2001 ـ الصَّبْرُ صَبْرَانِ صَبْرٌ فِي البَلاَءِ حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَنِ المَحَارِمِ.

... «عن المحارم» أي يصبر عن الحرام الّذي يتمنّى فعله فيتركه.

2002 ـ الإِنْقِبَاضُ عَنِ المَحَارِمِ مِنْ شِيَمِ العُقَلاَءِ، وَسَجِيَّةُ الأَكَارِمِ.

«الانقباض عن المحارم» أي كفّ النفس عنها... .

2003 ـ السَّيِّدُ مَنْ تَحَمَّلَ أَثْقَالَ إخْوَانِهِ وَأَحْسَنَ مُجَاوَرَةَ جِيْرَانِهِ.

... المراد من «تحمّل أثقال إخوانه» رفع أثقالهم وتحمل مؤونتهم، أو الصفح عن سلوكهم السيء وغير المؤدب تجاهه، وعدم الانتقام منهم.

2004 ـ الفِرَارُ فِي أَوَانِهِ يَعْدِلُ الظَّفَرَ فِي زَمَانِهِ.

«الفرار في أوانه» أي حين يلزم الفرار ولا يكون الوقوف صحيحاً...

2005 ـ الأَدَبُ فِي الإنْسَانِ كَشَجَرة أَصْلُهَا العَقْلُ.

... قد مرّ كراراً تفسير معنى الأدب.

2006 ـ الخِلاَلُ المُنْتِجَةُ لِلشَّرِّ: الكِذْبُ والبُخْلُ والجَوْرُ والجَهْلُ.

2007 ـ إزْرَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ بُرْهَانُ رَزَانَةِ عَقْلِهِ وَعُنَوانُ وُفُورِ فَضْلِهِ.

ازراءَ الرجَلَ على نفسه أو عتابها يدل على رجاحة عقله، «وعنوان وفور فضله» أي علامة عليه أو مفتتح ذلك.

2008 ـ إعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ بُرْهَانُ نَقْصِهِ وَعُنْوَانُ ضَعْفِ عَقْلِهِ.

2009 ـ المُنَافِقُ لِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ وَعَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ.

المنافق الّذي لا يتطابق ظاهره مع باطنه، يداهن نفسه ويطعن في الناس، والمداهنة هي الغش وابراز عكس ما يضمره.

2010 ـ الإكْثَارُ يُزِلُّ الحَكِيمَ وَيُحِلُّ الحَلِيمَ فَلاَ يُكْثِرْ فَتُضْجِرْ و تُفَرِّطْ فَتُهَنْ.

... أي لابدّ من رعاية الحالة الوسطى في الكلام، لا أن يكثر في الكلام فيبعث على ملل الناس، ولا أن يقلّل منه فلا يظهر المطلوب من الكلام فيتهمه الناس بالعجز والجهل ويُهان لذلك. ويمكن أن لا يقرأ (تفرّط) من باب التفعيل، بل (تفرط) من باب الإفعال فيكون المعنى: فلا تتجاوز الحدّ فتصبح ذليلا، وفيه تأكيد لما سبقه.

2011 ـ المَغْبُونُ مَنْ شُغِلَ بِالدُّنْيَا وَفَاتَهُ حَظُّهُ مِنَ الآخِرَةِ.

... وقد مرّ معنى المغبون مراراً.

2012 ـ الكِبْرُ يُسَاوِرُ القُلُوبَ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ القَاتِلَةِ.

التكبر يشن حرباً على القلوب كحرب السموم القاتلة، والظاهر انّ المراد من القلوب هو قلوب الناس، أي انّ تكبر الإنسان على الناس يترك أثره على قلوبهم اثر السموم القاتلة، وقد يكون المراد قلوب المتكبرين، أي انّه آفتهم والمهلك لهم كما تهلك السموم القاتلة.

2013 ـ المُوقِنُ أَشَدُّ النَّاس حُزْنَا عَلَى نَفْسِهِ.

ذو اليقين والعلم الصحيح أشد الناس حزناً على نفسه خوفاً من الآخرة.

2014 ـ الخَائِنُ مَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ وَكَانَ يَوْمُهُ شَرَّاً مِنْ أَمْسِهِ.

... المراد من اشغال نفسه بغيرها هو الانشغال بمتابعة شؤون الغير، والبحث عن عيوبهم، واهمال نفسه دون العزم على اصلاح عيوبه.

2015 ـ أَخُوكَ الصَّدِيقُ مَنْ وَقَاكَ بِنَفْسِهِ وَآثَرَكَ عَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَعِرْسِهِ.

... أي يعرّض نفسه للبلاء والهلاك لأجل الحفاظ عليك، ويرجحك على ماله وولده وحريمه.

2016 ـ العَاقِلُ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ إذَا غَضِبَ وَإذَا رَغِبَ وَإذَا رَهِبَ.

... أي العاقل هو من يملك زمام نفسه، يحبس غضبه إذا غضب، ولا يدع نفسه تنتقم، وإذا رغبت نفسه في شيء لا يتصرف فيه إن كان غير مشروع، وهكذا إذا خاف من إنسان فانّه لا يرتكب أمراً غير مشروع من أجله، ولابدّ من تخصيصه بأن لا يصل الخوف إِلى مرحلة التقية، فانّه مجاز بل مأمور به، ويمكن القول بانّه لاحاجة إِلى التخصيص، لأنّه إذا كان بتلك الدرجة فانّه لا يكون غير مشروع، فإذا ارتكبته النفس لم تكن مقصرة.

2017 ـ البُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ يُنِيرُ القَلْبَ وَيَعْصِمُ مِنْ مُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ.

... وذلك أمّا لأنّ الله تعالى يوفق مثل هذا الإنسان إِلى ترك الذنب، أو انّ من يصل في خوفه من الله عز وجل إِلى درجة البكاء، فانّه من البعيد أن يرتكب الذنب.

2018 ـ الأَمَلُ أَبَداً فِي تَكْذِيب وَطْولُ الحَيَاةِ لِلْمَرْءِ تَعْذِيبٌ.

