1301 ـ الْفَقْرُ مَعَ الدَّيْنِ الشَّقاءُ الأَكْبَرُ .

الفقر مع الدَّين هو الشقاء الأكبر، وهذه الفقرة أيضاً تتضمّن ذم الفقر مع الدَّين بتعبير آخر، والمراد به الشقاء بحسب الدنيا وليس بحسب الآخرة كما هو واضح من شرح الفقرة السابقة. ويمكن أن تُقرأ «الدّين» بكسر الدال وليس بفتحها، وتقرأ «الشفاء» بالفاء وليس بالقاف، فيكون المعنى أنّ الفقر مع التديّن هو الشفاء الأكبر، أي أنّه في الآخرة الشفاء الأكبر من الآلام.

1302 ـ الْتَّأَنِّي فِي الْفِعْلِ يُؤْمِنُ الْخَطَلَ .

التأنّي والتريث في الفعل وعدم الاستعجال فيه من دون تأمّل وتفكّر يؤمن الإنسان من الخَطَل، أي من عدم إحكام الفعل وعدم إتقانه، أو من السباب والكلام الفاسد، أي يؤمن الإنسان من أن يسبّه الناس ويقولون فيه سوءاً.

1303 ـ الْتَّرَوِّي فِي الْقَوْلِ يُؤمِنُ الزَّلَلَ .

التروّي والتأمّل في القول، وعدم التفوّه بكلام إلاّ بعد التأمّل والتفكّر يؤمن الإنسان من الزلل والخطأ.

1304 ـ الْمُواساةُ أَفْضَلُ الأَعْمالِ .

المواساة مع الناس أفضل الأعمال وأجلّها. و «المواساة» هي مساواة الغير مع النفس وإشراكه في المال الّذي يمتلكه الإنسان. والمراد بأفضليّتها على سائر الأعمال أنّها تسبّب ارتفاع قدر الإنسان وعلوّ رتبته بين الناس أكثر من كلّ فعل آخر، على الرغم من أنّ الأجر والثواب الأخروي لبعض الأعمال ـ كالصلاة والحجّ ـ يفوقها، حيث ورد في الحديث: «صلاة فريضة خيرٌ من عشرين حجّة، وحجّة خير من بيت مملوء ذهباً يتصدّق منه حتى يفنى»(1).

أو أنّ المراد هو أفضليّتها بحسب الأجر والثواب نسبة إلى أكثر الأعمال مع استثناء بعض الأعمال الّتي يفوق ثوابها ثواب المواساة، لأنّ التخصيص في العمومات أمر شائع بل مشهور، إذ ليس من عامّ إلاّ وخُصّص.

ويمكن أن يكون أجر وثواب هذه المرتبة من الكرم والجود الّتي يعتبر فيها المرء الناس شركاءه في ماله أكثر من أجر وثواب جميع الأعمال، ونقول بأنّ ماورد في باب الصلاة والحجّ لا منافاة له مع ذلك، لأنّ من الممكن أنّ ثواب الحجّ أكثر من ثواب التصدّق ببيت مملوء ذهباً من فضل مال الإنسان وزيادة على مايحتاجه كما هو المتعارف في الصدقات، وهذا لا منافاة له مع أن يساوي الإنسان نفسه مع الآخرين في ماله ـ سواء كان قليلا أو كثيراً ـ ولا يرجّح نفسه عليهم، فيكون ثوابه وأجره أكبر من الصلاة والحجّ، والله تعالى يعلم.

1305 ـ الْمُداراةُ أَحْمَدُ الْخِلالِ .

مداراة الناس أحمد الخصال. و «المداراة» هي الرفق بالناس والإحسان إليهم والتحدّث إليهم بلطف والابتعاد عن كلّ ما يخالف الآداب وعن الفظاظة والخشونة في معاشرتهم.

1306 ـ أَخُو الْعِزِّ مَنْ تَحَلّى بِالطَّاعَةِ .

أخو العزّ ـ أي رفيق العزّ وصاحبه ـ من تحلّى بالطاعة وتزيّن بالانقياد للحقّ تعالى.

1307 ـ أَخُو الْغِنى مَن الْتَحَفَ بِالقَناعَةِ .

أخو الغِنى ـ أي رفيق الغنى وصاحبه ـ من التحف القناعة، أي من اتّخذ القناعة والزهد لحافاً يغطّيه ويستر حاله عن الناس. ولا يخفى أنّ مثل هذا الشخص غنيّ عن الناس، إذ ليس الغنى في حقيقته إلاّ الاستغناء عن الناس.

1308 ـ الْزُّهْدُ فِي الْدُّنْيا الرَّاحَةُ الْعُظْمى .

الزهد في الدنيا وتركها الراحة العظمى، لأنّه راحة الدنيا والآخرة; والمراد هو ترك ما زاد عن قدر الضرورة، وقد مرّت الإشارة إليه سابقاً.

1309 ـ الاِسْتِهْتارُ بِالنِّساءِ شِيمَةُ النَّوْكى .

الاستهتار بالنساء خصلة الحمقى. والاستهتار بالشيء الافتتان به والحرص عليه بلا مبالاة بذمّ الناس ونقدهم في ذلك; والمراد هو أنّ الحرص على النساء والإفراط في محبّتهن والافتتان بهنّ ـ وهو ما يُدعى بالعشق ـ مذموم، أمّا الحرص على المقاربة فهي ممدوحة وهي من سنن الأنبياء كما هو وراد في الأحاديث.

ويمكن أن يكون المراد هو الافراط في ذلك والزيادة فيه بحيث يكون باعثاً على ذمّ الناس وانتقادهم، أمّا الممدوح منه فهو الّذي لا يبلغ هذه المرتبة.

وقال بعض أهل اللغة أنّ الاستهتار بالشيء هو أن يحرص الإنسان عليه فلا يعدوه في فعل ولا قول، وبناءً على ذلك فإنّ الظاهر أنّ الاستهتار بالنساء ـ بكلا الوجهين ـ من خصال الحمقى.

1310 ـ الإِتِّكالُ عَلى الْقَضاءِ أَرْوَحُ .

الاتّكال والاعتماد على تقدير الحقّ تعالى وقضائه أروح، وليس المراد ـ كما هو ظاهر من الأحاديث الأخرى، وكما مرّت الإشارة سابقاً ـ أنّ ترك السعي في أُمور الدنيا كلياً والاتّكال في جميع ذلك على التقدير والقضاء هو أروح وأفضل، بل الأفضل والأروح الاقتصار في السعي في الجملة على القدر الضروري للعيش، والاعتماد في باقي ذلك على قضاء الله تعالى وتقديره، وبناءً على ذلك فلا مجال للشكّ والشبهة في أنّ هذا المعنى أروح.

1311 ـ الإشْتِغالُ بِتَهْذِيبِ الْنَّفْسِ أَصْلَحُ .

