعة الحقّ تعالى في ما ذكره من الأوامر والنواهي، والرضا بما قسمه لكلّ فرد من الرزق وسواه. و «الدين» في الأصل بمعنى الجزاء، وبعد ذلك أطلق على الإسلام وباقي الشرائع والملل باعتبار ما تقرّر فيها من جزاء الخير على الطاعات وجزاء السوء (العقاب) على المعاصي.

1249 ـ آلَةُ الْرِّياسَةِ سَعَةُ الْصَّدْرِ .

آلة الرياسة والزعامة ووسيلتها سعة الصدر، أي أنّ الرئيس والزعيم يجب أن يكون له سعة صدر وحلم، فلا يضيق صدره بسرعة ولا يسوء خلقه لأنّ ذلك باعث على نفور الناس عنه وعلى عدم تحقّق رياسته وزعامته.

1250 ـ أَوَّلُ الْعِبادَةِ انْتِظارُ الْفَرَجِ بِالصَّبْرِ .

أوّل العبادة للحقّ تعالى انتظار الفرج بالصبر; أي أنّ أوّل العبادات بحسب الفضيلة أن يصبر المبتلى وينتظر الفرج.

ويمكن(6) أن يكون المراد خصوص الصبر على غيبة صاحب العصر صلوات الله وسلامه عليه، فهو أعظم الابتلاءآت للمؤمنين، وانتظار الفرج بظهوره صلوات الله وسلامه عليه.

1251 ـ الْبُخْلُ بِالْمَوْجُودِ سُوءُ الْظَّنِّ بِالْمَعْبُودِ .

البُخل بالموجود سوء الظنّ بالمعبود، أي أنّ من يبخل بما يملك فإنّ ذلك في الحقيقة سوء ظنّ منه بالحقّ تعالى، لأنّ منشأ بُخل الإنسان لا يمكن أن يكون بغير هذا المعنى، لأنّه ظنّ منه بأنّه إذا أنفق فقد يحتاج ولا يجد حيلة; وإنّ مَن لا يُسيء الظنّ بالحقّ تعالى يعلم يقيناً أنّ الإنسان إذا ما أنفق نعمة الله تعالى فيما أمر الله به أو رغّب فيه وفضّله، فإنّه تعالى أكرم من أن يدعه محتاجاً ولا يكفيه.

1252 ـ الْزُّهْدُ أَنْ لا تَطْلُبَ الْمَفْقُودَ حَتّى يَعْدُمَ الْمَوُجُودُ .

الزهد وترك الدنيا هو أن لا تطلب ما ليس لديك منها حتى يعدم ما تجد وما تملك منها، وليس ترك الدنيا أن لا يطلب الإنسان الدنيا أصلا، بل أن يكتفي منها بقدر احتياجه ولا يطلب المزيد حتى يصرف ذلك وينفقه، وحتى يحتاج إلى ما لا يملك فيطلبه حينذاك.

1253 ـ الْكَرِيْمُ مَنْ بَذَلَ إِحْسانَهُ .

الكريم مَن بذل إحسانه، أي من لم يمنّ بما أحسن، بقرينة الفقرة اللاحقة. ويمكن استنباط هذا المعنى من لفظ «بذل» بمعنى الجود، أو من لفظ «إحسان» لأنّ البذل مع المنّة ليس جوداً ولا إحساناً.

1254 ـ الْلَّئِيمُ مَنْ كَثُرَ امْتِنانُهُ .

اللئيم والبخيل هو من كثر امتنانه، أي أنّ اللؤم والبُخل ليس خاصّاً بمن لايبذل ولا يعطي، بل إنّ من يكثر امتنانه هو لئيم أيضاً.

ولا يخفى أنّه يفهم من هذه العبارة أنّ المنّ إذا لم يكثر فإنّه ليس كذلك. ويمكن أن يكون ذلك باعتبار أنّ مطلق المنّ ولو كان مذموماً وسيّئاً ـ سواء كثر أو قلّ ـ لكنّ المحسن الّذي لا يكثر منّه بحيث يبعث على خجل المحسَن إليه وانفعاله لا يُدعى لئيماً. أو أنّه إشارة إلى أنّ المنّ مهما كان قدره فإنّه كثير في الحقيقة وثقيل، فمن مَنَّ فإنّ منّه سيكون كثيراً وسيُدعى لئيماً. أو أنّ المراد هو المنّ الكثير في العطاء الكثير، فيكون المراد هو أنّ المحسن إذا كان عطاؤه كثيراً وكان يمنّ بعطائه فإن سيُدعى لئيماً أيضاً، وتكون منّته بهذا الاعتبار كثيرة.

1255 ـ الْعاقِلُ مَنْ بَذَلَ نَداهُ .

