1901 ـ الرَّاضِي عَنْ نَفْسِهِ مَغْبُونٌ، وَالوَاثِقُ بِهَا مَفْتُونٌ.

من يرضى عن نفسه يكون مغبوناً، بل انّ الإنسان مهما سعى في طاعة الله تعالى، فانّه لابدّ وأن يرى نفسه مقصّراً، خائفاً من عدم أداء تكاليفه بنحو مطلوب، ومن عدم قبول طاعاته لديه، فانّ حكم بقبولها وصلاح نفسه كان (عُجباً) وهو من أسوء الخصال، وكلّ من يعتمد على نفسه يكون مفتوناً، وهذا المعنى امّا بمثابة التأكيد للعبارة السابقة، أو المراد أنّ من يثق من نفسه بانّها ستكون صالحة بعد هذا أيضاً وستكون عاقبته إلى خير، فمثل هذا الإنسان واقع في الفتنة البتة، ومبتلى بعجب كبير، بل مهما كان الإنسان صالحاً فانّ عليه أن يخشى التقهقر وسوء العاقبة، وعليه أن يتوسل بالله تعالى ليصونه من ذلك.

1902 ـ الشِّرِّيرُ لاَ يَظُنُّ بِأَحَد خَيْراً لأَنَّهُ لاَ يَراهُ إلاّ بِطَبْعِ نَفْسِهِ.

... أي يظنّ انّ جميع الناس على شاكلته فلا يرى خيراً في أحد.

1903 ـ الصَّدِيقُ الصَّدُوقُ مَنْ نَصَحَكَ فِي عَيْبِكَ، وَحَفِظَكَ فِي غَيْبِكَ، وَآثَرَكَ عَلَى نَفْسِهِ.

المراد من (نصحك في عيبك) يعني أن يكون مخلصاً له في عيبه حيث يبيّنه له دون أن يتجاهله، أو ينصحه في ذلك المجال كي يتركه، والمراد من «حفظك في غيبك» هو أن لا يغتابه ويعينه ويمده قدر المستطاع وإن كان كلّه دعاءً وذكراً بالخير، والمراد من «آثرك على نفسه» هو انّه إذا كان له شيء يحتاجه الطرفان، فانّه يقدّمه للطرف الآخر ويرجّحه على نفسه، وهكذا يرجح الضرر والخسارة لنفسه على ضرر وخسارة صديقه.

1904 ـ المَرْءُ حَيْثُ وَضَعَ نَفْسَهُ بِريَاضَتِهِ وَطَاعَتِهِ، فَإنْ نَزَّهَهَا تَنَزَّهَتْ وَإنْ دَنَّسَهَا تَدَنَّسَتْ.

... المراد: انّ صلاح الإنسان وعدم صلاحه يكون بإرادته، وليس الأمر أن يكون البعض صالحين دون خيار منهم، ويكون البعض الآخر طالحين بلا خيار منهم، بل انّ الإنسان مهما كان إذا روّض نفسه على الطاعة والعبادة، وحفظها من درن المعاصي، أصبحت نزيهة، وإن لوّثها بدرن المعاصي أصبحت ملوّثة.

1905 ـ الرَّجُلُ حَيْثُ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ إِنْ صَانَهَآ ارْتَفَعَتْ وَإِن ابْتَذَلَهَا اتَّضَعَتْ.

... المراد انّ العزة والمهانة بيد الإنسان، انّ صان نفسه من الاُمور الّتي تذلّه كالفحش ولغو الكلام والطمع من الناس وإيذائهم وغيرها، ارتقت مرتبته، وإن لم يصنها ذلّ وامتهن.

1906 ـ العَوَافِي اِذَا دَامَتْ جُهِلَتْ وَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ.

... أي انّ العافية من المرض والخوف وأمثالهما إذا كانت دائمة لم يعرف الإنسان قدرها، وحينما تزول يعرف قدرها، وهذا هو أحد فوائد ومنافع الأمراض.

1907 ـ الدُّنْيَا إِن انْجَلَتْ إنْجَلَتْ وَإذَا جَلَّتِ ارْتَحَلَتْ.

... أي انّ المألوف في الدنيا هو أنّها لو فتحت لإنسان وأقبلت عليه انفتحت بصورة واسعة، وإن ابتعدت وصرفت وجهها عنه، ذهبت بالكلّية وانتقلت إلى غيره، وفي بعض النسخ (وإذا حَلَّتْ اَرْحَلَتْ) فيكون المعنى انّها إذا حلّت كانت كالبعير الّذي على ظهره رحل كثير، وهذا بمثابة التأكيد لما ذكر(1).

1908 ـ الجَوَادُ مَحْبُوبٌ مَحْمُودٌ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ مِنْ جُودِهِ إِلَى مَادِحِهِ شَىْءٌ، وَالبَخِيلُ ضِدُّ ذَلِكَ.

... «والبخيل على ضدّ ذلك» أي انّ الناس يعادون البخيل ويذمّونه حتّى وإن وصل لهم منه شيء.

1909 ـ الجَائِرُ مَمْقُوتٌ مَذْمُومٌ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ مِنْ جَوْرِهِ إِلَى ذَامِّهِ شَىْءٌ، وَالعَادِلُ ضِدُّ ذَلِكَ.

... «والعادل ضدّ ذلك» أي انّ الناس يحبون العادل، ويمدحونه ويثنون عليه، حتّى الّذين لم يصل إليهم شيء من عدله.

1910 ـ العَاقِلُ مَنْ وَضَعَ الأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا وَالجَاهِلُ ضِدُّ ذَلِكَ.

لا يخفى انّ عبارة (وضع الأشياء مواضعها) تعني انّه إذا أحسن أحسن إلى من هو أهل لذلك، وإذا منع منع ممّن يستحق المنع، كمن يعلم انّه يصرفه في موارد سيئة، وإنژ مدح فانّه يمدح من يليق بذلك، وإن ذمّ فانّه يذمّ من يستحق ذلك، وهكذا يتعامل مع كلّ إنسان حسب مستواه وشأنه، وعليه تقاس باقي الاُمور الاُخرى.

1911 ـ العَالِمُ وَالمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الأَجْرِ، وَلاَ خَيْرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ.

... «ولا خير فيما بين ذلك» أي لا خير فيمن هو غير عالم وغير متعلم، وقد ورد في أحاديث كثيرة انّ المراد من (العالم) هم الأئمّة (صلوات الله عليهم) ومن (المتعلم) شيعتهم، ويكون غيرهم بمثابة القمامة.

1912 ـ الدُّنْيَا دُوَلٌ فَأَجْمِلْ فِي طَلَبِهَا وَاصْطَبِرْ حَتَّى تَأْتِيَكَ دُولَتُكَ.

انّ الدنيا دول فالتزم الحالة الوسطى في الطلب ولا تفرط في ذلك، واصبر حتّى تقبل دولتك، أي انّ الدنيا لا تثبت على دولة واحدة، ففي كلّ برهة تكون لجماعة، إذنْ لا تبذل كلّ سعيك في طلب الدنيا، ولا تطلب دولة تعلم انّها لا تنفعك، ولا تتعب ولا تعاني عبثاً، واصبر حتّى تأتي دولتك إنْ كنتَ من أهلها.

1913 ـ الحُمْقُ الإسْتِهْتَارُ بِالْفُضُولِ وَمُصَاحَبَةُ الجَهُولِ.

... «بالفضول» أي ما يكون زائداً على مهامّ هذا الشخص، وغير معتد به(2).