الاشتغال بتهذيب النفس ـ أي تهذيبها من الصفات الذميمة والأفعال غير المقبولة ـ أصلح; أي أنّ صلاح حاله في ذلك أكثر من صلاحه عند الاشتغال بالأُمور الدنيويّة الّتي ورد في الفقرة السابقة أنّ ترك السعي فيها والاعتماد على قضاء الحقّ تعالى وتقديره أروح، إذ أنّ ثمرة ذلك غير معلومة، وعلى تقدير وجود ثمرة له فإنّه سيكون زائلا فانياً، أمّا هذا ـ الاشتغال بتهذيب النفس ـ فثمراته متيقِّنة وباقية لا تزول.

1312 ـ الْعَمَلُ بِطاعَةِ اللهِ أَرْبَحُ .

العمل بطاعة الله والانقياد له أربح، أي أربح من أي عمل سواه.

1313 ـ الْرَّجاءُ لِرَحْمَةِ اللهِ أَنْجَحُ .

الرجاء لرحمة الله أنجح، أي أنجح من كلّ شيء سواه.

1314 ـ الْحُرُّ حُرٌّ وَإِنْ مَسَّهُ الضُّرُّ; الْعَبْدُ عَبْدٌ وَإِنْ ساعَدَهُ الْقَدَرُ .

الحرّ حرّ وإن مسّه الضرّ، والعبد عبدٌ وإن ساعده تقدير الحقّ تعالى; أي أنّ من حرّر نفسه من عبودية الطمع والجشع فلم يعد أسيراً للهوى فإنّه حرّ دوماً، ومهما مسّه الضرّ والمشقّة فإنّه لن يخضع لعبودية الناس ويرضخ لتملّقهم ومُداهنتهم; وأنّ من جعل نفسه عبداً أسيراً للطمع والجشع فإنّه عبد دوماً، ومهما ساعده تقدير الحقّ تعالى فحقّق مطالبه فإنّه لن يترك خصلته، بل يتملّكه هوى ورغبة في غير تلك المطالب فيقع لأجلها في عبوديّة الناس.

1315 ـ الْكَرَمُ إِيثارُ الْعِرْضِ عَلى الْمالِ .

الكرم ـ وهو الشرف وجلال المقام ـ إيثار العِرْض على المال; أي أنّ الكريم مهما تمكّن ببذل ماله من حِفظ عِرضه فإنّه يفعل ويصون عرضه، ولا يرضى لنفسه أن يُصان مالُه ويُهتك عِرضه.

1316 ـ اللُّؤْمُ إِيثارُ الْمالِ عَلى الرِّجالِ .

اللؤم ـ وهو الخِسّة والدناءة ـ إيثار المال وتفضيله على الرجال; يعني أنّ اللؤم هو أن يفضّل الرجل ماله وثروته على الرجال، فيفضّل حفظ المال على حفظ الرجال، ويرضى بهتك عِرض الرجال من أجل حفظ المال وصونه.

1317 ـ الْعَقْلُ رُقِيٌّ إلى عِلّيِّينَ .

العقل رقيّ إلى عليّين، أي أنّه يرقى بصاحبه ويرفعه إلى عليّين; و «عليّين» اسم موضع في السماء السابعة.

ويمكن أن يكون المراد هنا أعلى مراتب الشرف والعبودية، أو أعلى درجات الجنّة.

1318 ـ الْهَوى هَوِيٌّ إِلى سافِلِ سُفْلِيِّينَ.

الهوى والرغبة هويّ وسقوط إلى سافل سفليين، أي إلى أسفل مواضع التسافل والدناءة، أي أنّ الهوى يخفض صاحبه ويهوي به إلى أسفل مراتب الدناءة والذلّ، أو مراتب العصيان والضّلال، أو أسفل دركات جهنّم.

1319 ـ الْتَّعاوُنُ عَلى إِقامَةِ الْحَقِّ أَمانَةٌ وَدِيانَةٌ .

التعاون على إقامة الحقّ أمانة وديانة، والمراد بالأمانة هنا هو إقامة الحقوق الإلهيّة وترويجها بالأمر بما يجب أن يؤمر به، والنهي عمّا يجب أن يُنهى عنه بالتفصيل المذكور في الكتب الفقهية في باب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وكون هذا المعنى من الديانة ظاهر، وكونه أمانة باعتبار أنّ لكلّ شخص على الآخر حقّاً في أن يُعينه في هذا الباب، فمن أدّى ذلك فقد أدّى حقّه، وكأنّه قد أدّى إليه أمانته وكاناً أميناً في حفظها.

1320 ـ الْتَّظافُرُ عَلى نَصْير الْباطِلِ لُؤْمٌ وَخِيانَةٌ .

التظافر والتعاضد على نصر الباطل لؤم وخيانة، أي أنّه سببٌ في استحقاق الملامة، وأنّه خيانة للحقّ تعالى، بل خيانة أيضاً لمن نصره، لأنّ حقّه علىشخص أن يمنعه من الباطل، فمن أعانه ونصره على الباطل فقد خانه ولم يؤدّ إليه حقّه، بل فعل خلاف ذلك.

1321 ـ الْمَعْرُوفُ أَنْمى زَرْع وَأفْضَلُ كَنْز .

المعروف والإحسان إلى الناس أنمى زرع وأفضل كنز، لأنّ الزرع والكنز اللذين ينفعَان في الآخرة وينفعان أكثر الأوقات في الدنيا أيضاً، فأين هناك زرع وكنز مثلهما؟

1322 ـ الْتَّقْوى أَوْفَقُ حِصْن وَأَوْقى حِرْز .

التقوى ـ وهي الورع وخشية الله عز وجل ـ أحصن حصن وأوقى حرز ـ أي تعويذ أو الموضع المحكم ـ وفي بعض النسخ «أوفى» بالفاء لا بالقاف.

1323 ـ الْغِنى عَنِ الْمُلُوكِ أَفْضَلُ مُلْك .

الغِنى عن الملوك وقطع الطمع عنهم أفضل مُلك أي أفضل وأحسن ملوكيّة.

1324 ـ الْجُرْأَةُ عَلى السُّلْطانِ أَعْجَلُ هُلْك .

الجرأة على السلطان ـ أي التجرّؤ عليه بكلام أو بفعل يكرهه ـ أعجل هُلك وإهلاك للنفس.

1325 ـ الْعَجَلُ قَبْلَ الإِمْكانِ يُوجِبُ الْغُصَّةَ .