... تكذيب إنسان يعني الحكم بكذب كلامه، والتكذيب بالشيء يعني إنكاره كما جاء التكذيب بمعنى الدعوة للكذب أيضاً(1)، وبناءً على المعنيين الأوّلين يمكن أن يكون المراد أنّ الأمل يكذب على الناس دائماً، أي كلّ من أخبر بما يضاد ذلك الأمل حكم صاحبه بانّ ذلك المخبر كاذب ولا يصدقه، وينكر كلّ ما يراه مضاداً لأمله ولا يقرّ به كي يتمكن من اتّباع أمله، وبناءً على المعنى الثالث قد يكون المعنى: انّ الأمل يحمل صاحبه على الكذب دائماً، ومن كان له أمل قوي بشيء فانّه قد يتصور ويتخيّل مؤيدات لتحصيله ويخبر عنها وقد يكذب أحياناً. هذا وعلى كلّ حال فانّه من الكذب بناءً على المشهور من انّ الكذب هو ما يخالف الواقع، وإن وافق الاعتقاد. وأمّا كون «طول الحياة للمرء تعذيب» فظاهر حيث انّ من طال عمره كثيراً تلاشت قواه وغلب عليه الضعف والوهن، وكان في شقاء دائم، كما يواجه مصائب جمة من موت الأبناء والأخوة والأصدقاء ولذلك يضجر من الحياة.

2019 ـ أُنْسُ الأمْنِ تُذْهِبُهُ وَحْشَةُ الوَحْدَةِ وَأُنْسُ الجَمَاعَةِ يُنَكِّدُهُ وَحْشَةُ المَخَافَةِ.

... المراد أن الأمن إذا استب فانّه وإن استدعى الاستقرار إلاّ انّ من كان وحيداً فانّ وحشة الوحدة تذهب استقراره، ومن كان مع جماعة فانّ الاجتماع وإن استدعى الاستقرار إلاّ انّه إذا افتقد الأمان وشعر بالخوف كان ذلك صعباً عليه، وعليه فانّ الرفاه في الحياة هو أن يكون هذا الإنسان آمناً، وتكون معه جماعة، فلا يشعر بوحشة الوحدة ولا وحشة الخوف.

2020 ـ الفُرْصَةُ سَرِيعَةُ الفَوْتِ وَبَطِيئَةُ العَوْدِ.

... اذن من وجد فرصة لفعل الخير عليه أن يغتمنها، ويبادر لذلك العمل لكي لاتفوت الفرصة ثمّ لا تعود.

2021 ـ إتِّباعُ الإحْسَانِ بِالإحْسَانِ مِنْ كَمَالِ الجُودِ.

2022 ـ الزُّهْدُ أقَلُّ مَا يُوجَدُ وَأَجَلَّ مَا يُعْهَدُ وَيَمْدَحُهُ الكُلُّ وَيَتْركُهُ الجُلُّ. 2023 ـ الصَّبْرُ عَلَى الفَقْرِ مَعَ العِزِّ أَجْمَلُ مِنَ الغِنَى مَعَ الذُّلِّ.

2024 ـ السُّرُورُ يَبْسُطُ النَّفْسَ وَيُثِيُرُ النَّشَاطَ.

«يبسط النفس ويثير النشاط» أي نشاط النفس للعمل وغيره، يعني يكون حافزاً للإنسان ليرغب في العمل، ولا تكون عليه صعبة وثقيلة.

2025 ـ الغَمُّ يَقْبِضُ النَّفْسَ وَيَطْوِي الإنْبِسَاطَ.

... المراد من العبارتين هو أن الإنسان عليه أن لا يفتح الطريق للغمّ والحزن إِلى نفسه من أجل الدنيا، وأن يكون مسروراً دائماً، لأنّ من السهل تحمل أحزان الدنيا ومعالجتها، ولكن مفسدة الغمّ والحزن تكون عظيمة.

2026 ـ التَّلَطُّفُ فِي الحِيلَةِ أَجْدَى مِنَ الوَسِيلَةِ.

... أي انّ الكثير من الاُمور من قبيل دفع العداوات والنزاع والجدال تتم معالجتها باللطف بنحو أنفع من استخدام أداة ووسيلة، وقد يكون المراد: انّ التأمل في باطن كلّ شيء ومعالجته والتعمق فيه أنفع من الوسيلة، فقلّما يوجد أمر لو تعمق الإنسان في معالجته جيداً لم يجد طريقاً لمعالجته، أو يكون المراد: انّ الوصول إِلى معالجة لطيفة ودقيقة لحلّ الاُمور أنفع من الوسيلة، اذن ينبغي التدبّر في كلّ أمر فلعلّه يجد معالجة لطيفة له.

2027 ـ الحَازِمُ مَنْ تَخَيَّرَ لِخُلَّتِهِ فَإنَّ المَرْءَ يُوزَنُ بِخَلِيلِهِ.

... أي حينما يبحث الإنسان عن صديق، عليه أن يتأمل ويختار من كان أهلا لذلك ومتصفاً بالفضائل والصلاح، إذ انّ الناس يوزنون الإنسان بصديقه، وينزلونه منزلته في التقييم.

2028 ـ الدُّنْيَا مَلِيئَةٌ بِالمَصَائِبِ طَارِقَةٌ بِالفَجَائِعِ وَالنَّوائِبِ.

2029 ـ الحَازِمُ مَنْ حَنَّكَتْهُ التَّجَارِبُ وَهَذَّبَتْهُ النَّوَائِبِ.

«حنكته التجارب» يعني ذاق طعم التجارب، وواضح انّ من ذاق طعمها لا يتركها، بل يدعوه ذلك إِلى الحزم والتدبر في الاُمور، ويمكن أن يكون معنى الكلام: انّ التجارب أحكمته، والنوائب هذّبته، أي تكون المصائب قد وردت عليه ثمّ صبر عليها فطهرت بذلك أخلاقه.

2030 ـ الإحْسَانُ غَرِيزَةُ الأخْيَارِ والإسَاءَةُ غَرِيزَةُ الأشْرَارِ.

2031 ـ السَّاعَاتُ تَخْتَرِمُ الأعْمَارِ وَتُدْنِي مِنَ البَوَارِ.

الساعات تختطف أو تقتلع وتستأصل الأعمار، وتدني من الموت والهلاك، والمراد هو أنْ يعرف الإنسان قدر كلّ ساعة، وأن يصرف ساعاته في أمر يكون ذخراً له، فإذا صرفت في العبث والباطل فانّ الإنسان يدرك فجأة انّ العمر قد ولّى وحلّ الموت، وعليه أن يستعد لسفر الآخرة دون استعداد، نعوذ بالله منه.

2032 ـ الكَرِيمُ يَرَى مَكَارِمُ أَفْعَالِهِ دَيْنَاً عَلَيْهِ يَقْضِيهِ.