1914 ـ الحَزْمُ النَّظَرُ فِي العَوَاقِبِ وَمُشَاوَرَةُ ذَوِي العُقُولِ.

«النظر في العواقب» أي عواقب الاُمور الّتي يُريد أن يفعلها...

1915 ـ التَّوَكُّلُ التَّبَرِّي مِنَ الحَوْلِ وَالقُوَّةِ وَانْتِظَارُ مَا يَأْتِي بِهِ القَدَرُ.

... يأتي الحول بمعنى القوّة أيضاً، فذكر القوّة بعده للتأكيد.

1916 ـ الدَّهْرَ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ، فَإذَا كَانَ لَكَ فَلاَ تَبْطَرْ وَإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْطَبِرْ.

«يوم لك» أي يكون نفعك فيه، و «يوم عليك» أي سيضرّك.

1917 ـ اَخُوكَ فِي اللهِ مَنْ هَدَاكَ اِلىَ الرَّشَادِ وَنَهَاكَ عَنْ فَسَاد وَأَعَانَكَ اِلَى إصْلاَحِ مَعَاد.

... «هداك» أي أراك الطريق أو أوصلك إِلى الطريق المستقيم...

1918 ـ الكَيْسُ تَقَوى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَجَنُّبُ المَحَارِمِ وإِصْلاَحُ المَعَادِ

1919 ـ اللَّئِيمُ لاَ يَتْبَعُ إلاَّ شَكْلَهُ وَلاَ يَمِيلُ إلاَّ إِلَى مِثْلِهِ.

«اللئيم» أي البخيل أو الدنيء لا يفعل إلاّ ما شاكله، ولا يميل إلاّ إِلى مثله، إذن كلّ من يتبعه اللئيم يعرف انّه مثله، فعلى غير اللئيم أن لا يستعين ويستمد من اللئيم.

1920 ـ الحَازِمُ مَنْ جَاءَ بِمَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يُؤَخِّر عَمَلَ يَوْمِهِ اِلَى غَدِهِ.

... «لم يؤخر عمل يومه إِلى غده» أي لا يؤخر العَمَل الصالح الّذي يتمكن من أدائه في هذا اليوم إِلى غد.

1921 ـ الحِكْمَةُ لاَ تَحِلُّ قَلْبَ المُنَافِقِ إِلاَّ وَهِيَ عَلَى ارْتِحال.

«الحكمة» أي العلم الصحيح لا تحلّ قلب المنافق إلاّ وهي سترحل عنه، والمراد من المنافق هو من لا يتطابق باطنه مع ظاهره، مع الله سبحانه أو مع الناس أيضاً.

1922 ـ العِلْمُ خَيْرٌ مِنَ المَالِ، وَالعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ.

... «العلم يحرسك» أي في الدنيا والآخرة...

1923 ـ الشَّرَفُ عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ الأَعْمَالِ لاَ بِحُسْنِ الأقْوَالِ.

1924 ـ الفَضِيلَةُ بِحُسْنِ الكَمَالِ وَمَكَارِمِ الأَفْعَالِ لاَ بِكِثْرَةِ المَالِ وَجَلاَلَةِ الأَعْمَالِ.

1925 ـ الإسْتِصْلاَحُ لِلأَعْدَاءِ بِحُسْنِ المَقَالِ وَجَمِيلِ الأَفْعَالِ أَهْوَنُ مِنْ مُلاَقَاتِهِمْ وَمُغَالَبَتِهِمْ بِمَضِيضِ القِتَالِ.

«الاستصلاح للأعداء» بأن يتركوا العداء... «ومضيض القتال» أي الآم مصائبه أو حزنه.

1926 ـ الصَّبْرُ عَنِ الشَّهْوَةِ عِفَّةٌ، وَعَنِ الغَضَبِ نَجْدَةٌ، وَعَنِ المَعْصِيَةِ وَرَعٌ.

... أي انّ العفة هي أنْ لا يتّبع الإنسان شهوات نفسه وآمالها وان كانت مشروعة، وانّ الصبر عن الغضب وكتمانه وترك الانتقام يرفع مكانة صاحبه وسمّوه، والصبر عن المعصية وعدم ارتكابها ورع مأمور به. ولا يخفى أنّه لا مناقشة في كون الصبر عن الغضب نجوة وعن المعصية ورع، أمّا مجيئى العفّة بهذا المعنى المذكور لعلّه باعتبار عرف ذلك الزمان، كما انّه يصطلح في عرفنا للعفيف لمن يصون بطنه وفرجه عن المحرمات، أمّا اللّغويّون فقد اعتبروا العفّة بمعنى الكفّ عمّا لا يحلّ، وعليه فتكون العفّة بمعنى الورع.

1927 ـ السَّخَاءُ أَنْ تَكُونَ بِمَالِكَ مُتَبَرِّعَاً، وَعَنْ مَالِ غَيْرِكَ مُتَوَرِّعَاً.

... المتبرع هو من يبذل شيئاً تفضلا دون أن يكون واجباً عليه، والمراد من التورّع عن مال الغير هو أن لا يتصرف فيه من دون إذن مالكه أبداً.

1928 ـ الفَقيرُ الرَّاضِي نَاج مِنْ حَبَائِلِ إبْلِيسَ وَالغَنِيُّ وَاقِعٌ في حَبَائِلِهِ.

1929 ـ اللَّئِيمُ لاَ يُرْجَى خَيْرُهُ وَلاَ يُسْلَمُ مِنْ شَرِّهِ وَلاَ يُؤْمَنُ مِنْ غَوَائِلِهِ.

اللئيم أي البخيل أو الدنيء ... لا يأمل الناس خيره، ولا يسلمون من شره، ولا يأمنون من مصائبه وأذاه تجاههم.

1930 ـ المُتَّقُونَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَخَيْرَاتُهُمْ مَأْمُولَةٌ، وَشُرُوُرهُمْ مَأْمُونَةٌ.

... العفيف استناداً إِلى قول اللغويين الّذي ذكر آنفاً ـ هو الّذي ينزه نفسه من كلّ ما ليس بحلال، واستناداً إِلى ما ذكر في تلك العبارة لا يتبع شهوات نفسه وآمالها وانْ كانت حلالا والمراد من: «خيراتهم مأمولة وشرورهم مأمونة» انّ الناس يأملون خيراتهم ويأمنون شرورهم ومطمئنون بعدم وصول أذى منهم.

1931 ـ المُتَّقُونَ أَنْفُسُهُمْ قَانِعَةٌ، وَشَهَوَاتُهُم مَيْتَةٌ، وَوُجُوهُهُمْ مُسْتَبْشِرَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ.

... «وقلوبهم محزونة» أي خوفاً من سوء العاقبة ومآل الأحوال.

1932 ـ المُؤْمِنُ دَائِمُ الذِّكْرِ كَثِيرُ الفِكْرِ عَلَى النَّعْمَاءِ شَاكِرٌ وَفِي البَلاَءِ صَابِرٌ.

... «دائم الذكر» أي انّه يذكر الله تعالى دائماً، يعني يفكّر كثيراً في الحقائق والمعارف والقضايا الدينية، ولإصلاح أحواله وأعماله.

1933 ـ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهُ البَرُّ وَ الفَاجِرُ وَالآخِرَةُ دَارُ حَقٍّ يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ.

