1801 ـ التَّقَرُّبُ اِلَى اللهِ تَعَالى بِمَسْئَلَتِهِ وَاِلَى النَّاسِ بِتَرْكِهَا.

... وذلك لأنّ الناس تكره أن تُطلب بشيء، فمن لم يطلب منهم شيئاً كان عندهم عزيزاً ومحترماً، والله سبحانه يجب أن لا يتوسل الناس بغيره، ويسألونه كلّ ما يطلبونه حتّى ملح الطعام، كما هو الوارد في بعض الأحاديث، وعليه يكون السؤال منه مقرباً إليه.

1802 ـ الدُّنْيَا مُنْتَقِلَةٌ فَانِيَةٌ إِنْ بَقِيَتْ لَكَ لَمْ تَبْقَ لَهَا.

انّ الدنيا سرعان ما تنتقل من شخص إلى آخر، وتفنى وتزول وإن بقيت لك فرضاً فانّك لا تبقى لها، إذن هي لا تستحق أن يبذل الإنسان سعياً كبيراً من أجلها، ويتكاسل ويتهاون في أمر الآخرة.

1803 ـ العَجَبُ لِغَفْلَةِ الحُسَّادِ عَنْ سَلاَمَةِ الأَجْسَادِ.

... أي من العجب أنّ الحسّاد الّذين يحسدون الناس على كلّ نعمة أعطوها، ويتمنّون زوالها منهم، كيف لا يحسدون سلامة أبدانهم، وهي أعظم النعم، فإذا حسدوها أيضاً فانّهم سوف لا يتحررون من الهموم والأحزان أبداً.

1804 ـ الدُّنْيَا أَصْغَرُ وَأَحْقَرُ وَأَنْزَرُ مِنْ أَنْ تُطَاعَ فِيهَا الأَحْقَادُ.

... أي أن يضمر شخص حقداً على أحد الناس من أجل الدنيا، ثمّ يطيع أوامر حقده، ويعزم على إيذاء ذلك الشخص.

1805 ـ إِخْوَانُ الصِّدْقِ زِينَةٌ فِي السَّرَّاءِ، وَعُدَّةٌ فِي الضَّرَّاءِ.

إخوان الصدق أي من تكون مودّتهم صادقة، ولا تكون باللسان فقط، زينة وجمال في الأفراح والمسرّات وسيلة حاضرة في الصعاب، «وعدّة في الضراء» أي استُعدّوا لمساعدته في الصعاب، ودفع البلاء والأذى عنه إن تمكنوا، وإلاّ رافقوه وصاحبوه كي يأنس ويطمئنّ بهم، ولا يتأثر بالبلاء والمصائب كثيراً.

1806 ـ الدَّوْلَةُ تَرُدُّ خَطَأَ صَاحِبِهَا صَوَابَاً وَصَوَابَ ضِدِّهِ خِطَأً.

... أي انّ صاحب الدولة لو أخطأ لأظهره الناس صواباً وصحيحاً، وخطّأوا ما يعارضه من صواب وأمر صحيح.

1807 ـ الخُرْقُ مُعادَاةُ الآرَاءِ وَمُعَادَاةُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الضّرَّاءِ.

الحماقة تعني معاداة الآراء والأفكار، ومن هو قادر على الإضرار به، والمراد من (معاداة الآراء) هو أن يعادي الإنسان ما اتفقت عليه آراء الناس، ويحكم بخطأ تلك الآراء، ويقول انّ الصحيح هو الرأي الفلاني المخالف لرأيهم، وهذا فيما لو علم بصحة تلك الآراء وخطأ رأيه فيواجهم بهذا الموقف نتيجة لمعاداته لهم. ويمكن أن يكون المراد مطلقاً، وشاملا لحالة يعلم فيها واقعاً خطأ رأيهم أيضاً، وصحة رأيه، فيكون «خرقه» راجع إلى انّه قلّما تتفق جماعة على رأي وهم على خطأ، ويكون رأيه فقط هو الصحيح، وعليه تكون الجرأة على هذا الأمر والاعتماد على الرأي حماقة وخُرق. وفي بعض النسخ بل أكثرها ورد (الأمراء) بدل (الآراء) وعليه فالمعنى واضح، إذ من الواضح انّ العداء مع الاُمراء حماقة وخُرق.

1808 ـ العِلْمُ أَفْضَلُ شَرَفِ مَنْ لاَ قَدِيمَ لَهُ.

... أي انّ من لا أصل له ولا نسب أو لا شرف ولا مكانة سامية في الماضي، وأراد أن ينال بشرف، كان طلب العلم أفضل شرف له، فليكسب العلم لينال كمال الشرف.

1809 ـ الجَاهِلُ لاَ يَعْرِفُ تَقْصِيرَهُ وَلاَ يَقْبَلُ مِنَ النّصِيحِ لَهُ.

... النصيح له: أي من ينصحه ويعظه ويخلص له.

1810 ـ العَطِيَّةُ بَعْدَ المَنْعِ أَجْمَلُ مِنَ المَنْعِ بَعْدَ العَطِيَّةِ.

... أي إذا منع سائلا أو من يشاكله ولم يعطه شيئاً ثمّ أعطاه شيئاً في المرة الثانية كان أفضل من أن يعطيه في المرة الاُولى ويمنعه في المرة الثانية ولا يعطيه شيئاً، إذ انّ عاقبة عمل هذا الشخص في الحالة الاُولى جيدة وبدايته سيئة، والصورة الثانية تكون على العكس، ومن الواضح انّ الاُولى أفضل، مضافاً إلى انّه لو منع كما انّ من يمنع شخصاً في المرة الاُولى سوف لا يكترث بذلك كثيراً، فإذا اُعطي شيئاً في المرة الثانية كانت له نعمة غير متوقعة وتُسبّب كمال فرحه وسروره، على عكس ما لو أعطاه في المرة الاُولى ثمّ منعه; لأنّه يتوقع ذلك العطاء في المرة الثانية أيضاً، فإذا مُنع اكترث أكثر ممّا لو مُنع في المرة الاُولى.

