2301 ـ اْجْعَلْ رَفِيقَكَ عَمَلَكَ وَعَدُوَّكَ أَمَلَكَ.

2302 ـ اِقْصِرْ هِمَّتَكَ عَلَىَ مَا يَلْزَمُكَ(1) وَلاَ تُخُضْ فِيمَا لاَ يُعْنِيكَ.

أي لا تشغل نفسك بما لا ينفعك وما لا تغتم إذا فُقد، أي انّه لا يضرك في الواقع، فيجب أن لا تحزن عليه، والمراد منه هو الأمور الدنيوية، أو ما هو زائد على حد الضرورة.

2303 ـ أَصْلِحِ ا لمُسِيءَ بِحُسْنِ فِعَالِكَ، وَدَلَّ عَلَى الخَيْرِ بِجَمِيلِ مَقَالِكِ.

يكون (اصلاح المسيء بحسن الفعال) امّا باعتبار انّ الناس يقلّد بعضهم بعضاً في الغالب، فيقوم المذنب بتقليد الأعمال الصالحة حينما يراها من الصالح ويترك أفعاله وترك أفعاله، أو باعتبار انّه مع صلاح أعماله إذا منع المذنب كان مؤثّراً وسبب ترك الذنب، ويمكن أن يكون المراد من (المسيء) هو من أساء إليه، فيعني أصلحِ من أساء إليك بحسن فعالك، أي بالإحسان إليه كي يشعر بالخجل ويترك إساءته إليك، وعليه يكون الأظهر في المراد من الدلالة على الخير هي دلالته على الخير وترك الاساءة بجميل كلامه أيضاً، ويمكن أن يكون عاماً غير مختص به كما هو ظاهر العبارة.

2304 ـ اِحْفَظْ أَمْرَكَ وَلاَ تُنْكِحْ خَاطِباً سِرَّكَ.

أي لا تبحْ بسرك لمن رام الاطلاع عليه، فشبّه من قصد التعرف على سر أحد بمن يخطب فتاة، باعتبار وجوب ستر السر والفتاة معاً.

2305 ـ اِنْفَرِدْ بِسِرِّكَ وَلاَ تُودِعْهُ حَازِماً فَيَزِلَّ، وَلاَ جَاهِلا فَيَخُونَ.

أي احتفظ بسرّك ولا تبح به لأحد، لأنّك إن أودعته للبصير المتدبّر فانّه قد يزل، ويبوحه للغير فتترتب عليه المفسدة، لأنّ الإنسان مهما كان بصيراً ومتدبراً احتملت زلته وسهوه وخطؤه، وإنْ أودعته جاهلا فانّه يخونك ويبوح به للناس دون تحفّظ منه.

2306 ـ اِفْعَلِ المَعْرُوفَ مَا أَمْكَنَ وَازْجُرِ المُسِيءَ بِفِعْلِ المُحْسِنِ.

... «بفعل المحسن» أي بفعلك الحسن، ومعنى زجر المسيء بالفعل الحسن، يتم بأحد الوجوه الّتي ذكرت في قوله: (اصلح المسيء بحسن فعالك...).

2307 ـ اِجْعَلْ هَمَّكَ لِمَعَادِكَ تَصْلَحْ.

2308 ـ أَطِعِ العِلْمَ وَاعْصِ الجَهْلَ تُفْلِحْ.

2309 ـ إسْتَرْشِدِ العَقْلَ وَخَالِفِ الهَوَى تُنْجِحْ.

2310 ـ أَحْسِنْ إلى مَنْ شِئْتَ وَكُنْ(2) أَمِيرَهُ.

وذلك لأنّ من يحسن إلى إنسان فانّه سوف يطيعه ويمتثل أوامره.

2311 ـ اِسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ وَكُنْ(3) نَظِيَرهُ.

لأنّ من يستغني عن إنسان ولا يطمع فيه لا يتملّق ولا يخضع له، ويستطيع أن يعامله بمثل ما يعامله، فكأنّه مثله.

2312 ـ اِحْتَجْ إلَى مَنْ شِئْتَ وَكُنْ(4) أَسِيرَهُ.

لأنّ من احتاج إلى إنسان تملّق إليه وخضع له كمن وقع في أسره وغلاله.

2313 ـ إلْزَمِ الصَّمْتَ فَأَدْنَى نَفْعِهِ السَّلاَمَةُ.

أي السلامة ممّا يترتب على الكلام.

2314 ـ اِجْتَنِب الهَذَرَ فَأَيْسَرُ جِنَايَتِهِ المَلاَمَةُ.

المراد من (الهذر) هو الاكثار من الكلام الباطل والخاطىء والباطل، أو الحديث المنحط الساقط.

2315 ـ اِلْبَسْ مَا لاَ تَشْتَهِرُ بِهِ وَلاَ يُزْرِي بِكَ.

المراد من (تشتهر به) هو أن يكون الثوب نفيساً بنحو يشتهر بأنّ فلاناً لبس مثل هذا الثوب، أو يكون الثوب خشناً وخلقاً فيشتهر بذلك، ولباس الشهرة الّذي اعتبره العلماء مكروهاً يشتمل كلا القسمين، وعليه يكون المراد من (الثوب الّذي يعاب به) امّا هو الثوب الّذي يحرم لبسه وامّا ثوب الخَلق الّذي لا يليق به وارتداؤه يسبب خفته وذله وإنْ لم يبلغ لباس الشهرة، ويمكن أن يكون المراد من (لباس الشهرة) في هذا السياق أن يشتهر بسبب جودته ونفاسته، ومن (ما يعيبه) هو ما يستدعي خفته بسبب الدناءة والذل، وهذا يشمل القسم الثاني للباس الشهرة أيضاً.