«الدنيا عَرَضٌ» أي متاع... والمتاع هو الشيء الّذي يمكن التمتع والانتفاع به، والمراد انّ الدنيا لا بقاء لها، والغاية منها هي محض التمتع في الحال الحاضر سواء أكانوا أخياراً أو فجاراً، والدار الباقية الدائمة هي الآخرة «يحكم فيها ملك قادر» أي الله تعالى، وستكون لكلّ شخص على قدر استحقاقه قابليّة للتفضّل عليه.

1934 ـ الإِسلاَمُ هُوَ التَّسْلِيمُ، والتَّسْلِيمُ هُوَ اليَقِينُ، وَاليَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الإقْرَارُ، وَالإقْرَارُ هُوَ الأدَاءُ، وَ الأدَاءُ هُوَ العَمَلُ.

الإسلام هو التسليم يعني القبول، والتسليم هو اليقين أي يتحصّل بعد اليقين الّذي هو بمعنى العلم الصحيح، واليقين هو التصديق يعني الاعتقاد بصدق شيء وحقّانيته، والمراد هنا هو التصديق بحقّانية الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، والتصديق هو الإقرار يعني يحتاج إِلى الإقرار والاعتراف، والإقرار هو الأداء يعني أداء أوامرهم وامتثالها، والأداء هو العمل، يعني العمل بالطاعة والعبادات، والمراد أنّ الإسلام لا يتحقق بدون أداء للطاعات والعبادات، إذن لا إشكال فيما إذا كان العمل جزءاً من الإسلام والإيمان كما ذكر آنفاً وكما هو الظاهر من الكثير من الأحاديث، وإنْ قلنا انّ العمل غير معتبر في الإسلام والإيمان، بل هما مجرد الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان، والعمل واجبٌ مستقل كما هو المشهور بين العلماء، فيجب حمله على الإسلام الكامل، والقرينة على ذلك هو انّ بعض الادّعاءات المذكورة كالادعاء بأنّ الإقرار هو الأداء لا تخلو من إشكال، بعكس ما لو حمل على الكامل منه.

1935 ـ العَاقِلُ إذَا عَلِمَ عَمِلَ، وَإذَا عَمِلَ أَخْلَصَ وَإذَا أَخْلَصَ اعْتَزَلَ.

العاقل إذا علم بشيء عمله، وإذا عمل أخلص فيه أي ينزّهه من التلوث بأغراض دنيوية، وإذا أخلص اعتزل وقد مرّ انّ المراد من الاعتزال هو الاعتزال من شرار الناس، وترك المخالطة الكثيرة معهم، وليس المراد الاعتزال الكامل وترك مخالطة الناس، فانّ ذلك غير محمود شرعاً، فإنّ المخالطة مع المؤمنين والمراودة فيما بينهم، أمر مستحسن شرعاً وموجب للأجر والثواب العظيم.

1936 ـ التُؤَدَةُ مَمْدُوحَةٌ فِي كُلِّ شَيء إلاّ في فُرَصِ الخَيْرِ.

... «إلاّ في فرص الخير» حيث ينبغي التعجيل فيها كي لا تفوت.

1937 ـ الإسْرَافُ مَذْمُومٌ فِي كُلِّ شَيء إلاّ في أفْعَالِ الخَيْرِ.

الإسراف أي التجاوز عن الحدّ مذمومٌ في كلّ شيء إلاّ في أفعال الخير، فانّه كلّما بالغ فيها وأكثر منها وجاوز الحدّ كان أفضل.

1938 ـ الإفْضَالُ أَفْضَلُ قِنْيَة وَالسَّخَاءُ أَحْسَنُ حِلْيَة.

1939 ـ العَقْلُ أَجمَلُ زِيْنَة وَالعِلْمُ أَشْرَفُ مَزِيَّة.

... المزية هي الصفة الّتي ترفع من شأن الإنسان.

1940 ـ الشِّرْكَةُ فِي المُلْكِ تُؤَدِّي إلَى الإضْطِرَابِ.

الشركة في السلطنة تؤدي إِلى الاضطراب يعني فقدان النظام والترتيب، إذ لم يحدث أن يتفق الطرفان في كلّ رأي، ولم يثار بينهما الاختلاف والنزاع، واضح انّ مع الاختلاف والنزاع لا ينتظم الملك بل غالباً ما تحدث بينهما المعارك والجدال ممّا يؤدي إِلى خراب الملك والفتنة والفساد العظيم.

1941 ـ الشِّرْكَةُ فِي الرَّأْي تُؤَدِّي إِلَى الصَّوَابِ.

المراد من الشركة في الرأي هو التشاور، فإذا تشاورا وطرح كلٌّ رأيه سيظهر الرأي الصحيح من بينها وسيوصل إِلى الصواب.

1942 ـ العِلْمُ مَقْرُونٌ بِالعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ.

يتقارن العلم مع العمل، وكلّ من أصبح عالماً فانّه يعمل أيضاً، وهذا مبني على الحالة الغالبة، أو ـ كما سيذكر في القول اللاحقّ ـ يرحل العلم إذا لم يتقارن العمل معه.

1943 ـ العِلْمُ يَهْتِفُ بِالعَمَلِ فَإنْ أَجَابَهُ وَإلاّ ارْتَحَلَ.

العلم ينادي بالعلم فإن استجاب له وذهب إليه كان أمراً حسناً، وإلاّ فانّه سوف يزول منه، وذلك امّا بأن يشتغل بأعمال اُخرى حتّى يترك العلم ينسى ما علمه، أو يسلك في مسائل العلم طرفاً خاطئة، ويعتقد بما يخالف الواقع، فيتبدّل علمه بالجهل.

1944 ـ المُؤْمِنُ الدُّنْيَا مِضْمَارُهُ، وَالعَمَلُ هِمَّتُهُ، وَالمَوْتُ تُحْفَتُهُ، وَالجَنَّةُ سَبُقَتُهُ.

... «الدنيا مضماره» يعني انّ المؤمن يسعى فيها كي يسبق الآخرين ويفوز عليهم بأخذ المتراهن عليه(3)، «والعمل همّته» يعني انّ قصده وميله القلبي الأوّل في الدنيا هو ذلك، «والموت تحفته» لأنّه بسببه سيرتاح من أتعاب الدنيا ومحنها، ويصل إِلى النعيم الخالد، كما مرّ ذكره، «والجنة سبقته» السبقة: المال الّذي يُتراهن عليه، سيأخذه كلّ من فاز، أي إذا سبق في مضمار الدنيا حاز الجنة وهي له بمثابة المال الّذي يُتراهن عليه في السباق.

1945 ـ الكَافِرُ الدُّنيَا جَنَّتَهُ، وَالعَاجِلَةُ هِمَّتُهُ، وَالمَوْتُ شَقَاوَتُهُ، وَالنَّارُ غَايَتُهُ.

الدنيا جنّة الكافر والنعمة الحاضرة مراده القلبي وعزيمته، والموت شقاؤه، ونار جهنم عاقبته، وكون الدنيا جنة الكافر قد تكرر بيانه مراراً، وكون النعمة الحاضرة مراده القلبي وعزيمته أمر واضح لأنّه قد ترك الآخرة وقصر همته على نعم الدنيا، وكون الموت شقاؤه واضح أيضاً لأنّه يصعب عليه بشدة، ثمّ يتعرض للعذاب والعقاب، وأيّ شقاء يصل إِلى ذلك؟!

1946 ـ الاُمُورُ بِالتَّقْدِيرِ لاَ بِالتَّدْبِيِرِ.