«الكريم» أي ذو الجود أو ذو الكرامة «يرى مكارم أفعاله» الّتي فاتت عنه «ديناً عليه يقضيه» أو المراد أنّه يرى حسناته قرضاً عليه فيقضيها، والمراد من الرؤية هو العلم أي هكذا يعلم ويعتقد.

2033 ـ اللَّئِيمُ يَرىَ سَوَالِفِ إحْسَانِهِ دَيْناً لَهُ يَقْتَضِيهِ.

اللئيم أي الّذي يقابل الكريم بأحد المعنيين المذكورين، يرى إحسانه الماضي قرضاً له على الناس فيجب استيفاؤه، أو انّه هكذا يعتقد فيقوم بالمطالبة به.

2034 ـ الكَرِيمُ يَرْفَعُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ مَا أسْدَاهُ عَنْ حُسْنِ المُجازَاةِ.

... أي عندما يُحسن إِلى شخص لا يطلب منه المكافأة ويرفع نفسه عن ذلك.

2035 ـ الحَلِيمُ يُعْلِي هِمَّتَهُ فِيمَا جُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ سُوءِ المُكَافَاةِ.

... أي لا يطلب مجازاة من أساء إليه ومكافأته بالسوء.

2036 ـ المَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ وَالعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الإنفَاقِ.

... «يزكوا على الإنفاق» أي حينما ينفق العلم قلّما لا تنفتح له أبواباً اُخرى من العلم، فتكون سبباً لازدياد علمه.

2037 ـ أَحْوَالُ الدُّنْيَا تَتْبَعُ الإتِّفاقَ وَأَحْوَالُ الآخِرَةِ تَتْتَبعُ الإسْتِحْقَاقَ.

«تتبع الاتفاق» أي لا يعتبر فيها القابليات والاستحقاقات، ... وقد مرّ هذا المضمون بعينه في بداية الكتاب وتم بيانه.

2038 ـ الرّكُونُ إِلى الدُّنْيَا مَعَ مَا يُعايَنُ مِنْ سُوءِ تَقَلُّبِهَا جَهْلٌ.

«الرّكون إِلى الدنيا» أي الميل إليها أو الاعتماد عليها...

2039 ـ البُخْلُ بِإخْرَاجِ مَا افْتَرَضَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الأمْوَالِ أَقْبَحُ البُخْلِ.

... «من الأموال» متعلق بـ «اخراج» أي إخراج ذلك من الأموال، أو متعلّق بـ «ما افترضه» يعني ما فرضه من الأموال، والمراد من (البخل بالاخراج) هو البخل به وعدم اخراجه، وكونه «أقبح البخل» لشدة العذاب والعقاب المترتب عليه لأنّه قد ورد بانّ اخراج الزكاة ـ وهو العمدة فيما افترضه الله ـ يسبب زيادة الأموال، فيكون البخل فيه تكذيب لها في الحقيقة.

2040 ـ السَّخَاءُ مَا كَانَ ابتِدَاءً فَإنْ كَانَ عَنْ مَسْأَلَة فَحَيَاءٌ وَتَذَمُّمٌ.

... أي انّ ما يعطى بعد السؤال ليس من السخاء بل انّه لأجل حياء الإنسان من ردّ السائل ولاعتقاده بانّ ذلك عار وتذمّم.

2041 ـ الحِدَّةُ ضَرْبٌ مِنَ الجُنُونِ لأنّ صَاحِبَها يَنْدَمُ فَإنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُهُ مُسْتَحْكَمٌ.

... أي إذا ندم ذو الحدّة ـ كما هو المألوف من ذوي الحدّة ـ كانت الحدّة نوعاً من الجنون، وإنْ لم يندم فانّ جنونه قوي وراسخ.

2042 ـ العَقْلُ مَنْفَعَةٌ وَالعِلْمُ مَرْفَعَةٌ وَالصَّبْرُ مَدْفَعَةٌ.

العقل منفعة وربح، والعلم علو في الشأن أو وسيلة له والصبر دافع أو وسيلة له، أمّا الأوّل فباعتبار أنّ العاقل لا يعمل ما ليس فيه منفعة وربح، واعتبار العلم سبباً للارتقاء في الدنيا والآخرة أمر واضح، واعتبار الصبر دافعاً يعني انّ صبر الإنسان على المصيبة يدفع عنه شدتها وصعوبتها ويجعلها تمر بسهولة ويسر، أو يكون سبباً لدفع مصائب اُخرى، كما ورد في أحاديث اُخرى.

2043 ـ الدُّنْيَا مَصَائِبُ مُفْجِعَةٌ وَمَنَايَا مُوجِعَةٌ وَعِبَرٌ مُقَطِّعَةٌ.

كون الدنيا مصائب مفجعة أمر واضح، وكونها منايا مؤلمة فباعتبار انّه قلّما يوجد إنسان في الدنيا ولم ترد عليه منايا مؤلمة لأقربائه وأصدقائه، ويمكن أن تكون أوضاع الدنيا وأحوالها قد شبهت بالمنايا المؤلمة، والمراد من (عبر مقطعة) هو أن يعتبر الإنسان من أوضاع الدنيا وأحوالها وتغيراتها وتبدلاتها ويتعظ بها عبرة تقطع قلبه، وقد ورد في بعض النسخ «مفظعة» بدل «مقطعة» فيكون المعنى: انّها عبر صعبة وشنيعة، أي كلّ من اتعظ بها علم بشناعة أحواله، ويمكن أن لا تقرأ (عبر) بالعين والباء بل بالغين والياء، فيكون المعنى : حوادث مقطعة أو صعبة وشنيعة، حسب اختلاف النسختين.

2044 ـ الجَزَعُ عِنْدَ المُصِيبَةِ يَزِيدُهَا وَالصَّبْرُ عَلَيْهَا يُبِيدُهَا.

انّ زيادة المصيبة عند الجزع أمّا أن تكون باعتبار زيادة ألم الجزع والقلق والاضطراب على أصل المصيبة، وهكذا شماتة الأعداء عليها، أو باعتبار انّ الجزع على المصيبة يسبب لوقوع مصيبة اُخرى عليه، وكون الصبر يزيل المصيبة له احتمال حسب القياس المذكور: أحدهما: انّه يعمل على جعل المصيبة أمراً سهلا ويسيراً دون شدة وصعوبة، والآخر: أنّه يعمل على عدم نزول مصيبة اُخرى عليه.