2316 ـ إِمْشِ بِدَأْبِكَ مَا مَشَى بِكَ.

لعل المراد هو ظاهر القول، أي إذا كانت لك طريقة في المشي قد جُبلت عليها واعتدتها فامشِ وفقها وبالنحو الّذي توصلك، ولا تغيّرها فانّه أمر لا يستساغ، ولعل المراد بانّك عامل الناس بالنحو الّذي عاملتهم به نفسه ولا تغيره فانّ تغييره غير مستساغ، وعليه ينبغي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن السلوك السابق سيئاً، فانّه يجب تغييره وهو حسن، ولا يخفى أنّ ترك السلوك السابق إذا كان مشتملا على فعل الخير أمر سيء جداً، ويستدعي كثيراً ما زوال سلطانه ونعمته كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَيُغَيِّرُ مَابِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَابِأَنفُسِهِمْ)(5) أي أعمال الخير والبر الّتي كانت من سيرتهم وفي(6) بعض النسخ ورد (بدائك) بدلا عن بدأ بك، فيكون المعنى: تماشى مع مرضك ما مشى بك، أي قم بمداراة المرض بقدر ما يماشيك ويداريك وما دمت قادراً على تحمله ولم يكن شديداً لا تبادر لاستدوائه ومعالجته، خاصة المعالجة المعويصة والخطيرة.

2317 ـ اِفْرَحْ بِمَا تَنْطِقُ إذَا كَانَ عَرِيّاً مِنَ الخَطَأ.

2318 ـ أغْضِ عَلَى القَذْىَ وَإلاَّ لَمْ تَرْضَ أَبَداً.

أي على الإنسان أن يتغاضى عن آلام الزمان وأذاه ويتحملها، وإلاّ فانّه سوف لن يرضى، إذ لا يمكن أن لا يصاب الإنسان بأذى من أيام الدهر.

2319 ـ اِشْتَغِلْ بِشُكرِ النِّعْمَةِ عَنِ التَّطَرُّبِ بِهَا.

2320 ـ اِشْتَغِلْ بِالصَّبْرِ عَلىَ الرَّزِيَّةِ عَنِ الجَزَعِ لَهَا.

2321 ـ أكْرِمْ نَفْسَكَ مَا أَعَانَتْكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ.

2322 ـ اِهِنْ نَفْسَكَ مَا جَمَحَتْ بِكَ إلى مَعَاصِي اللهِ.

«جمحت بك إِلى معاصي الله» أي ساقتك نحوها.

2323 ـ اِسْتَشْعِرِ الحِكْمَةَ وَتَجَلْبَبِ السَّكِينَةَ فَإنَّهُما حِلْيَةُ الأبْرَارِ.

«الشعار» يطلق على الثوب الملاصق لجسم الإنسان ويمسّ شعره، واتخاذ الحكمة كهذا الثوب هو كناية عن عدم تركها أبداً، وهكذا معنى اتخاذ السكينة ثوباً، والحكمة كما ذكر مراراً: العلم الصحيح والقول الصادق.

2324 ـ اِلْزَمِ الصِّدْقَ والأَمَانَةَ فَإنَّهُما سَجِيَّةُ الأبْرَارِ.

2325 ـ اِفْعَلِ الخَيْرَ وَلاَ تُحَقّرْ مِنْهُ شَيْئاً فَإنَّ قَلِيلَهُ كَثِيرٌ وفَاعِلَهُ مَحْبُورٌ.

(انّ قليله كثير) باعتبار انّه وإن كان قليلا فانّه يوجب الثواب، وثواب الله تعالى ثابت ودائم، وبه يشعر الإنسان بالسرور والنشاط دائماً وواضح انّ هذا هو معنى الكثرة.

2326 ـ اَكْذِبِ الأَمَلِ وَلاَ تَثِقْ بِهِ فإنَّهُ غُرُورٌ وَصَاحِبَُ مَغْرُورٌ.

2327 ـ إرْضَ بِما قُسِّمَ لَكَ تَكُنْ مُؤْمِناً.

«ارض بما قُسّم لك» أي قسّمه الله تعالى لك «تكن مؤمناً»، وهذه إشارة إِلى انّ الّذي لا يرضى بذلك لا يكون مؤمناً، ولإعتقاده بأنّ الله تعالى لم يقسم بالعدل.

2328 ـ إرْضَ لِلنَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمَاً.

وهذه إشارة إِلى انّ من يرضى لغير ه ما لا يرضاه لنفسه لا يكون مسلماً، أي لا يكون مسلماً كاملا.

2329 ـ أَدِّ الأَمَانَةَ اِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ.

أي وإن خانك فانّك لا تخنه، ولا تقاصّ حقك من أمانته، كما ورد في أحاديث اُخرى، واشتهر بين العلماء رضوان الله عليهم أجمعين.

2330 ـ إِقْتَنِ العِلْمَ فإنَّكَ إنْ كُنْتَ غَنِيَّاً زَانَكَ وَإنْ كُنْتَ فَقِيرَاً مَانَكَ.

... وهذا امّا باعتبار خصوصية العلم حيث تتوفّر مؤونة طالبه بسهولة، أو باعتبار أنّ الناس يهتمون بشؤون صاحب العلم ويؤمّنون مؤونته ومصروفاته.

2331 ـ إِرْضَ مِنَ الرِّزْقِ بِمَا قُسِمَ لَكَ تَعِشْ غَنِيَّاً.

لأنّ من رضي بقسمته لا يطلب من الغير، ويكون غنياً عن الآخرين كالأغنياء.

2332 ـ إِقْنَعْ بِمَا أُوتِيَتُه تَكُنْ مَكْفِيَّاً.