1811 ـ الدَّهْرُ يُخْلقُ الأَبْدَانَ وَيُجَدِّدُ الآمَالَ وَيُدْنِي المَنِيَّةَ وَيُباعِدُ الأُمْنِيَّةَ.

... كونه «يخلق الأبدان» مع تقادم الأيّام أمر واضح، وهكذا تجدد الآمال; لأنّ الإنسان يشعر بأمل جديد كلّ برهة من الزمان، بل كلّما شاخ أكثر تضاعف أمله، كما انّ اقتراب أجله بتقادم الأيّام أمر واضح أيضاً، وابتعاد الاُمنية باعتبار انّ الإنسان كلّما تقدّم به العمر فانّ آماله تكون أطول وأبعد.

1812 ـ أَوَاخِرُ مَصَادِرِ التَّوَقِّي أَوَائِلُ مَوارِدِ الحَذَرِ.

أواخر مصادر التوقّي أي كفّ النفس وحفظها، أوائل موارد الحذر والاحتراز، أي انّ على الإنسان إذا عزم على إنجاز عمل أن يفكّر ويتأمل أوّلا في عواقبه ومفاسده الّتي يتمنّى الرجوع عنها ـ حفاظاً على نفسه ـ عندما يصيبها، وذلك ليحذر ويحترز من موارد نزولها، والنتيجة: أن يتصوّر المفاسد الّتي تترتب على ذلك العمل أوّلا ويتحذّر منها ويبتعد عن ذلك العمل.

1813 ـ العَاقِلُ إذَا سَكَتَ فَكَّرَ، وَإِذَا نَطَقَ ذَكَرَ، وَإِذَا نَظَرَ اعْتَبَرَ.

... «إذا نظر اعتبر» أي بأن يعتبر بها، ويقف على الأسرار والدقائق.

1814 ـ الدَّاعِي بِلاَ عَمَل كَالقَوْسِ بِلا وَتَر.

أي الّذي يدعو من دون أن يكون له عملٌ صالح كالقوس بدون وتر، أي لا يترتب أثر على دعائه.

1815 ـ المُرُوُءَةُ اجْتِنَابُ الرَّجُلِ مَا يَشِينُهُ وَاكْتِسَابُهُ مَا يَزِينُهُ.

المروءة أي الفتوة أو الإنسانية هي أن يتنزّه الرجل عن كلّ ما يعبيه، ويكسب كلّ ما يزينه ويُضفي عليه جمالا.

1816 ـ الرَّفِيقُ فِي دُنْيَاهُ كَالرَّفِيقِ فِي دِينِهِ.

الرفيق والصاحب في دنيا الإنسان بمثابة رفيقه في دينه، فكما يلزم مراعاة وإعانة الرفيق في الدين فكذلك يلزم إعانة ومراعاة الرفيق في الدنيا أيضاً، وكما يجب انتخاب رفيق الدين من الصالحين لابدّ من انتخاب رفيق الدنيا من الصالحين أيضاً، كي يكون صلاحه مؤثراً فيه ولا يسري شره فيه، إذ قلّما وجد رفيق لا تؤثر أخلاقه وأفعاله في رفيقه.

1817 ـ الغِنَى بِاللهِ أَعْظَمُ الغِنَى.

انّ الغنى بالله أي بالتوكل عليه والاعتماد عليه في كلّ مجال هو أعظم الغنى.

1818 ـ الغِنَى بِغَيْرِ اللهِ أَعْظَمُ الفَقْرِ وَالشَّقَاءِ.

1819 ـ العِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحَاطَ بِهِ فَخُذُوا مِنْ كُلِّ عِلْم أَحْسَنَهُ.

انّ العلم أكثر من أن يُحاط به وأن يُتعلّم كلّه، فتعلّموا من كلّ علم أحسنه أي تعلّموا ما هو أشدّ ضرورة وأكثر فائدة.

1820 ـ السَّخَاءُ وَالشَّجَاعَةُ غَرَائِزٌ شَرِيفَةٌ يَضَعَها اللهُ سُبْحَانَهُ فِيمَنْ أَحَبَّهُ وَامْتَحَنَهُ.

... «وامتحنه» أي فيمن يعلم منذ الأزل بصلاحه، كمن اختبر شخص شخصاً آخر وظهر له صلاحه، ومن الواضح انّ الله سبحانه عالم بعلم الغيب بكلّ شيء، وبأوضاع كلّ إنسان فلا يحتاج الاختبار.

1821 ـ الصَّبْرُ عَلَى البَلاَءِ أَفْضَلُ مِنَ العَافِيَةِ فِي الرَّخَاءِ.

انّ الصبر على البلاء أفضل من العافية في الرخاء وسعة العيش، لأنّ في ذلك أجر اخروي بخلاف هذا حيث لم يكن سوى النعمة الدنيوية، وأيّ نسبة بين النعمة الاخروية والنعمة الدنيوية.

1822 ـ العَقْلُ أَغْنَى الغَنَاءِ وَغَايَةُ الشَّرَفِ فِي الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا.

1823 ـ الكَرِيمُ يَجْفُو إذا عُنِّفَ ويَلِينُ إِذَا اسْتُعْطِفَ.

الكريم أي الجواد أو ذو الشخصية الكريمة والمرتبة العالية، يقطع صلته وإحسانه إذا اُريد أخذ شيء منه بالقوّة والعدوان، ويلين إذا طُلب منه الرأفة والعطف.