2045 ـ الشُّكْرُ عَلَى النِّعْمَةِ جَزَاءٌ لِمَا فِيهَا وَاجْتِلاَبٌ لآِتِيهَا.

أي انّ الشكر جزاء لتلك النعمة الماضية، ويكون سبباً لزيادة نعمة اُخرى عليها، لأنّ الشكر سبب لزيادة النعمة كما صُرّح بذلك في القرآن الكريم.

2046 ـ التَبَجُّحُ بِالمَعَاصِي أَقْبَحُ مِنْ رُكُوبِها.

أي كلّ من ارتكب معصية وفرح بما فعله، كان فرحه أقبح من المعصية ذاتها، وعقابه أشد من عقاب تلك المعصية، إذ من الواضح انّ ذلك يؤدي إِلى الاستخفاف بالدين أكثر من أصل المعصية الّتي يرتكبها الإنسان لغلبة الشهوة عليه.

2047 ـ القَلْبُ يَنْبُوعُ الحِكْمَةِ، وَالأُذُنُ مَغِيضُها.

أي انّ الحكمة والعلم الصحيح الصادق ينبع من القلب، وينفذ في آذان الناس.

2048 ـ الدُّنْيَا شَرَكَ النُّفُوسِ وَقَرَارَةُ كُلِّ ضُرّ وَبُؤْس.

2049 ـ النُّفُوسُ طَلِقَةٌ لَكِنَّ أَيْدِي العُقُولِ تُمْسِكُ أَعِنَّتَها عَنِ النُّحُوسِ.

... «عن النحوس» أي تمسكها عن الشقاء والاتعاب، أو من الظلمات وهي الضلالات.

2050 ـ الأَيَّامُ صَحَائِفُ آجَالِكُمْ فَخَلِّدُوهَا أَحْسَنَ أَعْمَالِكُمْ.

الأيام صفحات أعماركم فخلدوها بأفضل أعمالكم، أي انّ الأيام هي أوراق سجل أعماركم فخلدوها أفضل أعمالكم، أي ليصدر عنكم كلّ يوم أفضل أعمالكم لتبقى خالدة ودائمة لكم، وقد يكون في (أحسن) حذف وايصال، ومعناه: خلدوها بأفضل أعمالكم، أي قوموا بأفضل الأعمال الّتي تقدرون عليها كي تبقى خالدة، أي تكتب لكم آثارها وأجرها وثوابها، ويحتمل أن يكون معنى (فخلدوها): اجعلوها لبّها أي فليكن ما تعملون فيها بمثابة اللب والقلب «أحسن أعمالكم» أي أفضل ما تستطيعون فعله، وقد تكون عبارة (خلّدوها) بالجيم وليس بالخاء كما هو في بعض النسخ، ويكون المعنى: انّ الأيام صحائف أعمالكم وكلّ يوم بمثابة صحيفة يكتب فيها أعمالكم، فاجعلوا غلاف تلك الصحيفة أفضل أعمالكم، أو جلّدوها بأفضل أعمالكم، أي قوموا بأفضل أعمالكم في أولها وآخرها كي تكون غلافاً لها، والله سبحانه قد يعفو عما يقع بينهما من الأخطاء ببركة حسن الافتتاح والختام. هذا ما خطر بالبال في تحليل هذه العبارة، ولا يخلو كلّ وجه من الوجوه من القصور، والله تعالى يعلم.

2051 ـ الآخِرَةُ دَارُ مُسْتَقَرِّكُمْ فَجَهِّزوا إلَيْهَا مَا يَبْقَى لَكُمْ.

2052 ـ البُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ مِفْتَاحُ الرَّحْمَةِ.

2053 ـ العَمَلُ بِالْعِلْمِ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ.

... «من تمام النعمة» أي انّ النعمة التامة الكاملة أن يكون الإنسان عالماً وعاملا بعلمه.

2054 ـ الدُّنْيَا غُرُورٌ حَائِلٌ وَسَرَابٌ زَائِلٌ وَسَنَادٌ مَائِلٌ.

... أي انّ الدنيا خداعة ولا أساس لها ولا حقيقة، ومع ذلك فهي خيال جوّال لا بقاء لها لأحد، وتميل في كلّ وقت إِلى شخص «سراب زائل» أي هي كالسراب لا أساس لها، ومع ذلك فانّها سريعة الزوال والفناء، «وسناد مائل» مشرف على الإنهيار ولا يستند أيّ عاقل إِلى مثل هذا السند.

2055 ـ الجَهْلُ بِالْفَضَائِلِ مِنْ أَقْبَحِ الرَّذَائِلِ.

«الفضائل» هي الصفات الّتي ترفع درجة الإنسان، و «الرذائل» هي الصفات الّتي تحط من درجاته، والمراد: انّ أقبح الرذائل هي أن لا يعرف الإنسان ما هي الفضائل، وما هو السبب لرفعة شأنه.

2056 ـ الحُظْوَةُ عِنْدَ الخَالِقِ بِالرَّغْبَةِ فِيمَا لَدَيْهِ، الحُظْوَةُ عِنْدَ المَخْلُوقِ بِالرَّغْبَةِ عَمَّا فِي يَدَيْهِ.

... «بالرغبة عمّا في يديه» أي بترك الطلب منه.

2057 ـ المُتَقَرِّبُ بِأدَاءِ الَفَرائِضِ وَالنَّوَافِلِ مُتَضَاعِفُ الأرْبَاحِ.

... «متضاعف الأرباح» أي أرباح متضاعفة، أي أرباح كثيرة.

2058 ـ المَوَدَّةُ تَعَاطُفُ القُلُوبِ فِي ايتِلاَفِ الأَرْوَاحِ.

أي بسبب الألفة والاُنس بين النفوس قبل خلق الأبدان كما روي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: «الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر اختلف»(2) والمراد: انّه كان بين نفوس الناس ثمة اُلفة واطمئنان قبل خلق الأبدان، ولم تكن هناك اُلفة بين بعضها الآخر ولم تتعارف بينها، إذن كلّ من كانت له آنئذ اُلفة واطمئنان كان له الآن ـ بعد خلق الأبدان ـ اُلفة ووشيجة أيضاً، والّتي لم تتآلف فيما بينها آنئذ فاليوم أيضاً يوجد بينها ـ بعد خلق الأبدان ـ اختلاف وافتراق أيضاً، ولا يحصل بينها اُلفة وارتباط، وقد ورد في بعض النسخ (وايتلاف) بدل (في ايتلاف) فيكون المعنى: انّ المودّة هي ميل القلوب والاُلفة والاطمئنان بين الأرواح، أمّا بالمعنى المذكور ذاته أو بهذا المعنى أي انّ المودّة هي أن يوجد ميل قلبي واُلفة واطمئنان نفسي بين شخصين، وليست هي مجرد الترابط والاختلاط الظاهري.