العجل في عمل ما قبل إمكانه يوجب الغصّة، أي يكون سبباً للغصّة. ولا يخفى أنّ «الإمكان» يستعمل أحياناً في شيء يمكن وجوده ولا يستحيل وجوده، ويستعمل أحياناً في شيء قد أضحى له ـ فوق ذلك ـ استعداد للوجود بأن حصلت شرائط وجوده وزالت الموانع من ذلك، والظاهر أنّ المراد من «الإمكان» في هذا المقام هو هذا المعنى، والغرض هو أنّ كلّ عمل يجب فعله في وقت استعداد وجوده، وأنّ من يعجّل بذلك الفعل ويبدأ به فعليه أن لا تصيبه الغصّة. والغصّة في الأصل هي ما يعترض في الحلقوم، ثمّ شاع استعمالها في كلّ غم وحزن يعترض الإنسان.

1326 ـ الْصَّبْرُ عَلى الْمَضَضِ يُؤَدِّي إلى إِصابَةِ الْفُرْصَةِ .

الصبر على ألم المصيبة ومضضها يؤدّي إلى إصابة الفُرصة. و «الفرصة» هي النوبة والحصة الّتي ينالها الشخص من الماء، والمراد هو أنّ الصبر على المصيبة بجعل صاحب المصيبة ينال حصة من أعمال الخير والثواب، حيث شبّه عمل الخير بالماء باعتبار كثرة منافع الاثنين وأنّ كلّ واحد منهما سبب في نوع من الحياة، لأنّ الصبر هو نفسه من الخيرات، وأجره وثوابه عظيم، ومع وجود ذلك فإنّه يفرّغ هذا الشخص لأعمال الخير الأُخرى فيمكن أن تحصل نوبة منها له، خلافاً لمن لا يصبر على المصيبة، إذ بسبب ذلك زيادة ألمه ومصيبته كما ورد في الحديث، حيث يقضي هذا الشخص أكثر أوقاته في الجزع والقلق والاضطراب بسبب المصائب، فلا تصل النوبة إلى أعمال الخير ولا يمكنه الاستفادة منها.

1327 ـ الْسِّلْمُ عِلَّةُ السَّلامَةِ وَعلامَةُ الإِسْتِقامَةِ .

السلم وعدم المنازعة مع الناس وترك مجادلتهم علّة وسببٌ للسلامة وعلامة ودلالة على الاستقامة.

1328 ـ الْحِلْمُ حِلْيَةُ الْعِلْمِ وَعِلَّةُ السِّلْمِ .

الحلم حلية العِلم وزينته وعلّة السِّلم بين صاحب الحلم والناس، وسبب في انعدام النزاع والجدال بينه وبينهم.

1329 ـ الْغَضَبُ عَدُوٌّ فَلا تُمَلِّكْهُ نَفْسَكَ .

الغضب عدوّ لك، فلا تملّكه نفسك، أي فلا تجعله يتسلّط عليك فتكون مطيعاً له ومنقاداً لأمره، إذ من الظاهر لأنّه ما دام عدوّاً لك وما دمتَ له مطيعاً منقاداً، فإنّه سيجعلك ترتكب ما فيه خسرانك وخسارتك.

1330 ـ اللُّؤْمُ قَبِيحٌ فَلا تَجْعَلْهُ لُبْسَكَ .

اللؤم والبُخل قبيح، فلا تجعله لباساً لك; وتشبيه اللؤم باللباس باعتبار أنّ بُخل البخيل ملكة فيه لا تنفصل عنه كلباسه.

1331 ـ الْجَهْلُ يُزِلُّ الْقَدَمَ وَيُورِثُ الْنَّدَمَ .

الجهل يزلّ القدم ويورث الندم، فيجب إذاً السعي في تحصيل العلم بقدر الوسع.

1332 ـ الْحَياءُ تَمامُ الْكَرَمِ وَأَحْسَنُ الْشِّيَمِ .

الحياء تمام الكرم وأحسن الشيم والخصال; لأنّ من يستحي من الله عز وجل لا يفعل شيئاً يسبّب خجله في ساحة الله عز وجل وهذا هو تمام الكرم والإحسان، بل الحياء من الخلق أيضاً يبعث على ترك كثير من القبائح، ومن الظاهر أنّ هكذا خصلة هي من أحسن الخصال والشيم.

1333 ـ الْدِّينُ لا يُصْلِحُهُ إِلاَّ الْعَقْلُ .

الدِّين لا يُصلحه إلاّ العقل والحكمة; أي ما دام عقل المرء لم يبلغ مرحلة الكمال فإنّه لن يكون بإمكانه إجراء أحكام الدين كما ينبغي، وإنّ قليل العقل سيُفسد حتماً شيئاً من دينه.

1334 ـ الْرَّعِيَّةُ لا يُصْلِحُها إِلاَّ الْعَدْلُ .

الرعيّة لا يُصلحها إلاّ العدل، أي لا يصلحها إلاّ عدل الملك والحاكم، وكذلك عدل الرعية وعدم ظلم أحدهم للآخر.

1335 ـ الْصَّمْتُ آيَةُ الْنُّبْلِ وَثَمَرَةُ الْعَقْلِ .

الصمتُ علامة النُّبل وثمرة العقل. و «النبل» ـ كما تكرر ذِكره ـ هو النجابة وسرعة الفهم والإدراك.

1336 ـ الإِحْسانُ إِلى الْمُسِيءِ أَحْسَنُ الْفَضْلِ .

الإحسان إلى المسيء والمذنب والعفو عنه أحسن الفضل وعلو الرتبة، وإذا كان الأمر بالنسبة إلينا كذلك، فسيكون كذلك في شأن الحقّ تعالى بطريق الأوْلى، وهذا باعث على كمال رجاء المذنبين.

1337 ـ الْتَّوَدُّدُ إلى النَّاسِ رَأْسُ الْعَقْلِ .

التودد إلى الناس والتحبّب إليهم رأس العقل، لأنّ إصلاح كثير من أحوال الدنيا والآخرة مترتّب عليه.

1338 ـ الْجِهادُ عِمادُ الدِّينِ وَمِنْهاجُ السُّعَداءِ .

الجهاد عماد الدين ومنهاج السعداء. والمراد بـ «الجهاد» محاربة أعداء الدين حسب كلام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع الإمام(عليه السلام); وفي حكمة حرب طائفة من المؤمنين مع طائفة هجمت عليهم لقتالهم أو للغارة عليهم، فواجههم المؤمنون مُدافعين، سواءً كانت الطائفة الأُخرى كافرة أو مسلمة غير مؤمنة أو مؤمنة. وكذلك حرب كلّ مؤمن يعاونهم في دفع وصدّ تلك الطائفة، ولو لم يكن لهم شأن به. ووجه كون هذا النوع من الحروب في حكم الجهاد أنّ الحرب الواقعة في خصوص هذا النوع مع أنّها لم ترد في كلام النبي مع الإمام، لكنّها ـ بشكل مطلق ـ بإذنه وأمره، وهذا كاف لأنّ حكم العام منها هو أيضاً في حكم الخاص.