انّ الاُمور تقع حسب التقدير الإلهي وليس بتدبير العبد، أي انّ الكثير منها هكذا، وإلاّ فانّ التدبير ـ كما يظهر من أماكن اُخر ـ يكون في بعض الشؤون الداخلية ] أو الخاصة[، ويكون التقدير الإلهي مشروطاً بانّ العبد لو دبّر لنفسه كان كذا وإلاّ كان كذا، ولذا ورد الأمر بالسعي والتدبير، غاية ما هنالك انّ الله يعلم بكيفية وقوع الفعل وانّ العبد سيدبر لنفسه أم لا، وهذا الأمر لا يدعو الإنسان إِلى ترك التدبير رأساً، كما حُقق في محلّه.

1947 ـ القَلِيلُ مَعَ التَّدْبِيرِ أَبْقَى مِنَ الكَثيرِ مَعَ التَّبْذِيرِ.

1948 ـ التَثَبُّتُ خَيْرٌ مِنَ العَجَلِةِ إلاّ في فُرَصِ البِرِّ.

... «إلاّ في فرص الخير» فانّ التعجيل فيها أفضل لئلاّ تذهب الفرص.

1949 ـ العَجَلَةُ مَذْمُومَةٌ فِي كُلِّ أَمْر إلاّ فِيما يَدْفَعُ الشَّرَّ.

ذمّ العجلة في كلّ أمر راجح إِلى انّ العمل إذا اُستعجل فيه لا يتيسر التأمل والتدبر في عواقبه، وكثيراً ما تترتب عليه المفاسد، وكلّما يدفع الشرّ حيث يستحسن فيه الاسراع ـ كالمواظبة على ترك المعصية ـ فانّ العجلة فيه أفضل، وكذلك يستحسن الاسراع والعجلة لدفع العدوّ أو ما يؤذي الإنسان، لأنّ في الصبر والتأني اضاعة الفرصة.

1950 ـ الإنْصَافُ مِنَ النَّفْسِ كَالْعَدْلِ فِي الإِمْرَةِ.

الانصاف من النفس في كلّ مجال كالعدل في الإمارة والحكومة، أي له أجره وثوابه.

1951 ـ التَّوَاضُعُ مَعَ الرِّفْعَةِ كَالْعَفْوِ مَعَ القُدْرَةِ.

انّ التواضع للناس مع المقام الرفيع كالعفو عن إساءة شخص مع وجود القدرة على الانتقام منه، أي في الأجر والثواب.

1952 ـ الجُنُودُ عِزُّ الدِّينِ وَحُصُونُ الوُلاَةِ.

الجنود يمثلون العزّة والتفوق للدين، أي انّهم السبب لذلك، وهم قلاع الاُمراء أي كما انّ الحصون والقلاع تحمي وتحفظ من يأوي إليها من الأعداء، فكذلك الجنود المستعدين حيث يحفظون الملوك والاُمراء.

1953 ـ العَدْلُ قِوَامُ الرَّعِيَّةِ وَجَمَالُ الوُلاةِ.

1954 ـ العَاقِلُ مَنْ صَانَ لِسَانَهُ عَنِ الغِيبَةِ.

1955 ـ المُؤْمِنُ مَنْ طَهَّرَ قَلْبَهُ مِنَ الدَّنِيَّةِ.

المؤمن من ينزّه قلبه من الأخلاق والصفات الّتي تستدعي تدنّي المقام، وورد (من الريبة) بدلا عن (من الدنية) في بعض النسخ، فيكون المعنى من ينزّه قلبه من سوء الظن والتهمة أي تجاه الناس، أو من الشك والشبهة فيما يجب الاعتقاد به من أحوال المبدأ والمعاد.

1956 ـ المَالُ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ إلاّ مَا قَدَّمَ مِنْهُ.

... «إلاّ ما قدّم منه» أي إلاّ ما صرفه في الخير والوبال ـ كما مرّ ذكره ـ يعني الفداحة والصعوبة.

1957 ـ النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَى وَضَم إلاّ مَا ذُبَّ عَنْهُ.

... الوضم هو الشيء المصنوع من الخشب وغيره والّذي يوضع عليه اللحم كي لا يقع على الأرض، والمراد أنّ النساء ـ كاللحم الّذي يوضع على الخشبة وما شاكلها ـ معرضة للكثير من الآفات، إلاّ أن يرعاهنّ الإنسان ويحفظهن ويدفع الآفات عنهنّ، كمن يراقب اللحم من تلقفه من قبل الهرّة وأمثالها.

1958 ـ العَقْلُ أَصْلُ العِلْمِ وَدَاعِيَةُ الفَهْمِ.

العقل أساس العلم والمعرفة، ويدعو إِلى الفهم والادراك، لأنّ من كان له عقل واحساس قلّما لا يكون بصدد تحصيل العلم والمعرفة والفهم والادراك والاشتغال به.

1959 ـ الدُّنْيَا ظِلُّ الغَمَامِ وَحُلُمُ المَنَامِ.

الدنيا ظل الغمام والحلم الّذي يراه الإنسان في نومه، أي لا بقاء لها ولا ثبات.

1960 ـ المَوْتُ أَلْزَمُ لَكُمْ مِنْ ظِلِّكُمْ وَأَمْلَكُ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.

وذلك انّه كثيراً ما لا يملك الإنسان نفسه ولا اختياره، ومن المحال أن لا يكون الإنسان مملوكاً للموت، وأن يستطيع الفرار منه وأن لا يكون الموت صاحب اختياره، وقد ورد (أَمَلَكُم) بدل (أملك بكم) في بعض النسخ، والمعنى واحد في التقديرين.

1961 ـ الحَقُودُ مُعَذَّبُ النَّفْسِ مُتَضَاعِفُ الهَمِّ.

المراد من (مُعَذَّبُ النَّفْسِ) هو انّه في تعب ومعاناة دائمة سعياً للانتقام من المحقود عليه، أو انّه سيكون معذباً في تلك النشأة، والمراد من (متضاعف الهم) هو انّه يشعر بغم وهمّ شديد.

1962 ـ الحَسُودُ دَائِمُ السُّقْمِ وَإنْ كَانَ صَحِيحَ الجِسْمِ.

أي انّ الحسود مصاب بمرض روحي، ويشعر بالغمّ والحزن دائماً.

1963 ـ المُؤْمِنُ قَرِيبٌ أَمْرُهُ، بَعِيدٌ هَمُّهُ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ، خَالِصٌ عَمَلُهُ.

... المراد من (قريب أمره) انّ المؤمن لا يتابع في اُمور الدنيا أعمالا بعيدة المدى تنشأ من طول الأمل، بل يباشر العمل الضروري على قدر الضرورة وغالباً ما تكون هذه قريبة المدى وسريعة النتاج، والمراد من (بعيد همه) هو انّه يشعر بغمّ وحزن كبير وعميق خشية لله وخوفاً من سوء الحال في تلك النشأة، والمراد من (خالص عمله) هو خلوصه من الشوب بهدف آخر غير رضا الله تعالى.

1964 ـ المُتَّقُونَ أَعْمَالُهُمْ زَاكِيَةٌ وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةٌ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ.

«المتقون» أي من يتقي ] الذنوب[ أو من يخشى الله عز وجل «أعمالهم زاكيةٌ، وأعينهم باكيةٌ، وقلوبهم وجلةٌ» ومن الواضح انّ بكاءهم وخوفهم إنّما هو للآخرة لا الدنيا.

1965 ـ العَاقِلُ يَجْتَهِدُ فِي عَمَلِهِ وَيُقَصِّرُ مِن أَمَلِهِ.

