1701 ـ العِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ وَنِعْمَةٌ عَمِيمَةٌ.

العلم إرث كريم حيث انّ من اكتسب العلم، يرث في الحقيقة ذلك من الأنبياء والأوصياء وسائر العلماء، ونعمة عامة يعم أثرها للكثير من الناس.

1702 ـ الإنْصَافُ يَرْفَعُ الخِلاَفَ وَيُوجِبُ الإئتِلافَ.

الانصاف وهو العدل يذهب مخالفة الناس، ويدعو إلى أئتلافهم مع المنصف.

1703 ـ التَّقْوىَ جَمّاعُ التَّنَزُّهِ وَالعَفَافِ.

المراد من «التنزّه» هنا هو العفاف، حيث انّه التنزّه عن الذنوب، أو المراد تنزّه ]طهارة[ ثياب هذا الشخص ووضعه وسائر وسائله، وعليه لا يكون «العفاف» تأكيداً للكلمة السابقة ]أي: التنزّه[.

1704 ـ العَدْلُ رَأْسُ الإيمَانِ وَجَمَّاعُ الإحْسَانِ.

العدل والإنصاف بمثابة رأس الإيمان وأشرف أجزائه، وجمّاع الإحسان أي انّه يستدعي اجتماع الإحسان في من اتصف به.

1705 ـ الإيثَارُ أَحْسَنُ الإحْسَانِ وَأَعْلَى مَرَاتِبِ الإيمَانِ.

الإيثار أي الجود والكرم، أو ايثار الغير على النفس مع حاجته وخصاصته، يُعدّ من أفضل وأعلى اُسس الإيمان.

1706 ـ البُخْلُ يَكْسِبُ العَارَ وَيُدْخِلُ النَّارَ.

1707 ـ الظُّلْمُ فِي الدُّنيَا بَوَارٌ وَفِي الآخِرَةِ دَمَارٌ.

الظلم في الدنيا بوار وهلاك أي انّه سبب لذلك، وفي الآخرة أيضاً كذلك.

1708 ـ الكِذْبُ فِي العَاجِلَةُ عَارٌ وَفِي الآجِلَةِ عَذَابُ النَّارِ.

... وفي الآجلة عذاب النار أي سبب له.

1709 ـ الغَضَبُ يُرْدِي صَاحِبَهُ وَيُبْدِي مَعَايِبَهُ.

الغضب يلقي صاحبه في البلاء والعذاب الدنيوي والأخروي، أو انّه يسقط مرتبته ويكشف عن عيوبه، لأنّ الغضبان يرتكب ما يكشف عيوبه.

1710 ـ اللِّجَاجُ يَكْبُو بِرَاكِبِهِ.

اللجاج بمعنى معاداة الناس، أو الإصرار على الباطل يسقط راكبه أي صاحب اللجاج، ويبطىء حركته حيث يعجزه عن تدبير أمره.

1711 ـ العَالِمُ مَنْ شَهِدَتْ بِصَحَّةِ أَمْوَالِهِ أَفْعَالُهُ.

أي انّ العالم من يعمل بما يقدمه من مواعظ ونصائح.

1712 ـ الوَرِعُ مَنْ نَزِهَتْ نَفْسُهُ وَشَرُفَتْ خِلاَلُهُ.

الورع هو من طهرت نفسه، وكان ذا خصال رفيعة.

1713 ـ الزُّهْدُ شِيمَةَ المُتّقِينَ وَسَجِيَّةُ الأوَّابِينَ.

الزهد يعني ترك الدنيا أي ترك المحرمات، أو المشتبهات، أو ما زاد على ما يكفيه من الحلال أيضاً، فانّه من سيرة المتقين، أو الّذين يخشون الله عز وجل وديدنهم الإنابة إليه.

1714 ـ التَّقْوىَ ثَمَرَةُ الدِّينِ وَأَمَارَةُ اليَقِينِ.

التقوى ثمرة التديّن، وعلامة اليقين بالمبدأ والمعاد.

1715 ـ الحِكْمَةُ رَوْضَةُ العُقَلاَءِ وَنُزْهَةُ النُّبَلاَءِ.

الحكمة ـ وقد مرّ تبيان معناها ـ بستان لذوي العقول، ومتنزّه لأصحاب الفطنة أو النجباء.

1716 ـ الجَاهِلُ لَنْ يَلْقَى(1) أَبَداً إلاّ مُفَرِّطاً أَوْ مُفْرِطَاً.

الجاهل لا يرافق إلاّ من يقصّر في أعماله أو يتعدى الحدود فيها، أي انّ مدار تعامله وعشرته تكون بأحدهما، ولا يرافق من يسير على طريق سوي.

1717 ـ العَقْلُ غَرِيزَةٌ تَزِيدُ بِالْعِلْمِ وَالتّجَارِبِ.

1718 ـ اللَّجَاجُ يُنْتِجُ الحُرُوبَ وَيُوغِرُ القُلُوبَ.

اللجاج أي التخاصم مع الناس أو الإصرار على الباطل يثير الحروب أي يكون سبباً لها، ويملأ القلوب حقداً أو يثيرها غضباً.

1719 ـ العُلَمَاءُ غُرَبَاءُ لِكِثْرَةِ الجُهَّالِ.

العلماء غرباء بسبب كثرة الجهال، وعليه أينما وجد عالم فانّه يعيش بين الجهلاء وحيداً وغريباً.

1720 ـ النَّاجُونَ مِنَ النَّارِ قَلِيلٌ لِغَلَبَةِ الهَوَى وَالضَّلاَلِ.

1721 ـ الدُّنْيَا لاَ تَصْفُو لِشَارِب وَلاَ تَفِي لِصَاحِب.