ويمكن أن يشمل الكلام الجهاد مع النفس أيضاً لأنّه الجهاد الأكبر كما ورد في الأحاديث، والمراد به جهاد الإنسان مع نفسه لترويضها وحبسها على الطاعات وردعها عن المعاصي.

1339 ـ الْمُجاهِدُونَ تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوابُ الْسَّماءِ .

المجاهدون تُفتح لهم أبواب السماء، إمّا لكي تشاهدهم الملائكة وتنازعها فيما بينها لتعظيمهم وتكريمهم، وإمّا لمعاونتهم في كلّ ما في المعونة عليه مصلحة لهم في الدعاء وأمثاله، وإمّا لكي تدخل الملائكة الّتي تحمل أعمال هؤلاء المجاهدين، وذلك على سبيل المجاز إن كانت الملائكة مجرّدة، وعلى سبيل الحقيقة إن كانت جسمانيّة، لكي تدخل من أي باب تشاء، أو من جميع أبواب السماء تعظيماً لأعمال المجاهدين بأن يحملها ملائكة كثيرون فيدخل كلّ طائفة منها من باب من أبواب السماء، أو تفتح لهم أبواب السماء لكي ترتفع منها أدعيتهم في تلك الحال، أو بعد ذلك أيضاً إذا بقي منها شيء ـ على سبيل المجاز ـ من كلّ باب يشاؤون، أو من جميع أبواب السماء; أو لعروج الملائكة الحاملة لأدعيتهم على أحد الوجهين على سبيل المجاز أو الحقيقة; أو لأجل مشاهدة المجاهدين منازلهم في الجنّة، أو لدخول أرواح المجاهدين على سبيل المجاز أو الحقيقة، بأن يتعلّق ذلك بأبدانهم المثالية، والله تعالى يعلم.

1340 ـ الْمُتَّقُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ .

المتّقون ـ وهم المتورّعون أو الخائفون من الله تعالى ـ قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة، أي أنّهم محزونون بسبب التفكّر بأحوال الآخرة وعقباتها وأحوالها; والناس آمنون من شرور المتقين، يعلمون أنّهم لا يؤذون أحداً ولا يُلحقون بأحد شرّاً.

1341 ـ الْمُؤْمِنُونَ خَيْراتُهُمْ مَأْمُولَةٌ وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ .

المؤمنون خيراتهم مأمولة، وشرورهم مأمونة، أي أنّ الناس يؤمّلون خير المؤمنين ويأمنون شرورهم.

1342 ـ الإِيْمانُ صَبْرٌ فِي الْبَلاءِ وَشُكْرٌ فِي الرَّخاءِ .

الإيمان صبر في البلاء وشُكر في الرخاء، أي أنّ كمال الإيمان هو أن يصبر الإنسان في البلاء ويشكر في الرخاء والرفاهية; أو أنّ الإيمان الكامل يسبب ذلك، أو أنّ على المؤمن أن يكون كذلك.

1343 ـ الْشُّكْرُ زِينَةُ الرَّخاءِ وَحِصْنُ النَّعْماءِ .

الشكر زينة الرخاء والرفاهية وحصن لحفظ النعمة وطريقة لمنع زوالها.

1344 ـ الْمَغْبُونُ مَنْ باعَ جَنَّةً عَلِيَّةً بِمَعْصِيَة دَنِيَّة .

المغبون من باعَ جنّة عليّة المرتبة بمعصية دنيّة; ذكرنا قبلا أنّ «المغبون» هو المخدوع الّذي باع شيئاً بأقلّ من قيمته، أو من اشترى شيئاً بأكثر من قيمته; والمراد هو أنّ الغبن ـ كلّ الغبن ـ هو أن يبيع الإنسان جنّة عليّة المرتبة ولذّتها ونِعمها الخالدة الّتي لا توصف بمعصية دنيّة، أي بمعصية لذّتها في منتهى الدناءة والانحطاط والذلّ ولا تدوم إلاّ لحظات قلائل أو أيّام قلائل.

1345 ـ إحْتِمالُ الْدَّنِيَّةِ مِنْ كَرَمِ الْسَّجِيَّةِ .

احتمال الدنيّة من كرم الخصال والسجايا. والمراد باحتمال الدنيّة احتمال الأدنين والأقارب والتكفّل بنفقات ومصارف محتاجيهم، أو احتمال سلوك الناس السيّء ووقاحاتهم والإعراض عنها وعدم الردّ عليها.

وورد في بعض النسخ لفظ «الأذيّة» بدلا من «الدنيّة»، وبناءً على ذلك يكون المعنى: تحمّل أذى الناس، وهو مطابق للمعنى الثاني المذكور لـ «احتمال الدنيّة».

1346 ـ الْمَواعِظُ صِقالُ الْنُّفُوسِ وَجَلاءُ(2) الْقُلُوبِ .

المواعظ والنصائح جلاء النفوس والقلوب، أي جلاؤها من صدأ كدورات العلائق الدنيويّة والانقباض والكدر الّذي يسببه اكتساب الذنوب والمعاصي.

1347 ـ الْتَّوْبَةُ تُطَهِّرُ الْقُلُوبَ وَتَغْسِلُ الذُّنُوبَ .

التوبة ـ وهي الندم على المعصية، والإنابة إلى الحقّ تعالى ـ تطهّر القلوب وتغسل الذنوب.

1348 ـ الْغَضَبُ يُفْسِدُ الأَلْبابَ وَيُبْعِدُ مِنَ(3) الْصَّوابِ .

الغضب يُفسد العقول، ويُبعد من التفكير الصائب، فيجب إذاً الحذر منه وإطفاء ناره بماء الحِلم.

1349 ـ الإِعْجابُ ضِدُّ الصَّوابِ وَآفَةُ الأَلْبابِ.

الإعجاب بالنفس ضدّ الصواب والتفكير الصحيح، وهو آفة العقول والألباب، لأنّ المعجب بنفسه يعتبر كلّ ما يخطر بباله صحيحاً صائباً، ولا يدع عقله يتأمّل فيه، كما لا يُصغي إلى وعظ الآخرين ونُصحهم، ومن الظاهر أنّ هذا المعنى ضدّ الصواب وأنّه آفة للعقل; فيجب إذاً عدم فسح المجال له للتسرّب للنفس.

1350 ـ الأَمَلُ يُفْسِدُ الْعَمَلَ وَيُفْنِي الأَجَلَ .

الأمل يُفسد العمل ويُفني الأجل، أي يفني مدّة العمر. والمراد هو أنّ على الإنسان أن لا يفتح أمام نفسه سبيل الأمل والأمنيات الدنيويّة، لأنّ كلّ من فتح ذلك الباب أمام نفسه يصبح كلّ اهتمامه في تحصيل ما يأمل منها، فإن هو حصل عليه صار له أمل آخر وأمنية أخرى وهكذا يستمر إلى أن يُخبر بأنّ مدّة عمره قد انتهت وأنّ ما عمله كان فاسداً وباطلا، وأنّه لم يتهيّأ لسفر الآخرة الّذي ينفعه كما ينبغي له التهيّؤ.