«يجتهد في عمله» أي في الطاعات والعبادات ... .

1966 ـ الجَاهِلُ يَعْتَمِدُ عَلَى أَمَلِهِ وَيُقَصِّرُ فِي عَمَلِهِ.

يستند الجاهل إِلى أمله، ويتكاسل في عمله، أي انّ اعتماده وميوله معقودة على آماله الدنيوية، ويثبت عليها ويبذل قصارى سعيه من أجلها ويقصّر في الطاعات والعبادات.

1967 ـ الكِبْرُ خَلِيقَةٌ مُرْدِيَةٌ مَنْ تَكَثَّر بِهَا قَلَّ.

التكبر خصلة تهلك الإنسان، أو توقعه في الذل والهوان «من تكثّر بها قلّ»، أي من أراد أن يكون كثيراً في الناس ] وعظيماً عندهم[ ومتبوعاً من قبلهم، فانّه لا يتوصّل إليه بل سيتفرق عنه ـ لهذه الخصلة ـ حتّى من تبعه، وسيكون قليلا لا كثيراً.

1968 ـ الجَهْلُ مَطِيَّةٌ شَمُوسٌ مَنْ رَكِبَهَا زَلَّ وَمَنْ صَحِبَهَا ضَلَّ.

... المطية هي الناقة الّتي تركب أو يحمل عليها الحمل كما مرّ ذكره.

1969 ـ اللِّسَانُ مِعْيَارُ أَرْجَحَهُ العَقْلُ وَأَطَاشَهُ الجَهْلُ.

... المعيار آلة يعرف بها وزن الشيء، والمراد انّ وزن كلّ إنسان وقدره يعرف بلسانه، فانْ كان ذا عقل أو علم بقرينة التقابل مع الجهل ارتقت درجته، وانْ كان جاهلا تنازلت درجته.

1970 ـ اكْتِسَابُ الثَّوابِ أَفْضَلُ الأَرْبَاحِ، والإِقبَالُ عَلَى اللهِ رَأسُ النَّجَاحِ.

1971 ـ المُفْلِحُ مَنْ نَهَضَ بِجَناح أَوْ اسْتَسْلَمَ فَاسْتَرَاحَ.

... الفائز في الدنيا هو من كان له جناح وأعوان وأنصار، فيصل بها إِلى درجة عالية، أو من لا يطلب درجة عالية فيطيع الحاكم وينقاد له، وتزول عنه المعاناة.

1972 ـ العَجْزُ مَعَ لُزُومِ الخَيْرِ خَيْرٌ مِنَ القُدْرَةِ مَعَ رُكُوبِ الشَّرِّ.

1973 ـ الحِرْفَةُ مَعَ العِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الغِنَى مَعَ الفُجُورِ.

... أي من كان ذا حرفة يؤمّن معيشته منها، ويتحمل أتعابها إذا تقارنت مع التقوى، كان أفضل من أن يكون غنياً دون أتعاب ولكن صاحبه الفسق والفجور.

1974 ـ المُوقِنُونَ وَالمُخْلِصُونَ وَالمُؤْثِروُنَ مِنْ رِجَالِ الأَعْرَافِ.

انّ أصحاب اليقين أي العلم الصحيح الصادق، والمخلصين أي الّذين أخلصوا أعمالهم لله تعالى ـ ويمكن أن يقرأ (المخلصون) بفتح اللام وهم الّذين أخلصهم الله من السيئات، أو أخلصهم لعبادته وطاعته ـ المؤثرين وهم ذوو الجود أو الّذين يُؤثرون الغير على أنفسهم، ويبذلون لهم ما هم بحاجة إليه فهؤلاء من رجال الأعراف، يعني انّ هذه الطوائف الثلاثة من رجال الأعراف الّذين ذكرهم القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ ... الخ)(4).

وليعلم انّ (أعراف) جمع (عرف) أي المكان المرتفع مشتق من (عرف الفرس)، وقال بعض: انّ المرتفع من كلّ شيء يطلق عليه (عرف) باعتباره أعرف من غيره، والمراد من (أعراف) هنا هو ارتفاعات الحجاب والحصار الحائل بين الجنة والنار.

وهناك تفسيران لـ (رجال الأعراف):

التفسير الأول: انّهم طائفة من المسلمين الّذين قصّروا في أعمالهم فيحبسون على الأعراف كي يحكم الله سبحانه بشأنهم بما يريد.

ويوافق هذا التفسير ما روي عن الإمام الباقر (صلوات الله وسلامه عليه) حينما سئل عن أصحاب الأعراف فقال: قد استوت حسناتهم سيئاتهم فقصرت بهم الأعمال وانّهم كما قال الله عز وجل (5)، وهكذا ما روي عن الإمام الناطق بالحقّ جعفر الصادق (صلوات الله عليه) حينما سُئل فأجاب: «قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فان أدخلهم النار فبذنوبهم وإن أدخلهم الجنّة فبرحمته»(6) وقد جاء في بعض الروايات: «فإن أدخلهم الله الجنّة فبرحمته، وإن عذّبهم لم يظلمهم»(7).

والتفسير الثاني: انّهم قوم أصحاب مرتبة عالية كالأنبياء أو الشهداء أو المنتجبين من المؤمنين وعلمائهم، أو ملائكة يظهرون على صورة الرجال، فيذهبون إِلى الأعراف لكي يعرّفوا أصحاب الجنّة وأصحاب النار، ويأمرون بنقل كلّ شخص إِلى مثواه.

وهذا الكلام الإعجازي مطابق لهذا التفسير، وهكذا ما ورد عن الإمام أميرالمؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) حيث قال: «نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار»(8).

وهكذا ما روي عنه (صلوات الله وسلامه عليه) في تفسير هذه الآية الكريمة: «نحن الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن الأعراف الّذين لا يعرف الله إلاّ بسبيل معرفتنا، ونحن الأعراف يعرفنا الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، ولا يدخل الجنّة إلاّ من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرنا وأنكرناه»(9) أي لا نعرفه من أصحابنا، وفي بعض الروايات ورد بدلا عن (يعرفنا الله عز وجل يوم القيامة على الصراط) قوله: (نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنار فلا يدخل ... الخ). وهكذا ما روي عن الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) حيث قال: «الأعراف كثبانٌ بين الجنّة والنار، والرجال: الأئمّة (صلوات الله عليهم) يقفون على الأعراف مع شيعتهم... الخ»(10).

وهكذا ما روي عن الإمام الباقر (صلوات الله وسلامه عليه) حيث قال: «هم آل محمّد لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وأنكروه»(11) وهكذا ما روي عنه (صلوات الله عليه) حيث قال: «الرجال هم الأئمّة من آل محمّد، قلت: فما الأعراف؟ قال: صراط بين الجنّة والنار، فمن شفع له الأئمّة منّا من المؤمنين المذنبين نجا، ومن لم يشفعوا له هوى»(12).

وهكذا ما روي عنه(عليه السلام) حيث قال: «نحن اُولئك الرجال، الأئمّة منّا يعرفون من يدخل النار ومن يدخل الجنّة، كما تعرفون في قبائلكم الرجل منكم يعرف من فيها من صالح أو طالح»(13). وهكذا ما روي عن سلمان(عليه السلام) حيث قال: سمعت رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعليّ(عليه السلام) أكثر من عشر مرّات: «يا عليّ انّك والأوصياء من بعدك أعراف بين الجنّة والنار، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفكم وعرفتموه، ولا يدخل النار إلاّ من أنكركم وأنكرتموه»(14).