1824 ـ اللَّئِيمُ يَجْفُو إِذَا اسْتُعْطِفَ وَيَلِينُ إِذَا عُنِّفَ.

اللئيم أي البخيل أو النديء يقطع صلته وإحسانه إذا طُلب منه العطف، ويلين حينما يطلب منه بعنف.

1825 ـ المُؤْمِنُ إِذَا سُئِلَ أَسْعَفَ وَإِذَا سَأَلَ خَفَّفَ.

المؤمن يبادر لقضاء الحاجة كلّما سئل وطلب منه شيء، وإذا سأل هو خفّف واكتفى بأقلّ ما يحتاج.

1826 ـ المَحاسِنُ فِي الإِقْبَالِ هِي المَسَاوِي في الإِدْبَارِ.

تكون المحاسن حينما تقبل الرئاسة والحظوظ مساوئ عند انقضائها، هذا ما يبدو لدى الناس، فالعمل الّذي يصفونه بالحسن حين الإقبال يصفونه بالسوء عند الإدبار، أو انّ العمل الّذي ينجز جيداً وله أثر حسن عند الإقبال، لا ينجز جيداً ويكون مضراً عند الإدبار!

1827 ـ الصَّمْتُ يُكْسِيكَ الوَقَارَ وَيَكْفِيكَ مَؤُنَةَ الإِعْتِذَارِ.

... أي انّ من يتكلّم كثيراً مّا يتلفظ بما يحتاج إلى الاعتذار من الآخرين، بينما لا يتحمل أتعاب ذلك عند السكوت.

1828 ـ الأَمَلُ سُلْطَانُ الشَّياطِينِ عَلَى قُلُوبِ الغَافِلِينَ.

انّ الأمل سلطان الشياطين على قلوب الغافلين، أي انّها تمهّد لتسلّط الشياطين وغلبتهم، أو انّ الشياطين تسلّط الآمال كي تتمكن من جرّائه التسلّط عليهم حتّى تضلّهم.

1829 ـ الحِكْمَةُ ضَالَّةُ كُلِّ مُؤْمِن فَخُذُوهَا وَلَوْ مِنْ أَفْواهِ المُنَافِقِينَ.

... أي انّ الحكمة وهي العلم الصحيح، تكون في الحقيقة للمؤمنين، وكلّ من ليس له منها شيئاً فكأنّه فقدها، فيأخذها أينما وجدها، وإنْ كانت صادرة من فم المنافقين إذ انّ المعتبر هو صحة العلم وصوابه لا قائله، فحيثما كان صحيحاً فلابدّ من تعلّمه لدى أيّ من كان.

1830 ـ الجَهْلُ فِي الإنْسَانِ أَضَرُّ مِنَ الآكِلَةِ فِي البَدَنِ.

1831 ـ السَّعِيدُ مَنْ خَافَ العِقَابَ فَآمَنَ وَرَجَا الثَّوابَ فَأَحْسَنَ.

... هذا القول مبني على قراءة (آمن) من باب الإفعال، ويمكن قراءته (اَمِنَ) من باب عَلِم، فيكون المعنى: السعيد من خاف العقاب فأمِن أي في تلك النشأة، لأنّ من خاف العقاب في الدنيا لا يفعل ما يستحق العقاب عليه، فيكون آمناً منه في تلك النشأة.

1832 ـ الحَاسِدُ يَرى أَنَّ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَمَّنْ يَحْسُدُهُ نِعْمَةٌ عَلَيْهِ.

... أي انّ الحاسد يظنّ ذلك، وفساد ظنّه واضح; لأنّ زوال النعمة من المحسود لا يرجع بأيّ نفع عليه، بل كثيراً ما يلحقه الضرر، إذا كان المحسود ممّن يحسن إليه إذا كان ذا نعمة.

1833 ـ السَّاعِي كَاذِبٌ لِمَنْ سَعَى إِلَيْهِ، ظَالِمٌ لِمَنْ سَعَى عَلَيْهِ.

... أي انّ الكلام الّذي يتحدث له به بمثابة الكذب الّذي ينقله إليه، ويترتب عليه عقاب الكذب ـ وإنْ كان صادقاً في الواقع ـ كما يترتب عليه عقاب الظلم; لأنّ أصل هذا المعنى هو الظلم الّذي يورده على من نمّ عليه، وإنْ لم يسبّب ظلماً آخر عليه.

1834 ـ العِلْمُ حَاكِمٌ وَالمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.

المراد هو بيان رجحان العلم على المال، باعتبار انّ العلم حاكم وعلى الناس الاستماع لحكم العالم وتنفيذه، ولكن صاحب المال محكوم ومطالب امّا بالحقّ أو بغير الحقّ، وواضح انّ الحاكم أشرف من المحكوم عليه.

1835 ـ العِلْمُ يُرْشِدُكَ اِلَى مَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ، وَالزُّهْدُ يُسَهِّلُ لَكَ الطَّرِيقَ إِلَيْهِ.

1836 ـ المَالُ يُكْرِمُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيا وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ.

... أي انّ المال يكرم صاحبه في الدنيا دائماً، وقد يهينه عند الله أحياناً، أو هو كذلك في أغلب الأحيان، لأنّه لا يدفع الحقوق الواجبة على صاحب المال، وأمّا إذا دفع حقوقه لم يكن سبباً للمهانة، بل سيحظى بالشرف والعزة لدى الله بسبب المال حينما يصرفه في أعمال الخير، كما يشار إلى ذلك في القول اللاحق.

1837 ـ الجُبْنُ وَالحِرْصُ وَالبُخْلُ غَرائِزَ سَوْء يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ سُبْحانَهُ.