ويمكن أن يكون المراد هو أنّ على الإنسان أن لا يكون أمله في البقاء والحياة طويلا، لأنّ الغالب أنّ من يأمل ذلك فإنّه يؤخّر ويسوّف في أعمال الخير، ويقول كلّ يوم لنفسه: إنّ ما لم أفعله اليوم سأفعله غداً; وهكذا إلى أن يضيع عمره ويفسد عمله ويبقى ناقصاً. وبناءً على كلا الوجهين فإنّ المراد بـ «يفني الأجل» هو أنّه يضيعه ويتلفه. ويمكن أن يكون محمولا على الحقيقة وأن تكون الأعمال الكثيرة باعثة في الواقع على تقصير العمر، والله تعالى يعلم.

1351 ـ الْتَّثَبُّتُ فِي الْقَوْلِ يُؤْمِنُ الْعِثَارَ وَالْزَّلَلَ .

التثبّت في القول وعدم التكلّم إلاّ بعد التأمّل والتفكّر يؤمن العثار والزلل.

1352 ـ إِخْوانُ الْدِّينِ أَبْقى مَوَدَّةً .

إخوان الدين ـ أي الّذين يصادقهم الإنسان في الدين ـ أبقى مودّة، أي أنّ أخوّتهم وصداقتهم أبقى وأثبت من الأخوة في النسب.

1353 ـ الْصِّدْقُ أَفْضَلُ عُدَّة .

الصدق أفضل عُدّة. و «العدّة» هي الشيء الّذي يعدّه الإنسان لوقت الشدّة والضيق. ويمكن أن تقرأ «العدّة» بالجرّ بل بالنصب لتوافق الفقرة الأُولى، ويكون معناها حينذاك أنّ الصدق أفضل وأكثر عدّة. ومآل كليهما واحد.

1354 ـ أخٌ تَسْتَفِيدُهُ خَيْرٌ مِنْ أَخ تَسْتَزِيدُهُ .

أخ تستفيده خير من أخ تستزيده، أي أنّك إذا أحسنت إلى شخص وصيّرته أخاً وصديقاً لك فذلك أفضل من الإحسان الّذي تقدمه لصديق لك إضافة إلى الإحسان الّذي كنت تقدّمه له.

ويمكن أن يكون المعنى من «أخ تستفيده» هو الأخ الّذي تستفيد منه وتتعلّم منه، وأنّه خير لك من «أخ تستزيده» أي أخ تريد أن يتعلّم منك شيئاً لتزداد مرتبته، والمراد هو أنّ الأفضل للإنسان أن يُصاحب شخصاً يكتسب الإنسان الكمال منه ويكون ذلك الشخص باعثاً على ترقّيه، أمّا مصاحبة من يكسب الكمال من الإنسان فأمر جيد أيضاً، لكنّه في نهاية الأمر لا ينفع الإنسان بل ينفع ذلك الصاحب والصديق.

1355 ـ إِدْمانُ الْشِّبَعِ يُورِثُ أَنْواعَ الْوَجَعِ .

ادمان الشبع والمداومة عليه يورث أنواع الأوجاع والآلام.

1356 ـ الشِّبَعُ يُورِثُ الأَشَرَ وَيُفْسِدُ الْوَرَعَ.

الشبع يورث الأشر والبطر والمرح ويُفسد الورع والتقوى.

1357 ـ أَسْبَابُ الْدُّنْيا مُنْقَطِعَةٌ وَعَوارِيها مُرْتَجِعَةٌ .

أسباب الدنيا منقطعة وعواريها مرتجعة; و «أسباب» جمع سبب وهو الحبل أو ما يتوصّل به ويتوسّل به لبلوغ شيء ما، والمراد هو أنّ وسائل الأُمور الدنيويّة سرعان ما تنقطع، وأنّ عواريها ـ وهي متاع الدنيا المعارة عند الشخص أيّاماً قلائل ـ سرعان ما ترجع إلى شخص آخر(4)، فيجب إذاً عدم الحرص في السعي من أجلها; ويجب بذل الاهتمام الكامل في أُمور الآخرة لأنّها ثابتة دائمة.

1358 ـ إِيْثارُ الْدَّعَةِ يَقْطَعُ أَسْبابَ الْمَنْفَعَةِ .

ايثار الدعة والرفاهية يقطع أسباب المنفعة، إذ لا يوجد أي سبب من أسباب منافع الدنيا والآخرة من دون تعب ومشقّة، فمن يختار الدعة والراحة فعليه قطع أسباب جميع تلك المنافع عن نفسه.

1359 ـ الإِطْراءُ يُحْدِثُ الزَّهْوَ وَيُدْنِي مِنَ الْغِرَّةِ .

الإطراء والمبالغة في مدح شخص ما يُحدث عنه الزهو والكبر ويُدنيه من الغرّة والانخداع، والغرض هو منعه والنهي عنه.

1360 ـ الْقَناعَةُ وَالطَّاعَةُ تُوجِبانِ الْغِنى وَالْعِزَّةَ .

القناعة والطاعة للحقّ تعالى توجبان الغنى والعزّة لدى الله عز وجل ولدى الخلق، أمّا كون القناعة سبباً للغنى والعزّة فظاهر، وكذلك كون الطاعة سبباً للعزّة; وأمّا كونها سبباً للغنى فبدليل قول الحقّ تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)(5).

1361 ـ الْحِرْصُ وَالشَّرَهَ يُكْسِبانِ الْشَّقاءَ(6) وَالذِّلَّةَ .

1362 ـ الْحَرِيصُ أَسِيرُ مَهانَة لا يُفَكُّ أَسْرُهُ .

1363 ـ الْمُسْتَثْقِلُ الْنَّائِمُ تُكَذِّبُهُ أَحْلامُهُ .

المستثقل النائم تكذّبه أحلامه، والمراد هو أنّ من ثقل من كثرة الأكل فإنّ أحلامه لا اعتبار لها ولا أصل ولا منشأ، وأنّه إذا نقل أحلامه ظهر كذبُها، فكأنّ أحلامه تكذّبه وتجعله كذّاباً.

1364 ـ الْمُتَجَبِّرُ(7) الْظَّالِمُ تُوبِقُهُ آثامُهُ .

المتجبّر المتكبّر الظالم توبقه وتُهلكه آثامه وذنوبه، أي تهلكه في الآخرة، وتهلكه في الدنيا أحياناً.

1365 ـ الْمُؤْمِنُ مَغْمُومٌ بِفِكْرَتِهِ ضَنِينٌ بِخُلَّتِهِ .