لا تصفو الدنيا للشارب بل هي مشوبة بأوساخ الآلام والكدورات، ولا تفي لمن يصحبها، بل سرعان ما تهجره وتُقبل على غيره.

1722 ـ الصَّبْرُ عَلَى النَّوَائِبِ يُنِيلُ شَرَفَ المَرَاتِبِ.

الصبر على المصائب يرفع ]الإنسان[ إلى درجات ومراتب سامية، وورد في بعض النسخ (المطالب) بدلا عن (المراتب) فيعني انّ الصبر يوصل إلى شرف المطالب أي المطالب السامية.

1723 ـ المُذْنِبُ عَنْ غَيْرِ عِلْم بَرِيءٌ مِنَ الذَّنْبِ.

يكون (المذنب) الجاهل بريئاً من الذنب أي لا ذنب له، لأنّ المذنب هو من يرتكب الذنب عالماً، وكثيراً ما يحدث ذلك كمن يجلس أو يصلّي في مكان مغصوب وهو جاهل بالغصب، أو يصلّي بثوب نجس ولا يعلم بنجاسته، أو يريد ]الخطبة[ من امرأة محرمة عليه ولا يعلم بانّها محرمة، ولكن إذا جهل الحكم الشرعي وارتكب ذنباً أثر ذلك، كمن لا يعلم انّ المرأة الّتي ارتضع معها بشرائط الرضاعة تحرم عليه، فيحتمل أن يكون معذوراً أيضاً ولا ذنب عليه، لكن المشهور بين العلماء أنّه معذور في بعض المسائل وغير معذور في الكثير منها، كما تفصّله الكتب الفقهية.

1724 ـ الدُّنْيَا مَلِيئَةٌ بِالمَصَائِبِ طَارِقَةٌ بِالفَجَائِعِ وَالنَّوائِبِ.

ملئت الدنيا بالمصائب وتطرق الآلام والحوادث، و ]الطارق[ في أصله يطلق على من يأتي ليلا، ويستعمل أحياناً فيمن يزور شخصاً مطلقاً، والمراد واضح على المعنى الثاني، وعلى الأوّل يختص المراد بالمجيء ليلا، نظراً إلى انّ أغلب البلاء والحوادث تنزل بالليل.

1725 ـ العِلْمُ يُنْجِي مِنَ الإرْتِبَاكِ فِي الحَيْرَةِ.

العلم ينقذ الإنسان من الوقوع في الحيرة، أي أن يكون حائراً في الأحكام ولا يدري ماذا يصنع، أو من الحيرة في الآخرة بحيث لا يعلم ما يصنع لنفسه، إذ انّ العالم لا يفعل ما يوجب حيرته في الآخرة.

1726 ـ الصَّدِيقُ أَفْضَلُ عُدَّة وَأَبْقَى مَوَدَّةً.

الصديق الّذي تكون صداقته في سبيل الله وبدافع ديني، يكون أفضل ما هيأه وأحضره، وأبقى مودّة أي تكون صداقته أدوم وأبقى من صداقة الأقرباء والآخرين الّذين تصادقوا لأهداف اُخرى.

1727 ـ العَاقِلُ مَنْ هَجَرَ شَهْوَتَهُ وَبَاعَ دُنْيَاهُ بِآخِرَتِهِ.

العاقل من يبتعد عن الهوى والشهوات، ويبيع دنياه لآخرته، أي يتنازل عن نيل الدنيا من أجل نيل الآخرة، أو يبذل الدنيا ]ما في الدنيا[ لما تنال به الآخرة.

1728 ـ الأَحْمَقُ غَريِبٌ فِي بَلْدَتِهِ مُهَانٌ بَيْنَ أَعِزَّتِهِ.

1729 ـ الجَاهِلُ لاَ يَرْتَدِعُ وَبِالمَوَاعِظِ لاَ يَنْتَفِعُ.

الجاهل لا يرتدع أي عمّا يفعله من المساوئ، لا ينتفع بالمواعظ والنصائح أو بالموعظة والنصيحة ـ حسب اختلاف النسخ ]حيث ورد في بعضها[ بالموعظة ـ ولا يهتدي إلى الطريق السوي.

1730 ـ المُؤْمِنُ عَفِيفٌ مُقْتَنِعٌ مُتَنَزِّهٌ مُتَوَرِّعٌ.

المؤمن عفيف أي يجنّب نفسه من كلّ ما هو غير محلّل، مقتنع بما اُعطي ولا يسعى للمزيد، متنزّه أي من المحرمات، وهذا تأكيد لـ «عفيف»، أو متنزّه عن المزيد ممّا تمكن القناعة به، فيكون تأكيداً لـ «مقتنعٌ»، متوزعٌ: وهذا ]أيضاً[ بمنزلة التأكيد لـ «عفيفٌ».

1731 ـ الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ أَهْوَنُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى عُقُوبَتِهِ.

انّ الصبر على طاعة الله وما فيها من رحمة بفعل الواجبات وترك المحرمات، أسهل من الصبر على العقوبة الإلهية، أي الّتي تترتب على ترك الطاعة أو فعل المعصية.

1732 ـ العَاقِلُ لاَ يَتَكَلَّمُ إلاّ بِحَاجَتِهِ أَوْ حُجَّتِهِ.

لا يتحدّث العاقل إلاّ بما يحتاج أو لإقامة الحُجّة أي الدليل على كلامه، ولا يشتغل إلاّ بما فيه صلاح آخرته.

1733 ـ البَاخِلُ فِي الدُّنْيَا مَذْمُومٌ وَفِي الآخِرَةِ مُعَذَّبٌ مَلُومٌ.

1734 ـ الظُّلْمُ يُزِلُّ القَدَمَ وَيَسْلُبُ النِّعَمَ وَيُهْلِكُ الأُمَمَ.