أي حتّى يكفيك الله تعالى مؤونتك ومصروفاتك، ولا تكن بحاجة إِلى الغير.

2333 ـ اُقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَلْزَمُكَ تَسْلَمْ، وَدَعِ الخَوْضَ فِيما لاَ يَعْنِيكَ تَكْرُم.

والمراد من الأوّل هو أمور الآخرة، والحد الضروري من أمور الدنيا، والمراد من الثاني هو أمور الدنيا الزائدة على حد الضروري.

2334 ـ أَقْلِلْ طَعَاماً تُقْلِلْ سَقَامَاً.

2335 ـ أَقْلِل كَلاَمَكَ(7) تَأْمَنْ مَلاَمَاً.

2336 ـ اِعْلَمْ أَنَّ أَوَّلُ الدِّينِ التَّسْلِيمُ وَآخِرَهُ الإخْلاَصُ.

«الاخلاص» أي جعل الطاعة والعبادة خالصة لله تعالى، والاحتراز من شوبها بأيّ غاية أخرى.

2337 ـ اِنْتَقِمْ مِنْ حِرْصِكَ بِالقُنُوعِ كَمَا تَنْتَقِمُ مِنْ عَدُوِّكَ بِالقِصَاصِ.

أي كما تطالب عدوّك بمثل ما فعل من جرح أو قطع أو قتل.

2338 ـ اَبْقَ لِرِضَاكَ مِنْ غَضَبِكَ وَإِذَا طِرْتَ فَقَعْ شَكِيراً(8).

أي إذا غضبت على أحد فعامله بنحو ما إذا رضيت عنه فلا تخجل منه، وإذا طرت أي إذا قلعك الغضب والسخط من مكانك فانزل شاكراً على انّك قادر على الانتقام، فاكتفِ بهذا وابتعد عن الطيش واعف عنه، ولعل المراد: إذا أصبحت ذا مرتبة عالية فتواضع شاكراً، أي تواضع قاصداً الشكر على وصولك لتلك المرتبة، أو المراد: تواضع واشكر معاً، وورد في بعض(9) النسخ (ابق من رضاك لغضبك) فيعني: أخلُط شيئاً من الرضا مع الغضب حينما تغضب، فلا تغضب كلّ الغضب على أحد، فتؤذيه بشدة دون أن تترك طريقاً للصلح والرضا.

2339 ـ اَكْرِمْ ضَيْفَكَ وَإنْ كَانَ حَقيرَاً وَقُمْ عَن مَجْلِسِكَ لاَِبيكَ وَمُعَلِّمُكَ وَإنْ كُنْتَ أَمِيرَاً.

2340 ـ أَقْلِلِ المَقَالَ وَقَصِّرِ الآمَالَ، وَلا تَقُلْ مَا يَكْسِبُكَ(10) وِزْراً أَوْ يُنَفِّرُ عَنْكَ حُرّاً.

«أو ينفر عنك حراً» أي من لم يصبك بشيء من الأذى، أو الرجل الصالح الزاهد في الدنيا، والتخصيص بهذا الاتجاه هو للاهتمام به، وإلاّ فانّ تنفير كلّ إنسان دون أن يفعل شيئاً يستحق عليه ذلك هو أمر سيء، وفي بعض النسخ(11) ورد (وينفّر) بدلا عن (أو ينفر).

2341 ـ اِنْدَمْ عَلَى مَا أَسَأْتَ وَلاَ تَنْدَمْ عَلَى مَعْرُوف صَنَعْتَ.

2342 ـ أَصْلِحْ إذَا أَنْتَ أَفْسَدْتَ وَأَتْمِمْ إذَا أَنْتَ أَحْسَنْتَ.

«إذا أنت أفسدت» أي أفسدت شيئاً لإنسان، أو بين شخصين.

2343 ـ أَكْثِرْ سُرُورَكَ عَلَى مَا قَدَّمْتَ مِنَ الخَيْرِ، وَحُزْنَكَ عَلَى مَا فَاتَ مِنْهُ.

... وفي بعض النسخ ورد (فاتك) بدلا عن (فات).

2344 ـ اِسْتَخِرْ وَلاَ تَتَخَيَّرْ، فَكَمْ مَنْ تَخَيَّرَ أَمْرَاً كَانَ هَلاَكُهُ فِيهِ.

المراد من الاستخارة طلب الخير من الله تعالى بأحد الطرق الواردة في الشرع، حيث يظهر انّ الخير في إنجاز ذلك الفعل أو تركه، أو المراد محض طلب الخير من الله عز وجل وإحالة ذلك الفعل إليه في أن يفعل ما فيه خيره من الفعل أو ترك، وإذا اقترن هذا الأمر مع دعاء من الأدعية الواردة في هذا المجال، فانّه أفضل يقيناً.

2345 ـ اِسْتَعْمِلْ مَعَ عَدُوِّكَ مُرَاقَبَةَ الإمْكَانِ وَانْتِهَازَ الفُرْصَةِ تَظْفَرْ.

أي إذا أراد الإنسان الانتصار في دفع عدوه، فلا يستعجل، بل عليه الانتظار إِلى حين القدرة والقوّة عليه بحسب الظاهر، وإذا سنحت الفرصة لذلك فعليه اغتنامها وعدم التأخير.

2346 ـ أَنْعِمْ(12) تُشْكَرْ وَارْهَبْ تَحْذَرْ وَلاَ تُمَازِحْ فَتُحْقَرْ.

أي إذا مازحت تحقّر وتُصغّر، فتقلّ هيبتك في الأنظار، وقد مرّ انّ المراد من المزاح هو الاكثار منه وليس ترك المزاح أساساً، حيث انّه لا يسبب قلة هيبته أحياناً، كما ينقل انّه (صلوات الله وسلامه عليه) كان يمازح أحياناً وكان ذا هيبة كاملة، بل نقل انّ الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمازح أحياناً.