2059 ـ التَيَقُّظُ فِي الدِّينِ نِعْمَةٌ عَلَى مَنْ رُزِقَهُ.

«الّتيَقّظ في الدين» أي العلم فيه ... .

2060 ـ الأصْدِقَاءُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ فِي جُسُوم مُتَفَرِّقَة.

أي انّ الصداقة الحقيقية تكون هكذا حيث يكونوا بمنزلة نفس واحدة في جسوم متفرقة.

2061 ـ العِلْمُ يُرْشِدُكَ وَالْعَمَلُ يَبْلُغُ بِكَ الغَايَةَ.

2062 ـ العِلْمُ أَوَّلُ دَلِيل وَالمَعْرِفَةُ آخِرُ نِهَايَة.

... «والمعرفة» أي معرفة الله تعالى آخر نهاية يصل إليها الإنسان.

2063 ـ الكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإذَا تَكَلَّمْتَ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ.

... «صرت في وثاقه» صرت أسيره أي أسير ضرره وخسرانه، اذن على الإنسان أن يحفظ كلامه قدر الإمكان، ولا يطلقه كي لا يقع في قيوده ووثاقه.

2064 ـ الحِلْمُ يُطْفِئُ نَارَ الغَضَبِ وَالحِدَّةُ تُؤَجِجُ إِحْرَاقَهُ.

أي انّ الغضب كالنار المحرقة، فمن كان حليماً فانّه يطفئ تلك النار، وانْ كان ذا حدّة وعدم حلم فانّه يؤجّج تلك النار فتحرقه.

2065 ـ المُؤْمِنُ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ وَهُوَ أَذَلُّ مِنَ العَبْدِ.

أي يكون صلباً فيما يستدعي ذلك كالاهتمام بطاعة الله تعالى وترك العصيان، ويكون ذلّه لله تعالى ومع المؤمنين.

2066 ـ الشَّدُّ بِالْقِدِّ وَلاَ مُقَارَنَةُ الضِّدِّ.

ان الشدّ بالقيود أفضل من مرافقة العدوّ.

2067 ـ العَاقِلُ يَتَقَاضَى نَفْسَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلاَ يَتَقَاضَى لِنَفْسِهِ بِمَا يَجِبُ لَهُ.

... أي انّ المؤمن يطالب نفسه بما يجب عليها ويدفعها للعمل به، ولا يطلب لها ما يجب على الآخرين تجاهه، أي يعفو ويتجاوز عمن لا يؤديه إليه، والمراد من الوجوب في الموضعين هو الوجوب الشرعي، أو مطلق الثبوت واللزوم وإن كان بحسب العرف والعادة.

2068 ـ الفُجُورُ دَارُ حِصْن ذَلِيل لاَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ وَلاَ يُحْرِزُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ.

أي انّ ارتكاب المعاصي بمثابة الحصن الذليل الّذي لا يردّ الآفات عن ساكنه، ولا يحافظ عن اللاّجىء إليه من أيّ بلاء.

2069 ـ الكَرِيمُ إذَا احْتَاجَ إلَيْكَ أَعْفَاكَ، وإذَا احْتَجْتَ إلَيْهِ كَفَاكَ.

«الكريم» أي الجواد أو ذو الكرامة «إذا احتاج إليك أعفاك» أي مع احتياجه إليك لا يطلب منك، «وإذا احتجت إليه كفاك» أي سعى في حاجتك وقضاها لك.

2070 ـ اللَّئِيمُ إذَا احْتَاجَ إلَيْكَ أَجْفَاكَ وَإذَا احْتَجْتَ إلَيْهِ عَنَّاكَ.

«اللئيم» أي من يقابل الكريم بأحد المعنيين المذكورين... ويمكن قراءة (أجفاك) بالجيم فيعني أتعبك، ويمكن قراءته بالحاء ـ المهملة ـ فيعني ألحّ عليك في السؤال والمطالبة بشيء، وحاصلهما واحد، وقوله: (عنّاك) أمّا لأنّه لا ينجز لك ما تطلبه أو إذا أنجزه فانّه ينجزه بعد عناء كثير ونصب وبعد تحمّل متاعب الانتظار.

2071 ـ المُتَعَبِّدُ بِغَيْرِ عِلْم كَحِمَارِ الطَّاحُونَةِ يَدُوُرُ وَلاَ يَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهِ.

... أي انّه لا يترقى بعبادته ولا تعلو درجته، عكس من يتعبد مع العلم والمعرفة; لأنّه بالعبادة يخرج من موقعه ويرتقي إِلى درجة أعلى.

2072 ـ الكَرِيمُ يَعْفُو مَعَ القُدْرَةِ ويَعْدِلُ فِي الإمْرَةِ وَيَكُفُّ إسَاءَتَهُ، وَيَبْذُلُ إحْسَانَهُ.

«الكريم» أي ذو الكرامة أو الجواد... .

2073 ـ التَّوْبَةُ نَدَمٌ بِالْقَلْبِ وَاسْتِغْفَارٌ بِاللّسَانِ وَتَرْكٌ بِالْجَوَارِجِ وَإضْمَارُ أَنْ لاَ يَعُودَ.

... لا يخفى انّ التوبة من الذنب تعني الندم، والندم من شيء يستلزم تركه وقصد عدم العودة إليه، وأمّا الاستغفار باللسان فانّه غير ضروري بالنسبة لأصل التوبة ظاهراً فإذا أضافه كانت توبته أكمل، ويمكن حمل القول على بيان التوبة الكاملة، وواضح انّ هناك خلافاً بين العلماء في انّ التوبة من بعض الذنوب دون بعض آخر صحيحة أو غير صحيحة، بل يلزم لصحة التوبة أن يتوب من جميع الذنوب ويندم، ويعزم على عدم المعصية تماماً؟! وهذا القول الاعجازي يحتمل الاثنين، ولا يظهر منه ترجيح مسلك واحد، غاية ما هنالك انّ ظاهر بعض الأحاديث الاُخرى هو القول الثاني، وموضع تحقيق هذا الأمر كما ينبغي هو الكتب والرسائل الكلامية.