العاقل من بذل نداه. و «الندى» في الأصل بمعنى المطر والقطرات الّتي توجد فجراً على أوراق الأشجار. وقد شاع استعماله في العطاء والجود، كما شبّهت يد صاحب الجود بالحبر والغَمام.

1256 ـ الْحازِمُ مَنْ كَفَّ أَذاهُ .

الحازم وصاحب النظر في العواقب من كفّ أذاه، أي من لم يؤذِ أحداً.

1257 ـ إِخْلاصُ الْتَّوْبَةِ يُسْقِطُ الْحَوْبَةَ .

إخلاص التوبة ـ أي التوبة من الذنب والرجوع إلى الله تعالى ـ وجعلها خالصة لمحض رضا الحقّ تعالى يُسقط الذنب والمعصية.

1258 ـ إحْسانُ الْنِّيَّةِ يُوجِبُ الْمَثُوبَةَ .

إحسان النيّة يوجب الثواب والجزاء الجميل، أي أنّ العزم على فعل أعمال الخير سبب للثواب ولو لم يَتيسّر فعل تلك الأعمال كما صرّح بذلك في أحاديث أُخرى.

1259 ـ الْحَصَرُ خَيْرٌ مِنَ الْهَذَرِ .

الحصر ـ والعجر عن الكلام ـ خير من الهذر والكلام الفارغ أو الكلام الزائد.

1260 ـ الْهَذَرُ مُقَرِّبٌ مِنَ الْغَيرِ .

الهذر والكلام الفارغ أو الكلام الزائد يقرّب صاحبه من الحوادث المضرّة المغيّرة للأحوال.

1261 ـ الْحَصَرُ يُضْعِفُ الْحُجَّةَ(7) .

1262 ـ الْهَذَرُ يَأْتِي عَلى الْمُهْجَةِ(8) .

الحصر والعجز عن الكلام يُضعف الحجّة، والهذر والكلام الفارغ ـ أو الزائد ـ يأتي على المهجة ـ وهي الدم أو الروح ـ والغرض هو بيان أنّ الحصر أفضل من الهذر كما أُشير إليه في الفقرة السابقة، لأنّ الهذر قد يسبب قتل صاحبه ويكون سبباً فيه، أمّا الحصر فيُضعف الحجّة، أي أنّ مفسدته هي أنّ الإنسان لا يمكنه الغلبة في البيان على الناس فتكون حجّته ضعيفة، وليس في ذلك ضرر كثير نسبة إلى الهذر.

ويمكن أن يكون المراد بإضعاف الحجّة هو أنّ الهذر يُضعف حجّة الناس، إذ لا يمكنهم أن تكون لهم عليه حجّة كاملة، فيكون ذلك إشارة إلى نفع الحصر، فتكون أفضليّته على الهذر أظهر وأوضح.

1263 ـ الْحَسُودُ غَضْبانٌ عَلى الْقَدَرِ .

الحسود غضبان على القدر، أي على تقدير الحقّ تعالى والقسمة الّتي قسمها لعباده من كلّ شيء، لأنّ كلّ نعمة تصل إلى كلّ أحد إنّما هي بتقدير الحقّ تعالى، فيكون حسد نعمة شخص ما وتمنّي زوال تلك النعمة عنه ليس في الحقيقة إلاّ عدم رضا بتقدير الله عز وجل وغضب على تقديره.

1264 ـ الْمُخاطِرُ مُتَهَجِّمٌ عَلى الْغَرَرِ .

المُخاطر ـ وهو من يفعل ما يتضمّن خطراً ويُحتمل بسببه الضرر والخسران أو الهلاك ـ متهجّم على الغَررَ والخداع، أي أنّ هكذا عمل هو انخداع وشيء لا يفعله العاقل الّذي لا ينخدع بالنفس ورغباتها ونزعاتها، فهو لا يعرّض نفسه للخطر لمجرّد احتمال نفع ما أو متابعة لنزعة من النزعات. ويمكن أن يكون معنى الكلام أنّ «المُخاطر» ـ وهو المُراهن ـ متهجّم على الغَرَر وهو الأمر الّذي ظاهره خادع لهذا الشخص وباطنه مجهول وعاقبته غير معلومة، والغرض هو المنع من المراهنة وذمّها، باعتبار أنّ الغالب هو أنّ عاقبتها تكون غير معلومة وأنّها تحتمل كلا النفع والضرر، باعتبار أنّ العاقل لا يفعل مثل هذا العمل. ولذلك يجب تخصيص الكلام بغير المراهنة والمسابقة الّتي أُجيزت في الشرع الأقدس، وهي المسابقة في الخيل والإبل والبغال والحمير، وكذلك سباق الفيلة، سواءً كان الفيل ذكراً أم أُنثى، وكذلك في النصل (نصل السهم والسيف) كما هو مروي بطريق الشيعة وأهل السنّة كليهما عن النبيّ المرسل(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: لا سَبَقَ إِلاّ فِي نَصْل أَوْ خُفٍّ أَوْ حافِر.