الظلم يزلّ القدم ويسلب النعم الّتي اُعطيت للظالم، ويهلك الأمم، والاُمة هي الجماعة الّتي اُرسل إليها النبيّ كما تطلق على صنف خاص من كلّ القبيلة، ويتم هلاك الاُمة بالظلم حينما يكون أفرادها ظالمين جميعاً، أو يظلم بعضهم بعضاً ولم يمنعهم من له قدرة منعهم، وقد ينزل العذاب الدنيوي بسبب كثرة الظالمين وشؤمهم على أفراد القوم كلّهم وإن لم يرتكبوا ذنباً، غاية ما هنالك انّه يلزم على الله تعالى تعويض اُولئك الأبرياء في تلك النشأة بما يرضيهم، وإلاّ لكان ذلك ظلماً بحقّهم، تعالى الله عن ذلك.

1735 ـ العِلْمُ يَدُلُّ عَلَى العَقْلِ فَمَنْ عَلِمَ عَقَلَ.

1736 ـ العِلْمُ مُحيِي النَّفْسِ وَمُنِيرُ العَقْلِ وَمُمِيتُ الجَهْلِ.

العلم محيي النفس باعتبار انّ الجاهل بمنزلة الميت، كما تكرر ذكره، ومنير للعقل ومميت للجهل والغباء أي مزيله.

1737 ـ العَاقِلُ مَنْ تَوَرَّعَ عَنِ الذُّنُوبِ وَتَنَزَّهَ عَنِ العُيُوبِ.

العاقل هو من يجتنب المعاصي، ويتنزّه عن العيوب وهي الذنوب، وهو تأكيد لما مرّ، ولعلّ المراد من الذنوب هو الأفعال السيّئة، ومن العيوب الخصال والسجايا السيّئة.

1738 ـ السَّخَاءُ يُمَحِّصُ الذُّنُوبَ وَيَجْلِبُ مَحَبَّةَ القُلُوبِ.

1739 ـ الكَيِّسُ أَصْلُهُ عَقْلُهُ وَمُروُءَتُهُ خُلْقُهُ وَدِينُهُ حَسَبُهُ.

الكيّس أصله وأساسه عقله، ومروءته ـ أي إنسانيّته أو رجوليته ـ خُلْقُهُ أي يُعلم من خُلقه مروءته، وتديّنه حسبه، و ]الحسب[ كما مرّ ذكره هو ما يفخر الإنسان به من مفاخر الآباء أو المال أو الدين، والمراد هنا أحد المعنيين الأوّلين أي ما يمكن الفخر به أو انّ ماله دينه.

1740 ـ العَالِمُ مَنْ لاَ يَشْبَعُ مِنَ العِلْمِ وَلاَ يَتَشَبَّعُ بِهِ.

العالم لا يشبع من العلم، ولا يشعر بالشبع منه، بل يسعى إضافة إلى ما كسبه للكسب علم آخر.

1741 ـ العَاقِلُ مَنْ عَقَلَ لِسَانَهُ إلاَّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ.

العاقل هو الّذي يمسك لسانه إلاّ عن ذكر الله، أي لا يتفوّه بما يزيد على حاجته إلاّ بذكر الله عز وجل .

1742 ـ المُؤْمِنُ مَنْ كَانَ حُبُّهُ لِلَّهِ وَبُغْضُهُ لِلَّهِ وَأَخْذُهُ لِلَّهِ وَتَرْكُهُ لِلَّهِ.

المؤمن هو من يكون حبّه لله، وعداؤه لله، وأخذه لله، وتركه لله، أي أخذ شيء من إنسان آخر أو تركه أو الامساك بشخص وايذاؤه أو تركه لحاله.

1743 ـ المُؤْمِنُ شَاكِرٌ فِي السَّرَّاءِ صَابِرٌ فِي البَلاءِ، خَائِفٌ فِي الرَّخَاءِ.

أي المؤمن خائف من أن يكون ذلك استدراجاً، كما يصنع ذلك بالعاصين، وقد يكون المراد انّه خائف من الله عند السعة والرخاء أيضاً ولذا لا يطغى.

1744 ـ المُؤْمِنُ عَفِيفٌ فِي الغِنَى مُتَنَزِّهٌ عَنِ الدُّنْيَا.

أي انّ المؤمن وإنْ استغنى واستقوى على الفسوق فانّه يتقي ولا يتلوث به، نزيه عن الدنيا أي لا يرتكب المحرمات أو المشتبهات، أو ما يتجاوز مقدار حاجته من الحلال.

1745 ـ الزِّينَةُ بِحُسْنِ الصَّوابِ لاَ بِحُسْنِ الثِّيَابِ.

1746 ـ الرِّفْقُ مِفْتَاحُ الصَّوَابِ وَشِيمَةُ ذَوي الأَلْبابِ.

1747 ـ العَاقِلُ مَنْ عَصَى هَوَاهُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ.

أي حيثما تعارض هواه مع طاعة ربّه، فانّه لا يطيع هواه ويعمل بالطاعة.

1748 ـ الجَاهِلُ مَنْ أَطَاعَ هَوَاهُ فِي مَعْصِيَةِ رَبِّهِ.

1749 ـ الحَظُّ لِلاِْنسَانِ في الاُذُنِ لِنَفْسِهِ وَفِي اللِّسَانِ لِغَيْرِهِ.

وذلك لأنّ الفائدة الأساسية للاُذن هي سماع الحقائق والمعارف والاعتقاد بها، وسماع الأحكام والعمل بها، وهذه الفائدة تعود على نفسه، والفائدة الأساسية للّسان هي توضيح تلك الحقائق والمعارف للناس، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فتكون معظم الفائدة للناس وإن انتفع هو أيضاً بكسب الأجر والثواب.