ولا يخفى انّ ما كتب في شرح (وارهب تحذر: خفِ الله حتّى تجتنب معاصيه) هو بقراءة (تحذر) بصيغة المبني للمعلوم، ويمكن قراءته بضم التاء أي بصيغة المبني للمجهول فيعني: خفِ الله كي يحذرك الناس.

2347 ـ اُذْكُرْ عِنْدَ الظُّلْمِ عَدْلَ اللهِ فِيكَ، وَعِنْدَ القُدرَةِ قُدْرَةَ اللهِ عَلَيْكَ.

أي حيثما شئت ظلم أحد فاذكر انّ الله عز وجل سوف يتعامل معك بالعدل، وينتقم لذلك كي يكون هذا الأمر صادعاً لك عن الظلم، وإذا قدرت على شخص وأردت الانتقام منه على ذنبه، فاذكر بانّ الله عز وجل له القدرة عليك ولست منزّهاً عن الذنب، فإذا انتقمت فانّ الله تعالى ربّما انتقم منك، فالأفضل أن تعفو وتصفح عن ذنبه فلعلّ الله تعالى يتجاوز بذلك عن ذنبك ويغفره لك.

2348 ـ اِضْرِبْ خَادِمَكَ اِذَا عَصَى اللهَ وَاعْفُ عَنْهُ إذَا عَصَاكَ.

2349 ـ اِصْبِرْ عَلَى عَمَل لاَبُدَّ لَكَ مِنْ ثَوابِهِ، وَعَنْ عَمَل لاَ صَبْرَ لَكَ عَلَى عِقَابِهِ.

«اصبر على عمل...» أي اصبر على تعب ومشقة العبادات الواجبة عليك الّتي لابدّ وأن تنال ثوابها، «وعن عمل لا صبر...» أي اصبر كلما رغبت في فعل حرام ولا ترتكبه، لانّه لا صبر لك على عقابه في الآخرة.

2350 ـ اِعْمَلْ عَمَلَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ مُجَازِيِه بِإسَاءَتِهِ وَإحْسَانِهِ.

أي يعلم بأنّ الله سيجازيه إن فعل خيراً فخير وإن فعل شرّاً فشرّ، فترك الخير وعمل الشرّ حينئذ سفاهة وحماقة.

2351 ـ إِلْزَمِ الصِّدْقِ وَإنْ خِفْتَ ضُرَّهُ فِإنَّهُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الكِذْبِ المَرْجُوِّ نَفْعُهُ.

2352 ـ اُسْتُرِ العَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ.

«استر العورة» أي عورة الناس ما استطعت حتّى يستر الله سبحانه عليك ما تحب ستره، والعورة كما مرّ ذكرها هي الشيء الّذي يخفيه الإنسان عن الآخرين، ولا يرغب اطلاع الغير عليه من العيوب والمعاصي والزلل والخطأ.

2353 ـ اِغْتَنِمْ صَنَائِعَ الإحْسَانِ وَارْعَ ذِمَمَ الإخْوَانِ.

2354 ـ أَشْعِرْ قَلْبَكَ التَّقْوَى وَخَالِفِ الهَوَى تَغْلِبِ الشَّيْطَانَ.

والشعار ـ كما مرّ ذكره ـ هو الثوب الملاصق للجسم، والمراد: اجعل التقوى ملازمة لقلبك بحيث لا تنفك عنه.

2355 ـ اِطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ اليَقِينِ.

أي إدفع الهموم النازلة بك بالصبر مع العزم عليه دون التخلف عنه «وحسن اليقين» أي اليقين بعدل الله تعالى، وبأنّ ما يفعله فيه المصلحة، وانّه يؤجر على الصبر أجراً عظيماً ويكافئه وبأفضل الصور.

2356 ـ اَحْبِبْ فِي اللهِ مَنْ يُجَاهِدُكَ عَلىَ صَلاَحِ دِين وَيَكْسِبُكَ حُسْنَ يَقِين.

2357 ـ اِتَّقِ اللهَ بَعْضَ التُّقَى وَإنْ قَلَّ، وَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ سِتْراً وَإنْ رَقَّ.

أي إذا لم تكن تخشى الله خشية تمنعك من جميع المعاصي، فلابدّ أن تمتلك شيئاً من الخشية، وتجعل بينك وبينه ستراً وإن رقّ، فانّ من لا يخشاه أبداً ولا يضع ساتراً بينه وبين الله كان كالكافر، نعوذ بالله منه.

2358 ـ اِلْزَمِ الحَقَّ يُنَزِّلْكَ مَنَازِلَ أَهْلِ الحَقِّ يَوْمَ لا يُقْضَى إلاّ بِالْحَقِّ.

2359 ـ اَلِنْ كَنَفَكَ وَتَوَاضَعْ لِلَّهِ يَرْفَعْكَ.

المراد من «ألنِ كنفك» هو التعامل بلين ورحمة مع الناس.

2360 ـ إزْهَدْ فِي الدُّنيَا يُبَصِّرْكَ اللهُ عُيُوبَهَا، وَلاَ تَغْفُلْ فَلَسْتَ لِمَغْفُول عَنْكَ.

أي لا يغفلون عنك، ويكتبون ما يصدر منك للحساب، فلا تغفل عن اصلاح أحوالك، وافعل ما فيه فلاحك.

2361 ـ اِكْظِم الغَيْظَ عِنْدَ الغَضَبِ وَتَجَاوَز مَعَ الدَّوْلَةِ تَكُنْ لَكَ العَاقِبَةُ.