لا سبق إلاّ في نصل ـ أي في السهم والسيف ـ أو خفّ ـ وهو ما استوى قدمه كالبعير ـ أو حافر ـ وهو ما انشطر قدمه كالبغال ـ .

وجاء في بعض روايات أهل السنّة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) استثناء «الجناح» أيضاً، والظاهر أنّ المراد استثناء السَبَق في الطيور كالحمام وغيره، والمشهور بين علمائنا رضوان الله تعالى عليهم عدم جواز السبق فيها، حيث يحملون الحديث المذكور على خصوص السهم، ولا يخلو من بُعد، لأنّ السهم داخل في «نصل» المستثنى في الحديث المذكور، فيكون من غير الصحيح استثناؤه على حدة بلفظ «جناح».

وقد اعتبر بعض العلماء هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة ونقلوا حكاية لوضعه، وقد روى الشيخ الصدوق محمد بن بابويه طاب ثراه ـ وهو من أعاظم محدِّثينا ـ في كتاب «من لا يحضره الفقيه» عن العلاء بن سيابة قال: «سألت أباعبدالله(عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام. قال: لا بأس إذا كان لا يُعرف بفسق. قلت: فإنّ من قبلنا يقولون: قال عمر: هو الشيطان؟! فقال: سبحان الله! أما علمتَ أنّ رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه، ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل فإنّها تحضره..».

وهذا الحديث موافق لما نقله أهل السنّة، ويُعلم منه أنّ حكاية وضع الحديث على النحو الّذي نقله البعض أمر لا أصل له، ويُعلم منه أيضاً أنّ المراد بـ «جناح» في الحديث ليس السهم بل الحمام أو ما يتضمّن ذلك، ولمّا كان الشيخ الصدوق قد قال في ديباجة الكتاب المذكور «... قصدتُ إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذِكره وتعالت قدرتُه».

فالظاهر أنّه يفتي بمضمون الحديث المذكور وأنّ مذهبه ذلك، منتهى الأمر أنّ المشهور بين علمائنا هو عدم جواز الرهن إلاّ في النصل والخفّ والحافر ولم يُنقل في ذلك خلاف، لا عن الشيخ الصدوق ولا عن غيره، بل ادّعى الشيخ المحقّق الشيخ زين الدين(رحمه الله) في كتاب شرح الشرائع إجماع أصحابنا عليه، ولو ثبت الإجماع المذكور فيجب استبعاد الحديث المذكور لعدم إمكان تأويله، وأمّا ما جاء في الحديث المذكور من عدم قصور شهادة من يلعب بالحمام إذا لم يُعرف بالفسق فظاهره موافق لمذهب بعض أصحابنا مثل الشيخ المحقق الشهيد السعيد محمد بن مكي(قدس سره) الّذي لا يعتبر اللعب بالحمام حراماً بل يعتبره مكروهاً، ويمكن حمل مذهب البعض الآخر ممّن يحرّمه ـ كالفاضل محمد بن إدريس ـ على من يجعله يطير لأجل تعليمه حمل الرسائل لتضمّنه مصلحةً، وقد يُحتاج اليه في الجهاد وغيره، ونقول بأنّه حرام إذا كان لمحض اللهو واللعب، منتهى الأمر أنّ هذا المعنى خلاف ظاهر الحديث المذكور. والله تعالى يعلم.

أمّا المراهنة في غير ذلك، كالمراهنة في مسابقات العدو المصارعة وسباق القوارب وحمل الصخور ورميها فالظاهر أنّه لا خلاف بين أصحابنا في حُرمتها، وقد أجاز بعض علماء السنّة المراهنة في بعضها، كالعدو والمصارعة باعتبار أنّ ممارستها نافعة في الجهاد وأمثاله وقد نقلوا بعض الأحاديث كدليل عليها، وهي أحاديث لم تُنقل عن طرقنا، وإنّ مجرّد وجود مصلحة في ممارسة تلك الأُمور لاتصح سبباً لتجويز المراهنة فيها مع وجود تصريح النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بنفي السبق إلاّ في ثلاثة أُمور أو أربعة أمور، حيث نُقل الحديثان عن طرقنا وطرقهم، أمّا المسابقة في أمثال هذه الأُمور بدون مراهنة فقد حرّمه أيضاً بعض علمائنا وأجازه البعض الآخر وخصّص حرمته فيما إذا اقترن بالمراهنة، ودليل القول الأوّل ضعيف، أمّا القول الثاني بالجواز فهو أقوى، إلاّ أنّ يخلو من المصلحة والفائدة ويكون مجرّد لهو ولعب، مع أنّ الحكم بحرمة كلّ لهو ولعب لا يخلو ـ بدوره ـ من إشكال، والله تعالى يعلم.