... وذلك لأنّ من لا يسيء الظنّ بالله يعلم انّه خير حافظ، فمن يتوسل به ويراعي حقّه، فانّه يراعيه أيضاً ويحفظه، إذنْ ينبغي أن لا يُهاب غيره، ولا يرتكب ما يخالف أمره خوفاً من الآخرين، كما انّ من لا يسيء الظنّ بالله يعلم انّه يرزقه دائماً، ولا يحصل ما يزيد على ما قدّره له مهما ضاعف سعيه، إذنْ لا فائدة في الحرص، كما يعلم انّه لو تجنّب البخل وبذل ماله في موارده، فانّ الله يعوضه في الدنيا والآخرة، إذن لا داعي للبخل.

1838 ـ المَالُ يُكْرِمُ صَاحِبَهُ مَا بَذَلَهُ وَيُهِينُهُ مَا بَخِلَ بِهِ.

«يكرم صاحبه» أي عند الله وعند الناس، «ويُهينه» أي عند الله وعند الناس أيضاً.

1839 ـ الفَقِيهُ كُلُّ الفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ وَلَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اللهِ.

وذلك لأنّ هذا المعنى من أسوء الذنوب، إذن لا ينبغي إخافة الناس من الله فييأس المذنبون من رحمته، بل لابدّ من تفهيمهم بأنّ الكفر وكلّ ذنب دونه إذا آمن الإنسان وتاب منه ورجع إلى الله عز وجل ، فانّ الله يغفر له ذلك ويرضى عنه، كما ورد الكثير من الآيات والأحاديث الشريفة الّتي تفوق على الحصر بهذا الشأن.

1840 ـ العَالِمُ كُلُّ العَالِمِ مَنْ لَمْ يَمْنَحِ العِبَادَ الرَّجَاءَ لِرَحْمَةِ اللهِ وَلَمْ يُؤْمِنهُمْ مَكْرَ اللهِ.

العالم حقّاً هو من لا يصدّ الناس عن الرجاء برحمة الله كما ذكر في القول السابق، ولا يؤمنهم من مكر الله أي لا يؤمّن المرفهين في الدنيا بانّ ما هم عليه قد توفر لهم برضا الله سبحانه، بل يذكرهم بانّ ما توفّر لديهم قد يكون بسبب عدم رضى الله تعالى عنهم فانّهم عليهم وأملهم كي يغترّوا به ثمّ يسلبه منهم فجأة ليشتدّ عليهم أمرهم، وبما انّ هذا الفعل من قبل الله تعالى يشابه المكر، وهو في مقابل مكرهم تجاه الله تعالى ـ حسب زعمهم ـ فلذا اُطلق عليه لفظ «المكر» ، وإلاّ فالله تعالى منزّه من أن يمكر بأحد.

1841 ـ المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيا وَالعَمَلُ الصَّالِحُ حَرْثُ الآخِرَةِ.

1842 ـ المُحْتَكِرُ البَخِيلُ جَامِعٌ لِمَنْ يَشْكُرُهُ وَقَادِمٌ عَلَى مَنْ لاَ يَعْذُرُهُ.

انّ المحتكر البخيل أي الّذي يخزن الحنطة والشعير وأمثالهما(1)، ولا يبيعه طمعاً بارتفاع سعره، أو كلّ من يكنز المال ولا يؤدي حقّه الشرعي يكون جامعاً لمن لا يشكره، أي يجمع ما يصل للغير أخيراً من الورثة وغيرهم، دون أن يستفيد شيئاً ودون أن يشكروه، وسينزل على من لا يعذره، أي يفد بهذا العمل على من لا يعذره وسيسأله، أي على الله تعالى.

1843 ـ الكَرَمُ إِيْثَارُ عُذُوبَةِ الثَّنَاءِ عَلَى حُبِّ المَالِ.

«الكرم» أي الجود أو الكرامة اختيار عذوبة المدح والثناء على حبّ المال.

1844 ـ الزُّهْدُ تَقْصِيرُ الآمَالِ وَإِخْلاَصُ الأعْمَالِ.

... «إخلاص الأعمال» أي من أن تمزج بالأغراض الدنيوية.

1845 ـ الأَخُ المُكْتَسَبُ فِي اللهِ أَقْرَبُ الأَقْرِبَاءِ وَأَحَمُّ مِنَ الاُمَّهَاتِ وَالآبَاءِ.

وقد ورد في بعض النسخ (أرحم) بدل (أحمّ) فيكون المعنى انّه أرحم ]وأعطف[ من الاُمهات والآباء.

1846 ـ اللُّؤْمُ إِيْثَارُ حُبِّ المَالِ عَلَى لَذَّةِ الحَمْدِ والثَّنَاءِ.

«اللؤم» أي البخل أو الدناءة اختيار حب المال على لذة الحمد والثناء.

1847 ـ العَامِلُ بِجَهْل كَالسَّائِرُ عَلَى غَيْرِ طَرِيق فَلاَ يَزِيدُهُ جِدُّهُ فِي السَّيْرِ إِلاَّ بُعْدَاً عَنْ حَاجَتِهِ.

قد ذكرنا انّ هذا باعتبار انّ الجاهل كثيراً ما يسير على غير الطريق، وباعتبار انّه وإن سار على الطريق ولكن بما انّ عمله ناشئ عن جهل وليس بالوجهة والعنوان مسيره على الطريق ولكنه مستند إلى الجهل وليس الّذي أراده الله تعالى، وهو أن يكون الإنسان عالماً أو يأخذ من العالم، فانّ طاعاته غير مقبولة أساساً، وعلى كلّ حال فانّ المراد من الجهل هو الجهل الّذي لا يتاخمه التقليد عن العالم أيضاً، وذلك انّ المقلّد بحكم العالم.