2074 ـ الجُوْدُ مِنْ غَيْرِ خَوْف وَلاَ رَجَاء مُكَافَأة حَقِيقَةُ الجُودِ.

... أي انّ السخاء إذا كان خوفاً ممّن يجود عليه، أو بأمل المكافأة والعوض، فانّه ليس جوداً وكرماً في الحقيقة، انّ حقيقة الجود والكرم هو أن يجود بدون ما ذكر من خوف أو رجاء.

2075 ـ إعْطَاءُ هَذَا المَالُ فِي حُقُوقِ اللهِ دَخَلٌ فِي بَابِ الجُودِ.

... أي انّ بذل المال في الموارد الّتي أوجبها الله تعالى كالزكاة والخمس ليس جوداً في الحقيقة بل دخل فيه عنوة، بل انّ الجود في هذا المجال هو ارجاع حق إِلى صاحبه في الحقيقة، وليس هذا معنى الجود إذ انّه إعطاء الإنسان ماله لآخر بدون عوض وغاية.

2076 ـ المُؤْمِنُ إذَا نَظَرَ اعْتَبَرَ، وَإذَا سَكَتَ تَفَكَّرَ، وَإذَا تَكَلَّمَ ذَكَرَ، وَإذَا أُعْطِي شَكَرَ، وَإذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ.

... أي إذا نظر إِلى شيء اتعظ به، واستنبط منه قضايا نافعة للنشأة الاُخرى، وحينما يسكت فانّه يفكر في الاُمور النافعة من الحقائق والمعارف وما شاكلها، وحينما يتكلّم فانّه يذكر الله أي انّ كلامه لا يخلو من ذكر الله، وحينما يُعطى شيئاً من قبل الله أو غيره فانّه يشكر، وحينما يبتلى ببلاء أو مصيبة يصبر على ذلك ولم يجزع.

2077 ـ المُؤْمِنُ إذَا وُعِظَ ازْدَجَرَ، وَإذَا حُذِّرَ حَذِرَ، وَإذَا عُبّرَ اعْتَبَرَ، وَإذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ، وَإذَا ظُلِمَ غَفَرَ.

... أي إذا وُعظ ونهي عن منكر ترك ذلك ولم يرتكبه، وإذا حُذّر احترز، وهو تأكيد لما سبق، وإذا وعظ بما فيه خيره من عمل بالمعروف أو ترك لمنكر اتعظ وعمل بذلك، وهذا يشمل ما ذكر آنفاً وزيادة، وحينما يذكّر بالله أو بيوم القيامة وما شاكل فانّه يتذكّر ويعمل طبقاً لذلك، ويعفو عمّن ظلمه ويصفح.

2078 ـ الفَقْرُ صَلاَحُ المُؤْمِنِ، وَمُرِيحُهُ مِنْ حَسَدِ الجِيرَانِ وَتَمَلُّقِ الإخْوَانِ وَتَسَلُّطِ السُّلْطَانِ.

... كون الفقر صلاح المؤمن هو انّه يبقى مصاناً من أغلب المعاصي والذنوب بسبب ذلك، وإذا صبر على ذلك وحفظ نفسه من المكسب المحرم ثبت له الأجر والثواب العظيم، ومع ذلك ففيه مصالح اُخرى كما قال(عليه السلام) بأنّه يريحه من حسد الجيران وأذاهم، وهكذا قوله: «وتملّق الإخوان» أي التملّق لهم بهدف إعانتهم على حراسة أمواله ومنع تعدي وظلم الآخرين، أو تملّق الإخوان له بهدف كسب منفعة، كما يريحه من تسلّط السلطان، فمن الواضح انّ السلطان لا يكترث بالفقير عكس الغني الّذي تحال إليه الحوالات من كلّ الجهات.

2079 ـ الصَّدِيقُ مَنْ كَانَ نَاهِيَاً عَنِ الظُّلْمِ وَالعُدْوَانِ مُعِينَاً عَلَى البِرِّ وَالإحْسَانِ.

2080 ـ التَقّوَى آكَدُ سَبَب بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ إنْ أخَذْتَ بِهِ وَجُنَّةٌ مِنْ عَذَاب أليم.

«التقوى» أي التوقي أو الخوف من الله عز وجل ... .

2081 ـ الكَرَامَةُ تُفْسُدُ مِنَ اللَّئِيمِ بِقَدْرِ مَا تَصْلُحُ مِنَ الكَرِيمِ.

... يعني انّ احسان اللّئيم أي البخيل أو الدنيء فاسد وباطل بقدر ما هو صالح من الكريم، وذلك لأنّ اللّئيم لا يمكن أن يتجرد عن غاية فاسدة في ذلك الإحسان، عكس الكريم الّذي لا يقصد غير حُسن الإحسان ولا يشوبه بغاية اُخرى، ويمكن قراءة (تفسد وتصلح) من الأفعال، فيكون المعنى: يفسد من اللّئيم بقدر ما يصلح من الكريم، أي بقدر ما يعمل الإحسان على صلاح حال الكريم نظراً للأجر والثواب المترتب عليه، يعمل إحسان اللّئيم على إفساد حاله نظراً إِلى انّ ما يبذله لا يكون مشروعاً، إذن لا ثمرة لإحسانه غير الوزر والوبال، أو انّه يبذل في غير محلّه فيعطي من يصرفه في موارد غير مشروعة، فيكون له قسط من الوزر بسبب الاعانة على المعصية.

2082 ـ الجَاهِلُ صَخْرَةٌ لاَ يَنْفَجِرُ مَاؤُهَا، وَشَجَرَةٌ لاَ يَخْضَرُّ عُودُها، وَأَرْضٌ لاَ يَظْهَرُ عُشْبُهَا.

2083 ـ النَّاسُ طَالِبَانِ طَالِبٌ وَمَطْلُوبٌ: فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ المَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا، وَمَنْ طَلَبَ الآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِي رِزْقَهُ مِنْهَا.

... أي انّ الناس قسمان في الطلب كلّ قسم منهما طالب ومطلوب، أحدهما يطلب الدنيا والموت يطلبه حتّى يخرجه من الدنيا، والآخر يطلب الآخرة فانّه يطلب الآخرة والدنيا تطلبه حتّى ينال رزقه من الدنيا، وعليه فمن الواضح أن لا يختار أيّ عاقل طلب الدنيا على طلب الآخرة.