المؤمن مغموم بفكرته، ضنين وبخيل بخُلّته، أي أنّه يفكّر دوماً في إصلاح حاله بحيث يستغرقه الفكر فلا يفكّر في شيء سواه; وأنّه بخيل بخُلّته وصداقته، لا يُصادق إلاّ من يعلم إيمانه وتقواه.

1366 ـ الْفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ .

الفقر يُخرس الفطن عن حجّته، أي أنّه يسبب تشويش باله واضطراب حاله بحيث يعجز ـ مهما كان مظناً ـ عن بيان دليله وحجّته كأنّه يخرس عن ذلك، والغرض هو ذمّ الفقر واضطراب الحال الناشىء منه، وبيان أنّ الفقير إذا عجز عن البيان فلا يُعدّ ذلك منقصةً فيه أو علامةً على جهله.

1367 ـ الأَمانِيُّ تُعْمِي عُيُونَ الْبَصائِرِ .

الأماني تُعمي عيون البصائر، ومهما اتّضحت مفسدة عمل ما لصاحب البصيرة فإنّ ذلك العمل إذا وافق أمنيته وهواه، وعدّ ذلك العمل وسيلة لبلوغ أمنيته فإنّه سيرتكبه دون أن يفكّر في مفسدته; فكأنّ الأماني أعمت عين بصيرته.

1368 ـ الأَلْسُنُ تُتَرْجِمُ عَمَّا تَجُنُّهُ(8) الضَّمائِرُ(9) .

الألسن تترجم عمّا تجنَّه الضمائر; أي أنّ اللسان هو ترجمانٌ لما استتر في الخاطر، فهو يترجمه ويُظهره في العبارة، ومن شاء إطلاعه على ذلك فإنّه يظهره في القول مطابقاً لما في الخاطر، ولا يقول شيئاً خلافه.

1369 ـ الْذِّكْرُ جَلاءُ(10) الْبَصائِرِ وَنُورُ السَّرائِرِ .

ذكر الله تعالى جلاء البصائر ونور السرائر، يعني الخواطر والبواطن المستورة أو محل الأسرار. ويمكن أن يكون المراد أنّ النور هو أصل الأسرار، أي الحقائق والمعارف المستورة في الضمائر، ومعناه أنّ من يذكر الله عز وجل فإنّ حقائقه ومعارفه تكون منيرة وواضحة لا يحصل فيها لبس ولا خطأ.

1370 ـ الْحَسَدُ مَرَضٌ لا يُؤْسى(11) .

الحسد مرض لا يؤسى ولا ينقطع; أي أنّه لا ينقطع من تلقاء نفسه، بل يُزيله الإنسان عن نفسه بالتأمّل والتفكّر في مفاسده ومضارّه وبملاحظة عدم حصول نفع منه; أو أنّ المراد هو أنّ قطعه صعب عسير ومحتاج إلى سعي بليغ; أو أنّه لا ينقطع عن الإنسان إذا استحكم فيه، فلا يمكن علاجه حينذاك; وعلى الإنسان قبل ذلك أن يجد سبيلا إلى قطعه بالتأمّل والتفكّر.

1371 ـ الْظُّلْمُ جُرْمٌ لا يُنْسى .

الظلم جُرم لا يُترك أو لا يُنسى.

1372 ـ الْنَّمِيمَةُ ذَنْبٌ لا يُنْسى.

النميمة ـ وهي الوشاية ـ ذنب لا يُنسى أو لا يُترك; أي أنّ من اعتاد عليها لايتركها ولا ينساها، ولذلك عليه أن لا يفسح لها مجالا كي لا يُبتلى بها.

ويمكن أن يكون عدم نسيانها وعدم تركها كناية عن أنّها لا تحبط، وأنّ أي طاعة وعبادة لا تسقطها ولا تمحوها، إلاّ أن يتركها صاحبها ويتوب منها ويندم عليها أو أن يُبرىء ذمّته ممّا فعل. أو أنّ المراد من عدم تركها أنّ عقابها لا يؤخّر وأنّ صاحبها يؤاخذ عليها سريعاً في الدنيا، أو أنّها تُكتب في الحال على فاعلها ولا تؤخّر مثل سائر الذنوب، حيث ورد في الأحاديث «ما مِن مؤمن يذنب ذنباً إلاّ أجلّه اللهُ سبع ساعات من النهار، فإن هو تاب لم يكتب عليه شيئاً، وإن لم يفعل كُتبت عليه سيّئة»(12).

1373 ـ الْمُؤْمِنُ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ سَهْلُ الْخَلِيقَةِ .

المؤمن ليّن العريكة والخُلُق، سهل الخليقة; أي أنّ المؤمن الكامل كذلك; أو أنّ على المؤمن أن يكون كذلك.

1374 ـ الْكافِرُ شَرِسُ(13) الْخَلِيقَةِ سَيِّءُ الْطَّرِيقَةِ .

الكافر شرس الخليقة ـ أي سيّء الخليقة ـ سيّء الطريقة، أي أنّ أكثر الكفّار أو أغلبهم هم على هذا الوصف.

1375 ـ الْمُؤْمِنُ لا يَظْلِمُ وَلا يَتَأَثَّمُ .

المؤمن لا يَظلم ولا يتأثّم أي لا يرتكب إثماً; أي أنّ المؤمن الكامل هو على هذا الوصف، أو أنّ على المؤمن أن يكون كذلك.

1376 ـ الْدُّنْيا حُلُمٌ وَالاِغْتِرارُ بِها نَدَمٌ .

الدنيا حُلم والاغترار والانخداع بها ندم، أي أنّه يورث الندم.

1377 ـ الْمُصِيبَةُ بِالدِّينِ أَعْظَمُ الْمَصائِبِ.

المصيبة بدين الإنسان أعظم المصائب.

1378 ـ الْظَّنُّ الصَّوابُ مِنْ شِيَمِ أُولِي الأَلْبابِ(14) .

الظنّ الصواب من شيم وخصال أولي الألباب والعقول; أي أنّ صاحب العقل يكون ظنّه صواباً، فما بالك بجزمه واعتقاده؟ أو أنّ المراد هو أنّه لا يُسيء الظنّ بالناس، وما دام بإمكانه أن يحمل أفعال الناس على الصواب وعلى محمل صحيح فإنّه يفعل ذلك.

1379 ـ الْكَفُّ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ عِفَّةٌ وَكِبَرُ هِمَّة .

الكفّ عمّا في أيدي الناس ـ وعدم الطمع فيه ـ عفّة وكِبر همّة.

1380 ـ الْفِعْلُ الْجَمِيلُ يُنْبِىءُ عَنْ عُلُوِّ الْهِمَّةِ .

الفِعل الجميل يُنبىء ويُخبر عن علوّ الهمّة، وهو دليلٌ عليها.

1381 ـ الْكَرِيمُ مَنْ سَبَقَ نَوالُهُ سُؤالَهُ .