1848 ـ المَرْءُ يُوزَنُ بِقَوْلِهِ وَيُقَوَّمُ بِفِعْلِهِ فَقُل مَا تَرَجَّح(2) زِنَتُهُ وَافْعَلْ مَا تَجِلُّ قِيمَتُهُ.

يقيّم الإنسان بأقواله وأفعاله فقُلِ الوزين من القول، وافعل القيم من الأعمال..

1849 ـ الكَذَّابُ مُتَّهَمٌ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَصَدَقَتْ لَهْجَتُهُ.

الكذّاب متّهم فيما يقول وإنْ كان له دليل قوي وصدق لسانه، أي وإنْ صدق قوله وقوي دليله، وذلك لأنّ الناس قد ألفوا منه الكذب الكثير، فيتهمونه ولا يصدّقون قوله فعلى من أراد الخلاص من هذه التهمة أن لا يجعل للكذب إليه سبيلا.

1850 ـ النَّاسُ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَالوَلَدُ مَطْبُوعٌ عَلَى حُبِّ أُمِّهِ.

1851 ـ العَاقِلُ مَن اتَّهَمَ رَأْيَهُ، وَلَمْ يَثِقْ بِكُلِّ مَا تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ.

العاقل يتهم أفكاره، أي يحتمل الخطأ فيها، ولا يعتمد على كلّ ما تزينه له نفسه، أي ينبغي أن يستشير الآخرين في كلّ موضوع ويرجّح الأظهر منها.

1852 ـ المُؤْمِنُ حَيِيٌّ غَنِيٌّ مُوقِنٌ تَقِيٌّ.

المؤمن ذو حياء وغنى ويقين وتقوى، أي لابدّ أن يكون متّصفاً بهذه الأوصاف، أو انّ المؤمن الكامل يتحلّى بها كلّها، وغناه ناشئ من قناعته واكتفائه بما يصل إليه، فهو بمثابة الغني، ويكون موقناً فيما يستدعي اليقين من أحوال المبدأ والمعاد.

1853 ـ المُنَافِقُ وَقِحٌ غَبِيٌّ مُتَمَلِّقٌ شَقِيٌّ.

المنافق ـ وهو من لا يتطابق باطنه مع ظاهره ـ يكون وقحاً مع الله تعالى أو مع الناس أيضاً، وغبياً متملقاً شقياً، والتملّق هو إبداء المودّة باللسان دون الجنان.

1854 ـ الكَلاَمُ بَيْنَ خَلَّتَي سَوْء هُمَا الإِكْثَارُ وَالإِقْلاَلُ فَالإِكْثَارُ هَذَرٌ وَالإقْلاَلُ عَيٌّ وَحَصَرٌ.

المراد بهذا أن يتكلّم الإنسان بِقَدَر لا يصل إلى الإكثار حتّى لا يكون عند الناس هذراً، ولا يكون أيضاً قليلا بحيث لا يفي بالغرض ويقصّر عن أداء المراد، فينسبه الناس حينئذ بالعيّ، بل لابدّ وأن يكون الكلام على قدر المطلوب والمراد وضرورياً، ولو لم يصل إلى مرحلة الضرورة سكت كي لا يكون مكثراً ولا مقّلا.

1855 ـ الإِيمَانُ وَالإِخْلاَصُ وَاليَقِينُ وَالوَرَعُ الصّبَرُ وَالرِّضَا بِمَا يَأْتِي بِهِ القَدَرُ.

أي إنّ الصبر والرضا يشتمل على هذه الصفات الأربع، ودليل على وجودها في صاحبها.

1856 ـ الصَّدِيقُ إِنْسَانٌ هُوَ أَنْتَ إلاّ أَنَّهُ غَيْرُكَ.

أي انّ الصديق هو من يتحد معك بحسب المعنى ويعتبرك كنفسه، إلاّ أنّه غيرك في الظاهر، وما لم يصل شخص إلى هذه الدرجة من الاتحاد لا يكون صديقاً حقيقياً.

1857 ـ المُشَاوَرَةُ رَاحَةٌ لَكَ وَتَعَبٌ لِغَيْرِكَ.

... «راحة لك» يعود إلى حصول الرأي الصائب له بيسر والاطمئنان به، و «تعب لغيرك» يعود إلى انّه لو استشار شخصاً لانشغل هذا الشخص بالتفكر والتأمّل ليشير عليه، وهذا فيه تعب.

1858 ـ الذِّكْرُ يُؤْنِسُ اللُّبَّ وَيُنِيرُ القَلْبَ وَيَسْتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ.

1859 ـ أَوَلُ عِوَضِ الحَلِيمِ عَنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَنْصَارُهُ عَلَى خَصْمِهِ.

... «أنصاره على خصمه» أي لدفعه ودفع أذاه عنه.

1860 ـ الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَالمَوْتُ تُحْفَتُهُ وَالجَنَّةُ مأْوَاهُ.

«الدنيا سجن المؤمن» باعتبار انّ المؤمن غالباً ما يعيش في الدنيا بالتعب والمعاناة، وحتّى بعض المؤمنين الّذين لا يتحملون التعب والمعاناة تكون الدنيا قياساً إلى موقعهم في الجنة بمثابة السجن، خاصة وانّ المؤمنين جميعاً يكونون على وجل من الآخرة وعاقبة الأمر، فمن الواضح إذا كانت الدنيا سجناً له أن يكون الموت تحفته الّذي يُهدى إليه، إذ به يتخلّص من السجن.

1861 ـ الدُّنْيَا جَنَّةُ الكَافِرِ وَالمَوْتُ مُشْخِصُهُ وَالنَّارُ مَثْوَاهُ.