2084 ـ الأَمَانَةُ وَالوَفاءُ صِدْقُ الأَفْعَالِ وَالكِذْبُ وَالإفْتِرَاءُ خِيَانَةُ الأَقْوَالِ.

والمراد انّه كما يكون الصدق في الأقوال يكون في الأفعال أيضاً، والصدق في الأفعال يكون أمانة ووفاء، وكما تكون الخيانة في الأفعال تكون في الأقوال أيضاً، وخيانة الأقوال والكذب والافتراء، والكذب ـ كما ذكر ـ هو الخبر الّذي لايطابق الواقع، علم المخبر بذلك أم لا، والافتراء هو ما يعلم المخبر بعدم مطابقته للواقع، ورغم ذلك فانّه يخبر عنه.

2085 ـ البَخِيلُ يَسْمَعُ مِنْ عِرْضِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَمْسَكَ مِنْ عَرضِهِ وَيُضَيِّعُ مِنْ دِينِهِ أَضْعَافَ مَا حَفِظَ مِنْ نَشَبِهِ.

أي انّه من أجل أن يحفظ قليلا من ماله ومتاعه يتنازل عن عرضه ويفقده بأكثر منه، ومعنى ما تبقى من القول واضح.

2086 ـ الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْم كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ وَلِكُلِّ دَاخِل فِي بَاطِل إثْمَان: إثْمُ الرِّضَا بِهِ وَإثْمُ العَمَلِ بِهِ.

2087 ـ الأَجَلُ مَحْتُومٌ، وَالرِّزْقُ مَقْسُومٌ فَلاَ يَغُمَّنَّ أَحَدَكُمْ إبْطَاؤُهُ، فَإنّ الحِرْصَ لاَ يُقَدِّمُهُ وَالعَفَافَ لاَ يُؤَخِّرُهُ وَالمُؤْمِنَ بِالتَّحَمُّلِ خَلِيقٌ.

لعل الغرض من حتمية الموت هو أنّه لو لم يكن كذلك وأمكن خلود الإنسان في الحياة لكان احتمال مجيئ الحرص وارداً في الجملة، ولكن لو كان مقدراً ومحتوماً فلا مجال حينئذ وبملاحظة قصر العمر لمجيئ الحرص، مع انّ الله قد قسّم الأرزاق، وسيدرك كلّ شخص ما قُسم له البتة، والمراد من قوله صلوات الله وسلامه عليه (فلا يغمنّ...) هو انّ الرزق المقسوم سيصل إليه البتة، فإذا وصل متأخراً فلا يغتمّ فانّه سيصل إليه، ومع هذا فلا فائدة في الحرص، ولا يمكن تقديمه ولا تأخيره، ولا ضرر في العفة وكفّ النفس.

وقد ذكر قبل هذا وصول الرزق أمّا أن يكون في مقدار منه، أو كلّه بعد السعي المتعارف، وليس الغرض النهي من السعي تماماً.

بل عن الحرص فيه وفي هذا القول الاعجازي إشارة إِلى هذا المعنى حيث قال: «فانّ الحرص لا يقدّمه» ولم يقل فانّ السعي لا يقدّمه، وقال أيضاً: «والعفاف لا يؤخّره» والعفة هي صون النفس من غير الحلال، فظهر من ذلك انّ العفة لا ضرر فيها ولا تؤخّر الرزق، فليس المراد أن يترك السعي تماماً، وظهر أيضاً انّها لا تضرّ الرزق الحلال، والله تعالى يعلم. و«والمؤمن بالتحمّل خليق» يعني ينبغي له الصبر على صعوبة العيش، وتحمل مشقته، كي تسمو رتبته ودرجته في الآخرة.

وورد في بعض النسخ و (تجمّل) بالجيم، فيكون المعنى: انّ المؤمن يليق به التجمّل أي التجمّل بالصفات الحسنة، والهدف هو حثّ المؤمنين على استماع المواعظ ـ هذه وغيرها ـ ممّا يكون سماعه سبباً لزينته وتجمّله، ويمكن أن يكون المراد: انّه لا حرج على المؤمن بالتجمّل، بل انّه أولى به وأحرى من غيره، وهذا حكم آخر اُشير إليه بعد بيان حكم الرزق.

2088 ـ النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاة، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِق، لَمْ يَسْتَضِيؤُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْن وَثِيق.

العالم الربّاني هو الّذي يفاض عليه العلم من الله بدون تعلم وتحصيل كالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه (صلوات الله عليهم)، والمتعلّم على سبيل نجاة هو الّذي يتعلّم منهم، أو ينتهي علمه إليهم، والهمج الرعاع هم سائر الناس الّذين تركوا النبيّ وآله (صلوات الله وسلامه عليهم) واتّبعوا الجاهلين، و «الهمج» هم الحمقى وناقصوا العقول، ويطلق على الذباب الصغير أيضاً، كالبعوض الّذي يتوجه إِلى الخرفان والحمير وكلا المعنيين واردان هنا.

2089 ـ الرَّاضِي عَنْ نَفْسِهِ مَسْتُورٌ عَنْهُ وَلَوْ عَرَفَ فَضْلَ غَيْرِهِ كَسَاهُ مَا بِهِ مِنَ النَّقْصِ وَالخُسْرَانِ.

... أي على الإنسان أن لا يرضى عن نفسه أبداً، ويفحص عن نقصه وعيوبه دائماً، فمن رضي عن نفسه ستخفى عليه نواقصه وعيوبه، ويظن بعدم وجود من هو أفضل منه، ولو عرف ذلك لغطى وكسى ما عليه من نقص وخسران، أي لابدّ أن يقرّ بذلك ويسعى لرفعه ومحوه ولم يرضَ من نفسه، وفي بعض النسخ (لساءه) بدل (كساه) فيكون المعنى: إذا علم بفضيلة غيره ساءه ما فيه من نقص وخسران ولم يرضَ عن نفسه، وهذا المعنى أظهر، بل الظاهر وجود تصحيف في الأول.

2090 ـ المَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ: بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، إنْ قَاتَلَ قَاتَلَ بِجَنَان وَإنْ نَطَقَ نَطَقَ بِبَيَان.