1750 ـ الوُصْلَةُ بِاللهِ فِي الإنْقِطَاعِ عَنِ النَّاسِ.

الانقطاع عن الناس يعني عدم التوسّل بهم، وعدم الاعتماد عليهم في كلّ شيء، بل ينبغي التوكل على الله في جميع الاُمور.

1751 ـ الخَلاَصُ مِنْ أَسْرِ الطَّمَعِ بِاكْتِسَابِ اليَأْسِ.

التحرر من قيود الطمع يكون باليأس أي بأن ييأس من الناس، ويتيقّن بانّهم لا يقدرون على شيء حتّى يشاء الله، فإذا تحقق هذا الأمر فانّه سوف لا يتورط في الطمع فيهم، وسيتوسل بالله تعالى في جميع الاُمور.

1752 ـ العِلْمُ ثَمَرَةُ الحِكْمَةِ وَالصَّوَابِ مِنْ فُرُوعِهَا.

العلم ثمرة الحكمة، والصواب أي السلوك الصحيح أو الصدق من فروعها، وقد ذكرنا انّ المراد من الحكمة هو العلم والقول الصحيح، وعليه من المناسب القول بانّ العلم أصل الحكمة وأساسها، ويؤيّده ما تعارف من وضع الأصل مقابل الفروع لا الثمرة، فلا يبعد أن يكون ذكر الثمرة قد وقع سهواً من الناسخ، والصحيح: «أصل الحكمة» أو انّ المراد من الثمرة هو جزء الأساس مجازاً، والله تعالى يعلم.

1753 ـ الحَرِيصُ فَقِيرٌ وَلَوْ مَلَكَ الدُّنْيا بِحَذَافِيرِهَا.

الحريص فقير وإنْ ملك الدنيا كلّها، لأنّ الحرص لا يقف عند حدّ، وانّه وإن ملك شيئاً يطلب المزيد، ويُظهر على نفسه الفقر والخصاصة، ويسلك سلوك الفقراء.

1754 ـ الصِّدْقُ عِمَادُ الإسْلاَمِ وَدَعَامَةُ الإيمَانِ.

الصدق أساس الإسلام وسند الإيمان، فمن فقده فكأنّه انهار وفسد إسلامه وإيمانه، والمراد من الإيمان هو الإسلام، أو انّ المراد من الإسلام هو الإيمان، وعلى كلّ حال فانّ «دعامة الإيمان» بمثابة التأكيد للعبارة السابقة، أو انّ المراد من الإسلام كما هو المصطلح عليه هو الإقرار بالله والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، والإيمان هو الإقرار بهما وبالأئمّة (صلوات الله وسلامه عليهم).

1755 ـ الإيمَانُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالاْرْكَانِ.

الإيمان قول باللسان وعمل بالجوارح، أي الإقرار بما هو ضروري من التصديق بالله عز وجل ، والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، والإمام(عليه السلام)، وما قالوه من معاد وغيره، والعمل بأقوالهم، والمشهور بين العلماء انّ الإيمان هو التصديق القلبي مع الإقرار باللسان، وليس العمل جزءاً منه بل هو واجب مستقل، وعليه فالإنسان بتركه يكون فاسقاً ولا يخرج من الإيمان.

وفي الكثير من الأحاديث ـ كهذا القول ـ اعتبر السلوك العملي جزءاً من الإيمان، ويمكن حملها على انّ المراد من الإيمان فيها هو الإيمان الكامل، فلا منافاة في انّ أصل الإيمان يتحقق بمجرد التصديق والإقرار، كما هو المشهور بين العلماء، وأمّا عدم اعتبارهم الاعتقاد من أجزائه واكتفاؤهم بالإقرار باللسان، مع انّه لا شكّ في ضرورة الاعتقاد في الإيمان ولا يكفي مجرّد الإقرار باللسان، فانّه امّا مبني على الظاهر منه أو على انّ المراد من الإيمان هو ما يحكم به ظاهراً، واعتبار الإنسان بسببها من المؤمنين، واجراء حكم المؤمنين عليه، ومن ظاهر أنّ هذا يكفي فيه مجرّد الإقرار باللسان، ولا يَعلم أحد بالاعتقاد القلبي سوى الله تعالى أو من يُطلعه على ذلك فمن لم يعتقد بما أقرّه لا إيمان له في الواقع ونفس الأمر، ولا يحشر يوم القيامة في زمرة المؤمنين، وإن كان في الدنيا بحسب الظاهر من جملتهم.

1756 ـ الجُودُ فِي اللهِ عِبَادَةُ المُقَرَّبِينَ.

1757 ـ الخَشْيَةُ مِنْ عَذَابِ اللهِ شِيمَةُ المُتَّقِينَ.

1758 ـ التَنَزُّهُ عَنِ المَعَاصِي عِبَادَةُ التَّوابِينَ.

عبادة التوابين: أي انّ رجوعهم في كلّ أمر إلى الله تعالى.

1759 ـ الحَزْمُ تَجَرُّعُ الغُصَّةِ حَتَّى تُمْكِنُ الفُرْصَةِ.

الحزم يعني تحمّل الغصة حتّى تسنح الفرصة، أي حيثما أراد الإنسان أن ينتقم من شخص قام بايذائه، فانّ الحزم هو أن لا يعجل في ذلك بل ينبغي تحمّل غصته حتّى تسنح الفرصة ويكون مستعداً لها(2).

1760 ـ التَّوانِي فِي الدُّنْيا إِضَاعَةٌ وَفِي الآخِرَةِ حَسْرَةٌ.