2362 ـ أَقِلِ العَثْرَةَ، وَاَدْرَأ الحَدَّ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا لَمْ يُصَرَّح لَكَ بِهِ.

أي تجاوز عن زلل الناس وذنبهم بحقك، و «ادرأ الحد» أي ادرأ الحدّة أو الصعوبة، أو العذاب أي عذابك لهم، أو عذاب الله تعالى لك وذلك انّ عفوك عنهم يكون سبباً لعفو الله تعالى عن ذنوبك ولا يعذبك عليها «وتجاوز عمّا لم يصرح لك به»، أي إذا ذمّك شخص بالكناية ولم يصرح به أي لم يكن كلامه صريحاً في ذمك، واحتُمل وجهاً آخر، فاعفُ عنه ولا تحمله على مذمتك وإنْ علمت بانّه يمسّك كناية.

ويمكن أن يكون قوله (صلوات الله وسلامه عليه) هو (وادرأ الحد بالشبهة) فسقط (بالشبهة) سهواً من قبل أحد الرواة، فيكون المعنى: إدفع الحدود الّتي وضعها الله تعالى على بعض الذنوب كالزنا وشرب الخمر وأمثالهما بمجرد الشبهة والاحتمال، كما هو المشهور عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (إدرؤوا الحدود بالشبهات) أي إذا حصلت شبهة أو اشتباه فلا تحدّوا كمن نراه جالساً يشرب كهيئة شاربي الخمر واحتمل احتمالا بعيداً انّه يحاكيهم، وما يشربه هو عصير الرمان أو ما شاكله، إذن بمجرد هذا الاحتمال يجب عدم التعرض له ولا يمكن اجراء الحد بحقه، وهكذا من أقرّ بما يستوجب الحد ولكنه قال: لم أكن عالماً بحرمته، واحتمل ذلك فيه، كالرجل الّذي أسلم حديثاً، ولم يتعرف جيداً على الأحكام الشرعية، فلا يجري الحد بحقه بهذه الشبهة أيضاً، وعليه يكون مراد قوله(عليه السلام): (وتجاوز عمّا لم يصرح لك به) حيثما أقر شخص لك بما يوجب الحد، من دون أن يكون صريحاً في ذلك بل احتُمل وجهاً آخر وإنْ كان بعيداً وكان ظاهره اقراراً بما يوجب الحد، فاعفُ عنه ولا تجري الحد بحقه ما لم يصرّح بما يوجب الحد على وجه لا يحتمل وجهاً آخر ولا تبقى فيه شبهة، كما صرّحت بذلك أحاديث اُخرى كما نقل أنّ ماعز بن مالك أقر بالزنا لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: (يا رسول الله إنّي قد زنيت فأعرض عنه، ثمّ جاءه فقال: إنّي قد زنيت، ثمّ جاءه فقال: إنّي قد زنيت قال ذلك أربع مرات، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) له: لعلك قتلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا يارسول الله، قال: أنكتها لا تكنى؟ قال: نعم كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر، قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً كما يأتي الرجل من امرأته حلالا).

وبعد كلّ هذه المراتب الّتي لا تحتمل سقوط الحدّ أبداً أمر به فرجم، و (نيك) اسم صريح للجماع، والألفاظ الاُخرى تستعمل كمجاز في ذلك.

ويمكن عدم سقوط (بالشبهة) فيكون المراد: دفع الحدود على تلك الصورة استناداً إِلى الحديث النبوي المشهور، ويمكن أن يكون (وتجاوز... الخ) تتمة لما سبقه، والمراد هو: دفع الحدود والتجاوز عنها في حالة عدم التصريح للحاكم بما يوجب الحد، وإن كان ظاهره ذلك، والله تعالى يعلم.

2363 ـ اِحْتَجِبْ عَنِ الغَضَبِ بِالْحِلْمِ، وَغُضَّ عَنِ الوَهْمِ بِالْفَهْمِ.

ورد في بعض النسخ (على الوهم) وفي بعضها (عن الوهم) أي اجعل الحلم حجاباً وساتراً لك فبه سوف تأمن من مسلطة الغضب، وحيثما توهمت سوءاً بأحد من الناس غض نظرك عنه ولا تأخذه بعين الاعتبار، لأنّ التفهّم يحكم بعدم صحة الأخذ بشيء بمجرد حصول الوهم بل لابدّ من حصول العلم.

2364 ـ أَمْلِكْ عَلَيْكَ هَوَاكَ وَشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ فَإنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ حَقِيقَةْ الْكَرَمِ.

أي املك هواك، وليكن بيدك زمامه، ولا يكن متسلطاً عليك للاضرار بك; لأنّ النفس تريد اتباع الهوى والشهوات وفعل ما تشاء، وعليه كلّ من امتلك هواه وجعله طوع أمره، يكون قد أضرّ بنفسه ـ أي تظن نفسه ذلك ـ وإنْ كان ذلك عين صلاحه في الواقع فابخل بنفسك عمّا لا يحل لك، أي لا تجد بنفسك لها ولا تسمح بتلوثها بها، فإنّ هذا البخل هو جود وكرم في الحقيقة.

2365 ـ اَعْطِ النَّاسَ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ مَا تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ الله سُبحانَهُ وَعَلَى عَفْو فَلاَ تَنْدَمْ.

2366 ـ أَكْرِمْ مَنْ وَدَّكَ وَاصْفَحْ عَنْ عَدُوِّكَ يَتِمَّ لَكَ الفَضْلُ.

2367 ـ اِحْفَظْ رَأْسَكَ مِنْ عَثْرَةِ لِسَانِكَ، وَازْمُمْهُ بِالنَّهْي وَالحَزْمِ وَالتُّقَى وَالعَقْلِ.