وهكذا ما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) حيث قال: «كلّ اُمّة يحاسبها إمام زمانها، ويعرف الأئمّة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم، وهو قوله تعالى: (وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ ] وهم الأئمّة[ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ)، فيعطون أولياءهم كتابهم بيمينهم فيمرون إِلى الجنّة بلا حساب، ويؤتون أعداءهم، ويعطون أعداءهم كتابهم بشمالهم ويذهون إِلى النار بدون كتابهم بشمالهم فيمرّون إِلى النار بلا حساب»(15) والأخبار في هذا الباب كثيرة.

ولا يخفى انّ الآيات القرآنية بما انّها ذات معان عديدة، فمن المحتمل أن يكون أحد المعنيين مراداً، فلا منافاة إذن بين الأحاديث الأخيرة، ويحتمل أن يكون الأئمّة (صلوات الله وسلامه عليهم) على الأعراف أيضاً ليراهم الناس، وأن يكون جمع من المذنبين معهم أيضاً. حتّى يفرغ الأئمّة من عملهم ويذهبون إِلى الجنّة ويبقى المذنبون إِلى أن يشاء الله. إذنْ فالمراد من (وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ)في الآية الكريمة كلا الطائفتين، وهذا أحد معاني الآية الكريمة، غير انّ الأحاديث اكتفت بذكر أصل هؤلاء وهم الأئمّة (صلوات الله وسلامه عليهم)، وتشير الأحاديث الّتي ذكرت أوّلا إِلى جمع يمكثون على الأعراف مدّة، ولا يخفى انّ وصفهم بانّهم يعرفون كلا بسيماهم أنسب بالتفسير الثاني، وبناءً على الجمع الّذي ذكر للأحاديث يحتمل أن يكون وصفاً لبعضهم والّذين هم الأصل والعمدة. كما لا منافاة بين أن يطلق (أعراف) على تلك المرتفعات باعتبار علوها كما ورد في بعض الأحاديث، وعلى الأئمّة باعتبار معرفتهم لجميع الناس أيضاً كما هو الوارد في بعضها الآخر، ولكن بما انّ ما ورد في الآية الكريمة هو: (وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ) فيكون المراد هو المعنى الأول، ولا يظهر من الأحاديث المذكورة انّ المراد من الأعراف في الآية الكريمة هو الأئمّة، بل يظهر بأنّ هؤلاء يطلق عليهم الأعراف أيضاً، وأمّا ما ورد في بعض الأحاديث المذكورة من انّ الأعراف هو كثبان بين الجنّة والنار وفي بعض آخر انّه الصراط الّذي يقف الأئمّة (صلوات الله عليهم) على طرف منه، فيمكن الجمع بينها بأن يطلق الأعراف على كليهما، ويقف الأئمّة (صلوات الله عليهم) على كليهما، ويشيرون إِلى أهل الجنّة وأهل النار، أو تكون قوائم الصراط(16) الواقع بين الجنّة والنار مرتفعة جداً بحيث يكون كلّ منها بمثابة تل.

ولا يخفى انّ الصراط الواقع بين الجنّة والنار إمّا أن يكون هكذا ـ أي واقع بينهما ـ بحيث تكون الجنّة في جهة منه والنار في الجهة الاُخرى، أو أن يكون الصراط على جهنم وتكون جهنم تحته والجنّة فوقه.

ومن التحقيقات النفيسة !! هو قول بعض العلماء المحققين المتأخّرين(17) انّ جهنم يجب أن تكون في الأسفل والجنّة فوقها، إذ لابدّ أن تنضج فواكه الجنّة، ولا شمس هناك فلابدّ أن يكون الصراط واقعاً فوق جهنم ليتم نضج الفواكه بالنار من تحت، وهو لم يدرك أنّ الله تعالى قادر على انضاج الفواكه بدون شمس ونار، وانّ الجنّة أسمى من أن تنضج فواكهها بنار جهنم، وقد روي عن الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) قوله: الأعراف كثبان بين الجنّة والنار فيقف عليها كلّ نبيّ، وكلّ خليفة نبيّ مع المذنبين من أهل زمانه، كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده، وقد سيق المحسنون إِلى الجنّة، فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه: اُنظروا إِلى إخوانكم المحسنين قد سيقوا إِلى الجنّة، فيسلّم المذنبون عليهم، وذلك قوله: (وَنَادَوْا أصْحَابَ الجَنَّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ثمّ أخبر سبحانه: انّهم (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) يعني هؤلاء المذنبين لم يدخلوا الجنّة وهم يطمعون أن يدخلهم الله إياها بشفاعة النبيّ والإمام، وينظر هؤلاء المذنبون إِلى أهل النار فيقولون: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ).

ثمّ ينادي أصحاب الأعراف(18) وهم الأنبياء والخلفاء أهل النار مقرعين لهم: (مَا أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمْتُمْ)، يعني أهؤلاء المستضعفين الّذين كنتم تحتقرونهم وتستطيلون بدنياكم عليهم. ثمّ يقولون لهؤلاء المستضعفين عن أمر من الله لهم بذلك: (ادْخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ)(19).

وروي أيضاً عنه(عليه السلام): الأعراف كثبان بين الجنّة والنار والرجال الأئمّة (صلوات الله عليهم) يقفون على الأعراف مع شيعتهم، وقد سيق المؤمنون إِلى الجنّة بلا حساب، فيقول الأئمّة لشيعتهم من أصحاب الذنوب: اُنظروا إِلى إخوانكم في الجنّة، قد سيقوا إليها بلا حساب، وهو قوله الله تبارك وتعالى: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) ثمّ يقال لهم: اُنظروا إِلى أعدائكم في النار، وهو قوله: (وَإذَا صُرِفَتْ أبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنَادَى أصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) ثمّ يقول لمن في النار من أعدائهم: هؤلاء شيعتي وإخواني الّذين كنتم أنتم تحلفون في الدنيا أن لا ينالهم الله برحمة، ثمّ يقول الأئمّة لشيعتهم: (ادْخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ)(20).

ولا يخفى انّ الحديث الأوّل صريح في انّ المذنبين من كلّ عصر يقفون على الأعراف مع النبي أو إمام ذلك العصر، وبهذا يجمع بين الأحاديث المذكورة كما ذكرنا في الوجه الثاني، وأمّا قوله(عليه السلام) في ذيل الحديث الأول: «ثمّ يقولون لهؤلاء المستضعفين... »، فالظاهر انّ المراد بهم جماعة المذنبين الّذين كانوا معهم لا جماعة المحسنين الّذين دخلوا الجنّة، وقد ذكر انّ أصحاب النار كانوا يستضعفونهم، إذ لا معنى لأمرهم بدخول الجنّة بعد دخولهم، وواضح انّ أهل النار كانوا يستضعفون جميع الشيعة، إذن: فإطلاق (المستضعف) على كلّ صنف منهم صحيح، وعليه فالظاهر انّ بقاء المذنبين في الأعراف يكون بمقدار مكث الأئمّة (صلوات الله عليهم)، وبعد أمر الإمام إياهم بدخول الجنّة يدخل هؤلاء مباشرة، وعليه فانّ المراد من (أصحاب الأعراف) بناءً على القول الأوّل قوم لم يستحقوا الجنّة بسبب أعمالهم، ولا يسبقون المحسنين بالجنّة، بل يحتمل دخولهم الجنّة أو النار حتّى يشفع لهم الإمام ويسمح له باصطحابهم إِلى الجنة، فيأمرهم جميعاً بدخول الجنّة، والمراد من «مع شيعتهم» في بداية الحديث الثاني هم شيعتهم المذنبون وليس جميعهم وهو المطابق للحديث الأول، والمؤيد لذلك ما ورد من قوله: «فيقول الأئمّة لشيعتهم من أصحاب الذنوب: اُنظروا إِلى أخوانكم في الجنّة» لأنّ الظاهر انّ اخوانهم كانوا جمعاً من الشيعة وقد دخلوا الجنّة، فيُعلم إذن انّ جميعهم لم يكونوا مع أصحاب الأعراف، وهكذا ما ذكر في نهاية الحديث: (هؤلاء شيعتي واخواني) حسب الصورة الّتي تم بيانها، وعليه فانّ المراد من الشيعة في نهاية الحديث حيث قال: «ثمّ يقول الأئمّة لشيعتهم» هم المذنبون من شيعة كلّ إمام طبقاً لما ذكر في بداية الحديث، وعليه فانّ الحديث الثاني يتوافق مع الحديث الأوّل أيضاً ويدل على ما يدل عليه الحديث الأوّل كما ذكر.