أي انّ التهاون في الشؤون الدنيوية اضاعة لها، وفي الشؤون الاخروية يسبب الحسرة والندامة في تلك النشأة، وقد يكون المراد هو التهاون في أمر الآخرة، حيث يكون في الدنيا بإضاعة العمر والفرصة وفي الآخرة بالحسرة والندامة.

1761 ـ الكَرَمُ بَذْلُ الجُودِ وَاِنْجَازُ المَوْعُودِ.

الكرم: أي الجود أو علو الشأن والمرتبة هو البذل والعطاء، والوفاء بما هو موعود.

1762 ـ أَصْلُ الدِّينِ أَداءُ الأَمَانَةِ وَالوَفَاءُ بِالعُهُودِ.

قد يكون المراد ظاهر الكلام، وهو أداء الأمانات لمن ائتمنها والوفاء بالعهود مع الناس، واعتبار ذلك أساساً للالتزام الديني يعود إلى انّ أساس التدين يتمثل في الشؤون المالية، فمن كان ملتزماً فيها فقلّما يكون غير ملتزم في غيرها. وقد يكون المراد من العهود هو ما يشمل العهود الّتي أخذها الله تعالى من الناس من الإقرار به وبالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (صلوات الله عليهم) والعمل بأقوالهم، بل يمكن أن يكون «أداء الأمانة» شاملا لهذه الاُمور أيضاً، ويكون الوفاء بالعهود تأكيداً لها، وعليه فانّ كون هذا المعنى «أصل الدين» يعني انّ مجمل التدين هو ذلك.

1763 ـ السَّيِّدُ مَحْسُودٌ وَالجَوَادُ مَحبْوُبٌ مَوْدُودٌ.

... قوله مودودٌ: تأكيد للمحبوب.

1764 ـ الحَسُودُ أَبَداً عَلِيلٌ وَالبَخِيلُ أَبَداً ذَلِيلٌ.

الحسود يكون مريضاً دائماً أي مريضاً معنوياً، بل بالمرض الظاهري أيضاً في أغلب الأحيان، وذلك لما يشعر به من غمّ وغصص، ويكون البخيل ذليلا دائماً.

1765 ـ الجَنَّةُ خَيْرُ مَآل وَالنَّارُ شَرُّ مَقِيل.

الجنة أفضل عاقبة ولذا يجب السعي لكلّ ما يسبب الدخول فيها، والنار أسوء مكان للنوم، فيجب الاهتمام بكلّ ما يسبب التنزّه عنها، المراد من (مقيل) هو مكان النوم في أوّل الوقت، كما انّه أصل معناه لدى بعض أهل اللغة، أو أوّل الوقت في الصيف كما قال بعض آخر، وعلى كلّ حال فانّ تخصيص السوء والشر بذلك الوقت باعتبار كثرة شرّه، إذ انّ أوّل وقت النوم هو وقت شدة الحرّ سيّما في الصيف، والإنسان يحتاج في ذلك الوقت إلى مكان بارد للنوم، فويلٌ لمن كانت جهنم مقيله في ذلك الوقت.

1766 ـ المَعُونَةُ تَنْزِلُ مِنَ اللهِ عَلَى قَدْرِ المَؤونَةِ.

تأتي المعونة الإلهية على قدر النفقة، وعليه فلا داعي للهمّ والخوف من كثرة العيال وكثرة النفقة فيما لا يكون مذموماً شرعاً.

1767 ـ المَزَاحُ فِرْقَةٌ تَتْبَعُها ضَغِينَةٌ.

ممارسة المزاح مع شخص يؤدي إلى الفرقة بينهما، أي غالباً ما يكون سبباً للنفرة والانفصال عنه ثمّ نشوء الحقد في نفسه، المراد هو أنّ كثرة المزاح وبعض أنواعه يكون كذلك، وليس المراد ترك المزاح رأساً، فانّ المشهور انّه (صلوات الله وسلامه عليه) كان يمازح أحياناً، كما نُقل المزاح عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) مراراً.

1768 ـ الإفْرِاطُ فِي المَلاَمَةِ يَشُبُّ نَارَ اللِّجَاجَةِ.

انّ تجاوز الحدّ في معاتبة شخص والإفراط فيه، يزيده لجاجاً أي العداء أو الإصرار على الباطل، وعليه إذا وجبت معاتبة شخص فلابدّ أن تكون بالقدر المناسب دون افراط يستدعي اللجاج.

1769 ـ الجُوعُ خَيْرٌ مِنْ ذُلِّ الخُضُوعِ.

تحمل الجوع أفضل من ذلّ الخضوع للناس لنيل شيء ما.

1770 ـ القَانِعُ نَاج مِنْ آفَاتِ المَطامِعِ.

ذو القناعة ينجو من آفات المطامع، أي الآفات الّتي تترتب على المطامع في الدنيا والآخرة.

1771 ـ الكَرِيمُ يَزْدَجِرُ عَمَّا يَفْتَخِرُ بِهِ اللَّئِيمُ.

صاحب الجود أو ذو المكانة الكريمة يُزدجر عمّا يفتخر به اللئيم أي البخيل أو ذو المكانة الدنيئة، يعني انّه يمنع نفسه ويزدجر عنها، والمراد بما «يفتخر به اللئيم» هو جمع المال حيث يباهي اللئيم ويفتخر بانّه جمع كذا مال، لكن الكريم يكره ذلك.

1772 ـ الجَاهِلُ يَسْتَوْحِشُ مِمّا يَأْنَسُ بِهِ الحَكِيمُ.

يستوحش الجاهل ممّا يستأنس به الحكيم أي العالم الصادق ذو السيرة السليمة، والمراد هو تحصيل العلوم والمعارف، والسعي لنيل الحقائق والدقائق.