الكريم من سبق نوالُه وكرمه سؤالَه، أي أنّه يجود قبل أن يُسئل ويُستماح كرمُه.

1382 ـ الْعاقِلُ مَنْ صَدَّقَ(15) أَقْوالَهُ أَفْعالُهُ .

العاقل مَن صدّقت أفعاله أقوالَه، أي أنّه يعمل بما يقول من مواعظ ونصائح وما يأمر به من معروف ويجتنب ما ينهى عنه من منكر، ولا يخالف الناس فيما يأمرهم به وينهاهم عنه.

1383 ـ الْعاقِلُ مَنْ وَقَفَ حَيْثُ عَرَفَ .

العاقل من وقف حيث عرف; أي أنّه يقف على الحقّ حيثما ظهر له ويعترف به ولا يجادل ولا يُماري مهما قال خصمه وخالفه.

1384 ـ الْحازِمُ مَن اطَّرَحَ الْمُؤَنَ وَالْكُلَفَ .

الحازم لأموره من ترك المؤن والكُلَف، وهي النفقات الزائدة الّتي تبعث على المشقّة والّتي لا ضرورة لها.

1385 ـ الْحَياءُ يَصُدُّ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ .

الحياء يصدّ عن فِعل القبيح; أي أنّ الحياء من الحقّ تعالى ـ حيثما كان ـ يمنع الإنسان من فعل القبيح، ومن يفعل القبيح فذلك علامة عدم حيائه من الحقّ تعالى; بل الحياء من الخلق أيضاً يمنع الإنسان من ارتكاب كثير من القبائح.

1386 ـ الْجاهِلُ مَنِ اسْتَغَشَّ النَّصِيحَ .

الجاهلُ من استغشّ النصيح، أي مَن يتّهم بالغشّ من ينصحه عن حسن نيّة بما فيه خيره وصلاح أمره.

1387 ـ الْفِكْرُ فِي الْخَيْرِ يَدْعُو إِلى الْعَمَلِ بِهِ .

الفكر في الخير يدعو الإنسان إلى العمل به، أي أنّ من فكّر قليلا في عمل خير يقدر على القيام به وتأمّل في ما يترتّب على ذلك العمل من منزلة وقُرب من ساحة الحقّ تعالى وفي الثواب الأبدي والنعم السرمديّة، فإنّ تفكيره ذلك سيدعوه إلى العمل وسيبعثه على فعل ذلك العمل.

1388 ـ اِسْتِفْتاحُ الْشَّرِّ يَحْدُو عَلى(16) تَجَنُّبِهِ .

استفتاح الشرّ يحدو على تجنّبه، أي أنّ من له بصيرة كلّما بدأ بفعل سيّء فإنّ ذلك الفعل سيبدو في نظره قبيحاً بحيث يحدوه ذلك ويدفعه إلى ترك ذلك الفعل، أمّا إذا اعتاد على ذلك فإنّ قُبح ذلك الفعل سيزول في نظره فيعسر عليه تركه والاقلاع عنه، وهذا المعنى بناءً على أنّ لفظ «استفتاح» بالفاء والتاء(17) ـ كما في بعض النسخ ـ ويمكن أن يكون بلفظ «استقباح» بالقاف والباء(18)، فيكون المعنى أنّ استقباح الفعل السيّء واعتباره قبيحاً يدفع مَن له أدنى بصيرة إلى اجتنابه والابتعاد عنه، فمن يرتكب ذلك الفعل ـ إذاً ـ فذاك دلالة على عدم استقباحه له، وهو دليل على ضعف دينه واعتقاده.

1389 ـ الْمَعْرُوفُ يُكَدِّرُهُ تِكْرارُ(19) الْمَنِّ بِهِ .

المعروف يكدّره تكرار المنّ به; ولا يخفى أنّ مطلق المنّ سيّء. وأنّه يكدّر المعروف والإحسان إذا كان المنّ لمرّة واحدة; فالتخصيص بالتكرار(20) لعلّه باعتبار زيادة قُبحه، أو أنّه تعريض بمن إذا أحسنوا إلى أحد ذكروا ذلك مكرراً في المجالس والمحافل ومنّوا به.

ويمكن أن يكون إشارة إلى أنّ أصل الإحسان إلى شخص هو في الحقيقة منّة، على الرغم من أنّ صاحب الإحسان لا يمنّ بإحسانه أبداً، أمّا إذا تكلّم صاحب الإحسان بشيء أو فعل شيئاً يدلّ على منّه بإحسانه فذلك في الحقيقة هو تكرار المنّ وهو مكروه.

1390 ـ الْنَّدَمُ عَلى الْذَّنْبِ يَمْنَعُ مِنْ مُعاوَدَتَهُ .

الندم على الذنب يمنع من معاودته، يعني أنّ النادم حقيقة على ذنبه بحيث لا يكون ندمه ظاهراً أو يكون لأجل غرض معين، بل يكون ندمه خالصاً ومسبباً عن خوفه من الله عز وجل وطاعة أوامره، فإنّه لن يعاود ذنبه أبداً.

1391 ـ الْعِلْمُ كُلُّهُ حُجَّةٌ إِلاَّ ما عُمِلَ بِهِ .

العلم كلّه حجّة إلاّ ما عُمل به; أي أنّ الإنسان إذا علم بحكم من الأحكام الشرعية فلم يعمل به، فإنّ علمه ذلك سيكون في وقت الحساب حجّة عليه تامّة لا يُعذر فيها، خلافاً للجاهل الّذي يعذر في بعض الأحكام ولا يؤاخذ عليها بسبب جهله، كما لو لم يعلم شخص بوجوب الجهر والإخفات في الصلوات الجهرية والاخفاتية، فأخفت في موضع الجهر، أو جهر في موضع الإخفات فإنّه معذور; وكذا لو لم يعلم شخص بوجوب القصر في السفر فأتمّ صلاته فإنّه معذور، بل لايبعد أن يكون الجاهل معذوراً في كثير من الأحكام كما تدلّ بعض الأحاديث.

1392 ـ الْعَمَلُ كُلُّهُ هباءٌ إلاَّ ما أُخْلِصَ فِيهِ .

العمل ـ يعني الطاعات والعبادات ـ كلّه هباء إلاّ ما أخلص صاحبُه فيه، أي جعله خالصاً لله عز وجل ولم ينظر فيه إلى سواه بأيّ وجه من الوجوه. و «هباء» هو الغبار أو دقائق التراب المنبثّة في الهواء والمتطايرة على وجه الأرض. وعلىتقدير فهو كناية عن أنّه باطل لا ثمرة فيه.

1393 ـ الْطَّاعَةُ لِلَّهِ أقْوى سَبَب .

الطاعة للحقّ أقوى سبب ووسيلة لتحصيل سعادة الدنيا والآخرة .