1975 ـ الرِّضَا بِالكَفَافِ خَيْرٌ مِنَ السَّعْي فِي الإسْرَافِ.

... «السعي في الإسراف» أي لأن يصرف كثيراً، و «الكفاف» هو وقدر المقدار الّذي يمكن الاكتفاء به وما يكون على قدر مؤونته ومؤونة عياله بصورة متوسطة.

1976 ـ الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ أَفْضَلُ أَعْمَالِ الخَلْقِ.

... المراد من المعروف هو ما كان واجباً في الشريعة المقدسة أو ما كان مستحسناً، سواء أكان واجباً أو مستحباً. وغاية ما هنالك أن يكون الأمر بكلّ منهما بالنحو الوارد في الشريعة المقدسة ـ أي أن يكون الأمر بالواجبات تحت عنوان الوجوب، وبالمستحبات تحت عنوان الاستحباب، والاكتفاء بالأمر بالمعروف دون إلحاق النهي عن المنكر به إنّما هو لشمول كلّ منهما الآخر، فالنهي عن المنكر أمر بتركه وهو أمر بالمعروف، والأمر بالمعروف نهي عن تركه وهو نهي عن المنكر.

1977 ـ الإسْتِغْنَاءُ عَنِ العُذْرِ أَعَزُّ مِنَ الصِّدْقِ.

... يحتمل أن يكون المراد بأنّ الصدق عزيز ونادر، وأعز منه وأندر هو عدم فعل ما يستدعي الاعتذار، والهدف هو حثّ الإنسان على عدم ارتكاب ما يحتاج فيه إِلى الاعتذار، أو يكون المراد انّ من الأفضل أن يسكت الإنسان في مورد إذا صدق فيه احتاج إِلى الاعتذار منه، ولا يتفوّه بذلك الصدق حتّى لا يحتاج إِلى الاعتذار، لأنّ الاستغناء من الاعتذار أعزّ من الصدق، ولا يخفى انّ ذلك يكون في مورد لا يكون للصدق رجحان شرعي كالوجوب أو الاستحباب، فإذا كان للصدق رجحان شرعاً فلا حاجة للاعتذار، فلا يشمله هذا القول. وقد ورد (الاستعفاء) بدلا عن (الاستغناء) في بعض النسخ، فيكون المعنى: انّ طلب العفو عن العذر أعزّ من الصدق، وهذا يمكن أن يحمل على كلا المعنيين المذكورين أيضاً.

1978 ـ الرِّكُونُ إلَى الدُّنْيَا مَعَ مَا يُعَايَنُ مِنْ غَيْرِهَا جَهْلٌ.

انّ الركون إِلى الدنيا مع ما يشاهد من حوادثها جهل، و (الركون) يعني الميل أو بعض الميل كما يقول بعض اللغويين، وجاء بمعنى الاطمئنان أيضاً وعلى كلّ تقدير فإنّ اعتبار الركون إِلى الدنيا مع ما يشاهد فيها من الحوادث والمصائب والتغيرات جهل، أمر ظاهر ولا يحتاج إِلى بيان.

1979 ـ الطُّمَأْنِينَةُ إلَى كُلِّ أَحَد قَبْلَ الإخْتِبَارِ مِنْ قُصُورِ العَقْلِ.

... لعل المراد هو الاطمئنان والصداقة قبل الاختبار وقبل وضوح صلاحه، أو الاعتماد إِلى أيّ شخص قبل اختياره، وظهور كونه أهلا للاعتماد عليه.

1980 ـ التَّقْصِيرُ فِي العَمَلِ لِمَنْ وَثِقَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ غَبْنٌ.

... «غبن» أي خسران، وقد مرّ معنى الغبن فيما مضى مكرراً.

1981 ـ اِشْتِغَالُ النَّفْسِ بِمَا لاَ يَصْحَبُهَا بَعْدَ المَوتِ مِنْ أَكْثَرِ الرَهْنِ.

انّ اشتغال النفس بما لا يرافقها بعد الموت من أعظم الضعف في العمل، أي لاضعف عملي دون ذلك، وورد في بعض النسخ (أكبر) ـ بالباء ـ وعليه يكون المعنى: انّه أعظم ضعف عملي، ولا ضعف عملي أكبر من ذلك.

1982 ـ العَاقِلُ مَنْ غَلَبَ هَوَاهُ وَلَمْ يَبِعْ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ.

1983 ـ الحَازِمُ مَنْ لَمْ يَشْغَلْهُ غُرُوُر دُنْيَاهُ عَنِ العَمَلِ لآِخِرَتِهِ.

انّ المتدبر في عواقب الاُمور هو من لا يشغله غرور دنياه عن العمل لآخرته، أي لا تخدعه الدنيا فيشتغل بها ويقصر عن العمل للآخرة، أو أن تكون له الدنيا ويغتر وينخدع بها، ويقصر في عمل الآخرة.

1984 ـ العُمُرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ فِيهِ اِلَى ابْنِ آدَمَ وَأَنْذَرَا لسِّتُّونَ.

... أي انّ العمر الّذي إذا بلغه ابن آدم ولا يعذره الله سبحانه في المعصية وأنذره بعدم إعذاره هو الستون، فعلى من يبلغ هذا السن أن يشتد حزمه واحتياطه، ولا يسمح لنفسه بالتقصير أبداً حيث لا أمل لإعذاره.

1985 ـ العُمُرُ الَّذِي يَبْلُغُ الرَّجُلُ فِيهِ الأَشُدَّ الأرْبَعُونَ.