... كون الدنيا جنّة الكافر راجع إلى انّ أغلبهم يعيشون فيها في نعمة وراحة ولا يشعرون بالخوف من الآخرة، وإذا كان بعضهم في محنة وتعب، فانّه قياساً إلى مكانهم في الجحيم بمثابة الجنة، والموت مشخصه يعني يقلعه من جذوره ويمنحه الهلاك الدائم، وفي الواقع ليست له حياة بعد الموت، وسيبتلى بالعقاب والعذاب السرمدي.

1862 ـ العَمَلُ بِطَاعَةِ اللهِ أَرْبَحُ وَلِسَانُ الصِّدْقِ أَزْيَنُ وَأَنْجَحُ.

... أي وإنْ كان في العصيان منفعة دنيوية للإنسان فانّ الطاعة أنفع لأنّ منفعتها أخروية، ولا نسبة بين المنفعة الأخروية والمنفعة الدنيوية، وهكذا بالنسبة للكذب فانّه وإنْ كان سبباً للتزيّن ونيل المطلوب في الدنيا فانّ لسان الصدق أجمل وأنجح، لأنّه وانْ لم يتوفق في الدنيا فرضاً(3) فلا شك في انّه سيكون سبباً لزينته ونجاحه بحوائجه في الآخرة، ومن الواضح ترجيحه على جمال الدنيا ونجاحها.

1863 ـ الكَرِيْمُ إِذَا قَدَرَ صَفَحَ وَإِذَا مَلَكَ سَمَحَ وَإِذا سُئِلَ أَنْجَحَ.

الكريم أي الجواد أو ذو الكرامة إذا تمكن من الانتقام عفى، وإذا ملك شيئاً جاد به، وإذا سُئِل لبّى طلب السائل.

1864 ـ الغَدْرُ بِكُلِّ أَحَد قَبِيحٌ وَهُوَ بِذُو القُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ أَقْبَحُ.

... «بكلّ أحد» أي من كلّ أحد.

1865 ـ الوَفَاءُ تَوْأَمُ الأَمَانَةِ وَزَيْنُ الأُخُوَّةِ.

1866 ـ الشَّرَهُ يَشِينُ النَّفْسَ وَيُفْسِدُ الدِّينَ وَيُزْرِي بِالفُتُوَّةِ.

«الشره» أي غلبة الحرص... .

1867 ـ الوَرَعُ يُصْلِحُ الدِّيْنَ وَيَصُونُ النَّفْسَ وَيَزِينُ المُروُءَةَ.

... «المروءة» أي الرجولية أو الإنسانية، والمراد من (يصون النفس) يعني يحفظها من الهلاك والعذاب والعقاب.

1868 ـ العَاقِلُ مَنْ زَهِدَ فِي دُنيَا فَانِيَة دَنِيَّة وَرَغِبَ فِي جَنَّة سَنِيَّة خَالِدَة عَالِيَة.

1869 ـ الصَّبْرُ أَفْضَلُ سَجِيَّة وَالعِلْمُ أشْرَفُ حِلْيَة وَعَطِيَّة.

1870 ـ إِنْتِبَاهُ العُيُونِ لاَ يَنْفَعُ مَعَ غَفْلَةِ القُلُوبِ.

1871 ـ المُتَّقِي مَنِ اتَّقَى الذُّنُوبَ وَالمُتَنَزِّهُ مَنْ تَنَزَّهَ عَنِ العُيُوبِ.

... «تنزّه عن العيوب» أي عن الصفات السيئة والأفعال القبيحة.

1872 ـ الطَّاعَةُ جُنَّةُ الرَّعِيَّةِ وَالَعْدلُ جُنَّةُ الدُّوَلِ.

... أي حيثما أطاعت الرعية الحاكم وامتثلت أوامره كان ذلك درعها الّذي يدفع الكثير من الأضرار، والحكّام إذا أقاموا العدل، كان ذلك درعاً لهم يصون دولهم ويدفع زوالها ونقائصها.

1873 ـ الصَّبْرُ أَنْ يَحْتَمِلَ الرَّجُلُ مَايَنُوبُهُ وَيَكْظِمُ مَا يُغْضِبُهُ.

الصبر هو أن يتحمل الرجل المصيبة الّتي تنزل به، ولا يجزع ويكظم ما يغضبه، ولا يبادر للانتقام والثأر.

1874 ـ الصَّفْحُ أَنْ يَعْفُوُ الرَّجُلُ عَمَّا يُجْنى عَلَيْهِ وَيَحْلُمَ عَمَّا يُغِيظُهُ.

1875 ـ الجَزَعُ لاَ يَدْفَعُ القَدَرَ وَلَكِنْ يُحْبِطُ الأَجْرَ.

الجزع في المصيبة النازلة لا يدفع التقدير الإلهي، ولكن يحبط الأجر والثواب.

1876 ـ الحِرْصُ لاَ يَزِيْدُ فِي الرِّزْقِ وَلَكِنْ يُذِلُّ القَدْرَ.

1877 ـ الحَازِمُ مَنْ لاَ يَشْغَلُهُ النِّعْمَةُ عَنِ العَمَلِ لِلْعَاقِبَةِ.

1878 ـ الرَّابِحُ مَنْ بَاعَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ وَاسْتَبْدَلَ بِالآجِلَةِ عَنِ العَاجِلَةِ.

1879 ـ الشَّرُّ مَرْكَبُ الحِرْصِ وَالهَوَى مَرْكَبُ الفِتْنَةِ.

«الشر مركب الحرص» أي لا يمكن أنْ لا يكون الحريص سيئاً، وسوؤه لايكون داعياً لحرصه، «والهوى مركب الفتنة» أي انّ إلقاء النفس في الفتنة وفي طلب أشياء يترتب عليها الضرر والخسران، ينشأ من الهوى.