وذلك انّ هذه الاُمور هي الّتي تحفظ اللسان من التكلّم من إطلاق بما فيه ضرره أو حتفه، ويمكن أن يكون (النهي) بضم النون على وزن (تُقى) ويعني العقل، فيكون ذكر العقل ثانياً للتأكيد.

2368 ـ إِغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ لِيَجْعَلَ قَضَاءَه(13) فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ.

المراد هو الله سبحانه الّذي يتقبل الخيرات من الأغنياء بعنوان (القرض) كي يعطي عوضه لهم يوم القيامة وهو يوم فقرهم واحدة بعشر.

2369 ـ اِرْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ يَوْمِ نُزُولِكَ، وَوَطِّ المَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ.

أي اتّخذ لنفسك داراً صالحة بممارسة الطاعات والعبادات قبل يوم ورودك فيها، وأعد دارك أو اجعلها مريحة وصالحة بالطاعة والامتثال وفعل الخيرات والبر قبل حلولك فيها.

2370 ـ اِتَّقِ اللهَ بطَاعَتِهِ، وَأَطِعِ اللهَ بِتَقْوَاهُ.

أي عليك أن تخشى الله بأن تطيعه وتمتثل أوامره، وأن تطيعه بأن تتقيه.

2371 ـ اِسْتَدلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا كَانَ(14) فَإنَّ الاُمُورَ أَشْبَاهٌ.

... لهذا القول فوائد جمة تظهر بالتأمل فيه.

2372 ـ اِشْحَنِ الخَلْوَةَ بِالذِّكْرِ، وَاصْحَبِ النِّعَمَ بِالشُّكْرِ.

أي اُذكر الله سبحانه بنحو تشغل به الخلوة، ولا تشعر بأتعاب الوحدة في الخلوة، ورافق نعمك بالشكر أي اشكر عليها، ويمكن أن يكون المراد: صاحب النعم بسبب الشكر، أي اشكر النعمة كي تصاحب النعم، وعليه فانّ الشكر يزيد النعمة، ويمكن أن يقرأ (اصحب) من باب الأفعال، فيعني: اجعل النعم مصاحبة للشكر، والمراد هو الشكر عليها أيضاً.

2373 ـ أَكْثِرِ النَّظَرَ إلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ فَإنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ.

أي انظر كثيراً للذين هم دونك رتبة، ولك زيادة عليهم كي تشكر على هذا الأمر، وهو أنّك لست مثلهم، وهذا على خلاف من ينظر دائماً إِلى من هو فوقه، فإنّ هذا لا يؤدي إِلى الشكر، بل يؤدي كثيراً مّا إِلى عدم الشكر لدى بعض الناس.

2374 ـ أَلِنْ كَنَفَكَ فَإنَّ مَنْ يُلِنْ كَنَفَهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَومِهِ المَحَبَّةَ.

... «يستدم من قومه المحبة» أي يدعو قومه إِلى أن يحبوه دائماً.

2375 ـ اِلْزَمِ الصَّبْرَ فَإنَّ الصَّبْرَ حُلْوُ العَاقِبَةِ مَيْمُونُ المَغَبَّةِ.

2376 ـ اِحْتَمِلْ مَا يَمُرُّ عَلَيْكَ، فَإنَّ الإحْتِمَالَ سَتْرُ العُيْوب، وَإنَّ العَاقِلَ نِصْفُهُ احْتِمَالٌ وَنِصْفُهُ تَغَافُلٌ.

أي تحمّل ما تشهده في أيّامك من أمور غير مرضية، ولا تبدي الشكوى منها ولا تظهرها، لأنّ في هذا التحمل ستراً للعيوب، فانّ العاقل يجب أن يكون نصفه تحمّل أي تحمّل المكروهات والكدورات ونصفه تغافل أي بأن يجعل نفسه متغافلا ومتجاهلا فلو اُسيء إليه تغافل عنه كأنّه لم يعلم بذلك.

2377 ـ اِبْدَأ بِالعَطِيَّةِ(15) مَنْ لَمْ يَسْأَلْكَ، وَابْذُلْ مَعْرُوفَكَ لِمَنْ طَلَبَهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَرُدَّ السَّائِلَ.

2378 ـ اِجْعَلْ زَمَانَ رَخَائِكَ عُدَّةً لأَيَّامِ بَلاَئِكَ.

أي أحسن إِلى الناس أيّام الرخاء والسعة ليكون ذلك ذخيرتك، وسينفعك في أيّام بلائك.

2379 ـ اِرْفَقْ بِاِخْوَانَكَ، وَاكْفِهِمْ غَرْبَ لِسَانِكَ، وَأَجْرِ عَلَيْهِمْ سَيْبَ اِحْسَانِكَ.

2380 ـ اُنْصُرِ اللهَ بِقَلْبِكَ وَلِسَانِكَ وَيَدِكَ، فَإنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ تَكَفَّلَ نُصْرَةِ مَنْ يَنْصُرُهُ.

المراد من نصرة الله هو إطاعته والانقياد له ونصرة دينه وشريعته، ونصرة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفائه صلوات الله عليهم أجمعين.

2381 ـ أَطِل يَدَكَ فِي مُكَافَاةِ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْكَ فَإنْ لَمْ تَقْدِرْ فَلاَ أَقَلْ مِنْ أَنْ تَشْكُرَهُ.

2382 ـ اُبْذُلْ مَالَكَ فِي الحُقُوقِ، وَوَاسِ بِهِ الصَّدِيقَ، فَإنَّ السَّخَاءَ بِالحُرِّ أَخْلَقُ.