1265 ـ الْغَنِيُّ مَنِ اسْتَغْنى بِالْقَنَاعَةِ .

الغنيّ من استغنى بالقناعة، لأنّه غِنى بحسب الدنيا والآخرة، ولأنّه غنى ثابت وباق، بخلاف غنى المال والأسباب الّذي هو غنى وتمكّن بحسب الدنيا والّذي هو في معرض الزوال والفناء.

1266 ـ الْعَزِيزُ مَنِ اعْتَزَّ بِالطَّاعَةِ .

العزيز من اعتزّ بالطاعة والانقياد للحقّ تعالى، لأنّها عزّة بحسب الدنيا والآخرة، ولأنّها عزّة دائمة لا تزول، خلافاً لباقي أنواع العزّة الّتي إن وُجدت كانت بحسب الدنيا وكانت في معرض التغيير والزوال.

1267 ـ الأَباطِيلُ مُوقِعَةٌ فِي الأَضالِيلِ .

الأباطيل مُوقعة في الأضاليل; أي أنّ من ارتكب باطلا فإنّ الغالب هو أنّه يقع بسبب ذلك في ضلالات أُخرى من أجل أن يُظهر باطلَه في صورة الحق. أو أنّ المراد أنّه سيوقع غيره أيضاً في الضلال وأنّه سيتحمّل وزر ذلك الضلال، كما أنّ الباطل في باب الخلافة كان سبباً في ضلال جمع كثير في كلّ عصر من العصور السالفة إلى يومنا هذا، وسيكون سبباً في ضلال آخرين، وسيكون وبال ذلك كلّه إلى يوم القيامة على مؤسس ذلك الضلال وأعوانه وأنصاره.

ويمكن أن يكون المراد هو أنّ الباطل سرعان ما يوقع الناس في الضلال فيتبعون ذلك الضلال، باعتبار أنّ أكثر الطباع مائلة إلى الباطل وأنّ الشيطان يكون معيناً على ذلك، خلافاً للحقّ الّذي يندر أن يتبعه أحد، والّذي لا يتبعه الناس بسرعة.

1268 ـ الْبَخِيلُ مُتَحَجِّجٌ(9) بِالْمَعاذِيرِ وَالْتَّعالِيلِ .

البخيل يتحجّج بالأعذار والتعاليل، أي يتحجّج بها لكي لا يعطي شيئاً لأحد طلب منه، فيذكر له من الأعذار ما يتغلّب به عليه فيكون الطالب عاجزاً، لكنّ ذلك كلّه حجّة وذريعة، أمّا السبب الحقيقي فليس إلاّ بُخل ذلك البخيل.

1269 ـ الْعَقْلُ زَيْنٌ لِمَنْ رُزِقَهُ .

العقل زَين لمن رُزقه، أي زينة لمن منحه الله تعالى العقل.

1270 ـ الْعِلْمُ رُشْدٌ لِمَنْ عَمِلَ بِهِ .

العلم رشد لمن عمل به، و «الرشد» بمعنى الاستقامة على سبيل الحقّ والصلابة فيه.

1271 ـ الْفِكْرُ فِي غَيْرِ الْحِكْمَةِ هَوَسٌ .

الفكر في غير الحكمة هَوَس. و «الهوس» كما قال أهل اللغة ضَرْب من الجنون، وقد شاع استعماله في الرغبات الّتي لا طائل وراءها. والمراد بـ «الحكمة» الحكمة المذكورة في الآية الكريمة (يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)(10) أي كلّ خير كثير كما قال بعض المفسّرين، وقد فسّر المفسّرون «الحكمة» هنا بتحقيق العلم وإحكام العمل، يعني تحقيق العلوم الدينيّة الّتي يأمر الدين بتعلّمها وإحكام العمل بما يتعلّق منها بالعمل، كعلم الفقه. وقريب من هذا ما روي عن الإمام الصادق صلوات الله عليه أنّه قال في تفسير الحكمة في هذه الآية: «هي طاعة الله ومعرفة الإمام».

وفي حديث آخر عنه صلوات الله وسلامه عليه «معرفة الإمام واجتناب الكبائر الّتي أوجب الله عليها النار». وفي حديث آخر «إنّ الحكمة المعرفة والتفقّه في الدين; فمن فقه منكم فهو حكيم; وما من أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس مِن فقيه».

ولا يخفى أنّ المراد بالمعرفة في هذا الحديث الشريف يمكن أن يكون المعرفة بالمبدأ والمعاد، وأنّ المراد بالفقه العلم بالأحكام; وأنّ قوله(عليه السلام): «فمن فقه منكم فهو حكيم» مبني على أنّ العلم بالفقه موقوف على معرفة المعنى المذكور.