1880 ـ الَبَلاغَةُ مَا سَهُلَ عَلَى المَنْطِقِ وَخَفَّ عَلَى الفِطْنَةِ.

... أي أن يكون الكلام سهلا على اللسان، ومجرداً عن الألفاظ الغريبة والثقيلة، وخفيفاً على المشاعر والتلقي، من دون تعقيد، وقد ذكر فيما سبق معنى (البلاغة) تفصيلا.

1881 ـ النَّاسُ كَصُوَر فِي الصَّحِيفَةِ(4) كُلَّمَا طُوِيَ بَعْضُهَا نُشِرَ بَعْضُهَا.

... والمراد انّ جميع الناس بالترتيب والتسلسل الّذي وُجدوا به، قد قُدّر وجودهم هكذا من دون زيادة أو نقصان، وبمثابة السجل الّذي نقشت فيه الصور، وبمقدار ما يطوى منه ويذهب تظهر صور أُخرى حتّى ينتهي السجل.

1882 ـ الدُّنْيَا صَفْقَةُ مَغْبُون وَالإِنْسَانُ مَغْبُونٌ بِهَا.

لقد بيعت الدنيا على مغبون، أي من تضرر في شرائه والإنسان مغبون بذلك، أي اشترى ذلك وخسر فيه.

1883 ـ البَخِيلُ يَبْخَلُ عَلَى نَفْسِهِ بِاليَسِيرَ مِنْ دُنْيَاهُ، وَيَسْمَحَ لِوُرَّاثِهِ بِكُلِّهَا.

1884 ـ المَالُ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيا وَيَضَعُهُ فِي الآخِرَةِ.

قد ذكر سابقاً انّ ذلك يكون حينما يبخل الإنسان بالمال ولا يعطي حقّه، ولكن إذا أعطى حقّه فانّ له درجة عالية في الآخرة أيضاً، خاصةً إذا قام بأعمال خيّرة اُخرى.

1885 ـ أَعْمَالُ العِبَادِ فِي الدُّنْيَا نَصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي الآخِرَةِ.

إنّ أعمال العباد في الدنيا تتمثل أمام أعينهم في الآخرة، فعلى الإنسان إذن أن يقوم بأعمال لا يشعر بالحسرة والندامة منها هناك.

1886 ـ المَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا، وَشَرٌّ مِنْهَا أَنَّهُ لاَبُدَّ مِنْهَا.

... المراد من (كلّها) هو أغلب النساء، وإلاّ فانّه لا كلام في صلاح بعضهنّ.

1887 ـ الشَّهَوَاتُ آفَاتٌ قَاتِلاَتٌ وَخَيْرُ دَوَائِهَا اقْتِنَاءُ الصَّبْرِ عَنْهَا.

1888 ـ الحَسَدُ دَاءٌ عَيَاءٌ لاَ يَزُولُ إِلاّ بِهَلْكِ الحَاسِدِ أَوْ مَوْتِ المَحْسُودِ.

... المراد: انّ الحسد ـ في الغالب ـ لا يصلح ولا يزول إلاّ بهذا النحو وإلاّ فانّ إزالة الحسد من النفس من خلال التأمّل والتدبّر في مفاسده، وعدم ترتب منفعة عليه أمر ممكن، كما بيّنوا ذلك في كتب الأخلاق وإنْ كان صعباً للغاية، ولو لم يكن ذلك ممكناً لما كان ذمّه والعقاب عليه معقولا، كما انّه يزول بزوال النعمة من المحسود، إذن يجب حمل الكلام على الغالب.

1889 ـ الذُّنُوبُ الدّاءُ، وَالدَّوَاءُ الإِسْتِغْفَارُ، وَالشِّفَاءُ أَنْ لاَ تَعُودَ.

«الذنوب الداء» أي داءً معنوياً... .

1890 ـ الحَسَدُ يَأْكُلُ الحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ.

«كما تأكل النار الحطب» أي تحبطه وتبطله.

1891 ـ الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عَلَى مَا تَكْرَهُ، وَصَبْرٌ عَمَّا تُحِبُّ.

... فالأوّل كالصبر على المصائب، وعلى أتعاب الطاعات والعبادات، والثاني كالصبر عمّا ما يحب وهو حرام أو مكروه شرعاً، فيجب الصبر عنه إذن وعدم ارتكابه إنْ كان حراماً، ويستحب إن كان مكروهاً، وهو محمود على كلّ تقدير.

1892 ـ الصَّبْرُ أَحْسَنُ حُلَلِ الإِيَمانِ وَأَشْرَفُ خَلاَيِقُ الإِنْسَانِ.

... المراد من (حُلل الإيمان) هو الخصال الّتي تحتضن الإيمان ولا ينفصل الإيمان عنها كالثوب الّذي يكتنف الإنسان ولا يكون الإنسان بلا ثياب.

1893 ـ الشَّكُّ يُفْسِدُ اليَقِينَ وَيُبْطِلُ الدِّينَ.

... المراد هو الشكّ في القضايا الدينية من أحوال المبدأ والمعاد الّتي ينبغي اليقين فيها، ولا يخفى انّ (اليقين) يطلق على الاعتقاد الّذي لا يحتمل الخلاف أبداً، فإذن إفساد الشكّ إيّاه أمر واضح لا يحتاج إلى بيان إلاّ للتمهيد والتوطئة «ويُبطل الدين» أي انّ الشكّ يفسد اليقين، فيبطل الدين لضرورة توفّر اليقين في الدين، وقد لا يكون المراد من اليقين هو المعنى المتعارف، بل يكون بمعنى الاعتقاد الصحيح المقبول، والمراد من الشكّ هو ما احتمل الخلاف وإن كان احتمالا بعيداً ـ حيث يُصطلح بالوهم ـ ويكون المراد انّ الاعتقاد الصحيح والمقبول هو ما لم يحتمل فيه الخلاف، فإن احتمل فيه الخلاف ـ وإن كان احتمالا بعيداً ـ لا يكون اعتقاداً مقبولا، ولذا يُبطل الدين.