المراد بالحقوق هي الحقوق الّتي أقرّها الله تعالى، كالزكاة والخمس والانفاق على الأهل والعيال وما شاكل، والمواساة مع الغير ـ كما مرّ ذكره ـ يعني ايصال المال إليه أو اعطاؤه من كفافه ] ومؤونته[ فإذا كان من الفائض على ذلك فلا يطلق عليه المواساة، أو أن يراه مساوياً له في أمواله، والمراد بـ (الحر) هو الّذي لا يورط نفسه في الطلب والسؤال ولا علقة له بالدنيا، فيكون المعنى: واسِ صديقك ] من مسألة لناس[ من أغلب الأوقات، فانّ الجود للأحرار أليق منه للذين يسألون ويطلبون.

2383 ـ إخْلِطِ الشِّدَّةَ بِرِفْق وَارْفُقْ مَا كَانز الرِّفْقُ أَوْفَقَ.

أي ما دامت الاُمور تسير برفق فارفق أيضاً، وفي المورد الّذي يتطلب الشدة بنحو ضروري فلا تكن شديداً واخلطه بالرفق، وورد في بعض النسخ (بضغث من اللين) بدلا عن (برفق) فيعني: اخلط الشدة بحزمة من اللين أي بمقدار منه، وأصل (الضغث) حزمة من النبات الأخضر المختلط باليابس.

2384 ـ اُنْظُرْ إِلى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِ المُفَارِقِ وَلاَ تَنْظُرْ إلَيْهَا نَظَرَ العَاشِقِ الوَامِقِ.

2385 ـ أَمْسِكَ عَنْ طَرِيْق إذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ.

أي يجب أن يكون الطريق الّذي تسلكه طريقاً مطمئناً في الصحة والصواب، وبمجرد ما احتملت الضلال والضياع احفظ نفسك منه ولا تسلكه.

2386 ـ إِعْتَرِمْ بِالشِّدَّةِ حِيْنَ لاَ يُغْنِي عَنْكَ إلاّ الشِّدَّةُ.

أي كن شديداً واغلظ في المواطن الّتي تلزم فيها الشدة ولا تسير الأمور بيسر، وفي بعض النسخ ورد (اعتزم) بالزاي، ويعني أعزم على الشدة.

2387 ـ أَلْجِىء نَفْسَكَ فِي الاُمُورِ كُلِّهَا إِلَى إلهِكَ فَإنَّكَ تُلْجِئُها إلِى كَهْف حَرِيز.

2388 ـ اِعْتَصِمْ فِي أَحْوَالِكَ كُلِّها بِاللهِ فَإنَّكَ تَعْتَصِمُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ بِمَانِع عَزِيز.

2389 ـ أَحْيِي قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأمِتْهُ بِِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ المَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ، وَبَصِّرْهُ فَجَائِعِ الدُّنْيَا.

أحيِ قلبك أي نفسك بالموعظة الّتي تحييها في الحياة الأخروية وتنجيها من الهلاك في تلك النشأة، وأمتها بترك الدنيا وعدم الرغبة فيها، كأنّهما ميتة تجاه أمور الدنيا ولا ترجو شيئاً منها، وقوّها باليقين، أي بتحصيل اليقين والعلم الصحيح الصادق، وذلّلها واطرد طغيانها وتمردها بذكر الموت، وقرّرها بالفناء أي فليكن سلوها عن مكاره الدنيا وغمومها التذكر بأنّها غير خالدة وسوف تفنى حتّى تطمئن وترضى بذلك، وبصّرها بمصائب الدنيا كي تعلم انّ الدنيا ليست أهلا للرغبة فيها والحرص عليها.

2390 ـ اَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِجَميعِ النَّاسِ وَالإحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَلاَ تُنِلْهُمْ حَيْفاً وَلاَ تَكُنْ عَلَيْهِمْ سَيْفاً.

... «لا تكن عليهم سيفاً» أي لا يصل ضرر منك إليهم.

2391 ـ أُذْكُرْ أَخَاكَ إِذَا غَابَ بِالَّذِي تُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ بِهِ وَإِيَّاكَ وَمَا يَكْرَهُ، وَدَعْهُ مِمَّا تُحِبُّ أَنْ يَدَعَكَ مِنْهُ.

أي لا تكلّف أخاك ببعض التكاليف الشاقة الّتي تود أن لا يكلّفك بها، ودعه عنها.

2392 ـ اِتِّقِ اللهَ الّذِي لاَبُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَلاَ مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ.

2393 ـ أَدِّ الأَمَانَةَ إِذَا أْئِتُمنْتَ، وَلاَ تَتِهَّمْ غَيْرَكَ إِذَا ائْتَمَنْتَهُ فَاِنَّهُ لاَ اِيمانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ.

أي لا تتّهم من ائتمنته بالخيانة في الأمانة إلاّ أن يتبيّن لك ذلك، فإنّ الخيانة في الأمانة معصية كبيرة، وهي بمثابة فقدان الإيمان، إذن لا يمكن اتّهام إنسان بذلك حتّى يعلم ذلك منه، ويمكن أن يكون هذا التعليل للعبارة الأولى وهي الأمر بأداء الأمانة، وعليه يكون معناها واضحاً.

2394 ـ أُحْرُسْ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ سُلْطَانِكَ وَاحْذَرْ أَنْ يَحُطَّكَ عَنْهَا التَّهَاوُنُ عَنْ حِفْظِ مَا رَقَاكَ إِلَيْهِ.

أي احذر أن يحطّك عن تلك المنزلة التهاون في ما رفعك إِلى تلك المنزلة والتساهل فيه، بل عليك الاهتمام بذلك كي تحفظ منزلتك ولا تكون مهاناً وذليلا.