... المراد من (الأشد) هو سن القوّة، كما قال الله تعالى عن النبيّ يوسف(عليه السلام): (وَلَمَّا بَلَغَ أشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً)(21) ، وقال بعض المفسرين: انّه سن الوقوف الّذي يتوقف الإنسان فيه على ما هو عليه، ولا ينمو وهو بين الثلاثين والأربعين، وقال بعض: انّه سن الشباب، من بدء البلوغ إِلى ثلاثين سنة، وقال بعض اللغويين: انّه من الثامنة عشرة وحتّى الثلاثين، وفسرت العبارة هنا بأربعين سنة، وذلك بناءً على انّ المراد من القوّة هو قوّة العقل والفكر والرأي، لأنّ بدء كماله في الأربعين، ولذا بعث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في الأربعين، بل قال البعض: لم يبعث أيّ نبيّ إلاّ بعد الأربعين أي بعد بلوغ الأربعين. وأساس تفسيرهم على انّ المراد هو قوّة الجسم وقدرته، ويؤيد هذا التفسير ما جاء في القرآن الكريم: (حَتَّى إذَا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً)(22) على أن يكون الأربعون سنة تفسيراً لـ (أشد) كما هو ظاهر القول، ويوافق تفسير اللغويين ما ورد في الآية الكريمة النازلة في مورد مال اليتيم: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلا بِالّتي هِيَ أحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أشُدَّهُ)(23) أي يتصرف بما فيه غبطته ونفعه حتّى يبلغ أشدّه، يعني يُتصرف على الوجه الأحسن إِلى أن يبلغ الأشد، وبعده يجب تسليم ماله إليه، أو يمكن حينئذ التصرف في ماله بإذنه وعلى أيّ نحو أذن حتّى ولو لم يكن على الوجه الأحسن، وواضح انّ المراد من (بلوغ الأشد) هنا هو الوصول إِلى سن البلوغ، وعليه تستعمل (أشد) بمعنى بلوغ القوّة الظاهرية والباطنية معاً.

1986 ـ العَارِفُ وَجْهُهُ مُسْتَبشْرٌ مُتبَسِّمٌ وَقَلْبُهُ وَجِلٌ مَحْزُونٌ.

... «وقلبه وجل محزون» أي للآخرة.

1987 ـ الكَيِّسُ مَنْ كَانَ غَافِلا عَنْ غَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ كَثِيرُ التَّقَاضِي.

... أي لا يتابع ولا يبحث عن أحوال الآخرين، ويكون غافلا عنها بينما يؤاخذ نفسه كثيراً، ولا يسمح لها بالاخلال في فعل واجب أو ترك حرام.

1988 ـ الخَوْفُ سِجْنُ النَّفْسِ عَنِ الذُّنُوبِ وَرَادِعُهَا عَنِ المَعَاصِي.

«الخوف» أي من الله عز وجل «سجن النفس عن الذنوب» أي انّه سجن يمنعها من الذنوب «ورادعها عن المعاصي».

1989 ـ المَالُ فِتْنَةُ النَّفْسِ وَنَهْبُ الرَّزَايَا.

«المال فتنة النفس» أي يوقع النفس في فتنة دنيوية واُخروية، وسرعان ما يُنهب بالمصائب والحوادث.

1990 ـ العَفَافُ يَصُونُ النَّفْسَ وَيُنَزِّهُهَا عَنِ الدَّنايا.

... «عن الدنايا» أي الاُمور الّتي توجب دناءة شأنه.

1991 ـ التَّقْوَى ظَاهِرُهُ شَرَفُ الدُّنْيَا وَبَاطِنُهُ شَرَفُ الآخِرَةِ.

«التقوى» أي الخوف من الله أو التوقّي «ظاهره شرف الدنيا وباطنه شرف الآخرة».

1992 ـ الشَّرَفُ بِالهِمَمِ العَالِيَةِ لاَ بِالرِّقَمِ البَالِيَةِ.

انّ شرف وعلو الدرجات بالهمم الكبيرة وليس بالعظام النخرة، أي ليس بالفخر بالآباء والأجداد.

1993 ـ الحِكْمَةُ شَجَرَةٌ تَنْبُتُ فِي القَلْبِ وَتُثْمِرُ اللِّسَانِ.

الحكمة وهي العلم الصحيح الصادق، شجرة تنبت في القلب وتظهر ثمرتها على اللسان، أي تستدعي أن يكون كلامه صادقاً وصحيحاً، ويجري على لسانه ما يكون سبباً لهداية الناس ورفع الجهل عنهم.

1994 ـ الصِّدْقُ رَأْسُ الإِيمانِ وَزَيْنُ الإنْسَانِ.

1995 ـ المُؤْمِنُ عَلَى الطَّاعَاتِ حَرِيصٌ وَعَنِ المَحَارِمَ عَفٌّ.

... «عن المحارم عفّ» أي يمنع نفسه يردعها عنها.

1996 ـ العَاقِلُ لاَ يَفْرُطُ بِهِ عُنْفٌ وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ ضَعْفٌ.

«العاقل لا يفرط به عنفٌ» أي انّ العنف والإساءة إليه لا تخرجه عن الحدّ، «ولا يقعد به ضعف» أي انّ الضعف لا يقعد به عن اتيان الواجبات.

1997 ـ الكَرِيِمُ يَأْبَى العَارَ وَيُكْرِمُ الجَارَ.

«الكريم» أي ذو الهمة أو ذو الكرامة «يأبى العار ويكرم الجار».

1998 ـ اللَّئِيْمُ يُدْرِعُ العَارَ وَيُؤْذِي الأحْرَارَ.

«اللئيم» هو البخيل أو الدنيء «يُدرع العار ويؤذي الأحرار» أي يلبس ثوب العار ولا يفارقه أو يتخذه درعاً ظنّاً منه بأنّه يدفع به بعض أعماله(24).

1999 ـ المُتَّقِي مَيْتَةٌ شَهْوَتُهُ، مَكْظُومٌ غَيْظُهُ، فِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ، وَفِي المَكَارِهِ صَبُورٌ.

«المتقي» أي من يخاف الله أو من يتوقّى ... .

2000 ـ الذِّكْرُ نُورُ العَقْلِ، وَحَيَاةُ النُّفُوسِ، وَجَلاءُ الصُّدُورِ.

انّ ذكر الله أي تذكره أو ذكره باللسان نور العقل (أو العقول) ـ على ما ورد في بعض النسخ ـ وحياة النفوس وجلاء الصدور.

 

 

الهوامش:

(1) ان قوله (وفي بعض النسخ... الخ) يوجد في نسخة مدرسة سبهسالار فقط.

(2) في المتن هكذا: «چيزي چنداست كه در كار نيست وزياداست بر مهمات اين كس».

(3) في المتن هكذا: «يعني در آنجا مشق كند كه برديگران پيش گيرد وگرواز ايشان ببرد».

(4) الأعراف: 46.

(5) تفسير نور الثقلين 2: 35 عن تفسير القمّي.

(6) المصدر نفسه 2: 34 عن الكافي.

(7) البحار 8: 337 ح 11 عن العيّاشي.

(8) البحار 8: 332.

(9) البحار 8: 336 ح 22 عن الكافي.

(10) البحار 8: 335 ح 2 عن القمّي.

(11) المصدر نفسه 8: 337 ح 10.

(12) البحار 8: 335 ح 3 عن البصائر.

(13) المصدر نفسه 24: 25 ح 5 عن البصائر.

(14) المصدر نفسه 8: 337 ح 9 عن العيّاشي.

(15) المصدر نفسه 8: 339 ح 21 عن القمّي.

(16) في المتن هكذا: «چشمه هاى پل».

(17) كتب الشارح(رحمه الله) بخطّه في الهامش: (مولانا صدرا الشيرازي، منه).

(18) ذكر في حاشية النسختين: انّ عبارة القرآن الكريم هي: (وَنَادَوْا أصْحَابَ الجَنَّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ* وَإذَا صُرِفَتْ أبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ* أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمْ اللّهُ بِرَحْمَة ادْخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ).

(19) مجمع البيان 3: 66 سورة الأعراف.

(20) البحار 8: 335 ح 2 عن تفسير القمّي.

(21) يوسف: 22.

(22) الأحقاف: 15.

(23) الأنعام: 152.

(24) في المتن: «دفع بعضى از اخراجات خود ميكند».