1894 ـ الكَيِّسُ مَنْ أَحْيَا فَضَائِلَهُ وَأَمَاتَ رَذَائِلَهُ بِقَمْعِهِ شَهْوَتَهُ وَهَوَاهُ.

... «أحيا فضائله» أي الصفات الّتي توجب كرامته، «وأمات رذائله» أي الصفات الّتي توجب دناءته، وذلك بقلع هواه وشهوته من الأساس.

1895 ـ الأَمَلُ كَالسَّرَابِ يُعِزُّ مَنْ رَآهُ وَيُخْلِفُ مَنْ رَجَاهُ.

معنى السراب معروف والمراد كما انّ السراب يخدع الإنسان الّذي يراه ويظنّه ماءاً ويأمل فيه، وكأنّه قد وعده باروائه من العطش وقضاء حوائجه، فيتعبه بأن يقبل إلى هناك، وحينما يصل إليه يخلف وعده فيتبين انّه قد خُدع فالأمل كذلك يخدع الناس ويعدهم ويتعبهم وفي أغلب الأحيان لا ينجح ويحصل خلف الوعود.

1896 ـ السُّلْطَانُ الجَّائِرُ وَالعَالِمُ الفَاجِرُ أشَدُّ النَّاسِ نِكَايَة.

السلطان الظالم والعالم الفاجر أشدّ الناس نكاية وأذى في الآخرة وذلك أوّلا: مع ما لديه من الملك والسلطنة وإيكال الرعية إليه وأمره بصونهم ومراقبة أحوالهم، ودفع ظلم الآخرين عنهم، فظلمه لهم أشدّ قبحاً وخزياً. وثانياً: انّ العصيان مع وجود العلم يكون أقبح من المعصية الصادرة من الجاهل، وقد يكون المراد انّ هذين الصنفين أشدّ الناس في الإضرار بالناس وتعميق جراحاتهم، الأوّل بحسب الدنيا، والثاني بحسب الدنيا والآخرة.

1897 ـ إِسْتِكَانَةُ الرَّجُلُ فِي العَزْلِ بِقَدْرِ شَرِّهِ فِي الوِلاَيَةِ.

انّ ذلّ الرجل حينما يُعزل يتناسب مع درجة شره في الحكم، إذن على كلّ حاكم يودّ أن لا يُذلّ بين الناس لدى عزله، أن لا يكون سيئاً في حكومته.

1898 ـ إِكْمَالُ المَعْرُوفِ أَحْسَنُ مِنْ إِبْتِدَائِهِ.

يعني إذا أحسن إنسان إلى آخر ولم يتمّه، فإنّ إتمامه أفضل من المبادرة بإحسان آخر، لأنّ من لا يُتمّ الإحسان بحقّه يكون آملا بدرجة ما، ويشعر بالحزن لعدم إتمامه دائماً، إذن إتمامه يستدعي سروره وفرحه التام، بخلاف من لم يُحسن إليه بَعْدُ إذْ ليس له شيء من الحزن والغم، إذن لا يكون ابتداء الإحسان له في الأجر والثواب بمثابة إراحة الأوّل من الغم والحزن.

1899 ـ الكَافِرُ خِبٌّ(5) لَئِيمٌ خَؤُونٌ مَغْرُورٌ بِجَهْلِهِ مَغْبُونٌ.

... (اللئيم) ـ كما ذكر ـ هو البخيل أو الدنيء، و (المغبون) هو من يبيع شيئاً دون قيمته أو يشتريه أكثر من قيمته، إذن من الواضح أن يكون الكافر الّذي يبيع الآخرة بالدنيا مغبوناً.

1900 ـ المُؤْمِنُ عِزٌّ كَرِيْمٌ مَأْمُونٌ عَلَى نَفْسِهِ حَذِرٌ مَحْزُونٌ.

قد ذُكر فيما مضى انّ المراد من كون المؤمن عِزّاً امّا لما يتّصف به من صدق، فيرى كلّ إنسان مثله فيخدع بسبب ذلك في شؤون الدنيا أحياناً، وامّا أن يتسامح فيها ويتساهل وهو عالمٌ فيظنّ الناس انّه مخدوع، والمراد من (كريم) هو ذو الجود والعطاء أو ذو الكرامة و (مأمون على نفسه) يعني انّ الناس في أمان من شرّه وإساءته على أنفسهم، (حذر) يعني يحترز ويجتنب عن كلّ ما فيه الضرر والخسارة في آخرته.

 

 

الهوامش:

(1) في المتن هكذا: «يعنى محتكر شرعى كه حبس گندم وجو وامثال آنها كند».

(2) ورد (ترجح) بخطّه(رحمه الله) بصيغة الماضي من باب تفعّل ولو قرئ بصيغة المضارع صح أيضاً، بل يكون هو الأفضل قبال (تجلّ).

(3) ورد في المتن هكذا: «زيراكه اگر بالفرض در دنيا درست ننشيند».

(4) في نسخة مسجد سبهسالار لفظ (في صحيفة) بدلا عن (الصحيفة).

(5) وضع الشارح(رحمه الله) فتحة وكسرة على الخاء في اللفظ (خب) وكتب «معاً» أي يقرأ بالفتح والكسر.