1773 ـ المَعْرُوُفُ غُلٌّ لاَ يَفُكُّهُ إلاّ شُكْرٌ أَوْ مُكَافَأَةٌ.

1774 ـ الحَقُّ أَبْلَجٌ مُنَزَّهٌ عَنِ المُحَابَاةِ وَالمُراءَاةِ.

انّ الحقّ وهو القول الصادق الموافق للواقع، واضح وجلي «منزهٌ عن المحاباة» أي منزّه الحاجة إلى النصرة والمعونة، بل انّ حقيقته ظاهرة من جوهره، «والمراءاة» أي منزّه عن أن يُنكر أو يُجادل فيه.

1775 ـ المُؤْمِنُ بَيْنَ نِعْمَة وَخَطِيئَة لاَ يُصْلِحُهُما إلاّ الشُّكْرُ وَالإسْتِغْفَارُ.

يعيش المؤمن بين نعمة وخطيئة لا يصلحهما إلاّ الشكر والاستغفار، أي انّ المؤمن لا تصدر منه معصية عمداً، بل انّ ما يحتاج إلى تداركه منحصر في شيئين: أحدهما النعمة الّتي يُعطاها، وثانيهما الخطأ الّذي يرتكبه، وهذان لا يحتاجان إلى التدارك سوى الشكر في الأوّل، والاستغفار في الثاني.

1776 ـ الحِلْمُ عِنْدَ شِدَّةِ الغَضَبِ يُؤْمِنُ غَضَبَ الجَبَّارِ.

الحلم عند الغضب الشديد يُؤمن غضب الجبّار وهو الله تعالى، وقد أطلق الجبّار على الله تعالى لأنّ الجبر يعني ترميم العظم الكسير وإصلاحه، والله تعالى يصلح اُمور الناس المنكسرة أحوالهم، كما يعني الجبر أيضاً الإكراه على فعل أمر، والزام شخص لفعل قهراً، والله سبحانه قادر على اكراه من يريد لفعل ما يريد بالقهر والغلبة، كما يطلق (جبّار) على الشجرة العالية الّتي لا تنالها الأيدي، والله عز وجل أعلى من كلّ شيء.

1777 ـ الكَمَالُ فِي ثَلاَث: الصَّبْرُ عَلَى النَّوائِبِ، وَالتَورُّعُ فِي المَطَالِبِ، وَإِسْعَافُ الطَّالِبِ.

ثلاثة أشياء لها كمال الحسن والفضيلة: أحدها الصبر عند المصائب، والاُخرى الورع عند المطالب أي ما يرومه الإنسان ويسعى لتحصيله، والثالث هو قضاء حاجة شخص طلب شيئاً منه.

1778 ـ الرِّفْقُ يُيَسِّرُ الصِّعَابَ وَيُسَهِّلُ شَدِيدَ الأَسْبَابِ.

1779 ـ العَالِمُ يَعْرِفُ الجَاهِلَ لأَنَّهُ كَانَ قَبْلُ جَاهِلاً.

1780 ـ الجَاهِلُ لاَ يَعْرِفُ العَالِمَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ عَالِماً.

1781 ـ التَّوْفِيقُ وَالخِذْلاَنُ يَتَجَاذَبَانِ النَّفْسَ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَتْ فِي حَيِّزِهِ.

أي انّ كلا من التوفيق الإلهي وتوفير أسباب الخير لكلّ نفس إنسانية، والخذلان الإلهي أي عدم اعانته وتركه لنفسه يجذبان النفس نحوهما، فإذا غلب التوفيق في إنسان ستكون النفس ـ استناداً إلى انتصار الصلاح في الصفات والأفعال والتوفيق المتزايد ـ في موضع يقتضيه التوفيق، وهو مكان المفلحين وهو الجنة، وإذا انتصر الخذلان الإلهي وتركه لحاله بسبب فقدان الأهلية للمزيد من التوفيق الراجع إلى سوء أخلاقه وأفعاله، فانّ نفسه ستكون فيما يقتضيه الخذلان وهو مكان العصاة أي الجحيم، وقد لا يكون المراد من الخذلان هو ترك الإعانة بل بمعنى الذل، ويكون المراد هو أنّ كلّ نفس يجذبها كلّ من التوفيق الإلهي والذل الحاصل له بسبب أفعاله وأعماله، فأيّهما غلب كانت النفس في حيّزه.

1782 ـ المُؤْمِنُ حَذِرٌ مِنْ ذُنُوبِهِ أَبَداً يَخافُ البَلاَءَ وَيَرْجُوَ رَحَمَةَ رَبِّهِ.

المؤمن يقظ وخائف من ذنوبه دائماً وبسببها يخشى البلاء، كما انّه يرجو الغفران الإلهي، أي يشعر بالخوف والرجاء اللذَيْنَ يلزم وجودهما في كلّ مؤمن.

1783 ـ العَقلُ وَالعِلْمُ مَقْرُونَانِ فِي قَرَن لاَ يَفْتَرِقَانِ وَلاَ يَتَبَايَنانِ.

العقل والعلم مترافقان في رابط واحد، و ]قَرَن[ هو الحبل الّذي يربط به بين بعيرين، فلا ينفصلان ولا يتباعدان.

1784 ـ الاِيمَانُ وَالحَيَاءُ مَقْرُونَانِ فِي قَرَن وَلاَ يَفْتَرِقَانِ.

1785 ـ الاِيمَانُ وَالعِلْمُ أَخَوانِ تَوْأَمَانِ، وَرَفِيقَانِ لاَ يَفْتَرِقَانِ.