ويمكن أن يكون المراد بالمعرفة هو الفقه في الدين، فيكون تفسيرها الفقه في الدين، وبناءً عليه يكون المراد بالفقه في الدين العلم في الدين، الّذي يشمل العلم بالأصول والفروع كليهما. وقد روى رئيس المحدّثين محمد بن بابويه(رحمه الله) في كتاب «الخصال» عن رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم) «رأس الحكمة مخافة الله». وروي في الخصال والكافي أنّه بينا رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسولالله؟ فقال: ما أنتم؟ قالوا: نحن مؤمنون يا رسولالله.

قال: فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله، فقال رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم): علماء حكماء...»، أي أنّ المجموعة الّتي صفتها هكذا علماء حكماء.

ويمكن أن يكون رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد وجّه كلامه هذا إلى الآخرين، وكان المراد أنّ هؤلاء الركب علماء حكماء لأنّه علم صدقهم، ثمّ أنّه التفت إليهم وقال: «... إن كنتم صادقين...» إلى آخر كلامه; وهذا لا ينافي كونه(صلى الله عليه وآله وسلم) قد علم صدقهم واقعاً، كما لا يخفى من كلامه(صلى الله عليه وآله وسلم) «... علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء; إن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتّقوا الله الّذي إليه تُحشرون».

وروي في تفسير مجمع البيان عن النبي المرسل(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله آتاني القرآن، وآتاني من الحكمة مثل القرآن، وما مِن بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلاّ كان خراباً; ألا فتفقّهوا وتعلّموا فلا تموتوا جهّالا».

1272 ـ الْصَّمْتُ بِغَيْرِ تَفَكُّر خَرَسٌ .

الصمت بغير تفكّر خرس، أي بمنزلة الخَرَس. والصمت المستحسن هو الّذي ينشغل فيه الإنسان بالتفكّر النافع.

1273 ـ الْخُلُقُ الْمَحْمُودُ مِنْ ثِمارِ الْعَقْلِ .

الخُلُق المحمود من ثمار العقل. ويمكن أن يكون المراد بـ «العقل» هنا العِلم والمعرفة بقرينة المقابلة مع الجهل في الفقرة اللاحقة.

1274 ـ اللِّسانُ مِيزانُ الإِنْسانِ.

اللسان ميزان الإنسان، لأنّ وزن عقل وفطنة كلّ شخص يظهر من لسانه وكلامه.

1275 ـ الْكِذْبُ شَيْنُ اللِّسانِ .

1276 ـ الْعاقِلُ مَنِ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ .

العاقل من اتّعظ بغيره، أي أنّ مشاهدة نفع الآخرين وضررهم كاف لوعظ العاقل وفي إقدامه على الأُمور أو اجتنابه إيّاها، لا أن يكون بنفسه آلةً للتجربة يتّعظ بها الآخرون.

1277 ـ الْجاهِلُ مَنِ انْخَدَعَ لِهَواهُ(11) وَغُرُورِهِ .

الجاهل من انخدع لهواه وغروره، أي من انخدع بها وزيّنها في نظره من المطالب الدنيويّة الباطلة.

1278 ـ الْمَغْبُوطُ مَنْ قَوِيَ يَقِينُهُ .

المغبوط من قوي يقينه; و «المغبوط» هو الّذي أُنعم عليه بنعمة تمنّى غيره أن يُرزق مثلها، لا أن تنتقل إليه من صاحبها. والمراد هو أنّ النعمة الّتي يملكها الشخص وتستحقّ أن يتمنّاها الناس هي قوّة يقينه، أي قوّة يقينه بأحوال المبدأ والمعاد.

1279 ـ الْمَغْبُونُ مَنْ فَسَدَ دِينُهُ .

المغبون مَن فسد دينُه. و «المغبون» هو المخدوع، حيث يقال: «فلان غُبن في الشراء أو البيع» أي أنّه خدع فاشترى بأكثر من القيمة الحقيقية أو باع بأقلّ من القيمة الحقيقيّة. والمراد هو أنّ الغبن الأساس هو أن يفعل الإنسان ما يُلحق الضرر بدينه ولو كان في ذلك نفع لدُنياه، أو سائر أنواع الغبن الّتي يكون ضررها في الدنيا فقط فسهلة يسيرة.

1280 ـ الْمُؤْمِنُ مُنِيبٌ مُسْتَغْفِرٌ تَوَّابٌ .