1394 ـ الْمَوَدَّةُ فِي اللهِ أَقْرَبُ نَسَب .

المودّة في الله أقرب نسب; أي أنّ الصديق الّذي تكون صداقته لله تعالى هو أقرب في الحقيقة من جميع الأقارب، ويجب رعاية صلته أكثر منهم.

1395 ـ الْذِّكْرُ هِدايَةُ الْعُقُولِ وَتَبْصِرَةُ النُّفُوسِ .

ذكر الحقّ تعالى هداية العقول وتبصرة النفوس; أي أنّه سبب للهداية والتبصرة. و «الهداية» ـ كما ذكرنا مكرراً ـ هي الاهتداء إلى المطلوب أو بلوغ المطلوب.

1396 ـ الْغَفْلَةُ ضَلالُ النُّفُوسِ وَعُنْوانُ النُّحُوسِ .

الغفلة ضَلال النفوس وعُنوان النحوس وانعدام الخير. و «عنوان الشيء» ـ كما مرّ مكرراً ـ هو ما يُستدلّ به عليه أو بدايته.

1397 ـ الْقانِعُ غَنِيٌّ وَإن جاع وعَرِيَ.

القانع غنيّ وإن جاع وعري; لأنّه إن جاع أو عري صبر على ذلك فأظهر أنّه غنيّ ولم يفتح لنفسه باب ذلّ السؤال حتّى يفتح الحقّ تعالى عليه ويُفرّج عنه.

1398 ـ الْظَّنُّ يُخْطِىءُ وَالْيَقِينُ يُصِيبُ وَلا يُخْطِىءُ .

الظنّ يُخطىء واليقين ـ وهو العلم بدليل وبرهان ـ يُصيب ولا يُخطىء; فيجب إذاً السعي حسب الوسع في تحصيل اليقين في كلّ باب.

1399 ـ الْحَظُّ يَسْعى إِلى مَنْ لا يَخْطُبُهُ .

الحظّ يسعى إلى مَن لا يخطبه، أي أنّ الحظّ المقدّر لكلّ شخص في الدنيا يسعى ويسرع اليه ولو لم يخطبه ويسعى في طلبه. وقد ذكرنا قبلا أنّ هذا الأمر ـ كما هو الظاهر في أحاديث أُخرى ـ يصدق في مقدار الحظّ والرزق الّذي قدّره الحقّ تعالى لكلّ شخص على وجه الحتم، غير مشروط بشرط معين، وأنّ هناك قدر آخر يمكن أن يكون مشروطاً بالطلب، بحيث إذا طلبه وصل إليه وإن لم يطلبه لم يصل له; والأمر بالسعي والطلب الوارد في الأحاديث الأُخرى هو من هذا القبيل.

1400 ـ الْرِّزْقُ يَطْلُبُ مَنْ لا يَطْلُبُهُ .

الرزق يطلب من لا يطلبه; وهذا بمنزلة التأكيد على الفقرة السابقة، ويجب حمله على ما ذكرناه.

 

الهوامش:

(1) وسائل الشيعة 3: 26 ح 4.

(2) أورد الشارح(رحمه الله) كلمة «جلاء» بفتح الجيم، لكن قراءتها بكسر الجيم أفضل.

(3) جاء في نسخة بمبي لفظ «عن الصواب»، وفي نسخة دمشق «الثواب» بدلا من «الصواب».

(4) ويوافق هذا المضمون قولهم:

وما المال والأهلون إلاّ وديعة *** ولابدّ يوماً أن تُردّ الودائعُ

(5) الطلاق: 2 و3.

(6) جاء في كتب اللغة: «الشقاء ـ بالفتح مقصوراً وممدوداً ـ مصدر بمعنى الشقاوة، وأيضاً العسر». وقد دوّنه الشارح(رحمه الله) هنا صريحاً «شقاء» بالمدّ، وهكذا ورد في طبعة دمشق (ص 45، س 7). وجاء في نسخة صيدا «الغَناء» في الفقرة السابقة و «الشقاء» في هذه الفقرة كلاهما مقصوراً (ص 18، س 9); وجاء كلاهما في طبعة بمبي بالمدّ (ص 34، س 16).

(7) جاء في طبعة دمشق (ص 45، س 8) وطبعة صيدا (ص 18، س 11): «المُتَّجِرُ»; وجاء في «المنجد»: «أتّجر واتّجر: تعاطى التجارة».

(8) جاء في المنجد: «جنّ يجنّ ـ بضمّ الجيم من باب نصر) جنّاً وجنوناً الليلُ الشيءَ وعليه: ستره»، وهو كذلك من الأفعال الصحيحة، حيث جاء في المنجد «أجنّه الليل أي ستره وأخفاه»، لكنّه لم يستعمل متعدياً من باب ضرب يضرب بناءً على ما يُستنبط من المنجد.

(9) هذه الفقرة لم ترد في طبعة بمبي.

(10) أورد الشارح(رحمه الله) «جلاء» صريحاً بفتح الجيم، والكسر أفضل، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك قبل قليل.

(11) قال السيّد محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي ذيل العبارة: «لا يؤسى أي لا يُداوى. قال الشاعر:

كل العداوات قد تُرجى إزالتُها *** إلاّ عداوة مَن عاداكَ عن حسد»

(12) البحار 6: 34، وسائل الشيعة 11: 365.

(13) ضبط الشارح(رحمه الله) هذه الكلمة «شرص» بالصاد; لكنها ورد في طبعة صيدا وطبعة دمشق بالسين «شرس»; أمّا في طبعة بمبي فقد ورد بلفظ «شرّ الخليقة»، وجاء في المنجد «شرس يشرس شرساً ـ كفرح ـ ساء خُلقه فهو شرس وشريس وأشرس».

(14) جاء في طبعة دمشق «المواهب» بدلا من «الألباب».

(15) في النسخ المطبوعة ثلاثتها: «صدّقت».

(16) جاء في النسخ المطبوعة الثلاثة لفظ «إلى » بدلا من «على».

(17) النسخة المطبوعة في بمبي تطابق هذه القراءة (أُنظر ص 35، س 13).

(18) طبعة دمشق تطابق هذه القراءة.

(19) أورد الشارح(رحمه الله) لفظ «تكرار» بفتح التاء وبكسرها، إشارة إلى أنّه يمكن قراءته بكلا الوجهين، وأنّ كليهما صحيح.

(20) أورد المصحّح للنسخة المطبوعة السيّد محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي تعليقاً حول وجود لفظ «تكرار» في هذه الفقرة: «لفظ تكرار» لا مفهوم له، وكأنّه يشير إقحامه إلى أنّ وقوع المنّ مرّة قد يشبه الهفوة أو سبق اللسان بحيث يُغتفر إذا تنبهّوا له، أمّا معاودته فأمارة على تعمّده وثمة يتبعه الاجترام به».