الإيمان والعلم أخوان توأمان قد ولدا سوية، ورفيقان لا ينفصلان، وقد ورد لفظ (العمل) بدل (العلم) في بعض النسخ، وعليه يكون المعنى: انّ الإيمان والعمل توأمان ورفيقان لا ينفصلان، وهذا المعنى بناءً على اعتبار العمل جزء الإيمان ـ كما مرّ ذكره ـ ظاهر، وأمّا بناءً على المشهور من عدم اعتبار العمل في تحقق أصل الإيمان، بل يكفي فيه مجرّد التصديق القلبي والإقرار باللسان، فانّه يُحمل على الإيمان الكامل، أي انّ التصديق الّذي يبلغ درجة الكمال لا يفترق عن العمل.

1786 ـ الاِيمَانُ شَجَرَةٌ أَصْلُهَا اليَقِينُ وَفَرْعُهَا التُّقَى وَنُورُهَا الحَيَاءُ وَثَمَرُهَا السَّخَاءُ.

الإيمان شجرة جذرها اليقين أي بالمبدأ والمعاد، وغصنها التقوى، وبرعمها الحياء أي الحياء من الله والعباد، وثمرها السخاء.

ويظهر من هذا الكلام الاعجازي أيضاً انّ التقوى والعمل جزء الإيمان; لاعتبارهما بمثابة الغصن في الشجرة وهو جزؤها، وبناءً على المشهور يجب حمله على الإيمان الكامل، كما تكرر ذكره.

1787 ـ الغَضَبُ نَارٌ مُوْقَدَةٌ، مَنْ كَظَمَهُ أَطْفَأَهَا وَمَنْ أَطْلَقَهُ كَانَ أَوَّلَ مُحْتَرِق بِها.

الغضب نار مؤججة ومن حبسه أطفأ تلك النار، ومن تركه كان أوّل من يحترق بها، وقوله(عليه السلام): «أوّل من يحترق بها» يعود امّا إلى أنّ من لم يحبس غضبه وعزم على الانتقام أصابته الخفة أوّلا، ثمّ يطال أذاه ذلك الشخص، وامّا أن يكون بحسب الرتبة وإن أصابه الضرر متأخّراً، أي كان ضرر غضبه أشد عليه من ضرره لذلك الشخص المغضوب عليه، إذن فهو أوّل من يحترق رتبة، وهذا المعنى واضح إذا كان الغضب بغير حقّ; لأنّه يستحق العقاب الإلهي بذلك، وذلك الشخص المغضوب عليه يكون الضرر الّذي يصيبه هو الأذى الّذي يورده الغاضب، ولا نسبة بينه وبين العذاب الإلهي، مع انّ التعويض يتم في تلك النشأة بوجهه الأكمل، وإذا لم يكن الغضب بغير حقّ وكان ذلك الشخص مستحقاً لذلك الأذى، وكان الغاضب معذوراً، فكونه أوّل من يحترق بتلك النار لعلّه باعتبار انّه لو كان يكظم غضبه ويعفو لاستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل، فتفويت ذلك بمثابة الاحتراق بالنار، وكان ضرره عليه أشد من الإضرار بذلك الشخص المغضوب عليه، لأنّ الضرر اللاحقّ بالمغضوب عليه هو ذلك الضرر الّذي ألحقه به الغاضب وليس له قدر يؤبه به قياساً إلى ما فاته من الثواب المذكور، خاصة إذا كان مستحقاً لذلك فانّه سيرفع العقاب عنه أو يخفّفه، وعليه يكون فيه النفع لا النقصان.

1788 ـ العَارِفُ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَأَعْتَقَها وَنَزَّهَهَا عَنْ كُلِّ مَا يُبَعِّدُها وَيُوبِقُهَا.

العارف هو من يعرف نفسه فيحررها، ويطهرها من كلّ ما يبعدها ويهلكها، أي يعرف نفسه، ويعلم ما اقترفه من ذنوب، فيعمل على تحريرها بالتوبة والإنابة، ويطهرها من كلّ ما يبعدها من القرب الإلهي، ويهلكها في النشأة الاُخرى.

1789 ـ الشَّهَواتُ أَعْلاَلٌ قَاتِلاَتٌ وَأَفْضَلُ دَوَائِهَا اقْتِنَاءُ الصَّبْرِ عَنْها.

الشهوات علل قاتلة، وأنجح علاج لها هو الصبر إزاءها، أي الصبر على ما يفقده من مأمول، وتنزيه النفس منها.

1790 ـ الأَحْمَقُ لاَ يَحْسُنُ بِالهَوانِ، وَلاَ يَنْفَكُّ عَنْ نَقْصِ وَخُسْرَان.

انّ ضعيف العقل لا يتحسن حاله بالذل، أي باذلاله لكِلّ عمل سيّء يفعله، ولا يتجرد عن النقص والخسارة.

1791 ـ البُكَاءُ مِنْ خِيْفَةِ اللهِ لِلْبُعْدِ عَنِ اللهِ عِبَادَهُ العَارِفينَ.

انّ البكاء من خشية الله عز وجل الابتعاد عن الله، أي بسبب فعل ما يبعده عن الله، عبادة العارفين، أي الجماعة الّتي عرفت الله عز وجل ، وكسبت معرفته بالقدر المقدور.

1792 ـ التَّفَكُّرُ فِي مَلَكُوتِ السَّمواتِ وَالأَرْضِ عِبادَهُ المُخْلِصِينَ.

أي انّ التدبر في ملكوت السموات والأرض عبادة المخلصين، أي انّ التفكّر فيها للاستدلال على المبدأ والمعاد وإدراك معرفة الله تعالى من خلالها عبادة المخلصين، أي الّذين أخلصوا عبادتهم لله تعالى، ولم يخلطوها بأيّ غرض آخر.