المؤمن ـ وهو المصدّق بالله ورسوله وبكلام رسوله ـ مُنيب مستغفر توّاب; والمراد هو أنّ على المؤمن أن يكون كذلك، أمّا من ليس كذلك فإيمانه غير كامل، فكأنّه غير مؤمن. و «الإنابة» هي الرجوع عن الذنب، أي الندم عليه والعودة إلى الحقّ تعالى وطاعته والانقياد إليه، و «التوبة» بهذا المعنى أيضاً، وقد جاء ذِكرها للتأكيد. أمّا «الاستغفار» فيعني طلب المغفرة، وقد يستعمل في طلب المغفرة المقرون بالتوبة والندم، وعلى كلّ تقدير فقد ورد ذكره بمنزلة التأكيد.

1281 ـ الْمُنافِقُ مَكُورٌ مُضِرٌّ مُرْتابٌ .

المنافق ـ وهو من يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر ـ مَكور مضرّ مرتاب، أي أنّ علامة المنافق هي أنّه كثير المكر بالمؤمنين ومضرّ لهم ومرتاب، أي شاكّ بالمؤمنين لا يثق بهم، أو أنّه يفعل أُموراً تجعل المؤمنين يرتابون فيه.

1282 ـ أَصابَ مُتأَنٍّ أَوْ كادَ، أَخْطَأَ مُسْتَعْجِلٌ أَوْ كادَ .

أصاب متأنٍّ أو كاد، أي أنّ من يتأنّى في عمله ولا يفعل أمراً دونما تأمّل وتفكّر فإنّه سيصل إلى مطلبه أو يقترن منه ولا يشطّ عنه; أمّا المستعجل فإنّه سيخطأ أو يقترب من الخطأ، فلا يصدر منه صواب بعيد عن الخطأ.

1283 ـ الْعَقْلُ فِي الْغُرْبَةِ قُرْبَةٌ .

العقل في الغربة قربة; أي بمنزلة القرب من الوطن، والعاقل حيثما حلّ فإنّه يُحكم من كان في وطنه، لأنّه بسبب عقله سيسلك مع الناس ـ حيثما كان ـ سلوكاً يستأنسون معه به ويألفونه ويودّونه ويتعاطفون معه كأنّهم أهل وطنه.

1284 ـ الْحُمْقُ فِي الْوَطَنِ غُرْبَةٌ .

الحُمق في الوطن غُربة، أي بمنزلة الغربة، لأنّ الأحمق يسلك سلوكاً يجعل الناس ينفرون منه ولا يألفونه، فيكون له ـ وهو في وطنه ـ حكم الغريب.

1285 ـ الْسَّعِيدُ مَنْ أَخْلَصَ الْطَّاعَةَ .

السعيد من أخلص الطاعة والانقياد للحقّ تعالى ولا يجعلها مشوبة بشائبة من رياء وأمثاله.

1286 ـ الْغَنِيُّ مَنْ آثَرَ الْقَناعَةَ .

الغنيّ من آثر القناعة; أي أنّ أساس الغنى هو أن يقنع الإنسان ولا يجعل نفسه محتاجاً لغيره، لأنّ هذا الغنى لا ينتابه فتور ولا ضعف، بخلاف أنواع الغنى الأُخرى الّتي تتعلّق بالمال والملك، لأنّها في معرض الزوال والاختلال.

1287 ـ الْدِّينُ يَصُدُّ عَنِ الْمَحارِمِ .

الدين يصد عن المحارم; أي أنّ المتديّن المتصلّب في الدين يصد نفسه عن أنواع الحرام فلا يرتكب شيئاً منها.

1288 ـ الْمُرُوءَةُ تَحُثُّ عَلى الْمَكارِمِ .

المروءة ـ وهي الرجولة أو الإنسانيّة ـ تحثّ على المكارم، أي تدفع صاحبها على فِعل الأفعال الحسنة واكتساب الخصال والأخلاق الحميدة.

1289 ـ الْكَرَمُ تَحَمُّلُ أَعْباءِ الْمَغارِمِ .

الكرم تحمّل أعباء المغارم; أي انّ المصداق الكامل للكرم هو أن يتحمّل الإنسان سداد ديون الناس ويخلّصهم من أعباء الديون الثقيلة. ويمكن أن يكون المراد بـ «المغارم» أُمور عديدة يلزم صاحبها أداؤها، كالزكاة والخُمس ونفقة مَن تجب نفقته عليه، فيكون المراد أنّ الكرم هو أن يتحمّل الإنسان ثقل ما كان أداؤه واجباً شرعاً على الغارم، فمن تحمّلها بأجمعها وتكفّل بأدائها ولم يُخلّ بشيء منها فهو كريم، بل هذا هو نهاية الكرم كما جاء في بعض الأحاديث.

1290 ـ الْنَّصِيحَةُ مِنْ أَخْلاقِ الْكِرامِ .

النصيحة ـ وهي الإخلاص للناس وعدم غشّهم ـ من أخلاق الكرام.