2395 ـ إصْحَبْ مَنْ لاَ تَرَاهُ إلاَّ وَكَأَنَّهُ لاَ غَنَاءَ بِهِ عَنْكَ، وَإِنْ أَسَأْتَ إلَيْهِ أَحْسَنَ إلَيْكَ وَكَأنَّهُ المُسيءُ.

أي كن صاحباً لله عز وجل الّذي يصنع هكذا معك وكأنّه يحتاج إليك، وكلّما أسأت إليه أحسن إليك وأنعم عليك وكأنّه المسيء إليك.

2396 ـ إِزْهَدْ فِي الدُّنْيا وَاعْزِفْ عَنْها وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ المُوْتُ وَأَنْتَ آبْقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِها فَتَشْقَى.

2397 ـ اِسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكِ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكِ، وَارْضَ لِلنَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لِنَفْسِكَ.

«استقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك» أي لا تكن كأغلب الناس يستقبحون الذنب من الآخرين وهم يرتكبونه دون أن يستقبحونه، «وارضَ للناس بما ترضاه لنفسك» أي لا ترضَ لهم بما لا ترضاه لنفسك. وفي بعض النسخ بل أكثرها ورد (من الناس) فيعني: ارضَ من الناس ما ترضاه لنفسك، يعني ارضَ بسلوكهم معك كما ترضى بسلوكك معهم، ولا تتوقع أكثر من ذلك، وعليه لا تسلك معهم سلوكهم معك الّذي لا ترضاه، والنسخة الأولى هي الأظهر.

2398 ـ وَاَخْلِصْ لِلَّهِ عَمَلَكَ وَعِلْمَكَ وَحُبَّكَ وَبُغْضَك وَأَخْذَكَ وَتَرْكَكَ وَكَلاَمَكَ وَصَمْتَكَ.

أي أخلص كلّ أعمالك لله تعالى; بأن تكون للتقرب إليه فقط وامتثال أمره دون تلوثها بغايات أخرى، والمراد من الأخذ والترك أمّا أخذ الناس وتركهم، أي ليكن من تأخذه للتحرر وكذلك من تتركه فليكن كلّه لله تعالى، أو ليكن الشيء الّذي تأخذه من أحد الناس أو تتركه أي الشيء الّذي تأخذه في أيّ مكان كان من هدية أو زكاة أو غيرهما وما لا تأخذه وتتركه في أيّ مكان فليكن خالصاً لله عز وجل .

2399 ـ اِسْعَ فِي كَدْحِكَ وَلاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ.

أي بأن تجمع الدنيا ولا تصرف منها شيئاً وتتركه لغيرك.

2400 ـ اَدِمْ ذِكْرَ المَوْتِ وَذِكْرَ مَا تَقْدِمُ عَلَيْهِ بَعْدَ المَوْتِ وَلاَ تَتَمَنَّ المَوْتَ إلاّ بِشَرْط وَثِيق.

أذكر الموت دائماً، واذكر ما ستقدِم عليه بعد الموت، أي من عقبات القيامة وأهوال الحساب غيرها، ولا تتمنَّ الموت إلاّ بشرط وثيق، وهو أن لا تظن بوجود معصية فيك، وبدونه لا تتمنَّ الموت لأنّك إن بقيت في الدنيا فلعلّك لا توفّق للفلاح ولجبر ما فات، وعلى الأقل تصبح عجوزاً فيرحم الله تعالى عجزك ويغفر لك، كما ورد في الأحاديث من أنّ الله تعالى يستحيي من تعذيب الشيخ الكبير.

 

 

الهوامش:

(1) كتب الشارح(رحمه الله) (يلزمك) بكسر الزاي وتم اصلاحه بعد عدم العثور عليه في اللغة.

(2) و(3) و(4) ما لوحظ في سائر الكتب هو (تكن).

(5) الرعد: 11.

(6) من هذه العبارة إِلى النهاية يوجد في نسخة مكتبة مسجد سبهسالار فقط وهي صحيحة جداً، والمعروف لدى العلماء هو هذه القراءة وكفى.

(7) في نسخة مكتبة سبهسالار: أقلل كلاماً تأمن ملاماً.

(8) ينبغي أن نعلم بأنّ (شكير) لا يعني شاكر، ففي القاموس: الشكير من الشعر والريش والعفار والنبت صغاره بين كباره، وهذا من الموارد الّتي أخطأ فيها الشارح(رحمه الله)، وكأن السبب هو عدم رجوعه إِلى اللغة، عصمنا الله من الزلل.

(9) من (في بعض النسخ... الخ) موجود في نسخة مكتبة سبهسالار فقط.

(10) ورد في كتب اللغة: كسب واكسب فلاناً مالا وعلماً: أناله إياه، ولكن الزمخشري قال في أساس البلاغة: وكسبته مالا فكسبه ولا يقال: أكسبته، ولمن أراد التفصيل مراجعة كتب اللغة الموسعة.

(11) من (وفي بعض النسخ... الخ) موجود في نسخة مكتبة سبهسالار فقط.

(12) ورد بخط الشارح(رحمه الله) اَنعِم واِنعَم من باب الإفعال في الثلاثي المجرد كـ (اِعلَم)، والاثنان صحيحان مع انّ الوجه الأوّل هو المتعين في مثل هذا المورد، فراجع كتب اللغة.

(13) أثبت الشارح(رحمه الله) (قضاء) بالألف المقصورة.

(14) ورد في نهج البلاغة في الوصية للإمام الحسن(عليه السلام): (بما قد كان).

(15) وفي نسخة مكتبة سبهسالار: (أبداً بالعطية لمن لم يسألك).