ويمكن قراءة (المخلصين) بفتح اللاّم، وعليه يكون المعنى: الّذين أخلصهم الله سبحانه لعبادته وخلقهم لذلك وأخلاهم من الأعمال الاُخرى، أو أخلصهم من المساوئ والمعاصي، أو أخلص عبادتهم من أيّ غرض آخر غير التقرّب إليه، ولايخفى أنّ هذا التدبر في الملكوت، والاستدلال به على المعارف الإلهية، هو طريقة الحكماء الطبيعيين، كما أشار إلى ذلك الشيخ الرئيس أبو عليّ ابن سينا في كتاب (الإشارات).

1793 ـ الحُمْقُ دَاءٌ لاَ يُداوَىَ وَمَرَضٌ لاَ يُبْرَأ.

1794 ـ الحَجَرُ الغَصْبُ فِي الدَّارِ رَهْنٌ لِخَرابِهَا.

أي يكون الحجر الّذي يستعمل في بناء دار بدون إذن مالكه، رهناً لخراب تلك الدار، أي انّه يعمل على خرابه عاجلا.

1795 ـ الإخْوَانُ فِي اللهِ تَعَالَى تَدُومُ مَوَدَّتَهُمْ لِدَوَامِ سَبَبِهَا.

أي انّ مودّة الإخوان في سبيل الله تعالى تدوم لدوام سببها، إذ انّ الصداقة حيثما كانت لرضا الله فقط، ولم يقصد فيها غرض آخر دام سببها، بعكس ما لو كانت لغرض آخر، لأنّه مع عدم تحقق ذلك الغرض أو مع تحققه تزول تلك الصداقة.

1796 ـ إِخْوانُ الدُّنْيَا تَنْقَطِعُ مَوَدَّتَهُمْ لِسُرْعَةِ انْقِطَاعِ أَسْبَابِها.

أي انّ إخوان الدنيا الّذين تكون صداقتهم لأغراض دنيوية، تزول صداقتهم لزوال أسبابها بسرعة، إذ لو لم يتحقق الغرض الّذي من أجله تمت الصداقة، زال سببها وانقطعت لذلك المودّة، وهكذا إذا تحقق لأنّ الغرض هو نيل ذلك المطلوب، وبعد تحصيله ينقطع في الحقيقة ذلك السبب، وعليه لا تبقى الصداقة أيضاً، كما يظهر هذا بملاحظة أوضاع الناس ومتابعتها.

1797 ـ الكَيِّسُ مَنْ كَانَ يَوْمُهُ خَيْراً مِنْ أَمْسِهِ وَعَقَلَ الذَّمَّ عَنْ نَفْسِهِ.

الفطن هو من كان كلّ يوم من أيّامه أفضل من اليوم الماضي، أي لأنّ أعماله الخيرة في ذلك اليوم أكثر من اليوم السابق و (عقل الذم عن نفسه) يعني لا يفعل ما يجلب مذمة الناس إيّاه ملامتهم. ولعلّ المراد هو الإشارة إلى انّ من كان هذا سلوكه بأن يكون يومه أفضل من أمسه، يكون قد منع وعقل الذمّ عن نفسه فلا تكون مذمته وملامته أمراً معقولا. أو انّ المراد هو انّه يمنع مذمة الآخرين عن نفسه، ولا يذم ولا يلوم أحداً، وعليه ينبغي تخصيص ذلك بأنْ لا تكون مذمته شرعاً من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

1798 ـ العَاقِلُ مَنْ أَحْسَنَ صَنَائِعَهُ، وَوَضَعَ سَعْيَهُ فِي مَوَاضِعِهِ.

المراد من: «أحسن صنائعه» هو أن يلتزم بشرائط حسنها شرعاً، كأن تكون خالصة لله عز وجل ، ونقيّة من المنّ والرياء، وأن يبذل من الأشياء الحسنة، والمراد من: «وضع سعيه في مواضعه» هو أن يحسن لمن هو أهل لذلك، ولمن لا يصرفه في موارد غير مشروعة سواء أكان فقيراً أو غنياً; لأنّ الإحسان إلى كلا الطائفتين حسن ومطلوب شرعاً، وليس إلى جماعة يعلم انّها تصرفه في موارد غير مشروعة، وقد لا يكون المراد منه هو خصوص السعي في الإحسان بل أن يكون السعي لكلّ عمل في محلّه وزمانه، ولا يكون سعيه في غير مورده وزمانه مطلقاً.

1799 ـ الشَّقِيُّ مَنْ اغْتَرَّ بِحَالِهِ وَانْخَدَعَ لِغُروُرِ آمَالِهِ.

الشقي هو من يغتر بأحواله، وينخدع بخداع آماله والمعنى إمّا لأنّها تورطه بالطمع في الباطل، أي انّ الشقي هو من يغترّ بما لديه من مال أو علم أو صلاح وما شاكل، وينخدع بخداع آماله، فيرتكب حراماً من أجل نيلها، أو انّه ينخدع بسبب انّ آماله توقعه في الطمع بالباطل والحرام.

1800 ـ اللَّئِيمُ إذَا بَلَغَ فَوْقَ مِقْدَارِهِ تَنَكَّرَتْ أَحْوَالُهُ.

انّ اللئيم وهو البخيل أو الدني، إذا بلغ درجة أعلى من مستواه تغيرت أحواله، وصارت أحواله الطيبة في المستقبل مكروهة.

 

الهوامش:

(1) اعتبر الشارح(رحمه الله) (يلقى) بفتح الياء وسكون اللام وفتح القاف، ويبدو أنّ يكون «يُلقى) بضمّ الياء وسكون اللام وفتح الغاء، من «ألغى يلغي إلغاءً» والمعنى: انّ الجاهل لا يشاهد إلاّ مفرطّاً أو مفرطا.

(2) في المتن هكذا: «تا وقتى كه فرصت ممكن شود واستعداد آن باشد».