1291 ـ الْغِشُّ مِنْ أَخْلاقِ اللِّئامِ .

الغشّ ـ وهو عدم الإخلاص للناس وأن يُظهر لهم خلاف ما في باطنه ـ من أخلاق اللئام المسيئين.

1292 ـ الْشُّكْرُ تَرْجُمانُ النِّيَّةِ وَلِسانُ الطَّوِيَّةِ.

الشكر ترجمان النيّة ولسان الطويّة. و «الترجمان» هو من يفسّر كلاماً يُقال بلغة أُخرى; و «الطويّة» بمعنى الضمير، أي ما يدور في الخاطر. والمراد هو أنّ شكر نعمة الحقّ تعالى ـ الّذي صار واجباً ـ لأجل أن يُظهر الإنسان نيّته وما في ضميره، وأنّ أصل ذلك في نيّته وضميره. فالأصل هو الاعتقاد القلبي والتعظيم الباطني وإنّ الشكر باللسان أو بالجوارح الأُخرى يجب أن يوافق ذلك الاعتقاد وينشأ منه، ولولا ذلك لم يكن ذلك شكراً ولم يترتّب عليه أثر.

ولا يخفى أنّ «الشكر» ـ كما ذكرنا قبلا ـ هو كلّ فعل مُنبىء عن تعظيم صاحب النعمة، سواءً باللسان أو بالجوارح الأُخرى أو بالقلب، منتهى الأمر لمّا كان أشهر أفراد الشكر وأظهرها هو الشكر باللسان أو بسواه من الجوارح الأُخرى، فقد استعمل الشكر في هذه الفقرة في أحدها كما يظهر من التأمّل في شرح ذلك.

1293 ـ إخْلاصُ الْعَمَلِ مِنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ وَصَلاحِ النِّيَّةِ .

إخلاص العمل من قوّة اليقين وصَلاح النيّة، أي أنّ إخلاص الطاعات والعبادات للحقّ تعالى وامتثال أوامره وتحصيل رضاه والتقرّب له وعدم مزج ذلك بغرض آخر هو من قوّة اليقين، أي ينشأ من ذلك. وإنّ من له يقين قوي بأحوال المبدأ والمعاد يُخلص طاعاته وعباداته، وذلك من صدق النيّة. أي أنّ المعتبر في الصحّة هو النيّة، أمّا النيّة في الطاعات إذا لم تكن خالصة لم تكن صحيحة; أو أنّ الطاعات والعبادات ناشئة من النيّة الصحيحة، وما لم تكن النيّة صحيحة لم تكن الأعمال خالصة، ومآل كلا الأمرين واحد.

1294 ـ الْمَصائِبُ بِآلسَّوِيَّةِ مَقْسُومَةٌ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ .

المصائب مقسومة بالسوية والعدل بين البريّة; والغرض أنّه يجب أن لا يتصوّر أحد أنّ هناك حيفاً وظلماً في قسمة المصائب، بل هي مقسومة بكمال العدل، فكلّ من أصابته مُصيبة فإمّا أن يكون استحقّها باعتبار ذنب من الذنوب، أو أنّ مصلحة حاله في أن يناله أجر وثواب على تلك المصيبة، أمّا سواه فليس قابلا للأجر والثواب.

1295 ـ الْعالِمُ الَّذِي لا يَمُلُّ مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ .

العالم الّذي لا يملّ مَن تعلّم العلم; أي مع وجود العلم الّذي يمتلكه فإنّه يسعى في تعلّم علوم أُخرى يفتقر إليها، ويكون مشغوفاً بذلك لا يملّ منه. ويمكن أن يكون المراد هو أنّه لا يملّ من تعلّم الآخرين العلم منه ولا يملّ من تعليم الآخرين; أو أنّ المراد هو أنّ العالم هو الّذي له من الشوق والرغبة في تعلّم العلم بحيث أنّه لا يملّ من ذلك ولا يتكدّر أبداً.

1296 ـ الْحَلِيمُ الَّذِي لا يَشُقُّ عَلَيْهِ مَؤُنَةُ الْحِلْمِ .

الحليم هو الّذي لا يشقّ عليه مؤنة الحلم والقيام بما يتطلبّه الحلم، مثل كظم الغيظ والتأمّل والتفكّر في الأُمور الّتي تسبّب كظم الغيظ.

1297 ـ الْمُؤْمِنُ غَرِيزَتُهُ النُّصْحُ وَسَجِيَّتُهُ الْكَظْمُ .

المؤمن غريزته وخصلته محض النصح للناس وعدم غشّهم وعدم الإساءة إليهم، وسجيّته وخُلُقه كظم الغيظ.

1298 ـ الأَيَّامُ تُوضِحُ السَّرائِرَ الْكامِنَةَ .