... «نطق ببيان» أي بالفصاحة والبلاغة، والمراد انّ الإنسان يقيّم بقطعتين لحميتين صغيرتين: قلبه ولسانه، وهذا مثل شائع بين العرب، أي انّ قيمة الإنسان وقدره يعرفان بهما، إذا قاتل قاتل حينما يكون رابط الجأش، وإذا تحدث تحدث بفصاحة، ولا يوجد ما هو أكثر أهمية من هاتين الصفتين، إذن أساس الفضائل يعود إِلى هاتين القطعتين من اللحم.

2091 ـ النِّعْمَةُ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ مَوْصُولٌ بِالْمَزِيدِ، وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرَن، فَلَنْ يَنْقَطِعَ المَزِيدُ مِنَ الله سُبْحَانَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الشّاكِرِ.

المراد من انّ «النعمة موصولة بالشكر»: وجوب الشكر ازاء النعمة، والعاقل يشكر بازائها طبعاً، أو انّ بقاءها تابعٌ للشكر فتزول بدون الشكر، والشكر موصول بالمزيد يعني انّه يكون سبباً لزيادة النعمة، كما صرّح به القرآن الكريم.

2092 ـ الذِّكْرُ لَيْسَ مِنْ مَراسِمِ اللِّسَانِ، وَلاَ مِنْ مَنَاسِمِ الفِكْرِ، وَلَكِنَّهُ أَوَّلٌ مِنَ المَذْكُورِ وَثَان مِنَ الذَّاكِرِ.

أي ليس الذاكر من وظائف اللسان بحيث ليس بوسعه أن لا يذكر، هذا في الذكر اللساني، وليس من مذاهب الفكر، طبعاً انّهما ] أي اللسان والقلب[ يسيران بهذا الاتجاه ولا يتمكنان من تجاوزه وتركه، وهذا في الذكر القلبي، «ولكنّه أوّل» أي مبدأه من المذكور، أي انّ الله تعالى يجب أن يوفق لهذا الأمر ويوفر أسبابه، والثاني من الذاكر وهو المتصدي والمباشر له.

2093 ـ العَقْلُ خَلِيلُ المُؤْمِنُ، وَالعِلْمُ وَزِيرُهُ، وَالصَّبْرُ أَمِيرُ جُنُودِهِ، وَالعَمَلُ قَيِّمُهُ.

كون العقل خليل المؤمن أمر واضح حيث انّ الصديق هو من يقول لصاحبه ما فيه مصلحته، والعقل يكون هكذا مع المؤمن، واختصاصه بالمؤمن يعود إِلى انّ غير المؤمن لا عقل له، وإلاّ فانّه صديقه أينما كان، وكون العلم وزيره باعتبار انّ الوزير هو من يحمل أثقال وأعمال صاحبه وهو مشتق من (الوزر) بمعنى الذنب والثقل، أي يحمل ذنبه وما في أشغاله من أثقال، باعتبار انّه يكون المباشر لها، وواضح انّ العلم في كلّ إنسان يكون وزيره، فإذا عمل بقوله فلا معصية تبقى له ولا وزر، وكون الصبر أمير جنوده انّ الصبر والتحمّل يزيد من أعوانه وأنصاره، فهم بمثابة جنود وأميرهم الصبر، وقوله «والعمل قيّمه» يعني انّه منفّذ أعماله، أو انّه نُصب لتربيته وتأديبه.

2094 ـ الزَّمَانُ يَخُونَ صَاحِبَهُ(3) وَلاَ يَسْتَعْتِبُ لِمَنْ عَاتَبَهُ.

«الزمان يخون صاحبه» أي من كان فيه «ولا يستعتب لمن عاتبه» أي لا فائدة في عتابه وذمّه، ولذا لا يرضي أحداً ولا يترك خصلته وسجيته، ولا يخفى انّ أمثال هذا الحديث جاء جرياً على طريقة أهل الدنيا وتخيلاتهم حيث يمدحون الزمان ويذمونه، وليس ذلك مبنيّاً على التحقيق في الأمر، كما اُشير إِلى ذلك سابقاً.

2095 ـ الإيمَانُ وَالعَمَلُ أَخَوانِ تَؤْأَمَانِ وَرَفِيقَانِ لاَ يَفْتَرِقَانِ لاَ يَقْبَلُ اللهُ أحَدَهُمَا إلاّ بِصَاحِبِهِ.

... قد مرّ مضمون هذا الكلام فيما مضى.

2096 ـ المَذَلَّةُ وَالمَهَانَةُ وَالشَّقَاءُ فِي الطَّمَعِ والحِرْصِ.

2097 ـ الصَّبْرُ عَلَى مَضَضِ الغُصَصِ يُوجِبُ الظَّفَرَ بِالفُرَصِ.

2098 ـ النَّاسُ كَالشَّجَرِ شَرَابُهُ وَاحِدٌ وَثَمَرُهُ مُخْتَلِفٌ.

أي ان الناس وإن كانوا شركاء في المأكل والملبس وما شاكل، فانّ لكلّ قوم ذات تختلف عن ذات قوم آخرين، كالاختلاف بين الأشجار رغم انّها تستقي من ماء واحد، وعليه لا ينبغي انتظار فاكهة واحدة من جميعها، ولا ينبغي اعتبارها في رتبة واحدة.

2099 ـ الطَّمَعَ مُورِدٌ غَيْرُ مُصْدِر وَضَامِنٌ غَيْرُ مُوف.

أي انّ الطمع يورد الخفة والذل والشقاء والتعب على صاحبه ولا يستدرك منها شيئاً، أو يوقعه في تبعات ومصارف من دون أن يرجع له شيئاً منها، ويضمن له منفعة ولكنه لا يفي بذلك، ويكون ضرره أشدّ من نفعه.

2100 ـ العَقْلُ صَاحِبُ جَيْشِ الرَّحْمنِ، والهَوَى قَائِدُ جَيْشِ الشَّيْطَانِ، وَالنَّفْسُ مُتَجَاذِبَةٌ بَيْنَهُما فَأَيُّهُما غَلَبَ كَانَتْ فِي حَيِّزِهِ.

  

 

الهوامش:

(1) في المتن: «بمعنى داشتن او بر دروغ».

(2) البحار 2: 265 باب 32 ح 18 وفيه عن أميرالمؤمنين(عليه السلام).

(3) ورد في نسخة مكتبة سبه سالار (مَنْ صاحبه) بدلا عن (صاحبه) ويعني انّ الزمان يخون كلّ من يصاحبه.