الأيّام توضح السرائر الكامنة، أي أنّ الأسرار المستورة تتّضح بمرور الأيّام، ومن فوائد هذا المعنى أنّ الّذين يريدون أن لا يطّلع الناس على مساوئهم عليهم أن لا يرتكبوا سوءاً، وإلاّ فإنّهم مهما ستروا ذلك السوء وأخفوه فإنّه سيظهر وينكشف بعد فترة قصيرة.

1299 ـ الأَعْمالُ فِي الدُّنْيا تِجارَةُ الأَخِرَةِ(12) .

الأعمال في الدنيا تجارة الآخرة، أي أنّها بمنزلة البضاعة الّتي يعدّها الناس في الدنيا من أجل أن يأخذونها إلى الآخرة فيبيعونها; فيجب إذاً السعي في تحصيل البضاعة الّتي تكون مظنّة للربح وليس الضرر والخُسران.

1300 ـ الْفَقْرُ مَعَ الدَّيْنِ الْمَوْتُ الأَحْمَرُ .

الفقر مع الدَّين هو الموت الأحمر، أي بمنزلة الموت الأحمر. والمراد بـ «الموت الأحمر» القتل أو الموت الشديد، وعلى كلّ تقدير فالغرض هو بيان مشقّة تحمّل ذلك كي لا يُبتلى الناس بذلك تبعاً لإسرافهم وتبذيرهم، ولكي يدعون ويسعون حسب جهدهم أن لا يبتلوا، وليس فيه مطلقاً ذم للحال الأخروي لمثل هذا الشخص، ولو كان الشخص لا يخلو من تقصير في ذلك، لأنّ من الظاهر أنّ هذا المعنى إذا لم يكن عن اختيار فإنّه لا يضرّ بآخرة الإنسان، بل الصبر عليه باعث على الأجر العظيم والثواب الجسيم.

 

الهوامش:

(1) أورد الشارح(رحمه الله) كلمة «اطّراح» بسكون الطاء واعتبرها مصدراً من باب افعال، واعتقد أنّ ذلك كان سهواً منه، لأنّ اطراح ـ بتخفيف الطاء ـ غير مستعمل، خلافاً لـ «اطّراح» ـ من باب افتعال ـ الّذي هو كثير الاستعمال ومعروف. يقال: اطّرحه: أي رماه وقذفه أو أبعده.

(2) ضبط الشارح(رحمه الله) كلمة «الدولة» بفتح الدال وسكون الواو، إلاّ أنّه أكثر مناسبةً بضمّ الدال، من قبيل (كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ) الحشر: 7.

(3) ضبط الشارح(رحمه الله) كلمة «تجبر» بكسر الباء، لكنّ لغتها بضمّ الباب من باب «نَصَرَ يَنْصُرُ».

(4) ضبط الشارح(رحمه الله) كلمة «شرف» بفتح الشين والراء، وعدها بمعنى العالي، وقد وردت في كتب اللغة بهذا المعنى، فقد ذكر أصحاب اللغة ضمن معانيها «... والمكان العالي».

(5) يوسف: 82.

(6) وهپا المعنى أقرب للصواب، وهو أفضل من المعنى الأوّل، ويعضده الأخبار الواردة في فضيلة انتظار الفرج (المصحح).

(7) و (8) نقل الشارح(رحمه الله) هاتين الفقرتين معاً، وأورد شرحهما في موضع واحد.

(9) أورد الشارح(رحمه الله) هذه الكلمة على أنّها اسم فاعل من «تحجّج» بمعنى المحتجّ والمتغلّب وطبع بهذا اللفظ في طبعة صيدا أيضاً (ص 16: س 18) وفي طبعة بمبي ما يشبه ذلك (ص 37: س 2); ولا يخطر ببالي أنّني شاهدت في كتب اللغة أنّ «حجج» قد استعمل في باب «تفعّل»، فإن ثبت استعمال هذه الكلمة فإنّ المعنى المذكور في الشرح سيكون مناسباً جداً، وإن لم يثبت ذلك فالأفضل قراءة الكلمة بلفظ «متبجّح» كما هو في النسخة المطبوعة في دمشق «ص 41، س 9)، و «متبحّح» اسم فاعل من باب تفعّل من مادة «ب ج ح»، وجاء في كتب اللغة: «تبجّح: افتخرَ وتعظّم وتباهى».

(10) البقرة: 269.

(11) في طبعة دمشق (ص 42، س 1): «بهواه»; وجاء في كتب اللغة: «انخدع به: انغشّ».

(12) قال السيّد محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي ذيل العبارة: (الغرر والدرر طبع دمشق ص 42) «أضاف التجارة إلى الآخرة لأنّ نتيجة الأعمال الّتي هي ربح تلك الآخرة إنّما تظهر في الآخرة».